صفحات مميزة

عن معركة الرقة والمعارك المرتبطة بها –مجموعة مقالات-

«معركة الرقة»: عدو معلن وأهداف خافية

تتقاطع في «معركة الرقة» قوى محلية وإقليمية ودولية، وتختلط ميليشيات دخيلة بأخرى سورية كردية وعربية، وتتشابك مصادر السلاح، وتتقاطع الأهداف الخافية خلف الهدف الوحيد المعلن: تحرير المدينة من قبضة تنظيم «الدولة الإسلامية». غير أنّ الأبعاد الأخرى خلف هذا المشهد تنذر بتعقيدات كبرى تتجاوز هذه المعركة، وتهدد بمعارك أخرى رديفة أو وليدة، في حرب صراعات المصالح واقتسام النفوذ على الأرض السورية.

 

 

 

 

«معركة الرقة»: مصاهرات الأبالسة/ صبحي حديدي

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، أي بعد قرابة ثمانية أشهر على انطلاق الانتفاضة الشعبية في سوريا؛ شاء بشار الأسد أن يؤدي صلاة عيد الأضحى في مدينة الرقة، شمال شرق البلاد، التي لم يُعرف للبيت الأسدي أيّ اهتمام بها (أسوة بمثيلاتها مدن «الجزيرة» السورية: دير الزور، الحسكة، القامشلي). قيل، يومئذ، إنّ الأسد اختار هذه المدينة لأنها تأخرت في الالتحاق بموجة الاحتجاجات الشعبية، أو لأنّ تركيبتها العشائرية أكثر قابلية للاختراق والتدجين، أو لأنّ الخطوة قد تمثّل «رشوة» متأخرة للمنطقة الشمالية ـ الشرقية عموماً. ولقد توفرت أيضاً (في الصحافة الغربية هذه المرّة، ذاتها التي احتفلت بعقيلة الأسد، أسماء الأخرس، بوصفها «وردة الصحراء»!)، مخيّلة استشراقية، ضحلة وفضفاضة وبلهاء في آن معاً، ارتأت أنّ الأسد إنما يحاول جَسْر هوّة جديدة مع المنطقة، بعد أن صاهر سنّة مدينة حمص، واقتفى أثره شقيقه ماهر الذي صاهر مدينة دير الزور!

في آذار (مارس) 2013، باتت الرقة أولى المدن السورية التي تخرج من قبضة النظام؛ لا لشيء إلا لتقع في قبضة خلائط الجهاديين الإسلاميين، «جبهة النصرة» و»أحرار الشام» و»داعش»، فينسحب منها هؤلاء تباعاً، وتُترك الهيمنة فيها لتنظيم البغدادي، الذي لن تطول به الحال قبل أن يعلن «دولة الخلافة» العتيدة. ولعلّ المدينة، الشهيدة والشاهدة منذ أربع سنوات، لن تفلح في محو سلسلة التواريخ الشائنة، ولكن الدامية الهمجية أيضاً، التي عاشتها تحت «حكم» الجهاديين؛ وهيهات أن ينسى نشطاؤها، والكثيرون منهم يرزحون اليوم في أغلال «داعش»، أنّ الزخم الثوري الذي أطلقته صلاة العيد الأسدية، والتي شكّلت للمدينة ولأهلها إهانة وطنية وأخلاقية فاضحة، وُئد سريعاً بأيدي أولئك الذين زعموا «معارضة» نظام الأسد.

كذلك تقتضي حقوق الذاكرة، وحقّ مدينة الرقة الثائرة أولاً، أن يسترجع المرء بعض «أفكار» الأسد في تلك الفترة؛ لغرض المقارنة مع مشهد الرقة الراهن، الذي يشير إلى نقيض مزاعم رأس النظام، تماماً وعلى نحو مطلق. ففي حوار مع أندرو غليغان، الصحافي البريطاني الذي يُعدّ بين الأشدّ عداء للعرب وانحيازاً لإسرائيل، شاء الأسد التركيز على الاعتبارات التالية: 1): التحذير، المبطّن بالوعيد، من مغبّة التدخل العسكري في سوريا، حيث لن يعيد الغرب إنتاج أفغانستان جديدة واحدة، بل «عشرات الأفغانستانات»؛ و2) التذكير بأنّ نظامه يقاتل «القاعدة»، وبالتالي من مصلحة الغرب أن يقف على الحياد؛ و3): التدخّل في شؤون النظام «سوف يحرق المنطقة بأسرها»، وإذا كانت «الخطة تسعى إلى تقسيم سوريا، فإنّ هذا يعني تقسيم المنطقة بأسرها»؛ و4): البلدان الغربية سوف تصعّد الضغوطات على النظام، «بالتأكيد»، كما شدد الأسد، قبل أن يردّ بهجوم معاكس يذكّر بحديثه الشهير مع صحيفة «وول ستريت جورنال» قبيل الانتفاضة: لكنّ سوريا مختلفة، في كلّ اعتبار، عن مصر وتونس واليمن. التاريخ مختلف. والسياسة مختلفة».

فماذا يقول مشهد ما يُسمّى بـ»معركة الرقة» اليوم، سوى تدخّل أمريكا (والتحالف الدولي، إجمالاً)، وروسيا، وإيران، و»حزب الله» والميليشيات من مختلف منابع التشيّع المذهبي والسياسي والعسكري؟ وأيّ حياد، للغرب، كان الأسد يحلم به، بعد كلّ هذه الأنساق من التورّط اللاحيادي؟ وماذا عن وعيد الأسد باحتراق المنطقة، ألا يصيب نظامه أو ما تبقى له من سوريا الراهنة، أولاً؟ وهذا السباق الجنوني في التسليح، بين واشنطن وموسكو وطهران وأنقرة، للكرد والعرب والميليشيات والعصائب، كيف يُبقي سوريا «مختلفة»… حقاً؟ وكم من مصاهرة شائنة مع الأبالسة سوف يعقد الأسد، في الرقة ودير الزور، وفي درعا وتدمر، وحيثما يتوجب أن يندلع اللهيب؟ وكم من شبح تقسيم سوف يُطلق في ربوع سوريا، «المفيدة» منها والمخصصة للخراب والدمار؟

.. في حضور «داعش» كما في غيابها، بالطبع؛ فالأمر عنده سيان!

القدس العربي

 

 

 

يتمنى أن يطول انشغال أمريكا وحلفائها في معركة الرقة: عين النظام السوري على دير الزور ومنابع النفط/ منهل باريش

تباطأت عمليات التقدم السريع لـ»قوات سوريا الديمقراطية» و»قوات النخبة السورية» بعد سيطرتها على الأحياء الطرفية لمدينة الرقة، وواجهت القوات المهاجمة مقاومة عنيفة من تنظيم «الدولة الإسلامية» في الجهة الشمالية للمدينة.

وبدأ الهجوم، الذي يخطط له ضباط في وزارة الدفاع الأمريكية، من ثلاثة محاور، غربي وشمالي وشرقي، فيما يحد الرقة جنوبا نهر الفرات. وانطلق هجوم «قوات النخبة» من قرية رقة السمراء شرق مدينة الرقة، لتسيطر على أول حي في المدينة، وهو «المشلب»، وتتقدم بعده إلى حيي المختلطة والصناعة، وتصل على بعد مئة متر من باب بغداد، أحد أبواب سور الرقة الأثري، وهو ما يعني الوصول إلى عمق مدينة الرقة القديمة. إلا أن التنظيم شن هجمات متفرقة من الأحياء المحاذية شمالا، للمختلطة والصناعة.

في الجهة الغربية، تقدمت «قسد» وسيطرت على أحياء الرومانية، مفرق الجزرة والسباهية، وهما آخر توسعين سكنيين غرب المدينة. وتمكنت «قسد» من السيطرة على الأسدية شمال الرقة، وخاضت معارك عنيفة مع التنظيم انتزعت بعدها نصف «الفرقة 17» شمال المدينة. لكنها لم تحرز خرقا كبيرا بعدها، إذ صدّ مقاتلو التنظيم هجومين كبيرين لـ»قسد» وقوات من «الصناديد» التي يقودها شيخ قبيلة شمر، حميدي الدهام الجربا.

وتشتد المعارك على هذا المحور بشكل كبير، فمن الواضح أن قيادة عمليات التحالف الدولي تريد السيطرة على «الفرقة 17» وباقي المراكز الحيوية والصناعية شمال المدينة، حيث يوجد معمل السكر، وصوامع الحبوب، ومجفف الذرة الصفراء والمؤسسة العامة للأعلاف. وكلها تتموضع جنوب الفرقة 17 على طريق الرقة – تل أبيض، وهي أبنية حصينة هندسيا، وتصعب السيطرة عليها في القتال البري.

وفي حال تمّ ذلك، تكون القوات المهاجمة قد أطبقت الخناق على التنظيم من المحور الشمالي الذي يمتد شمال سكة القطار، أو كامل الخط الممتد بين صوامع الحبوب شرقا ودوار الفروسية غربا، المجاور للرومانية.

الناطق الرسمي في «قوات النخبة»، الدكتور محمد شاكر، أكد صعوبة المعارك التي تخوضها قواته في الجبهة الشرقية، وقال في حديث لـ «القدس العربي»: «تتمركز قواتنا في حي الصناعة وتقوم بالتمشيط وتفكيك العبوات المفخخة والألغام التي زرعها داعش، ونعاني من عمليات القنص ضد مقاتلينا». وأضاف: «تمكنا من صدّ عدة هجمات عكسية للتنظيم في المشلب والصناعة». كما أشار شاكر إلى أن التكتيك الآن هو» تضييق الخناق على التنظيم رويدا رويدا، لإجباره على الاستسلام أو الانسحاب».

وتعتبر «النخبة» شريك التحالف الدولي في الحرب ضد «تنظيم الدولة» منذ نهاية عام 2016 إلى جانب «قسد» حسب الناطق الرسمي باسم التحالف الدولي جون دوريون. كما تعتبر الذراع العسكري لتيار «الغد السوري» الذي يقوده رئيس الائتلاف السوري الأسبق، أحمد الجربا، ويتكون من أبناء القبائل العربية السنية في المنطقة الشرقية، وتعدّ عشيرة الشعطيات نواة تأسيسه. ويبلغ تعداد قوات التيار 3500 مقاتل حسب تصريح الناطق الرسمي، الذي شدد في السياق على أن «أبناء مدينة الرقة سيقومون بإدارة مدينتهم بأنفسهم، ولن تتدخل أي جهة عسكرية فيها».

في سياق متصل، وثق نشطاء من الرقة مقتل أكثر من 600 مدني في قصف التحالف الدولي على المدينة، حيث لم يتورع عن استخدام الفوسفور الأبيض فوق رؤوس أطفال المدينة، في مخالفة واضحة لأصول استخدام الذخائر في حرب المدن والنزاع المسلح حسب القانون الدولي الإنساني.

وتتضارب المعلومات، عن قرار التنظيم في الانسحاب أو القتال والدفاع عن عاصمة «الخلافة الإسلامية»، فبعد انسحابه دون قتال من مدينة الطبقة، وإعلان وكالة «أعماق» خروجه منها، شكك الكثير من المتابعين في عزمه على القتال في الرقة.

إلا أن المؤشرات، حتى اللحظة، تقول العكس، وهو ما يلاحظ في مجلة» النبأ» التي يصدرها التنظيم، أسبوعيا وينشرها إلكترونيا أو يوزعها على أعضائه والعموم. فأغلب مقالات كتابها وتحليلاتهم تشدد على أن المعركة هي مسألة وقت، وأن «كل يوم يثبت فيه المجاهدون في حربهم سيزيد من حدة الصراع بين حلفاء أمريكا، ويقرب من حالة الاحتراب بينهم»، حسب ما جاء في المجلة غير الرسمية للتنظيم.

في هذا السياق يمكن فهم الانسحاب من «الطبقة»، بأنه قرار بتعزيز القوات في الرقة، والاستعداد لمعركة طويلة الأمد فيها.

النظام السوري بدوره دخل على خط المواجهة في الحدود الإدارية لمحافظة الرقة من الجهة الجنوبية، إذ تقدمت «قوات النمر» التي يقودها العقيد سهيل حسن لتقطع طريق أثرية – الطبقة لأول مرة منذ سيطرة المعارضة المسلحة على الرقة عام 2013. ونشر مقاتلو «النمر» صورا لهم في منطقة حقول النفط قرب الرصافة وانباج، الأمر الذي يعكس رغبة لدى النظام السوري وحلفاؤه بالتقدم إلى دير الزور من عدة محاور، وترك أمريكا وحلفائها منشغلون في معركة الرقة ضد «الدولة الإسلامية».

وتحاول قوات النظام، مدعومة بنحو 32 ألف مقاتل من الميليشيات الإيرانية، السيطرة على البادية السورية. وبالفعل تمكنت من الالتفاف على «مغاوير الثورة» والقوات المشتركة الأمريكية ـ النرويجية شمال قاعدتي الزكف والتنف، والوصول إلى الحدود العراقية، وقطع الطريق على أمريكا ومنعها من التوجه إلى البوكمال.

كذلك، دفع النظام السوري باللواء 103 حرس جمهوري، معززا بكتيبة من القوات الخاصة الروسية، من أجل معارك شرق وشمال تدمر، بهدف السيطرة على بلدة السخنة على الطريق الواصل بين تدمر ودير الزور. في الغضون، أبعدت موسكو الميليــشــيات الإيرانــيــة، تخوفا من تكرار انســحـــابها أمـــام تنظيم «الدولة» كما حصل نهاية 2016.

محاور الهجوم التي يشنها النظام والميليشيات الإيرانية تؤكد أن هدف النظام، بعد أستانة وتبريد كل الجبهات مع المعارضة، أصبح الوصول إلى مدينة دير الزور، حيث يحاصر النظام في مطارها العسكري واجزاء كبيرة من احيائها منذ نهاية 2012. كذلك فان النظام يهدف إلى نزع حقول النفط والغاز من سيطرة التنظيم وإعادة الحياة لاقتصاده المتهالك، وهو ما يجنبه التفكير بشراكة «تحرير الرقة». بل على العكـس، يتمنى أن تطــول وتنشغل أمريكا وحلفاؤها في الحرب ضد التنظيم حتى يتمكن من السيطرة على مــنابع النفط شمال دير الزور.

القدس العربي

 

 

 

 

الدور الأردني في سوريا: المناطق الآمنة ومستقبل الأزمة/ نبيل عودة

مقدمة

فرضت الثورة السورية منذ تحولها إلى “حرب عسكرية” تحديات جوهرية على المملكة الأردنية الهاشمية من عدة نواحٍ، كان الأمن والاقتصاد من أبرزها. فعلى الجانب الاقتصادي، بلغ نصيب الأردن من اللاجئين السوريين ما يقرب من 700 ألف لاجئ مسجلين رسميًّا وفق وكالة الأمم المتحدة للاجئين(1)، ومع إضافة اللاجئين غير المسجلين يصل العدد إلى ما يقرب من مليون و400 ألف لاجئ تقريبًا، وهو ما كبَّد الخزينة الأردنية مصاريف مباشرة وغير مباشرة بلغت زهاء 6.6 مليارات دولار؛ حيث شكَّل التمويل الخارجي منها حوالي 35% فقط(2). هذا بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي تكبَّدها الأردن جرَّاء إغلاق المعابر الحدودية، وانخفاض معدلات التجارة البينية.

أما على الجانب الأمني، فقد شكَّلت التهديدات المتأتية من الجماعات السلفية-الجهادية، والميليشيات الشيعية التابعة لإيران الهاجس الأكبر لصنَّاع القرار الأردني بما تمثله من خطر على حالة السلم والأمن الداخليين من جهة، أو على الأمن القومي المتعلق بتشكل الهلال الشيعي. وتتداخل الأعباء الاقتصادية والهواجس الأمنية وتتقاطع بعضها مع بعض لتشكِّل معًا المنطلقات الأساسية التي قامت عليها السياسة الأردنية تجاه الأزمة السورية.

المناطق الآمنة وتدفق اللاجئين

وقف الأردن كغيره من دول الجوار السوري أمام الخيار الصعب في المواءمة بين متطلباته الأمنية والاقتصادية، وبين الالتزامات الإنسانية ومبادئ القانون الدولي التي تفرض على الدول عدم إغلاق حدودها أمام اللاجئين الفارِّين من مناطق النزاع. في البداية، اتبع الأردن سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين السوريين، ومع تفاقم الوضع الإنساني جرَّاء الحرب السورية، وتزايد أعداد الفارين من مناطق النزاع بشكل كبير إلى الأردن، بدأت الحكومة الأردنية تطالب المجتمع الدولي بضرورة إنشاء مناطق عازلة من أجل تأمين ملاذات آمنة للاجئين، ولكن لم تلقَ دعواتها استجابة من المجتمع الدولي. ومع تفاقم أزمة اللاجئين أكثر داخل الأردن -حيث شكَّل الفقر بين أولئك اللاجئين غير القاطنين في المخيمات ما يقرب من 93%- أغلق الأردن حدوده في العام 2015، وأخذت تبعًا لذلك تتشكَّل بحكم الأمر الواقع مناطق عازلة بين الحدود الأردنية والسورية عُرفت باسم Berm أو مخيم الركبان، والذي أصبح بحدِّ ذاته يشكِّل مصدر صداع كبير للسلطات الأردنية لما يُعتقد أنه يضمُّ الكثير من عناصر “تنظيم الدولة” أو من المتعاطفين معه؛ حيث احتوت هذه المناطق على ما يقرب من 70 ألف لاجئ سوري أو يزيد(3).

 

كان الدافع وراء المطالبة بتشكيل مناطق عازلة مبدئيًّا ينبع من الرغبة الأردنية في السيطرة على تدفق اللاجئين، ولكن مع تتابع التطورات الدراماتيكية على خريطة الاقتتال داخل الأراضي السورية، وخصوصًا بعد سقوط حلب الشرقية بيد النظام والميليشيات الإيرانية الداعمة له؛ وهو ما شكَّل بحدِّ ذاته تحولًا استراتيجيًّا في مسار الصراع، أخذت الرغبة الأردنية في تشكيل المناطق العازلة تنحو نحو الهواجس الأمنية أكثر من غيرها. فبعد مؤتمر لندن، الذي عُقد في فبراير/شباط 2016، لمعالجة أزمة اللاجئين السوريين، أحدث الأردن تغييرًا جوهريًّا في مقاربته للتعامل مع أزمة اللاجئين لتحييدها جزئيًّا؛ حيث تم الانتقال من التعاطي مع اللاجئين من الحل المرحلي إلى الحل طويل الأمد من خلال برامج لإدماجهم في سوق العمل، وتحسين أوضاعهم المعيشية وفق ما بيَّنته خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية 2016-2018(4)، وبذلك يكون الأردن من خلال تسكين ملف اللاجئين -إلى حدٍّ ما- في وضع الاستعداد للانخراط أكثر في الترتيبات الأمنية المتعلقة بالمناطق الآمنة في جنوب سوريا.

الخطر الأمني المزدوج

حدَّد الأردن مصادر التهديد لأمنه من جهتين؛ إذ كان تنظيم الدولة والجماعات المنضوية تحت لوائه الخطر الأكثر إلحاحًا، في حين كان الخطر المتأتي من الميليشيات الشيعية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني يتزايد يومًا بعد يوم ليشكِّل أيضًا “مصدر تهديد لا يمكن التغافل عنه أو التسامح معه”، على حدِّ قول الملك عبد الثاني في المقابلة التي أجراها مع صحيفة الواشنطن بوست في أبريل/نيسان 2017(5)، خصوصًا وقد أصبحت هذه الميليشيات على بُعد أقل من 70 كم من الحدود الشمالية للأردن.

  1. تنظيم الدولة ومعضلة إعادة الانتشار

كان الأردن من أوائل الدول التي شاركت في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة، وعمل كقاعدة لوجستية للتحالف، سواء للمجهود العسكري المباشر أو من خلال الإسهام في عمليات التدريب والمشورة للفصائل “السورية المعتدلة” التي تم تشكيلها لطرد التنظيم من المناطق التي سيطر عليها في المناطق الجنوبية من سوريا. ولكن مع تطور الأحداث، أخذ الانخراط الأردني يتزايد، ويصبح أكثر فاعلية. أدى الاستهداف المباشر للأردن من قبل تنظيم الدولة، سواء من خلال إعدام الطيار الأردني، معاذ كساسبة، حرقًا، أو من خلال استهداف حرس الحدود بالسيارات المفخخة، أو من خلال تنفيذ عمليات بالعمق الأردني، مثل عملية الكرك -التي راح ضحيتها ثمانية من عناصر الأمن الأردنية- إلى إحداث نقلة نوعية في المقاربة الأمنية الأردنية في التعامل مع التنظيم؛ والانتقال من استراتيجية “الوسادات” التي كانت تقوم على مبدأ الاعتماد على فصائل الجيش السوري الحر من أجل تأمين المناطق الجنوبية(6)، إلى استراتيجية المواجهة المباشرة والتي تمثَّلت بتوجيه ضربات جوية لمواقع تنظيم الدولة في جنوب سوريا، بمقاتلات الـF16، وتنويع الأساليب القتالية باستخدام الطائرات بدون طيار، وذخائر دقيقة التوجيه(7).

يسيطر “جيش خالد من الوليد” التابع لتنظيم الدولة، والذي أُعلن عن ولادته في مايو/أيار 2016، عبر اتحاد ثلاث فصائل إسلامية (هي: لواء شهداء اليرموك، وجيش الجهاد، وحركة المثنى الإسلامية)، على منطقة وادي اليرموك في ريف محافظة درعا، جنوب سوريا(8). ويشكِّل القرب الجغرافي لمناطق تمركز التنظيم من الحدود الأردنية الشمالية مصدر قلق للأردن من ناحيتين رئيسيتين: أولهما: تتعلق بقدرة التنظيم على توجيه هجمات ضد قوات حرس الحدود الأردنية باتباع أسلوب الكرِّ والفرِّ، وهو ما يفرض نمطًا من معارك الاستنزاف التي يمكن أن تثقل كاهل الجيوش النظامية. وثانيهما: إمكانية أن تشكِّل هذه البؤر مراكز جذب لعناصر جديدة من تنظيم الدولة خصوصًا من المناطق التي يفقد السيطرة عليها في العراق وسوريا. وفي ظل العدد الكبير من الأردنيين الملتحقين بصفوف تنظيم الدولة (يصل العدد إلى 2500 تقريبًا) (9)، فإن الغالبية منهم ربما تفضِّل الانتقال إلى مراكز قريبة من الحدود الأردنية لتسهيل عملية التسلل وتنفيذ عمليات بالعمق الأردني، وبذلك تكون منطقة القنيطرة التي تعد تحت سيطرة التنظيم إحدى البؤر الجذابة لعملية إعادة الانتشار التي قد يتبعها التنظيم في المرحلة المقبلة مع اشتداد الخناق عليه شمالًا.

وبناء على ذلك، قد يعمد الأردن، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة وبريطانيا وربما أيضًا بدعم من إسرائيل، إلى التدخل بشكل مباشر في الأراضي السورية تحت اسم –ربما- “درع اليرموك” في محاكاة لعملية “درع الفرات” التي قامت بها القوات التركية في الشمال، وذلك من أجل تطهير هذه البؤر بشكل كامل من أعضاء تنظيم الدولة، وتشكيل حزام من المناطق الآمنة خصوصًا مع احتدام المعارك ضد التنظيم في الشمال السوري في الرقة ووادي الفرات ودير الزور، من أجل قطع الطريق أمام أية عمليات محتملة لإعادة الانتشار قد يقوم بها تنظيم الدولة. يدرك الأردن بشكل كبير أن طرد تنظيم الدولة من المناطق المركزية التي يسيطر عليها كالموصل والرقة ودير الزور لا يعني أبدًا هزيمته نهائيًّا، وإنما ستكون فاتحة جولة جديدة من الصراع بمتطلبات مختلفة عمَّا كانت عليه طبيعة المعركة في السابق. فكيان هلامي كتنظيم الدولة يتمتع بمرونة كبيرة قادر على التكيف بشكل سريع مع مستجدات المرحلة خصوصًا أن للتنظيم خبرة طويلة بأسلوب حرب العصابات.

وقد عبَّر عن هذه المخاوف بشكل صريح الملك عبد الله في مقابلته مع الواشنطن بوست، عندما قال: “إن المشكلة الوحيدة -بالرغم من أن الأوضاع في سوريا والعراق بخصوص هزيمة الإرهاب تسير بشكل جيد- هي أن [الميليشيات وعناصر تنظيم الدولة] تتحرك جنوبًا باتجاه الأردن، مما يشكِّل تحديًا، ولكن الأردن وبالتعاون مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا مستعد لذلك”(10). وأضاف (معبِّرًا عن الرؤية الأردنية) أن: “جهود مكافحة تنظيم الدولة يجب ألا تقتصر على سوريا والعراق، بل يجب تبني مقاربة دولية بحيث تتم محاربة “الإرهابيين” أينما وُجدوا”(11).

  1. الميليشيات الشيعية والهدف الإيراني

أما بخصوص الخطر الآخر، فإن الأردن يحذر من التحول الجيوستراتيجي الهائل الذي ستؤول إليه خريطة المنطقة في حال استطاعت إيران، من خلال الميليشيات التابعة لها، السيطرة على مساحة من الأرض تسمح لها بإقامة جسر بري آمن يربط بين أراضيها والضفاف الشرقية من البحر المتوسط عبر كلٍّ من العراق وسوريا ولبنان. سيكون تشكيل ما يسمى “الحزام” أو “الهلال الشيعي” بمثابة التتويج الحقيقي للهيمنة الإيرانية على المنطقة. ولا شك بأن وجود الحرس الثوري على الحدود الشمالية والشرقية للأردن سيكون بمثابة الكابوس لصُنَّاع القرار بعمَّان، خصوصًا أن الملك عبد الله الثاني كان من أوائل القادة العرب الذين حذَّروا من تكون الهلال الشيعي عام 2004 إثر سقوط نظام صدام حسين وتمدد النفوذ الإيراني في العراق.

بعث الأردن برسائل واضحة وحازمة تقضي بأن أمن الحدود الشمالية يأتي على رأس سُلَّم الأولويات للأمن القومي الأردني. وذلك يتحقق فقط من خلال منع أي وجود لتنظيم الدولة بالقرب من الحدود الشمالية من جهة أو أية ميليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني من جهة أخرى. وإذا كان التعامل مع الخطر الأول، نظرًا للإجماع الدولي على محاربته، يسير بخطوات حثيثة ومتواصلة، ويحقق إنجازات على الأرض، فإن سياسة التعامل مع الخطر الثاني ما زالت عالقة، نظرًا لتعقيدات المشهد وتداخل المصالح وتضاربها بين اللاعبين الرئيسيين وعلى رأسهم إيران وروسيا والولايات المتحدة.

يدرك الأردن خطورة المشهد وتعقيداته، ولذلك يحاول اتباع سياسة حذرة جدًّا في التعامل مع مجريات الأحداث من أجل تجنب انفجار الأوضاع بما لا يخدم مصالحه الأمنية. بهذا الصدد، فإن الأردن يتشارك مع الولايات المتحدة بالهدف ذاته والمتمثل بخلق شريط من المناطق الآمنة؛ ممتد من القنيطرة غربًا وحتى التنف شرقًا مرورًا بالسويداء؛ على أن يكون هذا الشريط خاليًا تمامًا من تواجد عناصر تنظيم الدولة أو الميليشيات الشيعية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني.

يسعى الأردن لدعم وتعزيز الحوار بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا من أجل الوصول إلى اتفاق حول المناطق الآمنة من خلال البناء على ما تم التوصل إليه في العاصمة الكازاخية، آستانا، في 4 مايو/أيار 2017، بين كل من روسيا وتركيا وإيران بإنشاء أربع مناطق منخفضة التصعيد (De-escalation Zones)، واحدة منها تقع في الجنوب السوري على الحدود مع الأردن. ومن الجدير بالذكر أن الأردن كان الدولة العربية الوحيدة التي دُعيت إلى محادثات آستانا، وذلك لأهمية دوره ومحوريته.

يمنح الأردن الحلول السياسية الأولوية على الحلول العسكرية لحفظ الأمن وسلامة الحدود، وهو يدرك أهمية التواصل مع الروس في هذا المجال نظرًا لنفوذهم الكبير على الساحة السورية، فبالرغم من تلاقي الأهداف العامة مع الولايات المتحدة، يرى الأردن أن إشراك روسيا في أي ترتيبات سياسية أو أمنية يعد غاية في الأهمية، ودعامة رئيسية في تثبيت أي اتفاقيات لاحقة. وبناء على ذلك، فقد استضاف الأردن في العاصمة، عمَّان، نهاية مايو/أيار 2017، عددًا من المسؤولين الروس والأميركان للتباحث في شأن المناطق الآمنة. وقال مصدر أميركي طلب عدم الكشف عن اسمه للمونيتور: “هذا الاجتماع يأتي في سياق جهود كل من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والأردن للعمل سويًّا فيما يتعلق بالمناطق منخفضة التصعيد”(12).

لم تشارك الولايات المتحدة في اجتماعات آستانا حول المناطق منخفضة التصعيد، ولذلك يعدُّ حضورها في اجتماعات عمَّان لاحقًا والتقاؤها مع روسيا حول هذه القضية مؤشرًا على حرص الطرفين على الوصول إلى تفاهمات حول مناطق النفوذ تجنبًا لأي تصادم مباشر بينهما. فمن جانبهم، يرى الروس ضرورة التوصل مع الولايات المتحدة إلى تفاهمات تشمل الأخذ بعين الاعتبار الهواجسَ الأمنية لحلفاء واشنطن كالأردن وإسرائيل حول المناطق الآمنة، خصوصًا بعد أن أدركوا التوجهات الجديدة لإدارة الرئيس ترامب في التعاطي مع الأزمة السورية والتي تتسم بأنها أكثر جدية من سياسة سلفه أوباما، وذلك من خلال ما عبَّرت عنها الضربة الأميركية على مطار الشعيرات في سوريا بداية شهر أبريل/نيسان 2017، وزيادة الدعم النوعي الذي يشمل معدات ثقيلة لقوات “سوريا الديمقراطية”  ذات الغالبية الكردية من أجل حسم معركة الرقة وطرد تنظيم الدولة منها.

المعركة الكبرى

لا يمكن عزل مصير المناطق الآمنة في الجنوب السوري عن “المعركة الكبرى” (حسب توصيف مجلة الفورين أفيرز)(13) التي ستدور رحاها في شرق سوريا خصوصًا في الرقة ودير الزور والبوكمال؛ والتي ستحدد القوى التي ستهيمن على البادية الشامية وبذلك يكون لها ضمنًا اليد العليا في تحديد مستقبل كل من سوريا والعراق وما يتعلق بمخططات التقسيم المحتملة.

تحافظ الولايات المتحدة على تواجد عسكري لقواتها بمشاركة كل من بريطانيا والأردن في قاعدة التنف العسكرية والتي تضم أيضًا قوات جيش سوريا الجديدة المدعوم من قوات التحالف الدولي. فرضت القوات الأميركية منطقة عازلة بمساحة 55 كلم حول القاعدة العسكرية، وأظهرت تصميمًا كبيرًا على حمايتها من خلال القيام باستهداف مباشر بغارات عسكرية لبعض المجموعات العسكرية المقاتلة المدعومة من إيران بعدما حاولت الأخيرة التوغل باتجاه القاعدة في حادثتين كانت الأولى في 18 مايو/أيار 2017، والثانية في 6 يونيو/حزيران 2017، على إثر محاولة قامت بها قوة قوامها 60 مقاتلًا مسلحة بالدبابات والأسلحة المضادة للطائرات لدخول المنطقة العازلة حول القاعدة العسكرية(14)؛ الأمر الذي استدعى ردًّا لاحقًا من الميليشيات الإيرانية من خلال توجيه ضربات بطائرات من غير طيار ضد قوات مدعومة أميركيًّا في 8 يونيو/حزيران 2017(15)؛ ما يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد في حرب الوكالة بين الولايات المتحدة وإيران.

تحقق السيطرة على منطقة التنف قيمة استراتيجية للولايات المتحدة؛ حيث تعمل على وضع حدٍّ للطموح الإيراني بتشكيل الجسر البري من طهران وحتى بيروت من خلال السيطرة على الطريق الدولي الرابط بين بغداد ودمشق؛ حيث يمر هذا الطريق حتمًا من منطقة التنف، كما أنها قد تشكِّل قاعدة متقدمة لإطلاق عمليات عسكرية لضرب تشكيلات تنظيم الدولة في البادية السورية.

يعتقد الإيرانيون والنظام السوري ومن خلفهم الروس أن الولايات المتحدة تسعى إلى خلق مناطق عازلة بحكم الأمر الواقع من خلال سعيها لفرض سيطرتها على منطقة البادية وذلك بإنشاء حزام جغرافي يربط ما بين مثلث التنف على الحدود بين العراق وسوريا والأردن شمالًا عبر البوكمال ودير الزور حتى الرقة، لذلك ومن أجل قطع الطريق على الولايات المتحدة يدفع الإيرانيون بالجيش السوري خصوصًا الفيلق الخامس، والميليشيات التابعة لها شرقًا من مدينة حلب إلى حوض الفرات (والتي سيطر فيه الجيش السوري على منطقة مسكنة الاستراتيجية في 4 يونيو/حزيران 2017)(16)، ثم الاستمرار وصولًا إلى البوكمال عبر دير الزور، مستفيدين من الانتصارات التي يحققها الحشد الشعبي على الجانب الآخر في العراق (على سبيل المثال: استطاع قوات الحشد الشعبي السيطرة على بلدة باعج والقرى المحيطة بها والمحاذية للحدود السورية في 4 يونيو/حزيران 2017)(17). وقد باتت قوات الحشد الشعبي تتمركز على الحدود السورية العراقية، وبوضعية الجهوزية التامة تجاه تقديم الدعم المباشر لقوات النظام السوري من أجل فرض السيطرة على ضفتي الحدود.

قد تكون الخطة الايرانية طموحة أكثر مما ينبغي نظرًا لصعوبة السيطرة على هذه المنطقة الشاسعة في ظل نقص القوة البشرية لدى النظام وحلفائه، فدفْع النظام بقواته إلى الشرق جعله يفقد بعض المناطق الحساسة في الغرب خصوصًا في شمال مدينة حماة، ومن هنا يمكن أن نفهم حرص إيران على إنشاء المناطق مخفضة النزاع وذلك من أجل تحرير أكبر عدد ممكن من التشكيلات المقاتلة للزج بها في معارك الشرق السوري.

وفي هذا السياق، تعتبر إيران والنظام السوري التحركات الأردنية جزءًا من السياسة الأميركية، ولذلك ينظرون إليها بعين الريبة والتوجس؛ فقد دفعت المناورات العسكرية الضخمة المسمَّاة: “الأسد المتأهب”، التي جرت في الأردن في مايو/أيار 2017 -بالإضافة إلى لقاء الملك الأردني مع ترامب في البيت الأبيض بتاريخ 4 مايو/أيار من العام نفسه- الرئيس السوري بشار الأسد إلى اتهام المملكة بأنها “جزء من خطة أميركية” تهدف لنشر قوات عسكرية على الأراضي السورية(18). جاءت هذه التصريحات بعد مخاوف لدى القيادة السورية من قيام الأردن بعملية استباقية وشيكة في الأراضي السورية؛ حيث اعتبرت سوريا على لسان وزير خارجيتها أنه سيتم التعامل مع أية قوة أردنية داخل الأراضي السورية، من غير تنسيق مع الحكومة السورية، كقوة معادية(19).

لذلك، وكجزء من قطع الطريق على أية خطة أردنية للدخول إلى الأراضي السورية تحت مظلة الضربة الاستباقية لحماية الأمن القومي، تحاول القوات السورية، مدعومة بميليشيات شيعية، تصعيد عملياتها في محافظة درعا في محاولة للسيطرة على ما تبقى في يد المعارضة من مناطق استراتيجية مثل البلدة القديمة في المدينة، وحتى إن لم تستطع القوات السورية أن تمنع الأردن من إرسال قوته إلى الأراضي السورية في حال اضطرت الأخيرة إلى ذلك، فإن وجهة نظر النظام تقوم على أساس تعزيز أوراق القوة في يديه للمساومة مع الأردن والولايات المتحدة لاحقًا في حال تم الحديث عن تبادل السيطرة على الأراضي -أو ما شابه- ضمن ترتيبات الحل النهائي، خصوصًا وأن الأردن ومنذ بداية الأزمة السورية لا يسعى أبدًا للاشتباك بشكل مباشر مع قوات النظام السوري، فإذا ما تمت معالجة مخاوف الأردن الأمنية المتعلقة بتنظيم الدولة والميليشيات المدعومة إيرانيًّا، عندها لا يكون هناك مبرر لتدخل مباشر للقوات الأردنية، وسيكون التوصل إلى تفاهمات سياسية في متناول اليد. وسيكتفي الأردن بالاستمرار في الانخراط بالحد الأدنى من خلال تنفيذ عمليات نوعية باستخدام القوات الخاصة لضرب أهداف محددة ضد تنظيم الدولة، والاتكاء على عمليات الطائرات بدون طيار، وتوفير الدعم اللوجستي لقوات التحالف الدولي، والتدريب والمشورة لقوات سوريا الجديدة وقوات القبائل التي يتم تجهيزها لاستلام المناطق التي يتم تحريرها من تنظيم الدولة.

خاتمة

بعد زيارة الرئيس ترامب للمنطقة، في مايو/أيار 2017، وتصاعد الحرب على الإرهاب، وبداية تشكُّل معالم الناتو العربي، وتفجر الأزمة ضد دولة قطر، يبدو أن المنطقة مهيأة لمزيد من التصعيد، وأن هامش الحلول الدبلوماسية آخذ بالتراجع لصالح الحلول الصفرية؛ الأمر الذي يمهد الطريق أمام مزيد من المغامرات العسكرية. فالأردن يواجه خطر تواجد تنظيم الدول بالقرب من حدوده الشمالية بإنشاء مناطق آمنة، وإن كان يعطي الحلول السياسية الأولوية في تحقيق هذا الهدف إلا أن التدخل العسكري أحادي الجانب يبقى خيارًا مطروحًا خصوصًا إذا كان هناك ضوء أخضر من روسيا التي تسيطر على القرار السياسي في سوريا. أما فيما يخص الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، فيبدو أن الأردن لا يرغب إطلاقًا بدخول مواجهة عسكرية مباشرة مع الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة، ويفضل بدلًا من ذلك أن يدعم جهود الولايات المتحدة التي تسعى بشكل حثيث للتصدي للنفوذ الإيراني في منطقة البادية الشامية، فكلٌّ من واشنطن وتل أبيب لا ترغبان أبدًا في رؤية إيران تتمتع بحرية الحركة من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق لما يشكِّله ذلك من تحول جوهري في توازن القوى الأمر الذي من شأنه أن يزيد من حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

__________________________

نبيل عودة- باحث في الشؤون الدولية

مراجع

1-  United Nation Refugee Agency (UNHCR), “Syria Regional Refugee Response”, Inter-agency Information Sharing Portal, 1 June  2017:

http://data.unhcr.org/syrianrefugees/country.php?id=107

2- منير، محمود، “اللجوء السوري يكلِّف الأردن 6.6 مليارات دولار”، الجزيرة نت، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2017): إضغط هنا.

3-  Cone, Jason, “Save the Refugees on the Berm”, The New York Times, 10 August 2016, (Visited on 4 June 2017):

4-  HASHEMITE KINGDOM OF JORDAN Ministry of Planning and International Cooperation,  Jordan Response Plane For the Syria Crisis 2016-2018, Jordan Response Platform for the Syria Crisis. (Visited on 4 June 2017): إضغط هنا.

5-  Weymouth, Lally, “King Abdullah: Compromise with Russia on Crimea to get its help in Syria”, Washington Post, 6 April  2017, (Visited on 5 June 2017):

https://www.washingtonpost.com/opinions/king-abdullah-compromise-with-russia-on-crimea-to-get-its-help-in-syria/2017/04/06/b985b894-1a61-11e7-bcc2-7d1a0973e7b2_story.html?utm_term=.4a946d3cd292

6- أبو رومان، محمد، ” لماذا تغيَّرت المعادلة؟”، الغد، 6 فبراير/شباط 2017، (تاريخ الدخول: 5 يونيو/حزيران 2017):

http://alghad.com/articles/1418592-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%91%D8%B1%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84%D8%A9%D8%9F

7- “Jordan hits ISIL targets in southern Syria”, Aljazeera, February 5, 2017, (Visited on 6 June 2017): http://www.aljazeera.com/news/2017/02/jordan-isil-syria-170205054336070.html

8- ريان، محمد، “جيش خالد بن الوليد”: ذراع “داعش” ضد المعارضة بدرعا”، العربي الجديد، 22 فبراير/شباط 2017، ( تاريخ الدخول: 6 يونيو/حزيران 2017):

https://www.alaraby.co.uk/politics/2017/2/21/%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF-%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%AF-%D8%B0%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6%D8%A9-%D8%A8%D8%AF%D8%B1%D8%B9%D8%A7

9-  Ashley Kirk, “Iraq and Syria: How many foreign fighters are fighting for Isil?” The telegraph, 24 March 2016, (Visited on 7 June 2017):

http://www.telegraph.co.uk/news/2016/03/29/iraq-and-syria-how-many-foreign-fighters-are-fighting-for-isil/

10- Weymouth, April 6, 2017

11- المصدر السابق.

12-  Al Sharif, Osama, “Jordan pins hopes on US-Russian accord on southern Syria”, Al-Monitor, 6  June 2017, (Visited on 7 June 2017):

http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2017/06/jordan-talks-washington-russia-safe-zones-border-syria.html#ixzz4jG9GGRq3

13- Tabler , J., Andrew, “The Scramble for Eastern Syria: With ISIS Weakening, the Game Is On”, Foreign Affairs,  3June  2017, (Visited on 7 June 2017): https://www.foreignaffairs.com/articles/syria/2017-06-03/scramble-eastern-syria?cid=int-lea&pgtype=hpg

14-  MCLEARY, PAUL, “blog_thecable_full3 U.S. Bombs Iranian Militia in Syria, As Fight For Raqqa Begins”, Foreign Policy, 6 June 2017, (Visited on 8 June 2017):

U.S. Bombs Iranian Militia in Syria, As Fight For Raqqa Begins

15-  Mcleary, Paul, “Iranian-Backed Militias Employ Drone Against U.S. Forces in Syria”, Foreign Policy, 8 June 2017, (Visited on 8 June 2017):

Iranian-Backed Militias Employ Drone Against U.S. Forces in Syria

16-  “LAST ISIS STRONGHOLD IN ALEPPO PROVINCE FELT INTO HANDS OF SYRIAN ARMY”, South Front, 4 June  2017, (Visited on 8 July 2017):

https://southfront.org/last-isis-stronghold-in-aleppo-province-felt-into-hands-of-syrian-army/

17-   “POPULAR MOBILIZATION UNITS LIBERATE STRATEGIC TOWN OF AL-BAAJ, NEARBY AREA”, South Front, June 4, 2017, (Visited on 8 July 2017): https://southfront.org/popular-mobilization-units-liberate-strategic-town-of-al-baaj-nearby-area/

18-   “Jordan Planning to Deploy Troops in Syria in Coordination With US – Assad”, Sputnik, 24 April  2017, (Visited on 7 June 2017):

https://sputniknews.com/middleeast/201704211052854131-assad-syria-jordan-us-troops/

19-  Al-Moallem : Syrian Government supports de-escalation zones memorandum due to its keenness on stopping bloodshed and improving living conditions of the Syrians, SANA, 8 May 2017, (Visited on 8 June 2017):

Al-Moallem : Syrian Government supports de-escalation zones memorandum due to its keenness on stopping bloodshed amd improving living conditions of the Syrians

 

 

 

 

ما بعد معركة الرقة/ خورشيد دلي

مع تقدم قوات سورية الديمقراطية، بدعم أميركي، في أحياء مدينة الرقة لتحريرها من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، تتجه الأنظار إلى سيناريوهات ما بعد تحرير المدينة، لا لأن الرقة هي عاصمة (دولة الخلافة) في سورية، بل لأن معركتها فاصلة لجهة التداعيات محلياً وإقليمياً ودولياً، إذ أنها سترسم خريطة جديدة لمناطق النفوذ للقوى المتصارعة على الخريطة السورية.

بعد نحو أسبوعين من بدء معركة الرقة، تثير وتيرتها أسئلةً كثيرة، ففي وقتٍ يقول المسؤولون الأميركيون إنها ستكون معركة صعبة وطويلة، تتحدث أوساطٌ محليةٌ عن احتمال أن تكون المعركة سريعة وقصيرة، ولاسيما في ظل الحديث عن احتمال تسليم “داعش” المدينة إلى قوات سورية الديمقراطية، إذا وجد طريقاً للخروج منها، ولعل هذا الأمر دفع الروس إلى الحديث عن اتفاق بين الجانبين، وسط خشيةٍ من أن يؤدي ذلك إلى توجه “داعش” من جديد نحو مدينة تدمر التي سيطر عليها التنظيم مرتين. ولعل هذا ما زاد من مخاوف النظام والروس والإيرانيين وحزب الله، ودفعهم إلى تنظيم حملات عسكرية نحو الحدود الإدارية للرقة من ناحية الغرب، وجنوباً نحو الحدود العراقية.

في الواقع، إذا كانت معركة الرقة ستكون النهاية الفعلية لتنظيم داعش، تزامناً مع التقدّم الجاري في معركة الموصل، فثمّة قناعة بأن تحرير الرقة سيؤدي إلى إقامة إقليم جغرافي واسع يضم، إضافة إلى الرقة، محافظة الحسكة ومناطق من محافظتي حلب وديرالزور تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمادها، على شكل مناطق نفوذ بين الولايات المتحدة وحلفائها المحليين من جهة، وبين روسيا وحلفائها من جهة ثانية.

وفي جميع الأحوال، يوجّه هذا التطور الميداني الكبير الأنظار إلى تطلعات الكرد التي تتحقق

“معركة الرقة فاصلة وحاسمة، إذ ستفتح نتائجها الباب أمام مرحلة جديدة من عمر الأزمة السورية” على شكل انتصاراتٍ ميدانية على الأرض، ومطالبتهم بحكم فيدرالي، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات عديدة، لعل أهمها سيناريو الصدام بين الكرد والنظام، خصوصاً في ظل وصول قوات الأخير إلى الحدود الإدارية للرقة، وتقدمها من أكثر من محور، مدعوماً بالحلفاء الروس والإيرانيين وحزب الله، حيث من الواضح أن النظام بعد معركة حلب بدأ يوسع مناطق سيطرته تدريجياً.

وهناك سيناريو التوافق، حيث كان لافتاً، قبل فترة، حديث وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، عن مشروعية محاربة الكرد “داعش”، وكذلك الحديث عن تقاطعاتٍ كثيرة بين الطرفين في أكثر من موقع وموقف، لكن الذي ينبغي قوله هنا إنه، في الحالتين، يعود قرار الصدام أو التفاهم إلى اللاعبين الروسي والأميركي. وإذا كان مستبعداً حدوث صدام أميركي – روسي بشكل مباشر، فإنه، حتى لو حصل مثل هذا الصدام، من خلال الحلفاء المحليين على الأرض، فإن هدفه سيكون تعزيز مواقع النفوذ وتثبيت أوراق القوة، ربما بحثاً عن أسسٍ جديدة للتسوية، في ظل عقم مفاوضات جنيف.

في الحديث عن تداعيات معركة الرقة، لا يمكن إغفال (أو تجاهل) دور تركيا ومخاوفها،

“لا يمكن إغفال (أو تجاهل) دور تركيا ومخاوفها” فالثابت أنه ستكون لهذه المعركة تداعيات على الأمن القومي التركي، حيث تخشى أنقرة من أن تؤدي سيطرة الكرد عليها إلى ولادة إقليم له عمق جغرافي، مرتبط باستراتيجية حزب العمال الكردستاني. وربما يدفع هذا الأمر الكرد إلى التفكير أبعد من الرقة، خصوصاً في ظل التصريحات عن نيتهم التوجه إلى محافظة ادلب، بل والوصول إلى البحر المتوسط، لإيصال مناطق سيطرتهم بالبحر وتأمين ممر بحري لهم إلى الخارج. إذ ستكون تداعيات معركة الرقة استراتيجية بالنسبة لتركيا وسياستها تجاه الأزمة السورية. وعليه، يمكن القول إن الجهد التركي سينصب باتجاهين في المرحلة المقبلة.

الأول: العمل على خط واشنطن لضمان عدم بقاء مدينة الرقة تحت سيطرة الكرد بعد تحريرها، والعمل على انسحابهم نحو المناطق الكردية، أي شرقي الفرات، وهو مطلب تركي قديم – جديد. الثاني: الإبقاء على الخيار العسكري، وربما القيام بعملية عسكرية على غرار (درع الفرات) لمنع تقدم الكرد بعد الرقة، وتطلعهم إلى ربط مناطقهم من دجلة شرقاً إلى عفرين غرباً.

في جميع الأحوال، تبقى معركة الرقة فاصلة وحاسمة، إذ ستفتح نتائجها الباب أمام مرحلة جديدة من عمر الأزمة السورية.

العربي الجديد

 

 

 

أم المعارك من التنف إلى دير الزور/ راجح الخوري

يوم الأربعاء الماضي كانت «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، تتقدم على ثلاثة محاور عند أسوار الرقة القديمة، التي اختارها تنظيم داعش عاصمة لدولته المزعومة، ما يعني ميدانياً أن المعارك ستشتد الآن في وسط الرقة، بعد إكمال السيطرة على حي الصناعة في المحور الشرقي، والتقدم نحو حي حطين في المحور الغربي، والإطباق على مصنع السكر وقاعدة «الفرقة 17» العسكرية في المحور الشمالي.

يأتي ذلك بعدما كان النظام السوري قد أعلن نهاية الأسبوع الماضي أنه حقق، بالتعاون مع حلفائه الإيرانيين، تقدماً في الريف الغربي للرقة التي اخترق حدودها الإدارية، وسيطر على قريتي خربة محسن وخربة السبع، لكن ذلك لا يعني ميدانياً حتى الآن على الأقل أن قوات «سوريا الديمقراطية» باتت على أبواب مواجهة مزدوجة مع «داعش» داخل الرقة، ومع قوات النظام المتقدمة من الغرب.

من الرقة إلى دير الزور تمتد ساحة «أم المعارك» التي لن تقرر في نتيجتها مصير النظام وشكل سوريا الجديدة «المفدرلة» على ما سبق أن اقترح فلاديمير بوتين، بعد أشهر من بداية تدخله العسكري في سوريا أو «دولة الساحل» أو «سوريا المفيدة» التي قد تعني في النهاية الذهاب إلى التقسيم، بل إنها ستقرر عملياً مستقبل التوازنات الاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي.

قبل الحديث عن حدود المواجهة الأميركية الإيرانية الروسية على مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية وحساباتها المستقبلية، يتعين فعلاً وضع علامات استفهام نافرة على ما أشارت إليه يوم الاثنين الماضي القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية عبر «فيسبوك»، عن أن هناك محادثات سرية ناشطة بين الأميركيين والروس تجري في الأردن، هذا في حين تواكب واشنطن «قوات سوريا الديمقراطية» بالدعم الميداني والغطاء الجوي، وتواكب المدفعية الروسية تقدم قوات النظام وحلفائه من درعا إلى غرب الرقة.

صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلت عن مسؤولين أميركيين بداية الأسبوع أن إدارة الرئيس دونالد ترمب منهمكة في محادثات سرية مع الروس في الأردن هدفها العمل على إقامة منطقة لتخفيف التوتر في جنوب غربي سوريا، وفي السياق تفيد تقارير دبلوماسية بأن هذه المحادثات بدأت في أبريل (نيسان) الماضي مباشرة بعد زيارة ريكس تيلرسون إلى موسكو، وأن ضباطاً أردنيين يشاركون فيها.

لكن في حين رفضت الخارجية الأميركية إعطاء أي تفاصيل عن هذه المحادثات، قالت موسكو إن الهدف هو تحديد نقاط أساسية للمرحلة المقبلة في سوريا، والبحث في إمكان توحيد الجهود المشتركة في محاربة الإرهاب المتمثل في «داعش» و«فتح الشام»، أي «جبهة النصرة» سابقاً.

وعندما تعلن موسكو عن أنه تم تحديد عدة مواقع قد تشارك أميركا وروسيا في شنّ غارات عليها لضرب مواقع الإرهابيين، ومنها الغوطة الشرقية ودرعا وريف حماة الشمالي وإدلب وبعض النقاط في ريف اللاذقية، فإن ذلك يطرح أسئلة عميقة حول معنى ومبررات اتصال سيرغي لافروف نهاية الأسبوع الماضي بندِّه ريكس تيلرسون ليعرب عن معارضة موسكو الشديدة لشن القوات الأميركية هجمات على القوات السورية!

تتسع حلقة التناقض عندما نتذكر أن الغارة الأميركية التي استهدفت رتلاً لقوات النظام وحلفائه، كان يتقدم في اتجاه معبر التنف الاستراتيجي على الحدود السورية العراقية، حدثت عندما كانت الاتصالات قائمة في عمان بين المبعوث الرئاسي الأميركي إلى التحالف الدولي بريت ماكغورك، والمبعوث إلى سوريا مايكل رتني من جهة، والمندوبين الروس، بما يعني أن موسكو كانت على علم بهذه الغارة التي تستنكرها!

يوم الثلاثاء الماضي أعلن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أن عمليات القصف التي وقعت في الأسابيع القليلة الماضية ضد ميليشيات تدعم النظام السوري «كانت دفاعاً عن النفس»، وأن الولايات المتحدة ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لحماية قواتها في سوريا، ويأتي ذلك في سياق مبارزة في رسم خطوط حمر متبادلة بين واشنطن من جهة والنظام السوري وإيران من جهة ثانية، على خلفية سباق ميداني محموم للسيطرة على الحدود السورية العراقية، التي تشكّل معابر استراتيجية للإيرانيين.

الغارة الأميركية على الرتل العسكري للنظام، كانت تأكيداً عملياً على ما أعلنه التحالف الدولي من أن تقدم قوات النظام نحو الحدود العراقية يعتبر خطاً أحمر، وأن من غير المسموح الاقتراب من مواقع الجنود الأميركيين والبريطانيين، الذين يقومون بتدريب فصائل «الجيش السوري الحر» الذي سيملأ الفراغ بعد طرد «داعش» من البادية السورية على الحدود مع العراق والأردن من منطقة التنف إلى دير الزور.

وعندما يرد النظام السوري على التحذير الأميركي بتحذير مماثل، وأنه قد يتصدى لأي قصف أميركي بضرب مواقع أميركية، فإن ذلك يعني أن منطقة البادية السورية والمسافة الممتدة من التنف إلى دير الزور تتحول إلى ساحة لصراع كبير لا تستطيع إدارة دونالد ترمب أن تتهاون فيه، ولا يستطيع النظام الإيراني أن يخسره، لكن سيكون طبعاً في استطاعة فلاديمير بوتين أن يستمتع كثيراً بهذا الصراع وبنتائجه المحتملة، ذلك أن المواجهة من التنف إلى الزور ستقرر مصير كثيرين على المستويين السياسي والاستراتيجي، ففي ظل موقف الرئيس الأميركي الذي ركّز ويركّز بشكل خاص على السعي لضبط إيران وإنهاء العربدة الإيرانية في الإقليم، ليس في وسع واشنطن أن تترك خطوط الإيرانيين مترابطة ومفتوحة لعبور السلاح والمسلحين من العراق إلى سوريا إلى لبنان، في شوقت تقول فيه إيران إنها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية. إن خسارة أميركا المواجهة هناك ستعني خسارته نقطة حيوية مهمة جداً حول سياسته الخارجية.

وفي المقابل إذا خسر النظام الإيراني ما درج على تسميته «الهلال الشيعي» الذي يرتسم عبر هذه المعابر، والذي عمل على إقامته وترسيخه منذ ثلاثة عقود، فإنه سيتراجع وسيعود إلى حجمه الفارسي، وستسقط تباعاً مساحات النفوذ الإقليمي التي كسبها بإثارة المشكلات وبالتدخل السلبي في شؤون الدول الأخرى، التي يسعى إلى توسيعها عبر دعم الانقلابيين في اليمن ومحاولة الدخول الآن على خط الأزمة الخليجية مع قطر!

أمام خريطة الصراع الأميركي الإيراني على الحدود السورية العراقية، يجلس فلاديمير بوتين مرتاحاً إلى أن النتائج ستكون لمصلحته في الحالين، فإذا خسر ترمب رهانه على ضبط إيران، فسيتذكر الإيرانيون دائماً أنهم من دون روسيا كانوا سيواجهون خسارة محققة في سوريا، وإذا خسر النظام الإيراني فإنه سيتراجع ليكون لموسكو حصرية النفوذ في سوريا، خصوصاً أن خسارة الإيرانيين ستأتي على أيدي الأميركيين، ما يجعل طهران على ارتباط أعمق مع موسكو.

السؤال الأهم: ولكن في النهاية ماذا عن خرائط سوريا التي يعكف الأميركيون والروس على دراستها في الأردن؟

الشرق الأوسط

 

 

 

إيران وأميركا: السباق نحو البادية السورية/ سلام السعدي

تتسارع الأحداث في منطقة جنوب شرق سوريا (البادية السورية) التي تشهد سباقاً محموماً بين إيران وميليشياتها من جهة، والولايات المتحدة وفصائل المعارضة التي تحظى بدعمها من جهة أخرى، وذلك لإحكام السيطرة على الخطوط الرئيسية لتلك المنطقة وعلى الحدود مع كل من العراق والأردن.

ترتبط هذه المعركة بهدف تعمل طهران على تحقيقه منذ عامين وهو إنشاء طريق بري يصلها بكل من سوريا ولبنان، وبالتالي يؤمن لها الوصول إلى البحر المتوسط. احتاج تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي إلى بناء الميليشيات الشيعية في كل من العراق وسوريا خلال الأعوام الماضية. قبل نحو عامين، كانت تلك الميليشيات ذات قوة متوسطة ومشابهة بشكل كبير لقوة مختلف التشكيلات العسكرية النظامية الحليفة لها سواء في سوريا أو في العراق. ولكن التطورات خلال العامين الماضيين دفعت بها لتصبح أكبر قوة عسكرية في كل من البلدين.

استفادت إيران من انهيار الجيش العراقي وتفتت أجهزة الأمن في البلاد مع انطلاق المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2014 واحتدامها في العام 2015. فدعمت إنشاء الحشد الشعبي بعد فتوى “الجهاد الكفائي” التي أصدرها المرجع الشيعي علي السيستاني لتعبئة كل من يستطيع حمل السلاح من أجل قتال تنظيم الدولة الإسلامية. وفي العام الماضي نجحت مخططات إيران في تحويل الحشد الشعبي ليكون صاحب النفوذ العسكري المهيمن على العراق وخصوصا مع إصدار البرلمان العراقي قانوناً يعتبر قوات الحشد الشعبي كياناً قانونياً، والأهم أن “له الحق في الحفاظ على هويته وخصوصيته”. ورغم أن الانقسامات والخلافات لا تزال تسيطر على الحشد الشعبي وهو بعيد عن القيادة الموحدة، ولكنه بالمجمل أداة طيّعة في يد إيران وإحدى أهم أدوات مشاريعها المستقبلية في العراق وسوريا.

في نفس الوقت، تصاعدت قوة وتأثير الميليشيات الشيعية في سوريا. ورغم أن حزب الله لا يزال نواة تلك الميليشيات، لكنها توسعت إذ نجحت إيران في تجنيد الشيعة من أنحاء مختلفة من الشرق الأوسط كما أرسلت مقاتلين من إيران. وباتت أعداد تلك الميليشيات، بالإضافة إلى اللجان الشعبية التي تسيطر عليها إيران، تفوق بأضعاف أعداد القوات السورية النظامية.

تعمل إيران منذ أشهر على استعادة الحدود العراقية السورية، إذ فقد النظام السوري المعابر البرية مع العراق منذ العام 2015. ومن وراء ذلك، تهدف إيران إلى فتح طريق برية تصلها بسوريا ولبنان. ومع دفعها باتجاه اتفاق وقف العمليات القتالية بالتعاون مع روسيا وتركيا، سرعت طهران من مخططها ذاك وركزت عمليات الميليشيات التابعة لها في البلدين باتجاه هذا الهدف. هكذا استطاعت ميليشيات الحشد الشعبي الوصول إلى الحدود السورية من العراق قبل أسبوعين. كما أجرى حزب الله إعادة انتشار تخدم هذا الهدف وخصوصا بعد تحرره من ثقل معركة حلب التي انتهت بالسيطرة على المدينة وتحرير أعداد كبيرة من قواته ليعيد نشرها في جنوب شرق سوريا.

الهدف هو السيطرة على الحدود العراقية السورية عبر استعادة مدينة البوكمال من جهة، وعلى الحدود الأردنية السورية عبر استعادة المنشية من جهة أخرى. واحتدمت المعارك على الحدود السورية الأردنية منذ نحو أسبوعين مع قصف سوري روسي غير مسبوق. كما زج حزب الله بأعداد كبيرة من قواته وبصورة تظهر استعداده لتكبد خسائر فادحة مقابل تحقيق تقدم ميداني، وهي تقنية يتبعها الحزب في ظروف استثنائية وفي مواقع يعتبر السيطرة عليها حاسمة في تحقيق مشروعه. فعل ذلك سابقاً في مدينة القصير السورية وفي حلب. ومع الحديث عن مفاوضات سرية أردنية- أميركية- روسية لرسم حدود وقف إطلاق النار في محافظة درعا، دفع ذلك حزب الله والنظام السوري إلى تكثيف العلميات العسكرية استباقا لأي اتفاق.

على الطرف الأخر فإن عملية السيطرة على الحدود العراقية السورية تمر عبر استعادة السيطرة على مدينة البوكمال من جهة، وتأمينها بالسيطرة على مدينة دير الزور من جهة أخرى. وهنا، تواجه إيران مشكلةُ تواجد القوات الأميركية في قاعدة التنف العسكرية مع قوات المعارضة السورية. ظهرت تلك المشكلة خلال الأسبوعين الماضيين حيث وجهت الطائرات الأميركية ضربتين جويتين لقوات شيعية كانت تتقدم باتجاه قاعدة التنف.

وفي حين كانت أميركا تحضر قوات المعارضة للهجوم شمالا انطلاقا من قاعدة التنف على مدينة البوكمال، استطاعت الميليشيات الشيعية والنظام السوري قطع طريقها عبر التفاف أجرياه الأسبوع الماضي. كما عززت إيران من وجود الميليشيات الشيعية، وعلى رأسها حزب الله، في مدينة تدمر للمشاركة في السباق على البوكمال، وقطع الطريق على أميركا وقوات المعارضة. ذلك أن نجاح الأخيرة باستعادة البوكمال سوف يجعل سيطرتها على دير الزور مسألة وقت. وعندها سينتقل النفوذ الأميركي في سوريا إلى مرحلة جديدة تشكل تهديدا لا لمشروع إيران بإيجاد جسر بري فحسب، بل لمشروعها باستعادة السيطرة على كامل سوريا، أو على “سوريا المفيدة”.

كاتب فلسطيني سوري

العرب

 

 

 

 

حدود «كسر العظم» في سورية؟/ محمد برهومة

هل حقاً أن القوات المدعومة من إيران والجيش السوري تبدو مصممّة على الاستيلاء على نقطة العبور الحدودية في التنف بجنوب سورية، حتى لو أسفر ذلك عن مواجهة مع القوات الأميركية؟ وهل ثمة حسابات إيرانية بأن ذلك قد يشتت «الهجمة الأميركية المستجدة على سياسات إيران»؟، وهل بسبب ذلك نقلت القوات الأميركية، مثلاً، منظومة راجمات صواريخ جديدة بعيدة المدى إلى قاعدة أميركية في التنف قرب الحدود العراقية – والأردنية لتعزز وجودها في شرق سورية أكثر فأكثر، وباتجاه البوكمال، وذلك بعدما أنشات قاعدة أخرى في الزكف؟

الأرجح أن واشنطن مصممة على حماية حلفائها المحليين في شرق سورية وعلى امتداد مثلث الحدود السورية – العراقية – الأردنية، ومنع إيران من التموضع في تلك المنطقة الحساسة. لكنّ ذلك لا ينفي أن الصراع بات مكشوفاً بين إيران وقوات التحالف الدولي بقيادة أميركا على السيطرة على مناطق البادية وعلى المعابر والحدود الدولية وعلى تركة ما بعد «داعش». واليوم، يبدو جلياً إلى أي درجة يستميت النظام السوري في الوصول إلى درعا والسعي الى السيطرة الكاملة عليها من أجل تنفيذ المرحلة الثانية من «سورية المفيدة».

مؤدى ذلك أن يمانع النظام وحلفاؤه الإيرانيون قيام منطقة آمنة في الجنوب السوري في ظل الشروط المفروضة. ومن غير الواضح إنْ كان في هذا «اعتراض» على فحوى الترتيبات الأميركية – الروسية التي استضافتها العاصمة الأردنية في الآونة الأخيرة، أم أن موسكو في طور التأني ومراجعة الحسابات لأبعاد ما تمّ مع الأميركيين؟

ولعل سبب الكلام عن «اعتراض» يعكسه تصعيد القوات النظامية السورية والميليشيات الموالية لها من هجماتها على مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة في درعا، في تمهيد محتمل لهجوم واسع النطاق لانتزاع السيطرة على المدينة بالكامل بما يتضمن طريق دمشق – درعا، البالغ الحيوية من الجانب اللوجستي وتأمين الإمدادات.

التصور في شأن المرحلة الثانية من «سورية المفيدة» يقتضي السيطرة على معبر نصيب الاستراتيجي مع الأردن، لأنه يكفل تقطيع ممرات مقاتلي المعارضة بين المنطقتين الشرقية والغربية من درعا وإنهاكهم في الجنوب، وإخراج درعا من دائرة الصراع، وما يعنيه ذلك من اختلال في الموازين على الأرض، إذ سيصل دمشق بالحدود الأردنية في شكل مباشر وتحت سيطرة النظام وحلفائه. والمعروف أن الأردن لطالما طالب بأن يسيطر الجيش السوري على نصيب، ولطالما قال إن تأمين المناطق في جنوب سورية مسؤولية سورية وليست أردنية، لكن إشكالية ما يبدو عليه الوضع اليوم تكمن في مصطلح «قوات النظام»، التي لم تعد منفصلة أو متمايزة حقاً عن الحليف الإيراني والميليشيات الشيعية، وهو ما يرفضه الأردن، مثلما يرفض بالضبط تمركز الجماعات الجهادية على مقربة من حدوده الشمالية.

السؤال: هل ثمة صبر وجدية استراتيجية أميركية في تحقيق هدف إبعاد إيران عن وصلِ العراق بسورية؟ وفي المقابل: هل المعارك العنيفة المتوقعة قريباً في درعا والصراع المحتدم على السيطرة على دير الزور ودخول «الحشد الشعبي» على معارك الحدود، قد تمكّن القوات النظامية وحلفاءها من إفشال مخطط قوات «التحالف الدولي» بإنشاء منطقة آمنة جنوب سورية وطرد المعارضة من درعا، وفصل الريف الشرقي لدرعا عن الريف الغربي، وتحقيق المرحلة الثانية من «سورية المفيدة» في الجنوب؟

الأسئلة ما زالت أكثر من الإجابات، والمرحلة المقبلة ستُظهر حدود «كسر العظم» وهوامش المناورة في الصراع على المعابر والحدود، وطبيعة تعاطي واشنطن مع هواجس حلفائها الإسرائيليين والأردنيين، كما ستجعل أميركا وإيران أمام احتمالات تصعيد ساخن قد لا تُفرض التسويات في المنطقة بين واشنطن وموسكو وطهران من دونه؟

* كاتب أردني

الحياة

 

 

 

 

 

الرّقة مرآة الثورة السورية/ غالية شاهين

اليوم، تنزف الرّقة السورية ما تبقى من دمها، تتوسّد ذراع فراتها وتتكوّر ململمةً جراحها الكثيرة، في محاولةٍ لتأجيل الموت القادم إليها من كل اتجاهات الأرض. تُطبق الرّقة عيونها تحت سماء مزّقتها القنابل والصواريخ، وأطفأ الفوسفور الأبيض أضواء قمرها وشمسها.

اليوم، تتابع الرّقة اختصار الحكاية كلها، وتًفرد تاريخ الثورة فيها على كتب العالم، ليعكس تفاصيل المقتلة السورية كاملةً، ويتنبأ بمستقبلٍ لا يخص المدينة المنكوبة وحدها، بل يمتد ليرسم ما سيؤول إليه غد سورية القادم على اتساع الخارطة.

لطالما كان ما تمر به الرّقة مرآة مصغّرة لما تمر به سورية كلها، لكنها مرآة تعكس التفاصيل الصادمة بوضوح ومن دون رتوش، وتقدّم رسماً دقيقاً مباشراً لما يحدث بشكلٍ غير مباشر في كل المحافظات السورية. وليس على من يرغب بمعرفة حقيقة ما حدث في سورية خلال السنوات الست المنصرمة إلا أن يعود إلى تاريخ أحداث الرقة بالذات لترتسم لديه كل التفاصيل.

فعلى الرغم من انطلاق المظاهرات في الرّقة بعد أسبوع من انطلاقها في درعا، وتواصلها خلال الأشهر الأولى، ولو بشكلٍ خجول، إلا أن كل أشكال الحراك الثوري في المدينة لم تلق ما تستحقه من تغطيةٍ إعلامية، بل تم تغييبها بشكلٍ شبه تام بما في ذلك الاعتصام أمام القصر العدلي في الشهر السابع، وانتفاض آلافٍ من أبنائها خلال شهر رمضان 2011.

ظن نظام الأسد أنه ضَمن ولاء الرّقة بنشر فكر حزب البعث بين أبنائها، وتماهيهم خلال مراحل سابقة مع سلطته. كما ظن بشار الأسد أنه استطاع، بصلاته في مسجد المدينة في العام الأول للثورة، ضمان بعض شيوخ العشائر، القادرين (باعتقاده) على كبح جموح الشباب الثائر، وهو ما حاول النظام اللعب عليه في بدايات الحراك السلمي في كل المناطق، بكسب تأييد السلطات الدينية أو العشائرية أو الاجتماعية، إلا أن هذا المفهوم كان أول ما أسقطته الثورة.

ومع بداية السنة الثانية، بدأت الرّقة تدفع ثمن الحرية بقوافل من الشهداء والمعتقلين، واتسعت خريطة الحراك الثوري فيها لتشمل كل أحيائها والقرى والمدن التابعة لها. وكما حصل في كل المحافظات السورية، كان إسقاط الصنم الأكبر في ساحة الرّقة حدثاً تاريخياً، لكنه تميّز حينها بتحرير واقعي للمدينة، يحاكي مشاعر التحرير التي انتابت السوريين مع كل سقوطٍ لتمثالٍ للطاغية في أي مدينةٍ سورية أخرى.

عاشت الرّقة أربعة شهور إحساساً كاملاً بالحرية من نظام الأسد، وحاول شبابها صناعة أنموذجٍ جميل لمنطقة محرّرة، تُحكم بإدارة مدنية متحمسة. وتميزت تلك الفترة بانتشار عشرات التجمّعات المدنية التي بدأت تعمل مثل خلايا النحل، لترميم البنية التحتية ونشر ثقافة العمل المدني، وتأسيس أرضيّاتٍ مدروسةٍ لاستمراره.

لكن حلم الرّقة الجميل، وهو حلم كل سوري شارك فعلاً أو عملاً أو فكراً في الثورة، لم يلبث أن حوصر من جديد، لكن بأيدٍ تختلف شكلاً عن نظام الأسد، وتشابهه بالتسلط والتحكم وبشكل أقسى وأبشع. ومع انقضاء ربيع التحرير، بدأ تنظيم داعش يتوغل في كل مفاصل الحياة في المدينة، ليبدأ ملاحقة المنظمات المدنية واختطاف رموزها، وهو ما تحول، مع مرور الأيام، إلى اعتقالٍ علني مباشر، استهدف الناشطين المدنيين والسياسيين الذين لم تطلهم يد النظام، فطالتهم يد “داعش”.

مطلع 2014 سقطت الرّقة بيد التطرّف، بعد معارك مع الفصائل المقاتلة في المنطقة، لتبدأ مرحلة النزوح القسري لأبناء المدينة، وخصوصاً ناشطيها، بعد تعرّض حياتهم لخطر الاعتقال أو الذبح. وهو ما حدث في كل المدن السورية الثائرة، لكن الاختلاف كان فقط في التسميات؛ فهنا كانت “داعش”، وهناك كانت جبهة النصرة. وفي أماكن أخرى، كان لهؤلاء تسميات أخرى، وكلهم كانوا، بشكل أو بآخر، خناجر في خاصرة الثورة وعملاء، بشكل مباشر أو غير مباشر، لنظام الأسد؛ كانوا شمّاعته الأهم التي علّق عليها كل مبرّراته للعالم، واستخدمها فزّاعة لبقية السوريين.

استمرت مسرحيات النظام و”الإرهابيين” خلال السنوات الماضية، في تسليم مناطق واستلامها وإعادة توزيع وانتشار في الأراضي السورية، حسب ما تقتضيه مخططات المراحل المختلفة. وها نحن اليوم ربما نشهد فصلاً آخر لمسرحيةٍ جديدةٍ، ستخرج فيها “داعش” من الرّقة باتجاهٍ لم نعد قادرين على تحديده، وستسلّم الرقة من جديد لتطرّف آخر؛ ليس دينيّاً هذه المرة، بل قوميٌّ، ولم نعد قادرين أيضاً على تخمين نتائجه.

اليوم، تُجبر الرّقة على الدخول في مرحلةٍ جديدة، وربما سيكون مستقبلها القريب مرآة حقيقية لمستقبل سورية البعيد، مثلما كانت أحداثها الصارخة خلال سنوات عصيبة، الوجه الأكثر مرارةً ووضوحاً لأحداث الثورة السورية كاملة.

العربي الجديد

 

 

 

 

ما بعد الرقة… معركة لهزيمة «داعش» والسيطرة على سورية/ آن بارنرد

على رغم بدء الهجـــوم عـلـى الرقة، والمؤشرات إلى قدرة القوات التي تدعمها أميركا على إسقاط المدينة من غير عسر، أمر قائد مقاتلي «قسد» أشرس قواته بالانسحاب من المدينة. وعينه، شأن كثر في حرب سورية المتعددة الأوجه، على معركة الجنوب السوري. وهناك تدور مواجهة معقدة أهميتها الاستراتيجية أكبر وأخطارها ضخمة. ويتوقع أن يخوض «داعش» معركته الأخيرة في الرقة ولكن في منطقة على الحدود بين العراق والأردن ومنطقة سورية تختزن شطراً كبيراً من المخزون النفطي السوري المتواضع- وهذه المنطقة حيوية في إرساء استقرار سورية. ومن يسيطر عليها، وهي قليلة السكان، ينتزع من «داعش» آخر معاقل الخلافة في سورية، ويؤدي دور الفيصل في تحديد مصير سورية وديناميات ما بعد الحرب في المنطقة.

وتسعى كل من أميركا وإيران وروسيا الى إحراز تقدم في المنطقة هذه من طريق نشر قواتها وإعداد مقاتلين بالوكالة عنها، وخوض اشتباكات يخشى أن تنزلق الى نزاع أكبر. فقبل أيام، أسقط طيار أميركي طائرة درون إيرانية الصنع أطلقت النيران على مقاتلين تدعمهم أميركا ومستشاري القوات الخاصة الأميركية.

وعين المتحاربين كلهم على محافظة دير الزور، حيث يحاصر «داعش» نحو 200 الف نسمة في منطقة تسيطر عليها الحكومة في عاصمة المحافظة، دير الزور. والمنطقة المتنازع عليها تشمل كذلك مناطق صحراوية الى الجنوب وفيها معابر حدودية وطريق سريع حيوي يربط دمشق وبغداد، وترى إيران أنه طريقها البرية الى لبنان وحليفها «حزب الله».

ولكن هل يقيض للحكومة السورية بسط سيطرتها على سورية الى الحدود الشرقية؟ وهل تبقى الصحراء الممتدة على الحدود السورية العراقية قفراً يسيطر عليه مقاتلون؟ وإذا لم تؤول الأمور الى هذا، من سيهيمن هناك، أهي قوات متحالفة مع إيران، وروسيا أو الولايات المتحدة؟ ويريد الأميركيون الحؤول دون تمدد «هلال شيعي» من إيران الى لبنان، على قول كامل وزنة، الاستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت. ومع تحالف دونالد ترامب مع شركاء عرب، صارت طهران أكثر عزماً على عدم التراجع… وخوض مواجهة نهائية. ونهار الجمعة المنصرم (9 الشهر الجاري)، وجهت قوات موالية للنظام السوري ضربة قاصمة الى المخططات الأميركية، وتقدمت الى الحدود الأميركية لتقطع الطريق على قوات تدعمها واشنطن وتحول دون بلوغها جبهة النزاع مع «داعش» في دير الزور.

ولوحة الاصطفافات تبعث على الدوار: فالتحالف الذي يدعم بشار الأسد يتقدم نحو الشرق من قلب سورية، وعديده البري ميليشيات إيرانية، والجوي سلاح الجو الروسي، ومستشاروه إيرانيون. وتشير بعض التقارير الى انتشار مستشارين روس في ميدان المعارك. ويتجه ثوار سوريون- وهم قاتلوا القوات الحكومية وتدربهم اليوم قوات أميركية وبريطانية ونروجية- على قتال «داعش»، الى الشمال انطلاقاً من الحدود الأردنية. وموقعهم العسكري على مقربة من الحدود الأردنية والعراقية وطريق بغداد السريع، وتدعمهم قوة ائتلاف مكافحة داعش الجوية. وإلى القوات هذه، تدعم أميركا قوات تشن الهجوم على «داعش» في الرقة. وتشير مؤشرات الى أن القوات هذه ستتحاشى مواجهة كبرى في الرقة، وستفسح المجال أمام مقاتلي «داعش» للهرب الى الجنوب. ودار كلام قائد «قوات سورية الديموقراطية» على القتال في دير الزور. وهذه القوات تقودها ميليشيات سورية- كردية أنشأت منطقة كردية شبه مستقلة الى الشمال، وينظر اليها العرب بعين الريبة. وسعى مسؤولون أميركيون الى تخفيف مخاوف العرب بالقول إن نصف قوات «سورية الديموقراطية» من العرب، وأن إدارة المجالس المحلية ستُسلم الى المدنيين. وفي العراق، تقدمت ميليشيات شيعية عراقية إيرانية الولاء الى الغرب نحو الحدود مع سورية.

واحتمال الصدام بين هذه القوى كلها كبير، ووقعت حوادث أثارت مخاوف من مواجهة مباشرة بين أميركا وإيران أو حتى روسيا. وعلى رغم إعلانها أنها لا تسعى الى مواجهة مع قوات الحكومة السورية أو حلفائها، قصفت أميركا ميليشيات إيرانية الولاء، بعد اقترابها من قاعدة التنف. ولكن التحالف الموالي للحكومة لم يتراجع، بل ندد بالمرابطة الأميركية في التنف، وطعن في مشروعيتها، وواصل المواجهات مع القوات المتحالفة مع واشنطن. وحادثة إسقاط الدرون سلطت الضوء على توسل مستشارين إيرانيين او وكلائهم في «حزب الله» بطائرات من دون طيار في سورية. ولكن، الى أي مدى ستواصل موسكو دعم طهران- وهي حليف تكتيكي ولكن غاياتها الاستراتيجية متباينة عن غايات روسيا في عدد من المسائل البارزة الوثيقة الصلة بإسرائيل وأميركا. ويرى جنرالات أميركيون أن روسيا لن تتمادى في دعم إيران. وأعلن وزير الدفاع الأميركي، جايمس ماتيس، أن موسكو سعت الى إقناع القوات التي تدعمها إيران بعدم الاقتراب من القاعدة الأميركية. ولكن ديبلوماسيين في بيروت يرون أن روسيا تدعو حلفاءها الى خلاف ما قاله ماتيس، وأنها لن تحول دون ما يمتحن أميركا في سورية. والسؤال هو هل تغامر واشنطن بحرب من أجل حماية قاعدة صغيرة؟ ويقول ديبلوماسي أن موسكو ترغب في انسحاب القوات التي تدعمها أميركا من المنطقة هذه (التنف).

وتفاقُم التوتر هو مرآة تعاظم الضغوط في المنطقة. فإدارة ترامب التزمت احتواء إيران وصدها. وتقول إسرائيل إنها لن تقبل بمرابطة «حزب الله» على تخومها، وهي قصفت أكثر من مرة قوات موالية للنظام السوري في الجنوب. ومساعي تشديد طوق العزلة على قطر بسبب علاقاتها الوطيدة بإيران تتعاظم. وساهم هجوما «داعش» في طهران في تأجيج الخلافات. وفي هذه الأحوال المضطربة، لا تحتمل تناقضات الحرب على «داعش» في وقت تتنازع القوى المحتشدة ضد التنظيم في ما بينها. وحول دير الزور تحالفات متناقضة، ولن يطول الأمر قبل أن تقع الواقعة. وتتعاون أميركا في العراق تعاوناً غير مباشر مع ميليشيات عراقية تدعمها إيران. ولم يحل التعاون هذا دون إطلاقها النيران على بعض الميليشيات هذه في صحراء جنوب شرقي سورية. وإذا ضربت أميركا «داعش» في دير الزور حيث يحاصر قوات «نظامية»، ساعدت نظام الأسد. والميليشيات الكردية تحاشت الى اليوم مواجهة مباشرة مع القوات الموالية للحكومة والتعاون معهم على حد سواء، مراعاة للعرب. ولكنها قد تضطر الى الاختيار حين تتواجه قواتهما.

* مراسلة، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 10/6/2017، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

 

رؤى متقاربة بين النظام والأكراد لمستقبل سوريا ما بعد معركة الرقة/ رائد الحامد

يلتقي الأكراد عموما والنظام على قتال تنظيم «الدولة» في المقام الأول، وهو لقاء مصالح مشتركة مرحليا. كما انها قد تكون مصالح متبادلة على المدى البعيد طالما ان الحكومة السورية لا تمانع في إقامة قطاعات إدارة ذاتية للمناطق السورية على أسس الجغرافيا لتخفيف الأعباء عن الدولة المركزية ومنظومة الحكم التي مقرها في العاصمة دمشق.

وسبق للحكومة السورية ان أقرت في آب/أغسطس2011 مرسوما تشريعيا حمل الرقم 107 من بين جملة قرارات وتعديلات على بعض القوانين ومواد الدستور في إطار حملة إصلاح سياسي تلبية لمطالب المحتجين في محاولة لتهدئة الشارع السوري.

ويركز المرسوم التشريعي 107 على اعتماد «الخطة الوطنية اللامركزية» والتي بموجبها يتم اتخاذ «التدابير اللازمة لممارسة اختصاصات الوزارة أو الإدارة أو المؤسسة المركزية التي تم نقل اختصاصاتها إلى الوحدة الإدارية» كالمحافظات وما دونها، وإدارتها من قبل مجلس محلي منتخب ليمارس «عمله وفق أحكام القانون وتطبيق لا مركزية السلطات والمسؤوليات وتركيزها في أيدي فئات الشعب»، وتتمتع الوحدات الإدارية «بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري» ولها «موازنة مستقلة لا تدخل في الموازنة العامة للدولة».

لذلك ليس ثمة بون شاسع بين رؤيتي الأكراد والنظام لمستقبل إدارة البلاد وشكل نظام الحكم ببقاء نظام بشار الأسد في المرحلة الانتقالية أو المرحلة التي تليها وفقا لأي تسوية أممية للحرب الأهلية السورية.

ويعد تطبيق مبدأ لا مركزية إدارة المناطق من الأسس المقبولة لدى الحكومة السورية والمعارضة السياسية، وقد أدرجته روسيا في مشروع الدستور المقترح الذي كتبته وعرضته على المعارضة في مفاوضات الاستانة لتثبيت وقف إطلاق النار. كما ان لا مركزية إدارة المناطق لا تخرج عن تطلعات القوى الكردية التي تطمح لإدارة مناطق الكثافة الكردية في الشمال السوري بأسلوب الإدارة الذاتية اللامركزية، وهو شكل من اشكال أنظمة الحكم يعتمده الأكراد مُنذ نحو أربع سنوات في إدارة مناطق سيطرتهم في الكانتونات (المقاطعات) الثلاث التي أعلنوا عنها في الحسكة (كانتون الجزيرة) وعين العرب (كانتون كوباني) وفي عفرين أقصى شمال غربي سوريا (كانتون عفرين).

حتى الآن لا تبدو القوى الكردية في سوريا عازمة على إقامة كيان سياسي كردي منفصل عن سوريا، وقد يكون هذا من بين عوامل عدة ساهمت في تجنب قوات النظام الاشتباك الواسع أو الدخول في صراع مسلح مع القوات الكردية، كما ان النظام السوري حاول مُنذ الأشهر الأولى للثورة السورية إعطاء الأكراد مساحة من السلطة في مناطق الشمال السوري كامتياز يدفعهم بعيدا عن التحالف مع المعارضة المسلحة التي لا ترضى بسلطة أو نفوذ للقوات الكردية على مناطق ذات كثافة عربية خضعت لسيطرة الأكراد بالتنسيق مع النظام في محاولة لتحقيق أهداف أخرى من بينها الضغط على تركيا وتهديد أمنها القومي على حدودها الجنوبية من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل القوات التركية مُنذ عام 1984.

مُنذ أواخر عام 2011 وشتاء عام 2012 انسحبت قوات النظام من مناطق شمال وشمال شرقي سوريا إلى المناطق الحيوية والمدن المحورية ذات الصلة ببقاء النظام ووجوده وضمان المصالح الروسية وتأمين مناطق النفوذ الإيراني وصولا إلى الحدود اللبنانية والساحل السوري؛ وظل النظام بعيدا عن الاعتراض على سيطرة القوات الكردية على مساحات أخرى خارج نطاق المناطق الحيوية له.

لم يعترض النظام السوري على سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مدينة منبج في آب/أغسطس 2016، لكن قواته قامت بعمليات عسكرية شرقي مدينة الباب شمال حلب لقطع الطريق على قوات درع الفرات الحليفة لتركيا لمنعها من الوصول إلى منبج التي استقدم الأكراد قوات أمريكية خاصة سيرت دوريات مشتركة على طول الطريق المؤدي إلى مدينة الباب.

وأثار صول القوات الأمريكية إلى مناطق في جوار منبج حفيظة تركيا لكن هذه القوات لقيت ترحيبا ضمنيا من قوات النظام التي وصلت بالفعل بعض قطعاتها إلى المدينة ورفعت قوات سوريا الديمقراطية العلم السوري في المدينة مع تواجد لعدد من الاليات الروسية وافراد من القوات الخاصة الروسية.

ومنذ الإعلان عن المرحلة الخامسة والأخيرة من معركة استعادة الرقة، واصلت قوات النظام تقدمها في ريف حلب الشرقي وصولا إلى الحدود الإدارية لمحافظة الرقة بعد سيطرتها على المزيد من الأراضي والبلدات الخاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة».

ونقلت مواقع موالية لقوات النظام ان هذه القوات حققت تقدما ميدانيا في ريف الرقة الغربي على حساب مناطق سيطرة تنظيم «الدولة» جنوب بلدة مسكنة في الجغرافية المحصورة بين بلدة اثريا ومدينة الطبقة غرب الرقة بإسناد من حزب الله اللبناني لقطع طرق وصول التنظيم إلى خط الامداد الرئيسي لقوات النظام إلى مدينة حلب عبر طريق خناصر الاستراتيجي.

سيكون لتواجد قوات النظام في مناطق قريبة من مدينتي الطبقة والرقة فرصة لاستعادة السيطرة على المدينتين في مراحل لاحقة في حال اندلاع صراع عربي كردي في اعقاب انتهاء القتال مع تنظيم «الدولة» وخسارته المدينة التي لا يمكن ان يقبل العرب بإدارتها مستقبلا من قبل قوى لا تنتمي إلى سكانها الأصليين أو من قبل قوى عربية منضوية تحت قيادة القوات الكردية وموالية لها في استنساخ لتجربة المجلس العسكري لمدينة منبج الذي يتكون من قيادات عربية، لكنها لا تزال تفتقر إلى الاستقلالية في قرارها الخاضع تماما لقوات سوريا الديمقراطية.

وكثيرا ما أعلنت الحكومة السورية أن الرقة واستعادتها تعد أولوية قصوى من أولويات قوات النظام من منطلق استراتيجيتها في استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية وقد حققت نجاحات واضحة سواء عن طريق المعارك العسكرية الكبرى مثل معركة حلب نهاية عام 2016 أو سلسلة طويلة من الهدن والاتفاقات والمصالحات المناطقية في ريف دمشق ومحافظات أخرى؛ لكن قوات النظام لم تتخذ خطوات عملية جادة لاستعادة مدينة الرقة لتداخل ساحات صراعها مع أطراف أخرى بعضها اطراف كردية تميزت علاقاتهما طيلة سنوات بعدم التنسيق المباشر في العمليات القتالية وفي الوقت نفسه عدم الصدام المسلح إلا في حالات اشتباك قليلة ومحدودة يتم تطويقها بشكل عاجل باتفاقات ثنائية.

سيكون من مصلحة قوات النظام سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مدينة الرقة وتسليمها إلى مجلس عسكري محلي يتشكل من قيادات عربية في الظاهر حتى وان كان في حقيقته تابعا لقوات سوريا الديمقراطية التي لا توجد مؤشرات تؤكد على تمسكهم بالسيطرة على محافظة الرقة لأمد بعيد انما تندرج في إطار تحالف مرحلي مع الولايات المتحدة لاستدراج المساعدات العسكرية وضمان فرض السيطرة على المناطق الحيوية التي يمثل الأكراد غالبية سكانها في شمال وشمال شرقي سوريا، حيث تدرك القيادات الكردية ان تحالفها مع الولايات المتحدة تحالف ضمن مدى زمني محدد بالانتهاء من قتال تنظيم «الدولة» لتعود الولايات المتحدة إلى تحالفها العميق مع تركيا الشريك في حلف شمال الأطلسي والتي تستضيف قاعدة أنجرليك على أراضيها.

وتثير سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مدينة الرقة مخاوف كل من تركيا والفصائل الحليفة لها والمعارضة السورية وأطراف أخرى ليس من بينها النظام السوري الذي لا يجد ما يكفي من الأسباب على المدى البعيد تجعله يعارض أو يتصدى لسيطرة الأكراد على المدينة التي يشكل العرب معظم سكانها فيما يعيش قلة من الأكراد في الأحياء الشمالية من المدينة، وهي أحياء عشوائية خارج مركز المدينة.

القدس العربي

 

 

 

روسيا ترفض اتفاق قوات سوريا الديمقراطية مع تنظيم «الدولة» وتهدد بتصفية المقاتلين الذين يخرجون من الرقة/ فالح الحمراني

هددت روسيا بتصفية قوافل مقاتلي تنظيم «الدولة» الإسلامية التي تخرج من مدينة الرقة وتتجه نحو الجنوب، لأنها لم تدخل كطرف في اتفاق فصائل قوات سوريا الديمقراطية مع تنظيم «الدولة» الإسلامية. وأشار مصدر في وزارة الدفاع الروسية انها ستقطع الطريق على كافة المحاولات الرامية لتحرك المقاتلين نحو تدمر وتحشيد قواهم هناك.

وأفادت الوزارة بهذا الصدد ان القوة الجوية الروسية انزلت بتاريخ 25 أيار/مايو ضربة بقوافل مقاتلي «الدولة» المتجهة من الرقة إلى منطقة تدمر بعد الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية، كما تصدت ليلة 29 و30 أيار/مايو لمحاولة أخرى لخروج أرتال مقاتلي التنظيم ونتيجة ذلك، وفق معطياتها، تكبد الإرهابيون خسائر قدرت بأكثر من 80 مقاتلا و8 صهاريج و17 سيارة «بيكاب» مزودة بالأسلحة الثقيلة. وبذلك أعطت روسيا إشارة واضحة بانها لا تعترف بالاتفاق بين تنظيم «الدولة» وقوات سوريا الديمقراطية، فضلا عن انها أظهرت عدم رغبتها في منح الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة لتحقيق نصر سهل في الرقة. وتؤكد روسيا أيضا انها لا تود ان تؤدي العملية في الرقة إلى سقوط ضحايا بين المدنيين، وأنها ضد ان يرابط تنظيم «الدولة» في الصحراء السورية.

رفض الاتفاق

وأشارت وزارة الدفاع إلى ان قيادة تجمع القيادة الروسية في سوريا تراقب الوضع في الرقة وتشاهد خروج المقاتلين بدون أي عائق من المدينة، وأضافت انه بناء على المعلومات الدقيقة، فقد جرى في بداية حزيران/يونيو اتفاق بين مقاتلي التنظيم مع الفصائل الكردية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية وخرجوا من دون معركة من قريتي الثديين والحمام الواقعة على بعد 19 كم جنوب غرب الرقة وتحركوا باتجاه تدمر.

ووفقا للبيانات الرسمية فان الطائرات الروسية من دون طيار تقوم بالتحليق على مدار الساعة لمراقبة التنظيم، كما عززت كافة أنواع الرصد والتجسس، وتم اشراك مقاتلات ومروحيات وفصائل العمليات الخاصة، لتصفية جماعات التنظيم وفق ما أفاد مصدر في الوزارة لوكالة أنباء «ريا نوفستي». ويرى مراقبون عسكريون ان انتشار تشكيلات تنظيم «الدولة» في الصحراء سيشعل حربا جديدة مع روسيا يمكن ان تسفر عن نتائج هي في غنى عنها، فحرب الصحراء كما هو معروف، حرب استنزاف.

وتتابع موسكو عن كثب استمرار الهجوم الواسع على الرقة، معقل الدولة الإسلامية، التي دخلتها تشكيلات قوات سوريا الديمقراطية التي تنظر لها واشنطن بمثابة القوى الرئيسية لتحرير الرقة لهذا قررت مؤخرا تجهيزها بالأسلحة الخفيفة والآليات العسكرية. وتعقد الولايات المتحدة الآمال على ان السيطرة على المدينة ستضعف تنظيم «الدولة» وتعزز مواقعها في سوريا. وفي رأي الخبراء فان الرقة لن تعود لسيطرة نظام بشار الأسد في حال تحريرها من قبل القوات الأمريكية وتشكيلات قوى سوريا الديمقراطية.

وحسب تقديرات وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف فان خروج مقاتلي «الدولة» من الرقة يظهر عدم كفاية التنسيق بين القوى الدولية في عمليات مكافحة الإرهاب. ووفقا لمعطيات لافروف فان القيادة العسكرية الأمريكية أعربت عن عزمها تغيير التكتيك وستحاصر الرقة بحيث لن تسمح لمقاتلي «الدولة» بالنجاة. وأضاف «لننتظر كيف سيتم تطبيق ذلك عمليا». وفند لافروف بيان قوات سوريا الديمقراطية عن انها لم تعقد اتفاقا يتيح للمقاتلين الخروج من الرقة، موضحا ان معطيات موسكو تستند على معلومات موثوق بها وجرى رصد خروج مقاتلي التنظيم نحو تدمر. ولا يستبعد المراقبون العسكريون من ان يواصل مقاتلو «الدولة» لاحقا الخروج من الرقة ولكن على هيئة جماعات صغيرة، وهناك احتمال كبير لعدم تعرضهم للقصف، والتحاقهم بتشكيلاتهم في تدمر. ولكن من جهة أخرى سيضطر قسم منهم لترك الأسلحة والمعدات الثقيلة والمدفعية مما سينعكس سلبا على قدراتهم القتالية. ولكن هذا حسب رأيهم لا يضمن درء محاولات الانتقام في تدمر، نظرا لان هدف تنظيم «الدولة» تفعيل التحرك في تدمر لإشغال دمشق عن دير الزور وبالتالي تشتيت قوات النظام وحلفاؤه.

التهديدات التركية

ويرى خبير مركز الأمن في معهد الاقتصاد الدولي ستانسلاف ايفانوف ان مقاتلي التشكيلات الكردية سوف لا يتوانون عن إراقة الدماء في معركة الرقة، نظرا لكونهم لا يعتبرونها مدينتهم. وشكك خبراء آخرون في ان يتمكن الأكراد من استمرار السيطرة على هذه المنطقة، وفي نهاية المطاف فان حوارا سيدور بين الولايات المتحدة وروسيا لتقرير من سيفرض سيطرته على هذه المنطقة السورية.

ولكن ثمة خيارات عديدة محتملة لمسارات العملية العسكرية الدائرة. وضمن هذا يشار إلى الدور التركي. ونقلت وسائل الإعلام الروسية عن رئيس الوزراء التركي إعلانه عن استعداد بلاده التدخل في عملية الرقة في حال تهدد مصالح انقرة، بيد ان نائب مدير معهد الدراسات والتنبؤات الاستراتيجية دمتري يغورتشينكوف يدعو إلى عدم تضخيم «التهديدات» التركية. وأعاد الأذهان إلى ان واشنطن ومنذ بداية عملية السيطرة على الرقة وضعت الرهانات على التشكيلات الكردية، الأمر الذي لا يناسب انقرة. ويبدو ان الاستراتيجية التركية تضع في اعتبارها ان قواتها ستقوم بالعملية ولكن آمالها تبددت. ولا يستبعد ان واشنطن أرادت عن قصد ان تظهر للجانب التركي بانه ليس الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في المواجهة شمال سوريا. ولكن من المستبعد ان يكون الموضوع عاملا للمجابهة بين واشنطن وانقرة، وربما تركيا ستصر على عودة التشكيلات الكردية إلى مواقعها بعد الانتهاء من عملية الرقة، كما يرى الخبير الروسي.

ويذهب عدد من المراقبين في موسكو إلى ان تحرير الرقة قد يكون مؤشرا لجزء من الجهاديين السوريين بان الهزيمة قد لحقت بالدولة الإسلامية، ولكن، حسب رأيهم ان السيطرة على المدينة بحد ذاتها لا تحسم المهمة الماثلة أمام التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ولا أمام روسيا. ويفسرون ذلك بان تنظيم «الدولة» هيكل شبكي وارتباطه بالأرض افتراضي للغاية. وليست هناك براهين كافية على ان أجهزة إدارته الرئيسية واقعة في الشرق الأوسط، ويعربون عن القناعة بان السيطرة على الرقة لن تغير إلا متاعب وآلام السكان المحليين.

وحسب قراءتهم فان الولايات المتحدة تراهن على إقامة مساحة تتمكن من خلالها حماية مصالحها بعد انتهاء النزاع في سوريا نظرا لأهمية المنطقة من الزاوية الجيوسياسية بالنسبة لها كونها تشكل امتدادا للشمال العراقي وتستطيع الولايات المتحدة من هذا الجسر التأثير على تركيا وإيران، وتغير اصطفاف القوى في الشرق الأوسط.

والسؤال الرئيسي يدور فيما إذا ستتمكن واشنطن من تحقيق ذلك لاسيما وان الجماعات الكردية لا تمتلك موقفا موحدا منها؟

القدس العربي

 

 

 

 

معارضون وناشطون سوريون: مدنيو الرقة بين جحيم الفوسفور الأبيض الأمريكي والتغيير الديموغرافي للوحدات الكردية/ إسماعيل جمال

إسطنبول ـ «القدس العربي»: اعتبر معارضون وناشطون سوريون أن المدنيين في مدينة الرقة باتوا محاصرين بين جحيم القذائف والفوسفور الأبيض الأمريكي المحرم دولياً من جهة أخرى، وما وصفوه بـ»محاكم التفتيش» التي تقيمها وحدات حماية الشعب الكردية التي تعمل على تهجير السكان وإحداث تغيير ديموغرافي في المدينة على حد تعبيرهم. وخلال الأيام الأخيرة صعدت «قوات سوريا الديمقراطية» التي تتكون في معظمها من وحدات حماية الشعب الكردي، من هجومها على مدينة الرقة وسط غطاء جوي وقصف مدفعي أمريكي واسع أدى إلى تهجير عشرات آلاف المدنيين ومقتل المئات من الأطفال والنساء.

الكاتب والمحلل السياسي السوري عبد الرحمن مطر رأى أن المدنيين في الرقة تم الزج بهم وتحويلهم إلى «وقود في معركة بين طرفين متطرفين محتلَيْن»، مشددا على أن تنظيم «الدولة» ومسلحي وحدات حماية الشعب الكردية «هما وجهان لعملة واحدة».

وندد مطر الذي ينحدر من الرقة لـ»القدس العربي» بحجم القتل واللامبالاة تجاه المدنيين من جميع الأطراف، مشيراً إلى سقوط آلاف القتلى ومئات آلاف المهجرين بسبب وحشية النظام والتحالف الدولي والوحدات الكردية» مضيفاً: «معركة الرقة الحالية تُظهر بوضوح أنها تهدف لإحلال قوة احتلال جديدة، تطرد داعش، بحكم سياسة واشنطن بدعم ميليشيا صالح مسلم، ودون الأخذ بمحاذير ذلك على المنطقة».

وأكد مطر على أن منبح أكبر مثال على ممارسات الوحدات الكردية ضد المدنيين وعلى سياساتها التعسفية «كقوة أمر واقع احتلالية، حيث قامت بتهجير الآلاف، وصادرت ممتلكات كثير من الأهالي بتهمة الدعشنة، فيما لا تزال تمنع عودة المهجرين إلى بيوتهم. فيما تخضع مخيمات النازحين في الرقة إلى إجراءات الاحتجاز الجماعي»، محذراً من أن القصف اليومي العشوائي يدمر بشكل منظم البنى التحتية ويطال المدنيين ويرفع أعداد النازحين.

وتوقع مطر أن تشهد الفترة المقبلة «إما تسليم الرقة من قبل صالح مسلم للنظام كما حدث في مرات عديدة آخرها كلية المدفعية في حلب، أو أن تبقيها تحت حكم (ب ي د) لفترة وجيزة يتم خلالها انجاز تغيير ديموغرافي تعمل على تحقيقه أطراف كردية لا تجد معارضة مباشرة من أطراف إقليمية ودولية مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة، لأهداف ومصالح يستخدم فيها الكرد ـ كما غيرهم ـ لمرحلة مؤقتة».

والأسبوع الماضي، قالت مصادر سورية إن ما تسمى بـ»الإدارة الذاتية» تمنع قرابة 8 آلاف مدني من مغادرة مخيم عين عيسى شمال مدينة الرقة بذريعة «الضرورات الأمنية» وعدم اكتمال التحقق من هوياتهم وانتمائهم، «وسط حالة معيشية متردية يعاني منها هؤلاء في المخيم الذي يفتقر لأدنى مقومات الحياة»، ووصفت المصادر المكان الذي يتم احتجاز المدنيين فيه بأنه «أشبه بالمعتقل».

وقال محققون في جرائم حرب تابعون للأمم المتحدة، الأربعاء، إن الضربات الجوية المكثفة التي يشنها «التحالف الدولي» دعماً للوحدات الكردية في معركتها لطرد تنظيم «الدولة» من مدينة الرقة، تسببت في «خسائر مذهلة في أرواح المدنيين»، فيما حذرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، من تدهور وضع المدنيين النازحين من مدينة الرقة شمال سوريا.

الكاتب السوري علي العائد وصف ما يحدث في مدينة الرقة على أنه «محاكم تفتيش كردية»، واعتبر في مقال له أن عمليات التطهير والحجز في المخيمات والتدقيق في الأسماء وسرقة الممتلكات التي تمارسها الوحدات الكردية تصل إلى درجة «حاكم تفتيش».

يقول الكاتب: «يُعتقل النازحون في مخيمات، وتُصادر أوراقهم الثبوتية لدراستها، أو لمنع أصحابها من التنقل إلى مناطق أخرى. وفي معظم الحالات، لا يسمح لأي شخص بمغادرة المخيم إلا بكفالة من سكان المنطقة المعروفين لإدارة هذه المخيمات».

وأكد العائد على أنه «ريثما تزول المبررات الأمنية الكردية سيبقى النازحون عالقين في المخيمات. وحتى بعد التأكد من السيطرة على الرقة، بعد أسابيع، أو أشهر، ستمر طريق عودة الناس إلى بيوتهم بالمأساة نفسها، ليجد من يصل إلى بيته أن البيت تحول إلى مجرد سقف وجدران. هذا، إنْ نجا البيت من قصف مدافع قسد، وغارات طيران التحالف، ومفخخات داعش».

ودعت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقرير لها، الثلاثاء الماضي، التحالف الدولي لوقف استخدامه الفوسفور الأبيض خلال العمليات العسكرية الحالية في الحملة ضد الرقة، واعتبرت أن «استخدام الفوسفور الأبيض بالضربات المدفعية من قبَل التحالف بقيادة الولايات المتحدة يثير أسئلة خطيرة حول حماية المدنيين».

وندّد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بالقصف المستمر على مدينة الرقة، من قبل طيران التحالف الدولي، والذي تم خلاله استخدام مادة الفوسفور الأبيض في استهداف مناطق مدنية.

ويقدّر عدد النازحين من محافظة الرقة بما يزيد عن 400 ألف شخص، 100 ألف منهم نزحوا في شهر أيار/مايو الماضي وحده.

ودشن نشطاء سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة واسعة تحت وسم «أنقذوا مدنيي الرقة»، دعوا فيها إلى وقف «الاستهتار» بحياة المدنيين الذين يقتلون يومياً بحجة الحرب على داعش ووقف عمليات التهجير والتغيير الديموغرافي التي تقوم بها الوحدات الكردية، حسب وصفهم.

المعارض السوري البارز أحمد رمضان شدد على أن «تحرير الرقة من الإرهاب لا يبرر تدميرها بوحشية، وقتل المئات من أبنائها باستخدام مرتزقة، وإبادة أسر كاملة بأسلحة محرمة دولياً».

ونشر الناشط السوري هادي عبد الله العديد من الصور لمدنيين من الأطفال والنساء قال إنهم قتلوا في قصف عشوائي تقوم به قوات سوريا الديمقراطية على المناطق المدنية في الرقة وريفها، كما نشر صورا لآلاف المدنيين نزحوا بأوضاع مأساوية نحو ريف حلب من الرقة بسبب شدة القصف.

القدس العربي

 

 

 

تفكير بالاستنزاف لا النصر: تنظيم «الدولة» المحاصر في الرقة مجددا بعد أربعة أعوام/ وائل عصام

قبل نحو أربع سنوات، لم يبق لتنظيم «الدولة» من وجود في الرقة سوى موقع واحد هو مبنى المحافظة، إذ حوصر يومها بداخله من قبل أحرار الشام والنصرة، حينها كان التنظيم تعرض لحملة منسقة من قبل فصائل معارضة مرتبطة بالجيش الحر، أدت لإبعاد مقاتليه من كامل مناطق المعارضة غرب خط حماة حلب، لتخلوا اللاذقية وادلب والأرياف الشمالية والغربية لحلب وحماة من أي تواجد للتنظيم، الذي تراجع  لريف حلب الشرقي، وفي الرقة تمترس في هذا المبنى الوحيد، محاصرا من قبل اخوة المنهج الجهاديين، النصرة وأحرار الشام، قبل ان يتمكن وبشكل مفاجئ من استعادة الرقة كلها وتنفيذ حملة اعدامات كبيرة بصفوف عناصر أحرار الشام المنسحبين على طريق تل أبيض، واعدام قائد النصرة السابق الحضرمي.

وبعد تلك المرحلة، غدت الرقة معقل «الدولة الإسلامية»  الأول في سوريا، وشكلت تحالفات التنظيم العشائرية وانضمام كتائب محلية مسلحة، بعضها إسلامي والآخر كان ضمن الجيش الحر، شكلت عامل قوة مكن التنظيم من الهيمنة على معظم الريف الشمالي للرقة وصولا للحدود التركية، حيث طردت القوى الكردية من تل أبيض وحوصرت كوباني لثلاثة أشهر، قبل ان يتمكن الأكراد بدعم أمريكي كثيف وعلى مدى شهور من المعارك المتواصلة، من طرد التنظيم من معظم الشريط الحدودي واستعادة تل أبيض وعين عيسى ومعظم القرى المحيطة، لتستمر وتيرة التراجع العسكري وانحسار سيطرة التنظيم في محيط الرقة حتى الأسابيع الأخيرة، عندما غدت الرقة محاصرة من جميع النواحي عدا الجنوب، لتبدأ القوى الكردية المدعومة أمريكيا والمطعمة بمجموعات عربية، التوغل داخل الرقة والسيطرة على أكثر من حي شرق المدينة، في معركة قد يصمد بها التنظيم لعدة اسابيع، رغم ان فرص احتفاظه بالمدينة في نهاية المطاف تبدو ضئيلة، ما لم تحدث مفاجآت تتعلق بفتح جبهات جديدة متصلة بالرقة بغية تخفيف الحصار عنها ، وهو أمر يصعب تحقيقه في الوقت الراهن نظرا لموجة التراجع التي يعيشها التنظيم وفقدانه المطرد للأراضي، وتكالب جميع القوى المحلية المدعومة دوليا عليه في هذه العملية الجارية بالرقة، فكما ان الأكراد المدعومين أمريكيا يتقدمون شمالا وشرقا، فان النظام السوري المدعوم روسيا يتقدم من ناحية الجنوب الغربي للرقة، مضيقا الخناق حال وصوله للحدود الجنوبية للرقة، على خط الإمداد الوحيد المتبقي للتنظيم جنوب نهر الفرات. وكما في كل مرة، تروج أخبار عن اتفاقات لانسحاب التنظيم من مدنه المحاصرة في كل معركة كبرى، فقد تناقل النشطاء كالعادة أنباء عن اتفاق لانسحاب التنظيم من الرقة بوساطة عشائرية، الأمر الذي تبين لاحقا وكما في كل مرة، انه يخالف مجريات الواقع الماثل، وهكذا فان التنظيم، وعلى الأغلب، لن يترك الرقة قبل استنفاد قدرته على المقاومة حتى آخر رمق، وان اقتصرت قدرته هذه المرة على عدة اسابيع فقط، وهو لا يهدف للنصر في هذه المواجهة بل إلى الاستنزاف، كما يظهر من سياق تعامله مع المعارك السابقة. فبعيدا عن الخطاب الحماسي عن النصر الذي يروج بين أنصاره الشباب حديثي العهد بهكذا معتركات، فان القيادات العتيقة في التنظيم تدرك بلا شك ان فرص الصمود والبقاء في معاقل التنظيم الحضرية، تبدو محدودة في هذه المرحلة، فضلا عن النصر، لذلك فان ما يعملون عليه هو الاستنزاف واطالة المعارك، لتحقيق عدة مبتغيات، احداها هو ايقاع القدر الأكبر الممكن من الخسائر البشرية في صفوف القوات الكردية، على اعتبار ان قدرة تلك الميليشيات على التجنيد ليست كبيرة نظرا لمحدودية الخزين البشري للميليشيات الكردية في قرى الكرد شمال سوريا، مقارنة مثلا بالخزان البشري للمقاتلين في الميليشيات الشيعية العراقية، ولهذا تلجأ وحدات حماية الشعب الكردية في القامشلي وعفرين وغيرها من المناطق الكردية لفرض حملات تجنيد اجبارية وملاحقة الفارين من الخدمة العسكرية.

ورغم الروح القومية العالية والانتماء القوي للقضية الكردية الذي يتمتع به عناصر القوى الكردية المسلحة وحواضنهم الشعبية، إلا ان إطالة الحرب ستترك آثارها بلا شك على المجتمع الكردي محدود التعداد السكاني مقارنة بباقي مكونات سوريا، مما يدفع التنظيم مستقبلا لإدامة حرب الاستنزاف والهجمات الخاطفة، حتى بعد خروجه من الرقة.

وفي المقابل فان أعدادا قليلة من المقاتلين المدافعين المتحصنين بمدينة كالرقة، تكفي لإحداث خسائر بالقوة المهاجمة تصل لضعفي أو لثلاثة أضعاف، لذلك تبدو هذه العملية ترجح كفة القوة المدافعة بالنظر للنتيجة الاجمالية للخسائر.

النقطة المتصلة بفائدة حرب الاستنزاف داخل المدن، بالنسبة لتنظيم يجيد قتال الشوارع كالدولة، تعود لحقيقة ان قدرة هذه الجماعات التي لا تملك غطاء جويا، تبدو معدومة في الصمود بمساحات مكشوفة، أو في قرى صغيرة، لذلك فإنها تفضل بالفعل خوض المعارك في تلك المدن الكبرى، ورمي كامل ثقلها العسكري في ساحة مهيأة ببنية عمرانية مناسبة لقتال الشوارع، لتقليل دور الغطاء الجوي المتفوق.

القضية الأخرى التي يبدو انها تشكل محور اهتمام  قيادات التنظيم، هي الحفاظ على الصورة النمطية لقوة التنظيم عسكريا، فالقدرة على البقاء في الموصل طوال هذه الأشهر، منحت التنظيم قوة دعائية كبيرة، مقابل منافسيه من القوى السنية الأخرى الذين عادة ما   ينسحبون سريعا من مواقعهم حسب تعبير التنظيم، كما حصل في مدينة حلب التي لم تطل معركة السيطرة على أحيائها الشرقية سوى بضعة أيام، رغم ان أحياء حلب الشرقية تعادل مساحة الشطر الشرقي للموصل نفسها الذي طالت معاركه لعدة شهور.

وهكذا فان حسابات الاستنزاف بمعركة الرقة هي التي تطغى على ما يبدو عليها، لا النصر، أو الحديث عن النصر، لكن العمل للاستنزاف، في مرحلة تتجه أكثر فأكثر نحو خسارة التنظيم لآخر معاقله الحضرية في دير الزور والرقة وتوجهه نحو الصحراء مجددا، لكن العمل من قبل التنظيم ينصب على إطالة المعارك، بانتظار ان تهب رياح لا تشتهيها سفن خصومهم، قد تخفف تركيز الهجمة عليهم، كما حصل عندما كانوا محاصرين في مبنى واحد في الرقة قبل أربعة أعوام!

القدس العربي

 

 

 

إيران تفتح ممرّا سوريّا للمتوسّط… وممرّاً روسيا للعراق

رأي القدس

توجّه صور الجنرال الإيراني قاسم سليماني، التي نشرت أمس، مجموعة من الرسائل المركّزة «إلى من يهمّه الأمر»، وخصوصاً الأمريكيين، والقوى الإقليمية العربية، وعلى رأسها بالطبع، خصم إيران الرئيسي، المملكة العربية السعودية.

يشكّل ظهور سليماني، بداية، إعلانا رمزيّا عن انتصار إيران العسكريّ الذي يمثّله وصول قوّاتها وتنظيمات تابعة لها إلى الحدود السورية – العراقية، بالتناظر مع الصعود الكبير لحلفائها من ميليشيات «الحشد الشعبي» العراقي التي تقترب من الاستيلاء على مدينة الموصل وقد تجاوز بعضها أيضاً الحدود السورية – العراقية مما استدعى تنبيهاً من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يطالبها فيه بالتوقف عن ذلك.

اختار سليماني لحركته هذه مرافقة تنظيم «الفاطميون» للشيعة الأفغان وهو أيضاً إعلان رمزيّ آخر عن اتساع «الإمبراطورية» الإيرانية، بدءاً من مناطق نفوذها داخل أفغانستان المنهكة بالنزاعات، وتوظيفها في حروبها لخزّان بشريّ هائل مكوّن من مئات آلاف اللاجئين الأفغان، مروراً بالعراق وسوريا المهشّمين والمطحونين بالقصف والموت والاعتقالات والتهجير الجماعي، وصولاً إلى لبنان حيث يبسط حليفها القويّ «حزب الله» هيمنته العسكرية على الشارع وينيخ بظلّه الكبير على مؤسسات الرئاسة والبرلمان والحكومة.

تطلّ إيران على بحرين، الأول، قزوين، وهو أشبه ببحيرة كبيرة مغلقة تحدّ حركتها بالتعامل مع بلدان وسط آسيا وروسيا التي تجاورها، والثاني يحاذي دول الخليج العربيّة ويتميّز بممرات ضيّقة ليصل إلى بحر العرب الذي يفتح الطرق البحرية إلى باكستان والهند وإندونيسيا، من جهة، وإلى السعودية وافريقيا من جهة أخرى.

يفتح الطريق الإيراني نحو المتوسّط مجالاً واسعاً ورخيصاً لحركة النفط والغاز والسلع الإيرانية باتجاه أوروبا ودول شمال افريقيا وهذا أحد الأسباب لاعتبار ما جرى إنجازاً استراتيجياً كبيراً لطهران، على الصعد الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

الملاحظ أن صلاة سليماني الحدودية التي ترافقت مع «براند» (ماركة) «الفاطميين» لم تأت عبثاً، فهي تحمل فكرة أيديولوجية وتعبوية مهمة أيضاً يريد إيصالها، عبر استعادتها لرمزية الخلافة الفاطمية التي فتحت مصر عام 969 (358 هجرية) وأسست مدينة القاهرة، وكان نفوذها منتشراً من المغرب حتى فارس. بالتناظر مع مشهد سليماني الكاشف فقد نقلت وسائل إعلامية «مقربة من النظام السوري» عن إيغور ماتفييف، وهو رئيس الملحقية التجارية والاقتصادية في السفارة الروسية بدمشق أن موسكو تتجه لاستخدام الحدود السورية كـ»ممر» مع العراق ودول أخرى، وهو تصريح يتكئ، كما هو واضح، على فتح إيران للحدود السورية العراقية، كما أنّه يشير إلى المعارك الجارية حاليّاً للسيطرة على الحدود مع الأردن.

هذه التصريحات التي ترافق التحركات العسكرية على الأرض تعبّر أيضاً عن الخلل الكبير في موازين القوى الإقليمية والأخطاء السياسية الكارثية التي يقوم بها خصوم إيران، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، التي وضعت ثقلها السياسي الوازن في معركة عبثيّة ضد قطر فشتّتت جهودها وجهود حلفائها وأدخلت السرور إلى قلب إيران وروسيا.

لا عزاء!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى