صفحات مميزة

عن معركة حلب – مقالات مختارة-

 

 

 

 

حلب تتحدى إصرار روسيا على فرض إرادتها على السوريين

وحدة تحليل السياسات

تتعرض مدينة حلب، منذ 22 نيسان / أبريل الماضي، لقصف جوي عنيف من طائرات النظام السوري وطائرات روسية، أصاب الأسواق فيها والمشافي والمراكز الطبية والمدارس وغيرها من المنشآت المدنية، وخلّف أكثر من 250 قتيلًا ونحو 1500 جريح، فضلًا عن التسبب في دمار هائل هجر نتيجته الآلاف من المدنيين دورهم ومساكنهم واتجهوا إلى مناطق أكثر أمنًا في ريف المدينة.

هذا القصف هو التطور الميداني الأبرز منذ الهدنة التي تمّ التوصل إليها بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين يوم 22 شباط / فبراير 2016، وبدأ العمل بها بداية من 27 من الشهر نفسه، واستثنيت منها المناطق التي يسيطر عليها كل من تنظيم الدولة وجبهة النصرة. وبما أنّ المناطق التي تتعرض للقصف حاليًا في مدينة حلب تقع خارج سيطرة التنظيمين، فقد بدا مستهجنًا استهدافها بهذه الصورة العنيفة، على الرغم من أنه تمّ تسجيل أكثر من 2000 خرق للهدنة قام بها النظام في مناطق مختلفة من سورية خلال الأسابيع الثمانية التي أعقبت سريان الاتفاق. صحيح أنّ في المدينة فصائل عديدة منها جبهة النصرة، ولكنّ القصف الذي لم يستثن المستشفيات، لا يميز بينها، والأخطر من ذلك أنه لا يميز بينها والسكان المدنيين.

وهذا يحيل على مجموعة من الأسئلة منها: لماذا يتمّ استهداف الأحياء المدنية التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية في مدينة حلب؟ ولماذا تغطي روسيا الهجوم الوحشي، لا بل وتشارك فيه في خرق فاضح لاتفاق الهدنة الذي تُعدّ أحد راعييه؟ ولماذا تصرّ موسكو أيضًا على استثناء حلب ممّا سمّي اتفاق “هدنة الصمت” الذي جرى التوصل إليه بين الجانبين الأميركي والروسي، وشمل مناطق في ريفي دمشق واللاذقية، والاستمرار في التعبير عن رفضها الضغط على النظام لوقف الهجوم على المدينة؟

استئناف محاولات حصار حلب؟

يبدو القصف الذي يتعرض له الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة من المدينة تتمّة لخطة استكمال حصارها، والتي توقف العمل عليها في شهر شباط / فبراير الماضي، بسبب اتفاق الهدنة الذي مهّد السبيل لإطلاق الجولة الثانية من مفاوضات جنيف 3 التي بدأت في 29 كانون الثاني / يناير الماضي. كما يمثّل محاولة لتهجير ما تبقى من السكان، والضغط على المعارضة المسلحة السورية في حلب لكي ترضخ لشروط التفاوض الروسية.

خلال الفترة التي أعقبت التوصل إلى قرار مجلس الأمن 2254 في 18 كانون الأول / ديسمبر 2015، ونص على تنفيذ خارطة الطريق التي تضمّنها اتفاق فيينا لحل الأزمة في سورية، قاد الروس حملة عسكرية واسعة لتحسين مواقع النظام التفاوضية قبل استئناف محادثات التسوية في جنيف. وبناء عليه، حققت قوات النظام، المدعومة بقوات إيرانية وميليشيات من العراق ولبنان وغيرها، بعض الاختراقات في ريف حلب الشمالي، بعد أن وضعت روسيا ثقلها لكسر حالة الاستعصاء العسكري وقلب موازين القوى لمصلحة حليفها، مستفيدةً من حالة تسليم أميركي بسياستها في سورية.

ووضع الروس حصار فصائل المعارضة في حلب وقطع خطوط الإمداد التي تصلها بتركيا على رأس قائمة الأهداف الميدانية التي سعوا إلى تحقيقها. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، أمّنت روسيا غطاءً جويًّا لعملية عسكرية واسعة في ريف حلب الشمالي، بدأت أواخر شهر كانون الثاني / يناير 2016، واستطاعت يوم 3 شباط / فبراير إغلاق “الكوريدور” الواصل بين مدينة أعزاز على الحدود السورية التركية والقسم الذي تسيطر عليه المعارضة من مدينة حلب.

في الوقت نفسه، باشرت “قوات سوريا الديمقراطية” التي تشكّل وحدات الحماية الكردية عمودها الفقري، تحت غطاء ناري كثيف من الطائرات الروسية، التقدّم من عفرين في اتجاه الشرق، مشددةً الخناق على طريق حلب – أعزاز، على حساب قوى المعارضة السورية التي تواجه داعش. وفي العاشر من شباط / فبراير، تمكّنت فصائل تطلق على نفسها اسم “جيش الثوار”، تنضوي تحت راية “قوات سوريا الديمقراطية”، من السيطرة على مطار منغ الإستراتيجي الواقع في ريف حلب الشمالي، على طريق حلب – أعزاز، واستمرت في التقدم شمالًا وشرقًا على حساب قوات المعارضة السورية في اتجاه الحدود مع تركيا، فسيطرت على مدينة تل رفعت، أحد أهم معاقل المعارضة السورية شمال حلب، في 15 من الشهر نفسه، قبل أن توقف المدفعية التركية تقدمها في اتجاه مدنية أعزاز.

بعد نجاح قوات النظام في قطع طريق حلب – أعزاز، كانت معظم التوقعات بخصوص الإستراتيجية التي يشرف على تنفيذها الروس تؤشر إلى قيام قوات النظام بعملية عسكرية، انطلاقًا من مدينة خان طومان جنوب غرب حلب في اتجاه إدلب وصولًا إلى معبر باب الهوى، لقطع طريق الإمداد الأخير عن القسم الذي تسيطر عليه المعارضة من مدينة حلب، واستكمال حصارها[1].

لكنّ الهدنة التي جرى التوصل إليها بين الرئيسين أوباما وبوتين، يوم 22 شباط / فبراير، أوقفت مؤقتًا خطط استكمال حصار حلب. وقد أظهرت الهدنة في ذلك الوقت وجود تفاوتات في مواقف أطراف جبهة النظام، ففي الوقت الذي رأت فيه روسيا أنها أثبتت قدراتها العسكرية من خلال تمكين النظام من تحقيق اختراقات مهمة ضد المعارضة، وأنه حان الوقت لاستثمار ذلك سياسيًا في العلاقة مع واشنطن، فضلًا عن مخاوفها من تصعيد حلفاء المعارضة الذين عبّروا عن رفضهم القبول بهزيمتها، كان النظام وحلفاؤه الإيرانيون الذين استقووا بالتدخل الروسي يصرون على الاستمرار في الضغط على المعارضة أملًا في هزيمتها عسكريًا، وذلك قبل أن يقدّموا أنفسهم بصفتهم الطرف الوحيد القادر على مواجهة تنظيم الدولة وهزيمته. من هنا يمكن فهم تصريحات رئيس النظام السوري حول عزمه استعادة السيطرة على كامل الأراضي التي خسرها للمعارضة، وردّ السفير الروسي في الأمم المتحدة الذي استنكر هذه التصريحات.

إستراتيجية فرض الحل الروسي

بعد أن أثبت روسيا قدراتها العسكرية، ساد اعتقاد أنها تريد الآن أن تثبت قدرتها على اجتراح حل سياسي للأزمة السورية، من هنا قررت أن تسير في طريق الحل، إنّما الحل الذي تريده هي وظهرت بعض ملامحه خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى موسكو في نهاية آذار / مارس الماضي ولقائه الرئيس بوتين. ذهب كيري إلى موسكو للاستفادة من الزخم الذي مثّله قرار بوتين سحب جزء من قواته من سورية في الخامس عشر من شهر آذار / مارس، وجرت ترجمته على نطاق واسع بأنه محاولة روسية للضغط على الأسد لقبول تسوية سياسية، بعدما أدى التدخل الروسي ليس فقط إلى منع إسقاطه عسكريًا، بل أيضًا إلى “تغيير نسبي” في موازين القوى على الأرض لمصلحته[2].

خلال اللقاء، تلمس الروس ضعف تمسك كيري بمطلب رحيل الأسد خلال المرحلة الانتقالية، فاقترحوا أن يتمّ الإبقاء على الأسد، وحتى السماح له بالترشح للانتخابات المزمع إجراؤها في نهاية المرحلة الانتقالية، في مقابل تعديل الدستور وتحويل نظام الحكم في سورية من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني، على نحوٍ يصبح فيه الرئيس منتخبًا من البرلمان بدلًا من الشعب ويتمتع بصلاحيات بروتوكولية، في حين تحصل الحكومة الموسعة التي سيجري تشكيلها من النظام والمعارضة ومستقلّين على السلطات الحالية التي يحظى بها رئيس الجمهورية، بما في ذلك سيطرتها على الجيش والأمن. ويبدو أنّ كيري وافق على الطرح الروسي، وعلى أن يكون التركيز خلال المرحلة المقبلة على تعديل الدستور، أو إعادة كتابته، بدلًا من التركيز على موضوع هيئة الحكم الانتقالي والبحث في مستقبل الأسد، كما تطالب المعارضة، وأن يتمّ الانتهاء من ذلك بحلول شهر آب / أغسطس المقبل[3].

خلال الجولة الثالثة من المفاوضات غير المباشرة في جنيف، والتي انطلقت منتصف نيسان / أبريل، حاولت موسكو فرض أولوية تعديل الدستور وتشكيل حكومة موسعة على المعارضة، متبنّيةً وجهة نظر رئيس النظام السوري الذي يرى أنّ الانتقال السياسي يعني الانتقال من دستور إلى دستور آخر. وحاولت موسكو الضغط على المعارضة لقبول هذا المقترح من خلال الضغط عسكريًا قبل المفاوضات وأثناءها، وكذلك استخدام القضايا الإنسانية التي كان يفترض أن تكون خارج إطار العملية التفاوضية، مثل إيصال المساعدات الغذائية إلى المناطق المحاصرة وإطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين التي نصت عليها المادتان 12 و13 من القرار الأممي 2254.

لكنّ تمسّك الهيئة العليا للمفاوضات بموقفها الداعي إلى إنشاء هيئة حكم انتقالي لا يكون الأسد جزءًا منها، ثمّ قيامها بتعليق مشاركتها في المفاوضات استجابة لضغوط فصائل عسكرية، خاصة أحرار الشام التي رفضت أن تتحول المفاوضات إلى غطاء للانتهاكات التي يقوم بها النظام وحلفاؤه على الأرض، دفعا موسكو إلى رفع مستوى الضغوط على مستويين: ميدانيًا، جرى استئناف قصف حلب بصفة وحشية، بالتوازي مع استئناف محاولات إطباق الحصار عليها من خلال قطع طريق الكاستيلو، وهو طريق الإمداد الوحيد الذي يصل مناطق المعارضة بمعبر باب الهوى على الحدود مع تركيا. وتقوم وحدات حماية الشعب الكردية مدعومة بقوات من النظام وغطاء جوي روسي بمحاولة قطع الطريق انطلاقًا من حي الشيخ مقصود ذي الغالبية الكردية، والذي يبعد عن الطريق بحدود 4 كلم. أمّا سياسيًا، فقد عاود الروس الضغط في اتجاه تصنيف كل من حركة أحرار الشام وجيش الإسلام الذي يرأس ممثله وفد المعارضة إلى مفاوضات جنيف، فصائلَ إرهابيةً. بالتوازي استأنف الروس محاولاتهم الطعن في شرعية تمثيل الهيئة العليا للمفاوضات المعارضةَ السورية، والدفع في اتجاه كسر احتكارها مقعد المعارضة في المفاوضات عبر تصنيع جبهة واسعة من المعارضات المحسوبة عليهم تشمل كلًا من جماعة منتدى موسكو وجماعة مؤتمريْ القاهرة والآستانة وجماعة حميميم. لذلك، وعلى الرغم من تعليق وفد الهيئة العليا للمعارضة مشاركته في مفاوضات جنيف، فقد حاول الروس إعطاء الانطباع بأن المفاوضات ماضية في طريقها بغض النظر عن مقاطعة وفد الهيئة العليا للمفاوضات، مع استمرار المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا الاجتماع والتشاور مع وفود “المعارضة” القريبة من موسكو والموجودة في جنيف.

خاتمة

يمثّل القصف الوحشي الذي تتعرض له حلب محاولة روسية جديدة لفرض الحل السياسي الذي تفضله موسكو، مستفيدة من عدم ممانعة أميركية في ممارسة ضغوط على المعارضة لقبول أي حل يسمح بتركيز الجهد على مواجهة تنظيم الدولة، ويدفع روسيا إلى التعاون وتحمل عبء أكبر في هذا الشأن. والاحتمال قائم في أن تنجح روسيا في التعاون مع الميليشيات الكردية وقوات من النظام والمليشيات المتحالفة معه في قطع طريق الكاستيلو، وفرض حصار كامل على مناطق حلب التي تسيطر عليها المعارضة. لكنّ هذا لن يؤدي قطعًا إلى سقوط المدينة، كما لن يساعد في اجتياحها، لأنّ عملية الاجتياح سوف تحتاج إلى عشرات الآلاف من المقاتلين للقتال في مناطق سكنية وبين كتل إسمنتية، وهي موارد بشرية لا تتوافر للنظام حتى لو توقف القتال على كل الجبهات الأخرى، وحشد الأسد كل قواته في اتجاه حلب. فضلًا عن أنّ عملية كهذه سوف تكبّد النظام خسائر بشرية فادحة لن يكون بمقدوره تحملها ولا تعويضها. ويكفي التذكير بأنّ النظام عجز عن استعادة السيطرة على أحياء سكنية صغيرة في محيط العاصمة دمشق مثل جوبر وبرزة، على الرغم من القصف الكثيف الذي تعرضت له هذه الأحياء، والدعم الذي تلقاه النظام من حلفائه الروس والإيرانيين. وهذا يعني أنّ الوحشية التي تُقصف بها حلب، وكذلك تعمّد قتل مظاهر الحياة فيها لا يعدو كونه محاولة أخرى لمساومة المعارضة على قبول الحل الذي يرغب الروس، وربما الأميركيون أيضًا، في تمريره، ولو كان الثمن تدمير المدينة فوق رؤوس ساكنيها.

[1] “الإستراتيجية الروسية في سورية: التفاوض في الميدان!”، وحدة تحليل السياسات، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 14/2/2016، في:

http://www.dohainstitute.org/release/3150fdec-ed1d-469d-878f-f60df6a1037d

[2] “خطوة الانسحاب من سورية: ضغط روسي على الأسد؟”، وحدة تحليل السياسات، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 16/3/2016 في:

http://www.dohainstitute.org/release/2cc30161-538f-4eaa-be16-51f9a2dc8346

[3] “في أفكار أميركية – روسية حول الأسد والمرحلة الانتقالية”، وحدة تحليل السياسات، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 13/4/2016، في:

http://www.dohainstitute.org/release/7002ca5c-fab9-418e-83a5-839a870d8ceb

وحدة تحليل السياسات

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

 

 

 

 

صفعة للحرس الثوري في حلب بعد رسائل ولايتي/  علي الأمين

مشهدان؛ واحد سياسي وآخر أمني عسكري، طَبَعا المشهد السوري – اللبناني نهاية الأسبوع الماضي. الأول زيارة مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، علي أكبر ولايتي، إلى بيروت ودمشق، والثاني عملية أمنية عسكرية تلت المجازر التي ارتكبت في حلب عبر الهبّة التي قامت بها قوى المعارضة في ريف حلب الجنوبي وأدت إلى سقوط نحو مئة بين قتيل وجريح وأسير للنظام السوري وحلفائه في بلدة خان طومان، بينهم 13 إيرانيا من الحرس الثوري رتبات وعناصر.

في إطلالته من بيروت قال مستشار السيد علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، إنّ “إيران وسوريا ستحميان محور المقاومة ومركزها الأساسي في جنوب لبنان”. مستشار زعيم محور الممانعة والمقاومة ربما لم يزل معتقدا أنّ الجمهور الذي يستمع إليه لا يزال مقتنعا بأن السياسة الإيرانية منهمكة بكيفية تحرير فلسطين، بينما يشاهد هؤلاء كيف يجاهد الحرس الثوري والميليشيات الشيعية التابعة له من أجل تخليص سوريا، ولا سيما مدينة حلب، من “الإرهابيين”.

المهم في زيارة ولايتي إلى بيروت ودمشق ولقائه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس بشار الأسد، أنها تأتي في سياق تأكيد إيران التزامها دعم حزب الله، لا سيما في ظل العقوبات المالية التي طالته ولا تزال، خاصة من قبل وزارة الخزانة الأميركية، في موازاة استمرار الانفتاح بين الإدارة الأميركية والحكومة الإيرانية. كما أنها الزيارة الأولى لمسؤول إيراني بعد الانتكاسة العسكرية لحزب الله في تلة العيس جنوب حلب في شهر أبريل الماضي، وسط تساؤلات متنامية في بيئة حزب الله وشكوك حول الموقف الروسي في الميدان، وتساءل عن طبيعة العلاقة والتحالف بين إيران وروسيا في الشأن السوري.

مما لا شك فيه أن أفق الأزمة المفتوح في سوريا يلقي بثقله على حزب الله، الذي شكلت السنوات الخمس الماضية من تدخله في القتال السوري مجالا لاستنزاف من دون مؤشرات على وقفه، وبسبب الخسائر التي طالت نسبة عالية من كوادره ومقاتليه، وتراجع قدراته القتالية مع توسع جغرافيا القتال، اضطرت القيادة الإيرانية إلى الزجّ بمقاتلين إيرانيين في الجبهات السورية، وعـززت من حضـور لواء الفاطميين المكون من اللاجئين الأفغان، في محاولة لسدّ الثغرات التي بات حزب الله عاجزا عن ملئها.

وحين كان ولايتي يجدد دعم الأسد في دمشق ويؤكد على وقوف إيران إلى جانبه، بعد إشارة وزير الخارجية الروسي إلى أن روسيا ليست أولويتها بشار الأسد، شهد ريف حلب الجنوبي انتكاسة جديدة للنظام السوري وحلفائه، حيث سقط نحو مئة عنصر بين قتلى وجرحى وأسرى من قوات النظام، وقتل 13 عنصرا وأصيب العشرات من القوات الإيرانية والميليشيات. الانتكاسة الجديدة والمفاجئة على جبهة جنوب حلب نفسها كانت نتيجة الهجوم المفاجئ لقوات الفتح وسيطرتها على البلدة الإستراتيجية خان طومان وعدد من القرى المحيطة بها حسب مصادر سورية.

وكانت تقارير قد تحدثت عن وصول ‏قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني على رأس وحدة خاصة من الحرس الثوري الإيراني من أجل نجدة جبهة ريف حلب الجنوبي شمال سوريا، وذلك بعد سلسلة من الانتكاسات العسكرية والهزائم التي تعرّضت لها قواته التي تقود العمليات العسكرية في هذه الجبهة، إلى جانب مقاتلين من حزب الله وميليشيات عراقية وأفغانية مدعومة من جيش النظام.

وكانت تقارير سابقة قد تحدّثت عن وصول قاسم سليماني إلى سوريا في الأسبوع الأول من شهر أبريل الماضي بعد الانتكاسة الأولى لقواته في ريف حلب الجنوبي، إثر سيطرة جبهة النصرة وحلفائها على تلة العيس والقرى المجاورة لها وسقوط حوالي 50 قتيلا من عناصر الحرس وحزب الله والميليشيات العراقية، وقد نعى حزب الله 10 من مقاتليه حينها، كما نعى الحرس الثوري عددا من ضباطه ومستشاريه، وكان لافتا بعد ذلك فشل الهجوم المعاكس في استعادة التلة المذكورة ومحيطها على الرغم من تدخل الطيران الحربي بشكل مكثف.

يذكر أن قوات “جيش الفتح” تضم جبهة النصرة وأحرار الشام وفصائل إسلامية أخرى، وفصائل من الجيش الحر، وقد تمكنت هذه الفصائل المقاتلة من السيطرة على عدة مواقع بينها بلدة خان طومان، وقرية الخالدية، وحرش خان طومان، وتلة المقلع وتلة الزيتون ونفق خان طومان، ومعمل البرغل وتلة الدبابات.

كما أكدت المصادر أن عناصر جيش الفتح وفصائل الجيش الحر استخدموا نفس الأسلوب الذي استخدموه في اقتحام بلدة العيس الشهر الماضي حيث قاموا بتصوير العمليات من خلال طائرات استطلاع ساعدت القادة على إدارة المعارك من خلال رصد سير العمليات.

هذه المرة يضاف إلى معاني زيارة ولايتي وإطلالة سليماني تفاقم الأزمة في العراق بما هي أزمة المعادلة السياسية التي رعتها القيادة الإيرانية، إذ لا أحد يستطيع القول إنّ مكونات السلطة في العراق ليست من أصدقاء إيران وحلفائها، بل ليس ثمّة وزير في الحكومـة العراقية معاد لإيران. لذا فالأزمة العراقية اليوم تعكس فشل الإدارة الإيرانية لهذا البلد، الذي أتيح لإيران أن تقدم فيه نموذجًا لما تبشر به من ممانعة. لكنها قدمت أسوأ دولة فاشلة في المنطقة. وثبت أن أكثر المفسدين في السلطة العراقية هم أكثرهم تبعية والتزامًا بتوجيهاتها في الساحة العراقية، لا بل إنّ القدرة على الإفساد والفساد تحتاج من مرتكبهما في بلاد الرافدين أن يكون من موالي النفوذ الإيراني والمؤتمرين به. لذا كانت الأصوات التي ارتفعت عاليًا في المنطقة الخضراء من قبـل الجموع العراقيـة “إيران برا برا..” شعار كشف، إلى حدّ بعيد، دور إيران في حماية منظومة الفساد داخـل الدولة العراقية.

إيران تحاول أن تطمئن حزب الله بأنها لن تتخلى عنه رغم الحوار مع واشنطن، وتحاول أن تطمئن حلفاءها في لبنان وسوريا بأن العراق لم يزل في يد أمينة، وهي تعمل على استعادة بعض ما خسرته من التدخل الروسي في سوريا، وتحاول أن تعوّض الخيبات في العراق وفي اليمن، باندفاعة عسكرية في حلب، شكّلت معركة حلب عنوانها.

هكذا تحاول إيران من خلال دعم الخيار العسكري “طرد الإرهابيين والتكفيريين قريبًا من حلب”، بحسب قول ولايتي. وربما هذا ما جعل الأسد يبلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّه لن يقبل إلاّ بالانتصار الكامل. لكن الرسائل المقابلة في ريف حلب الجنوبي كان لها معنى آخر مفاده أن القيادة الإيرانية والرئيس الأسد يحتاجان إلى أكثر من تعاون روسي لمنع الهزيمة عن جنودهما ومواقعهما في المعادلة السورية التي لم ترتسم بعد.

كاتب لبناني

العرب

 

 

 

معركة حلب..قادِمة أم مُؤجّلة؟/ محمد خروب

بعد ان لم يعد ثمة مؤشر على ان محادثات جنيف السورية بجولتها الرابعة، ستُستأنف في المدى المنظور القريب اقله في الشهر الجاري، وربما الى ما بعد شهر رمضان الوشيك، بعد ان راجت أنباء بأنها ستبدأ في العاشر من الشهر الجاري بعد فشل الجولة الثالثة, بالانسحاب الاستعراضي المتهوّر وغير الذكي الذي قام به وفد مؤتمر الرياض، يبدو ان الرهان الآن بات على الحسم العسكري، الذي لاحت بوادره في أواخر الشهر الماضي، الى ان اندلعت حملة تضليل وتزوير للحقائق الميدانية, تولتها جهات اقليمية ودولية تحدثت عن مجازر مزعومة في المدينة المُقسّمة, وعن غارات روسية وسورية في قسمها الشرقي الخاضع للجماعات الارهابية, ثم انكشف تلكّؤ واشنطن، بل هي تواطأت كي لا تقوم بتنفيذ تعهداتها الرامية الى فصل ما يسمى بالمعارضة المعتدلة المحسوبة عليها وعلى معسكرها الاقليمي, عن ارهابيي جبهة النصرة افرع السوري لتنظيم القاعدة, الذين يشكلون رأس الحربة في استهداف المدنيين والمرافق العامة والمشافي في احياء غربي المدينة الخاضع لسيطرة الحكومة الشرعية.

ما زاد من العويل والضجيج المفتعل والمُضلّل لمعسكر الداعمين للمسلحين والارهابيين في سوريا, هو استثناء حلب من الهُدَن ووقف اطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه بين واشنطن وموسكو في ريف دمشق وريف اللاذقية، الامر الذي زاد من الاعتقاد – ولو اعلامياً – بان اقتحام الاحياء الشرقية لحلب من قبل الجيش السوري بات وشيكاً، وان الهدف من الغارات المُدمِرة وغير المسبوقة – كما زعموا – هو تفريغ احيائها من المدنيين تمهيداً لاجتياحها.

لم يحدث ذلك – حتى الآن بالطبع – بل كان القصد من الغارات والقصف على المُسلّحين, هو الرد على قذائفهم وجرائمهم التي استهدفت احياء حلب الغربية، لكن برقية التهنئة التي بعث بها الرئيس السوري الى نظيره الروسي في مناسبة يوم النصر على الفاشية والنازية (الذي يصادف اليوم… التاسع من ايار) وتأكيده على ان اعادة حلب الى حضن الدولة وسحق الارهابيين هو الهدف الحالي للجيش السوري، زاد من هلع الجماعات الارهابية واضاء الانوار الحمراء في غرف عمليات داعمهم ورُعاتهم ودوائرهم الاستخبارية, الى ان تنطحت واشنطن بالقول: إن اقوال الرئيس السوري هذه غير مقبولة على الاطلاق، في الوقت ذاته الذي غضّت طرفها وطرف معسكرها في المنطقة, الذي يزود الارهابيين وفي شكل مُعلَن بالاسلحة والعتاد وعديد الارهابيين ويتعهد بمزيد من الدعم لهم، عن اجتياح ثلاثة آلاف إرهابي من «جيش فتح» الذي تقوده جبهة النصرة وتشارك فيه كتائب احرار الشام ونور الدين زنكي وغيرها من المنظمات الارهابية لبلدة خان طومان في ريف حلب الجنوبي، الذي هلّلت له وسائل اعلام هذا المعسكر واعتبرته «رداً» على قصف النظام والروس لحلب ومنعاً او احباطاً لخطة تحرير واستعادة احيائها الشرقية التي يسيطر عليها الارهابيون.

اين من هنا؟

ليس ثمة شكوك بأن خطة الجيش السوري الرامية الى استكمال تطويق الاحياء الشرقية من حلب تسير وفق اجندتها الزمنية, وإن تأثرت–ضمن امور اخرى–بعراقيل او مناخات ضاغطة او اجواء غير ملائمة ,كتلك المحاولات التي نجح الاميركيون فيها، باستصدار موافقة سورية وروسية على «هُدَن» تشمل مدينة حلب (وليس اريافها بالمناسبة) كانت آخرها تلك المُستمِرة لاثنتين وسبعين ساعة تنتهي مساء اليوم الاثنين، لا يعلم أحد حتى الان ما إذا سيتم تجديدها أم ان معركة حلب الحاسمة باتت مسألة وقت ليس إلاّ، وما هي حظوظ تأجيلها وهل سيتم اطلاق يد الجيش السوري لتحرير محور الكاستيلو, الذي بالسيطرة عليه سيكون حصار احياء حلب الشرقية قد استُكمِل، ما يعني ان ليس لدى المسلحين من خيارات (هي محدودة في كل حال) سوى الاستسلام, كما حدث في حمص وبخاصة حي بابا عمرو الشهير ولاحقاً حي الوعر، ام انهم سيراهنون على الدعم المباشر الذي ما تزال تقوم به الاستخبارات والجيش التركيين, للحؤول دون عودة حلب الى كنف الدولة السورية، حيث تُشكل هذه العودة التي لم تعد مستحيلة، ضربة قاصمة للمعسكر والتحالف الدولي, الذي شن الحرب الارهابية على سوريا ومؤشراً على ان كسر شوكة الارهاب ودحره في كامل الاراضي السورية,… قد بات وشيكاً.

معركة حلب الواقِعة لا محالة, ستكون حرباً بين ارادتين ورؤيتين ولن تقتصر نتائجها على افرازات الميادين العسكرية، بقدر ما ستضع حجر الاساس لمرحلة نوعية جديدة, تبدأ بهزيمة معسكر الارهابيين وداعميهم ومموِليهم ورُعاتهم, الذين ظنوا ان من السهولة رسم خرائط جديدة للمنطقة, واطاحة انظمة عبر استخدام الارهاب وتجنيد شذاذ الافاق والمرتزقة واستخدام الاموال, في تدمير الدول وضرب نسيجها الوطني والاجتماعي تحت شعارات وذرائع مفتعلة.

معركة حلب غير مرشحة للتأجيل, بعد ان لم تعد ثمة خيارات أمام نهجين سوى بانتصار احدهما وهزيمة الآخر, الذي هو الان ودائما, ظلامي وارهابي,مُستبِد وفاسد.

الرأي الأردنية

 

 

 

 

معركة حلب التي كشفت «ارتباك» موسكو… وواشنطن!/ محمد مشموشي

عندما تتبنى دولة كبرى أساليب أقل ما يقال فيها إنها «صغيرة» أو «مرتبكة»، كما هي حال روسيا في الحرب السورية الآن، تكون إما في منتهى الثقة بالنفس لشعورها بأنها صاحبة الكلمة الأقوى، أو أنها في غاية الارتباك لإدراكها أن ما تفعله، مع حليفها نظام بشار الأسد، لن يؤدي عملياً إلى ما تصبو إليه. ويبدو أن الأمرين ينطبقان على حال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في معركة حلب المستمرة منذ أكثر من أسبوعين.

فليس سراً أن هذه المعركة، التي بدأت فوراً بعد تعليق وفد المعارضة مشاركته في مفاوضات جنيف، استهدفت الضغط على الوفد لتغيير موقفه الرافض لبقاء الأسد في المرحلة الانتقالية التي يتم البحث بها حاليا، وبالتالي إنقاذ النظام من مصيره المحتوم. ولذلك تحديداً، بادر بوتين إلى اعتماد «صغائره» هذه في تبرير الحرب على حلب أولاً، ثم الكذب بشأنها وبشأن الهدنة التي سميت «نظام تهدئة»، مرة بعدم شمولها المدينة، وأخرى بأن التهدئة تقتصر على اللاذقية والغوطة الشرقية، وثالثة بأن القصف يستهدف «داعش» و «جبهة النصرة» من دون غيرهما… إلى حد أن وزير خارجيته سيرغي لافروف اتخذ عدداً من المواقف التي يناقض واحدها الآخر، بل وحتى يكذبه علناً وبكل وضوح كما يأتي:

قبل بدء المعركة في 19 تموز (يوليو)، صرح لافروف بأن انسحاب الوفد من «جنيف 3» يؤكد أنه لا يمثل المعارضة في سورية من جهة، وأنه من جهة أخرى لن يؤثر على المؤتمر الذي سيستأنف في موعد (حدده من تلقاء نفسه) هو يوم 10 أيار (مايو)، وأنه سيعقد بمن حضر لأن وفد المعارضة، كما قال، «يريد نسف التسوية السياسية في سورية».

بعد ارتكاب النظام مجزرة تلو أخرى (نحو 250 قتيلا خلال 4 أيام)، سارع لافروف إلى ادعاء أن المعارضة، وليس النظام، هي من نفذ هذه المجازر. ثم أنه، إثر اتصال أجراه معه الوزير الأميركي جون كيري، أدلى بتصريح قال فيه إن «التهدئة» تشمل اللاذقية والغوطة الشرقية وليس حلب أو حتى ريفها. وبعد ذلك بساعات، أعلن أنه لا ضمانات بوقف النار لا في هاتين المنطقتين ولا في حلب.

بعد اتصال آخر مع كيري، قال إن هناك أملاً بوقف القتال خلال ساعات. لكنه، إثر زيارة قام بها المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا إلى موسكو، تحدث عن هدنة لـ24 ساعة في كل من اللاذقية والغوطة… من دون أن يذكر حتى كلمة حلب؟!.

لم يكن خافياً على أحد، خصوصاً على كيري ودي ميستورا، أن «صغائر» لافروف تريد إعطاء الأسد، ومعه ميليشيات إيران و «حزب الله»، وقتاً كافياً لحسم معركة حلب، لكن الأيام مرت (أسبوعان كاملان) من دون التمكن من إنجاز الهدف. على العكس، قامت الدنيا ولم تقعد على موسكو بالذات، لأنها لم تمارس ضغطاً على الأسد طالبها به العالم (مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة) لوقف مجازره في حلب.

وهكذا، صدر من موسكو يوم 3 أيار موقفان كشفا طبيعة «الارتباك» الروسي (الكذب العلني) من ناحية، وزادا من ارتباك المجتمع الدولي إزاء حقيقة موقفها من ناحية ثانية. أولهما، كان تصريحاً من لافروف قال فيه إن الأسد ليس حليفاً لروسيا، إلا أنها تقاتل معه ضد الارهاب في سورية. أما الثاني، فكان الإعلان عن سحب 30 مقاتلة روسية من قاعدة حميميم، بالطريقة ذاتها (فجأة ومن دون سابق إنذار) التي أعلنت فيها موسكو قبل شهور عن سحب «الجزء الأكبر» من قواتها وطائراتها الحربية في سورية.

والأدعى للتساؤل في هذا السياق، أن الإعلان بعد ذلك عن اتفاق أميركي/ روسي على هدنة لـ48 ساعة في حلب، تبعه تصريح من الأسد قال فيه إنه أبلغ بوتين في اتصال بينهما أن معركة حلب لن تتوقف «قبل سحق قوى المعارضة فيها».

والسؤال هو: هل يعيد التاريخ نفسه، أي سحب القوات الروسية في 15 آذار (مارس) الماضي تحضيرا لمحادثات «جنيف 3» بمشاركة الأسد، وسحب المقاتلات الآن ضغطاً عليه للعودة إليها، أم أن المسألة روسية أولاً وأخيراً، وتتعلق بارتباك قيادتها بين «الحليف الذي لم يعد حليفاً»، لكنها تقف إلى جانبه، كما قال لافروف، وبين شريكها الآخر في تسوية الحرب السورية (الولايات المتحدة)، بعد أن أعطاها كل ما تريده وتحتاج إليه لإنجاز هذه التسوية؟.

بل أكثر: هل كانت روسيا، التي قال رئيسها في وقت سابق إنه ترك في سورية قوات تكفي لحماية النظام ومقاتلة الارهاب، تتوقع أن تتمكن قوات الأسد وميلشيات إيران و «حزب الله» من حسم المعركة في حلب… وخاب ظنها؟، أم أن ما في ذهن موسكو يختلف جذرياً عما في خطة الأسد وحليفه الأول في طهران… لذلك كان هذا «الارتباك» الروسي في الفترة الأخيرة؟.

الواقع أن من شأن الدول الكبرى أن تكون لها سياسات كبرى، بما فيها الأساليب والأدوات المستخدمة فيها. وقد تقع دول كبرى في ارتباك، لكنها غالباً ما تعترف بالخطأ وحتى تملك شجاعة التراجع عنه، كما حدث مع بريطانيا وألمانيا اللتين استقبلتا، في عز معركة حلب، رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، ومع فرنسا التي دعت إلى عقد اجتماعين في باريس، أحدهما مع السعودية والإمارات وتركيا وقطر ووفد المعارضة السورية، والثاني مع مجموعة ما يسمى «دول أصدقاء الشعب السوري».

فهذه الدول الثلاث، وهي دول كبرى، فعلت ذلك ليس فقط تنديداً بمجازر الأسد في حلب، إنما أيضا وفي شكل خاص رفضاً لموقفي روسيا والولايات المتحدة اللذين يصح القول إنهما كانتا معا، وعلى رغم تهديدات كيري للأسد (إذا لم تلتزم، ستكون هناك تداعيات) «مرتبكين» قولاً وفعلاً منها.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

هذه ليست حرباً ضد “داعش”/ ماجد كيالي

حلب لا تحترق وإنما هي تُحرق، هذا ما يجري حقاً، وهذه هي وظيفة القصف بالصواريخ الفراغية والبراميل المتفجرة، من قبل طيران النظام والطيران الروسي، والهدف هو تشريد أهالي حلب، وتفريغ المدينة من سكانها، كما جرى ويجري في مناطق أخرى في حمص والزبداني، لأغراض تتعلق بعمليات التغيير الديمغرافي لهذا البلد، لأغراض طائفية، ولتثبيت نظام الأسد، كي تتطابق مع الشعار المشين: «سورية الأسد إلى الأبد».

ما ينبغي الانتباه إليه، أيضاً، أن القصف الجاري يستهدف تحديداً الأحياء الشعبية كثيفة السكان، مثل احياء الكلاسة وبستان القصر والسكري والنيرب، بمعنى أنه لا يستهدف البتّة مناطق سيطرة «داعش»، في ريفي حلب الشمالي والشرقي وإلى حدود تركيا، ما ينقض كل الادعاءات بشأن هذا الموضوع، والتي تتوخّى التغطية على الجريمة الجارية، أو تبريرها. علما أن «داعش»، في هذه الأثناء، تحاول التوسّع في ريف حلب الشمالي، بمعنى أن جماعات «الجيش الحر» والمدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تجد نفسها في هذه الظروف في مواجهة حربين، في آن واحد، أي حرب النظام (وروسيا) وحرب «داعش». فوق ذلك فإن «داعش» هذه ما زالت تتحرك بسهولة بين باديتي العراق والشام من دون أن يستهدفها أحد، لا بقصف جوي ولا بمواجهة برية، وما جرى في الرقة وتدمر كان بمثابة تسليم واستلام تقريباً مع بعض حركات مسرحية، للتغطية، تماماً مثلما حصل في صيف (2014) حين استولت «داعش» على الموصل، واستولت معها على أسلحة أربع فرق، تركها الجيش العراقي (جيش المالكي)، ومعها مئات ملايين الدولارات في خزانة المصرف المركزي في المدينة، الأمر الذي مكّن « داعش» واسهم في تغولها منذ تلك الفترة.

ليس القصد من كل هذا الكلام محاولة الإيحاء بأن «داعش» هي وليدة النظام، أو تابعة له، وإنما القصد من ذلك القول إن النظام (ومن ورائه إيران) يشتغل على التسهيل لهذا التنظيم الإرهابي بغرض تشويه الثورة السورية، أمام العالم، وللإظهار للدول الكبرى أن القصة لا تتعلق بثورة ضد نظام الاستبداد، وإنما بنظام يواجه الإرهاب، فيما هو بواسطة طائراته ودباباته شرد الملايين ودمر عمران سوريا.

ما ينبغي قوله هنا إن الحديث عن سوريا، وضمنه عما يجري في حلب، بتعبيرات محايدة، أو بنسب الحرق والتدمير والقتل المبني للمجهول، كما يفعل البعض عن نية حسنة او سيئة، إنا يخدم النظام، ويسهم في التغطية على الجريمة، مرة بالتنكر للضحايا ومرة ثانية بإنكار الجريمة ومرة ثالثة بتجهيل القاتل، وهو موقف ينم عن مخاتلة، وتلاعب، تماماً مثلما يحصل في محاولة المساواة بين ما يقوم به النظام وما تقوم به بعض الجماعات المسلحة، هنا وهناك في إطار الصراع السوري.

وقد يجدر التأكيد هنا أن النظام الذي حكم، وتحكم بسورية وبالسوريين، طوال نصف قرن تقريبا، عن طريق سيطرته على المدارس والجامعات ووسائل الإعلام وقطاعات الاقتصاد، ومنعه الحياة الحزبية والسياسية، هو الذي يتحمل المسؤولية الأساسية عن كل ما يجري. وضمن ذلك فهو يتحمل المسؤولية عن اندلاع الثورة السورية، بسده أبواب التغيير السلمي والديمقراطي، وهو المسؤول عن التحول نحو الصراع المسلح، بانتهاجه الحل الأمني وبفتحه البلد على مصراعيه لقوات إيران، وميلشياتها الطائفية العراقية واللبنانية، كما للطيران والقصف الروسيين. وهو أيضا المسؤول عن صعود جبهة النصرة و»داعش» في المشهد السوري، لأنه في العام الأول للثورة السورية استخدم كل قواته في مواجهة السوريين المتمردين على سلطته، ولأنه هو الذي سهل لهذه التنظيمات، في البداية، لإضعاف الثورة وتشويه صورتها، ولإظهار الامر كأنه حرب ضد الإرهاب. وأساساً فإن هذا النظام هو المسؤول عن ذلك بسيطرته على موارد البلد، وهيمنته على السوريين، وبتحويله الجمهورية إلى ملكية وراثية، وإلى مزرعة خاصة بعائلة الأسد. سلامة أهلنا في سوريا وسلامة أهلنا في حلب، سوريا لكل السوريين.

المستقبل

 

 

 

 

حلب تقلب المعادلة الروسية!/ سميح صعب

شكلت حلب في الاسابيع الاخيرة استثماراً عسكرياً وسياسياً للمعارضة السورية وداعميها الخارجيين. وعلى رغم أن القصف كان يطاول شطري المدينة، فان الاعلام الغربي نجح في ابراز الخسائر التي لحقت بالمناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، بينما أعداد الضحايا متساوية في الشطرين. الغلبة الاعلامية دفعت روسيا الى الضغط على دمشق للقبول بهدنات موقتة بينما كانت “جبهة النصرة” تتقدم في ريف حلب الجنوبي وتستولي على خان طومان الاستراتيجية بعدما كانت استولت قبل أسابيع على العيس وتلتها.

ولم تكن واشنطن بعيدة من التطورات الميدانية في حلب على رغم ان “جبهة النصرة” هي التي تتصدر المشهد. فتراجع النظام في حلب يخدم استراتيجية أميركية لا لبس فيها. فصحيح أن الولايات المتحدة تريد حلاً سياسياً في سوريا. لكنها تريد حلاً مبنياً على المعادلة الميدانية التي كانت سائدة قبل 30 أيلول من العام الماضي أي قبل التدخل الجوي الروسي الذي قلب السياق العسكري للحرب لمصلحة النظام.

وفي المقابل حاولت روسيا أن تمضي في الحل السياسي انطلاقاً من المفاعيل التي أسفر عنها تدخلها العسكري. ولذلك توصلت موسكو مع واشنطن الى فرض اتفاق وقف الاعمال العدائية في 27 شباط، وتمت معاودة لقاءات جنيف على وقع التقدم الذي أحرزه الجيش السوري في تدمر. وسبقت ذلك كله اشارة حسن نية روسية حيال الولايات المتحدة تمثلت في سحب موسكو الجزء الأساسي الى مقاتلاتها التي كانت أرسلتها بعد 30 أيلول الى سوريا. الا أن المعادلة الجديدة التي أرساها التدخل الجوي الروسي لم تدم طويلاً. فاجتماعات جنيف ترنحت تحت ثقل الشروط المسبقة للمعارضة التي كانت تعدّ في الوقت عينه بدعم أميركي وتركي وخليجي غير مسبوق، لتغيير الواقع الميداني الذي أوجده التدخل الروسي في حلب، مع ما سيجر ذلك من الغاء لباقي المكتسبات الميدانية التي حققها الجيش السوري في مناطق أخرى تحت الغطاء الجوي الروسي. هذا يقود الى طرح السؤال الآتي: هل خُدعت روسيا في سوريا أم أن التدخل الروسي وصل الى اقصى ما يمكن أن يصل اليه، وأن تمديد العملية الروسية كان سيؤدي الى الغرق في المستنقع السوري؟

مما لا شك فيه أن روسيا منهكة بنظام العقوبات الذي فرضته عليها أميركا والاتحاد الاوروبي، لكن العودة الى الوراء في المسألة السورية من شأنها القاء تبعات أخرى على موسكو، والولايات المتحدة ستزيد تصعيدها اذا ما لمست بوادر وهن روسي أو عدم قدرة على الامساك باليد العليا عسكرياً. ولن تكون واشنطن وحدها من سيستثمر في التراجع الروسي، بل أن تركيا والاطراف العرب الآخرين المساندين للمعارضة السورية سيحدوهم الامل في مغامرات جديدة!

النهار

 

 

 

 

حلب عقدة الصراع.. التسوية صعبة والمعركة مؤجلة/ وصفي الأمين

اللجوء إلى الحسم العسكري في حلب السورية سيشكل شرارة لحرب كبرى، أو مفتاحاً لتسوية كبرى. فللمدينة أهمية استثنائية، والسيطرة عليها تعني الكلمة الفصل في تحديد مسار الأزمة السورية، وإلى حد بعيد، مسار الأزمة العراقية. إذ لا يمكن فصل أحداث حلب عما يجري في الموصل وشمال العراق. المشتركات بينهما كثيرة، والتداخل عميق وممتد يصعب فصمه، وأي قوة تحكم المدينتين ستمسك بعقدة، هي منجم استراتيجي يُمَكِّن من الهيمنة على المنطقة، المكوّنة من المربع التركي الإيراني العراقي السوري.

حلب تشكل امتداداً لتركيا وللعراق، وهي بوابة المناطق الكردية، وقاعدة مهمة للتقدم باتجاه الرقة، وسقوطها يعني سقوط ما يليها على امتداد الجغرافيا السورية. بل يمكن اعتبار أي معركة في حلب نموذجاً مصغراً لأي حرب إقليمية أو دولية قد تنشب. فيها يحضر اللاعبون المحليون والإقليميون والدوليون وحلفاؤهم وداعموهم، إلى جانب كل الأدوات. ولأنها المعركة الأصعب والأخطر، تحاول روسيا وأميركا تفاديها ومنع وقوعها، في المدى المنظور على الأقل. ويصران على تثبيت الهدنة وتعزيزها، لأن سقوطها سيعني سقوط تفاهمات موسكو وواشنطن، والتدحرج نحو مواجهة لا يريدانها. من هنا يأتي تلويحهما بالذهاب إلى مجلس الأمن، في حال فشل مفاوضات جنيف، واستصدار قرار تحت البند السابع بشأن سوريا، لتثبيت مواقع وقواعد اشتباك تمنع حلفاءهما من الذهاب بعيداً في الإصرار على الحسم العسكري.

عدا اتفاق الجميع على منع تنظيم «داعش» من السيطرة على حلب، وإخراجه منها، هم يختلفون على كل شيء تقريباً، وتتناقض مصالحهم، بحيث إن أياً منهم لا يملك مفاتيح الحلول والتسويات. ليس أمام الدولة السورية وحلفائها سوى الحسم العسكري. فحلب العنوان الأبرز لصمود الجيش السوري، والمؤشر الأهم على قوة النظام أو ضعفه. وهي أكبر معاقل الجماعات المسلحة. تحريرها، وما يترتب عليه من تداعيات، سيكون الورقة الأقوى بيد النظام، في مفاوضاته مع المعارضة وداعميها الدوليين والإقليميين. وتحريرها سيضعف قدرة واشنطن على الضغط على دمشق، وعلى حلفائها. أما خسارتها، فتعني توازنات جديدة تُدخِل الجماعات المسلحة إلى تركيبة الدولة، على قدم المساواة مع النظام. من حلب يبدأ مشروع تقسيم سوريا، أو يفشل فيها. إن انتصاراً فيها سيعزز قوة «حزب الله» بانعكاسه المباشر على لبنان. وسيخفف الضغط المتصاعد على «الحشد الشعبي» في العراق، ويفرض حضوره في أي معركة لتحرير الموصل الاستراتيجية، ويوقف محاولات ضربه وتفكيكه، التي ظهرت أخطر مؤشراتها في معارك طوزخرماتو بكركوك.

حلب، عقدة أساسية بالنسبة للكرد في سوريا وتركيا والعراق، ونقطة ارتكاز لقواتهم للسيطرة على الرقة والموصل، الضروريتين لحماية أقاليمهم، أو دولهم التي يسعون لإقامتها. وهو ما ترفضه تركيا، وتعمل على منعه بكل الوسائل. وأنقرة تخشى وصول الحرب إلى أراضيها، إذا وصل الجيش السوري إلى حدودها، عبر تطويقها بحزام من القوى غير الصديقة، ما سيضع المنطقة الكردية على جانبي الحدود تحت النفوذ الروسي، ويفاقم مشكلة كرد تركيا ويضاعف قوتهم. تركيا تسعى إلى تحويل حلب وأريافها منطقة عازلة بينها وبين الجنوب، وممراً إليه في الوقت نفسه. وهي تعتبرها ضرورية لإقامة منطقة آمنة، أو جزءاً من خط للدفاع.

إسرائيل تفضل استمرار الوضع القائم على التدمير المتبادل بين الدولة السورية وحلفائها من جهة، والجماعات المسلحة وداعميها من جهة اخرى، لضمان عدم مبادرة أي منهم إلى التحرك ضدها. بينما يشكل تحرير حلب نقطة تحول حاسمة، ستشجع النظام على تركيز جهوده جنوباً، وعلى حدود الجولان. مع ما يعنيه ذلك من حضور لـ «حزب الله» وإيران وقوى المقاومة في تلك المناطق، وما قد ينجم عنه من تهديد للاحتلال. وهو ما سيخرج إسرائيل من حالة الحياد الوهمي المفتعلة، لتُعمِّد تحالفها مع السعودية وتركيا بالنار في الميدان.

الصراع يشتد خلف الستار بين روسيا وحلفائها الإيرانيين و «حزب الله»، وهو، في الوقت نفسه، يستعر بين الجماعات المسلحة وداعميها من جهة، وواشنطن من جهة أخرى. موسكو حريصة على الالتزام بالمصالح الأميركية، التي تقتضي بقاء حلب خارج إطار الحسم العسكري حالياً، وعدم الإخلال بموازين القوى لمصلحة أي طرف محلي أو إقليمي. وحساسية المنطقة دفعت الروس إلى إعلان الهدنة في ذروة المعركة، لتُوقِفَ هجومَ حلفائها قبل تمكنهم من حصار المدينة، مراعاةً لخطوط واشنطن الحمراء.

في المقابل، تدرك واشنطن أن التنافس بين القوتين العظميين، على درجة عالية من الحساسية والخطورة، ويستدعي تنسيقاً دقيقاً لعمليات الطرفين، تفادياً لأي كارثة شاملة تبدأ من سوريا. لم يكن هدف تدخل موسكو وواشنطن في سوريا، إلحاق الهزيمة بـ «داعش» فقط، بل جاء للحد من نفوذ القوى المحلية والإقليمية وإضعافها، بهدف إعادة تقسيم سوريا والعراق إلى مناطق سيطرة للجانبين، وإعادة النظر في خرائط «سايكس ـ بيكو».

معركة حلب هي الأصعب في الإقليم، خلطت التفاهماتُ الأميركيةُ الروسيةُ أوراقها، وأعادت إلى الواجهة تعقيدات إقليمية ودولية، تجعل من الحسم العسكري أمراً في غاية الصعوبة. وتشترط واشنطن وموسكو وجود اتفاق سياسي قبل أي هجوم، سواء في حلب أو الموصل. كما بات مستحيلاً إنجاز أي اتفاق أو تسوية، يعتبرها أي منهما تهديداً. لكن هل يمكن ان تُحَلّ بالسياسة أزمة تحمل كل تعقيدات الأزمة السورية ومخاطرها وحساسياتها، من دون فعل ميداني كبير، يرسم خريطة الطريق، ويحدد المسارات؟

السفير

 

 

 

 

هدنة سوريا عبثية كحربها/ حسين عبد الحسين

الاخبار من سوريا سوريالية. نقرأ خبرا في مطلعه ان وزيري خارجية اميركا وروسيا جون كيري وسيرغي لافروف اتفقا على هدنة تشمل كل الاراضي السورية، وفي تتمته عبارة “في سياق متصل”، ويكمل الخبر بالقول ان ضربات قوات الرئيس السوري بشار الأسد استمرت ضد هذه المنطقة السورية او تلك.

لم يعد واضحا في سوريا الفارق بين “وقف الاعمال العدائية” واستمرارها، فبتشجيع ودعم ومشاركة من ايران، استبدل الأسد ثورة شعبية ضد حكمه بحرب اهلية لا حسم فيها، فقط قتلى ودمار ونيران وانهيار اقتصادي ولاجئون وضياع جيل سوري كامل يكبر في المخيمات من دون افق ولا امل.

بشاعة عبثية حرب الأسد انه لم يعد لها حتى اهداف عسكرية تكتيكية. في مطلع المواجهات السورية المسلحة، كانت قوات الأسد تفتتح هجومها بقصف مدفعي عنيف، يليه تقدم لمقاتليها على محاورة متعددة، فاشتباك مع المعارضين، ففرض السيطرة على مناطق كانت تحت سيطرة المعارضة، وعزل مناطق معارضة اخرى مجاورة، وربما فرض حصار عليها بهدف انتزاع السيطرة عليها لاحقا.

في سنتي الحرب السورية الاولى، كتب الخبراء الغربيون باعجاب عن اداء قوات الأسد ورشاقتها، خصوصا لناحية تنقلها وعتادها الثقيل والمتوسط على مساحة سوريا الشاسعة. لكن الارهاق اصاب قوات الأسد، التي تضاءلت اعداد مقاتليها وراحت عملية تجنيد بدلاء تصبح اكثر تعقيدا بسبب انخفاض في عدد الشباب الموالين للنظام. هنا، إعتقد الأسد انه يمكنه اقتلاع المعارضين من ضواحي دمشق باللجوء لسلاحه النوعي، فقصف الغوطة بالكيماوي صيف العام 2013. وبعد ردة الفعل الدولية، سلم معظم ترسانته الكيماوية ولجأ الى القاء البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين كعقاب جماعي ضد اي منطقة يتواجد فيها مقاتلو المعارضة.

اليوم مرت اكثر من خمس سنوات على اندلاع الثورة السورية، ولم ينجح الأسد في ايقافها على الرغم من استخدامه كل اساليب القتال المتاحة: اجتياحات، حصارات، قصف كيماوي، براميل متفجرة على المدنيين، مشاركة المقاتلات والمروحيات الروسية الى جانب مرتزقة وخبراء عسكريين، وحرس ثوري ايراني وميليشيات شيعية عراقية ولبنانية.

وعلى الرغم من الجحيم الذي صبه الأسد وروسيا وايران على رؤوس السوريين المطالبين بانهاء الديكتاتورية، لم ينجح الأسد حتى الآن في استعادة ضاحية صغيرة مثل داريا، وهو ما يثير السؤال التالي: ماذا في داريا، وغيرها من القرى والمدن السورية وضواحيها، حتى تبقى عصية على الأسد بعد خمس سنوات من الجحيم؟

ربما يعتقد الأسد انه ان استمر في القتال، يتعب خصومه، وينجح هو في استعادة سيطرته على الاراضي السورية رويدا رويدا، ثم ينتظر مرور الوقت، فينسى المجتمع الدولي دمويته، ويفتح له باب العودة الى حضنه.

لكن قتل نصف مليون سوري وسورية، بجرائم صارت موثقة في ملفات مصورة لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، يختلف عن قتل حفنة من المعارضين اللبنانيين، ثم انتظار مجيء حكام جدد في واشنطن وباريس ينهون عزلة الأسد الدولية. هذه المرة، دموية الأسد ثابتة وعصية على النسيان، ما يجعل استمراره في الحرب فعلا عبثيا لا افق له.

اضاعة الوقت اسلوب تلجأ اليه معظم الاطراف الدولية المعنية بالأزمة السورية: ادارة أوباما تسعى لاضاعة الوقت حتى خروجها من الحكم بعد ستة اشهر، وموسكو وطهران في انتظار حكام أميركا الجدد وفي انتظار فرصة سانحة لاقتناصها في سوريا. لكن الاميركيين والروس والايرانيين ينتظرون بشكل شبه مجاني، فيما الأسد ينتظر على حساب السوريين ودمائهم.

ستعود الاطراف الى الحوار للتوصل الى حل في سوريا برعاية الأمم المتحدة، وسينفرط عقد الحوار مرات متعددة لاسباب متنوعة ويعود الى الالتئام. وسيتفق الاميركيون والروس على هدنات كثيرة مستقبلا، ستنهار معظمها قبل العودة الى تثبيتها، وستستمر الحرب السورية الى ان يحدث تغيير ما في الموازين العالمية.

والى ان يحين موعد التغيير الدولي، سيستمر الكابوس السوري، الذي لم تعد له بداية ولا نهاية، بل صار حلقة مفرغة من القتال والهدنات والديبلوماسية المتقطعة، والعالم يشاهد وينتظر ويتحين الفرص، فيما يسبح السوريون بدمائهم ويختنقون برائحة البارود وغبار الأبنية التي تنهار يوميا فوق رؤوسهم.

المدن

 

 

 

الهدنة في حلب… نارية

يتعرض، على الدوام، وقف إطلاق النار المعلن في سورية منذ 27 شباط (فبراير)، للخرق. وحوادث حلب – وهي المنطقة السورية الأكثر تعقيداً – في الأسبوعين الماضيين، قد تضع حداً لهذه الهدنة النارية. ووفقا للأمم المتحدة، منذ 22 نيسان (أبريل) بلغ عدد ضحايا القصف على حلب 279 مدنياً، 155 في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، و124 في مناطق سيطرة الحكومة. وأعلنت منظمة «أطباء بلا حدود» أن حلب في الأيام الـ10 الماضية تعرضت لنحو 300 ضربة جوية.

وأدت غارة جوية على مستشفى في حلب في 27 نيسان (أبريل) إلى مقتل 30 شخصاً على الأقل، بينهم طبيب الأطفال اليتيم المتبقي في هذا الجزء من المدينة. والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ألقى المسؤولية على الحكومة السورية، فيما نفى الجيش السوري أي تورط في القصف، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أولاً بأن طائرات التحالف كانت تحلّق فوق حلب، ثم نفت حصول قصف. وفي 3 أيّار (مايو) ونتيجة قصف مستشفى بالهاون في شطر من حلب تسيطر عليه الحكومة، قتل ثلاثة أشخاص وأصيب 16 (ووزير الخارجية الأميركي جون كيري حمل المعارضة السورية مسؤولية هذا القصف).

ودعت منظمة «أطباء بلا حدود» ومنظمات إنسانية أخرى الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا إلى بذل كل الجهود الممكنة لوقف الكارثة الإنسانية. ولكن وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه أميركا وروسيا في دمشق واللاذقية لم يشمل حلب، وهي من أكبر مراكز الجماعات المناهضة للحكومة. لذا، من العسير تحديد الإرهابيين – وهم الذي يجوز ضربهم وفق الهدنة التي لا تشملهم – بين هذه الجماعات.

في المقابل، النجاح في حلب بالغ الأهمية في حسابات الأسد، فهي كبرى المدن السورية. لكنها، كذلك مركز استراتيجي رئيسي للمعارضة.

وتشارك موسكو وواشنطن في مجموعة الدعم الدولية لسورية، وترغبان في إثبات قدرتهما على فرض احترام الهدنة. وإذا بدا أنّ دمشق خارج السيطرة، تهددت عملية التسوية برمتها بانفراط العقد، من جهة، وأطلقت يد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «داعش»، من جهة أخرى. ويطرح تقوية موقف الأسد سؤالاً حول مشاركته في عملية التسوية التي تتصدر بنودها موضوع استقالته.

ومن السذاجة اعتبار أنّه في حرب أهلية واسعة النطاق يستطيع أحد أن يؤثر جدياً في الأسد، ناهيك عن مجموعات متنافرة من جماعات المعارضة. فقدرات موسكو وواشنطن محدودة في مثل هذا الوضع. وجل ما في مقدورهما هو إظهار وحدة الموقف التفاوضي.

ولا يستخف بأهمية هذا الموقف في مثل هذا الوضع الخطير. ومن المهم حصول تقدم قبل لقاء جنيف المقبل، فالجولة السابقة كانت فاشلة تقريباً. وذكرت وكالات أنباء أن الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على ضم حلب إلى الهدنة. وليس في المتناول سوى مراقبة ما ستؤول إليه الامور.

* افتتاحية، عن «فيدوموستي» الروسية، 5/5/2016، إعداد علي شرف الدين

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى