صفحات مميزة

“عن مفاوضات أستانة المنتظرة” –مقالات مختارة-

 

مفاوضات آستانة تقرّب موسكو من أنقرة… وتبعدها عن طهران/ إبراهيم حميدي

تبذل موسكو جهوداً مكثفة للحفاظ على تفاهماتها مع أنقرة من جهة، وتحالفاتها مع طهران ودمشق من جهة ثانية، لإبقاء اتفاق وقف العمليات القتالية على قيد الحياة وعقد مفاوضات آستانة في ٢٣ الشهر الجاري، كي تكون «محطة موقتة» قبل استئناف مفاوضات السلام في جنيف الشهر المقبل برعاية الأمم المتحدة لدى تسلم إدارة الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة.

ويشبه تزامن خفض الجيش الروسي قواته في سورية مع الإعداد لمفاوضات آستانة إعلان الرئيس فلاديمير بوتين في آذار (مارس) الماضي إعادة انتشار القوات الروسية في سورية عشية استئناف مفاوضات السلام في جنيف وقتذاك، لتذكير الحلفاء والخصوم بالأوراق التي تملكها موسكو وسط أنباء عن احتمال قيام الرئيس بشار الأسد بزيارة عاجلة إلى موسكو تشبه زيارة نهاية العام ٢٠١٥.

التفاهمات بين موسكو وأنقرة شملت وقف العمليات القتالية باستثناء قتال تنظيمي «داعش» و «جبهة النصرة» (فتح الشام) المصنفين في قوائم الأمم المتحدة تنظيمين إرهابيين وموافقة ١٣ فصيلاً إسلامياً ومعتدلاً منضوياً ضمن ٧ تكتلات على هذه التفاهمات والبدء بعزل «النصرة» وقتال «داعش» في مقابل قيام مجالس محلية ومناطق تجارية ونشر مراقبين روس وأتراك في مناطق المعارضة وإطلاق عملية سياسية تسمح للسوريين بتقرير مستقبلهم. وإلى الآن نجحت أنقرة في الوفاء بالتزاماتها، وساهمت زيارة وزير الدفاع القطري خالد العطية إلى تركيا ولقاءاته مع فصائل إسلامية ومسؤولين أتراك في ضمان التزام تركيا تعهداتها إلى روسيا، خصوصاً بقاء «أحرار الشام» ضمن هامش التفاهمات وفرملة «النصرة» من تشكيل تحالف متشدد يطلق النار على وقف العمليات القتالية.

ومن المقرر أن يصل وفد ديبلوماسي روسي إلى أنقرة بعد غد للإجابة عن عدد من الأسئلة: «ما هي الفصائل السياسية والعسكرية التي ستمثّل المعارضة في مفاوضات آستانة؟ ما هي مدة المفاوضات وعلى أي مستوى؟ هل سيجلس وفدا الحكومة من الديبلوماسيين والجيش من جهة والمعارضة من سياسيين وفصائل إسلامية من جهة ثانية في الغرفة نفسها أم أنها مفاوضات غير مباشرة؟ على أي مستوى؟ ما هو جدول الأعمال؟ وما هي الدول الإقليمية والكبرى التي ستشارك في المفاوضات؟». وبحسب المعلومات، فإن أنقرة تريد أن تقود «الهيئة العليا للمفاوضات» وفد المعارضة بمشاركة ممثلي الفصائل المعارضة وترفض مشاركة «الاتحاد الديموقراطي الكردي» في وفد المعارضة، وتقترح أن يشارك مع ممثلي الأحزاب السياسية المرخصة في دمشق ضمن الوفد الحكومي. كما أن أنقرة رفضت اقتراح موسكو ضم العراق ومصر إلى قائمة المدعوين إلى آستانة كي لا تتكرر تجربة «المجموعة الدولية لدعم سورية» عندما زاد عدد الدول المشاركة ما عقّد إمكان الوصول إلى تفاهمات قابلة للتنفيذ.

وقبل وصول الوفد الديبلوماسي الروسي، جرت مفاوضات بين خبراء عسكريين روس وأتراك في أنقرة أول من أمس لبحث آلية معالجة خروقات وقف النار وكيفية الرد عليها والأطراف التي تشملها. ودفع الجانب التركي لشمول الجيش السوري ضمن الأطراف التي يمكن معاقبتها في حال خرق الاتفاق واستعجال نشر مراقبين كما حصل لدى نشر الشرطة العسكرية الروسية في حلب.

وخلال المحادثات العسكرية الروسية – التركية، برزت إلى الواجهة خروقات وادي بردى بين دمشق وحدود لبنان ما ألقى الضوء على التحالف بين روسيا من جهة وإيران والحكومة السورية و «حزب الله» من جهة أخرى. وعندما استفسرت موسكو عن أسباب تصعيد العمليات العسكرية، تبلغت ثلاثة أسباب: «أولاً، وجود عناصر «النصرة» في وادي بردى. ثانياً، قطع المياه من عين الفيجة عن دمشق. ثالثاً، عدم وفاء المعارضة باتفاق الفوعة – الزبداني وعدم إطلاق عشرة آلاف مصاب ومدني من الفوعة وكفريا». كما تبلغت الأمم المتحدة بعض هذه الأسباب لاستمرار قصف وادي بردى والعمليات الهجومية على المنطقة.

في هذه المرحلة، حصل تصعيد كبير بين أنقرة وموسكو عندما اتهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو «إيران والميليشيات الموالية بعدم التزام وقف النار» بالتزامن مع استمرار الاتصالات اليومية بين جاويش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف و «امتنان تركي» لدعم انتقائي من الطيران الروسي لعملية «درع الفرات» شمال حلب، الأمر الذي ردت عليه طهران بزيارات رفيعة إلى دمشق واتهام أنقرة بـ «تعقيد الوضع السوري». وكان هذا استمراراً للتوتر بين الجانبين منذ بدء العمل بين موسكو وأنقرة على عقد تفاهمات واتفاقات وقف النار، إذ أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف رفض التوقيع على وثائق الاجتماع الثلاثي الوزاري الروسي – التركي – الإيراني في موسكو نهاية الشهر. كما أنه رفض الدخول في رؤية إيران لوقف النار والحل السياسي خلال محادثات جاويش أوغلو ومدير الاستخبارات فيدان حقان من جهة وظريف ورئيس فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني من جهة أخرى في طهران.

وإذ نفت المعارضة وجود «النصرة» (تحدث البعض عن عشرات)، جرى التفاهم بين موسكو وأنقرة على إرسال وفد عسكري روسي إلى وادي بردى لاستطلاع الوضع وحل مشكلة تدفق المياه إلى دمشق وحل العقد الأخرى، مثلما حصل لدى بدء تنفيذ اتفاق إجلاء شرق حلب وفرض إيران وضع ملف الفوعة وكفريا في «الصفقة»، لكن الضباط الروس فوجئوا بعدم السماح لهم بالذهاب إلى عين الفيجة. وتبلغوا ضرورة التنسيق مع دمشق في شكل مسبق. وحرص الجانب الروسي على نفي ذلك لتجنب أزمة علنية مع طهران. وقال مسؤول مقرب من موسكو: «ندرك أنه كلما ابتعدنا عن الحل العسكري واقتربنا من الحل السياسي ستزيد الفجوة مع إيران وحلفائنا، لكن نريد التنسيق والتفاهم للوصول إلى تفاهمات مشتركة».

في المقابل، تمسكت دمشق وطهران و «حزب الله» بخيار «تنظيف» أطراف دمشق سواء بـ «الحسم» العسكري بين العاصمة وحدود لبنان أو «المصالحات» في جنوب العاصمة وربما شرقها حيث تم عرض اتفاق مصالحة جديد مع فصائل معارضة قرب السيدة زينب، تضمن تسوية أوضاع المقاتلين مقابل قتالهم «النصرة» و «داعش» وتأمين جوار السيدة زينب. وقال مسؤول مقرب إلى طهران: «لدينا خطط عسكرية ومصالحات وسنعمل مع موسكو لإقناعها بهذه الخطط كي تعرف أنه لا يمكن الوثوق بتركيا ولا بد من تطبيق التفاهمات الاستراتيجية» التي عقدت بين بوتين ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي بعد المحادثات التفصيلية بين سليماني والرئيس الروسي وذلك قبل التدخل العسكري الروسي المباشر في نهاية ٢٠١٥. وأشار إلى أن سيطرة «داعش» على مدينة تدمر الأثرية التي سعت موسكو إلى إقامة قاعدة عسكرية فيها، بمثابة تذكير لموسكو بضرورة الاعتماد على القوات النظامية وأنصارها في تثبيت التقدم على الأرض، وأن القوة الجوية ليست كافية لهزيمة «داعش».

وفي موازاة التفاهمات الروسية – التركية على مقايضة التخلي عن «النصرة» بمجالس محلية للمعارضة في إدلب، وضعت طهران ودمشق و «حزب الله» خطة عسكرية مفصلة للسيطرة على محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة «جيش الفتح» (فصائل إسلامية بقيادة «النصرة») عبر شن هجمات موازية من جسر الشغور غرباً ومن حلب شرقاً ومن ريف حماة جنوباً. وأضاف المسؤول: «لا بد أن تقطع تركيا خطوط الإمداد عن المسلحين قبل إعلان وقف النار ولا بد من الحسم العسكري أولاً ثم البحث عن الحل السياسي». هذه الخطة تفسرها أنقرة على أنها «عدم انصياع إيراني للاتفاقات مع موسكو».

غموض التفاهمات بين موسكو وأنقرة وتضمن الوثائق الأربع التي قدمت إلى مجلس الأمن الأسبوع الماضي الكثير من التواريخ والمعلومات المتناقضة وغياب النص التفصيلي لاتفاق وقف النار من جهة والقناعة من عدم قدرة موسكو على فرضها على حلفائها من جهة ثانية، دفعا الدول الغربية (أميركا وفرنسا وبريطانيا) إلى التعاطي بحذر مع اتفاق وقف النار ونصحت المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بالتعاطي بذات الحذر مع ملاحظة تقدم ملموس تضمن اعتراف موسكو بشرعية الفصائل الإسلامية. هذه الدول اقترحت ألا يشارك دي ميستورا في مفاوضات آستانة والاكتفاء بإيفاد وفد من القسم السياسي في الأمم المتحدة في نيويورك، لكن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس رأى أن لا يبدأ مهمته بتوتر مع روسيا، وهي عضو دائم في مجلس الأمن، لذلك تسير الأمور إلى مشاركة دي ميستورا أو نائبه السفير رمزي رمزي في مفاوضات آستانة اعتماداً على مستوى الوفود المشاركة على أمل أن يمهّد ذلك إلى استئناف مفاوضات جنيف مع احتمال خفض سقف مفاوضات آستانة إلى مجرد البدء بإجراءات بناء ثقة تتعلق بتثبيت وقف النار والمساعدات الإنسانية بدلاً من بحث القضايا السياسية المتعلقة بـ «الانتقال السياسي» وتنفيذ «بيان جنيف» والقرار ٢٢٥٤، بحسب ما تطالب الدول والأطراف الحليفة للمعارضة.

الحياة

 

 

 

 

هدنة ما قبل الأستانة: الحاضر يُعلم الغائب!/ صبحي حديدي

المبدأ الذرائعي في السياسة، والذي لا يُغفله إلا السذّج وطيّبو النوايا، يفرض على المرء أن يرى عاملَين اثنين، على الأقلّ، خلف التفاهمات الروسية ـ التركية التي انتهت إلى فرض الهدنة بين النظام السوري وبعض فصائل المعارضة.

ولعلّ العامل الأول، الروسي، يتمثل في حاجة موسكو إلى طراز، متقدّم كما تأمل، من الاستثمار السياسي لما بعد «انتصار حلب»؛ لا يتيح إجبار الطرف «المنهزم»، افتراضياً، على الذهاب إلى طاولة المفاوضات في الأستانة، فحسب؛ بل، كذلك، يُلزم النظام السوري، «المنتصر» افتراضياً أيضاً، على ملاقاة الاجتماع في العاصمة الكازاخستانية. وهذه ليست حاجة معنوية، وليست تظهيراً إعلامياً لذلك «الانتصار» في حلب؛ بل هي، أغلب الظن، عتبة أولى من ستراتيجية روسية تستهدف تقليص تورط الكرملين العسكري في سوريا، ما أمكن ذلك؛ دون التفريط في التوظيف السياسي لما أنجزه ذلك التورط حتى الساعة، بل العكس: الذهاب في استثماره خطوات أبعد.

الأرجح، على الجانب التركي، أنّ أنقرة بحاجة إلى استثمار هذه الستراتيجية الروسية، لجهة تطوير عمليات «درع الفرات»، ميدانياً على الأرض، وإتمام مساحة التوغل داخل الأراضي السورية على نحو يكفل إحكام الطوق أمام أي مسعى كردي نحو تطوير «الفدرالية»، أو الوصل بين مناطق سيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي، المتقطعة، على امتداد الحدود التركية ـ السورية، في الشمال. وما دامت موسكو قادرة على إحضار قوى كردية إلى مطار حميميم، تحت علم النظام، بل دفعها إلى إعادة تجزئة مفهوم «روج آفا» ذاته؛ فإنّ موسكو يتوجب أن تكون قادرة، أيضاً، ضمن ستراتيجية الاستثمار إياها، على استبعاد الكرد من المعادلة، وإنْ مؤقتاً، لصالح منح أنقرة الترخيص الضروري للوصول إلى بلدة الباب.

ثمة، إذا صحّ توصيف الحال هكذا، غائبان عن المشهد: واشنطن، وطهران. وغياب العاصمة الأولى ليس مردّه أنها منشغلة بمراسم تسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب، بل أساساً لانّ السياسة الأمريكية في سوريا ما تزال تتخبط ضمن المعادلات المتضاربة، ذاتها، التي فرضتها «عقيدة» الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ولقد سبق لبعض تلك المعادلات أن توصلت ـ ضمن تفاهمات مع موسكو، كذلك ـ إلى وقف لإطلاق النار في سوريا تمّ إسباغ الشرعية عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، أواخر 2015؛ لكنه انتهى إلى فشل ذريع، وبقي حبراً على ورق. وهكذا فإنّ أقصى ما تستطيع واشنطن التدخّل فيه، بصدد الهدنة التي رعتها موسكو وأنقرة، هو بعض التشويش، عن طريق الحلفاء الكرد؛ وذاك، في كلّ حال، لن يرقى إلى مستوى التعطيل أو حتى العرقلة.

الغائب الثاني، طهران، لا يغيب إلا لأنه غير معنيّ بأية «هدنة» فعلية على الأرض، بل هو يواصل القتال حيثما تواجدت وحداته، من «الحرس الثوري»، إلى «حزب الله»، فالميليشيات ذات الهوية المذهبية الشيعية على اختلاف جنسياتها. وليس ما يتردد عن «خلاف» روسي ـ إيراني حول الوضع الراهن في سوريا ـ أو بالأحرى حول مشاريع موسكو في الاستثمار السياسي لما بعد «انتصار» حلب، تحديداً ـ سوى مآل طبيعي لتقاطع المصالح والغايات بين موسكو وطهران، وكذلك طبائع التوظيف البعيد أو القريب. وفي الحصيلة، إذا صحّ أن إيران هي عرّاب النظام الأول، مالياً وعقائدياً ولوجستياً؛ فإنّ موسكو هي عرّاب النظام العسكري، الذي بات أقرب إلى «متعهد» وصاية وضبط وحماية في آن، مفوّض من قوّة إقليمية كبرى هي… إسرائيل!

وكما تمخضت جنيف ـ 2 عن مسرح عبث لم يجدِ فتيلاً، ما خلا إراقة المزيد من دماء السوريين، وإطلاق يد النظام نحو حدود أكثر همجية في تدمير البلد؛ فإنّ الهدنة الراهنة، وتباشير الأستانة المقترنة بها، لا تتجاوز الطموح إلى الانطلاق من الصفر؛ بافتراض أنها بلغت ذلك الصفر، أولاً!

القدس العربي

 

 

 

مؤتمر آستانة في حقل الألغام السورية/ سميرة المسالمة

يشكل «إعلان أنقرة» عن اتفاق وقف النار بين النظام والمعارضة، بضمانة كل من روسيا وتركيا، مرحلة جديدة في تاريخ الصراع السوري، وفي مسار الثورة ضد نظام بشار الأسد. لا نقول ذلك فقط لأن ثمة شكوكاً أثيرت حول اختلاف نص الوثائق الموقّعة بين الطرفين، وليس لأن الاتفاق كان برعاية تركية وروسية بعيداً من أي دور لإيران، الضلع الثالث في «إعلان موسكو»، ولا لأن السوريين ينتظرون الاتفاق كمقدمة لإجراءات بناء الثقة التي يفترض أن تمضي قدماً نحو الحل السياسي للصراع الدائر منذ ستة أعوام، بل لأنه في حقيقته يشكل بداية جديدة لتموضع فصائل المعارضة العسكرية التي كان النظام وحلفاؤه يصفونها بالإرهابية، في الواجهة من جديد، بل ويتم إسباغ الشرعية عليها كممثلة للمعارضة، باتفاقهم معها على آليات تشكيل الوفد المفاوض إلى المؤتمر المزمع عقده في آستانة، أواخر هذا الشهر، والذي ربما تُعتمد نتائجه خطوة على طريق الحل السياسي الشامل، بحسب وثيقة المعارضة المعلنة، وكحل شامل للأزمة السورية بحسب وثيقة النظام.

قد تغدو هذه الجزئية عارضة جداً لكنها تعبر بطريقة ما عن أن الأجسام السياسية القائمة أصبحت تابعة في قرارها للكيانات الفصائلية العسكرية الموقعة على الاتفاق المذكور، والتي ستختار ما يتوافق مع رؤيتها للحل المنشود بعيداً من الرؤية السياسية للمعارضة، سواء تلك المعلنة في لندن في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، أو أي تعديلات كان يجري العمل عليها بين مكونات «الهيئة العليا للمفاوضات»، إذ لم تقدم الدول الراعية لعمل وفد المعارضة ما يوحي بالاستناد إلى هذه الرؤية، لدى إعداد «خريطة طريق» لحل الأزمة السياسية الداخلية في سورية، كما تصفها وثيقة النظام المودعة في الأمم المتحدة.

وفي الوقت الذي فهم المتفاوضون من جانب المعارضة أن الذهاب إلى آستانة قد يفضي إلى إخلاء الساحة من وفود «المعارضة» الأخرى، وإغلاق التفاوض على وفدين فقط، هما وفد المعارضة الذي سيشكَّل -بناء على رغبة الفصائل العسكرية- من «الهيئة العليا للمفاوضات» وممثلي الفصائل، في مقابل وفد نظام الأسد، فإن أي مراجعة لقرار مجلس الأمن رقم 2254 ستضعنا أمام الإشكالات ذاتها في ما يتعلق بوفد أو وفود المعارضة. وذلك يعني أننا سنجد أنفسنا في مواجهة حقيقة مفادها أن روسيا التي أضحت الآن على قناعة بأن مجريات اتفاق وقف النار وما رافقه من مفاوضات مع ممثلي الفصائل، أثمرت اتفاقاً يصفه كل طرف بأنه يحقق مطالبه الخاصة، يمكن أن تستثمر أيضاً تحت الوصاية والضمانة ذاتيهما، لإنجاز اتفاق سياسي شامل يحقق القدر ذاته من الرضا من طرفي المعارضة والنظام.

ولعل من المفيد عقد الآمال على أن قناعة الجانب الروسي بضرورة الحل السياسي سريعاً، قبل الدخول في مرحلة تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب صلاحياته التنفيذية، تجعل الخطوات العملية متقاربة، حيث حددت الوثائق 16 الشهر الجاري موعداً لالتزام المعارضة بتشكيل وفد للدخول في مفاوضات تسوية سياسية، على أن يبدأ العمل المشترك مع وفد النظام اعتباراً من 23 الشهر، أي وفق خريطة طريق منتظمة ومنظمة، بغض النظر عن تعبير «عمل مشترك» بدل «عملية تفاوض» الوارد في الوثيقة الموقعة. لكن على رغم ذلك، وليس من قبيل التعطيل، تبقى تساؤلات تطرح ذاتها. مثلاً، هل نحن فعلياً على عتبة تفاوض بين «طرفين»؟ وإن كان ذلك سيحدث حقيقة فما هو الدور الذي قامت به المعارضات الأخرى؟ وهل موسكو على أعتاب عملية تخلّ عما سمي بمعارضة موسكو وحميميم؟ أم أننا أمام عملية استدراج تبدأ بالعمل المشترك وتنتهي بحالة توأمة بين كل من ستسعى موسكو وإيران إلى إدراج أسمائهم لاحقاً؟

بيد أن شبهة «التخلي» لم تبدأ من موسكو فحسب إذ تقدمت الفصائل العسكرية على الكيانات السياسية، حتى في ما يتعلق بتشكيل الوفد السياسي، ناهيك عن عملية تفاوض طويلة جرت بعيداً من الائتلاف المقيم في إسطنبول، وعن «الهيئة العليا» التي أصرت على التأكيد، حتى قبل يوم واحد من إعلان الشكل النهائي للاتفاق على وقف إطلاق النار بأنها: «لا علم لها عن مفاوضات في أنقرة»! وإذا كانت موسكو تتبع سياسة الخطوة خطوة في شرعنة ما تريده، ومنه انتزاع اعتراف الفصائل العسكرية بمعارضة حميميم وموسكو، وإلزامها الجلوس على الجهة نفسها من طاولة المفاوضات مقابل النظام، وإحالة الأمر إلى مجرد حوار يفضي إلى حكومة مشتركة تعوِّم من خلالها رأس النظام، فإنها تتوخى من ذلك تحقيق ثلاثة أهداف:

أولاً: مرجعية قانونية جديدة للقضية السورية هي ما يتمخض عنه مؤتمر آستانة بدلاً من بيان جنيف1 (2012).

ثانياً: تشكيل وفد تفاوضي جديد بتراتبية جديدة، من تجمع للشخصيات المدعوة للمؤتمر المذكور، سواء من جانب الفصائل مع الهيئة العليا للمفاوضات أو من شخصيات مدعوة تحت مسميات مختلفة.

ثالثاً: نزع شرعية الكيانات والفصائل التي رفضت التفاوض تحت سقف الاتفاق الجديد.

ربما يكون مؤتمر آستانة إحدى ثمار عجز المجتمع الدولي، قبل المعارضة، عن إيجاد آلية مجدية لحماية المدنيين السوريين، وذلك بسبب تخلّي الإدارة الأميركية عن مهماتها كدولة عظمى وإفساحها المجال أمام روسيا لتولي هذه المسألة بالوكالة، تحت ذريعة أن ما يحدث في المنطقة لا يؤثر على أمنها وأمن أصدقائها، أو بسبب رغبة الولايات المتحدة في مزيد من توريط روسيا في مستنقع المجازر التي يرتكبها النظام السوري. وعليه، ففي كلتا الحالتين، يمكن اعتبار ما يجري بمثابة نتاج لتغير في موازين القوى على الأرض نتيجة معركة حلب الدامية، والمقتلة الكبرى التي حدثت خلالها، والأسرار التي ستتكشف تباعاً حولها، وهي وإن اعتبرناها بمثابة هزيمة للفصائل المسلحة التي خاضتها، وفقاً لعقليتها وطرق عملها، إلا أنها في الوقت ذاته لا يمكن احتسابها بمثابة انتصار للنظام، بل هي هزيمة له أيضاً، إذ أدت إلى خروجه كلياً من معادلة الحل السوري الذي لن يتواجد داخلها إلا بمقدار ما تسمح به مصالح كل من روسيا وإيران من جهة، وتحالفاتهما الإقليمية من جهة أخرى.

ومع كل ما تقدم، يبقى الطريق إلى مؤتمر آستانة مزروعاً بألغام قد تتفجر بين حين وآخر، ليس لأنه لا يحقق مطالب النظام فقط، بل لأن النظام يدرك تماما أن أي حل سياسي يعني نهاية حكم الوراثة الأبدي. فهل يمضي النظام في خروقاته للاتفاق للحفاظ على مسافة أمان عن أي حل سياسي شامل؟ أم آن الأوان لتكتشف روسيا حلفاء جدداً لها؟

* كاتبة وإعلامية سورية

الحياة

 

 

 

 

أستانة… وهم ولادة لحمل كاذب/ سميرة المسالمة

يشغل خبر مؤتمر أستانة المقترح الحيّز الأكبر من مداولات مختلف أطراف الصراع السوري، وبينما تنفي المعارضة علمها بأية تفاصيل حوله، وتطرح الشكوك بشأن النوايا الروسية، وتؤكد أنها لم تتلق دعوة بخصوصه، تتوالى من هنا وهناك معلوماتٌ عن جدول أعماله، وأسماء المزمع مشاركتهم به، بل النتائج التي ستترتّب على انعقاده، في ظل تحضيراتٍ أمميةٍ لعقد جلسة تفاوضية جديدة في جنيف، نهاية الأسبوع الأول من فبراير/ شباط 2016.

لعل ذلك يؤكد من جديد اللا قرار الدولي، أو انعدام الحسم الدولي، بخصوص حل القضية السورية، حيث تسدّ فرص الحل السياسي، ليحل مكانها مجرّد تفاهمات جزئية هنا وهناك، وحيث يتلو الجميع ترانيم اللا حل بوسائل السلاح، بفعل التدخل العسكري الروسي والإيراني في حلب وريف دمشق، وتتابع عمليات التهجير القسري، ومعها تفاصيل “خريطة الطريق” الروسية التي أنتجت، حتى اليوم، مئات نقاط الهدن المحلية على امتداد الأرض السورية.

ما المطلوب من مؤتمر أستانة؟ وما الغاية التي تدعو موسكو إلى إشراك كل من تركيا، الدولة الصديقة للمعارضة السورية، وإيران التي ترى كل من يقف في مواجهة الأسد إرهابياً وعدواً لها؟ ومن هم الشركاء المحتملون الذين تود روسيا تسميتهم “معارضةً” من هذه الأطراف؟

ترى “معارضة موسكو”، بقيادة قدري جميل، أن الفرصة مواتية لها الآن لتتصدّر المشهد، لكن السؤال الملح هنا: إذا كانت روسيا ترى أنها هي المعارضة المناسبة للتفاوض مع النظام، وهي تحت جناحها أصلاً، فلماذا تدعو إلى مؤتمر في أستانة إذن؟ ومن جهتها، فإن “معارضة حميميم” التي تتنفس من خلال النظام، وتتحرّك بموافقةٍ منه، وتمارس نشاطها داخل نطاق سيطرته الأمنية، ومسار حركتها دمشق موسكو دمشق، ما حاجتها إلى مؤتمر أستانة، لتطرح تصوّرها حول سورية وحول النظام؟

فإذا كانت تلك الأطراف ليست الهدف من الجلسات الحوارية “التفاوضية”، المزمع عقدها في

“كانت روسيا وراء “مؤتمر فيينا”، ليحل مرجعية للقضية السورية بدل جنيف 1” أستانة، فلا شك أن جمعها مع أطرافٍ من المعارضة المسلحة التي كانت هي أصلا تجرّمها وتضعها في خانة الإرهاب، هي الغاية التي تريد روسيا منها شرعنة من تسميهم “معارضة الداخل” أو تدجين من كانت تسميهم إرهابيين حتى لحظة انعقاد الاجتماع الثلاثي في موسكو، والذي خرج عنه ما تعتقده تلك الأطراف “المرجعية الجديدة للتفاوض”.

لا شك أن معركة حلب، والمقتلة الكبرى التي حدثت خلالها، غيّرت موازين القوى على الأرض، فهي، وإن اعتبرناها بمثابة هزيمة للمعارضة المسلحة، إلا أنها، في الآن نفسه، ليست انتصارا للنظام، بل هزيمة له بالتساوي، كونها أخرجته هو أيضاً من معادلة الحل السوري، لتحلّ مكانها معادلة روسيا، وبالشروط التي تتأقلم مع مصالحها دولياً وإقليمياً، وحتى سورياً. هذه المصالح التي تتقاطع، في بعض محاورها، مع مصلحة تركيا، حيث الملف الكردي الضاغط عليها، والعلاقة المتأرجحة مع الإدارة الأميركية، وموجبات تحالفها مع روسيا.

أمام هذه المعطيات، يبدو أن مؤتمر أستانة مجرّد تلويح بالعصا للمعارضة السورية المتمثلة بـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” و”الهيئة العليا للتفاوض”، ومحاولة لتلزيم تركيا بفرض مشاركة فصائل المعارضة المسلحة العاملة على الأرض من خلال نافذتها، أو الحليفة لها، من جهة. ومن جهة ثانيةٍ تختبر روسيا حقيقة دور إيران بالنسبة لإمكانية اندماجها في “سياسي” يوقف أحلام حليفها الأسد بشأن حسم المعركة عسكرياً. وتالياً، تطويع كامل الأراضي السورية لسيطرته من جديد، الأمر الذي تراه طهران بات قاب قوسين أو أدنى. وثمّة أيضا الموقف الجديد للإدارة الأميركية، برئاسة دونالد ترامب (بعد أسابيع)، الضاغط على إيران، الذي يرى ضرورة إعادة النظر في الاتفاق النووي الذي فتح الأفق أمامها لاستعادة موقعها دوليا.

لا شك أن روسيا ضاقت ذرعا بمرجعية جنيف 2012 التي جعلت من “الائتلاف” ممثلاً عن المعارضة بداية، وبعده “الهيئة العليا للتفاوض”، وكلاهما في مركبٍ لا يصل إلى ما تريده،

“تعتقد روسيا أن المرجعية الجديدة تتطلب كياناً موازياً، ربما يلغي بوجوده “الهيئة العليا للتفاوض” ولا يعمل وفق منظور الحل المقترح منها. كما أن روسيا كانت وراء “مؤتمر فيينا”، أصلا، ليحل مرجعية للقضية السورية بدل مرجعية جنيف 1. وهي أيضا تجد الآن أن من شأن ما نتج عن التفاهمات الروسية ـ الإيرانية ـ التركية أن يكون قاعدة انطلاق إلى ذلك الهدف، في ظل الصمت الأميركي المعبّر، في الظاهر، عن لا مبالاة الإدارة الأميركية كلياً في الملف السوري.

وفقا لذلك، قد تعتقد روسيا أن المرجعية الجديدة تتطلب كياناً موازياً، أيضاً، ربما يلغي بوجوده “الهيئة العليا للتفاوض”، من خلال دعوة شخصياتٍ من مكونات الهيئة، تتماهى مع المتطلبات الروسية للحل المنشود في سورية، وتقبل مرجعية موسكو، وبقرار مجلس الأمن 2254 حسب التفسير الروسي له، أي إلغاء وحدانية الطرف المفاوض للمعارضة، وقبول أطراف عديدة، بينها معارضات موسكو وحميميم وقوات سورية الديمقراطية، إضافة إلى منصة القاهرة والمنتج الجديد لمعارضة الداخل “الجبهة التقدمية”.

تأسيساً على ما تقدم، يصبح مؤتمر أستانة المزمع انعقاده بعيداً عن الأطراف الفاعلة في المعارضة السورية مجرّد حجر لتحريك بركة راكدة، قد لا ينتج منه سوى رؤية أوساخها.

في المعارك ربح وخسارة، ونصر وهزيمة، وكذلك في جولات التفاوض. لكن، في الثورات التي تنطلق من لحظة الأزمة التاريخية للشعوب، هناك معبر واحد لا يمكن الرهان على فقدانه، وهو المضي نحو الهدف المنشود، أي إقامة نظام ديمقراطي يضمن حقوق كل المواطنين، ونفض كل ما علق به من أسلمة الثورة وتطييفها، ومن عسكرةٍ تحمل مشاريع الممولين بعيداً عن الهدف الوطني، وهو حماية الشعب السوري من تغوّل أجهزة القمع على مفردات حياته اليومية والمعاشية، وصولاً إلى نبذ كل مدّعٍ بأنه يمثل من لا يمثلهم حقاً.

مؤتمر أستانة المزمع عقده بمرجعية “بيان موسكو” ليس انقلاباً على شرعية المعارضة التي يسميها بعضهم “الخارجية”، وإنما هو، في شكله المعلن حتى الآن، وقبل أن يتلقى أي طرف معارض حقيقي دعوتها، ليس أكثر من توهّمات ألم ولادة بحمل كاذب. وعلى أية حال، ثمّة شكوكٌ مازالت تطرح، بل تتزايد، حول انعقاد هذا المؤتمر، وحول الأطراف المشاركة فيه، وحول جدواه… وعلى الأقل، لم تحسم المعارضة السورية حتى الآن أمرها في هذا الخصوص، بل إن انحسار الزخم الذي رافق بيان موسكو، وبعده إعلان أنقرة، يؤكد أن ما يحصل مجرّد حمل كاذب، أو طبخة بحص.

العربي الجديد

 

 

سوريا والمشروع الإيراني/ رياض نعسان آغا

أعلنا في الهيئة العليا للمفاوضات أننا ملتزمون بمفاوضات تحت مظلة الأمم المتحدة، مبنية على بيان جنيف وعلى القرارات الأممية التي رسمت طريق الحل السياسي وحددت أهدافه، ولكن روسيا سارعت للدعوة إلى مفاوضات في أستانة، ويبدو أنها تريد أن تأتي بمعارضة مصنعة تكتفي بتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الأسد يشارك فيها بعض المعارضين الموالين للنظام.

ومن الواضح أن تركيا أقنعت الروس بالتراجع عن اعتبار مفاوضات أستانة بديلة عن مفاوضات تشرف عليها الأمم المتحدة، وقد أعلن «ديمستورا» عن موعد جديد في الثامن من فبراير القادم لاستئناف المفاوضات في جنيف، كل ذلك واتفاق وقف إطلاق النار بدأ حبراً على الورق ولم يلتزم النظام والإيرانيون به، فقد ازدادت الهجمة على «وادي بردى» بهدف تهجير قسري لسكانه، وكانت الذريعة أن فيه مجموعة من الإرهابيين، وهذه الذريعة يمكن استخدامها في أي موقع يريد النظام وإيران هجوماً عليه، وهكذا أصبح وقف إطلاق النار معرضاً للفشل رغم حرص السوريين جميعاً على نجاحه ورغم الالتزام الفصائل به، وهذا ما تناقشته تركيا مع روسيا الآن بوصفهما الضامنين.

السوريون يدركون فوارق مهمة بين الموقف الروسي والموقف الإيراني، فإيران لديها مشروع توسعي، وهي تريد ضم سوريا إليها كما ضمت لبنان والعراق عبر النفوذ العسكري والسياسي المباشر، وتعمل في سوريا بجدية لإحداث تغيير سكاني في بعض المناطق التي تريد جعلها موالية لها وبخاصة في ريف دمشق لتحقق حزاماً أمنياً يتصل بجنوب لبنان. وإيران لديها عقيدة دينية مذهبية تريد نشرها، وهي تسارع لإقامة طقوسها الدينية في المساجد السُنية الكبرى في سوريا مشجعة على التشيع، وهذا ما يجعل الصراع السياسي يأخذ منحى طائفياً، وهو سر ظهور التطرف المضاد.

وإيران تريد إشاعة الفوضى في سوريا وإنهاء مؤسسات الدولة وتفتيت الجيش السوري كما حدث للجيش العراقي، لأن الفوضى والانهيار يتيحان لها أن تطفو على السيادة الوطنية كما فعلت في لبنان عبر «حزب الله» الطائفي، وقد بدأت بتشكيل ميليشيات في سورية بدل الجيش النظامي.

وإيران تريد تقسيم سوريا وهي صاحبة فكرة «سوريا المفيدة»، لجعل سوريا غير المفيدة منطقة الصراع مع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، حيث تقوم بحشد أهل السُنة في منطقة مستهدفة بوصفها تضم إرهابيين، وهذا ما يحدث في إدلب الآن حيث يقتلع أهل السُنة من بيوتهم وأراضيهم في حلب وريف دمشق ويتم تجميعهم في مخيمات في إدلب، ولا أحد يستبعد أن يتعرض كثير من هؤلاء لهولوكست قادم بذريعة مكافحة (فتح الشام). وإيران والنظام لا يخشيان من نفوذ «داعش» فالدلائل تشير إلى تنسيق وتفاهم منذ أن تم تسليم الرقة ثم الموصل ثم تدمر لتنظيم «داعش» دون عناء منه.

وإيران والنظام مرتاحان لما حققا عبر السنوات الفائتة من تهجير أكثر من عشرة ملايين من أهل السُنة، وبخاصة لمن اختاروا هجرة بعيدة، وقد عبر النظام عن هذا الارتياح حين تحدث عما حدث من توازن سكاني (وهو يعني انخفاضاً ضخماً لحضور الأغلبية السكانية في سوريا على أمل أن تصبح أقلية)، ويدرك النظام أن احتمالات عودة المهاجرين تصبح أقل بعد مرور خمس سنوات على الهجرة، ولن يكون مهماً بقاء ملايين من المهجرين في الخيام في الأردن ولبنان وجنوب تركيا، فقد بقي الفلسطينيون في الخيام عقوداً طويلة.

روسيا كما يبدو لي غير معنية بتقسيم سوريا، وهي تقول إنها تريد الحفاظ على الدولة وعلى المؤسسات والجيش، وليس لديها مشروع عقائدي أو مذهبي تريد نشره، وليس لديها مشروع توسعي بضم أراضٍ أو مستوطنات لها في سوريا كما تفعل إيران، وإنما هي تريد مواقع نفوذ وقواعد عسكرية ومصالح اقتصادية، وهذا كله يعني أنه من الممكن أن نتفاهم مع روسيا مستقبلاً، لكن التفاهم مع إيران محال ما دامت مصرة على العدوان.

الاتحاد

 

 

 

بين الأستانة وجنيف: حل سياسي للصراع السوري/ ماجد كيالي

فجأة بات السوريون في مواجهة توافق، روسي – تركي، على وقف القتال وإنهاء العمليات الحربية، بين النظام والمعارضة، في كل الأراضي السورية، على أن يتم إعداد مستلزماته الميدانية في مؤتمر الأستانة، أواخر هذا الشهر الجاري، في حين يتم التوافق على بنوده السياسية في شهر فبراير القـادم في اجتماعات خاصة تعقد في جنيف.

وبينما يحضر المؤتمر الأول ممثلون عن فصائل المعارضة العسكرية، بتغطية من المعارضة السياسية (الائتلاف) والهيئة العليا للتفاوض، تحضر اجتماعات جنيف الهيئة العليا للتفاوض كممثلة عن المعارضة، بإطاراتها السياسية والعسكرية، وذلك في مواجهة وفد النظام.

وكان إعلان موسكو الصادر عن اجتماع وزراء خارجية ودفاع روسيا وإيران وتركيا، في الشهر الماضي، وضع الأساس لهذا التوافق، ما يؤكد أن الأطراف السورية المعنية مباشرة بالصراع، أي النظام والمعارضة، لم تعد تملك من أمرها شيئا، وأن الأطراف الخارجية هي التي أضحت تملك تقرير استمرار الحرب، أو التحول نحو التسوية، وربما تحديد ماهية سوريا المقبلة؛ هذا أولا.

ثانيا، يلاحظ أن هذا الاتفاق تم بين روسيا وتركيا، كأن إيران باتت خارج القوس أو أنها معترضة عليه، أو تمت إزاحتها منه، وهذا تطور غاية في الأهمية في الموقف الروسي، وفي مكانة إيران في الصراع السوري.

ثالثا، الملاحظ بهذا الاتفاق غياب النظام العربي، على المستوى الفردي والجمعي، ويمكن إحالة ذلك ليس فقط إلى اختلاف وتباين مواقف الأنظمة العربية من الصراع السوري، وإنما هو يرجع أيضا إلى تدني فاعلية النظام العربي، وعدم وجود دولة عربية قادرة على فرض ذاتها على المعادلات الإقليمية.

رابعا، يأتي هذا الاتفاق في وضع لا يبدو فيه أي من الطرفين المعنيين، النظام أو المعارضة، قادرا على حسم الأمور لصالحه، بل يبدو أن كل منهما في غاية الإرهاق والاستنزاف.

خامسا، يظهر هذا الاتفاق غياب الولايات المتحدة الأميركية، لكن هذه الصورة غير صحيحة تماما، والأرجح أن الولايات المتحدة باتت تميل إلى التخلي عن استراتيجيتها السابقة، بخصوص الحفاظ على ديمومة الصراع السوري، والاستثمار في استنزاف مختلف الأطراف المنخرطة فيه، بوضعها في مواجهة بعضها، لصالح استراتيجية أخرى تنهي الصراع، بعد أن استنفذت أغراضه، وأن دورها الآن الاستثمار في التسوية وقد تصادف ذلك مع التغير في الإدارة الأميركية من باراك أوباما إلى دونالد ترامب.

بحسب التسريبات فإن التوافقات التي تم التوصل إليها تتمحور حول خمسة بنود، الأول والثاني يفيدان بضمان التزام المعارضة واشتراكها في التوصل إلى حل سياسي بعد شهر من وقف إطلاق النار، فيما ينص البند الثالث على أن الطرفين المتفاوضين (النظام والمعارضة) سيعملان على التوصل إلى حل للقضية السورية، وفي ما يخص البند الرابع فهو يتعلق برعاية عملية التفاوض من قبل الأطراف الضامنة للاتفاق، متمثلة بتركيا وروسيا.

أما البند الخامس فتضمَّن كيفية دخول الاتفاق حيز التنفيذ، دون أي تفاصيل أخرى عن آليات تطبيق الاتفاق. علما أن هذه النقاط التوافقية تستند إلى بيان جنيف 1 الذي صدر عام 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي 2254، وتحت مظلة الأمم المتحدة ورعايتها. أي أن ذلك يعني وجود مرحلة انتقالية، تقوم فيها هيئة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية بإدارة البلد، بما في ذلك إخلائه من الميليشيات الأجنبية، كما يعني ذلك صياغة دستور جديد والتحضير لانتخابات في غضون 18 شهرا.

وفي الواقع فقد كان ينبغي توقع هكذا محطة، في أي وقت، بغض النظر عن نجاح هذا الاتفاق من عدمه، إذ لا توجد ثورات ولا حروب ولا صراعات سياسية إلى الأبد، فكل الصراعات، مهما كانت ماهيتها، أو شرعيتها، أو ضرورتها، لا بد لها أن تصل إلى نقطة تتوقف عندها، سواء بانتصار طرف على آخر، أو نتيجة قناعة أطرافها أو أحد أطرافها بالكلفة الباهظة لاستمرار الصراع، أو بسبب التوصل بين الطرفين المعنيين إلى نوع من مساومة أو تسوية جزئية، يحقق فيها كل طرف من أطرافها البعض من المكاسب، وطبعا ثمة وضع آخر مختلف يتعلق بقيام أطراف خارجية بفرض تسوية على الأطراف المتصارعة. وفي العموم فهذه هي مآلات الصراعات والحروب التي عرفتها تجارب البشرية عبر التاريخ، ولا بد أن هذا يشمل حالة الصراع السوري، الدامي والمدمر والطويل، والذي تمخض عن كارثة دولتية ومجتمعية للسوريين وربما لعموم منطقة المشرق العربي.

بيد أن هذا وذاك ينقلنا أيضا، من مجرد الحديث عن وقف القتال والقصف والتدمير والتهجير، الذي لا بد منه، إلى الحديث عن مستلزمات حل سياسي انتقالي، قد يمهد لحل دائم للصراع السوري، بما يستجيب لمطالب كل السوريين ويبدّد مخاوفهم، ويعيد الثقة إلى قلوبهم في مستقبلهم المشترك كشعب، مع تنوعهم واختلافاتهم.

المعنى أن هذا يتطلب، أيضا، الإفراج عن كل المعتقلين، ورفع الأطواق الأمنية عن كل المناطق المحاصرة، وإخراج الجماعات أو الميليشيات المسلحة الأجنبية من البلد، بغض النظر عن أي طرف تتبعه، بضمانة قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، يستتبعه تواجد قوات دولية.

هذا هو الشرط اللازم لأي بداية، وتأتي بعد ذلك الخطوة التي لا بد منها للحل النهائي، وهي صياغة دستور جديد يضمن حقوق المواطنة، وأهمها الحرية والمساواة بين جميع المواطنين، في دولة مؤسسات وقانون، والاحتكام للقواعد الديمقراطية في تداول السلطة، لأن هذا هو الحل الأمثل والمتوازن، إذ أن أي حل آخر، لا يصبّ في هذه المسارات، ولو بالتدريج، سيعني استمرار الواقع الراهن، أو إعادة إنتاج المعادلات التي أدت إلى الانفجار السوري، مع علمنا أن إعادة إنتاج النظام القديم أصبحت غير واقعية، بعد أن فقد شرعيته الداخلية بقتل شعبه، وبعد أن فرط بسيادته بفتحه البلد على التدخلات الأجنبية، واعتماده على إيران وروسيا من أجل ضمان بقائه. عموما ستبقى مصداقية أي حل سياسي ترتبط بوقف القصف والتشريد، كما بمدى التزام إيران بهذا الحل، ومدى دعم الولايات المتحدة له.

كاتب سياسي فلسطيني

العرب

 

 

 

المعارضة السورية والاتفاق الروسي – التركي/ ماجد كيالي

أسئلة كثيرة ومحرجة يثيرها الاتفاق الروسي- التركي المفاجئ والمتعلق بوقف الأعمال القتالية في سورية، وتالياً التوجه لعقد مؤتمر في «الآستانة» هدفه إنهاء الصراع السوري (أواخر هذا الشهر)، وهي أسئلة تستمد شرعيتها أيضاً من الاضطراب الحاصل في مواقف عدد من كيانات المعارضة وشخصياتها وتصريحاتهم.

مثلاً، كيف حلّلت فصائل المعارضة العسكرية لنفسها إجراء مفاوضات مع الطرف الروسي، بل وقبول الاتفاق المطروح عليها، والمشوب بالغموض، في حين كانت تحرّم ذلك على غيرها وتوجه ضده الاتهامات والتشكيكات؟ ثم لماذا لم توضّح هذه الفصائل كيفية انتقالها (وكذا مسؤوليتها) من الحديث عما سمته «ملحمة حلب»، أي «تحرير» حلب كلهــا من النظام، إلى الرضوخ للواقع المتمثل بسيطرة النـــظام على كامل المدينة؟ ثم على أي أســــاس ستذهب هذه الفصائل إلى مؤتمر «الآستانة» لمــــفاوضة وفد النظام وهي التي كانت ترفض ذلك جـــملة وتفصيلاً؟ فهل تملك المؤهلات لذلك؟ ثم ماذا عن «الائتلاف الوطني» و «الهيئة العليا للمفاوضات» التي تتمثل فيــــها هذه الفــصائل، مع الخبرات والإجماعات التي باتت تستحوذ عليها تلك الهيئة سورياً ودولياً؟

أيضاً، ثمة سؤال خاص بتركيا، الحليف أو السند للمعارضة السورية، عن سبب استحضارها ممثلين عن فصائل المعارضة العسكرية، لتوقيع الاتفاق، في حين كان الأنسب والأجدى والأكثر مصداقية لها وللمعارضة أن تستدعي ممثلين عن الائتلاف (الكيان السياسي للمعارضة)، أو «الهيئة العليا للمفاوضات»، التي تمثل معظم الكيانات السياسية والعسكرية في المعارضة السورية؟

طبعاً لا أحد سيجيب على تلك الأسئلة ولا على غيرها، فهذا بات من طبائع الأمور، لاسيما في ظروف المعارضة السورية، ما يعني أن الالتباسات والتعقيدات والشبهات التي تحيط بهذا الاتفاق، مع ضرورة تأييد أي وقف للأعمال القتالية، هي من طبيعة الصراع السوري الدائر منذ قرابة ستة أعوام، وهي نتاج تضاؤل مكانة الطرفين المتصارعين، أي النظام والمعارضة، لصالح الأطراف الخارجية، وارتهانهما لها، خصوصا لروسيا وتركيا في هذه المرحلة، هذا أولاً، وثانياً يؤكد ذلك مجدداً وبعيداً من أي أوهام أو تبريرات، افتقاد الثورة السورية إلى كيان سياسي جمعي وفاعل، إزاء السوريين وإزاء العالم، وهو الأمر الذي ظل المعنيون يستخفون به، ولا يشتغلون على تجاوزه. ثالثاً، هذا يعني أن الدول المساندة للثورة السورية تشتغل وفقاً لمصالحها، وأولوياتها، وهومن حقها بالطبع، لكن الملاحظ هنا أن هذه الدول لا تراعي حساسيات السوريين، ولا تأخذ في اعتبارها الكيانات القائمة، لا السياسية ولا العسكرية ولا المدنية.

والحال يبدو بديهياً قبول المعارضة، بمعظم كياناتها السياسية والعسكرية للاتفاق الروسي- التركي (في أنقرة)، الذي عرض عليها من دون أن تشارك في صوغه، تماماً مثلما قبلت قبله الاتفاق الثلاثي الروسي والإيراني والتركي (في موسكو)، لذا يبدو بديهياً أيضاً، قبولها المشاركة في مفاوضات مع النظام، برعاية روسية وتركية في «الآستانة»، وذلك بسبب ضعفها وتفتّتها، كما بسبب ارتهانها لهذه الدولة أو تلك من الناحيتين السياسية والمادية، وخصوصاً بسبب خروج السوريين شعباً من معادلات الصراع بسبب الحصار والتشرد، وانحصار الصراع بالعمل العسكري.

عموماً، هذا ما أكدته المفاوضات التي جرت في العاصمة التركية (أنقرة) بين ممثلين عن روسيا وممثلين عن بعض فصائل المعارضة العسكرية، منذ أسابيع، وأكده اللقاء الثلاثي الذي عقد في العاصمة القطرية (الدوحة)، والذي جمع وزيري خارجية تركيا وقطر مع رياض حجاب منسق «الهيئة السورية العليا للمفاوضات»، كما أكدته قبل ذلك اتفاقات الهدن التي عقدت طوال المرحلة الماضية، والتي توّجت بالاتفاق التركي- الروسي في حلب.

مع ذلك، وبصراحة كاملة، فإن المعارضة السورية، في وضعها الراهن، وفي ظل المعطيات الدولية والإقليمية والعربية غير المواتية، لا يمكنها أن تظهر كمن يشتغل على إجهاض أي اتفاق ينطوي على وقف القتال والقصف والتشريد، بل على العكس من ذلك، أي إنها معنية بإظهار نفسها ممثلاً لكل السوريين، بتأكيد حرصها على وقف الصراع الدامي والمدمر، خصوصاً أن النظام وحلفاءه هم من يتحكمون بذلك، فهم الذين يمتلكون القدرة على القصف، وقوة النيران، وأيضاً لأنه ليس من مصلحة المعارضة الظهور كمن يعارض الحل السياسي، لأن هذا الموقف هو الذي يبقيها على الخريطة، ويسمح لها بتوسيع هامشها، وفرض بعض مطالبها في هذه المرحلة من مراحل الصراع السوري. والمعنى من ذلك أن على المعارضة أن تستثمر بالاتفاق وأن تعمل على إظهار النظام بمظهر الرافض لوقف القصف والتدمير والتشريد، ورفض أي حل سياسي، عوضاً عن منحه صكّ براءة بإعلانها هي رفض المفاوضات أو رفض الحل السياسي، مثلاً، لأن النظام ومعه إيران هما من يمانع أي حل أو أي تسوية، ويشتغلان على كسب الوقت، وتالياً فرض الأمر الواقع. كما على المعارضة أن تقوم بذلك في سبيل الاستثمار في تعميق وترسيخ التباين الروسي- الإيراني، في خصوص المسألة السورية، الأمر الذي يمكن استشعاره من التحول من عدم اندراج إيران في الاتفاق الأخير الذي حصل بين روسيا وتركيا في هذا الشأن.

لكن الناحية الأهم هنا، والتي ينبغي إدراكها، هي أن على المعارضة أن تؤكد أن أي حل انتقالي أو دائم في سورية ينبغي أن يمهد لتسوية سياسية نهائية، وأن يتأسس على خدمة كل السوريين، بتنوعهم واختـــلافاتهم، وأن ذلك ينبغي أن ينطلق بداية من وقف كامل لكل أعمال القتل والتدمير والتشريد، والإفراج عن المعتقلين، ورفع الأطواق الأمنية عن المناطق المحاصرة، وإخراج الجماعات أو الميليشيات المسلحة الأجنبية من البلد، بضمانة قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي ومع تواجد قوات دولية.

بيـــد أن ما سبق هو بمثابة الشرط اللازم لأي بداية، ما يستوجب التكامل مع الشرط الكافي المتمثل بالتـــحول نحو مرحلة انتقالية تفترض صياغة دستور جديد يضمن حقوق المواطنة، وأهمها الحرية والمســــاواة بين جميع المواطنين، في دولة مؤسسات وقانون، والاحتكام للقواعد الديموقراطية في تداول السلطة. هذا هو الحل الأمثل والمتوازن، لأن أي حل آخر لا يصبّ في هذه المسارات، ولو بالتدريج، سيعني استمرار الواقع الراهن، لا سيما أن إعادة إنتاج النظام القديم أصبحت غير واقعية.

وبديهي أن هذه الأمور لن تلقى استجابة فورية أو سهلة، وأن الأمر سيحتاج إلى مزيد من التقاتل والاحتراب والهدن والتسويات، فهذه هي طبيعة الصراعات السياسية، ولاسيما من نمط الصراع السوري، حيث كل طرف يشتغل وكأن هذه حرب وجودية بالنسبة إليه.

في كــــل الأحوال، لا يمكن القول إن زمن الصراع السوري بـــات وراءنا مع الاتفاقات المذكورة، إذ إن كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية مازالت لم تتــــوافق تمـــاما على ماهية الحل السياسي لسوريا، فالنظـــام مازال في حالة إنكار ومكابرة على رغم خــــوار قواه، واعتماديته في بقائه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً على إيران وروسيا، وعلى تساهل العالم مـــعه. فـــي حين أن المعارضة، بكل مكوناتها، مازالت متحفزة، ومتوجعة، وتنتظر أي مدد يأتيها، أو أي تغير لمعاودة نشاطها، بالطريقة والمنهج ذاتهما.

أيضاً، على الصعيد الخارجي، لا سيما بالنسبة إلى إيران وروسيا، فإنهما تريان أن أي تغيير في سورية ينبغي أن يبقي على النظام، على رغم افتراق الطرفين في معنى ذلك، أو حدوده. أما ما يعرف بـ «أصدقاء الشعب السوري»، فنحن هنا أيضاً إزاء مصالح وسياسات ورؤى متضاربة أثقلت على ثورة السوريين، وحمّلتها أكثر مما تحتمل، فضلاً عن أنها أخذتها إلى أحوال أنهكت مجتمع السوريين وأضرّت به، ثم أن تركيا مثلاً، بات لها استراتيجية مختلفة تتأسس على حفاظها على أمنها القومي، والحؤول دون قيام منطقة كردية مستقلة على حدودها الجنوبية، والاستثمار في عملية درع الفرات لتأمين نفوذ لها في سوريا. وطبعاً، ثمة المنظمات الإسلامية الجهادية، لا سيما «داعش» و «جبهة النصرة» (وأخواتهما)، وكلها لا علاقة لها لا بالثورة ولا بأجندة السوريين المتعلقة بالتغيير السياسي.

أخيراً، فإن نجاح الاتفاق الروسي- التركي سيتطلب توافر عدة عوامل، أولها وضع حد للتدخل العسكري لإيران وميليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية في سوريا. وثانيها استمرار التباين في الأجندة الروسية والإيرانية. وثالثها دخول الولايات المتحدة بثقلها على الخط لدعم الاتفاق وترسيخه. ورابعها التحول من مفاوضات «الآستانة» إلى مفاوضات «جنيف»، المنطلقة من مرجعية بيان جنيف1 وقرارات مجلس الأمن الدولي، وفي مقدمتها القرار 2254، وهو ما حاول قرار مجلس الأمن مؤخراً تصويبه. وخامسها تصويب المعارضة (السياسية والعسكرية) لأوضاعها.

* كاتب فلسطيني

الحياة

 

 

 

 

فرص نجاح الاتفاق الروسي – التركي بشأن سورية

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

بعد اتفاق إجلاء المعارضة عن حلب الذي توصل إليه الجانبان، الروسي والتركي، اتفقت روسيا مع فصائل من المعارضة السورية، بوساطة تركية، على وقفٍ للعمليات العدائية يشمل الجبهات كافة. وأُعلِن الاتفاق في أنقرة في 29 ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، على أن يبدأ تنفيذه في اليوم نفسه، وبضمانات تركية وروسية. وقد اتُّفق على أن يشكل وقف إطلاق النار بدايةً لعملية سياسية لحل الأزمة السورية، تنطلق أواخر يناير/ كانون الثاني الجاري في مدينة أستانا، عاصمة كازاخستان، بين النظام السوري والمعارضة. فما الذي يجعل هذا الاتفاق مختلفًا عن الاتفاقات السابقة؟ ولماذا قد ينجح الجهد التركي – الروسي في حل الأزمة السورية، في حين فشل الجهد السابق كله في وضع حدٍ لها؟ وهل هناك معطيات مختلفة في هذه المرة؟

فشل التفاهم الروسي – الأميركي

منذ التدخل العسكري الروسي في سورية في الثلاثين من سبتمبر/ أيلول 2015، توصلت الولايات المتحدة وروسيا إلى اتفاقين لوقف إطلاق النار، انبثق الأول من تفاهمات فيينا التي جرى التوصل إليها منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، ثم تضمينها في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015. وجاء الاتفاق، الذي بدأ العمل به في 27 فبراير/ شباط 2016، بهدف تذليل العقبات أمام مفاوضات “جنيف 3″، والتي فشلت بسبب استمرار قصف النظام مناطق المعارضة، وإصراره على عدم إدخال مساعداتٍ إنسانية إلى المناطق المحاصرة. أما الاتفاق الثاني، فقد أُقِر بعد محادثاتٍ مكثفة بين وزيري الخارجية، الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، بهدف تنسيق جهد الطرفين، لمواجهة التنظيمات المتطرفة في سورية (تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة)؛ وإحياء مفاوضات إنهاء الصراع في سورية. وأُعلن الاتفاق يوم التاسع من سبتمبر/ أيلول 2016. وقد فشل الاتفاقان المذكوران في الحفاظ على وقف الأعمال القتالية، بسبب اقتناع النظام السوري وإيران بإمكانية الحسم العسكري بعد التدخل الروسي، واستمرار الخلافات

“احتمالات نجاح  الاتفاق التركي الروسي تبدو أكبر مقارنةً بما سبق. ويعود السبب إلى النفوذ الكبير الذي يملكه الروس والأتراك لدى أطراف الصراع السوريين والإقليميين” الروسية – الأميركية حول موضوع التنسيق الأمني، وإصرار الروس على “وحدة” المسارين، السوري والأوكراني. أراد النظام السوري وإيران والمليشيات المتحالفة معهما استغلال التدخل الروسي للحسم العسكري ضد المعارضة، في حين جاء التدخل الروسي لحماية النظام السوري الذي كان على حافة السقوط على الرغم من التدخل الإيراني، وإجبار الأطراف على التوصل إلى حل سياسي.

التقارب الروسي – التركي

بالتوازي مع تعمّق فجوة عدم الثقة بين الجانبين الروسي والأميركي، والتركي والأميركي، شهدت العلاقات التركية – الروسية تقاربًا مضطردًا، خصوصاً في المرحلة التي أعقبت المحاولة الانقلابية التي استهدفت إطاحة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وحكم حزب العدالة والتنمية منتصف يوليو/ تموز 2016، وتنامي الشكوك التركية بالنيات الأميركية في ضوء الدعم الكبير الذي تقدمه واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية في سورية.

أدى التقارب التركي – الروسي، واستعادة الرئيس أردوغان السيطرة على الجيش التركي، إلى تدخل تركيا عسكريًا على نطاق واسع في سورية، لأول مرة منذ بداية الأزمة، وكانت عملية “درع الفرات” التي انطلقت في أغسطس/ آب 2016 بمنزلة مؤشرٍ على تحول كبير في العلاقات التركية – الروسية. ومنذ فشل وقف إطلاق النار الثاني، ويأس الروس من التوصل إلى اتفاقٍ مع إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، يحقق مطالبهم في تنسيق أمني مشترك مع الجيش الأميركي في سورية، وافقت روسيا على الدخول في مفاوضاتٍ مباشرة مع فصائل من المعارضة السورية، استضافتها تركيا التي أخذت تقدّم نفسها وسيطاً في الصراع السوري، بعد أن كانت طرفاً داعمًا للمعارضة.

أسفر الجهد التركي عن اتفاق مع روسيا على إخراج مقاتلي المعارضة المحاصرين من حلب، وإلزام إيران وميليشياتها على الأرض بتنفيذه. وقد شجع نجاح الاتفاق الروسي – التركي حول حلب الطرفين على المضي باتجاه تصورٍ أشمل لحل المسألة السورية.

اتفاق أنقرة

بعد إخراج المعارضة من حلب، دعت موسكو إلى اجتماع سداسي، ضمّ وزراء خارجية ودفاع كل من روسيا وتركيا وإيران. وخرج الاجتماع الذي عقد في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2016 ببيان حمل اسم “إعلان موسكو”، وتضمّن خريطة للحل السياسي في سورية؛ تشمل توسيع وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في حلب، ليشمل الأراضي السورية والأطراف المتحاربة كافة، باستثناء جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا) وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وإحياء المسار السياسي الذي لم يحقق أي تقدم منذ انطلاقته برعاية دولية في يناير/ كانون الثاني 2014. وبالتوازي مع ذلك، جرت مفاوضات صعبة استضافتها تركيا بين روسيا وفصائل المعارضة السورية، أُعلن، في نهايتها، عن التوصل إلى “اتفاق أنقرة” الذي شمل ثلاث وثائق، تضمنت الأولى بنود وقف العمليات العدائية بين النظام والمعارضة، والثانية آليات مراقبة وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، وتناولت الثالثة سبل استئناف مفاوضات السلام في مدينة أستانا ومرجعيات التفاوض.

تميّز هذا الاتفاق عن الاتفاقات السابقة بغياب المماحكات الروسية – الأميركية التي أدت إلى فشل اتفاقي فبراير/ شباط وسبتمبر/ أيلول 2016، وحضور الطرفين الفاعلين الرئيسين في المسألة السورية؛ روسيا التي تعد الراعية الأكبر للنظام السوري، وتركيا صاحبة النفوذ الأكبر على المعارضة السورية. وقد تكفلت تركيا بضمان تنفيذ فصائل المعارضة التي وقعت على الاتفاق، والتي يتجاوز مجموع عدد مقاتليها ستين ألفًا، أما روسيا فقد تكفلت بالنظام وحلفائه من مليشيات وحرس ثوري إيراني. واستُبعد من الاتفاق كل من جبهة فتح الشام وتنظيم الدولة الإسلامية والفصائل الكردية. وأظهرت الوثائق التي نشرت اتفاق الطرفين الضامنين على تثبيت وقف إطلاق النار عن طريق نشر مراقبين روس وأتراك ونقاط تفتيش قرب مناطق الاشتباك. كما تم التوصل إلى آلياتٍ لتسجيل خروقات اتفاق وقف العمليات القتالية، ونظام معاقبة لمن يخرق الاتفاق. ولإعطاء الاتفاق غطاءً سياسيًا وقانونيًا دوليًا، اتجهت روسيا وتركيا إلى مجلس الأمن الذي رحب باتفاق وقف إطلاق النار بنص القرار رقم 2336، وأكّد على مرجعيات الحل السياسي المتمثلة بقرار مجلس الأمن 2254 وبيان “جنيف 1” لعام 2012.

ويتوقع أن يشكل الاتفاق الروسي – التركي في أنقرة خطوةً مهمةً على طريق الحل السياسي في سورية، فكل المؤشرات تدلّ على جدية الطرفين، ومصلحتهما، في السعي إلى الوصول

“تبدي إيران تحفظاتٍ على التحركات الروسية – التركية، كما أبدت استياءها من تجاهل موسكو طلبها اعتبار بعض فصائل المعارضة السورية المشاركة في محادثات أنقرة “إرهابية”” بالأزمة السورية إلى نهايتها، فالروس يريدون، بعد أن قلبوا، بتدخلهم المعادلات الميدانية، إثبات قدرتهم على صنع السلام، انطلاقًا من حجم التأثير والنفوذ الذي باتوا يملكونه في سورية، وفي الفاعلين الإقليميين، كما أن روسيا لا تريد أن تغرق أكثر في المستنقع السوري، في ظل أوضاع اقتصادية سيئة تمرّ بها. أما تركيا فقد باتت تنظر إلى الأزمة السورية باعتبارها خطرًا يهدّد وحدتها واستقرارها، في ظل تنامي التهديدات الأمنية الناتجة من استمرار الصراع، إذ إنها تخوض حربًا مزدوجةً ضد تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني في آن معًا، كما أن الدعم الأميركي للأكراد يزيد مخاوفها من احتمال إنشاء دولة قومية كردية في الشمال السوري. من هنا، يأتي حرص الطرفين، الروسي والتركي، على التوصل إلى حلٍ للأزمة السورية.

عقبات على طريق الحل

غابت إيران عن اتفاق حلب الذي أخرج المعارضة من المدينة، كما غابت عن اتفاق أنقرة الذي أسفر عن وقف إطلاق النار؛ فالاتفاقان كانا ثمرةَ جهدٍ ثنائيٍ روسي – تركي. ومع ذلك، حرص الروس والأتراك على ضم إيران إلى التسوية، لتحييد قدرتها على التعطيل، واعترافًا بنفوذها في النظام السوري، وذلك بدعوتها إلى اجتماع موسكو الثلاثي الذي صدر عنه “إعلان موسكو”. لكن إيران تبدي تحفظاتٍ على التحركات الروسية – التركية، كما أبدت استياءها من تجاهل موسكو طلبها اعتبار بعض فصائل المعارضة السورية المشاركة في محادثات أنقرة “إرهابية” (أحرار الشام وجيش الإسلام خصوصاً). ويتخذ الحرس الثوري تحديدًا مواقف متشدّدة ومتشكّكة إزاء مساعي موسكو وأنقرة إلى إنهاء الصراع، كما تتخوف أوساط إيرانية من وجود تفاهمات روسية – تركية غير معلنة تجاه الوضع في سورية.

وفيما حاول الحرس الثوري الإيراني (عن طريق مليشيا حزب الله اللبناني والنجباء العراقية) نسف اتفاق حلب، لمعارضته خروج المعارضة سالمةً من المدينة، يحاول الحرس الثوري، عبر حزب الله أيضًا، نسف اتفاق وقف إطلاق النار من خلال استمرار استهداف قرى وبلدات وادي بردى والغوطة الشرقية في ريف العاصمة دمشق، متجاهلًا اتفاق أنقرة. وما لم تتمكّن موسكو من ضبط سلوك الحرس الثوري ومليشياته، فإن وقف إطلاق النار سوف يكون عرضةً للانهيار حتمًا. وبينما يبدي الحرس الثوري تشدّدًا تجاه الأزمة السورية، ويدفع باتجاه حل عسكري، يرى الواقعيون في طهران، وفي مقدمهم الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف، ضرورة عدم الاصطدام بمساعي موسكو لحل الأزمة السورية، خصوصاً مع ازدياد الحاجة الإيرانية إلى روسيا مع اقتراب استلام إدارة دونالد ترامب الحكم في واشنطن، والتوقعات بزيادة ضغوطها على إيران. ويبدو أن قرب تسلم ترامب الحكم من أدوات الضغط التي تمارسها روسيا على إيران.

من جهة أخرى، يمثل وضع جبهة فتح الشام (النصرة) قنبلةً موقوتة أخرى في قلب اتفاق أنقرة، وسط اختلاف التفسيرات حول إن كان وقف إطلاق النار يشملها. ففصائل المعارضة السورية تقول إن اتفاق أنقرة لا يستثني إلا تنظيم الدولة الإسلامية من وقف إطلاق النار؛ ما يعني أن “النصرة” مشمولة في الاتفاق. وقد أصرت المعارضة على هذا الأمر، لأن ضرب “النصرة” طالما استخدم ذريعة من النظام وحلفائه لضرب فصائل المعارضة الأخرى؛ وهو ما كان من أسباب فشل اتفاقات الهدنة السابقة.

“سوف تكتنف صعوبات كبيرة إمكانية التوصل إلى حل، وقد تحصل جولات قتال أخرى، قبل الوصول إلى هذه النقطة”

ولا تزال المعارضة المسلحة عاجزةً عن تنفيذ الخيار الوحيد الذي يقطع الطريق على النظام وحلفائه المليشياويين على أنواعهم، وذلك بحل الفصائل كلها، والاندماج في جيش وطني سوري حر، ملتزم بمبادئ ثورة عام 2011 وعلمها، وإقصاء كل من يرفض هذا الاندماج.

عدا عن ذلك، يبدو واضحًا أن نجاح الجهد الروسي – التركي لحل الأزمة السورية سوف يرتبط بصورةٍ وثيقةٍ أيضًا بتعاون بقية الأطراف الإقليمية والدولية، ذات الصلة بالصراع السوري، وفي مقدمها الإدارة الأميركية القادمة، وما إن كانت مهتمةً بدعم المساعي الروسية – التركية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.

خاتمة

من بين كل المحاولات السابقة لوقف القتال في سورية، وتمهيد الطريق لحل سياسي يضع حدًاً لمعاناة الشعب السوري، ويحقق تطلعاته في حياةٍ ديمقراطية، حرة وكريمة، يبدو الجهد الروسي – التركي الأخير الأكثر جديةً، كما أن احتمالات نجاحه تبدو أكبر مقارنةً بما سبق. ويعود السبب في ذلك إلى النفوذ الكبير الذي يملكه الروس والأتراك لدى أطراف الصراع السوريين والإقليميين، وظهور ما يشبه حالة إجماع دولي وإقليمي على وجوب إنهاء الأزمة التي شملت أضرارها الجميع بدرجاتٍ متفاوتة. ومع ذلك، سوف تكتنف صعوبات كبيرة إمكانية التوصل إلى حل، وقد تحصل جولات قتال أخرى، قبل الوصول إلى هذه النقطة، بسبب تباين توقعات مختلف الأطراف حول طبيعة هذا الحل ومخرجاته، خصوصاً في ظل تمسّك النظام السوري بأدبياته حول الأزمة، ومساعيه إلى تحقيق مكاسب على الأرض، تجري ترجمتها على طاولة المفاوضات، وموقف إيران المتماهي معه في هذا الشأن. في الوقت نفسه، لا تزال التحديات ماثلةً أمام المعارضة باتجاه تقديم بديل مقنع (سياسي وعسكري) يكون على مستوى التضحيات التي قدّمها الشعب السوري، والبسالة التي واجه بها أحد أسوأ الأنظمة التي واجهها أي شعبٍ في سعيه نحو التحرّر من الطغيان.

العربي الجديد

 

 

 

 

المنتصرون على حلب والخاسرون في لقاء موسكو الثلاثي/ بكر صدقي

لا نتحدث هنا عن النظام الكيماوي، بعدما تحولت «سوريا الأسد» لما قبل آذار 2011، إلى «سوريا خامنئي»، ومنذ نهاية أيلول 2015، إلى «سوريا بوتين».

المنتصر الأول على ركام حلب هو، إذن، روسيا التي تستعجل قطف الثمرات السياسية لانتصارها، قبل وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مع فريقه من الصقور العسكريين في غالبيتهم. وفي غياب الشريك الأمريكي عن لقاء موسكو، لم يكن بإمكان بوتين إلا الاتكاء على حليف الأمر الواقع الجديد، تركيا الأردوغانية، لموازنة المشهد دبلوماسياً مع الحليف اللدود إيران، واستصدار «بيان موسكو» الثلاثي الذي يبشرنا بمد وقف إطلاق النار، بعدما «نجح» في حلب بتدميرها وتهجير سكانها، على كامل الأراضي السورية، تمهيداً لـ»حل سياسي بين السوريين أنفسهم».

تركيا «السنية» على قدم المساواة مع إيران! هذا وحده كان كافياً لامتعاض الولي الفقيه وأركان دولته، على رغم كل الاستدارة في السياسة التركية اقتراباً من السياسة الروسية في سوريا. وعلى أي حال ظهر التباين الروسي ـ الإيراني، قبل اجتماع موسكو، على حواجز حزب الله والمليشيات الشيعية العراقية غربي حلب، حين تم اعتراض قوافل المهجَّرين من شرق المدينة، في إطار الاتفاق الروسي مع تركيا والفصائل المسلحة.

الخلاصة أن موسكو المستعجلة للحل السياسي لا تملك أوراقه: لا إيران موافقة على «سوريا موحدة وعلمانية ذات سيادة» كما يبشرنا البيان الثلاثي، كما لا يناسبها شريك تركي في الحل؛ ولا تركيا يهمها، في سوريا، أكثر من منع إقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية. وهذا الهدف التركي لا يمكن ضمانه مع نظام متفسخ ومنهار تريد له روسيا أن يسيطر، تحت جناحها، على كامل الأراضي السورية.

المنتصر الثاني على حلب وأهلها هو إيران ولي الفقيه التي ليس في واردها أصلاً أي حلول سياسية، بل تريد لسوريا أن تكون عراقها الثانية: صراع ضد السنة، في البلدين، إلى النهاية. أي صراع بلا نهاية، مع تغيير الديموغرافيا، بقدر ما تسمح الظروف وموازين القوى، باتجاه توطين الشيعة حيثما تم تهجير السكان في المدن والبلدات السورية، مع استمرار حكم عميلها في دمشق وضواحيها القريبة، ولبننة القلمون شيعياً لمصلحة فرع حرسها الثوري في لبنان. ثلاثة أجندات مختلفة، بل متعارضة، اجتمعت في موسكو لتثمير النصر الروسي، فكان نصيب روسيا منها أشد هزالة حتى من نصيبي شريكيه: «لا أحد يطالب بتنحي الأسد» قال الروسي وكأنه اكتشف كنزاً مخبوءا. أهذا هو ثمن 15 شهراً من القصف الجوي المركز وتدمير حلب وتهجير سكانها؟ أم أن بوتين يأمل في استمرار السيطرة الاستعمارية الروسية على سوريا بعد تسليمها لحكومة من انتاج الآستانة وحميميم؟ هل بلغ عمى القوة البربرية بالروس درجةً لا يعرفون معها أن الهزيمة الماحقة لأحد طرفي صراع دموي لا يمكنها أن تنتج حلولاً سياسية قابلة للتطبيق؟ ألا يدرك الروس أن سحق حلب بالطريقة التي تمت بها، وبالأدوات الإيرانية على الأرض، قد دفنت تحت ركام المدينة أي حل سياسي؟

من سيجرؤ من سياسيي المعارضة، بعد حلب، على الدخول في شراكة مع الإيرانيين وعميلهم المحلي على حكم سوريا تحت الوصاية الروسية، غير أولئك الذين لا يمثلون إلا أنفسهم كرندة قسيس وهيثم مناع وأمثالهما؟ هذا على فرض تسليم الإدارة الأمريكية الجديدة سوريا لروسيا، على ما يأمل بوتين، وهو افتراض لا سند له غير بعض تصريحات دونالد ترامب. وعلى فرض رضوخ القوى الإقليمية والدولية الأخرى لهذه القسمة الروسية. أما الفصائل العسكرية التي يأمل الروس في إشراكها في «حوار الآستانة» فقد لا يبقى من رصيدها الميداني شيء من هنا إلى حين مشاركتهم فيه، في الوقت الذي يشهد فيه عالم الفصائل المسلحة مراجعات واتهامات متبادلة، ومساعٍ تجميعية مرتجلة، يمكن تلمس بعض وجوهها ومشكلاتها في مقالة لبيب النحاس، في جريدة الحياة، بعنوان: («انتصار» فوق الركام: أولويات ما بعد حلب)، لعل أبرز ما فيها اهتمام بالغ بوجوب كسب الحاضنة الشعبية وتوكيد على الوطنية السورية مما لا تستسيغه الفصائل السلفية عادةً، إن لم نقل لا تعترف بهما، وخاصةً في الممارسة.

أما تركيا، الطرف الثالث في لقاء موسكو، فهي، بخلاف شريكيها الروسي والإيراني، ليست من نادي المنتصرين، بل من الخاسرين، على الأقل من وجهة نظر بعض المعارضة المسلحة والسياسية اللتين تتهمانها بالتخلي عن حلب، إن لم يكن بـ»بيع حلب» للروسي مقابل عملية درع الفرات. وهكذا بات رصيدها في الميدان يتراجع تراجعاً حاداً، مقابل تورط جيشها في وحول الصراعات في الشمال السوري. فالعملية التركية التي بدأت في شهر آب الماضي بنحو 600 جندي تركي من القوات الخاصة، أصبح عديد قواتها يفوق اليوم عديد فصائل الجيش الحر الحليفة، وصولاً إلى 3000 من القوات التركية، إضافة إلى السلاح والعتاد، في عملية عسكرية رجراجة الأهداف، غير مضمونة النتائج، وكلفة بشرية ترتفع باطراد (نحو 38 قتيلاً إلى الآن) وانعكاسات غير محمودة على الداخل التركي.

غير أن الخسارة الأكبر لتركيا هي التحاقها الاضطراري بروسيا، وابتعادها، بالمسافة نفسها عن حلفائها التقليديين في حلف الناتو، وخاصةً الولايات المتحدة. فالعلاقة التركية المتدهورة باطراد مع واشنطن هي المشكلة الأهم، من منظور مفهوم الدولة التركية لأمنها القومي، ذلك المفهوم المتمحور حول الموضوع الكردي. فكلما ابتعدت تركيا عن واشنطن نحو موسكو، كلما ازداد التحالف الأمريكي ـ الكردي متانةً. ولعل أكثر ما يخشاه القادة الأتراك اليوم هو أن يكون المقصود بالسماح الأمريكي تزويد المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطيران محمولة على الكتف، إنما هو وحدات حماية الشعب، الذراع العسكري للفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. وبالنظر إلى السياسة الأمريكية في الصراع السوري، يمكن القول إن المخاوف التركية بهذا الخصوص تملك قدراً كبيراً من الوجاهة.

كل هذا ولم تدفع تركيا، بعد، فاتورة اغتيال السفير الروسي على أراضيها.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

سورية وإطلاق الحوار/ فاطمة ياسين

أغلقت سنة 2016 على إعلانٍ ثالث لوقف إطلاق نارٍ شاملٍ فوق الأراضي السورية.. الأمر يختلف قليلاً في المرة الأخيرة عن سابقيْه، فقد جاء الإقرار بعد اجتماعاتٍ بين روسيا وإيران وتركيا، ولهذه الدول قواتٌ عسكريةٌ على الأرض، ولها تداخل مباشر وفعال، ولكل منها مصالح قوية، بعضها متعارض. جرى الاتفاق بغياب قوى إقليمية ودولية مؤثرة، وإن لم تمتلك قوات عسكرية في الميدان، ولكن انجاز الاتفاق بغيابها لا يعني أنها غير موافقة. أما توقيع الإعلان فقد تم بواسطة قادة الفصائل العسكرية الرئيسية، واستُثني تنظيم الدولة الإسلامية. تبدو كل هذه الفعاليات ذات شكل عسكري، ابتداءً من الأطراف الراعية والضامنة، وهما روسيا وتركيا، المنخرطتان عسكرياً، ومن ثم الأطراف المقاتلة على الأرض، مثل جيش النظام مع المليشيات المتحالفة معه، وجبهات المعارضة المسلحة.

وعلى الرغم من بعض الاعتراضات التي رافقت الإعلان، إلا أن الالتزام يبدو واضحاً على الجبهات الرئيسية حتى هذه اللحظة. لا تتضمن الوثائق التي وقع عليها الطرفان بنوداً كثيرة، ولكنها تحمل التزاماً بتشكيل وفد، والبدء بالحوار لإقرار خريطة طريق. التوقيع على وقف إطلاق النار ليس مشكلةً لأحد، فيمكن العودة عنه، أو إليه في أية لحظة، وتحت أية ذريعة، وتشكيل الوفود أيضا مسألة في غاية السهولة. العقبة في خريطة الطريق، وهو الطريق الذي غابت معالمه بغياب كل آثار المدن الرئيسية والفرعية، الواقعة تحت تأثير القصف، وسُجل فيها نصف مليون قتيل، وتشريد لنصف السوريين المسجلين رسمياً في دوائر نفوس وزارة الإدارة المحلية.

المطلوب، بحسب الاتفاق الطازج، من جهات عسكرية الطابع ونزقة الطباع، إقرار خريطة طريق لمن تبقى في سورية، للخروج من تحت الأنقاض، وبداية حياة جديدة. تبدو المسألة عسيرةً لأن الطريق المطلوب رسم خريطة لها غائبة الملامح ومقطعة الأوصال، والتوقيع ذاته الذي أعقب أعنف هجوم على مدينةٍ عريقةٍ كحلب انتهى بتهجير ربع قاطنيها، بعد أن تحوّل جزؤها الأكبر إلى كومةٍ من الحجارة. التباينات واسعةٌ جداً بين الأطراف الموقعة للوثائق، وهي تبايناتٌ ستجعل الوصول إلى خريطة طريق موحدةٍ مهمة شديدة الصعوبة، تصل إلى مرتبة المستحيل، بالإضافة إلى وجود أطرافٍ عسكريةٍ أخرى، ذات حضور واسع وفعال، من الصعب على أي خريطة طريقٍ الظهور إلى الحياة، قبل أن يُعرف مصيرها، كتنظيم الدولة الإسلامية، وقوات سورية الديمقراطية، وهما قوتان إرهابيتان، بحسب تعاريف مختلفة للدول الراعية والجهات الموقعة على الإعلان. أما الخلاف الرئيس، والذي قد لا تتوفر له حلول مقبولة، فهو بشار الأسد نفسه، الذي لا زالت قوى المعارضة تصرّ على اختفائه بشكل كلي. أما طرف النظام، فلا يرى لنفسه وجوداً إلا بترؤس بشار الأسد زمام السلطة، وبالطريقة التي توحي بها قافية اسمه “إلى الأبد”، بالإضافة إلى الوضع الغائم للقوى السياسية المعارضة، الممثلة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والذي لا يقترب منه الاتفاق، وكأنه مدعوٌّ، بطريقةٍ خفيةٍ، إلى أن يحل نفسه، حيث لا مكان متوافرا له في المشهد العسكري الحالي. وهذا ما يمكن أن يُدخل الحل ضمن مضمار “الخطير”، وقد اصطبغ كل شيء بلون عسكري، ما يعني أن المشهد كله أصبح معقداً، ونحن نتحدث عن تطبيق الديمقراطية.

شكل الإعلان المقتضب المصرّ على وقف النار، وبالوضع الراهن، يبدو كأنه غاية بحد ذاتها، وليس وسيلةً لبدء المفاوضات، والشروع برسم معالم طريق الخروج، تريد منه روسيا تثبيت شكل جغرافي محدّد، وتسجيل بضع نقاط في الأمم المتحدة التي أصدرت للتو قراراً يثني على إعلان وقف النار. يساهم الإعلان، بالفعل، في تثبيت خطوط وقف النار، وربما تعميقها، وقد تتحول مباحثات خرائط الطريق في أستانا إلى محادثات هدنةٍ، تُضبط فيها المعابر، وتُرَسّم فيها الحدود. وهذه بكلام صريح محادثاتُ تقسيمٍ مؤقت، قد يتحوّل إلى وضع نهائي. وبهذا، نكون قد كسبنا وقفاً للنار مقابل خسارة سورية موحدة، وإلى الأبد.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

الهدنة الروسية ـ التركية والطريق الوعر نحو الأستانة/ بكر صدقي

بضمانها لوقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 30/12/2016 بالشراكة مع تركيا، ودعوتها لمفاوضات الأستانة بين النظام والمعارضة، تكون روسيا قد وضعت كل مكاسبها الاستراتيجية في سوريا على محك الاختبار. أي مكانتها الدولية كقطب ند للولايات المتحدة، في القوة العسكرية وقدرتها على تسوية الصراعات الإقليمية على السواء.

لم تظهر، إلى الآن، اعتراضات ذات شأن من الولايات المتحدة للاتفاق الروسي ـ التركي، وإن كانت الدول الغربية ربطت موافقتها على منح هذا الاتفاق الغطاء السياسي الضروري في قرار مجلس الأمن 2336، بالتوكيد على مرجعية القرارات الدولية السابقة، جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2254. وهو ما من شأنه تقييد إمكانيات المناورة أمام الروس، وإرغامهم على مسار محدد للتفاهم الروسي ـ التركي يعيد الأمور إلى نصابها، ويقوي الشريك التركي في مواجهة محور طهران ـ دمشق.

وإذا كانت الحاجة الروسية إلى مجلس الأمن، وضمناً وأساساً خصومها الغربيين، لتسويق حل سياسي تقبل به إيران وتابعهما السوري، تقيد يدي روسيا في الحل السوري، فإيران الحليفة قادرة، من جهتها، على تعطيل مسار الحل قبل نصب طاولة المفاوضات في الأستانة، من خلال إفشال وقف إطلاق النار نفسه، وهو ما يقوم به طيران النظام وميليشيا حزب الله الإرهابي في وادي بردى ومناطق أخرى متفرقة.

يمكن القول، إذن، أن «النصر» الذي حققه الروس والإيرانيون على حلب وأهاليها، تحول إلى قنبلة مسحوبة مسمار الأمان بين أيدي المنتصرين أنفسهم. فلا الروسي قادرا على المضي قدماً في حربه لخدمة النظام وإيران إلى ما لا نهاية، ولا الإيرانيون يرغبون في تسليم نصرهم العسكري لتركيا ليحوله أردوغان إلى نصر سياسي بالشراكة مع الروس. ومن حيث المبدأ ألقى بوتين القنبلة إلى حضن إيران حين اتفق مع تركيا والفصائل المسلحة للمعارضة المعتدلة على وقف النار وإطلاق مفاوضات سياسية، في غياب إيران وتابعه السوري. لكن الإيراني يعمل كل ما في وسعه لتحدي روسيا من خلال الخروقات المتكررة لوقف إطلاق النار. ولعل إرغام أحد حواجز حزب الله أربعة ضباط روس على العودة على أعقابهم ومنعهم من الوصول إلى وادي بردى بناء على دعوة من وجهاء المنطقة، لمرتين متتاليتين، لعله يشكل أكبر تحد للإرادة الروسية منذ بداية تدخلها العسكري قبل 15 شهراً.

هل إيران مرتاحة إلى هذا الحد لتغامر بالاصطدام مع موسكو، أم أنها تملك من الضمانات ما يجعلها واثقة من أن بوتين سيبتلع إهاناتها بصمت؟

الواقع أن رياح التغيير القادمة من واشنطن لا تبشر الإيرانيين بخير، وهم يدركون جيداً أن الاصطدام اليوم مع موسكو أقل كلفة من الاصطدام المتوقع مع واشنطن بعد حين ليس بالطويل. فإدارة ترامب لا تخفي نواياها في احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وقد يكون هذا مما شجع الرئيس الروسي على الابتعاد مبكراً عن إيران في سوريا، مقابل الاقتراب من تركيا العضو في حلف الأطلسي على رغم كل الخلافات الأمريكية ـ التركية، والانتقال من دور الداعم المطلق لنظام الأسد الكيميائي في مواجهة الشعب السوري، إلى دور الوسيط والحكم بين طرفين. هذا الخيار الذي انخرطت فيه روسيا بجدية منذ شهرين من خلال المفاوضات الطويلة مع ممثلي أبرز الفصائل في المعارضة المسلحة في العاصمة التركية أنقرة قبل إخلاء حلب وأثناءه وبعده.

من المحتمل أن إيران التي وافقت مرغمة على التوقيع على «إعلان موسكو» بالشراكة مع روسيا وتركيا، تدرك أن المشاغبة على وقف إطلاق النار، وبعض الاحتكاكات الموضعية المباشرة مع الروس لن يغيرا في هذا المسار الروسي المستجد، لكنها تحاول جهدها أن تحسّن من شروط خسارتها وخسارة تابعها في دمشق على طاولة المفاوضات في الأستانة. من ذلك مثلاً تصريحات ولايتي بصدد رفض خروج ميليشيات حسن نصر الله الشيعية من سوريا، على ما في هذا التصريح من إحراج تابعه اللبناني الذي طالما تنمر على اللبنانيين بوصفه «سيداً» بالمعنيين السياسي والديني. فها هو يتكشف عن مجرد عبد مأمور لولاة نعمته الإيرانيين.

على أن تصريح ولايتي ينطوي على ما هو أهم من مجرد كشف المعروف: وهو أن مصير وجود ميليشيات الحزب في سوريا بات مطروحاً على طاولة البحث للمرة الأولى منذ إعلان انخراطه في الصراع ضد الشعب السوري. لا نعرف، إلى الآن، هل تقرر إخراجه من سوريا، ومعه سائر ميليشيات المرتزقة من الشيعة العراقيين والأفغان والباكستانيين، أم أن الأمر ما زال في طور الضغوط لإتمام ذلك. ولكن يمكن توقع أن الأمر لا يتعلق بمجرد مطالبة تركية بهذا الخصوص، بل بمطالبة روسية أيضاً، غير معلنة إلى الآن، إذا أخذنا بنظر الاعتبار التنسيق المستمر عالي المستوى بين روسيا وإسرائيل بشأن الصراع في سوريا وعليها. ومن شأن مطالبة حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى بالخروج من سوريا أن تحظى بدعم الدول الغربية أيضاً، وهي التي تصنفه منظمةً إرهابية. هذا ما يفسر استعجال الروس لتشكيل قوة برية كبيرة تأتمر بإمرتهم تحت مسمى «الفيلق الخامس» تتشكل من سوريين موالين للنظام، وتشكل بديلاً من جيش النظام المنهار وميليشيات «الدفاع الوطني» الفالتة خارج سيطرته وتعيث فساداً وانتهاكات حيثما حلت واحتلت. ذلك أن إخراج الميليشيات الشيعية من سوريا بدون بديل يقوم مقامها من شأنه إضعاف الحرب التي لا مفر منها على تنظيم «الدولة» وجبهة النصرة وربما مجموعات أخرى إذا رفضت الانخراط في التسوية الروسية.

ماذا بشأن القوات الكردية؟

تجاهلت الاتفاقات الموقعة بشأن وقف إطلاق النار وضع القوات الكردية وما يسمى بـ«قوات سوريا الديمقراطية» تماماً، وكأنها غير معنية بكل ذلك. وإذا كانت الرعاية التركية لتلك الاتفاقات تشكل سبباً كافياً لاستبعادها منها وربما من مفاوضات الأستانة، لكن الأمر يتعدى ذلك إلى نوع من انفصال شبه كامل بين ملف الشمال السوري وملفات سائر الأراضي السورية، حيث تتداخل عوامل متنافرة، بعضها غير موجود في مناطق أخرى، في تشكيل لوحة الصراعات في شمال سوريا وشمالها الشرقي. وقبل كل شيء هناك منطقة عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة» الذي تقوده الولايات المتحدة، وقد خفت بريق عملياتها مؤخراً بمناسبة الانتخابات الأمريكية والمرحلة الانتقالية التي تلتها، بصورة متزامنة مع التدخل العسكري التركي المباشر في الجيب الحدودي الممتد من جرابلس إلى إعزاز وصولاً في العمق إلى تخوم بلدة الباب المحتلة من قبل تنظيم «الدولة».

ويتقاسم تنظيم «الدولة» والقوات الكردية مناطق واسعة من محافظة الحسكة، مع جيوب قليلة للنظام. في حين يتقاسم النظام وتنظيم «الدولة» السيطرة على مدينة دير الزور، وتتجه قوات سوريا الديمقراطية قدماً نحو الرقة عاصمة تنظيم «الدولة» في سوريا، فيما انكفأت عن التقدم نحو بلدة الباب تاركةً الميدان للقوات التركية والفصائل المسلحة المتحالفة معها، لتعزز تمسكها بمدينة منبج التي تعلن تركيا رغبتها في السيطرة عليها. هذه المناطق هي إذن مناطق «الحرب على داعش» سواء كانت بقوات كردية أو بقوات عربية مدعومة من تركيا، مع تنافس الفريقين على احتلال ما يمكن تحريره من احتلال تنظيم «الدولة» وتحول هذا التنافس إلى صراع مسلح كلما تضاربت خطوط الجبهات.

من المحتمل أن تركيا تجد الآن يديها طليقتين أكثر من السابق في حملتها على بلدة الباب المتنازع عليها، وذلك بعد وصول تفاهماتها مع موسكو إلى مستويات عالية من خلال رعايتهما المشتركة لاتفاق وقف إطلاق النار، في حلب أولاً، ثم في كل سوريا، مع استبعاد إيران وتابعه السوري. كذلك أفاد الأتراك من الفراغ المؤقت للدور الأمريكي في الشمال إلى حين اتضاح السياسة السورية لفريق ترامب. وهكذا وجدت القوات الكردية نفسها بلا سند أمريكي في مواجهة التدخل التركي، فانكفأت مؤقتاً عن حملتها باتجاه الباب، وعقدت مؤتمراً في الرميلان تخلت فيه عن اسم «روج آفا» لإقليمها الفيدرالي.

بالتوازي مع التطورات الميدانية المذكورة، عملت روسيا على إنشاء خط تفاوض منفصل في قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية بين النظام والكرد، بما يخدم التصورات الروسية للحل السياسي: فمن جهة ترضي بذلك شريكها الجديد تركيا بعدم مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي في مفاوضات الأستانة، ومن جهة ثانية قد يشكل أي اتفاق بين النظام والكرد في مـفــاوضات حميميم قوة ضغط على مفــاوضات الأستانة لمصلحة النظام وروسيا، من شأنه أن يضعف موقف وفد المعارضة الذي من المفترض أن يشارك في اجتماع الأستانة.

تتحدث آخر الأخبار القادمة من حميميم عن فشل الجولة الأولى من المباحثات بين النظام والوفد الكردي بسبب محاولة الأول إملاء «خطوطه الحمراء» على الثاني. ورفض المجلس الوطني الكردي عقد أي اتفاق مع النظام بمعزل عن المعارضة السورية.

الخلاصة أن الطريق إلى الأستانة يبدو أطول بكثير وأشد تعقيداً من الفترة القصيرة التي تفصلنا عن الموعد الذي حدده الروس لبدء المفاوضات في الثالث والعشرين من الشهر الجاري. هذا التوقيت المتسرع الذي يكشف عن استعجال الروسي لجني ثمرة «انتصاراته» على سوريا، قبل قدوم الرئيس الموصوف بـ«الغموض» دونالد ترامب.

القدس العربي

 

 

 

أستانة ليست جنيف.. افهموا روسيا/ فاروق يوسف

لا أحد ينتظر أحدا في السياسة. أما حين تدخل الحرب طـرفا في التفكير السياسي، فإن الأمور الاعتبارية غالبا ما توضع على الرف.

لذلك يبدو حديث المعارضة السورية عن مرجعية جنيف في مفاوضات أستانة المقبلة نوعا من التمني إذا تم عن معرفة، وإلا فإن الجهل لن ينفع أحدا.

روسيا التي فرضت أستانة من حيث لم يكن يتوقعها أحد، لن تكلّف نفسها عناء الالتفات إلى جنيف التي صارت تنتمي إلى ماض، كانت فيه الجبهات مختلفة وكان ميزان القوى على الأرض يشير إلى غير ما صار يشير إليه اليوم. ثم أين هم رعاة جنيف؟

تركيا التي تحضر مفاوضات أستانة لم تكن يوم كانت جنيف إلا طرفا منفذا للأجندة الغربية التي تتعلق بالحرب السورية. اليوم لم تعد كذلك. لقد رعت تركيا نهاية الحرب في حلب، كما أشرفت على اتفاق الهدنة الكبير الذي قاد إلى أستانة. كل ذلك التحول حدث برعاية روسية.

من الطبيعي ألا تأخذ تركيا بعد كل خيباتها مقررات جنيف معها إلى أستانة. ما سيجري في أستانة لن يكون مكمّلا لما شهدته جنيف في أوقات سابقة.

ليس معقولا أن يتم الترويج لبضاعة كسدت في وقت سابق.

ففي جنيف كانت الكرة في ملعب النظام، وهو ما لم تستفد منه المعارضة حين ظلت مصرّة على رفع سقف مطالبها. أما الآن وقد صارت الكرة في ملعب المعارضة، إذا كانت المعارضة لا تزال تملك ملعبا، فسيكون من الجنون ألا ترى المعارضة حجمها الحقيقي في المفاوضات.

ما خسرته المعارضة في جنيف لا يمكنها الحصول على جزء صغير منه في أستانة.

لقد خططت روسيا لتحول سياسي مختلف في سوريا، لن تكون فيه مرحلة انتقالية كما تتمناها المعارضة.

ذلك التحول الذي يأخذ في نظر الاعتبار بقاء بشار الأسد رئيسا إلى نهاية دورته، لن يؤدي إلى انتقال معارضي الخارج إلى موقع السلطة. حقيقة تعترف بها الأرض التي شهدت فصول الكـارثة السورية، إن لم يعتـرف بها أولئك المعـارضون الـذين ما كانوا يتمنون أن يتوقف القتال قبل سقوط الأسد.

لقد هُزم التوازن الذي كان معتمدا في معادلة جنيف. بعد حلب لم يعد الحديث عن معارضة خارجية ممكنا.

صار الحديث كله يتركز على المعارضة المسلحة، وهي معارضة داخلية استطاعت تركيا أن تضع قبضتها عليها.

ستكون محادثات أستانة تكريسا لمرحلة ما بعد حلب. إذا كان لدى معارضة الخارج شيء آخر فلتقله. أعتقد أن التحدي الروسي كان واضحا. إضافة إلى أن تركيا تعرف كل الأسرار.

كان هناك الكثير من الكذب المضلل تخلل وقائع السنوات الست العصيبة التي مرت بسوريا. وقد سعت دول كبرى إلى أن تغطي على حقيقة ما كان يجري على الأرض بالدعاية لمعارضة فقدت قدرتها على أن تحظى بأي قدر من التمثيل في الداخل السوري.

لقد انتهت الحرب بهزيمة الإرهابيين في حلب. تلك هي واحدة من أهم الحقائق التي تستند عليها مفاوضات أستانة. فهل يعترف لمعارضون بتلك الهزيمة؟إن لم يعترفوا بذلك فإنهم سيكونون متورطين بمستوى ما من العلاقة بالإرهاب. أما إذا اعترفوا فإن اعترافهم سيكشف عن انقطاع صلتهم بالداخل الذي زعموا زمنا طويلا أنهم يمثلونه.

مشكلة المعارضة أنها لم تكن تتوقع أنها ستُترك وحدها في مواجهة الدب الروسي. لن تكون تلك المواجهة إلا انتحارا. ما فعله الروس على الأرض مباشرة دفع العالم كله إلى الصمت. لم تعد كل البداهات السابقة صالحة للاستعمال.

أن تذهب المعارضة السورية إلى أستانة، إن دعيت، فهذا معناه أن تذهب خالية الوفاض.

كاتب عراقي

العرب

 

 

 

 

التفاوض على أطلال سورية/ خليل العناني

لا يملك المرء أمام حالة الدمار التي وصلت إليها سورية سوى الوقوف برهة، والتأمل في مآلات الثورة، متنقلاً بين محطاتها وتعرّجاتها وانتكاساتها ومآسيها. وهي الثورة التي أعادت تعريف موازين القوى في المنطقة وخارجها، ليس لصالح السوريين للأسف، وإنما على حساب حريتهم وأرواحهم وديارهم. وهو الأمر الذي تلمحه في الاتفاقات الثلاثة التي تم توقيعها أخيراً (اتفاق وقف إطلاق النار، واتفاق مراقبة خروق الهدنة، واتفاق المفاوضات السياسية أو اتفاق أنقرة كما بات يُسمّي) بين الروس ممثلين عن النظام السوري، والأتراك ممثلين عن الفصائل السورية.

وبمعنى من المعاني، سوف تنتهي الثورة إلى حالةٍ تفاوضية بين طرفين لم يكونا يوماً في حسابات من أطلقوها. فمن كان يتخيّل يوم أن بدأت الثورة أواخر فبراير/شباط 2011، بشعارات الحرية والكرامة التي رسمها أطفال درعا على جدران مدارسهم قبل أن تنطلق رسميا منتصف مارس/ آذار التالي، أن يصبح مصيرها معلّقاً على أبواب الكرملين والقصر الرئاسي في منطقة بشتبيه في أنقرة؟ ومن كان يعتقد أن يقبل السوريون بتركيا التي كانت، عقوداً، جارة غير مرغوبة فيها، إن لم تكن عدوّة، بسبب استيلائها علي لواء الاسكندرون الذي كان تابعاً لولاية حلب ضمن سورية العثمانية في ثلاثينيات القرن الماضي، أن يقبلوا بها ملجأ أخيراً لهم إنسانياً وسياسياً، والمفاوض باسمهم ضد نظام بلدهم؟ ومن كان يتخيّل، من شباب الثورة وحركاتها، أن تكون روسيا التي تبعد عنهم آلاف الأميال هي التي سوف تحدّد مصير ثورتهم ومستقبلهم؟ إنه مكر التاريخ الذي لم يترك شيئاً على حاله.

لا يختلف حال السوريين كثيراً عن حال بلدانٍ كثيرة عاشت تحت وطأة أنظمةٍ عفنةٍ سياسياً وساقطة أخلاقياً، لا تعبأ بالكثير بالتفريط في سيادتها وأرضها وقرارها، من أجل البقاء في السلطة بأي ثمن. لا يهم، هنا، أن يكون المحتل فرنسياً أو بريطانيا أو روسياً، وإنما الأهم هو السلطة، ولو كانت لعائلة أو طائفة، والسيادة ولو كانت ناقصةً ومنتهكة. سوف يضع التاريخ بشار الأسد وعائلته ضمن الإطار الذي وُضعت فيها عائلاتٌ وطوائفُ كان الأجنبي أقرب لها من بني جلده ووطنه، كما كانت الحال مع عائلات وطوائف وجماعات عملت لصالح

“سيجري التفاوض على ما تبقّى في سورية من أطلال، بعد أن حوّلها الأسد وحلفاؤه الإيرانيون والروس وغيرهم إلى كومةٍ من التراب الذي لو نطق للعن كل من أراق دماء الأبرياء فوقه” الاحتلالين، الفرنسي والبريطاني، مطلع القرن العشرين في سورية ولبنان ومصر وغيرها. وهي حال قرأنا عنها ولم نعشها، حتى جاء اليوم الذي نرى فيه حكوماتٍ وأنظمةً تذبح شعوبها، وتفرّط في سيادتها، وتغتال أطفالها من أجل السلطة.

جرى التفاوض بين الروس والأتراك حول مصير الثورة، وتوصلا إلى اتفاق هشّ للهدنة، كغيره من الاتفاقات السابقة التي لم يلتزم فيها الأسد ولا بوتين بالتوقف عن ذبح السوريين. وجرى الاتفاق بينهما، بينما العرب غائبون عن المشهد، وكأن سورية لم تعد عربية، بعد أن مزقتها الصراعات السياسية والطائفية. في حين ينظر الإيرانيون والأميركيون بحذرٍ إلى “اتفاق أنقرة” المفترض أن يمهد الأجواء إلى الجولة الأولى من المفاوضات في العاصمة الكازاخية، أستانة، أواخر يناير/كانون الثاني الجاري. في وقتٍ يبدو أن قوى المعارضة استسلمت للأمر الواقع، بعد الخسارة الموجعة في حلب التي سقطت في أيدي النظام قبل أسبوعين. وحسب وثيقة الحل السياسي أو التفاوض، فإن على فصائل المعارضة تشكيل وفد للتفاوض بحلول منتصف يناير الجاري. وهو أمر تبدو فيه شكوك كثيرة في ظل حالة الانقسام التي تبدو عليها المعارضة السورية، والتي كانت سبباً فيما آلت إليه أوضاع الثورة. وهي المعارضة التي تبدو شكوكها أصلاً في جدوى التفاوض، وأن بقية الأطراف سوف تلتزم به، في ظل عدم وجود ضمانات حقيقية، خصوصاً من جانب نظام الأسد لتنفيذ أي قراراتٍ قد يتم التوصل إليها بعد انتهاء المفاوضات. وقطعاً، لن يكون التفاوض في صالح هذه الفصائل، بقدر ما سيكون للطرف الآخر في المعادلة، وهو الأسد، ومن خلفه روسيا وإيران.

ينظر المرء إلى الخلف، ويسأل: إذا كان مآل الثورة السورية قد انتهى، ليصبح مجرد لعبة سياسية على رقعة شطرنج إقليمية ودولية، فهل كانت تستحق كل هذا الثمن والأرواح التي دُفعت لأجلها؟ صحيحٌ أن أي صراع سياسي لابد وأن ينتهي بالتفاوض. ولكن، بشرط أن تكون الأطراف المتفاوضة على قدم المساواة نفسه، أو على الأقل قريبة منها، بحيث لا يطغى طرفٌ على آخر، وهو أمر غير متحقق في الحالة السورية التي تبدو فيها قوى المعارضة على درجة كبيرة من التفكّك واليأس وعدم الانسجام. حتى وإن افترضنا أن اتفاق الحل النهائي سوف يتم تحت سقف بيان جنيف 1، والذي يشترط رحيل بشار الأسد من السلطة، وعدم وجود أي دور مستقبلي له، فإن الأسد، بعد معركة حلب وخسائرها، لن يقبل بهذا الشرط، مهما كان الثمن.

ويظل العائق الرئيسي في كيف يمكن تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه، فضلاً عن تحديد إطاره الزمني. وهو أمر قد يبدو الآن ثانوياً، لكنه أحد المطالب الرئيسية لقوى المعارضة، في حين لا تهتم به روسيا أو تركيا، لانشغالهما بملفات أخرى.

سيجري التفاوض، إذا، على ما تبقّى في سورية من أطلال، بعد أن حوّلها الأسد وحلفاؤه الإيرانيون والروس وغيرهم إلى كومةٍ من التراب الذي لو نطق للعن كل من أراق دماء الأبرياء فوقه.

العربي الجديد

 

 

 

هل الآستانة هدنة أم استسلام سوريا؟/ عبد الرحمن الراشد 

هناك حركة دبلوماسية كثيفة وسريعة بشأن الحل في سوريا منذ سقوط حلب، فقد تم التوقيع على عدة اتفاقات، وقسمت العملية السياسية إلى ثلاث مراحل، وحددت تواريخ ومدنا لعقد المفاوضات، 23 هذا الشهر يناير (كانون الثاني) في مدينة آستانة، للتفاوض على تثبيت الهدنة في حلب ووقف إطلاق النار في أنحاء سوريا، و27 الشهر المقبل، فبراير (شباط)، لعقد مفاوضات الحل السلمي في جنيف. وقد اتفق الإيرانيون والأتراك والروس ليكونوا ضامنين لوقف إطلاق النار. الإيرانيون رفضوا إشراك السعودية في مفاوضات الآستانة، وفق ما صرح به وزير الدفاع الإيراني، في حين اعتبر الروس مشاركة السعوديين مفصلية دون أن يوضحوا في أي مرحلة من خريطة الطريق.

ومؤتمر آستانة، العاصمة الكازاخستانية، لا يحظى بإجماع ولا شرعية دولية! تشكك فيه الأطراف الدولية المهتمة بالأزمة السورية، مثل ألمانيا وفرنسا، وكذلك يبدو أن دور الأمم المتحدة فيه محدود. فقد قرر الإيرانيون والأتراك والروس الاجتماع في الآستانة، وجلب المتقاتلين من نظام الأسد والمعارضة السورية المسلحة إلى طاولة الترتيبات الأولية في هذه المدينة المحسوبة على الروس. وبعدها بخمسة أسابيع يقول المنظمون إنهم سيسلمون الملف للأمم المتحدة لإجراء مفاوضات الحل السياسي في جنيف. فهل تكون الآستانة مؤتمرا لفرض توقيع الاستسلام على تركيا والقوى السورية المعارضة، مثل خيمة صفوان، التي وقع فيها صدام حسين وثيقة الهزيمة بعد حرب الكويت؟ أم أن آستانة مؤتمر ترتيبات هدنة ومصالحة أولية تسبق المفاوضات؟ المسألة مريبة حقا.

يزيدها ريبة إغلاق الستائر في الآستانة، وحجب الآخرين من المشاركة، وحتى من الحضور! فتركيا في وضع ضعيف قد لا تستطيع وحدها مواجهة الروس والإيرانيين ونظام الأسد عند فرض ترتيبات الهدنة. ومن العسير على تركيا أن تكون الضامن للفصائل السورية المسلحة، ذات التوجهات المختلفة. وهذا قد يفسر عملية الاستفراد الإيرانية الروسية بأنقرة، التي اشترطت فقط عدم إشراك «حماية الشعب الكردية»، وهي ميليشيا كردية سورية تحظى بدعم غربي. تركيا تعتبرها جماعة تريد بناء منطقة كردية داخل سوريا محاذية لحدود تركيا. كما تم الاتفاق بين الدول الثلاث على استبعاد تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، وهناك فصائل أخرى لم تدع ولَم يعلن عن استبعادها، وتم تجاهلها في الوقت الحاضر.

مؤتمر آستانة همه تثبيت وقف إطلاق النار في كل سوريا، الأمر الذي يهم النظام السوري في الوقت الحاضر حتى يتمكن من إعادة الانتشار ومحاولة السيطرة إداريا على البلاد التي أفلتت منه خلال خمس سنوات من الحرب. ووقف إطلاق النار لا يخدم المعارضة في شيء، لأن معظم الممرات أصبحت مغلقة، ويتم استهدافها فرادى من قبل تحالف النظام السوري المدعوم من قوات إيرانية وروسية وميلشيات «حزب الله» والميليشيات الطائفية الشيعية الأخرى التي تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني. ويبدو أن الهدف الروسي الإيراني جر القوى السورية المسلحة المعارضة إلى مشروع تفاوضي بطيء في الوقت الذي يتمتعون فيه بحرية الحركة ويمارسون خرق وقف هدنة إطلاق النار في مناطق يختارونها للضغط على الجماعات المسلحة وإجبارها على القبول بشروطهم. كما أن تحالف نظام الأسد يعيد ترتيب موضعه على الأرض، حيث يتم تكليف القوات الروسية بالوجود في المناطق القريبة من تركيا، بما فيها حلب. أما إيران وميليشياتها فتتمركز جنوبا في درعا وبالقرب من الحدود الأردنية، وكذلك في مناطق الحدود مع العراق ومحيط العاصمة السورية، دمشق.

بقي نحو عشرين يوما على مفاوضات آستانة، وهي مهمة لأنها ستوضح لنا أكثر الدور الروسي، إن كان لا يزال متطابقا مع الإيرانيين أم يميل نحو منطقة سياسية متوسطة، لإقرار حل مقبول للجميع. أيضا، سيتبين لنا في المؤتمر موقف تركيا بعد تبدل مواقفها الأخيرة، إن كانت قد قررت التخلص من علاقتها بالثورة السورية والاعتراف بنظام الأسد أو أنها لا تزال تقود العملية السورية إلى جانب أغلبية الشعب السوري.

الشرق الأوسط

 

 

كيف ترد إيران على روسيا وتركيا…/ خيرالله خيرالله

ليس أدلّ من رغبة المجتمع الدولي في التوصّل إلى تسوية سياسية في سوريا غير القرار الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة الذي يدعم الاتفاق الروسي – التركي الذي يفرض وقفا لإطلاق النار في هذا البلد المنكوب.

جاءت استجابة مجلس الأمن لما تسعى روسيا وتركيا إلى فرضه على الأرض سريعا. لكنّ الواضح أن لدى إيران حسابات أخرى، خصوصا أنّها تخشى التوصل إلى توقف العمليات العسكرية في سوريا قبل أن تؤمّنَ عزل دمشق عن محيطها السنّي. وهذا يفسّر إلى حدّ كبير الاستماتة الإيرانية من أجل تهجير أهالي وادي بردى الذين يشكلون آخر تجمّع سنّي كبير في محيط دمشق من جهة، وعلى طول الحدود اللبنانية ـ السورية من جهة أخرى.

مطلوب، إيرانيا، أن يكون بين سوريا ولبنان منطقة عازلة ليس فيها سوريون سنّة، أي معارضون للنظام يمثلون جزءا من الشعب السوري الساعي إلى استعادة بعض من كرامته. بكلام أوضح، مطلوب أن يكون هناك ممرّ آمن بين سوريا ولبنان، بين مناطق معيّنة في سوريا ومناطق دويلة “حزب الله” في لبنان حيث لا مكان للسلاح الشرعي التابع للدولة اللبنانية.

لم يكن في استطاعة النظام السوري والميليشيات الإيرانية التي تدعمه العودة إلى حلب والانتقام من أهلها لولا تركيا وروسيا. تبدو روسيا أكثر من ممتنّة لتركيا على الدعم الذي قدّمته لها والذي سمح بتهجير قسم لا بأس به من أهل حلب. من دون تركيا ما كان للحملة الجويّة الروسية أن تنجح في حلب. أوقفت تركيا شريان الحياة الذي كان يسمح بتزويد المقاتلين في شرق حلب بكل ما يحتاجون إليه. كان هؤلاء، في معظمهم، من أبناء حلب. كانوا سوريين انتفضوا في وجه النظام الأقلّوي الذي حول سوريا إلى مزرعة للطائفة في عهد حافظ الأسد، ثمّ مزرعة للعائلة في عهد بشّار الأسد.

من لديه بعض من ذاكرة يستطيع العودة إلى سبعينات القرن الماضي عندما كانت حلب رأس الحربة في التصدي للنظام المذهبي الذي أقامه حافظ الأسد في العام 1970، وهو نظام أسّس له الانقلاب الذي حصل في الثالث والعشرين من شباط – فبراير 1966. جاء ذلك الانقلاب بالضباط العلويين إلى السلطة، وكان مجرّد تمهيد لاحتكار حافظ الأسد لها في العام 1970 مكافأة له على تسليم الجولان لإسرائيل عندما كان وزيرا للدفاع في حزيران ـ يونيو 1967.

لم يكن الانتصار على حلب وأهل حلب ممكنا من دون روسيا وتركيا. لو شاءت تركيا، لما كان المقاتلون في حلب على استعداد للاستسلام والرحيل حفاظا على ما بقي من المدينة. كذلك، لم يكن في استطاعة أي ميليشيا مذهبية تابعة لإيران دخول الأحياء الشرقية لحلب لولا سلاح الجوّ الروسي. من سيقبض ثمن الانتصار على حلب وأهلها هو روسيا وتركيا. تمكّن البَلَدان من وضع نفسهما في موقع القادر على التفاوض في شأن مستقبل سوريا والمقتدر على ذلك. سيذهبان إلى اجتماع أستانة في كازاخستان، هذا الشهر، من موقع قوّة. وهذا الاجتماع، في عاصمة كازاخستان، سيكون الاجتماع التمهيدي لمفاوضات تجري في جنيف لاحقا، في شباط – فبراير المقبل على الأرجح، برعاية الأمم المتحدة وحضور الولايات المتحدة بإدارتها الجديدة.

لم تكن إيران شريكا أساسيا في معركة حلب. كانت شريكا ثانويا لا أكثر. كانت مجرّد أداة في عملية أكبر منها، مثلها مثل النظام السوري. اللاعبان الأساسيان هما روسيا وتركيا، وفي مرحلة مقبلة الإدارة الأميركية الجديدة التي تبدو على استعداد للتعاطي بطريقة عملية مع فلاديمير بوتين. هناك وزير جديد للخارجية الأميركية يدعى ريكس تيلرسون يعرف تماما كيف تعقد الصفقات مع الكرملين في عهد فلاديمير بوتين. لديه خبرة في ذلك مذ كان رئيسا لشركة “إكزون ـ موبيل”، إحدى أكبر شركات النفط في العالم.

هل تقبل إيران بدور الشريك الثانوي في ما يخصّ تحديد مستقبل سوريا؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه في هذه الأيّام، أي في مرحلة ما بعد حلب. كيف ستردّ إيران على الحلف الجديد بين روسيا وتركيا، وهو حلف مرشّح لأن يكون له امتداد أميركي بعد تولي دونالد ترامب مهماته رسميا في العشرين من الشهر الجاري؟

ليس مستبعدا أن تتابع إيران معركة وادي بردى لتأكيد أنّها الطرف الذي يسيطر على دمشق، حيث يقيم بشّار الأسد. أكثر من ذلك، ليس مستبعدا أيضا أن تزيد إيران ضغوطها على لبنان لإثبات أنّه مجرد مستعمرة لها، وأن “حزب الله” هو الحاكم الفعلي للبلد.

يستبعد أن تقبل إيران بدور اللاعب الثانوي في سوريا. كانت تعتقد أنّها جزء لا يتجزّأ من النظام المذهبي القائم، خصوصا بعدما خلف بشّار الأسد والده ووضع كلّ بيضه في سلّة “حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.

ليس أمام إيران من خيار سوى الردّ على الحلف الروسي – التركي ذي الامتداد الإسرائيلي من جهة، والذي وضع نفسه في موقع المستعدّ للتفاهم مع إدارة دونالد ترامب من جهة أخرى.

ستلجأ إيران إلى كلّ أوراقها لتأكيد أنّها لاعب أساسي في سوريا، المدينة لها بثلاثة وثلاثين مليار دولار هي ثمن الاستثمار في عملية قمع الشعب السوري المستمرّة، بنجاح عظيم، منذ العام 2011، أي عندما انتفض السوريون من أجل يقولوا إنّهم مازالوا شعبا حيّا يرفض كلّ ما يمثّله حزب البعث بكل تخلّفه وبكلّ النسخات التي ظهر فيها إنْ في سوريا أو في العراق منذ العام 1963.

في النهاية، ستكشف سوريا إيران. ستكشف أن النظام فيها ليس سوى نظام ينتمي إلى عالم آخر لا علاقة له بعالم القرن الحادي والعشرين. يستطيع هذا النظام، الذي ليس لديه أيّ نموذج صالح أو ناجح يقدّمه لمحيطه، الاستثمار طويلا في كلّ ما من شأنه إثارة الغرائز المذهبية في الشرق الأوسط. يستطيع لعب دوره في تدمير العراق وسوريا ولبنان واليمن. ولكن ماذا بعد ذلك؟ هناك استحقاقات لم يعد في إمكانه تفاديها. على رأس هذه الاستحقاقات تأتي سوريا وعملية إعادة إعمار سوريا. ما الذي تريده إيران في سوريا غير استمرار الحرب التي يشنهّا النظام على أهلها؟

عاجلا أم آجلا سيترتب عليها الإجابة عن سؤال مرتبط بالحدّ الذي يمكن الذهاب في المواجهة مع الحلف الجديد بين روسيا وتركيا، مع ما يعنيه ذلك من إفشال لوقف إطلاق النار. ربّما كان السؤال الأصح: إلى أيّ حد يمكن أن تذهب إيران في مواجهة هذا الحلف الذي لديه بدوره مشكلة عميقة. تكمن هذه المشكلة في أنّه يتجاهل بدوره أنّ ثورة الشعب السوري ثورة حقيقية وأن ما حدث في حلب بداية وليس نهاية..

إعلامي لبناني

العرب

 

 

 

 

ما وراء التفاهم التركي الروسي بسوريا وأفق نجاحه/ ياسر الزعاترة

تسارعت التفاهمات التركية الروسية بسوريا خلال الأسابيع الأخيرة على نحو أثار الكثير من الأسئلة حول دوافعها من جهة، وآفاق نجاحها من جهة أخرى.

في السياق الأول، يمكن القول إن دوافع الأتراك تختلف عن دوافع الروس، لكنها تصب في سياق تسريع التوافق على الحل، حتى لو اضطر بوتين إلى فرض ذلك التفاهم على إيران إذا لم تقتنع (أو تقبل) به.

تركيا تعاني من نزيف اقتصادي وأمني كبيرين (الهجرة واللجوء والإرهاب)، وهي معنية أيضا بقطع الطريق على نشوء كيان كردي على حدودها يشجّع أكرادها على الانفصال، وفي هذه النقطة تحديدا تلتقي مع هواجس إيران حيال أكرادها أيضا، كما أنها معنية أيضا بالتفاهم مع روسيا في ظل الجفاء، بل ربما العداء الذي باتت تستشعره من الفضاء الأوروبي، وربما الأمريكي أيضا.

وحين يردد أردوغان مقولات الإيرانيين حول الدعم الأمريكي لتنظيم الدولة، فهو يذهب بعيدا في مناكفة واشنطن، لا سيما أن مقولاته هذه لا تستند إلى أدلة واقعية حتى لو قال إنه يملكها.

من الجانب الروسي، يمكن القول إن بوتين يدرك تماما النظرية الأمريكية في التعامل مع الأزمة، والتي تتمثل في جعلها مشروع توريط طويل المدى له، مع إدراكه لاستحالة الحسم العسكري، حتى لو تمت السيطرة على كل التراب السوري، وهو أمر سيستغرق سنوات مع شك بفرص النجاح.

الأكثر إثارة لمخاوفه هو أن القادم إلى البيت الأبيض شخص متهور يصعب التكهن بسلوكه، في ذات الوقت الذي يدرك أن الدولة العميقة في أمريكا تميل إلى مواجهة الصعود الصيني والروسي رغم المجاملات الظاهرة، وبالتالي لا يمكن استبعاد أن يبادر ترامب؛ من أجل تعميق المأزق الروسي، إلى تكرار معادلة “ستينغر” الأفغانية في سوريا، أي منح مضادات طيرات لبعض الفصائل، الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير ميزان القوى.

لهذا يجد بوتين في الحل السياسي تجنبا لاحتمالات سيئة، في ذات الوقت الذي سيمنحه صداقة تركيا كعضو كبير في الناتو (هي الأقرب لحدوده)، وهذا يستحق التضحية بتنازلات لإيجاد حل سياسي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أين إيران من ذلك؟

والجواب أن الأخيرة لم تعد مطلقة السراح بسوريا، فهي منذ استدعت روسيا للحرب، فقد منحتها الشراكة، لكنها شراكة مع قوة كبيرة، ومن الطبيعي أن تملي الأخيرة شروطها.

الأهم من ذلك أن إيران أعجز من احتمال نزيف طويل أيضا، معطوفا على احتمالات مخيفة مع ترامب الذي يتوعدها بالابتزاز والعقوبات على خلفية الاتفاق النووي، ما يعني أن أحلام الخروج من العقوبات واستثمار عوائدها في مواصلة المغامرات الإقليمية، مع منح بعضها للشعب الذي ينتظر لا تبدو واقعية، في ذات الوقت الذي يحتدم فيه الصراع الداخلي بين التيارين في الداخل؛ ودائما على كسب ود الشارع.

من هنا ستكون قدرة إيران على تعطيل الاتفاق محدودة، هي التي تعاني نزيفا في اليمن أيضا، مع أفق مسدود للحوثيين، لكن الجزم بموافقتها تبدو صعبة أيضا، في ظل روح المغامرة التي تتلبس بعض قادتها، بخاصة الحرس الثوري.

وإذا سألنا عن فصائل الثورة، فهي تستشعر بدورها عمق المأزق، بينما يبقى الموقف السعودي والقطري حاضرا أيضا، ويرجح تفاهمهما مع تركيا على ضرورة الحل.

هذا في الإطار العام، لكن المصيبة أن شياطين لا تحصى لا زالت تختبئ في التفاصيل، ما يجعل من التفاؤل المفرط الحديث عن حل قريب، وبالطبع بحضور معضلة تنظيم  داعش، وكذلك النصرة، إلى جانب موقف إيران، وربما مساعي إفشال أمريكية، لكن ما يبدو مؤكدا هو أن هذه المحاولة ليست كسابقاتها.

* ياسر الزعاترة كاتب صحفي فلسطيني/ أردني

الدستور الأردنية

 

 

 

 

أعداء السلام في سورية

كيهان

الدول الداعمة والممولة للإرهاب في سورية وصلت اليوم إلى طريق مسدود في تحقيق مأربها وأهدافها الإجرامية بعد أن تمكن الشعب والجيش السوري، ومن وقف معهما، من كسر شوكة الإرهاب ودحره، وبهذه الصورة المخزية. لذلك، فهي وفي خضم المساعي الحميدة التي تقوم بها كل من روسيا وإيران وتركيا، من أجل إنهاء هذه الأزمة وغلق ملفها الدموي وإلى الأبد من خلال التسوية السياسية وإيقاف نزيف الدم، تحاول أن تذهب إلى فتح ملفات عفا عليها الدهر. وهو ما تقوم به اليوم فرنسا وبريطانيا بالذهاب إلى الأمم المتحدة لفتح ملف المواد الكيماوية التي استخدمت إبان الأزمة، رغم أن كل المؤشرات أكدت وبما لا يقبل النقاش أن الإرهابيين كانوا المسيطرين على مخازن المواد الكيماوية واستخدموها وفي مواقع عدة من أجل اتهام الجيش السوري لتوفير أجواء للرأي العالمي لممارسة الضغط على الحكومة السورية. وأخيراً، وضعت القوات السورية، بعد تحرير بعض المناطق من حلب من أيدي الإرهابيين القتلة، اليد على مخازن ومقار لصنع القنابل الكيماوية.

إذاً، فإن فتح ملفات قديمة قد بان، واتضاح كذبها وزيفها يعكس مدى حالة اليأس والإحباط التي تنال أولئك الذين أرادوا أن يكون لهم سهم في الكعكة السورية، لكنهم اليوم لم يتمكنوا من أن يحصلوا عليها لأن المسار الذي اختاروه قد ناله الفشل الذريع. بخاصة أن الأوضاع القائمة اليوم في سورية تتجه باتجاه آخر وهو الذهاب إلى وقف إطلاق النار الشامل في هذا البلد وتوفير الأجواء لمرحلة سياسية جديدة تقوم على إرادة الشعب السوري من خلال الحوار السوري – السوري البنّاء الذي يقوم على الاتفاق بين الحكومة السورية وأطراف المعارضة المعتدلة التي لم تتلطخ أيديها بدماء السوريين.

وأخيراً والذي لا بد من الإشارة والتشديد عليه هو أن هذا المسار الذي سينشر الأمن والاستقرار في هذا البلد لم يلقَ ترحيب أولئك المجرمين الذين اعتاشوا على نار الأزمة السورية من خلال بيع أسلحتهم ومعداتهم العسكرية المتطورة.

* هيئة التحرير، عن «كيهان» الإيرانية، 30/12/2016

الحياة

 

 

 

سباق روسي – إيراني نحو اختطاف ما بعد حلب/ عبدالوهاب بدرخان

بشار الأسد جاء بقاسم سليماني. الأسد وسليماني جاءا بـ «داعش». «داعش» و»النُصرة» جاءا بـ «التحالف الدولي» أي بالأميركيين. الأسد وسليماني و»داعش» و»النُصرة» جاؤوا بفلاديمير بوتين. بوتين جاء برجب طيّب أردوغان أو بالأحرى أعاده الى اللعبة بعدما كان لحاقه بالأميركيين أخرجه منها. الأميركيون والإسرائيليون لا ينافسون الروس ولا الإيرانيين، فجميعهم يريدون إبقاء الأسد بحجة أنه ونظامه «أقلّ سوءاً» من «داعش»، أي أنهم يسعون الى إنقاذ من صنع «داعش» وتسبّب بوجود «النصرة»، ويمهّدون لمساعدته على الإفلات من أي محاسبة ومعاقبة عبر ما يسمّى الحل السياسي، وإلا فما معنى القول أنه باقٍ حتى نهاية ولايته – كـ «رئيس منتخب»! – فكيف تتصوّر هذه القوى «حلاً» بوجود شخص محمّلٍ بكل الارتكابات المعروفة، وكيف يروَّج حالياً أن التنازل الذي يقدمه الأسد أنه لن يترشح للرئاسة في 2021 إفساحاً في المجال أمام «علويّ آخر أقل إثارة للانقسام»، كأن ستة أعوام من القتل والتدمير كانت مجرّد بحث عن «علويّ آخر» يختاره الروس ويوافق عليه الإيرانيون، وما على سورية وشعبها سوى أن يرضخا للأمر الواقع.

مثل هذا السيناريو «السياسي» كان مطلوباً من/ مطروحاً على روسيا منذ أواخر 2011 – أوائل 2012، لكنها لم تكن معترفة آنذاك بوجود أزمة ولا بوجوب التغيير، فالنظام وجيشه حليفان لها، ثم أنها عارضت إسقاط الأنظمة الذي دعمته الولايات المتحدة في ليبيا، وقبل ذلك في العراق. أصبح مؤكّداً الآن أن النهجَين الروسي والأميركي أفضيا الى نتائج متماثلة، إذ تركا الإرهاب يستشري، والانقسام الاجتماعي يدفع باتجاه التقسيم الجغرافي، وسهّلا لإيران المساهمة في صنع الفوضى ثم استغلالها لملء الفراغ بمشروع هيمنة طائفية وإرهاب ميليشيوي منظّم ونفوذ إقليمي لن تجد روسيا وأميركا مناصاً من تمكينه والاعتراف به لقاء استخدامه. كان الازدراء الروسي الدائم بالأسد دفع بالأخير الى الارتماء أكثر فأكثر في أحضان الإيرانيين، معتبراً أن صفقة روسية – أميركية على رأسه تبقى أكثر احتمالاً من صفقة إيرانية – أميركية. لكن التسوية الأميركية – الروسية لأزمة السلاح الكيماوي بمساهمة إسرائيلية (2013)، ثم انتشار تنظيم «داعش» بين العراق وسورية (2014)، فضلاً عن التقارب الأميركي – الإيراني قبل الاتفاق النووي وبعده (2015)، طمأنت طهران الى دورَيها السوري والعراقي والأسد الى بقائه في السلطة كنقيض/ بديل من «داعش». ولمزيد من التحوّط، عملت إيران على إقناع موسكو بأن الوقت حان للتدخّل المباشر، فالحرب على «داعش» الى تصاعد بقيادة أميركية وقد تتطوّر سورياً لتمسّ بمصالحها.

كان التدخّل الروسي في مثابة الجائزة الكبرى التي أحرزها الأسد والإيرانيون لأنفسهم، إذ غيّر موازين القوى في شكل فوري، لكن لم يمضِ وقت طويل حتى وجدوا إسرائيل تمدّ خطوطها مع موسكو وتقاسمهم المكاسب على حسابهم. بل إن روسيا بذلت كل جهد للتوصّل الى صفقة مع أميركا في شأن سورية، إلا أن مساوماتهما الخاصة في أوكرانيا لم تفلح، ومع ذلك حافظت موسكو على تواصل وحدٍّ أدنى من التنسيق مع واشنطن حتى عشية حسم معركة حلب وما انطوت عليه من جرائم وقذارات. وإذ بدت هذه المعركة أو صُوّرت بأنها فاصلة في الصراع، وأن ما بعدها لن يكون كما قبلها، فإن تعاون موسكو وأنقرة على تنظيم نهايتها قطع الطريق على المجزرة الكبرى التي كان الثنائي الإيراني – الأسدي يرغب فيها، ثم إن مبادرة موسكو الى بلورة تفاهم ثلاثي (روسي – تركي – إيراني) لم تأتِ منسجمة مع سيناريوات طهران ودمشق لما بعد حلب، لا عسكرياً ولا سياسياً. فالأسد والإيرانيون أرادوا، ولا يزالون، متابعة الزحف على ادلب وحمص وحماة ووادي بردى والغوطة ودرعا، لاستكمال «نصرهم» العسكري، وتوقّعوا، ولا يزالون، تأجيل البحث في أي تفاوض الى ما بعد «السيطرة الكاملة» التي ستغيّر جذرياً مفهوم الحل السياسي ليكون عندئذ مستنداً فقط الى معطيات المعادلة الميدانية، ولا يكون أمام المعارضة المهزومة سوى خيار القبول بشروط «المنتصر».

خاض بوتين معركة حلب بتفاهم غير معلن مع دونالد ترامب وبتفهّم غير معلن من جانب إدارة باراك أوباما، لكنه أدرك أن ظروف تدمير غروزني الشيشان والصمت الدولي الذي واكبه كانت مختلفة عن التدمير العلني الذي ارتكبه في حلب تحت أنظار العالم وغضبه وإداناته، حتى أن عار حلب طبع عام 2016 أكثر مما ميّزه صعود الزعامة البوتينية. وأنهى الرئيس الروسي معركة حلب بتحاور عسكرييه واستخبارييه مع الفصائل المقاتلة التي كان يشارك الأسد والإيرانيين في اعتبارها «إرهابية»، بل إن الوقائع بيّنت له أن «محاربة الإرهاب» التي استخدمها لتبرير الفظائع كانت غطاءً واهياً. في تلك اللحظة، قرر بوتين أن مصلحته تقضي بتعزيز التقارب مع تركيا، لأن تحكّمه بالجو فحسب جعل إنجازه في حلب تحت رحمة العبث الأسدي والإيراني. لذلك بدا تصويته لإرسال مراقبين دوليين ثم إعلانه الوقف الشامل لإطلاق النار أشبه بمحاولة من الدب الروسي للخروج من غابة الميليشيات وعقليتها للعودة الى جلباب الدولة المسؤولة وجدّيتها. لم يشارك الأسد ولا الإيرانيون في التفاوض الروسي مع الفصائل ولا في التوقيع على اتفاق وقف النار، ووقع الروس كضامنين للنظام وحلفائه والأتراك كضامنين للمعارضة، أي أنه اتفاق ثنائي يضع دمشق وطهران أمام الأمر الواقع، عسكرياً وسياسياً، لكنهما تمرّدتا عليه.

إذا بقيت روسيا متفرّجة ومنتظرة ولم تبرهن سريعاً أنها قادرة فعلاً على ضمان انضباط النظام والإيرانيين، فإن الهجوم على وادي بردى سيُجهز على الهدنة، وبالتالي على محادثات آستانا. لماذا؟ لأن اتفاق موسكو مع أنقرة سيبدو امتداداً للاتفاقات الروسية – الأميركية السابقة، حين كان الدور الأميركي يقتصر على كبح المعارضة وتخديرها فيما يُبقي الروس النظام والإيرانيين متفلّتين وجاهزين لإسقاط وقف للنار علناً، وبالتالي فإن هذا الدور قد يكون في صدد الانتقال الى الأتراك لقاء تعويضهم بالمساهمة في الحرب على «داعش» للحدّ من توسّع الأكراد. أكثر من ذلك، وبعد التفاوض الروسي مع الفصائل، سيبدو الاتفاق كخدعة حربية روسية أخرى لتمكين النظام من استعادة السيطرة على مزيد من المناطق، فضلاً عن تغطية إيران في سعيها الى تطبيق أجندتها الطائفية.

ليس واضحاً ما اذا كانت روسيا سارعت الى تشكيل التفاهم الثلاثي بهدف ضبط تركيا أو إيران أو الاثنتين في آن، ولا واضحاً أيضاً لماذا تسرّعت بإعلان الاتفاق وتعمّدت إظهار أنها تفاوضت ووقّعت بالنيابة عن النظام والإيرانيين وبصفتها ضامنة لسلوكهم. فحتى بيان قيادة جيش النظام عن التزام وقف النار قد يكون صدر بإرادة روسية ورغماً عن رأس النظام، بدليل أن لا الأسد ولا أي مسؤول إيراني رحّب بالاتفاق كما فعل بوتين نفسه وأردوغان، فيما تُرك للوزير وليد المعلم أن يقدّم اجتهاداً لفظياً يتعلّق بشروط المفاوضات السياسية أكثر مما يُعنى بالهدنة التي وضعها في إطار «الاستثمار السياسي للنصر في حلب». وعلى رغم أن موسكو تعمل في ذلك «الاستثمار السياسي» أيضاً، إلا أنها وقّعت اتفاقاً مع تركيا التي دأب الأسد على اتهامها بدعم الإرهاب، ومع فصائل لا تزال دمشق وطهران تعتبرانها «إرهابية»، والأرجح أن موسكو لم تعد معتمدة هذا التصنيف، ما يعني أن «الاستثمار» يواجه خسارة أولية. لذلك، شدّد وزير الخارجية الإيراني على ربط وقف النار بـ «اقتلاع جذور الإرهاب»، فيما حرص مستشار المرشد علي أكبر ولايتي على تحديد شروط المشاركة في مفاوضات آستانا بحصرها بالمعارضة «المستعدة لترك السلاح والإرهاب « والتي «تؤمن بشرعية الحكومة السورية» الحالية.

الأكيد، أن الحديث عن المفاوضات السياسية، ومع وفد معارض يضم ممثلي الفصائل، هو أكثر ما يكرهه الأسد والإيرانيون، فهذه لحظة فضّلوا تأجيلها أو التفاهم المسبق عليها مع موسكو. والسؤال الماثل: ما بعد حلب يكون روسياً أم إيرانياً؟ من الصعب الجمع بين المفهومين، والأجندتان آخذتان أخيراً بالافتراق، وهذا منطقي ومتوقّع، في معزل عن أي مراهنات عربية متعجّلة.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

باب الحل السياسي في سوريا/ سميح صعب

هدنة سوريا التي يفترض أن تليها محادثات سلام في أستانا ثم في جنيف، مبنية على التوازن الجديد للقوى الذي وفرته خسارة المعارضة السورية مدينة حلب. وعلى رغم ان أنقرة التي يفترض ان تكون شريكة روسيا في ترتيب اتفاق وقف النار لا تزال تتمسك بخطاب سياسي تصعيدي حيال النظام في سوريا، فإنها لا تملك في الوقت الحاضر ترف تقديم مطالب لا تتيحها موازين القوى.

وإنه لمفارقة ذات مغزيين عسكري وسياسي كبيرين أن تكون روسيا هي التي تؤمن الغطاء الجوي للقوات التركية التي تقاتل “داعش” في مدينة الباب بمحافظة حلب وليس الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة كما كان يفترض. والتناقض التركي – الاميركي بلغ من الحدة ان يتهم رجب طيب اردوغان الائتلاف بدعم “الجماعات الارهابية” وليس الجيش التركي أو فصائل المعارضة السورية التي تحظى بدعم أنقرة.

إنها لحظة روسيا في سوريا وفي الشرق الأوسط عموماً. ومن الواضح ان موسكو أرادت من معركة حلب ان تكون الباب الى حل سياسي يوفر على سوريا مزيداً من الدمار ونزف الدم، ويوفر ايضاً على روسيا نفسها احتمالات الغرق في حرب استنزاف طويلة في سوريا. ولم يكن حدثاً عابراً ان يوقع الرئيس الاميركي باراك أوباما عشية مغادرته البيت الابيض قانون تسليح المعارضة السورية بصواريخ تطلق عن الكتف. يدل هذا على ان واشنطن تحاول إطالة أمد الحرب السورية وتحويلها بؤرة استنزاف لروسيا وايران.

وفي المقابل ترى موسكو ان تركيا اذا كانت شريكاً جدياً في البحث عن الحل السياسي، يمكنها أن تحيد جزءاً واسعاً من المعارضة السورية التي تتخذ اسطنبول مقراً لها فضلاً عن الفصائل العسكرية التي تعتمد في تسليحها وتمويلها على تركيا. ومنذ البداية اعتمدت روسيا مقاربة تقوم على اشراك كل القوى الاقليمية في الحل السوري، لكن هذه القوى وفي مقدمها تركيا لم تكن حتى قبل حلب مقتنعة بالحل السياسي وكانت لا تزال تأمل في قلب المعادلات العسكرية لمصلحة المعارضة.

لكن حلب التي توجت عاماً من التدخل الروسي أقنعت تركيا بأنه بات من الصعب المضي في الخيار العسكري وخصوصاً في ضوء بروز أكراد سوريا كياناً يتمتع بالدعم الاميركي المطلق الامر الذي زاد الخلاف التركي – الاميركي. ثم ان التورط العسكري التركي في الشمال السوري يهدد بتورط واستنزاف تركيين بعيدي المدى.

في هذه اللحظة أتى الزخم السياسي الروسي ليوفّر مخرجاً لتركيا ولكثير من فصائل المعارضة السورية التي باتت تعتبر المضي في الخيار العسكري بمثابة انتحار سياسي.

النهار

 

 

 

سوريا: بداية طريق طويل إلى التسوية المستحيلة/ د. بشير موسى نافع

لم يكن اتفاق وقف إطلاق النار في سورية، 29 كانون الأول/ديسمبر، ممكناً بدون توفر قناعات جديدة لدى أطراف الأزمة الرئيسية، من ناحية، والتقارب المتسارع بين أنقرة وموسكو، من ناحية أخرى. ولكن أحداً لا يجب أن يتصور أن عملية تسوية الأزمة ستمضي سريعاً إلى الأمام، أو ستكون سهلة وميسرة. حتى اتفاق وقف النار قد لا يصمد طويلاً.

دخل الروس بصورة مباشرة في غمار الأزمة السورية لأنهم أرادوا وضع نهاية لتيار تغيير الأنظمة باسم الديمقراطية، ولأنهم تصوروا أن سوريا ستعيد بناء موقعهم ودورهم في الساحة الدولية، وأنها قد تصلح ورقة مساومة هامة في التدافع مع الغرب في الساحة الأوروبية، سيما في أوكرانيا. وليس ثمة شك أن الدخول الروسي إلى سوريا لم يكن ممكناً بدون التشجيع والدعوة المشتركة من النظام وإيران. الأمريكيون، الذين لم يعتبروا سوريا مطلقاً منطقة نفوذ أو أولوية، رفضوا وضع سوريا وأوكرانيا في سلة تفاوض واحدة.

وسرعان ما أدركت موسكو أن النظام، حتى بالدعم المقدم له من إيران وحزب الله، غير قادر على حسم الموقف عسكرياً، وأن هذا الحسم لن يتحقق بدون المزيد من التورط الروسي. الأهم، أن القوة العسكرية الروسية في سوريا باتت أداة لحرب طائفية، ولعملية تطهير وإعادة بناء ديمغرافي طائفي للشعب السوري، في الوقت الذي بدأت فيه المؤسسات الدولية جمع الأدلة على جرائم حرب تورطت فيها العسكرية الروسية أو وفرت لها الغطاء. ولم يكن خافياً، خلال الشهرين أو الثلاثة الأخيرة، أن موسكو ترغب في وضع نهاية لتورطها في الحرب، وإطلاق عملية سياسية، تعيد تقديمها باعتبارها صانعة للسلم، وقوة دولية قادرة على حل الأزمات.

من جهة أخرى، لم تنتهج تركيا استراتيجية ثابتة من الأزمة السورية، وقد تطورت مقاربة أنقرة للأزمة من مرحة إلى أخرى. في البداية، وحتى خريف 2011، كان التصور التركي يقوم على عملية إصلاح جذرية في سوريا، يقودها الرئيس الأسد. ولم تتعهد أنقرة دوراً مباشراً، حتى بعد أن دعت في نهاية أيلول/سبتمبر 2011 إلى تغيير النظام. خلال 2012، انتقلت الثورة السورية تدريجياً إلى العمل المسلح، وبدأت تركيا والسعودية وقطر تقديم مساعدات محدودة لقوى الثورة السورية، في مقابل الدعم الإيراني المتزايد للنظام وتحول حزب الله إلى شريك مباشر في صراع النظام مع شعبه. طوال العامين التاليين، وبالرغم من تصاعد دور إيران والحزب، والتأزم في العلاقات التركية ـ السعودية، والخلافات بين تركيا وأمريكا، ظلت أنقرة على قناعة بأن بإمكان الشعب السوري وقواه المسلحة إسقاط النظام. ولكن تركيا أدركت منذ نهاية 2015 أن الدخول الروسي صنع خللاً هائلاً في ميزان قوى الأزمة. لتعديل ميزان القوى، كان لابد من دور أمريكي مكافئ، وهو الأمر الذي رفضت إدارة أوباما تعهده. بإسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، تفاقم الخلل في ميزان القوى، وأصبحت حركة تركيا في سورية محدودة إلى حد كبير.

أنجزت المصالحة التركية ـ الروسية في حزيران/يونيو 2016، ولكن دور تركيا في سوريا تعطل قليلاً بفعل المحاولة الانقلابية في منتصف تموز/يوليو. خلال الشهور القليلة التالية، توترت العلاقات التركية ـ الغربية، سواء بفعل الموقف الأوروبي من إجراءات مواجهة الانقلابيين في تركيا، أو بفعل الدعم الأمريكي المتزايد للمنظمات الكردية السورية وثيقة الصلة بحزب العمال الكردستاني. في المقابل، تسارعت وتيرة التقارب التركي ـ الروسي.

لم يكن الإيرانيون يجهلون حقيقة الموقف العسكري في سوريا وعجز النظام عن حسم الحرب عسكرياً. ولكنهم تصوروا أن الدعم الروسي العسكري سيستمر بلا انقطاع، وأن تركيا غير قادرة على المناورة، نظراً لانشغالها بوضعها الداخلي. وربما كان خطأ الحسابات الإيرانية الأكبر أن طهران تصورت أن تركيا، ومهما كانت خلافاتها مع الولايات المتحدة، ستبقى أسيرة عضويتها في الناتو وتحالفها مع واشنطن. في المقابل، كان لسان حال الأتراك يقول أن الإيرانيين رفضوا طوال خمس سنوات كل عروضنا لمحاولة حل الأزمة السورية إقليمياً، ولم يترددوا في تصعيد الأزمة دولياً واستدعاء الروس؛ فلنحاول نحن، إيضاً، التعامل مع الروس. منذ آب/أغسطس، وجد الروس والأتراك أن مصلحة الدولتين تقتضي المزيد من التعاون والتفاهم في سوريا، حتى بدون كبير اكتراث بالموقف الأمريكي. وافق الروس على عملية عسكرية تركية، بمشاركة الجيش الحر، لتحرير وتأمين الشريط السوري الحدودي؛ أيدت تركيا مساراً سياسياً روسياً لحل الأزمة؛ وأبلغ الروس النظام والإيرانيين أنهم ليسوا على استعداد لتحمل أعباء وعواقب حل عسكري، قد يستمر سنوات، ولا يمكن أن ينجز بدون ارتكاب سلسلة من المجازر. وكانت الاتفاقية على حلب، التي عمل الإيرانيون جهدهم على تخريبها، أولى الخطوات.

في مباحثات أنقرة لوقف إطلاق النار وبدء التفاوض من جديد، أبدى الروس، مرة أخرى، مرونة ملموسة، سواء بموافقتهم، في خلاف مع النظام والإيرانيين، على أن يشمل وقف النار كل الأراضي السورية، اعتماد جنيف الأولى وقرار مجلس الأمن 2254 أساساً للتفاوض، واستبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (PYD). وفي أول تعاون عسكري بين البلدين منذ دعم روسيا البلشفية لحرب الاستقلال في 1919 ـ 1922، وفر الطيران الروسي غطاء جوياً لعملية تحرير الباب في يوم توقيع اتفاق وقف إطلاق نفسه.

بيد أن ذلك لا يعني أن الحل السياسي أصبح وشيكاً. أنجزت اتفاقات 29 كانون الأول/ديسمبر الثلاث بتسرع فائق، وبدون وضوح كاف. ويتحمل المسؤولون الأتراك والروس المسوؤولية الأكبر عن هذا التسرع. وقعت الفصائل في المفاوضات على نصوص ليست ذاتها التي وقع عليها النظام في دمشق. وإضافة إلى أن وضع فتح الشام (النصرة سابقاً) ليس واضحاً في الاتفاقيات، فثمة غموض آخر يحيط بطبيعة الرقابة التركية ـ الروسية لالتزام الأطراف المختلفة بوقف إطلاق النار. الواضح أن لا الإيرانيين ولا دوائر النظام سعداء بالاتفاق، وسيحاول هؤلاء جهدهم إفشاله، سيما في المناطق التي يعمل الإيرانيون على تطهيرها طائفياً، مثل الغوطة الغربية. لقاء الأستانة نفسه يحمل طابعاً رمزياً، وقد أصر عليه الروس، كما يبدو، لتوكيد دورهم السلمي والتفاوضي. ولكن المفاوضات ستنتقل بعد الأستانة إلى جنيف، حيث ستبدأ المعالجة الجادة لمسائل التفاوض، برعاية أممية ووجود أطراف الأزمة السورية وغير السورية كافة. وما إن تبدأ عملية التفاوض، إن بدأت، حتى يدخل عامل إدارة ترامب إلى المعادلة. وليس ثمة من يعرف حتى الآن، لا في موسكو ولا أنقرة، ما ستكون عليه مقاربة ترامب للأزمة السورية.

ما أوصل الأزمة السورية إلى هذا المنعطف كان عدد من المتغيرات المتسارعة في ميزان القوى. وإن كان لقوى الثورة السورية أن تحقق القدر الأكبر من أهدافها، سواء في المسار التفاوضي أو ساحة القتال، فلابد من إعادة بناء شاملة وسريعة لأدوات الثورة السياسية والعسكرية. التشظي العبثي، والنزعات الإسلامية الإيديولوجية للفصائل، أصبحت عبئاً على الثورة السورية. الطريق الأنجع هو انضواء كافة الفصائل تحت راية الجيش الحر، من ناحية، والعمل على إعادة الحيوية إلى الإئتلاف وإقامة علاقة عضوية بين مؤسساته وقيادة الجيش الحر، من ناحية أخرى.

٭ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

القدس العربي

 

 

 

 

 

 

آستانة… مصير موسكو في الشرق الأوسط/ نديم قطيش

ليس مؤتمر آستانة المرتقب في 23 يناير (كانون الثاني) مؤتمًرا حول سوريا. الأدق أنه مؤتمر حول روسيا ودورها في الشرق الأوسط. التجاذبات المحيطة بالمؤتمر والتهيئة له، تحديًدا بين روسيا وإيران بشكل خافت، وإيران وتركيا بشكل علني، تعكس هذا المعنى الاستراتيجي للمؤتمر، أقله في التفكير الروسي.

سبق آستانة تفاهم تركي روسي على وقف لإطلاق النار، لا يزال صامًدا رغم هشاشته، ورغم أن أحًدا لا يتوقع له الصمود طويلاً. وهشاشته متأتية أصلاً عن الشغب الإيراني على الاتفاق وعلى مؤتمر آستانة نفسه.

حتى الآن ترفض إيران مطالبة تركيا (وروسيا) لها بممارسة الضغط على نظام بشار الأسد وحلفائه لوقف انتهاكات وقف إطلاق النار. الخارجية الإيرانية بلسان بهرام قاسمي، اعتبرت أن المطالب التركية «تعقد الأوضاع الحالية وتزيد المشكلات التي تواجه المخرج السياسي في الأزمة السورية». قبله، قال مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية إن الحديث عن خروج ميليشيا «حزب الله» من سوريا هو «ادعاء الأعداء ودعايتهم».

الفالق المركزي الذي تقف عليه مواقف الأطراف الثلاثة هو ما بعد آستانة. الرهان الإيراني أوضحه ولايتي وهو «حماية خط المقاومة وسوريا حلقة مهمة في هذا الخط؛ لذلك دعمناها منذ البداية في وجه المؤامرة التي تستهدفها». لتركيا حسابات أخرى.

هاجسها الأساس ألا تلد سوريا الأسد سوريا فيدرالية يكون فيها للأكراد حكم ذاتي يخطو بالمسألة الكردية خطوة إضافية نحو حلم كردستان الكبرى! أما روسيا فتريد صرف استثماراتها العسكرية في سوريا، دوًرا ريادًيا في الشرق الأوسط من دون أكلاف إضافية، ومن دون المخاطرة بتحويل الحرب السورية إلى أفغانستان جديدة لموسكو. ولئن كانت روسيا وتركيا متفاهمتين على مصالح الأمن القومي الإسرائيلي في الإقليم؛ فهما أقدر على التفاهم بينهما، أكثر من تفاهم كل منهما مع إيران، التي لا تستطيع أن تخطو خطوات عملية كبيرة نحو إسرائيل أكثر من تجميد الأعمال الحربية معها!

إذ ذاك، لا تلتقي موسكو وطهران على ما بعد مؤتمر آستانة الذي تريده روسيا خطوة باتجاه عملية سياسية تثبت دورها في الشرق الأوسط؛ ما يعني سوريا بلا الأسد، فيما تريده إيران مؤتمًرا لتأبيد محور المقاومة ومنه بشار الأسد!! فروسيا لا تستطيع أن تستمر شرق أوسطًيا بالتناقض مع القوى السنية الرئيسية، العربية وغير العربية. وإيران لا تريد أن تستمر شرق أوسطًيا إلا بالتناقض مع القوى السنية الرئيسية، العربية وغير العربية.

الأمر الآخر، أن موسكو لا تمتلك الوقت والإمكانات لاستراتيجية النفس الطويل؛ فهي متورطة في سوريا بلحمها ودمها وأموالها ورأسمالها السياسي والعسكري والدبلوماسي، بخلاف إيران التي تقاتل بدماء الشيعة اللبنانيين والعراقيين والأفغان وغيرهم، من البيئات التي حولتها إلى جاليات في خدمة «الوكالة الخمينية»!

لا شك أن فلاديمير بوتين نجح حتى الآن في حجز موقع لموسكو في الشرق الأوسط والعالم. جيشه يقاتل في سوريا ويقرر الوقائع على الأرض. دبلوماسيوه يخيطون شبكة من العلاقات في المنطقة على أنقاض الانسحاب الأميركي منها. بات أقرب إلى إسرائيل من حليفتها التاريخية، الولايات المتحدة. يسعي للتمدد في أفريقيا عبر مصر وليبيا. وساهم في ولادة تفاهم نفطي إيراني سعودي، منع أسعار النفط من الهبوط إلى مستويات أدنى. جيشه الإلكتروني لعب دوًرا لا تزال حدوده غامضة في الانتخابات الأميركية. وجيشه الدعائي يتناغم مع الأحزاب القومية الصاعدة في أوروبا. كل هذا صحيح. لكن بوتين نجح في جذب تغطيات إعلامية جبارة لهذه «الانتصارات» أو «الإنجازات» ما جعلها تبدو أكبر بكثير من أحجامها الفعلية.

لا توجد مثلاً أدلة جدية تثبت حجم التأثير الذي لعبه التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية في تقرير النتائج، لكن الإعلام جعل من بوتين الناخب الأول فيها، وسهم في مزيد من نفخ صورته الأسطورية. كما شهد إحياء فرقة أوركسترا مسرح «مارينسكي» الروسية الشهيرة حفلاً موسيقًيا في مدينة تدمر، تعبيًرا متعجلاً المسرح السوري إخفاقات كبيرة لموسكو أقلها سقوط تدمر مجدًدا بيد «داعش» بعد طرد «داعش» منها. كان عن الحاجة إلى تثبيت صورة الانتصار، لكن الوقائع جاءت لتقول أن لا انتصار عسكرًيا دائًما في سوريا لأي طرف.

أضف أن كل هذه الاستعراضات عاجزة عن تغييب جسامة المشكلات البنيوية العميقة التي يعانيها الاقتصاد الروسي، واعتماده شبه المطلق على أسعار الطاقة المتهاوية، معطوًفا على الأكلاف المهولة للفساد والزبائنية، والتضخم الذي يقضي على مدخرات الشعب الروسي الهرم.

كل هذه وقائع تضع موسكو في زاوية ضيقة، وتبرز حاجتها إلى الخروج من التجربة السورية بإنجاز سريع، اختارت له حتى الآن إطار آستانة والحل السياسي. في المقابل، تملك إيران قدرات كبيرة للشغب على الرهانات الروسية وتعطيلها لحماية رهاناتها الاستراتيجية في سوريا.

مؤتمر آستانة هو امتحان للدور الروسي في الشرق الأوسط ومحدد لمصيره… والخصم الأول في التجربة هذه، هي إيران.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

ما هو تصور المعارضة السورية لمصير الأسد والحل السياسي الشامل في أستانة؟/ إسماعيل جمال

إسطنبول ـ «القدس العربي»: أكد قياديان في المعارضة السورية في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي، أن الأولوية الآن تتمثل في وقف الخروقات وتثبيت وقف إطلاق النار الشامل في كافة الأراضي السورية، لافتين إلى أن استمرار الخروقات سينسف أي إمكانية للانتقال إلى المفاوضات السياسية التي تسعى روسيا وتركيا إلى إطلاقها في أستانة بين النظام والمعارضة السورية قبيل نهاية الشهر الجاري.

من جهتهم، شدد محللون سياسيون لـ«القدس العربي» على أن مصير الأسد سيكون نقطة الخلاف الأكبر والعقدة الأصعب في المفاوضات المقبلة التي تواصل أنقرة وموسكو الإعداد لها بشكل مكثف على الرغم من تواصل الخروقات والاشتباكات في ريف دمشق ودرعا ومناطق أخرى.

وفي الثلاثين من كانون الأول/ ديسمبر الماضي دخل اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا حيز التنفيذ بعد موافقة النظام السوري والمــعـــارضة، على تفاهمات روسية – تركية بهذا الشأن، فيما من المنتظر أن تجري «مفاوضات أستانة» بين النظام السوري والمعارضة، برعاية أممية – تركية -روسية، قبل نهاية الجاري.

القيادي في المعارضة السورية والنائب السابق لرئيس الائتلاف مصطفى أوسو شدد على أنه وفي البداية «لابد من التطبيق الشامل لوقف الأعمال العسكرية والعدائية، وأيضا العمل على تبني قرار ملزم بخروج جميع الميليشيات الأجنبية من سوريا فورا، وأن تستند العملية السياسية إلى بيان جنيف 1 لعام 2012 والقرارات الدولية ذات الصلة، وعلى ما تم التوصل إليه في مفاوضات جنيف لعام 2014 و 2016».

كما طالب أوسو بـ«توفير بيئة مناسبة لنجاح العملية التفاوضية، وخاصة المسائل الإنسانية، سواء ما تعلق منها بعمليات فك الحصار أو إدخال المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المختفين قسريا والمفقودين».

وقال: «هناك مسألة في غاية الأهمية لا يجوز القفز عليها بالمطلق، وهي أن تكون المشاركة في العملية التفاوضية المزمع عقدها، نابعة من إرادة الشعب السوري وقواه الوطنية والديمقراطية المعارضة، وأن لا تتم مصادرة هذه الإرادة من هذه الجهة أو تلك، كما يجب مشاركة ممثلي كافة مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية في هذه المفاوضات، لأن مستقبل سوريا يخص جميع أبنائها ولا بد من مشاركتهم وتضمين حقوقهم في الوثائق التي ستنبثق عن العملية التفاوضية».

والجمعة، أعلنت موسكو أبرز حلفاء دمشق بدء خفض قواتها في سوريا. وقال قائد الجيش الروسي فاليري غيراسيموف انه عملا بقرارات أعلنها الرئيس فلاديمير بوتين في 29 كانون الأول/ديسمبر «بدأت وزارة الدفاع الروسية خفض قواتنا العسكرية المنتشرة ضمن العمليات في سوريا». وأمر مجموعة القطع البحرية العسكرية المنتشرة قبالة السواحل السورية البدء في الاستعدادات للعودة الفورية إلى مينائها الأصلي في الدائرة القطبية.

من جهته، اعتبر أحمد رمضان الناطق الإعلامي باسم الائتلاف السوري المعارض أن «الجهود التي تبذل من أجل تثبيت وقف إطلاق النار في سوريا يجب أن تجعله شاملاً، وأن تعالج الخروقات المستمرة، على نحو يمهد لاستئناف العملية السياسية».

وقال: «أكدنا رسمياً على أهمية ما تضمنه قرار مجلس الأمن 2336 (2016) باستناد العملية السياسية في سوريا إلى بيان جنيف (2012) والقرارات 2118 (2013) و2254 (2015) و2268 (2016). ونرى أن الجهود المبذولة لعقد لقاء في أستانة يجب أن تنطلق من التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن الخاصة بسوريا، وتُبنى على ما تمَّ التوصل إليه في مفاوضات جنيف (2014) و(2016) والالتزام بتوفير بيئة ملائمة لنجاح المفاوضات، ويضمن ذلك وقفاً كاملاً للأعمال العدائية وفك الحصار وإدخال المساعدات وإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين».

من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي السوري عبد الرحمن مطر أن «انعقاد المؤتمر سوف يشكل خطوة مهمة على صعيد إعادة إطلاق عملية التفاوض لإيجاد تسوية سياسية للوضع في سوريا، ومدخلاً أساسياً لها، خاصة بعد التطورات الميدانية التي أدت إلى اتفاق وقف إطلاق النار، كواحد من أهم مخرجات لقاء موسكو بين قادة تركيا وإيران وروسيا».

وعبر مطر عن اعتقاده أن «مؤتمر أستانا سوف يبحث في سبل إيجاد تسوية سياسية، لا تبتعد كثيراً عن جوهر الموقف الروسي المعلن، بضرورة تأجيل البت في مصير الأسد، والتفاوض مع النظام السوري كشريك أساسي، في عملية سياسية قادمة، وتستند إلى إقامة حكومة وحدة وطنية مشتركة بين النظام والمعارضة. وبذلك تفتح موسكو الطريق لإعادة إحياء مباحثات موسكو بين الأطراف السورية، والتي انتهت إلى الفشل».

وأكد على أن «تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار، خلال الأيام المقبلة سيكون له انعكاس مباشر على جلسات مؤتمر أستانة، خاصة في ظل استمرار الخرق مدعوماً بالموقف الإيراني» لافتاً إلى أنه «حتى الآن تبدو الأمور إيجابية بشأن انعقاد المؤتمر، على الرغم من انقسام السوريين حول الأمر، وارتباط الذهنية السورية، بدور موسكو وإيران في دعم نظام الأسد وتدمير المدن، وتشريد المدنيين».

وقال: «اعتقد أن مؤتمر أستانا، في حال تمثيل كافة أطياف المعارضة فيه، سوف يكون حجر أساس، يمكن البناء عليه، شريطة أن ينتقل التفاوض إلى مظلة الأمم المتحدة، ما يمنح العملية التفاوضية مشاركة دولية أوسع، خاصة الولايات المتحدة، والدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، ما يمنع استفراد موسكو بالتوصل إلى حلّ تفرضه على قوى المعارضة السورية، التي لا تملك من قرارها شيئاً وتمرّ بأشد لحظات الوهن والانقسام».

في سياق متصل، رأى الصحافي والكاتب السوري إبراهيم العلبي أن المعارضة السورية، وفي مقدمتها الائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات تريد تفاوضاً على تسليم السلطة من بشار الأسد إلى سلطة انتقالية «بمعنى أن بقاء الأسد في الحكم ولو مؤقتاً كجزء من العملية الانتقالية ليس ضمن المقبول بالنسبة لها».

وأضاف العلبي لـ«القدس العربي»: «المقبول أن تكون السلطة الانتقالية التي تتسلم سلطات الأسد ممثلة لكل الأطياف والقوى، بما فيها النظام الحالي شرط أن لا يشارك فيها من تلطخت أيديهم بالدماء، وهم رموز النظام وأصحاب القرار الفعلي فيه» مستدركاً: «لكن وبما أن النظام يعتبر أن منصب بشار الأسد خطا أحمر، وطالما أنه يفاوض من موقع الاختيار لا الاضطرار، فهذا يعني أن لا حل وسطا يمكن القبول به من قبل الطرفين معاً».

وأضاف العلبي: «هناك طرح سبق أن اقترحه المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان ديمستورا، وهو أن يستمر الأسد في منصبه ولكن بصلاحيات فخرية، أي أن الصلاحيات الفعلية ستكون مخولة للسلطات الانتقالية التي ستكون المعارضة شريكاً فيها. هذا الطرح أيضاً قوبل بالرفض من قبل المعارضة ليس لأنه لا يشمل رحيل الأسد على الفور، بل لأن النظام سيكون شريكاً في السلطة الانتقالية حسب وثائق جنيف وفيينا التي تجري كل المفاوضات على أساسها، ومن ثم فإن بقاء الأسد ولو شكلياً سيعني أنه يهيمن على هذه السلطة وهو ما يفرغ الحل السياسي من مضمونه».

القدس العربي

 

 

الكرد داخل الحرب في سوريا وخارج الحل/ كرم يوسف

أعلنت قوات حماية الشعب الكردية في سوريا طوال المرات التي أعلن فيها وقف إطلاق النار أنها ملزمة به أيضاً على الرغم أنه في أغلب الأحوال لم يتم التواصل معها كــطــرف لتكون مشاركة في هذه العمليات، إذ كان يتم اتخاذ هذا القرار بناء على ما تتوصل إليه القوى الدولية من اتفاقات.

قرار وقف إطلاق النار الأخير الذي تم في تركيا برعاية روسية والتزمت به القوات الكردية وكذلك قوات سوريا الديمقراطية والتي تعتبر هذه القوات عمودها الفقري، تم دون أن تكون هناك دعوة للكرد كما المرات السابقة للتوقيع عليه، وكأنما هم طرف لا يعني القوى الفاعلة وبالذات حزب الاتحاد الديمقراطي الذي استطاع أن يحظى بدعم عسكري أمريكي إلى الحد الذي أضر بعلاقتها مع تركيا، ولكن هذا الدعم لم يرق إلى الآن إلى المجال الدبلوماسي.

نجاح الهدنة هذه من شأنه أن يعزز فرصة عملية السلام التي تتفرد روسيا بقيادتها إلى تميكن محادثات أستانة الممهدة لجنيف 3 من النجاح. لا شك أن كل هذه الجهود الروسية جاءت بعد اللقاء الذي عقد على مستوى وزراء الخارجية لكل من روسيا وتركيا وإيران مؤخراً في العاصمة الروسية موسكو.

لو تم تجاوز مسألة شرخ جديد بين تركيا وإيران وتمكن الطرفين من المضي في عملية التسوية في سوريا بشكلها المطلوب فهذا يعني نجاح تركيا في وأد تطلعات الحزب الديمقراطي من خلال روسيا بعد فشلها في هذا المسعى من خلال أمريكا. يجب هنا ألا يتم نسيان أن أبرز أسباب التوجه التركي إلى الحلف الروسي هو صعود هذا الحزب والقضاء على إمكانية ربطه للمدن الكردية على الشريط الحدودي الذي يجمعها مع تركيا مع بعضها البعض في حال لم تستطع إنهاء الشكل الذي يحكم به الآن المناطق الكردية.

في المقابل فإن استمرار التوتر الحاصل بين تركيا وإيران رغم اللقاء الأخير في موسكو من شأنه أن يعيد حالة الاشتباكات والحرب إلى سابق عهدها، وهنا سيكون احتمال خوض القوات الكردية معارك مع الفصائل المعارضة والإسلامية كبيراً، وهناك احتمال أن تخوض هذه القوات معارك أيضاً مع النظام وهذا نتيجة استعادة النظام لعافيته العسكرية وانتصاره في حلب، وهذا سيعني بلاشك رجحان الكفة للنظام فيما لو غيرت إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب موقفها الداعم لهذه القوات.

ولكن الفرضية الأخيرة صعبة إلى حدً ما نتيجة بنائها على فرضيات أخرى في ظل الخطوات الجدية التي تسعى بها روسيا إلى فرض شكل للسلام في سوريا يكون مثلما تسعى إليه لا كما تسعى أمريكا إليه، حيث أن روسيا اليوم أكثر قوة من أمريكا في قيادة هذه المحادثات لاسيما أنها أحرقت آخر أوراق تحالف تركيا مع أمريكا.

وبالنظر إلى موقف حزب الاتحاد الديمقراطي من وقف إطلاق النار الأخير فإنه يمكن تلمس ثمة موقف غير نهائي له وأنه في انتظار ما سيفضي إليه القرار وكذلك محادثات أستانة التي لم تتم دعوتهم إلى الآن إليها.

يمكن القول أن حزب الاتحاد الديمقراطي سيسعى جاهداً خلال الأيام القليلة التي تفصل عن مؤتمر أستانة إلى تفعيل وتكثيف جهوده الدبلوماسية في سبيل حضوره وفرض نفسه كلاعب لا يستهان به في عملية الحرب والسلم في سوريا، وهو يعلم جيداً أن إمكانية رفض حضوره أكبر بكثير من مؤتمري جنيف لأن يمكن إعتبار الأتراك الذين ساهموا في منعهم من حضور جنيف هم من الفاعلين الأساسيين في مؤتمر أستانة. هذا الحيرة لن تنفع الاتحاد الديمقراطي في تغيير موقف أمريكا بضرورة الضغط في سبيل أن يحضر المؤتمر لو سلك ترامب درب باراك أوباما الذي لم يضغط من أجل حضور الاتحاد الديمقراطي مؤتمري جنيف.

لا شك أن الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب القريبة منه وكذلك قوات سوريا الديمقراطية لن يقوموا بمغامرة فتح جبهات مع الفصائل المعارضة والإسلامية من أجل إشراكهم في الهدنة، فهي مغامرة غير معروفة النتائج لاسيما مع التهديدات التركية الأخيرة لأمريكا، هذا سيقتضي أن تنتظر هذه القوات ومعها حزب الاتحاد الديمقراطي فرصة جديدة لإشراكهم في مؤتمر جنيف المقبل على اعتبار محادثات أستانة ممهدة له. كل هذا طبعاً في حال لو تم الافتراض أن وقف إطلاق النار استمر ومحادثات أستانة عقدت ومن بعدها مؤتمر جنيف وهذا أيضاً طريق ليس من السهل أن يتكلل بالنجاح في ظل حالة اللاتوافقات المفروضة على الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السورية.

وفي حال لم يتم إشراك القوات الكردية في الهدنة وتكللت محادثات أستانة ومؤتمر جنيف بالنجاح هذا لن يعني أن تركيا سترضى بمشهد المتفرج خلال الفترة الانتقالية على نجاحات الاتحاد الديمقراطي متمثلة في الإدارة الذاتية التي تحولت إلى فدرالية شمال سوريا مع أطراف عربية وسريانية وتركمانية، لكنها ستسعى جاهدة إلى القيام بكل ما تستطيع حتى لا يكون شكل هذه الفدرالية التي لم تنل أي اعتراف دولي، موجودة فيما بعد المرحلة الانتقالية.

لا يمكن مطلقاً القول أن الكرد وبالذات حزب الاتحاد الديمقراطي والقوات الكردية إن خسروا حضور الهدنة فسيخسرون ما ستؤدي إليه، فالموضوع لا يزال مبكراً والهدنة لا تزال من المبكر القول أن خلافات إيران وتركيا أو التوازنات الأخرى ستجعلها تتكلل بالنجاح، ربما الكلمة الأخيرة في مصير هذه القوات ومشاركتها بفعالية في أي هدنة ومؤتمر يعتمد على موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي سيكون أمام خيارات كثيرة من حيث الاستمرار في سيرة سلفه أوباما مع هذه القوات أو اعادة علاقاته مع تركيا وقطع علاقته معها أو على العكس قطع العلاقة مع تركيا والمضي مع هذه القوات كحليف جديد عسكري وسياسي بدلاً من تركيا.

القدس العربي

 

 

هل ستمهد الهدنة المعلنة الطريق للسلام في سوريا؟/ فالح الحمراني

موسكو ـ «القدس العربي»: استقبلت دوائر الرأي العام الدولي إعلان الرئيس فلاديمير بوتين في نهاية كانون الثاني/ديسمبر الماضي عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في عموم سوريا، بارتياح بالغ. وحصل الاتفاق على دعم مجلس الأمن الدولي، لكونه خطوة قد تمهد لوقف ازهاق أرواح الأبرياء وتدمير المدن والقصبات المستمرة منذ أكثر من 5 سنوات. ولكن ثمة أسئلة حول مدى صلابة الاتفاق وديمومية التزام الأطراف المعنية به، وان كان قد أخذ بعين الاعتبار كافة الجوانب التي قد تضعفه، ولف كافة القوى المؤثرة حوله.

وأفادت وسائل الإعلام ان خطط روسيا وتركيا وإيران تشمل بالإضافة إلى وقف اطلاق النار الشامل في الأراضي السورية، التمهيد لإجراء مباحثات بين القوى المتحاربة في «أستانا» عاصمة جمهورية كازاخستان، وربما تضمنت المباحثات أيضا مشاريع تقسيم سوريا بين روسيا وتركيا وإيران إلى مناطق نفوذ افتراضية، تمهيدا لبناء نظام فدرالي فيها. ووفقا لهذه المعطيات فإن الدول الثلاث اتفقت على إبقاء بشار الأسد مؤقتا في منصبه ولكنه سيكون ضعيفا جدا، وأنها منحته مهلة للبقاء في كرسيه حتى الانتخابات المقبلة ومن بعده يحل محله ممثل آخر للطائفة العلوية. وأعلنت روسيا انها ستقلص من حضورها العسكري في البلاد. ولكن ثمة شبه إجماع بين المراقبين ان عملية السلام لن تكون سهلة.

الهدنة كمطلب

ورغم ما يحف بخطة التسوية النهائية التي ما زالت في مرحلتها الابتدائية من غموض وشكوك بامكانية تنفيذها إلا ان المصادر الروسية تُبدي تفاؤلا بشأنها. وأشار مدير عام «المجلس الروسي للشؤون الخارجية» اندريه كورتونوف المقرب من الكرملين إلى «ان هناك تحركا نحو العثور على حل وسط» موضحا «ان الاتفاق النهائي سيكون معقدا، ولكن هناك تغيرات طرأت على المواقف السابقة للأطراف». ولكن الخبراء يشيرون إلى ان كل طرف يستهدف مصالحه. فروسيا تود الظهور من جديد كدولة عظمى تشارك في تسوية المشكلات الدولية، وتركيا معنية باضعاف مواقع الكرد السوريين وإيران لا تريد ان تفقد مواقعها في سوريا.

ويرى تقرير لمعهد الشرق الأوسط في موسكو في التعليق على آفاق الهدنة ان إحلال السلام في سوريا لم يعد قضية محلية محضة، فالحرب التي دامت خمسة أعوام اكتسبت طابعا إقليميا /دوليا. وتدافعت العديد من القوى العالمية والإقليمية لبسط نفوذها لضمان حصتها من «الكعكة السورية» قبل ان تتفتت أو يتقاسمها الآخرون. وحارب في سوريا كل على طريقته، البعض بالوكالة من خلال تشكيل وتدريب وتمويل تشكيلات خاصة به، والآخر تدخل بشكل مباشر، ولم تنجح تلك القوى على التفاهم وتقاطعت مصالحها وأصر كل طرف على ان يكون الحل وفقا لرؤيته.

ويرصد مراقبون في روسيا ان هناك عوامل عدة ستساعد على ايجاد قاعدة واعدة لآفاق الهدنة ووقف إطلاق النار، وفي الدرجة الأولى إعلان روسيا وتركيا وإيران الاستعداد لتوفير الضمان له. ان هذه الدول الثلاث تمتلك وسائل تأثير في أرض المعركة. فإيران تتحكم بالتشكيلات التي تخضع لحزب الله اللبناني والطوئف الشيعية الأخرى من العراق وغيره، والتي لعبت دورا كبيرا في نجاح قوات النظام المسلحة في السيطرة على العديد من المدن بما في ذلك في معركة حلب التي يتفق المراقبون على انها غدت منعطفا حاسما في مسيرة الحرب الأهلية السورية ووضعت بيد النظام وحلفاؤه ورقة رابحة في مباحثات التسوية، كما ان لتركيا تاثيرا على العديد من فصائل المعارضة المعتدلة التي لها مقرات في تركيا وتتولى تمويلها وتدريب مقاتليها وفتح الحدود لإلتحاق المتطوعين بها. ويمكن ان يكون لروسيا كلمة هامة في توجهات النظام وتحركاته، فضلا عن قدراتها العسكرية المتنوعة في الأرض السورية.

كما ان هناك رغبة وتطلعا في سوريا على مختلف المستويات في إحلال السلام في البلاد. لقد أرهقت الحرب والنزاع المسلح سكان البلاد الذين باتوا يدركون ان نتائج الحرب لن تكون أبدا في صالحهم، وان شرائح اجتماعية واسعة باتت ترفض تدمير القوى المتحاربة لمدنها والبُنى التحتية لها وتخريب آثارها وحرمانها من المستقبل وتؤثر تحقيق الشعارات السلمية بطرق سلمية. وثمة آمال بان دروس الحرب المريرة قد تدفع لإجراء إصلاحات سياسية إذ ان النظام السياسي في البلاد بعد هذا الدمار لا يمكن ان يبقى على حاله مهما حاول.

كما ان هناك رؤية في موسكو تشير إلى ان الحرب الأهلية في سوريا باتت أيضا تهدد الأمن الإقليمي بل والعالمي. وكان من آثارها تعميق الانشقاقات وعدم التفاهم بين الدول العربية، وتجلى هذا أكثر في صفوف جامعة الدول العربية. ولم تجد القرارات التي طرحت على بساط البحث هناك لتصويت جماعي عليها، كما أن المواقف تغيرت من مرحلة إلى أخرى حول قضية قطع العلاقات بالنظام السوري. وأدت الحرب السورية إلى موجات من المهاجرين إلى أوروبا وغدت عاملا في تأزيمها إلى جانب الموجات من افريقيا ودول أخرى. إضافة إلى ان الكثير من الأعمال الإرهابية ذات الصدى الواسع في العواصم الأوروبية وغيرها نسبت مصادرها إلى سوريا. مجمل الحالة جعلت احلال السلام في سوريا قضية إقليمية وعالمية.

عقبات وعراقيل

وأشار تقرير معهد الشرق الأوسط إلى انه ما تزال أمام الهدنة الكثير من العقبات. وتتمثل هذه في الدرجة الأولى بما يسمى بالدولة الإسلامية وفتح الشام اللتين تم إخراجهما من إطار التسوية. ولم يبق أمامهما الآن سوى مواصلة القتال. وهذا قد يدفع الدول الثلاث نحو القيام بعملية مشتركة ضد تنظيم «الدولة» وجبهة النصرة «فتح الشام». وفي هذه الحالة فان تركيا ستحصل على الحصن الذي يتيح لها مواجهة هيمنة الأكراد على حدودها. وفي ضوء ذلك فان دعم أمريكا للكرد المتزايد والذي أضفت عليه صفة قانونية، سيكون بمثابة اعلان واشنطن عن المشاركة مستقبلا في الشكل الجديد للاتفاقات.

ويرى خبير معهد الاستشراق في موسكو فلاديمير ساجين ان من غير الواضح تماما أي ممثلين عن المعارضة السورية أكدوا التزاماتهم باتفاق الهدنة. موضحا: ان المعارضة السورية طيف واسع جدا. من بينها من يعارض الأسد فقط، وأخرى جماعات إرهابية بشكل سافر. منوها ان من تعهدات روسيا وتركيا ضمان تنفيذ الاتفاق مسألة هامة ولكن هناك «لاعبيين» في سوريا وفي الدرجة الأولى أمريكا والسعودية. وبالنسبة لأمريكا فان موقف الإدارة المنتهية دورتها من سوريا معروف، ولم تحدد الإدارة المرتقب استلامها السلطة في 20 كانون الثاني/يناير موقفها بدقة ولا يستبعد ان الحديث عن تقسيم سوريا يأتي لجس رد فعل واشنطن.

وعلى الرغم مما ذهبت إليه صحيفة «نيزافيسمايا غازيا» الصادرة في موسكو عن احتمال تم عقد صفقة روسية تركية قضت بخروج المقاتلين من حلب مقابل التزام موسكو الحياد من توغل تركيا في سوريا وما تبعها من اتفاق ثلاثي، إلا ان المشكلة الكردية ستبقى أحد العوامل التي تهدد الهدنة والتسويات، لاسيما في حال دعم الولايات لهم، ولكن سيطرة تركيا وقوى سوريا الديمقراطية على الرقة قد يجعله يذهب إلى الصف الثاني مما سيضعف الدعم الأمريكي لصالح الحليفة الرئيسية تركيا.

وبالتالي فإن اتفاق الهدنة ما زال غامضا وهشا، ولكن هناك عوامل عديدة تهيئ المناخ المناسب لتنفيذه من أجل التغلب على الصعوبات والحيلولة دون التصعيد الذي ينطوي على عواقب وخيمة على سوريا وعموم المنطقة.

القدس العربي

 

 

ما الذي تتأمله تركيا من الهدنة وما هي آفاقها؟/ محمد زاهد غول

من بداية الاحتجاجات الشعبية في سوريا وتركيا تأمل ان لا تتحول إلى صراع مسلح، ولكن بشار الأسد وبدعم من إيران وروسيا اختار القمع الهمجي المسلح منذ الشهر الأول عام 2011. وبعد فشل الخيار القمعي لشبيحة الأسد تدخلت إيران عسكريا من بداية عام 2013 بعد إفشالها لمؤتمر جنيف1. وبعد أربع سنوات من إدخال إيران جيشها وحرسها الثوري وميليشياتها الطائفية من حزب الله اللبناني والعراقي والأفغاني أدركت عجزها عن الحسم العسكري فاستدعت القيادة الروسية للقتال في سوريا، بحجة أنه ينقصها الغطاء الجوي لحسم المعارك على الأرض، وانها خلال أربعة أشهر تستطيع بقواتها الميدانية إنهاء ثورة الشعب السوري، ومن ثم فرض حل سياسي تشارك فيه روسيا، فاستجابت روسيا لدعوة قاسم سليماني بتاريخ 30/9/2015، ولكنها أدركت هذه الخديعة بعد مرور سنة من تدخلها العسكري الوحشي، وأدركت أيضا أنها لن تستطيع الحسم العسكري في سوريا، وبتحالفها مع إيران لن تستطيع الحسم السياسي أيضاً، لأن الشعب السوري ينظر إلى إيران مثل نظرته إلى بشار الأسد وأسوأ منه، فبشار حاكم مستبد قاتل، وإيران دولة أجنبية محتلة وقاتلة، وبالتالي فإن إيران أصبحت عقبة في الحل وليست طرفا مشاركا فيه من وجهة نظر روسية أيضاً.

وحيث أن روسيا لم تأت إلى سوريا لخوض حرب طويلة الأمد، فإنها تحتاج إلى من يساعدها في الخروج من أزمتها في سوريا أولاً، وبحيث لا تخرج مهزومة ثانياً، بل وإظهارها دولة كبيرة تساهم في حل المشاكل العالقة، بحكم نظرة الرئيس بوتين في الانفتاح على قضايا الشرق الأوسط، ومحاولته لعب دور عالمي أكبر من ذي قبل، لذلك كان لا بد على بوتين ان يجري عملية دوران في سياسته في الشرق الأوسط وفي سوريا قبل غيرها، تبدأ بالاستقلال عن الدور الأمريكي دون الاصطدام معه أولاً، بعد أن فقد ثقته بكل الاتفاقيات السابقة مع أمريكا بشأن سوريا، كما أعلن هو من قبل، وأن تبدأ روسيا بالتعاون مع الأطراف الدولية الأخرى المعنية بالأزمة السورية وفي مقدمتها تركيا والدول العربية المعنية، البحث عن حل جدي في سوريا. فاستغل بوتين الاختلاف التركي الأمريكي بعد الانقلاب الفاشل في تركيا بتاريخ 15تموز/يوليو الماضي وبالأخص ان روسيا ضد وصول حركة غولن إلى السلطة، فجاء التقارب أو التحالف التركي الروسي الجديد كضرورة لمعالجة أخطاء أمريكا في تركيا وسوريا والعراق وغيرها، وهذا التقارب وإن لم يكن بهدف معاداة أمريكا، ولكنه ضرورة لوقف مشاريعها التي تثير المشاكل في المنطقة، وفي مقدمتها في سوريا حيث تسعى أمريكا لخلق أسباب التقسيم السياسي الفدرالي أو غيره في الحل السياسي للأزمة السورية، وهذا يعرض الأمن القومي العربي والتركي والعالمي للخطر، لأن التقسيم سوف يمد في عمر الأزمة السورية لعقود مقبلة، وليس لسنوات فقط، وهذا ليس في مصلحة العرب ولا الأتراك ولا الروس، وكذلك ليس في مصلحة الإيرانيين ولكنهم أي القيادة الإيرانية الحالية قد يكونون مضطرين إليها إذا رفضوا الاعتراف بخطأ تدخلهم بالشأن السوري، خشية انعكاس ذلك على استقرار الأوضاع داخل إيران وليس في محورها الطائفي في المنطقة فقط، فهزيمة إيران في سوريا تعني هزيمة حكم الملالي في طهران.

هدنة جديدة وجديدة

لذلك فإن تركيا تأمل من الهدنة الحالية الكثير، وإلا فإنها سوف تبحث عن هدنة جديدة وجديدة، فليس أمام تركيا إمكانية ترك المنطقة للاشتعال أكثر من ذلك، وقد دخلت تداعيات الأزمة السورية الأراضي التركية، وكان آخرها تفجير الملهى الليلي في رأس السنة، فتنظيم «الدولة» المتهم الأكبر بالتفجير هو نتاج التخطيط الإرهابي لبشار الأسد لإشعال المنطقة بالحروب الأهلية، بعد ان رفضت الدول العربية وتركيا الدخول في حروب طائفية رسمياً، فصنع محور إيران الطائفي نقيضه الطائفي لتبرير قتله وتدميره لسوريا والعراق، بل ذهب فيهم التفكير الاجرامي لتنفيذ أعمال إرهابية في أوروبا لإثارة الرأي العام الدولي ضد المسلمين السنة، بافتراء أن الإرهاب العالمي هو إرهاب إسلامي سني، وان المحور الإيراني شريك للمجتمع الدولي في مواجهة الإرهاب، وتم تسويق بشار الأسد مرات عديدة على أساس هذه الأكذوبة الكبرى، فهو صانع الإرهاب في سوريا ولبنان والعراق، ونوري المالكي شريكه كان قد اتهم الأسد بدعم الإرهابيين في العراق، وتقدم بشكوى ضده في مجلس الأمن الدولي قبل سنوات.

لذلك فإن تركيا تؤيد الجهود الروسية لإبعاد إيران عن الحل السياسي أولاً، وتؤيد فرض عقوبات على الجهات التي تنقض وقف إطلاق النار ثانياً، وتؤيد المعارضة السورية المسلحة باحترام الهدنة بما لا يهددها بالخطر أو الاعتداء ثالثاً، وتعمل تركيا مع روسيا لإنجاح مؤتمر أستانا في كازخستان في23 من الشهر الحالي، سواء عارضته إيران أو أيدته، وسواء كانت جهود أمريكا صادقة أو كاذبة في انجاحه، فالخيار السياسي التركي دعم كل من يتولى حل الصراع في سوريا بجدية وحزم، لأن التهديدات الإرهابية التي تضرب الأراضي التركية سببها الرئيسي ما وفرته قوات بشار الأسد ونوري المالكي من ظروف استفزازية لظهور تنظيم «الدولة» واخواته، وما تسليم قوات الأسد منطقة تدمر للتنظيم قبل أسابيع إلا دليلا على التعاون الوثيق بينهما، بعد ان أضاعت القوات الروسية جهودا كبيرة لإخراجه منها قبل أشهر، فبشار الأسد وإيران على اتم الاستعداد للعـمــل ضــد أمن الــقــوات الروسية في ســـوريا إذا تعرضت مصالحهم للخطر، فهم يريدون من روسيا أن تقوم بوظيفة الشبيح الدولي لخدمتهم فقط، وليس دور الراعي أو الضامن الدولي لحل سلمي.

لذلك تعمل الحكومة الروسية على مشاركة الحكومة الإيرانية بالتحضير لمؤتمر استانا، حتى تلزمها بتنفيذ ما يتم التوصل إليه من اتفاقيات أمنية وسياسية، وقالت وزارة الدفاع الروسية إن الاتفاق مع المعارضة السورية حول الهدنة والتحضير لمفاوضات السلام في أستانا تم بشكل مشترك مع تركيا وإيران دون مشاركة الولايات المتحدة، بينما وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال إنه بحث مع نظيره الروسي سيرغي لافروف مسألة مشاركة واشنطن في محادثات أستانا المقررة، مبينا أن هذا الاجتماع المرتقب لا يهدف إلى إبعاد أو تهميش دور أحد.

ولإنجاح الهدنة فإن تركيا تعمل مع روسيا لفرض عقوبات على من ينتهك وقف إطلاق النار في سوريا، وقد حذر وزير خارجيتها من أن تزايد الانتهاكات المكررة لوقف النار يهدد بتقويض مفاوضات أستانا، بعد أن تلقت الحكومة التركية تحذيرات من وفد المعارضة السورية المسلحة بأنها لن تذهب إلى أستانا ما لم يتوقف إطلاق النار من قوات الأسد وميليشيات إيران، وبالأخص من حزب الله اللبناني، الذي يستشعر الخطر من نتائج الهدنة والدخول في حل سلمي جدي، يطالب كافة الميليشيات الأجنبية بالخروج من سوريا، ولذلك سارعت إيران برفض خروج حزب الله اللبناني من سوريا حتى ضمن الحل السلمي المقبل، وكأن إيران هي صاحبة القرار في بقاء حزب الله اللبناني في سوريا كما ذهب علي اكبر ولايتي، ولرفع الحرج عن إيران بعد تصريح ولايتي خرج مستشار الأمن القومي الإيراني بروجردي ليقول ان القوات التي دخلت بطلب من الحكومة السورية لا تخرج إلا بطلب من الحكومة السورية وليس وفق قرارات اتفاق أستانا أو جنيف.

ولإنجاح الهدنة فقط قامت الحكومة التركية والروسية بانشاء مركزي مراقبة أحدهما في تركيا والآخر في قاعدة حميميم الروسية في سوريا لمتابعة الالتزام باتفاقية وقف النار وتدفق المساعدات الإنسانية، وعلى العموم فإن السياسة التركية ترحب بالجهود الروسية التي تنقذ سوريا وتركيا وروسيا، وتنجي الشعب السوري من جرائم الحروب الطائفية، سواء كان ذلك خطة روسية خاصة بسوريا أو ضمن خطة روسية تنفتح فيها روسيا على قضايا الشرق الأوسط كلها، فتركيا تؤيد السياسات التي لا تعرض الأمن القومي التركي للخطر، والتي فيها منافع اقتصادية للشعب التركي أيضاً، ولا تعمل لإقامة محاور دولية ضد أي دولة في العالم طالما لم تعمل هي ضدها.

إن الآمال التركية هي آفاق إيجابية لحل سياسي للأزمة السورية، تنبعث من الهدنة الحالية أولاً، ولكنها غير مضمونة لصعوبة تراجع إيران عن سياستها التوسعية في وقت قريب، بالرغم مما وجدته من سد منيع يرفض تواجدها في سوريا والعراق واليمن وغيرها، فكيف لو فكرت بالتمدد إلى حيث لا يوجد لها تواجد شيعي تستثمره في دعايتها المذهبية ومقولات الاستضعاف وحقوق الشعوب والمقاومة، وروسيا أصبحت تدرك ذلك، وأن إيران لا يمكن ان تنجح في مشروع توسعها المذهبي، وبالتالي فإن روسيا لن تراهن على حصان خاسر، وإن كانت لا تسعى للاصطدام معه إلا مضطرة أيضاً، وهذا يفرض مسؤولية أكبر على الـــدول والأحزاب والشعوب العربية أن تواكب الــحــدث الذي يدفع عنها مخاطر الحروب الأهلية، وفي الأخــص في الـــدول الخليجية، ليتخذوا القرارات الصحيحة دون الالتفات إلى مؤامرات ومناكفات الدول الكبرى فيما بينهم، وإنما النظر فقط إلى مصالح شعوبهم.

القدس العربي

 

 

هدنة حلب نهاية لخرافة ضرورة التدخل الأمريكي لحل الأزمات الدولية:  إدارة أوباما تزعم انها تدعم ولا تنافس هدنة حلب/ رائد صالحة

واشنطن ـ «القدس العربي»: أنشغل الوسط الإعلامي الأمريكي خلال الاسبوع الماضي بدور روسي مفترض بشأن قرصنة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية إضافة إلى الحفنة الجديدة من العقوبات التي فرضها باراك أوباما ضد موسكو ردا على ذلك ولكن رادار وسائل الإعلام لم يغفل نتائج اجتماعات وزراء خارجية كل من تركيا وروسيا وإيران في الشهر الماضي والتي تمخضت عن وقف اطلاق النار في سوريا بعد ما يقارب من ست سنوات من الحرب الرهيبة في البلاد.

الأمر المهم حول وقف إطلاق النار هذا بالتحديد هو انه كان بدون مشاركة أو اقرار أو تخطيط من الولايات المتحدة، وفي الواقع، حرصت موسكو وطهران بالذات على انجاح الهدنة وسط احباط هذه الأطراف من رفض واشنطن الفصل بين الجماعات المعتدلة والمتطرفة في حلب والاصرار على تغيير النظام السوري، وقد روج التيار المحافظ ودعاة «التدخل الإنساني» في واشنطن لفكرة ان الولايات المتحدة يجب ان تلعب دورا مركزيا في كل أزمات العالم بحجة انه «لا غنى عن أمريكا» وان العالم سينهار بدون تدخل الولايات المتحدة.

الاتفاقية الأخيرة بشأن حلب، بغض النظر عن المواقف السياسية والأخلاقية للأطراف المشاركة فيها برهنت على ان فكرة «ضرورة التدخل الأمريكي» هي فكرة غير سليمة، ويمكن الخروج بهذا الاستنتاج إذا تمعنا جيدا في الصراع العربي ـ الإسرائيلي حيث زاد تدخل الإدارات الأمريكية المتعاقبة القضية تعقيدا وكذلك قضية النزاع بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.

ووفقا لوجهة نظر المرشح الأمريكي الأسبق ران بول، فان أهداف اهتمام البيت الأبيض ووسائل الإعلام الأمريكي بشأن اتهامات القرصنة الروسية في الانتخابات الرئاسية تنحصر في محاولة صرف النظر بشكل يائس من بداية نهاية الكابوس السوري، وعلى حد تعبير بول فان واشنطن لا تريد اخبار الأمريكيين ان العالم يمكن ان يحل مشاكله بدون تدخل الشرطي الأمريكي أو الحاجة إلى مشاركة الولايات المتحدة للأزمات التي ينبغي حلها في الخارج.

لا يمكن النظر إلى الهدنة في حلب كحدث اعتيادي بالنسبة إلى صناع القرار في واشنطن، فسقوط المدينة بأيدي النظام كارثة لقوات المعارضة المعتدلة الموالية للولايات المتحدة ونكسة استراتيجية لإدارة أوباما. الفشل الأمريكي في سوريا بدا يتضح منذ شهر أيلول/سبتمبر من عام 2015 عندما كثفت روسيا جهودها العسكرية في الحرب السورية لإنقاذ الأسد.

سقوط حلب في أيدي الجيش الحكومي المدعوم من روسيا وإيران والميليشيات يعني، أيضا، وفقا لتحليلات استخبارية سقوط بناية كاملة من المواقف التي تدعمها الولايات المتحدة في سوريا وخاصة في منطقة الشمال بما في ذلك دعم الجماعات المحلية، وإدارة أوباما تدرك ذلك جيدا، وهي تعلم، أيضا، ان خياراتها محدودة في مواجهة هذا السقوط المريع لذا جاء النداء اليائس من وزير الخارجية جون كيري ان «الولايات المتحدة لن تسمح بسرايفو ثانية» في إشارة إلى المذابح الصربية في البوسنة.

تناول كيري في خطاب وداعي، الخميس الماضي، السياسة الخارجية لإدارة أوباما، وفي طبيعة الحال، لم يتفاخر في أي انجازات أمريكية في الشأن السوري، فهي معدومة بل حاول توضيح الرؤية الأمريكية للأزمة الدموية هناك حيث قال ان المسار الدبلوماسي هو السبيل الوحيد للخروج من الوضع المأساوي في سوريا، مضيفا ان الصراع السوري يعد واحدا من أكثر الصراعات تعقيدا في التاريخ الحديث كما نتج عنه أسوء كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية.

وأوضح كيري ان الأمر الحاسم الواضح بعد أكثر من خمس سنوات من المأساة هو انه لا نهاية إلا بحل سياسي يوقف العنف ويوحد البلاد ويجلب السلام، وعلى حد تعبيره فان الاستراتيجيات العسكرية التي ينفذها النظام السوري وأنصاره في موسكو وطهران ستطيل فقط أمد الحرب وستولد المزيد من المتطرفين وتؤجج القتال.

وحرص كيري في تصريح يلخص الموقف الأمريكي من هدنة حلب على التأكيد ان الولايات المتحدة ستستمر في دعم الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى وقف للأعمال العدائية والانتقال إلى حكومة قادرة على توحيد الشعب السوري، مؤكدا على ان الولايات المتحدة لا تنافس بل تدعم الجهود الروسية والإيرانية والتركية لوقف القتال كما أشار إلى انه أجرى مكلمات هاتفية مع الوزير لافروف بشأن ما قد يحدث من أجل الوصول إلى جنيف والتوصل إلى مفاوضات حقيقية يدعمها المجتمع الدولي.

في الواقع، تجول كيري كثيرا بين العواصم في محاولات متكررة للعثور على حل سياسي للأزمة السورية ولكن الرحلات المكوكية انتهت بدون نتائج، والتنسيق مع الروس وصل إلى طريق مسدود فما هي النصيحة التي يمكن ان يقدمها كيري إلى وزير الخارجية الأمريكي القادم في إدارة ترامب فيما يتعلق بسوريا؟ كيري رفض الاجابة قائلا بانه سينقل النصيحة بشكل شخص وليس عبر وسائل الاعلام

من السخرية الاعتقاد بان كيري سيقدم نصيحة صادقة إلى خليفته فيما يتعلق بالشأن السوري فإدارة أوباما ليست لديها رغبة وفقا لتحليلات استخبارية في ان يتوصل ترامب إلى تسوية مع بوتين بشأن الصراع السوري، وإدارة أوباما، لا ترغب بالتأكيد في ان ينجح الرئيس القادم في أزمة لم يتمكن أوباما من حلها على مدى أكثر من ست سنوات، وبوتين في دوره لا يتورع عن الاستفادة من انشغال واشنطن بالصراعات الداخلية على السلطة وسيحاول بناء العديد من المكاسب في سوريا قبل ان يتسلم دونالد ترامب مقاليد الأمور، وهنالك اعتقاد بان تهديدات أوباما بالانتقام من روسيا بسبب تدخلها في الانتخابات ستزيد من مشاعر الاستفزاز عند بوتين وستحفزه على الاستيلاء على مزيد من الأصول بشكل أسرع في سوريا.

 

 

 

 

إيران والأستانة: ثبّت العرش …ثم انقش/ نجاح محمد علي

بالنسبة لإيران يظل موقفها الذي كررته على لسان أكثر من مسؤول أنها لن تتخلى أبداً عن سوريا سواء نجح اجتماع أستانة أم لا، هو الذي يرسم ملامح علاقاتها الإقليمية والدولية في المرحلة المقبلة.

ولا أحد في إيران يمكنه التأكيد أن هذا الاجتماع سينتج في النهاية سلاماً نهائيا ويعيد الاستقرار إلى سوريا، لكن المهم بالنسبة لطهران الشعبية والرسمية، طهران المعتدلة أو المحافظة، طهران الرئيس حسن روحاني أو المرشد آية الله علي خامنئي، هو «أن يبقى التحالف بيننا وبين دمشق وبالتالي مع موسكو كما كان قبل استعادة حلب، وأن لا يتعرض تفاهم العواصم الثلاث إلى أي تشكيك قد يؤثر على أداء الأطراف الثلاثة خصوصاً الجانب السوري في أستانة، وما بعدها في جنيف وعموم مفاوضات الحل السياسي».

زيارات

بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار والتحضير لاجتماع أستانة، كان لافتاً أن طهران أوفدت إلى دمشق ثلاثة مبعوثين حملوا تأكيدات على ثبات موقفها من الأزمة السورية خصوصاً فيما يتعلق بمصير الرئيس بشار الأسد ودوره في العملية السياسية التي تعقب وقف إطلاق النار.

رسمياً أول من ذهب إلى دمشق، هو ممثل الحكومة الإيرانية نائب وزير الخارجية حسين جابر أنصاري الذي عقد لقاءات عمل مكثفة مع المسؤولين السوريين توجها بلقاء الأسد حيث نقل له رسالة واضحة من الرئيس روحاني مفادها أن حماية طهران له ولنظامه باقية وتتمدد، قبل أن ينتقل إلى بيروت للقاء أمين عام حزب الله حسن نصر الله، لتنسيق الشقين السياسي والعسكري لما بعد حلب، وقبل اجتماع أستانة.

البرلمان الإيراني من جهته كان حريصاً على ابلاغ رسالة مشابهة ليس فقط للأسد وإنما إلى كل من يعنيه الأمر في المنطقة والعالم، أن طهران مستعدة للقتال شعبوياً إلى جانب سوريا إلى ما لا نهاية، على غرار حربها الطويلة مع العراق في الثمانينيّات، وقد أشار إلى ذلك بوضوح رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان علاء الدين بروجردي بقوله للرئيس بشار عن حلب: «طهران اختبرت مثل هذه الظروف في أیام تحریر مدینة خرمشهر»(المحمرة).

وبينما كان بروجردي يلتقي الأسد يرافقه وفد برلماني ضم معتدلين وإصلاحيين ومحافظين، للدلالة عن وحدة الموقف الإيراني من أي تطور غير محسوب قد تشهده الأزمة السورية لاحقاً، كان المستشار الخاص بالشؤون الدولية علي أكبر ولايتي يطلق من طهران تصريحات لها أكثر من مغزى عن ثبات الدعم الإيراني «لسوريا وللمقاومة» حيث التقى ولايتي نائب الرئيس العراقي نوري المالكي، وهي إشارة أيضاً توضع في سياق «إيراني عراقي» واحد مع ما بحثه مستشار الأمن القومي العراقي رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض مع الأسد في دمشق التي زارها(بعد زيارة غير مسبوقة إلى موسكو) حاملاً رسالة شفهية له من رئيس الوزراء حيدر العبادي حول ما يمكن القيام به معاً في الحرب ضد الإرهاب.

وكان واضحاً في وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية اهتمامها بنقل تصريحات ولايتي ليس فقط كونه مستشاراً (المستشار في إيران منصب شرفي) بل لأنه رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه هاشمي رفسنجاني، لمنحها أهمية أكبر باعتبارها تمثل النظام أو هكذا ستكون في مجمع تشخيص مصلحة النظام، خصوصاً وأن تصريحات ولايتي شملت التأكيد على بقاء قوات حزب الله والقوات العراقية المساندة للجيش السوري في سوريا حتى بعد توقف الحرب.

في طهران أيضاً التي زارها في هذه الفترة نفسها، وزير الخارجية السوري وليد المعلم، ورئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك حيث تعدت المحادثات، التنسيق السياسي لاجتماع أستانة، لتركز أيضاً على كيفية دعم إيران للأمن الوطني السوري فيما لو حصل ما لم يكن في الحسبان، على صعيد تطور التحالفات الإقليمية الجديدة التي أفرزها واقع ما بعد حلب.

ثبّت العرش

بما أن اجتماع أستانة يهدف أساساً إلى تثبيت وقف إطلاق النار، كان لزاماً على طهران ودمشق تحديد الأولويات ميدانياً في إعادة انتشار القوات السورية والأخرى المساندة لها، والاسراع في تحقيق تقدم في «وادي بردى» حيث خزان المياه الرئيسي الذي تتزود منه دمشق، من قراءة «قانونية» لوقف إطلاق النار أن هذا التقدم الميداني، وأي عمل عسكري مشابه، لا يعد خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي قبلته الفصائل السورية.

وفِي شأن اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، فإن القراءة الإيرانية السورية له تنطلق من واقع أن القيادة السورية (هكذا ورد ذكرها في نصوص الاتفاق) أصدرت إعلانا تُعلن فيه وقف إطلاق النار من طرف واحد، وتُعلن فيه أنها ستقوم بتشكيل وفد إلى مفاوضات أستانة، وأن المعارضة أيدت هذا الإعلان بموجب اتفاقها مع تركيا وروسيا والتزمت بموجب هذه الاتفاقية بتشكيل وفد للمشاركة في المفاوضات، وهذا يعني بلغة القانون أن مصدر التزام القيادة السورية وبالتالي إيران وحزب الله وباقي القوات (العراقية) المساندة لها هو إرادتها المنفردة وليس التزام الطرف الآخر، لأنه لا يوجد وضع تعاقدي تتقابل فيه إرادة الطرفين، بل عمليتين قانونيتين واحدة تتعلق بالتزام القيادة السورية والذي تستطيع الرجوع عنه متى شاءت لأنها تمت بإرادتها المنفردة، والعملية الثانية هي اتفاق المعارضة مع روسيا وتركيا وهذه ملزمة لها بموجب تعاقدها مع تركيا وروسيا وليس مع القيادة السورية.

من هذا الفهم استمرت محاولات قوات الجيش السوري والقوات المساندة لها التقدم في «وادي بردى» بمساندة غطاء انقاذ خمسة ملايين مدني هم سكان العاصمة، يعانون من انقطاع مياه الشرب.

مخاوف في إيران

أما طهران غير الرسمية التي تمثلها وسائل الإعلام، فهي لا تجمع مثل ما تحاول القيادات الرسمية (الحكومة والبرلمان) إظهاره «أن التقارب بين موسكو وطهران وأنقرة مصيري في سوريا». فقد أبرز عدد من المحللين الإيرانيين في شأن خيارات طهران في مرحلة ما بعد حلب، تخوفهم من انفراد روسيا بمفاتيح الحل للأزمة السورية ضمن تحالفات جديدة تجري في المنطقة بعد التقارب بين موسكو وأنقرة، حيث أشار تقرير موقع «إيران ديبلوماسي» المستقل تماماً عن الخارجية الإيرانية بعكس ما يشاع عنه، إلى أن «روسيا يمكنها التخلي عن تحالفها مع إيران بسهولة، إذا ضمنت مصالحها في صفقة تسوية للأزمة السورية».

وذكر التقرير الذي يعكس في الغالب وجهة نظر إصلاحيين معترضين من مؤيدي الزعيم الاصلاحي قيد الإقامة الجبرية مير حسين موسوي، أن «الاعتماد والثقة بروسيا أحد الخيارات المحدودة بالنسبة لطهران، لكن التشكيك بالنوايا الروسية ما زال قائمًا بالنسبة للمسؤولين الإيرانيين».

وجاء في التقرير أنه «بعد تحرير حلب السورية في ظل تعاون عسكري بين روسيا وإيران، أصبحت موسكو تنفرد بالقرارات بعيداً عن توجّهات طهران».

كذلك اعتبر الباحث والمحلل السياسي الإيراني في شؤون الشرق الأوسط صادق ملكي، أن «انضمام موسكو إلى لاعب قوي ومؤثر في أزمات الشرق الأوسط (تركيا) عمل على تعقيد الأمور، وهي على خلاف التوجهات والحسابات التي تضعها طهران».

وقال ملكي في حديث للموقع نفسه إن «موســكو عازمة على دعوة السعودية لحضور أي اجتماع أو قمة تتعلق بتسوية الأزمة السورية، وهذا خلاف التوجهات الإيرانية». ولفت إلى أنه «ليس أمام إيران إلا الصبر في استمرار علاقاتها مع موسكو، من خلال النظر إلى الأداء الإجمالي للروس والنتائج النهائية للأزمة السورية».

وأنهى ملكي حديثه بقوله «إن هناك أسئلة تدور في ذهن المسؤولين الإيرانيين منها، هل روسيا حليف يمكن الاعتماد عليه في وقت الأزمات، وماذا تريد موسكو من الشرق الأوسط، في ظل وجود ظروف دولية تدفع روسيا للتخلي عن حلفائها الإقليميين؟».

مراهنات طهران

في المقابل تراهن طهران على ما تم في الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية إيران وروسيا وتركيا الذي عقد في العشرين من الشهر الماضي في موسكو وتم فيه وضع خريطة طريق إجمالية لوقف القتال، وإطلاق عملية سياسية يشارك فيها الرئيس السوري بشار الأسد.

كما تراهن على علاقاتها القوية مع أنقرة وأنها لعبت دور الوسيط في إعادة العلاقات مجدداً وتحسينها بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، في إطار اقتراح تركي يقوم على لعب أنقرة لدور مماثل لإعادة العلاقات وتحسينها بين طهران والرياض.

ويلفت عارفون إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لأنقرة الجمعة 12 آب/أغسطس الماضي والتي تم خلالها إعلان التنسيق الكامل والتعاون بين تركيا وإيران بشأن الوضع في سوريا، وقبله اجتماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سان بطرسبرغ بعد أشهر من التوتر، وما نجم عنه من حزمة قرارات تعاون تخص سوريا إلى حد كبير تمهيداً لإطلاق تحالف تركي – روسي – إيراني إلى الواجهة، ليقولوا إن طهران كانت الداينمو في كل ذلك.

وكانت أوساط روسية قد روجت لاحتمال قيام مثل هذا التحالف عقب اتصال الرئيس الإيراني حسن روحاني بنظيره التركي في 18 تموز/يوليو الماضي، أعرب خلاله الرئيس أردوغان عن التطلع إلى التعاون والتنسيق مع إيران بشأن الوضع في سوريا.

وفِي 28 أيلول/سبتمبر المنصرم أيضاً كانت وزارة الخارجية الإيرانية أعلنت عن اتفاق إيراني تركي على «التعاون» من أجل إنهاء الأزمة في سوريا وإرسال المساعدات الإنسانية إليها وذلك إثر زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الثانية إلى أنقرة. ووصفت الخارجية الإيرانية الاتفاق بين طهران وتركيا بأنه «يعد إنجازاً هاماً» لزيارة ظريف القصيرة لأنقرة.

لكنْ… تلك كانت حسابات الحقل، فماذا ستكون عليه حسابات البيدر لإيران؟

ينقل مقربون عن وزير الخارجية ظريف قوله في اجتماع خاص: «ثبت العش … ثم انقش» وكأنه يقول إن كل ما حققه وسيحققه بوتين من إنجاز سياسي وقبله عسكري في سوريا، لم يكن ليتم لولا الذراع الإيرانية والحلفاء «حزب الله وعصائب أهل الحق وحزب الله النجباء وباقي الفصائل العراقية، والأفغانية المساندة». وفِي هذا السياق ربما تأتي تصريحات نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس حول التعاون مع روسيا، موضحاً أن أحد أهداف زيارة رئيس الهيئة (فالح الفياض) إلى روسيا هي للتفاهم حول تسليح الحشد، والتعاون مع روسيا، وذلك بعد أيام من إعلان وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري رغبة العراق الانضمام إلى التحالف التركي الإيراني الروسي، وسلسلة تطورات إقليمية منها زيارة رئيس الوزراء التركي علي بن يلدريم إلى بغداد، وانضمام حليف تركيا في معركة الموصل أثيل النجيفي رسمياً إلى الحشد الشعبي.

القدس العربي

 

 

الطريق إلى أستانة: الترويكا الجديدة تريد تقاسم النفوذ على حساب «الثورة”/ إبراهيم درويش

في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي وبعد هجوم جوي وبري شرس على الجزء الشرقي من مدينة حلب، أعلنت روسيا أن المدينة أصبحت تحت سيطرة النظام السوري. وكان خروج القوات المعارضة منها والتي سيطرت عليها منذ عام 2012 وما أعقب ذلك من إجلاء آلاف المقاتلين والمدنيين عن المدينة التي أصبحت غير صالحة للعيش نقطة تحول في الحرب الأهلية السورية التي مضى عليها ستة أعوام تقريبا. ولا نزال نعيش صدمة ما بعد حلب والترتيبات التي انتجتها من تقارب بين روسيا وتركيا وغياب الولايات المتحدة القوة الأعظم في العالم عن ترتيبات وقف إطلاق النار التي أشرف عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان. وأسفرت المعركة النهائية في حلب وهزيمة المعارضة عن تقوية بشار الأسد الذي كان مصيره عائقا من معوقات السلام. ففي الوقت الذي توقفت الولايات المتحدة عن المطالبة برحيله أعرب بعض حلفاء أوروبا عن قبولهم به كأمر واقع. وبالنسبة لتركيا التي تعيش تحديات أمنية وسياسية واقتصادية فقد جمدت موقفها من رحيله أو ربطته بالمفاوضات وحركت بوصلتها شرقا مبتعدة عن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي لا تفتأ توجه النقد لها ورئيسها في ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير. ومن هنا اجتمع المسؤولون الروس والأتراك والإيرانيون في موسكو للتأكيد على وقف إطلاق النار ومحاولة إحياء العملية السلمية، حيث أعلن عن لقاء في أستانة عاصمة قازخستان في نهاية الشهر الحالي والطامح لجمع المعارضة والنظام السوري للتفاوض حول عملية انتقالية ودور للأسد ينتهي بالانتخابات. وبعيدا عن التصورات الغامضة لما سيجري في أستانة والوفود التي ستشارك، فالملاحظ أن مفاوضات السلام تجري بعيدا عن مظلة الأمم المتحدة التي رعت منذ بداية الأزمة سلسلة من عمليات السلام فيما عرف بجنيف1 وجنيف 2 وفشلت محاولاتها وكذا محاولات المبعوثين الدوليين من كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي والمبعوث الحالي ستينفان دي ميستورا.

حرب بلا نهاية

دائما ما ارتبطت المفاوضات بما يجري على الأرض. ولم تكن معركة حلب استثناء، ففي الوقت الذي عبر فيه حلفاء المعارضة في أوروبا عن رعبهم من مشاهد القتل والدمار واستهداف البنى التحتية في منطقة المعارضة إلا انهم لم يقدموا الدعم الكافي كي يحافظ المقاتلون على مواقعهم. وبالسياق نفسه أثبت حلفاء الأسد انهم لا يستطيعون حمايته في كل مكان. فوسط العملية التي قادتها ميليشيات شيعية والجيش التابع لنظام الأسد ودعمها الروس من الجو استغل تنظيم «الدولة» انشغال نظام دمشق بالمعركة وهاجم مدينة تدمر بعدما طرد منها قبل تسعة أشهر. فكما يقول جين ماري غوينو، مدير مجموعة الأزمات الدولية بمقال نشرته «فورين بوليسي» (5/1/2017) فقد نجحت استراتيجية الأسد بشل قوة الجماعات المعارضة له وتعزيز قوة الجماعات الجهادية. ومن هنا فالمعركة على حلب لم تنه الحرب ولا يعرف إن كانت الترويكا الجديدة في سوريا قادرة على تحقيق السلام. وهناك شك كبير في إمكانية وقف الحرب نظرا لتمترس النظام الذي يرى أن حلب هي جزء من معركة استعادة ما يطلق عليها «سوريا المفيدة» والتي تضم معظم التجمعات الحضرية الكبرى والطرق الرابطة بين دمشق والساحل. ولكن النظام لا يستطيع العيش بدون ما يقول فابريس بالونش، الباحث في معهد واشنطن بدون «سوريا غير المفيدة» (4/1/2017) والتي تحتوي على مصادر الثروة الطبيعية والنفطية للبلاد وأسهمت بضخ الملايين لخزينة «الدولة الإسلامية». وعليه فالمعركة على حلب وإن أنهب وجود المقاتلين فيها وحققت نصرا رمزيا للنظام فوق ركام مدينة تاريخية مهمة إلا أنها كشفت عن خلاف الأجندات لدى كل طرف من الأطراف. ونبدأ هنا بمن أصبح يملك الورقة السورية- موسكو.

روسيا وانسحاباتها الجزئية

وكعادته أعلن بوتين من جديد عن انسحاب أو تخفيض لقواته في سوريا، وقال أن»المهمة شبه اكتملت» وستبدأ عملية الإنسحاب برحيل حاملة الطائرات العجوز»أدميرال كوزتسوف» وعدد آخر من السفن الحربية. وانقسم الخبراء حول رحلة «أدميرال كوزنستوف» الصيف الماضي إلى البحر المتوسط وفيما أسهمت في المعارك العسكرية أم لا. وكان الرئيس الروسي قد أعلن عن تخفيض القوات في 29 كانون الأول (ديسمبر) الماضي بعد توقيع اتفاق وقف النار الهش مع الأتراك والذي استبعد من بنوده الجماعات الجهادية مثل تنظيم الدولة وفتح الشام (جبهة النصرة سابقا). كما وأعلن عن سحب للقوات و«مهمة اكتملت» في آذار (مارس) 2016 ليعود ويعزز من قواته بعد تكثف القتال من جديد. ويرى باتريك وينتور المحرر الدبلوماسي في «الغارديان» (6/1/2017) أن قرار بوتين هذه المرة ربما نبع من شعوره أن حليفه السوري قوي عسكريا وليس سياسيا فقط. كما أن سحب هذه البارجة لا يعني نهاية الوجود العسكري في سوريا، فلا يزال لدى موسكو قدرات دفاعية أخرى كنظامي صواريخ أس-300 و أس-400. وتدخلت روسيا رسميا في الحرب نهاية إيلول (سبتمبر) 2015 وساعدت على حرف ميزان الحرب لصالح الأسد. ولم يقتل من جنودها سوى 23 جنديا بشكل أثبت خطأ توقعات الولايات المتحدة ورئيسها باراك أوباما الذي حذر من مستنقع سوري للروس. وذكر المحللون الأمريكيون الحرب الأفغانية في ثمانينات القرن الماضي والتي أسهمت بتداعي المنظومة الشيوعية عام 1991. وبالضرورة لم يكن هدف بوتين البقاء الدائم في سوريا باستثناء حماية قاعدته البحرية في طرطوس ومساعدة الأسد بالإضافة لتأكيد القوة الروسية- عودتها إلى الشرق الأوسط- والتعامل مع الولايات المتحدة كند في قضايا المنطقة. وحقق في الوقت الحالي ما يريد، وهو بانتظار أن يحصد ثمار جهوده في الولايات المتحدة حيث أسهمت دعايته بوصول رئيس متعاطف مع روسيا ووعد بتطبيع العلاقات معها. ومهما يكن فقد كان هم الرئيس الروسي منصبا على استعادة حلب الشرقية قبل تنصيب الرئيس الأمريكي المقبل دونالد ترامب حيث ستتخذ السياسة الأمريكية منعطفا جديدا.

تركيا

وعليه منح التعاون مع تركيا بوتين فرصة للتخفف من العلاقة السورية والتركيز على ملف المفاوضات المقبل في أستانة. واستفاد أيضا من تطبيع العلاقات مع تركيا بعد عام من المواجهة والمقاطعة. وعلى ما يبدو يحتاج بوتين لتركيا في سوريا والعكس صحيح. فأنقرة اليوم منشغلة بالحفاظ على أمنها وحدودها من تقدم المقاتلين الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة وهي قلقة من العمليات الإرهابية شبه اليومية التي ينفذها تنظيم «الدولة» في شوارع مدنها وكان آخرها مجزرة نادي اسطنبول الليلي الذي قتل فيه مسلح 39 محتفلا من 14 جنسية ليلة رأس السنة الميلادية. وتقاتل القوات التركية اليوم داخل سوريا إلى جانب فصائل سورية معارضة فيما أطلقت عليها عملية «درع الفرات». وكما يرى سكوت باترسون من «كريستيان ساينس مونيتور» (5/1/2016) فالتقارب التركي- الروسي اليوم قد يترك أثره الجيوسياسي على عام 2017. وحذر من إمكانية أن يؤدي التقارب هذا إلى ابتعاد تركيا- عضو الناتو- عن حلفائها الغربيين والذين مثلت لهم في الماضي عماد الاستقرار. ويرى بولنت عليرزا، مدير برنامج تركيا في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية أن موقف العداء للولايات المتحدة في تركيا سمح بالتقارب بين البلدين، مضيفا أن حقيقة العلاقة تمثل انتصارا لروسيا في تركيا وفي المنطقة بشكل عام. ومع ذلك هناك من يرى أن هناك حدودا لما يمكن أن تثمر عنه العلاقة بين البلدين خاصة في ضوء التغيرات داخل واشنطن. فقد عبر ترامب عن رغبة بتخفيف مظاهر القلق التركي والدفع لترحيل رجل الدين فتح الله غولن المتهم بترتيب انقلاب 15/7/2016 أو وقف الدعم الأمريكي لأكراد سوريا، كما أن هناك عاملا آخر يشير إليه عليرزا ويتعلق بموقف ترامب من رؤية روسيا في سوريا وعليه يرى أن تركيا تريد التعاون مع الولايات المتحدة ولهذا «فهم بانتظار ترامب». ويعتقد محللون أن استمرار التعاون التركي- الروسي حتى بعد مقتل السفير الروسي في أنقرة أندريه كارلوف الشهر الماضي يعني أن موسكو راغبة بالتأثير في تركيا ولكن الأخيرة بحاجة للناتو كما يقول هنري باركي، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد ويلسون. ويرى المحللون أن العلاقات التركية ـ الأمريكية تمر بأسوأ مراحلها منذ نهاية الحرب الباردة بما فيها عام 2003 عندما رفضت السماح باستخدام أراضيها لغزو العراق، ولكن كما يقول عليرزا «إن العلاقات التركية ـ الأمريكية لها جذورها مقابل العداء المتجذر مع روسيا» وإن تحول تركيا نحو الناتو جاء بسبب محاولات ستالين الهجوم على تركيا أثناء الحرب العالمية الثانية. وتظل المواقف التركية مرتبطة بالسياسة الأمريكية في سوريا، والتي قوت الأكراد على حساب حليفتها التقليدية. وهو ما دعا الرئيس التركي للقول العام الماضي إن على الولايات المتحدة الإختيار بين حليفتها ـ تركيا أو الإرهابيين- الأكراد.

إيران

وبعيدا عن مظاهر القلق الأمريكية، فالتعاون التركي مع روسيا في سوريا ودور أنقرة البارز لا يروق للإيرانيين الذين لديهم أجندات خاصة غير الحفاظ على الأسد في السلطة. فهم يريدون تأمين منطقة خالية من السنة أو «الممر الشيعي» في مناطق سيطرة النظام. ومن هنا ردت الحكومة الإيرانية بغضب على مطالب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو رحيل حزب الله عن سوريا باعتباره قوة أجنبية. وتشي تصريحات المسؤول التركي أن التعاون الأخير لا يعني اتفاقا كاملا في المبادئ حول مسار الحل في سوريا. وأعلن أوغلو أن تركيا ستكون ضامنة لالتزام المعارضة بوقف إطلاق النار فيما ستتأكد روسيا من التزام النظام وستراقب إيران الميليشيات الشيعية. وتشي الردود الإيرانية وحزب الله بعدم الرضى من المطالب التركية برحيل المقاتلين الأجانب الشيعة. خاصة أن إيران تعتمد عليها لتطبيق أجندتها السورية. فهي وإن التقت في بعض المصالح مع روسيا منذ بداية الأزمة إلا أنها تعتقد ان طريقة الحل يجب أن تكون عسكرية لا سياسية وهو الطريق لإنشاء «الهلال الشيعي» الذي تعمل عليه. ولهذا بادر حزب الله لفتح جبهة قرب دمشق في وادي بردى حيث أدى حصاره للمنطقة إلى قطع المياه عن دمشق والتسبب بمعاناة أهل العاصمة كما أظهر تقرير لصحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» (4/1/2017) ويتعرض الوادي لحصار منذ تموز (يوليو) 2016 ونتيجة لهذا هددت عشرة فصائل بمقاطعة محادثات أستانة.

وترى حنين غدار من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى (6/1/2017) أن حزب الله يعمل جاهدا لتقوية سيطرته على المناطق المحيطة بالعاصمة لإنشاء مناطق خالية من السنة، بشكل يربط إيران مع لبنان عبر كل من العراق وسوريا. ويقتضي هذا تأمين دمشق كعاصمة للنظام العلوي وبقاء الأسد رئيسا. ويأمل الحزب تأمين المنطقة قبل بداية التفاوض على تقسيم سوريا. ولهذا يقوم بتجاوز وقف إطلاق النار بأي طريقة ممكنة. وتقول إن روسيا راغبة بنجاح مفاوضات إستانة إلا أن إيران لم تبذل الجهد الكافي بشكل يشير لتباين الأجندات وطبيعة التحالف المؤقت. فطهران ترغب بالضرورة بتقسيم سوريا بطريقة متحيزة للشيعة وضمان بقاء الجيش السوري والنظام ضعيفا بالطريقة نفسها التي حققتها في لبنان. وهو خلاف ما يسعى إليه بوتين، الحفاظ على مؤسسات الدولة قوية وبناء حل سياسي يقود إلى عملية نقل للسلطة بشكل يعطي روسيا النفوذ في المنطقة. وعلى العموم فستذهب كل الأطراف إلى أستانة مسلحة بأجنداتها إلا المعارضة السورية التي أصبحت بلا أصدقاء، فالساحة السورية مقسمة بين الترويكا الجديدة روسيا الساعية للنفوذ وإيران الساعية لتغيير ديموغرافي وتفريغ مناطق السنة وتركيا الساعية لمنع كيان كردي على حدودها. أما ترامب أمريكا فيريد «سحق» تنظيم «الدولة».

وتبقى السعودية التي لم يذكر الملك سلمان بن عبدالعزيز المسألة السورية في خطابه لمجلس الشورى، فلدى الممـــلكة ما يكفيها من حروب داخلية وخارجية كما حلل بروس ريدل من معهد بروكينغز في «المونيتور» (6/1/2017) وديفيد هيرست في «ميدل إيســـت آي» (4/1/2017) ومع ذلك يحــتـــاج بوتين لإقناع السعودية وقطر المشاركة في تسويته للأزمة السورية.

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى