صفحات مميزة

عن نتائج الانتخابات البرلمانية التركية –مجموعة مقالات وتحليلات-

أردوغان ليس سورياً/ عمر قدور

نام النازحون السوريون في تركيا ليلة الأول من تشرين الثاني- نوفمبر وبالهم مطمئن بعد فترة انتخابية عصيبة. هذه المرة لم يلاحقهم النحس في ملجئهم إذ استُخدمت قضيتهم في البازار الانتخابي، وأبدت أحزاب المعارضة نيتها في التضييق عليهم حال فوزها. السوريون لم يكونوا الوحيدين في حالة ترقب، فلا شكّ في أنها كانت الانتخابات التركية الأكثر ترقباً لنتائجها في محيطها الجغرافي. مَن راهنوا على سقوط حزب العدالة كثر في المحيط الإقليمي والدولي، ومن راهنوا على فوزه لم يتوقعوا حجم الفوز الذي تحقق. الانتخابات ونتائجها بعثا رسالة مفادها أن الداخل هو صاحب القرار في الديمقراطيات، وأن الضغوط الخارجية قد تؤثر إلى حد ما لكنها ليست الفيصل، حتى إذا كان الأتراك قد اختاروا عملياً تفويض حكومة مستقرة بدل الانزلاق إلى حكومة أقلية ضعيفة سيشكلها حزب العدالة أيضاً.

إنما، مع حفظ الأولوية للاعتبار الداخلي، لا يمكن تجاهل اعتبارات الأمن القومي المتصلة بالحدث السوري. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بعض معارضي سياسة أردوغان في سوريا، وبعض من يبدون تحمساً لبقاء بشار في السلطة، يفعلون ذلك على قاعدة عدم السماح لأكراد سوريا بالحصول على وضع مشابه لأكراد العراق فيما لو سقط النظام. الأمر يتعلق أولاً بحساسية تركية تجاه القضية الكردية عموماً، لا محبة بنظام الأسد، ولا باعتبارات أيديولوجية تخص إسلامية حزب العدالة فحسب كما يسوّق الترويج الإعلامي. ولا يخفى أن أداء حزب الشعوب الديمقراطي، إثر تحقيقه نسبة أعلى من المتوقع في الانتخابات السابقة، قد أعطى إشارة سلبية لم تشجع ناخبيه الأتراك على الاستمرار في دعمه. فالحزب سوّق لفوزه بوصفه فوزاً كردياً فقط في الداخل، وبوصفه فوزاً للمحور الإيراني خارجياً.

لا يخفى أيضاً أن فوز أردوغان الأخير يزعج بعض دول الخليج، بما فيها بعض داعمي المعارضة السورية، وقد دفعت فصائل المعارضة ثمن الخلاف في الملف المصري إثر انقلاب السيسي. ومن المؤكد أن الإزعاج يزداد بمقارنة الانتخابات التركية بنظيرتها المصرية، سواء من حيث الأداء الديمقراطي أو من حيث نسبة إقبال المواطنين على صناديق الاقتراع. من المنتظر أن يسوّق الإسلاميون هذه المقارنة لصالحهم، غير أن التسويق الأيديولوجي لا يحجب المقارنة الأصل بين الاستبداد والديمقراطية. الأهم من ذلك على الصعيد السياسي، أن كارهي أردوغان من محبي السيسي لا صلات جيدة لهم بالمعارضة التركية، وأفضل علاقات لهم بتركيا أتت في ظل حكم العدالة. وهم لا يملكون تصوراً بديلاً حتى في الشأن السوري فيما لو خسر حزب العدالة. مع الأسف تصورهم يقتصر على الثأر من أردوغان ليس إلا.

على صعيد الملف السوري، يصحّ القول أن لا تغيير جوهرياً سيطرأ على تعاطي حكومة حزب العدالة الجديدة. قد يكون الفوز حافزاً للتمسك بالموقف المعروف إزاء تنحية الأسد، من دون أن يملك هذا الموقف ديناميات قوية، ما لم يكن مشفوعاً بتنسيق إقليمي عريض يشمل السعودية في الدرجة الأولى. مثل هذا التنسيق قد يضغط على الروس وعلى إدارة أوباما من أجل تنشيط مسار الحل، بدل أن يضغط الروس وإدارة أوباما على كل دولة منفردة لفرض التفاهمات الروسية الأميركية. ومن المعلوم أن الروس وقوات النظام بدأوا باستهداف الشمال من أجل قطع خطوط الإمداد والسيطرة على الحدود التركية. إفشال المخطط الروسي بإحكام السيطرة على الحدود هو أهم استحقاق يواجه داعمي المعارضة الآن، لأن تحققه يعني ترجيح ميزان القوى نهائياً لصالح النظام وأرجحيته في أي حل مقبل.

بالطبع، أردوغان ليس سورياً، وللقاعدة الاقتصادية التي انتخبته مصالح ضخمة مع الجارين الروسي والإيراني، أي أن الشطط لن يبلغ به حد التضحية بمصالح تركيا. هذا ما ينبغي أن يأخذه في الحسبان أولئك الذين يعلّقون آمالاً ضخمة على فوزه. وينبغي التمييز بين العاملين الإنساني والسياسي، فالأول الذي يخص استضافة تركيا النازحين السوريين لا يعفي حكومة حزب العدالة من النقد على عموم أدائها السياسي، ومن ذلك الإستثمار في التنظيمات المتطرفة أسوة بقوى دولية وإقليمية أخرى. أما على صعيد الإمدادات العسكرية فيعلم الجميع أنها خاضعة لاعتبارات خارجية لا لمتطلبات الوضع السوري، ومن ذلك حسابات الحكومة التركية والشد والجذب بينها وبين القوى الإقليمية والدولية، ولعل الكثيرين يتذكرون كيف تم انتزاع مدينة كسب الحدودية من سيطرة النظام بدعم تركي، وكيف جرى الانسحاب الطوعي منها بطلب تركي أيضاً.

لقد منحت صناديق الاقتراع أردوغان النسبة الكافية ليحكم، لا ليتحكم، ويجوز القول بأن حزب العدالة فاز لكن الأردوغانية انهزمت. هذا هو المعنى العميق للحفاظ على الديمقراطية، وأيضاً عدم الخروج من الكمالية إلى معطف الأردوغانية. أيضاً هذا هو المعنى المطلوب تفهّمه في أوساط المعارضة السورية، سواء على سبيل الاستفادة من الدرس الديمقراطي، أو على سبيل وضع “زعامة” أردوغان في حجمها الواقعي وعدم انتظار الكثير منه. وإذا كان الاختلاف مفهوماً بين مؤيدي بشار والمعارضين حول حكم العدالة فإن ما يثير الشفقة الخلاف بين الوسطين العربي والكردي، لأنه بمثابة تطفل على القضية الكردية في تركيا من جماعات لا تملك بعد مصيرها في أرضها. وأن تعكس الانتخابات خسارة القوميين الأتراك والقوميين الأكراد معاً فهذا بمثابة الدرس الذي لا يبدو قوميو سوريا من أكرادها وعربها جاهزين للتعلم منه بعد.

المدن

 

 

 

 

تركيا: ماذا بعد كسب الرهان؟/ صبحي حديدي

ثلاثة اعتبارات رئيسية، بين أخرى عديدة أقلّ فاعلية، كانت وراء الانتصار المباغت الذي حققه «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات النيابية التركية الأخيرة: تبدّل انحيازات الشرائح المحافظة من المواطنين الأتراك الكرد، وتجريب أربعة أشهر من حال انعدام الاستقرار السياسي، والمناخات الإقليمية التي كانت على الدوام عوامل ضاغطة على خيارات الناخب التركي.

في الاعتبار الأوّل، تقول النتائج الفعلية للانتخابات أنّ 18 مقعداً، من أصل 21 خسرها «حزب الشعوب الديمقراطي»، ممثّل الكرد النيابي؛ ذهبت إلى «العدالة والتنمية»، بمعدّل بلغ 1،2 مليون ناخب. هذا يعني أنّ بضاعة التصويت، التي خسرها الحزب الثاني لصالح الحزب الأول في انتخابات حزيران (يونيو) الماضي، رُدّت إليه، ببساطة. بيد أنّ حجم هذا الاسترداد ليس عالياً بمعنى الأرقام، فحسب؛ بل هو باهظ الثمن سياسياً، ومعنوياً، بالنسبة إلى الفريقين معاً: ذاك الذي خسر، وهذا الذي ربح.

ثمة تفسير منطقي يقول إنّ العائدين إلى حاضنة «العدالة والتنمية» هم شرائح الكرد المحافظة، غير اليسارية، المؤمنة بالسلام الكردي ـ التركي، غير المنضوية تاريخياً في خيارات العمل المسلح؛ وغير المتعاطفة مع «حزب العمال الكردستاني» التركي PKK، استطراداً. وهذه الفئات جرّبت التصويت لـ«الشعوب الديمقراطي» في الانتخابات الماضية، لكنّ الحزب خيّب أملها على أكثر من صعيد: سياسياً، في الداخل، حين اختارت قيادة الحزب خطّ المعارضة المطلقة السلبية (التي أفضت إلى مقدار غير قليل من التخبط)؛ وأخلاقياً، وأمنياً أيضاً، حين أدانت، بلسان خجول متعثر، الأعمال الإرهابية التي نُسبت إلى الـ PKK؛ ثمّ إقليمياً، حين بدا الحزب أقرب إلى إيران و»حزب الله» في الملفّ السوري.

حول الاعتبار الثاني، كان واضحاً أنّ خسارة «العدالة والتنمية» الأغلبية المطلقة، تعني أيضاً العودة بالبلاد إلى طور انعدام الاستقرار، وبالتالي عجز الحكومات المتعاقبة عن تنفيذ أي برنامج تنموي وفق تخطيط طويل نسبياً؛ فضلاً عن شبح الانقلابات العسكرية الذي خيّم على تركيا وأقعدها طيلة سنوات. البديل في المقابل، أي حال الاستقرار، اتخذ صفة الانتعاش الاقتصادي، ثمّ الازدهار، وصولاً إلى بلوغ الاقتصاد التركي درجة عالية من الأداء العصري السليم الذي تبارى مع اقتصادات رأسمالية كبرى، في الغرب كما في آسيا. فهل كانت أربعة شهور، من غياب الاستقرار، كافية لكي يحزم المواطن التركي أمره، ويحنّ مجدداً إلى 13 سنة من الاستقرار؟ يبدو أنها كانت كذلك، بدليل ما قالته صناديق الاقتراع.

وأمّا الاعتبار الثالث، فإنّ ما نُسب إلى الـ PKK من سلسلة أعمال إرهابية، ثمّ ما لاقاه جمهور الكرد أنفسهم من أعمال إرهابية أخرى؛ لم تكن، هذه المرّة، ناجمة عن عناصر المشهد الداخلي التركي وحدها، بل نتاج مشهد إقليمي انفجاري، في العراق وسوريا أولاً، ليس في وسع تركيا أن تكون بمنأى عن عواقبه، أو أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء تطوراته التي تصيب مصالحها وتهدد أمنها القومي. والأرجح ـ اتكاءً على قراءة كهذه، بسيطة بدورها ـ أنّ الناخب التركي احتسب محاسن استقرار البلد في أوضاع كهذه، مقابل مساوئ انعدام الاستقرار، فكان طبيعياً أن ينحاز إلى الخيار الأول. وليست هجرة أعداد لا بأس بها من ناخبي المعارضة التركية، القومية والكمالية، إلى «العدالة والتنمية»؛ إلا البرهان على هذا التوجه.

وهكذا فإنّ رهان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي اتكأ أيضاً على الدور الخاصّ الذي لعبته شخصية زعيم «العدالة والتنمية» الحالي، أحمد داود أوغلو، أثمر هذا النجاح المباغت، غير المنتظَر. ويبقى أنّ ما سيفعله الناجح بنجاحه، ليس أدنى مشقة، أو أقلّ مخاطر، من كسب الرهان ذاته.

القدس العربي

 

 

 

 

العدالة والتنمية” فاجأ ذاته!/ عبد القادر عبد اللي

غاب مرشحو حزب “العدالة والتنمية” عن الساحة الإعلامية قبيل إعلان نتائج الإنتخابات البرلمانية التركية، التزاماً بالقانون لكي لا يخرق ظهورهم الصمت الانتخابي. لذلك لم نستطع رصد وجوههم لحظة البدء بإعلان النتائج الانتخابية، ولكن من وقع نظره على وجوه بعض المحللين السياسيين القريبين من “العدالة والتنمية” في تلك اللحظات، فقد شاهد تعبيرات يصعب وصفها. ولكن الوصف الأقرب هو الذهول لفترة طالت حتى بعد فتح أكثر من خمسين في المئة من الصناديق.

لقد كانت مفاجأة كبرى، ولم يصدقوا ما حدث. هل يمكن لحزب أن يحظى بزيادة تسع نقاط خلال بضعة أشهر؟ إنها حالة تشبه المستحيل. ولم تكن توقعات الرأي العام القريبة من حزب “العدالة والتنمية” تشير إلى غير هذا، فهي بغالبيتها تقول: “إما فوز بسيط على الحدود لحزب العدالة والتنمية، أو تحسين وضعه بنقطتين أو ثلاث!”. بالطبع هناك استطلاعات رأي نشرتها المعارضة التركية قالت إن حزب “العدالة والتنمية” لن يحصل على ثلاثين في المئة.

لقد اعتمدت الدعاية الانتخابية لأحزاب المعارضة التركية قبيل الانتخابات الماضية في 7 حزيران/يونيو، على كسر الحاجز النفسي الذي سيطر على الناخب في عموم تركيا، وهو إيمانه بعدم وجود بديل عن حزب “العدالة والتنمية”. وكان الأمل معقوداً على فشل هذا الحزب لتشكيل حكومة بمفرده، وتشكيل حكومة من أحزاب المعارضة مجتمعة، أو الذهاب إلى انتخابات الإعادة بعد كسر هذا الحاجز النفسي في حال عدم التمكن من تشكيل الحكومة. وقد نجحت استراتيجية المعارضة، ودخلت انتخابات الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، بضخ آمالٍ كبرى بأن حول نهاية “العدالة والتنمية”.

رافقت هذه الحالة النفسية توقعات رأي عام كانت بمجملها تعطي “العدالة والتنمية” نتيجة مشابهة لما حصل عليه في الدورة السابقة، مع تقدم كبير جداً لحزبي “الشعب الجمهوري” و”الحركة القومية”. وقد ذهب البعض إلى اعتبار الحكومة التركية التي ستظهر صباح 2 تشرين الثاني/نوفمبر هي حكومة ائتلافية من حزب “الشعب الجمهوري” و”الحركة القومية”. بل أن هناك من بحث عن سجن لرجب طيب أردوغان!.

في الطرف المقابل ظهرت استراتيجية حزب “العدالة والتنمية” بأنه يريد استهداف الكتلة القومية، وجذبها، وقد كانت أولى الخطوات هي ترشيح الزعيم القومي طغرول توركش على قوائم “العدالة والتنمية”. وعلى الرغم من محاولة “الحركة القومية” إظهار طغرول توركش بأنه مجرد فرد، ولكن الأمر لم يكن مقنعاً، فالرجل ابن مؤسس هذه الحركة، وكان نائباً لرئيسها الحالي وله جمهور واسع. وقد شهدت الأيام التي سبقت الانتخابات انشقاقات عديدة في “الحركة القومية”، وإعلان المنشقين انتسابهم إلى “العدالة والتنمية”. هناك رؤساء بلديات وأعضاء مجالس بلدية بين أولئك المنشقين عن “الحركة القومية” والمنتسبين إلى “العدالة والتنمية”، ولكن أعداد هؤلاء لم تتجاوز المئات. أي بما يمكن أن يضيفوا نقطة على الأكثر.

كانت قيادات “العدالة والتنمية” في تصريحاتها ومقابلاتها التلفزيونية تقول إنها ستفوز في الانتخابات، ولكنها لم تقدم أرقاماً تزيد عن 45 أو 46 في المئة من الأصوات، وهي الحد الأدنى لتشكيل الحكومة، لأنها تنعكس بـ50 في المئة زائد واحد، من المقاعد البرلمانية.

عند صدور النتائج أصيب العالم كله بالجمود. لم تكن هذه النتيجة متوقعة نهائياً، وحتى إن نائب رئيس “العدالة والتنمية” بولند أرينتش، لم يخفِ دهشته، وقال: “لم يحدث أن حسّن حزب سياسي وضعه بما يقارب العشر نقاط في فترة قصيرة كهذه”. بالطبع هي تسع نقط تقريباً، وهذه تعني زيادة بمقدار ربع الأصوات التي حصل عليها الحزب قبل خمسة شهور فقط، وفعلاً هي نسبة مذهلة.

لاشك أن ما حققه “العدالة والتنمية” هو نجاح مذهل، وقد ذُهل الناجحون أنفسهم بهذه النتيجة. ولكن ثمة حقيقة جلية وهي أن الدعاية ضد “العدالة والتنمية” قوية وغير مسبوقة، ووسائل الإعلام التركية على الرغم من كل ما يقال، فهي تعمل بغالبيتها ضد “العدالة والتنمية”. ولا يقف الأمر عند هذه الحدود، فكثير من وكالات الأنباء العالمية الكبرى مثل “وكالة الصحافة الفرنسية” و”رويترز” تخلت عن مهنيتها في الشأن التركي، ودفعت ببروبغاندا ضد “العدالة والتنمية”. فما الذي يجعل كل هذه الجهود تبوء بالفشل؟ الجواب على هذا السؤال بسيط، وهو كلمة واحدة: المعارضة.

دائماً تجد المعارضة التركية نفسها على حق، وتبحث عما يثبت أنها على حق. عندما سأل أحد الصحافيين رئيس حزب “الشعب الجمهوري” كمال قلتشدار أوغلو، تعليقاً على نتيجة الانتخابات: “هل ستستقيل؟” قال قلتشدار أوغلو: “لقد أعطانا الناخب التركي نقطة زيادة عما حصلنا عليه في السابع من حزيران، وهذا يشير إلى أنه اعتبر موقفنا صحيحاً، ويطالبنا بالاستمرار”.

تشير التصريحات التي قدمتها المعارضة التركية إبان ظهور نتائج الانتخابات إلى ثباتها على مواقفها، وهو بمعنى آخر اعتبار الفشل نجاحاً، ولكن هل يعتبر هذا الموقف واعياً؟ إذا كان “العدالة والتنمية” نفسه مذهولاً، وفوجئ بما حققه، أليس من الممكن أن تكون قيادات المعارضة التركية مازالت تحت تأثير هذه الصدمة والذهول؟ من الممكن ألا يتخلى رؤساء الأحزاب عن مواقعهم بسهولة، ولكن هل ستقبل قواعد هذه الأحزاب باستمرار الفشل إلى ما لانهاية؟ لابد أن يكون هناك ممتعضون من أداء أحزابهم، ما يدفعهم للضغط على قياداتهم لإجراء مراجعات، وتجديد هذه الأحزاب. السنة القادمة حبلى بتطورات سياسية داخلية كبرى، وهناك استحقاقات أمام المعارضة التركية، لأن شرط الديموقراطية هو وجود معارضة متوازنة تقدم انتقادات منطقية، وبدائل سياسية مقنعة، وألا تكتفي بالقول “لا”. وإن لم يتحقق هذا سيبقى حزب “العدالة والتنمية” حاكماً.

المدن

 

 

 

لماذا انتصر “العدالة والتنمية” في الانتخابات التركية؟/ عبدالله تركماني

كانت انتخابات 1 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أول انتخابات في عهد حزب العدالة والتنمية منذ سنة 2002، لا تُجرى في ظل وقف للنار أو هدنة بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، فبعد أن شكلت انتخابات السابع من يونيو/حزيران ضربة للأحلام الرئاسية لرجب طيب أردوغان، وضع الجميع أمام خيار الانتخابات المبكرة، وبدأت الحكاية الأصلية لكل التطورات التي شهدتها تركيا، حتى انتصار حزب العدالة والتنمية في انتخابات الأسبوع الماضي، وكان قد اعتبر نفسه خسر الانتخابات السابقة، بسبب تقدم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وتخطيه حاجز الـ 10%، ما حرمه (العدالة والتنمية) من أكثر من 60 نائباً كان يستولي عليهم مجاناً، طبقاً لدستور عام 1982 المعمول به، ما تعد “العتبة الانتخابية”، بحيث لا يستطيع الحزب الحاصل على أقل من 10 % من الأصوات دخول البرلمان.

ومن أجل ذلك، فُتحت معركة إضعاف الصوت الكردي، بإعلان الحرب على حزب العمال الكردستاني، بهدف تخويف الأكراد وتخلِّيهم عن دعم حزب الشعوب الديمقراطي، بل الرهان على ألا يتخطى الحزب عتبة الـ 10%. ولعل هذا اتهام مدروس من حزب العدالة والتنمية، هدفه التأثير على الرصيد السياسي والانتخابي للحزب، سواء في الأوساط التركية القومية واليسارية، أو في الأوساط الكردية الإسلامية التي صوتت في الانتخابات السابقة للحزب. وكذلك استقطاب تأييد بعض قواعد الحركة القومية التركية، باعتبار أنه المكافح للإرهاب والنزعة الانفصالية لحزب العمال الكردستاني وامتداده السياسي، حزب الشعوب الديمقراطي.

ولم يكتفِ حزب العدالة والتنمية، من جهته، بمراجعة الناخبين القوميين طريقة تصويتهم، بل بادر إلى مراجعة جذرية لحملته الانتخابية، مع التقليل قدر الإمكان من التصويب على الأحزاب المنافسة، والتركيز، في المقابل، على برنامجه الانتخابي، والحديث عما سيفعله، وليس ما فعله، خصوصاً فيما يتعلق بالشباب والمرأة، ودعم أصحاب المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، إضافة طبعاً إلى المضي في المشاريع العملاقة التي بدأها. كما استدرك البرنامج الانتخابي الجديد خطأ الإدارة السيئة للحملة الانتخابية السابقة في يونيو/حزيران التي بالغت في التركيز على تغيير النظام البرلماني، ليحل محله نظام رئاسي، وهو أمر لم يستسغه الناخب التركي، والذي تسبب في دعم قطاع واسع من الليبراليين الأتراك لـحزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات السابقة. كما أخذ بالاعتبار تطلعات الناخب التركي للاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي إلى جانب العيش بسلام وأمان.

واستفاد الحزب الحاكم من تدفق المسؤولين الأوروبيين على أنقرة، بما فيهم المستشارة الألمانية،

“البرلمان المقبل تعددي بامتياز، يعكس تنوّع التيارات السياسية في تركيا. ويستجيب لاختلاف المواطنين، وتباين توجهاتهم ومواقفهم” أنجيلا ميركل، لطلب المساعدة في قضية اللاجئين والتطورات في سورية بشكل عام، مع اتفاق مبدئي على مساعدة تركيا في تحمُّل أعباء اللاجئين، كما على تسهيل سفر المواطنين إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهي قضية كانت، وما زالت، جد مهمة ومؤثرة بالنسبة للشعب التركي.

وكان من نتيجة تكتيك حزب العدالة والتنمية أنّ الانتخابات الأخيرة شكلت مفاجأة كبيرة للمعارضة، حيث بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات نحو 85 %، وحصل حزب العدالة والتنمية على أكثر من 49% من الأصوات، و317 مقعداً من مجموع 550 مقعداً. أما الأحزاب الثلاثة الأخرى التي تمكنت من اجتياز عتبة الـ 10% فهي ” الشعب الجمهوري” و”الشعوب الديمقراطي” و”الحركة القومية”.

وهكذا، ظهر من النتائج أنّ البرلمان المقبل تعددي بامتياز، يعكس تنوّع التيارات السياسية في تركيا. ويستجيب لاختلاف المواطنين، وتباين توجهاتهم ومواقفهم. ففي البرلمان الجديد، تمثيل للعلمانيين وللإسلاميين والقوميين واليساريين وغيرهم، وفيه حضور لممثلين عن أعراق وديانات مختلفة، ما أسهم في تشكيل مجلس تشريعي يحظى بحاضنة شعبية واسعة. ويُنتج ذلك حالة من التوازن بين السلطة التنفيذية والمعارضة من ناحية، وحالة من الاستقرار السياسي الذي يرسل رسائل طمأنة إلى عموم المواطنين والمستثمرين والسياح المتجهين إلى تركيا.

وعند النظر في هذه النتائج، يمكن التوصل إلى استنتاجات مهمة: أولها، أنّ حزب العدالة والتنمية استعاد زمام المبادرة، إذ سيتمكن من حكم البلاد منفرداً، لكنه لم يحصل على الأغلبية الكافية التي تسمح له بتغيير الدستور لو أراد ذلك. وثانيها، أن النتائج شكلت ضربة كبيرة للأحزاب السياسية القومية التي فشلت في الحفاظ على الشعبية التي فازت بها في انتخابات الصيف الماضي. وثالثها، منح الناخبون رصيداً لـحزب العدالة والتنمية الذي يتعين عليه، بعد أن نال الدعم السياسي الضروري معالجة التحديات التي تواجه البلاد في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية.

ولا شك في أنّ هناك رصيد الحزب الحاكم الذي ما زال يجعل ثقة الناس كبيرة فيه، بما أنّ دخل المواطن التركي ارتفع في عهده من ثلاثة آلاف دولار إلى اثني عشر ألف دولار سنوياً، في عشر سنوات، كما أنّ تركيا باتت تُصنَّف في المرتبة السادسة عشرة من بين الدول الأكثر تقدماً في العالم. كما بيّنت الانتخابات نضج التجربة الديمقراطية في تركيا، والإسهام الفعال للمواطنين في بناء دولة جمهورية ذات برلمان تعددي، وبينت قدرة حزب محافظ، ذي مرجعية إسلامية، على الانخراط في مسار التنافس السلمي على السلطة، وفي مسار إدارة تجربة الحكم بنجاح. ويبقى هذا الأنموذج جديراً بالدراسة والاحتذاء من الإسلام السياسي العربي.

العربي الجديد

 

 

 

رسالة الانتخابات التركية المطمئنة والمُحرجة/ فهمى هويدى

مفاجآت الانتخابات التركية فرضت نفسها على الجميع، بحيث أثارت سيلاً من التساؤلات لدى البعض وقدراً لا يُستهان به من الإحراج لدى البعض الآخر.

(1)

الذي لا يقل أهمية عن فوز حزب «الحرية والعدالة» في تركيا بالأغلبية التي مكّنته من الانفراد بتشكيل الحكومة، أن نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع جاءت مدهشة وعميقة الدلالة. ذلك أنها تجاوزت 85 في المئة، الأمر الذي يعكس مدى حيوية العملية السياسية، وهو ما يسوّغ لنا أن نقول إنه إذا جاءت النتيجة معززة لمكانة وقوة الحزب الذي يحكم تركيا منذ 13 عاماً، فإنها أيضاً تطمئننا إلى قوة الحضور الذي يمثله المجتمع. صحيح أن النتيجة أبرزت عمق الانقسام في المجتمع التركي، لكن ذلك لا غضاضة فيه طالما اتفق الجميع على إدارة خلافاتهم بالوسائل الديموقراطية ومن خلال الاحتكام إلى صناديق الانتخابات.

لقد شارك في الانتخابات 16 حزباً من الناحية الرقمية والقانونية. لكن الصراع الحقيقي كان بين أربع قبائل سياسية الخلاف بينها على أشده. الأول حزب «العدالة والتنمية» المحافظ وأغلب قواعده تنتمي إلى الهوية الإسلامية. وقد حصل على 49,5 في المئة من مقاعد البرلمان في حين كانت حصته 41 في المئة فقط في انتخابات شهر حزيران الماضي. الثاني هو حزب «الشعب الجمهوري» الذي يضمّ خليطاً من العلمانيين واليساريين والليبراليين، وقد كان الحزب الوحيد في السلطة طوال 27 عاماً (من 1923 إلى 1950) ظل خلالها متحالفاً مع العسكر، وقد حافظ على نسبة تمثيله التي ظلت في حدود 25 في المئة. الحزب الثالث يميني يمثل «الحركة القومية» ويدعو إلى وحدة الشعوب التركية الممتدة إلى حدود الصين، وكان أكبر الخاسرين لأن حصته تراجعت من 16,5 إلى 12 في المئة. الحزب الرابع («الشعوب الديموقراطي») يعتمد على القواعد الكردية، وقد تراجعت نسبة التصويت له أيضاً بحيث وصلت إلى 10,5 في المئة في حيت تجاوزت تلك النسبة 13 في المئة بقليل في انتخابات حزيران الماضي.

الأرقام واضحة في ثبات موقف حزب «الشعب الجمهوري» الذي أسسه كمال أتاتورك، بسبب انتشار قواعده العلمانية واليسارية في المناطق الساحلية التي يغلب عليها الطابع الغربي. أما الحزبان الثالث والرابع فمن الواضح أن التصويت لهما كان عقابياً. ذلك أن الحزب «القومي» رفض المشاركة في الحكومة الائتلافية، وراهن على إفشال مشروعها بأمل أن يشارك في حكومة الأقلية. وكان لذلك صداه السلبي في أوساط الرأي العام، كما أن حزب «الشعوب الديموقراطي» ضعف موقفه بسبب الانشقاقات فيه، وبسبب خلافه مع «حزب العمال الكردستاني» الذي يقوده عبدالله أوجلان. كما أن حوادث العنف التي وقعت في البلاد واتهم بعض متطرفي الأكراد بالضلوع فيها، سحبت من رصيد شعبيته.

(2)

حين كان رؤساء أحزاب المعارضة يكيلون الاتهامات لحزب «العدالة والتنمية»، وينددون بممارسات وسياسات الرئيس رجب طيب أردوغان، فإن قيادة حزب «العدالة» لجأت إلى مخاطبة الناخبين الأتراك بلغة أخرى. إذ لم يكتفوا بالحديث عن المشروعات العملاقة التي تتعلق بتطلعات «تركيا الجديدة» في العام 2023 (ذكرى مرور مئة سنة على تأسيسه الجمهوري) أو مشروع مطار اسطنبول الجديد الذي سيكون ثالث مطار في العالم في ضخامته وجاهزيته، ولكنهم اقتربوا كثيراً من هموم الناس وأمورهم الحياتية. فقد تحدّث رئيس الحزب في جولاته عن صرف رواتب لكل المتخرجين من الجامعات (800 ليرة للفرد أي نحو 300 دولار) إلى أن يجد كل واحد منهم عملاً. ومن يريد أن يبدأ مشروعاً خاصاً، فإن الحكومة ستدعمه بمبلغ 50 ألف ليرة كهبة تشجيعية إضافة إلى قرض يعادل 100 ألف ليرة. وإذا ما عيّن القطاع الخاص متخرجاً جامعياً، فإن الدولة تتحمل راتبه طوال السنة الأولى لتعيينه. وفي إطار برنامج الدعم الأسري، أعلن أن الحكومة ستساهم بنسبة 15 في المئة من تكاليف زواج أي شخص وتأثيث بيته. وإذا أنجبت أي زوجة تركية مقيمة داخل البلاد أو في أي مكان في العالم، فإنها ستكافأ بمبلغ 300 ليرة للطفل الأول أو نصف قطعة ذهبية. وسترتفع المكافأة إلى 400 ليرة لإنجاب الطفل الثاني و600 ليرة أو قطعة ذهبية كاملة للمولود الثالث. وفي حالة الأم العاملة، فإنها إذا أنجبت فلها بعد الوضع أن تعمل نصف الوقت لمدة شهرين، تتقاضى خلالهما راتبها كاملاً، وهذه المدة تصل إلى أربعة أشهر في حالة المولود الثاني وإلى ستة أشهر في حالة المولود الثالث، حيث تظل تتقاضى راتبها كاملاً في حين تعمل نصف الوقت فقط.

هذا التوجّه في خطاب الحزب غاب عن الحملة الانتخابية في المرة السابقة (انتخابات 8 حزيران التي فقد فيها حزب «العدالة والتنمية» أغلبيته المطلقة في البرلمان). ولا يشك أحد في أنه كان بين العوامل الجاذبة التي شجّعت البعض على التصويت لمصلحته، خصوصاً في أوساط الشباب، إلا أن هناك عوامل أخرى أسهمت في صنع الانتصار الكبير الذي حققه الحزب.

(3)

سيظل تحليل الأسباب التي أدت إلى فوز حزب «العدالة والتنمية» بتلك النسبة العالية موضوعاً مفتوحاً للمناقشة خلال الفترة المقبلة، وإلى أن تتبلور الصورة بشكل كاف فإنني أسجل في هذا الصدد النقاط التالية:

ـ فلا أحد أن يتجاهل حقيقة أن الحزب المحافظ الذي تشكل في العام 2000 يعبر عن الهوية الأصيلة للشعب التركي. الأمر الذي وفّر له قاعدة واسعة وصلبة من التأييد. في مقابل ذلك، فإن الأحزاب المنافسة الأخرى ــ العلمانية واليسارية والليبرالية ــ ظلت تعبر عن تيارات وافدة، أو عصبيات عرقية أو أيديولوجية (الأكراد والعلويون مثلاً). وهذا التباين بدا أكثر وضوحاً في التصويت، ذلك أن حزب «العدالة» حصد مقاعد ضعف أقوى الأحزاب المنافسة (50 في المئة مقابل 25 في المئة لحزب «الشعب الجمهوري»).

ـ الإنجاز والاستقرار الذي تحقق خلال الثلاثة عشر عاماً الأخيرة كان رصيداً جيداً عزّز من مكانة حزب «العدالة والتنمية»، وإذا تمت مقارنة ذلك بحقيقة أن عمر الحكومات الائتلافية في المرحلة التي سبقت العام 2002 (حين تسلم الحزب السلطة) كان يتراوح بين سنة وسنة ونصف، فإن ذلك يُعدّ حافزاً قوياً للناخب التركي كي يصوّت لمصلحة الحزب الذي أثبت أن استمراره في مصلحته.

ـ حين أدرك قادة حزب «العدالة» أن شعبيته تراجعت بصورة نسبية في انتخابات حزيران الماضي، فإنهم لم يطوّروا خطابهم فحسب، ولكنهم أيضا أعادوا النظر في قوائم المرشحين، بحيث قدموا أشخاصاً أكثر قبولاً في دوائرهم (الأكراد مثلاً).

ـ خلال الأشهر الخمسة التي أعقبت انتخابات شهر حزيران الماضي، أدرك الأتراك أن أحزاب المعارضة غير جادة في تحمل المسؤولية، بدليل امتناعها عن الائتلاف مع حزب «العدالة» وتغليبها حساباتها ومصالحها الخاصة على مصلحة المجتمع. عزّز من ذلك وزاد من قلق الناس ظهور بوادر الفوضى في البلاد متمثلة في عودة أنشطة الجماعات الإرهابية والتفجيرات التي راح ضحيتها أكثر من 120 مواطناً، إضافة إلى عودة «حزب العمال الكردستاني» إلى إشهار السلاح ضد السلطة. وهي خلفية دفعت كثيرين إلى التضامن مع السلطة التي حفظت الاستقرار في البلاد خلال العقد الأخير.

ـ لم يكن الأمر مقصوراً على القلق الأمني والسياسي لأن الركود الاقتصادي الذي خيّم على البلاد خلال تلك الفترة كان عاملاً آخر أسهم في تعزيز موقف حزب «العدالة والتنمية» الذي قاد حركة النهوض والتقدم الاقتصادي خلال السنوات العشر السابقة. ومن المؤشرات ذات الدلالة في هذا الصدد أن قيمة الليرة التركية زادت بنسبة 1,5 في المئة مباشرة فور ظهور النتائج الأولية التي دلت على فوز حزب «العدالة».

ـ ثمة اعتبار أخير سبق أن أشرتُ إليه يتمثل في أن الذاكرة الجمعية في تركيا مسكونة بمشاعر سلبية إزاء الحكومات الائتلافية التي كانت دائماً قصيرة العمر، فضلاً عن أنها كانت أحد مصادر عدم الاستقرار في البلاد، الأمر الذي تذرّع به العسكر للقيام بأربعة انقلابات أيّدها غلاة القوميين والعلمانيين.

(4)

عقب انتهاء فرز الأصوات ــ في الساعة الواحدة صباح أمس ــ وقف أحمد داود أوغلو على شرفة الحزب بأنقرة وألقى خطبة مطوّلة أمام الحشود التي قصدت المكان معلناً مد أيدي الحزب للتعاون مع الجميع في المرحلة المقبلة (فُهم أنه يقصد معركة تعديل الدستور). في الوقت ذاته، كانت الجماهير قد احتشدت أمام مقرّ الرئيس رجب طيب أردوغان، مرددة الأهازيج والهتافات. لم يتحدّث الرجل إلى الحشود، لكنه ذهب لأداء صلاة الفجر في مسجد الصحابي أبو أيوب الأنصاري، وهو أول مسجد بناه العثمانيون في اسطنبول بعد فتح القسطنطينية (العام 1453) وكان الصحابي أبو أيوب الذي شهد غزوة بدر، ضمن جيش الخليفة يزيد بن معاوية الذي قدم يفتح المدينة، وقتل على أسوارها. كانت تلك هي المرة الأولى التي يتوجّه فيها رئيس الجمهورية لأداء صلاة الفجر في مسجد أبو أيوب بعد إعلان نتائج الانتخابات. وبرغم أنه لم يتكلم في المناسبة، إلا أن رسالته كانت بليغة وواضحة.

مع طلوع الشمس بعد ذلك، كان السؤال ما هي خطوات حزب «العدالة والتنمية» المقبلة؟ ألقيت السؤال على من أعرف من العارفين بالسياسة التركية، فكانت الردود كما يلي:

ـ لا تغيير جوهرياً في السياسة الداخلية أو الخارجية، إلا أن حكومة تسيير الأعمال التي تريثت في التعامل مع قضايا الأكراد والإرهاب والشأن السوري، آن لها بعد تشكيلها أن تتبنى استراتيجية جديدة للتعامل بحزم مع تلك الملفات.

ـ قضية تعديل الدستور ستعود إلى الطاولة، خصوصاً أن الأغلبية التي حصل عليها حزب «العدالة» لا تمكنه وحده من إجراء التعديل، ذلك أنه حصل على 317 من بين 550 مقعداً للمجلس. وبحسب الدستور، فإن الأغلبية تحتاج إلى 367 نائباً لتعديل الدستور، أو 330 نائباً لطرحه للاستفتاء، في حين أنها لا تحتاج لأكثر من 286 نائباً للانفراد بتشكيل الحكومة. لذلك، فإن اتجاه الحكومة إلى تعديل الدستور سيظل مهمة شاقة للغاية، لأنها ستكون بحاجة إلى أصوات الأحزاب الأخرى.

ـ سيعمد حزب «العدالة والتنمية» إلى لملمة صفوفه وعلاج التشققات التي ظهرت فيه قبل الانتخابات، وأدت إلى ابتعاد بعض قياداته أبرزهم عبدالله غول رئيس الجمهورية السابق. ولا شك في أن الانتصار الذي تحقق سيكون عنصراً مساعداً في إنجاح ذلك التماسك، في المقابل فإن أحزاب المعارضة التي مُنيت بالهزيمة مرشحة للانفراط والتفكك. وقد ظهرت بوادر ذلك الانشقاق في حزبي «الحركة القومية» و «الشعوب الديموقراطي»، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تراجع رصيدها وإضعاف دورها في البرلمان الجديد.

ـ لأن فترة البرلمان الحالية أربع سنوات، فليس مستبعداً أن تتجدد محاولات أنقرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن ثمة قرائن موحية بذلك. كان منها الزيارة التي قامت بها المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والتقاؤها مع أردوغان في ذروة المعركة الانتخابية، إضافة إلى إشارات التشجيع التي ظهرت من بعض الدول الأوروبية الأخرى.

أحد الذين ناقشتهم في الموضوع كان صحافياً تركياً حشرياً، ألقى عليّ في نهاية المكالمة السؤال التالي: ما هي أخبار المرحلة الثانية من الانتخابات عندكم؟ فوجئت بالسؤال فقلت له على الفور: ما هي أخبار الطقس عندكم؟ ووحده انقطع الخط!

السفير

 

 

 

 

 

 

 

كيف نقرأ الانتخابات التركية وفوز «العدالة والتنمية» ؟/ حسن شامي

«ابتداءً من هذه الليلة لم يعد هناك مسألة كردية في تركيا». هذه العبارة صدرت مساء اليوم الانتخابي الطويل الذي شهدته تركيا وأسفر عن فوز كاسح لحزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان. لا تستوقفنا هذه العبارة لأنها تفصح فحسب عن استعجال دفن المسألة الكردية بل لأنها صدرت عن مسؤول كردي ناشط في الشعبة المحلية للحزب الإسلامي العائد بقوة صناديق الاقتراع إلى الحكم والانفراد به، والرجل ناشط في البيئة الكردية في ديار بكر معقل ومركز الثقل الكردي وحزب الشعوب الديموقراطي.

ما يستعجله الرجل إنما هو دفن شرعية حزب الشعوب الديموقراطي وتمثيله السياسي للكتلة الكردية، وقد قال شيئاً من هذا القبيل في تحقيق موسع عن الانتخابات التركية نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية.

ينقلنا هذا التصريح فوراً إلى قلب المناخ الانتخابي التركي المتولد عن نتائج انتخابات حزيران (يونيو) وفشل حزب أردوغان في الحصول على الغالبية المطلقة التي تتيح له التفرد بالحكم. لا حاجة للتذكير بأن الانتخابات الحالية والمبكرة جاءت كحلّ وعلاج لأزمة تشكيل حكومة ائتلافية وارتفاع منسوب التوتر إلى حد المواجهات العنيفة والمسلحة بين القوات التركية وحزب العمال الكردستاني. وقد يكون صحيحاً أن المجزرة الناجمة عن تفجير انتحاري استهدف قبل أسابيع قليلة تظاهرة نظمتها في أنقرة القوى الكردية وتسبب بمقتل أكثر من مئة إنسان ألقت بثقلها المرعب على المشهد الانتخابي ولعبة اصطفافاته. على أن قراءة حدث التفجير ومقاربة دلالاته وصولاً إلى تحديد منفذيه ورهاناتهم كانتا مسرحاً لتجديد الاصطفافات والاستقطابات الانتخابية في مناخ يشوبه القلق والاضطراب والمخاوف من الدخول في نفق الفوضى والعنف الخارجين عن السيطرة. ففيما اتهمت الحكومة التركية، بطريقة همايونية وغير منطقية، ضلوع «داعش» وحزب العمال الكردستاني واستخبارات النظام السوري في ارتكاب المجزرة، اتهمت قوى أخرى، خصوصاً في البيئة الكردية، الحكومة الأردوغانية بالتورط، بهذا القدر أو ذاك، في عملية التفجير.

خلافاً للتقديرات التي ضختها استطلاعات الرأي في معظم وسائل الإعلام الدولية والتي توقعت أن يفشل أردوغان وحزبه الإسلامي المحافظ في انتزاع الغالبية البرلمانية المطلوبة دستورياً لقيادة السلطة، ظهر بوضوح أن حزب العدالة والتنمية قادر في ظروف معينة على التمدد وسطياً قاضماً بعض قواعد الناخبين الموزعين على يساره ويمينه على حد سواء. وقد طاول هذا القضم بحسب كل التقارير والتحليلات الإخبارية، قواعد انتخابية لطرفين مختلفين جداً هما أبرز الخاسرين في انتخابات الأحد الفائت. الخاسر الأول هو حزب العمل القومي اليميني المتشدد الذي خسر خلال بضعة أشهر أربع نقاط مئوية من رصيده في الانتخابات السابقة. الخاسر الثاني هو حزب الشعوب الديموقراطي الذي خسر ثلاث نقاط مئوية من رصيده وحصل على أكثر بقليل من نسبة العشرة في المئة التي تسمح له بأن يتمثل في البرلمان. المجموع الحسابي لهذه النقاط الضائعة حصده حزب أردوغان محققاً النتيجة المنشودة لقيادة البلاد. ينبغي ربما تعديل بل حتى قلب تراتبية الخاسرين الأكبرين. فالموقع الذي يحتله حزب الشعوب الديموقراطي كمركز ثقل للكتلة الكردية، خصوصاً بعد تحقيقه فوزاً فاجأ كثيرين في الانتخابات السابقة، يفوق من حيث الأهمية والتبعات السياسية حالة اليمين القومي المتشدد.

ليس مستبعداً أن تكون قد حصلت عملية تلاعب وشيء من التهديد وربما التزوير في غير مركز اقتراعي. من المؤكد كذلك أن حزب الشعوب لم يستطع القيام بحملته الانتخابية كما يرغب، وذلك بسبب تفاديه المظاهر الاستعراضية خوفاً من عمليات تفجير مشابهة لما حصل في أنقرة. لكن هذا كله لا يفسّر تحولات المزاج الانتخابي لدى شريحة لا يستهان بها من الناخبين في البيئة الكردية وفي أوساط اليمين القومي. قد يصلح هذا التضخيم لتقنيات التلاعب والتآمر في إقناع المقتنعين أصلاً. ويفهم من هذا أن قراءة الحزب الأردوغاني لخريطة الحوافز الانتخابية كانت أكثر واقعية من قراءة الخصوم والراغبين، من زوايا ولاعتبارات مختلفة، في تحجيم الظاهرة الأردوغانية وحزب العدالة والتنمية. فقد راهن هذا الأخير، من جهة، على حصول انزياح في مزاج الأوساط الكردية المحافظة والمتديّنة وبعض الفئات الوسطى المشككة في صوابية نشاط حزب العمال واستراتيجيته الكفاحية. وراهن، من جهة ثانية وبسبب تشدده في المعركة المعلنة ضد «الإرهاب» الكردي المنسوب إلى حزب العمال، على اجتذاب جزء من الناخبين القوميين الأتراك من ذوي الولاء الأتاتوركي الخالص. يبدو أن رهانات أردوغان ربحت في الاتجاهين. ما ينتقص من قيمة هذا النجاح هو تحققه في مناخ من الاضطراب والعنف والخوف، مما يجعله ظرفياً.

الحديث عن الظرفي يقتضي التطرق إلى المسائل الطارئة التي ألقت بظلالها على خريطة الانتخابات. فشبح الأزمة السورية والدور التركي الأردوغاني فيها لم يكونا بلا تأثير في الانتخابات، خصوصاً أن تنامي الوزن الكردي في مسار النزاعات المتناسلة في سورية ينعكس حكماً على الوضع الكردي في تركيا وفي العراق. وهذا ما يحسب أردوغان حسابه بل حتى يدفعه إلى قراءة النزاع المفتوح في سورية من هذه الزاوية. قضية النازحين إلى أوروبا وتعاظم الموقع التركي في معالجتها كانا أيضاً من بين العوامل المؤثرة في خيارات الناخبين. مع ذلك يستحسن أن نقارب دلالات الفوز الأردوغاني الكاسح من زاوية تتعدى لعبة الاصطفافات المعلبة. وينبغي لأي قراءة عقلانية لنتائج الانتخابات أن تتخفف من الأحكام الجاهزة. فالحديث المتزايد في بيئات مختلفة عن نزوع أردوغان إلى تنصيب نفسه «سلطاناً» وإلى إحياء مجد «السلطنة» والخلافة العثمانيتين يبقى ضرباً من الإنشاء البلاغي والدعوي وإن كان هذا الإنشاء لا يعدم الاستناد إلى مخاوف من عودة الحكم الفردي والتسلطي المستند إلى عصبيات فئوية وإلى انتشار المحسوبية والزبائنية. والحق أن هذه المخاوف تضرب بجذورها في تاريخ تركيا الحديثة منذ عهد السلطان عبدالحميد الثاني مروراً بالمنقلبين عليه في جمعية الاتحاد والترقي وصولاً إلى تجربة مصطفى كمال في تأسيس الجمهورية العلمانية المحمية بالعسكر. هنا بيت القصيد. ونعني بذلك ضرورة النظر إلى بنية حزب العدالة والتنمية وتجربته في التوليف بين مبادئ الجمهورية العلمانية والتمسك بهوية إسلامية ثقافية تحملها برجوازية محافظة ومتدينة وشعب المساجد.

الحياة

 

 

 

 

 

لماذا خسر الكرد أمام أردوغان في المواجهة الثانية؟/ كامران قره داغي

«حزب الشعوب الديموقراطي» خسر في الانتخابات التركية التي أُجريت في الأول من الشهر الجاري 21 مقعداً من المقاعد الـ 80 التي كان فاز بها قبل خمسة أشهر في انتخابات حزيران (يونيو)، والتي لم تسفر عن حصول حزب «العدالة والتنمية» الحاكم على غالبية تمكّنه من تشكيل حكومة من دون شركاء. هكذا قامر بانتخابات جديدة بدلاً من تشكيل حكومة ائتلافية، ونجح بحصوله على 316 من مجموع 550 مقعداً.

ماذا حدث كي يفقد «الشعوب الديموقراطي» نحو 30 في المئة من الأصوات في خمسة أشهر فقط، أي من نسبة 13.1 في المئة الى نسبة 10.7؟

منذ ظهور النتائج الأحد الماضي والمحللون وكتاب الأعمدة الصحافية والخبراء يواصلون البحث في الأسباب والعوامل التي أدت الى هذا التغيير الدراماتيكي في مزاج الناخبين الأتراك خلال فترة قصيرة. كتاب أتراك أفاضوا في البحث عن العوامل التي أدت الى الفوز الساحق الذي حققه «العدالة والتنمية» بزعامة رئيسه داود أوغلو (رجب طيب أردوغان تخلى بموجب القانون عن رئاسة الحزب إثر انتخابه رئيساً للجمهورية لكنه يبقى عملياً الزعيم الفعلي غير الرسمي له). كاتب تركي قدم عشرة عوامل لهذه النتيجة، هنا عناوينها: مرشحون أقوياء، وعود اقتصادية، تحقيق الاستقرار، المناورات السياسية لأردوغان، تجميد عملية السلام مع الكرد، تصعيد الهجمات من حزب «العمال الكردستاني» و «داعش»، تعليق النقاش في شأن النظام الرئاسي، تنطيم حملة انتخابية ناجحة، دور المجالس البلدية والإعلام، إقناع مؤيدين سابقين منزعجين بالتصويت له مجدداً.

ما سلف من عوامل تستحق الخوض فيها، لكن هذا المقال معني بالتركيز على عامل واحد يتعلق بعملية السلام الكردي التي كان قد أعلن أردوغان قبل الانتخابات انها «وضعت في الثلاجة» في محاولة لفهم تراجع «الشعوب الديموقراطي»، وفي السياق تسليط ضوء على الدور الذي لعبه «العمال الكردستاني» واستخدمه «العدالة والتنمية» لإضعاف مواقف «الشعوب الديموقراطي» والاستحواذ على أصوات ناخبين أتراك وكرد كانوا صوتوا في الانتخابات السابقة للحزب الكردي. لهذه الأصوات تضاف أصوات كثيرة من حزب «الحركة القومية» اليميني الذي كان الخاسر الأكبر، إذ خسر نصف مقاعده، من 81 الى 42 فقط. وهذه الخسارة ترتبط كثيراً بالمسألة الكردية، وتفسير ذلك باختصار ان هذا الحزب القومي التركي ركز في الانتخابات السابقة على ورقة «العمال الكردستاني» باعتباره التنظيم الارهابي الذي دخل أردوغان في مفاوضات مع زعيمه المسجون عبدالله أوجلان معرضاً بذلك الأمن القومي التركي للخطر، فكسب بذلك أصوات ناخبين قوميين عادوا فصوتوا لـ «العدالة والتنمية» الذي شدد مجدداً في حملته الانتخابية على تجميد عملية السلام ومواجهة «العمال الكردستاني».

لكن ما هي هوية «الشعوب الديموقراطي» ولماذا تخلى عنه أنصاره تحديداً بسبب هذه الهوية التي نجح «العدالة والتنمية» في تخويفهم بها؟

هو حزب يساري تأسس في 2012. وكان الكرد قبل تأسيسه ينجحون في انتخاب أكثر من 20 نائباً يترشحون كمستقلين ثم يقدمون على تشكيل كتلة نيابية داخل البرلمان. ووفقاً لتقليد وضعه «العمال الكردستاني» لهيئاته القيادية تأكيداً منه لمبدأ المساواة بين الجنسين، اعتمد «الشعوب الديموقراطي» ايضاً نظام الرئيسين الشريكين: رجل وامرأة. ومنذ حزيران (يونيو) 2014 أصبح للحزب رئيسان هما صلاح الدين دميرطاش وفيغين يوكسيغداغ. وكما في الهيئات القيادية لـ «العمال الكردستاني» فان الرجل هو الرئيس الفعلي. وهكذا فديمرطاش هو الزعيم الفعلي للحزب.

الى ذلك يدخل الحزب في تحالف مع «حزب المناطق الكردية الديموقراطي» الذي يوصف عادة بأنه الشقيق لحزب ديمرطاش. وفي الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2014 ورشح دميرطاش نفسه فيها استطاع الحصول على أكثر من 9 في المئة، الأمر الذي حفز حزبه على خوض الانتخابات البرلمانية.

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة شن «العدالة والتنمية» هجوماً كلامياً عنيفاً على «الشعوب الديموقراطي»، خصوصاً على زعيمه دميرطاش واصفاً كليهما بأنهما تابعان لـ «العمال الكردستاني»، كما حال فرعه السوري «حزب الاتحاد الديموقراطي». وكان دميرطاش نجح خلال الحملة الانتخابية الأولى في حشد تأييد واسع لحزبه ليس من الكرد فحسب بل من شرائح اجتماعية من الأتراك تراوحت بين جماعات يسارية وماركسية ونسوية وشبابية وغيرها على أساس برنامج انتخابي تجاوز الوضع الكردي الذي أدرج في إطار تحقيق السلام الأهلي. وهذا فيما كان رفض النظام الرئاسي شعاراً مرغوباً من الناخبين لكنه لم يكن مهماً في الحملة الانتخابية الثانية.

فالأرجح أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتفاقمة خلال الأشهر الخمسة الفاصلة بين الحملتين أدت الى تغليب هذه الهواجس على ما عداها، بما في ذلك مسألة النظام الرئاسي الذي رفعه «العدالة والتنمية» من قائمة شعاراته الانتخابية بينما تمسك به حزب دميرطاش مشدداً على انهاء حكم «السلطان» أردوغان.

فوق ذلك لم يستطع «الشعوب الديموقراطي» تقديم خطاب مقنع لإبعاد تهمة ارتباطه بـ «العمال الكردستاني». والمفارقة هنا أن الأخير عمل من جهته على إضعاف دميرطاش الذي أقلق صعود نجمه صقور «العمال الكردستاني» في جبال قنديل في كردستان العراق وهم عملياً غير معنيين بالسلام. وكان أحد أبرز الصقور، دوران كلكان (عباس) المسؤول عن اللجنة العسكرية في قيادة قنديل، قد هاجم دميرطاش بعد دعوة الأخير الى القاء السلاح ووقف المواجهة العسكرية. كلكان تساءل في تصريح له: «من هو وماذا حقق؟»، كأنما كان يوجه رسالة الى الكرد مفادها ان على دميرتاش ان يعرف حجمه وعليهم أن يعرفوا من هم قادتهم الحقيقيون.

لعل ما سلف، اضافة الى المخاوف من تفاقم الاوضاع الامنية والاقتصادية والرغبة في استقرار نجح أردوغان وحزبه في اقناع الناخبين بأنه لم يتحقق الا في ظل حكومة قوية، أشاع الارتباك في صفوف أنصار «الشعوب الديموقراطي» فسجل تراجعاً بدل تحقيق فوز أكبر مما في الانتخابات الاولى، وفقاً لما وعد.

الحياة

 

 

 

 

محللون سياسيون أتراك لـ«القدس العربي»: فوز «العدالة والتنمية» يعيد الدستور والنظام الرئاسي إلى الواجهة ويعزز المواجهة مع غولن والمتمردين الأكراد/ إسماعيل جمال

إسطنبول ـ «القدس العربي»: انتهى الحديث في تركيا عن الانتخابات ونتائجها والطريقة التي تمكن من خلالها حزب العدالة والتنمية من كسر التوقعات والحصول على أكثر من 49٪ من أصوات الناخبين، وبدأ البحث في شكل النظام السياسي خلال السنوات المقبلة وكيف ستؤثر هذه النتائج على الملفات الكبرى سياسياً وأمنياً واقتصادياً على الصعيدين الداخلي والخارجي.

خارجياً تبدو الأمور أكثر وضوحاً من حيث عزم حزب العدالة والتنمية على توسيع مشاركته في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ومحاولته استعادة دور تركيا في الملف السوري، والعمل على تحصين الدولة من المخاطر المتزايدة نتيجة التغيرات السياسية والأمنية المتلاحقة في محيطها المتوتر.

لكن الملفات الأبرز والتي حسمت نتائج الانتخابات كانت تتعلق بالملفات الداخلية الشائكة، الاقتصادية منها والسياسية، فالفوز الكبير الذي حققه الحزب الأقوى في البلاد منذ 13 عاماً، أعاد إلى الواجهة طموح الرئيس رجب طيب أردوغان إلى كتابة دستور جديد للبلاد يضمن تحويل النظام السياسي إلى «رئاسي»، وسيعزز هذا الفوز من زخم الحرب المتواصلة ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني «بي كا كا» والعدو الأكبر له جماعة فتح الله غولن، وذلك بحسب محللين سياسيين تحدثوا لـ«القدس العربي».

أولويات قبل الاستحقاقات

قدم حزب العدالة والتنمية خلال حملته الانتخابية جملة من الوعود الاقتصادية للمواطنين تتمثل في زيادة الرواتب وتحسين ظروف العمل ومميزات الوظائف الحكومية والأعمال الخاصة، ووعد داود أوغلو برفع أجور المتقاعدين ورفع المنح الحكومية للطلاب الجامعيين، وتحسين ظروف سكن الطلاب الجامعيين والمنح ورفع الحد الأدنى للأجور وتقديم منح مالية وقروض بدون فوائد للشباب للعمل على بناء مشاريع خاصة.

وخلال الـ100 يوم الأولى بعد تشكيل الحكومة التي لن يواجه مشاكل في تمريرها بسبب حصوله على «الأغلبية البرلمانية»، سيعمل الحزب المنتصر على تحقيق هذه الوعود أو جزء منها كي لا يخسر ثقة الناخب، والعمل على تعزيز الأوضاع الاقتصادية بشكل عام وهذا ما بدأت تظهر معالمه في انتعاش البورصة وارتفاع الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي واليورو، وعودة الحيوية للاستثمارات الخارجية في البلاد التي توقفت بسبب حالة الفراغ السياسي الذي مرت به في الأشهر الماضية، كل ذلك يعد أولوية مستعجلة قبل الخوض في الاستحقاقات الكبرى.

دستور جديد

كتابة دستور جديد للبلاد كان ولا يزال حلم حزب العدالة والتنمية منذ توليه السلطة عام 2003، لكنه لم يتمكن من ذلك بسبب عدم حصوله على الأغلبية الكافية في البرلمان التي تمكنه من ذلك، وبات هذه المرة أقرب من أي وقت مضى لاجراء ذلك، حيث حصل حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التي جرت الأحد الماضي، على 49.5٪ من أصوات الناخبين، ما يعادل 317 مقعداً في البرلمان، من أصل 550.

النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية رسول طورسون أكد أن «كتابة دستور جديد للبلاد سيكون من أهم أولويات حزب العدالة والتنمية»، مضيفاً في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي»: «عدد المقاعد الحالي لا يكفي ويحتاج العدالة والتنمية إلى 13 نائباً لكي يطرح الأمر لاستفتاء شعبي».

الأكاديمي والمحلل السياسي برهان كوز أوغلو قال إن أولويات العدالة والتنمية بعد تشكيل الحكومة والإيفاء بالوعود الاقتصادية العمل على كتابة دستور جديد للبلاد، لافتاً إلى أن الخطوة الأولى في هذا الإطار ستكون من خلال تقديم مشروع للأحزاب الأخرى من أجل مناقشته وبحث إمكانية دعمه من هذه الأحزاب.

وأضاف كوز أوغلو في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي»: «إذا لم توافق الأحزاب على ذلك سيلجأ العدالة والتنمية إلى الخطة الثانية وهي طرح الدستور على الاستفتاء الشعبي العام بعد تأمين الأصوات التي تؤهله لذلك».

وبموجب القانون التركي فإن التغيير في الدستور يحتاج إلى دعم ثلثي أعضاء البرلمان (367 من أصل 550) نائباً، وهو رقم بعيد عن ما حصل عليه العدالة والتنمية، بينما يحتاج طرح الدستور للاستفتاء الشعبي إلى 60٪ من أصوات نواب البرلمان (330 نائباً) وهو رقم ليس بعيداً عما حصل عليه العدالة والتنمية (317 نائباً) اذ ينقصه فقط 13 صوتاً.

الطريق إلى الاستفتاء

وعن طرق تأمين أصوات 13 نائباً لكتابة دستور جديد، يقول سعيد الحاج المختص بالشأن التركي: «اعتقد أن الحزب لن يلجأ لحيلة ضم نواب من أحزاب المعارضة ليكسب 13 نائباً يحتاجهم للوصول إلى 330 صوتاً، إذ سيخصم هذا الأمر من رصيده».

يضيف الحاج: «سيحاول العدالة والتنمية الحوار أولاً مع «الشعب الجمهوري» للحصول على توافق يحظى بحاضنة شعبية أكبر (يملك الحزبان معاً 451 نائباً)، وإلا سيلجأ لحوار جماعي مع الأحزاب الأربعة وربما إعادة تشكيل لجنة منهم لصياغة الدستور».

وتابع: «ربما يبدو حزب الحركة القومية أقرب للعدالة والتنمية من جهة الأيديولوجيا والحاضنة الشعبية، بيد أن المشتركات مع حزب الشعوب الديمقراطي (ذي الجذور الكردية) أكبر بكثير رغم الخصومة الشديدة في الفترة الماضية، خصوصاً وأن الدستور الجديد يفترض أن يجسد المواطنة الكاملة ويرسخ الحقوق المدنية والسياسية والثقافية للأكراد، وهو ما قد يشجعهم على التعاون مع العدالة والتنمية».

ويشير الحاج الى خيار آخر للحزب وهو أن «التطورات داخل حزب الحركة القومية بعد الفشل الذريع وسياسات رئيسه العدمية تبدو فرصة للعدالة والتنمية، إذ قد ينشأ عنها انشقاق أو عدة تيارات وآراء داخل كتلته البرلمانية، قد يستطيع الحزب الحاكم استمالة و/أو إقناع بعضها بالتصويت بالإيجاب على مشروع الدستور الجديد، سيما وأن الاقتراع سيكون سرياً».

والخميس، قال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، المتحدث باسم الحزب، عمر جليك، إن صياغة دستور جديد في البلاد على رأس أولويات الحزب، داعياً الأحزاب السياسية في البلاد إلى صياغة دستور جديد «يحمل تركيا إلى مستقبل معاصر ويركز على الإنسان المدني.. تعالوا لنصيغ دستوراً مدنياً يحمل تركيا إلى عام 2023».

وأعرب جليك عن الحاجة الشديدة إلى دستور جديد في البلاد «من أجل الاستجابة لنمو الاقتصاد والديمقراطية التركية، ومقارعة بعض التحديات في العالم المعاصر»، مشيراً إلى أن هذه المسؤولية لا تقع على عاتق حزب العدالة فقط، وإنما على كافة النواب الذين أوصلهم الشعب إلى البرلمان.

تغيير النظام السياسي

إلى «رئاسي»

يهدف حزب العدالة والتنمية من خلال الدستور الجديد إلى حل العديد من القضايا الجوهرية والمشاكل التاريخية في البلاد، لكن مسألة تحويل النظام السياسي إلى «رئاسي» تبدو على رأس أولويات الرئيس أردوغان الذي ما زال يمتلك نفوذاً كبيراً داخل «العدالة والتنمية» الذي أسسه واضطر للاستقالة منه عقب توليه منصب الرئيس في آب/أغسطس 2014.

في الانتخابات السابقة ركز حزب العدالة والتنمية في حملته الانتخابية على التأكيد على أن أهم خطواته بعد الانتخابات ستتمثل في تحويل نظام الحكم إلى رئاسي من خلال كتابة دستور جديد، وهو الأمر الذي واجه توجساً شعبياً من زيادة صلاحيات الرئيس أردوغان. وتفادياً لذلك، رفع الحزب هذا الشعار من حملته للانتخابات الأخيرة، ولم يتطرق سواء الرئيس أردوغان أو داود أوغلو الحديث إلى هذا الأمر في محاولة لطمأنة المتخوفين من توسيع أردوغان لنفوذه وسلطته داخل الدولة، لكن ذلك لا يعني أن أردوغان تخلى عن هذا الطموح، وسيعمل على تحقيقه بكافة الأشكال، بحسب المحللين الذين تحدثوا لـ«القدس العربي».

مستقبل «عملية السلام الداخلي»

بعد الانتخابات مباشرة، بدت تصريحات المسؤولين الأتراك من قيادات العدالة والتنمية أكثر تشدداً تجاه عملية السلام مع الأكراد والحرب ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني، وهو ما يراه مراقبون بداية لتوسيع العمليات العسكرية ضدهم ومحاولة تحسين شروط الحكومة في حال تم استئناف المفاوضات بين الجانبين.

ويقول كوز أوغلو: «عملية السلام ستستمر بصيغة مختلفة والمفاوضات ستكون بشكل مختلف، العدالة والتنمية سيدعم استئناف المفاوضات ومحاولة التوصل إلى حل نهائي لكنه لن يتهاون مع الإرهاب وسيضرب بقوة مسلحي العمال الكردستاني».

من جهته، قال الناطق باسم حزب العدالة والتنمية رداً على سؤال حول مسيرة السلام الداخلي أنهم لن يطرحوا مسألة المسيرة إلا بعد ضمان النظام العام بشكل كامل في البلاد، مؤكداً أنهم لن يسمحوا لأحد باستخدام مسيرة السلام كذريعة من أجل الإضرار بالنظام العام وتدميره، على حد تعبيره.

ومنذ انتخابات الأحد الماضي، شنت الطائرات الحربية التركية سلسلة غارات عنيفة على مواقع المسلحين الأكراد في جنوبي تركيا وشمالي العراق، وأعلنت هيئة الأركان التركية قتل العشرات من المسلحين الأكراد في الغارات الجوية وعمليات الجيش.

القضاء على «الكيان الموازي»

يجمع مراقبون على أن حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان سيعملان على القضاء بشكل نهائي في هذه الجولة على ما يسمى بـ»الكيان الموازي» وهو النفوذ الهائل لرجل الدين فتح الله غولن في جميع مفاصل الدولة التركية والمتهم بمحاولة تنفيذ انقلاب ضد حكومة أردوغان آنذاك.

النائب السابق عن العدالة والتنمية رسول طورسون أكد أن «الكيان الموازي وزعيمه غولن باتا بحسب القانون التركي منظمة إرهابية، ستعمل الحكومة من أجل القضاء عليها خلال الفترة المقبلة».

كما يرى المحلل السياسي بورهان كوز أوغلو أن «الكيان الموازي يجب أن تتم تصفيته خاصة العناصر المتورطة بمحاولة الانقلاب»، متوقعاً أن الحرب ضد التنظيم «ستستمر وستتوسع ضد كل أتباعه في جميع مفاصل الدولة كونه بات منظمة إرهابية»، على حد تعبيره.

القدس العربي

 

 

 

 

هل سينعكس انتصار أردوغان بدور أكبر لتركيا في سوريا؟/ وائل عصام

بعد الفوز الذي حققه حزب العدالة والتنمية التركي، يتوقع المراقبون أن تحاول حكومة أنقرة لعب دور أنشط في سوريا، مستفيدة من هامش الحركة الجديد الذي اتاحه لها الانتصار الانتخابي الكبير.

ويمكن الحديث هنا عن ثلاثة محاور تتعلق بدورها في سوريا، وهي المنطقة الآمنة والجيب الكردي شمال سوريا، وجهود التوصل لتسوية سياسية لانهاء النزاع.

ستكون تطلعات حزب العدالة في إحداث تغيير في هذه المحاور الثلاثة محكومة بالنهاية بالرؤية الأمريكية في سوريا، باعتبار ان كل حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة (ان كانت الحكومات العربية أو تركيا) يعملون بالملف السوري ضمن منظومة تنسيق مشتركة مع الولايات المتحدة سياسيا وامنيا، وهذا لا يعني الارتهان الكامل للقرار الأمريكي، ولا ينفي وجود هامش تحرك لحلفاء الولايات المتحدة في سوريا، لكنه يعني بالتأكيد وجود خطوط حمراء ترسمها الإدارة الأمريكية في الساحات التي تمثل لها إهتماما خاصا كسوريا والعراق، بحكم ان هذه الدول مرتبطة بتنسيق استراتيجي مع الولايات المتحدة في الملفات الخارجية ذات الإهتمام المشترك، وهو ما يجعل هناك حدودا للتدخل أو الدور الذي يمكن لتركيا لعبه في سوريا والعراق، على عكس إيران، التي تعمل متحررة من إطار المنظومة الأمريكية، ووفق مشروعها التوسعي الخاص، بل انها كانت معادية للمنظومة الأمريكية لسنوات إلى ان فرضت نفسها كحليف أمر واقع لا يمكن تجاهل نفوذه وسطوته في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

وهذه الحدود التي فرضتها حالة تركيا كحليف إقليمي للأمريكيين ظهرت بوضوح في السنوات الاربع السابقة من عمر النزاع السوري، فكانت كل غرف الدعم التسليحي للفصائل المعارضة مشتركة بين الأتراك والأمريكيين، وكان الخط الأحمر الأمريكي بمنع إدخال أسلحة نوعية أو مضادة للطائرات شرطا التزمت به أجهزة الأمن التركية في إطار التنسيق المشترك الأمني مع الأمريكيين، وامتد ذلك طبعا ليشمل انتخاب فصائل معينة وتقويتها بخطة أمريكية تركية عربية مشتركة تضمن إيجاد بديل مسلح قوي لتقويض دور الجماعات الجهادية الخارجة عن بيت الطاعة الأمريكي. وفيما يتعلق بالإهتمامات التركية الثلاث، المنطقة الآمنة، الجيب الكردي، التسوية مع النظام، فان تركيا لم توفق حتى الآن في تحقيق هدفها الاول وهو اقامة منطقة آمنة، لسببين، اولهما هو عجز الفصائل السورية في الجيش الحر وفصائل التركمان والاسلامية المقربة من الاخوان المسلمين أو أحرار الشام وكلاهما مقربان من قطر وتركيا، عجزهما على مدى الأشهر الثلاثة الاخيرة من انتزاع أي قرية من تنظيم الدولة ضمن المنطقة الآمنة المزمع انشاؤها شمال حلب، بل على العكس فان تنظيم الدولة توسع وسيطر على عدة قرى استراتيجية وحاصر مارع ثم سيطر على مدرسة المشاة، على الرغم من المساندة التي وفرتها الغارات الأمريكية وآخرها في بلدة حربل لهذه الفصائل التي لم تنجح في تحقيق أي نتائج عسكرية إيجابية مع النظام طوال عامين داخل حلب.

وهنا تبدو السياسة التركية فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة تحاول التوفيق بين المطالب التركية الخاصة وهي منطقة آمنة تصبح مكانا لتجمع اللاجئين وارضا سورية خاضعة للنفوذ التركي، ومشمولة بالحظر الجوي الذي طالما طالب به الثوار وهو مطلب تريد تركيا تحقيقه بشدة، ولكنها ايضا لم تتمكن من التوفيق مع الرؤية الأمريكية التي لا يهمها سوى مقاتلة تنظيم الدولة شمال سوريا، ولذلك دعم الأمريكييون الأكراد أعداء تركيا شمال سوريا، وهنا جاءت الصيغة التوفيقية التي مالت لمصلحة الأمريكيين، فأعلن الأمريكيون انهم لم يوافقوا على إنشاء منطقة آمنة بالمفهوم التركي فهي لا تشمل اقتطاع منطقة لإسكان اللاجئين والأهم إعلان الأمريكيين ان لا حظرا جويا تم الاتفاق عليه، وان المنطقة الآمنة هي ليست آمنة من طائرات النظام بقدر ما هو مطلوب من تحقيقها ان تكون آمنة من تنظيم الدولة فقط. وهكذا تم اختيار شريط حدودي بطول ستين كيلومترا تتواجد فيه قوات تنظيم الدولة ليكون منطقة آمنة يسكنها اللاجئون دون عن ستمائة كيلومتر هو طول الشريط الحدودي التركي، فكانت العملية اذاً هي محاولة توفيقية بين الأمريكيين والاتراك: حسنا، سنتوقف عن دعم الاكراد شمال سوريا، ولكن انتم بالمقابل قاتلوا التنظيم واذا اردتم منطقة امنة فلتكن امنة من تنظيم الدولة وليس النظام، وتركت تركيا مساحات واسعة من الحدود السورية تسيطر عليها فصائل موالية لها يمكن لها اقامة منطقة امنة فيها، ابتداء من اعزاز وصولا لأطمة وباب الهوى، ولكن الغاية الأمريكية بلورت هذه الصيغة بالنهاية والتي يمكنها ان تسبب المزيد من المهجرين والنازحين الذين سينتجون عن المعارك المفترضة في قرى المنطقة الآمنة المفترضة.

هذا فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة، اما فيما يتعلق بالأكراد، فأيضا تبدو تركيا منزعجة من الدور الأمريكي الذي يمد الفصائل الكردية بالسلاح والدعم ويعتبرهم حلفاءه الأهم في سوريا، ورغم وعود أمريكية بوقف دعم الأكراد شمال سوريا جراء الإتفاق حول المنطقة الآمنة والتي سيقوم الأتراك فيها بقتال تنظيم الدولة بدلا من الأكراد، إلا أن الأمريكيبن تنصلوا تقريبا من هذا التعهد، وقاموا وبشكل رسمي بإقرار خطة لدعم الأكراد ومجموعات من عشائر عربية ضمن تشكيل يسمى قوات سوريا الديمقراطية، مهمتها مهاجمة الدولة في معقلها بالرقة مما حدا برئيس الحكومة التركية داود اوغلو بالتصريح بأنهم سيقصفون المقاتلين الأكراد إذا تجاوزوا غرب الفرات نحو جرابلس.

تركيا ورغم انها تعتبر المنظمات الكردية في شمال العراق وشمال سوريا منظمات ارهابية ومعادية، ورغم انها تشن منذ أشهر حملة قصف جوي شديدة ضد مواقع هذه التنظيمات، إلا ان القصف التركي تجنب تماما الفصائل الكردية شمال سوريا واقتصر عليها شمال العراق فقط، وهنا يبدو الخط الأحمر الأمريكي واضحا ايضا في شمال سوريا بمنع تركيا من قصف أعدائها الا في بعض الغارات القليلة جدا مقارنة بالغارات على شمال العراق.

فيما يتعلق بالتسوية السياسية، فالأمريكيون وحلفاؤهم العرب وخصوصا السعودية اعلنوا صراحة قبولهم ببقاء النظام والجيش، ويبقى الحديث عن مصير شخص الرئيس السوري هو أمر شكلي امام القبول ببقاء النظام والمؤسسات الامنية التي يعتمد عليها وفي مقدمتها الجيش، وبما ان تركيا هي جزء من منظومة الحلفاء الأمريكيين بالمنطقة فهي لن تتمكن ولن تسعى لمواجهة الرغبة الأمريكية بتسوية تبقي التظام وتوجه بنادق المعارضة نحو الجهاديين، وهو ما حدث في العراق قبل سنوات بجهود ساهمت فيها تركيا دبلوماسيا وسياسيا من خلال تأثيرها على الفصائل المتمردة المقربة منها.

وهكذا فان تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قبل سنوات والتي كانت تصر على إسقاط الرئيس بشار الأسد وتحرير سوريا منه لم تترجم إلى خطوات عملية حاسمة داخل سوريا بسبب تناغم تركيا مع رؤية حليفتها الأمريكية القاضية بإبقاء النظام ومحاربة الجهاديين، على عكس إيران التي ارسلت جنودها لتثبيت النظام، بينما تمكنت تركيا بالكاد من إدخال فرقة عسكرية لإخراج رفات قبر مؤسس دولتها العثمانية، وقال رئيس الوزراء أوغلو حينها انه صلى صلاة الشكر لعودة جنوده سالمين عدا جندياً قتل بحادث غير قتالي.

المسؤولون الأتراك كانوا صادقي النوايا بالطبع في نصرة الثورة السورية وقدموا للاجئين السوريين خدمات لم يقدمها أي بلد عربي أو أجنبي، لكن هذا المجهود نجحت فيه تركيا لأنه داخل حدود بلادها، أما خارج الحدود فتبدو تركيا مكبلة في محاولاتها لنصرة اصدقائها وحلفائها، خاصة وأن الزخم الأمريكي لإسقاط النظام قد خف، بعد وقت كانت فيه تصريحات الرئيس اوباما بخلع شرعية النظام السوري تتكرر عشرات المرات شهريا، قبل ان توقع بلاده اتفاقا نوويا مع ابرز حلفائه بل وراعيته إيران، مكنها من دعم النظام دبلوماسيا وسياسيا بعد الدعم العسكري، وقبل التدخل الروسي الذي طاف بطائراته داخل الحدود التركية عدة مرات في استعراض وتحد لحكومة طالبت يوما بحظر جوي لطائرات النظام السوري فاذا بها تطالب الروس بحظر طائراتهم في الاجواء التركية.

القدس العربي

 

 

 

 

الانتخابات التركية: مراهنة أردوغان نجحت.. الشعب اختار الاستقرار/ إبراهيم درويش

بين انتخابات وأخرى عاش الأتراك في بلدين مختلفين، فبعد خسارة حزب العدالة والتنمية أغلبيته البرلمانية في انتخابات حزيران/يونيو 2015 وهي الأولى له منذ 13 عاما على توليه السلطة دخلت البلاد في معركة من المماحكات السياسية والمهاترات فشلت فيها الأحزاب الفائزة بالتعاون أو تشكيل حكومة وحدة وطنية. فيما انهار وقف إطلاق النار بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) وبدا الأكراد الذين حققوا نسبة 13٪ من أصوات الناخبين وبثمانين مقعد صناع الملوك الجدد في البلاد. وشهدت البلاد حالة من الفوضى انهار فيها سعر الليرة التركية وتراجع الاقتصاد وزادت هجمات تنظيم الدولة على البلاد خاصة بعد موافقة تركيا على فتح قواعدها الجوية لطيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي الشهر الماضي شهدت العاصمة أنقرة انفجارا في تجمع انتخابي ادى لمقتل 102 مدني في حادث يعتبر الأسوأ في تاريخ تركيا الحديث. وتعتبر حالة عدم الاستقرار جديدة بالنسبة للأتراك الذين تعودوا ومن عقد أو يزيد على تقديم بلدهم كرمز للتطور والتماسك ونموذج للدول المجاورة التي دخلت منذ الربيع العربي عام 2011 دوامة من الحروب والتفكك والانهيار الاقتصادي. وكانت هذه هي الأجواء التي دخل فيها الأتراك الانتخابات يوم الأحد الأول من تشرين الثاني (نوفمبر). وسبقت استطلاعات الرأي الجميع وتنبأت بتراجع جديد لحزب العدالة والتنمية ونهاية للحقبة الأردوغانية – نسبة للرئيس طيب رجب أردوغان الذي كان سيبقى في منصبه الرئاسي لسنوات قادمة حتى لو خسر حزبه. ومن هنا غيرت نتائج الانتخابات التي عاد فيها العدالة والتنمية للصدارة وحقق أكثر مما كان يتوقع، غالبية برلمانية كبيرة وحزب وحيد يقود البلاد وهو ما حبذه الرئيس أردوغان لأن الحكومات الائتلافية التي عاشتها تركيا في التسعينات من القرن الماضي لم تحقق الاستقرار ولا الإزدهار للبلاد. ويفهم والحالة هذه استراتيجية الحزب التي تبناها لاستعادة الثقة من الجماهير عندما ذكر الناس بالحكومات الضعيفة والمتعاقبة التي شهدتها تركيا في تلك الفترة.

كذبت الاستطلاعات

ولهذا كانت نتيجة الانتخابات واضحة. فشل استطلاعات الرأي وخسارة فادحة للحركة القومية التي صوتت قاعدتها لحزب العدالة والتنمية بعدما فشل زعيمها دولت بهشتلي في قراءة المشهد السياسي التركي بطريقة صحيحة مما دفع بقواعد الحزب لحزب العدالة الذي تبنى خطابا قوميا في المعركة ضد المتمردين الأكراد. ويعتبر صلاح الدين دمرتاش زعيم حزب الشعوب الكردية الخاسر الثاني، فقد نجح العدالة بنزع الشرعية عنه عندما ربطه بالإنفصاليين الأكراد. وخسر الحزب أكثر من مليون صوت بسبب ابتعاد المتدينين الأكراد وأصحاب المصالح التجارية عنه وتصويتهم للحزب الحاكم. وبنفس السياق لم يحقق حزب الشعب الجمهوري ما يريده مع أنه حافظ على حصته من الانتخابات بل وزاد الحزب من عدد مقاعده البرلمانية. ويعتقد أن زعيم الحزب كمال كليتشدار أوغلو محبط من النتائج، وستتعرض قيادته بالتأكيد لتحد في مؤتمر الحزب القادم نهاية العام الحالي.

منذ البداية كان رهان «العدالة» على خيار الشعب وهو «الاستقرار» حيث أكد أردوغان أن «إرادة الشعب ستظهر في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) في صالح الإستقرار». وفي الوقت الذي قال فيه النقاد إن الانتخابات عقدت في جو من الخوف إلا أن المحلل آرون ستين الباحث غير المقيم في المعهد الأطلنطي قال إن الناخبين اختاروا ما يرغبون به وأثنى على الإسلاميين وحزب العدالة وأنهم نظموا حملة انتخابية ذكية و»أداروا حملة من أجل الاستقرار» حسبما نقلت عنه صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» (2/11/2015) ولهذا حصد الحزب نسبة 49.1٪ من أصوات الناخبين أي بزيادة نسبة 9٪ عن انتخابات حزيران (يونيو) والتي تترجم إلى 316 مقعدا من 550 مقعدا. ويرى ستن أن أحد أهم اسباب النجاح للحزب جاءت من خلال اختيار الناخبين وبذل الجهود القوية لجذب الأصوات في المناطق التي يتساوى فيها الدعم للحكومة والمعارضة وجعل رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو وجها للحملة الانتخابية بدلاً من أردوغان.

نجاح كبير

إزاء هذا النجاح وما يحمله من تغير في ميزان القوة لا يمكن التقليل من حجم الانتصار الذي حققه أردوغان وبنفس الطريقة لا يمكن التقليل من التحديات التي تواجه الحكومة القادمة سواء من ناحية الاستقطاب الذي يعيشه المجتمع التركي وتداعيات الحرب الأهلية في سوريا على البلاد والتحديات الإقتصادية والأمنية النابعة من العمال الكردستاني وتنظيم الدولة. ويقول جوناثان فريدمان المتخصص في الشؤون التركية في شركة «ستروزفريدبيرغ» «حلت الانتخابات مشاكل أردوغان». والسؤال هو كيف سيقوم هو بحل مشاكل تركيا «فهذا بلد يعاني حربا ذات مستوى منخفض في جنوب شرقي البلاد وحربا واسعة على الحدود واقتصادا يسير في الاتجاه الخطأ ومجتمعاً منقسماً بشكل عميق». ويرى ستين ان «الأولوية الأولى للحكومة ستكون العملية السلمية مع بي كا كا». والسؤال إن كانت ستواصل حملتها العسكرية أم تتواصل مع زعيم الحركة السجين عبدالله أوجلان؟ ويعتقد النائب السابق ومدير المركز للدراسات الإستراتيجية والإتصالات سوات كينكلي أوغلو أن مواجهة الأزمة الكردية ستكون على رأس أولويات الحكومة حالة انتهى من تشكيلها. ولا يتوقع المحللون تغيراً في السياسة الخارجية خاصة فيما يتعلق بالملف السوري. ففي الوقت الذي دعا فيه أردوغان في الماضي لرحيل الأسد إلا أن استعداده للسماح له البقاء أثناء الفترة الإنتقالية يعتبر تحولاً. ويتوقع تبني الحكومة موقفا أكثر تشددا ضد الجهاديين «تعرف الحكومة أن الخلايا التابعة للدولة الإسلامية قادرة على التسبب بأضرار ضد اهداف تركية». ويرى فريدمان أن تركيا ألقت القبض على متعاطفين كثر مع الدولة الإسلامية لكن ليس بحجم عددهم الكبير داخل تركيا. وتريد تركيا الحفاظ على الجماعات التي تقاتل الأسد ولهذا «فهي تبحث عن حل يسمح لها بملاحقة الدولة الإسلامية بدون تقوية الأسد او الأكراد في سوريا».

ملف اللاجئين

وفي الوقت الذي يخشى فيه البعض من أن يؤدي فوز العدالة لممارسة مزيد من الضغوط على حرية التعبير والصحافة إلا أن سنان اولغين الباحث الزائر في وقفية كارنيغي للسلام العالمي يرى أن «واحدا من الآثار الإيجابية لهذا التفويض الواسع» هو أن الحكومة سيكون لديها هامش للتحرك من أجل التصدي لقضايا السياسة المهمة مثل موضوع اللاجئين». ويعيش اليوم في تركيا أكثر من 4 ملايين شخص اجنبي المولد منهم مليونا لاجئ سوري. وفي مقال مطول كتبه ديفيد ليبسكا في مجلة «فورين أفيرز» (2/11/2015) ناقش فيه الكيفية التي يمكن من خلالها لتركيا إعادة النظر في سياستها المتعلقة بالهجرة وتوفير الملجأ لعشرات الألوف من المهاجرين. وتستطيع تركيا فعل هذا نظرا لاستقرارها واقتصادها النامي وسياسة الانفتاح على الجيران التي بدأت منذ وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة.

هل انتصرت اللاـ ليبرالية؟

لكن نصر أردوغان لم يكن مريحا لمعظم المعلقين الغربيين وردوه إلى سياسة التخويف. وذكرت مجلة «إيكونوميست»(7/11/2015) قائمة من المظالم التي ارتكبها أردوغان الرئيس قبل الانتخابات ضد المعارضة. وقالت إن الرئيس سيعطي داوود أوغلو السلطة فيما هو سيحرك الخيوط من الخلف. وقالت إن تركيا بعد الانتخابات لا تختلف عن روسيا أو فنزويلا أو غيرهما من الديمقراطيات اللا-ليبرالية حيث يحكم رئيس قوي معارضة منقسمة. وتعتقد أن حاجة أوروبا لتركيا في ملف اللاجئين وقتال تنظيم الدولة يجعل من أردوغان يمسك كل الأوراق. والنغمة نفسها بدت في «الغارديان» (1/11/2015) حيث قالت إن انتصار العدالة جاء بثمن. وقالت في افتتاحيتها «حصل أردوغان على انتصار ولكن بلاده تضررت». ومهما يكن فقد جاءت الانتخابات التركية مخيبة لآمال كل من أعدوا «نعي» أردغاون وحزب العدالة والتنمية. وانتصرت مراهنة أردوغان ولهذا فهي انتصار له ومن ثم للحزب فقد أصبح الرئيس في مقعد القيادة من جديد وبالضرورة انتصار للأمة التركية كما علق رئيس الوزراء احمد داوود أوغلو.

القدس العربي

 

 

 

 

أردوغان.. «بائع الكعك» الذي أصبح الزعيم الأقوى لتركيا بعد أتاتورك

يطلق عليه أنصاره «الطيب» و»الرجل القوي» و»الرجل الطويل» فيما يلقبه معارضوه بـ»السلطان» و»الديكتاتور» لكن ما يُجمع عليه الطرفان أن بائع الكعك «السميط» أصبح الزعيم الأقوى في تركيا من بعد المؤسس التاريخي للجمهورية مصطفى كمال أتاتورك.

ولد رجب طيب أردوغان في 26 شباط/فبراير 1954 في حي «قاسم باشا» الفقير في إسطنبول لعائلة فقيرة ومتدينة تتحدر أصولها من مدينة طرابزون، وأمضى طفولته في مدينة «ريزة» على البحر الأسود، ثم عاد للحياة في اسطنبول عندما كان عمره 13 سنة.

بسبب فقر أسرته ولتوفير مصروفه، عمل في بيع البطيخ ومن ثم الكعك التركي الشهير «السميط» خلال دراسته في المراحل الابتدائية والإعدادية، وكان مولعاً بكرة القدم واقترب من الاحتراف في السبعينيات.

تعلم في مدارس «إمام خطيب» الدينية التي حوربت في سنوات حكم العسكر، وأعاد هو دعمها وتوسيعها خلال السنوات الأخيرة. تخرج من كلية الاقتصاد والأعمال في جامعة مرمرة عام 1981.

في العام 1976 انضم إلى حركة نجم الدين أربكان الذي يُعتبر مرشده السياسي والذي تولى بعد سنوات، منصب رئيس الحكومة في تركيا التي وصفت حينها بـ»الإسلامية» لكن الانقلاب العسكري في 12 أيلول/سبتمبر 1980 أبعد أردوغان عن المعترك السياسي حتى العام 1983، إلا أنه عاد في العام 1985 ليصبح مسؤول مدينة اسطنبول عن حزب «الرفاه» الذي أسسه أربكان.

التطور الأهم كان في السابع والعشرين من آذار/مارس عام 1994 عندما انتخب رئيساً لبلدية اسطنبول أكبر مدن تركيا من حيث عدد السكان وحقق خلال ولايته طفرة كبيرة في العمل البلدي والإنجازات مما أكسبه شعبية كبيرة، إلا أنه اضطر إلى الاستقالة تحت ضغط العسكر في العام 1997.

أدين عام 1998 بتهمة «التحريض على الكراهية الدينية» وأُقصي من الحياة السياسية وسجن لمدة أربعة أشهر في العام 1999. وأخذ عليه القضاء انه قرأ أثناء خطاب جماهيري في كانون الأول/ديسمبر 1997 شعراً يقول فيه: «مساجدنا ثكناتنا، قبابنا خوذنا، مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا، هذا الجيش المقدس يحرس ديننا» وهو الشعر الذي بات يكرره في كثير من خطاباته السياسية مؤخراً.

في تموز/يوليو 2001، أجازت له المحكمة الدستورية العودة إلى السياسة فأسس في 14 آب/أغسطس 2001 حزب «العدالة والتنمية» برفقة الرئيس السابق عبد الله غُل، والذي استقال منه لدى توليه منصب الرئيس في آب/أغسطس من عام 2014.

فاز الحزب في الانتخابات التشريعية التي جرت في تشرين الثاني/نوفمبر 2002، لكن أردوغان لم يتمكن من تولي رئاسة الوزراء لإعلان المجلس الانتخابي الأعلى عدم أهلية انتخابه قبل شهرين من ذلك، وتولى عبد الله غُل (نائبه في رئاسة الحزب آنذاك) المنصب حتى يتسنى له تنظيم انتخابه شخصياً أثناء انتخابات تشريعية جزئية تمكن خلالها من الترشح بفضل تعديلات أقرها البرلمان الذي يهيمن عليه حزبه، وأصبح من بعدها رئيساً للحكومة في 11 آذار/مارس 2003.

واصل الحزب صعوده برئاسة أردوغان وتمكن من الفوز في الانتخابات العامة (البرلمانية) عام 2007 و2011 على التوالي، وواصل أردوغان ترأسه للحكومة طوال هذه الفترة وحتى انتقاله لكرسي الرئاسة، بالتوازي مع فوز الحزب في جميع الانتخابات المحلية السابقة.

في العاشر من آب/أغسطس 2014، فاز في أول انتخابات رئاسية تجري بالاقتراع المباشر من الشعب بنسبة 52٪ من الأصوات، لفترة رئاسية تمتد إلى خمس سنوات جعلته ثاني شخص يحكم تركيا بعد الزعيم التاريخي مصطفى كمال أتاتورك أطول مدة، وأعلن أنه سيسعى إلى كتابة دستور جديد للبلاد، وتحويل نظام الحكم في البلاد إلى «النظام الرئاسي».

تمكن من وضع حد لتدخل الجيش التركي في الحياة السياسية، وشهدت البلاد في فترة حكمه نهوضا اقتصاديا كبيرا وتمكن من تسديد ديونها للبنك الدولي، كما عمل على تطوير الجيش، وقرب تركيا من الدول العربية والإسلامية.

اعتمد أردوغان نهجاً جديداً فيما يتعلق بالمسألة الكردية وأنجز إصلاحات كبيرة، حركتها مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي التي أطلقت في تشرين الأول/اكتوبر2005 وما تزال تواجه صعوبات كبيرة، لكن الأحداث السياسية والأمنية الأخيرة دفعت باتجاه وقف مسيرة السلام مع الأكراد.

اتهم حليفه السابق فتح الله غولن بقيادة محاولة انقلاب ضده من خلال النفوذ الواسع لعناصر ما اسماه «الدولة الموازية» في مفاصل الدولة وخاصة سلكي القضاء والشرطة، وشن ضد أتباعه حربا شرسة ما زالت متواصلة حتى اليوم.

وعلى الرغم من تعرض الحزب الذي أسسه إلى انتكاسة في انتخابات السابع من يونيو/حزيران الماضي، إلا أن أردوغان عمل على دعمه بكل الطرق الممكنة وساهم في عودته لحصد الأغلبية البرلمانية بالانتخابات التي جرت في الأول من تشرين الثاني/نوفمبرالجاري.

ويطمح أردوغان في فترة رئاسية ثانية تمكنه من البقاء على سدة الحكم حتى عام 2023 وهو العام الذي تصل فيه الخطة الإستراتيجية للحزب الذي تقلد الحكم عام 2003 إلى نهايتها، حيث وعد أردوغان بوضع بلاده في هذا التاريخ بين أهم وأقوى 10 دول في العالم.

القدس العربي

 

 

 

إيران: علاقة المصلحة مستمرة مع أردوغان رغم سوريا/ نجاح محمد علي

مهما حصل ويحصل من تطورات وشد وجذب وتنافس وحتى صراع، فان العلاقات الإيرانية التركية تظل تحافظ على وتيرتها السابقة وربما تتقدم نحو الأفضل، مع فوز حزب العدالة والتنمية، بانتظار رفع العقوبات الغربية نهائياً عن ايران لتكون أنقرة، من أكبر المستفيدين من الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، بالرغم من التباين الكبير في الموقف من الأزمة السورية.

طهران التي راهنت كثيراً على الأحزاب التركية المعارضة لحزب الرئيس رجب طيب أردوغان، تستعد مرة أخرى للتعايش مع الواقع الجديد، وما عليها سوى تعزيز تحالفها مع موسكو، والتعامل بروية وبعيداً عن البعد الآيديولوجي، مع «الشيطان الأكبر» الذي قيل إنه عرض عليها فك الارتباط بموسكو والتخلي عن الرئيس السوري بشار الأسد، مقابل الابقاء على نفوذها الأول في سوريا والتعهد بمنع تركيا والسعودية من اللعب فيها.

نظرة إيران لحزب العدالة والتنمية

يسيطر حزب العدالة والتنمية على السلطة منذ عام 2002، وتصنفه التحليلات الإيرانية في خانة الأحزاب المعتدلة والوسط. وبشكل عام ينظر الإيرانيون إلى حزب العدالة والتنمية على أنه حزب يميل للغرب ومقرب من السياسات الأمريكية في المنطقة، وأنه يدافع عن الاقتصاد الليبرالي ويطالب بالتحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي. وأنه يضم أطيافاً سياسية مختلفة من بينها الإسلاميون، والإسلاميون الإصلاحيون، والمحافظون، والقوميون، واليمين الوسط وأنصار التجارة الحرة.لكن وحتى مع التأكيد في إيران أن الانتخابات التركية؛ هي الان بعد إعلان النتائج طريق إلى زيادة صلاحيات أردوغان التي تتناقض مع مصالح الايرانيين في سوريا بل ويحاربهم ميدانيا على الأرض فيها عبر دعمه جماعات يشتبك معها الحرس الثوري الايراني للسيطرة على حلب مثلاً، فان الرأي السائد في طهران لا يقلل من أهمية إيجاد تعاون جاد بين الطرفين ينعكس إيجابياً على ساحات المنافسة التقليدية على النفوذ، في سوريا، وأيضاً في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز رغم أن المنافسة فيهما تجري تحت خيمة منظمة التعاون الاقتصادي إيكو التي تضم ايران وتركيا وباكستان وأفغانستان وأرمينيا والدول الخمس المسلمة في آسيا الوسطى.

ويدرك الإيرانيون أن أردوغان الذي يرغب في تغيير الدستور التركي، ويسعى الى تقليد النموذج الامريكي ليحصل على صلاحيات أكبر لمنصب الرئيس من دون الحاجة للمرور بالبرلمان، لن يصطدم مع المصالح الإيرانية في هذه المناطق لأن المشهد الداخلي التركي وإن كان يؤثر كثيراً في السياسة الخارجية بأنقرة خصوصاً إزاء المسألة السورية وقضية الصراع مع إسرائيل، إلا أنه من وجهة نظر إيرانية، لن يُخرج تركيا عن إطار كونها دولة علمانية تقيم أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية مع اسرائيل، وأن اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وإسرائيل السارية المفعول منذ 2000، تعززت كثيرا في عهد سيطرة حزب العدالة والتنمية الاسلامي على مقاليد الأمور هناك.

كانت عين طهران على نجاح الأحزاب المعارضة بالانتخابات البرلمانية التركية وكان يمكن أن نأمل تقاربا ملحوظا في العلاقات بين طهران وأنقرة في مجال السياسة الإقليمية وبالأخص المساعي من أجل حل الأزمة السورية فيما لو أخفق حزب أردوغان في الحصول على الأغلبية.

لكن حالة الغموض والتخبط التي تشهدها الساحة الداخلية في تركيا كان يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على سياستها الخارجية وعلاقاتها مع دول الجوار. من بينها علاقة انقرة مع جارتها إيران وهو السؤال الأهم الذي يبحث الإيرانيون عن جواب له وعن تبعاته بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية التركية.

ولفهم أفق العلاقات بين البلدين بعد الانتخابات البرلمانية لا بد لنا أن نشير إلى أهمية اختيار وزير الخارجية لتشكيل الحكومة التركية الجديدة بعد الانتخابات، ومدى تأثير هذا الموضوع على السياسة الخارجية التركية. وفي حال حدوث أي تغير في الحكومة الجديدة وتولي وزير جديد لهذا المنصب يمكن له أن يمثل تغييرا جذريا في سياسة تركيا الخارجية إذا ما نظرنا إلى الحزب الذي ينتمي إليه هذا الوزير والسياسة التي يتبعها هذا الحزب حيال منطقة الشرق الأوسط.

طهران والمعارضة التركية

من بين الأحزاب التركية التي كانت ايران ترهن عليها حزب « الجمهورية الشعبي» المعروف بـ»كماليست» أو الأتاتوركية ذات التوجهات العلمانية، فإيران ترى بأن هذا الحزب رغم آيديولوجيته العلمانية إلا أنه الأقرب لإيران في ما يخص سياسته الخارجية. وهذا الحزب الذي استند في شعاراته إلى احلال السلام والأمن الداخلي، والسلام في الخارج، يؤكد ضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار ويعتبر من أبرز الأحزاب المعارضة لحكومة العدالة والتمنية وسياساتها في توسيع رقعة الصراع الداخلي في سوريا ودعمها اللامتناهي للمعارضة السورية.

كما أن دعم حزب الشعب الجمهوري للحل الدبلوماسي للملف النووي الإيراني أحدث تقارباً غير مسبوق مع إيران. وكان زعيم هذا الحزب كمال قليجدار أوغلو قد أكد في وقت سابق على أنه يمكن إيجاد حل للأزمة السورية عبر حوار يجمع جميع أطراف النزاع في سوريا وجميع اللاعبين الدوليين المتورطين في الأزمة.

ورغم أن هذا الحزب لديه آراء قريبة من الغرب حيال القضية الفلسطينية والذي يدعم وجود دولتين فإن طهران كانت ترغب في فوزه، وأن هذا الحزب يطالب بتشديد الإجراءات القضائية ضد الفساد المالي والمتهم الرئيسي في قضية الإيراني رضا ضراب وعلاقته بالمتهم الآخر بابك زنجاني الذي تجري محاكمته في إيران بذات التهم.

وطالب هذا الحزب بإيجاد أرضية مشتركة للتعاون العسكري بين طهران وأنقره والتنسيق الاستخباراتي في محاربة حزب العمال الكردستاني. حيث طالب نائب زعيم الحزب فاروق لوغ أوغلو مرارا في لقاءاته الصحافية بضرورة التعاون الأمني مع طهران.

وفي المقابل حزب العدالة والتنمية الذي أظهر رغبته في المحافظة على علاقات جيدة مع إيران وتنمية المبادلات التجارية مع طهران، إلا أنه لا يزال يعارض بشكل جدي سياسات إيران في المنطقة بالأخص بما يتعلق بالأزمة السورية.

فالخلافات التي تشهدها العلاقات لا تزال تعكر الأجواء، فعلى سبيل المثال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتخذ موقفا متشددا ضد إيران بسبب أحداث اليمن.

أما حزب الشعب الديمقراطي الذي تعتبره الحكومة حزبا كرديا وتمكن من حشد تأييد التيارات اليسارية والمدافعين عن حقوق المرأة وأنصار البيئة في البلاد وبذلك خلق أكبر مفاجأة في الانتخابات السابقة، الأمر الذي مكنه من لعب دور في العملية السياسية في تركيا وإرساء هدنة بين حزب العمال الكردستاني والحكومة، رغم هذا كله لا يمتلك الحزب أي برنامج واضح حول السياسة الخارجية. والمعروف بأن هذا الحزب من أبرز منتقدي الكيان الصهيوني ويدافع عن القضية الفلسطينية الأمر الذي قد يجعله الحزب الأقرب لإيران من حيث الآيديولوجية السياسية.

لكن في المقابل لا يعترف حزب الشعب الديمقراطي بالحدود الفعلية بين دول المنطقة ويعتقد بأن على الأكراد في سوريا نيل حكمهم الذاتي الأمر الذي يتعارض مع مصالح إيران وفيها أقلية كردية قوية.

ومع هذا فأمام حزب الشعب الديمقراطي طريق طويل لكي يتحول إلى حــزب قــــوي ومقتدر في تركيا. وتحثه طهران عبر تحليلات مقربين من النــظـــام على تثـــبيت وترسيخ أسس نفوذه في الساحة الداخلية التركية.

خيبة أمل

والتقى صلاح ديمرتاش وباقي كبار المسؤولين في الحزب قبل الانتخابات بالسفير الإيراني بأنقرة علي رضا بيغدلي واتفق الطرفان على لزوم الحل الدبلوماسي للأزمة السورية.

ومن جاب آخر فإن حزب «الحركة الوطنية» المتطرف يعتبر من أبرز الأحزاب المعارضة للتدخل التركي في الأزمة السورية ويؤكد على الحل الدبلوماسي في الأزمة السورية. كما أن هذا الحزب يعارض دعم حكومة أردوغان للإخوان المسلمين في مصر ويعتبره تهديدا للمصالح التركية العليا وارتبطت معه طهران بعلاقات وثيقة.

استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات البرلمانية أشارت لدى الايرانيين إلى احتمال عدم استطاعة حزب أردوغان الفوز بالأغلبية التي تمكنه من تشكيل حكومة منفردة، ولهذا راهنت طهران كثيرا على علاقاتها مع الأحزاب المعارضة لتغير من وجه السياسة الخارجية التركية بالأخص في ما يتعلق بالأزمة السورية.

استمرار العلاقة بين أنقرة وطهران

وبالنهاية تدرك ايران الآن أن الوضع في سوريا ليس كما كان قبل الانتخابات التركية لأن أي تغيير تجاه الأزمة السورية، لن يحصل إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي، حيث يمكن أن يصدر هذا القرار بعد تغيير موازين القوى لصالح تفاهم بين واشنطن وموسكو وهما تعدّان لهذا القرار بهدوء، بحيث يصدر مصحوباً بآلية تنفيذ تلزم جميع الأطراف فيما تتم تهيئة مناخ اللقاء بين ممثلين عن الأسد ومعارضة سورية مقبولة من الجميع.

ومهما يكن من أمر فان ما بين تركيا وايران الكثير لكي لا تبدي تركيا تحفظات إزاء إشراك إيران في مباحثات فيينا ولكنها أعربت عن استيائها من إشراك مصر.

وفي هذا الواقع الجديد خصوصا بعد الاتفاق النووي الإيراني، يمكن أن ننتظر أن تلعب تركيا وإيران دورا مفصليا في المنطقة في المستقبل، رغم تعقد مصالح كل من البلدين كما يظهر في سوريا.

واقترحت دراسة رفعت للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن تتجه طهران نحو تعميق علاقاتها مع أنقرة بموازاة التحالف مع روسيا الذي قد يواجه عقبات، والانفتاح المتواصل على واشنطن رغم التصريحات الرمادية، لأن تركيا القوة الإقليمية في الربط بين أوروبا والشرق، تضع في اعتبارها إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز والنفط الإيراني إلى أوروبا، وإيران وتركيا هما القوة الحقيقة في المنطقة باستثناء مصر، وفي المستقبل ستتحول هذه الدول الأخرى إلى قوة افتراضية، وستبقى إيران وتركيا هما القوتان الحقيقيتان.

القدس العربي

 

 

حركة غولن خسرت شعبيتها وأصبحت في نظر الشعب معادية لتركيا/ محمد زاهد جول

عند الحديث عن الكيان الموازي في تركيا فإن الأنظار تتوجه إلى جماعة الخدمة التي يرأسها فتح الله غولن، الذي استثمر او استغل نجاح حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2002 في الوصول إلى أهداف كانت محرمة وممنوعة عليه وعلى غيره من المتدينين الأتراك، من قبل الحكومات العلمانية التركية قبل 2002، ومنها حرمانهم من دخول أجهزة الدولة ومؤسسات الحكومة بصفة عامة، وبالأخص منعهم من دخول ميادين القضاء والشرطة وحتى المراكز الحساسة في الإعلام التركي، التي كانت حكراً على أحزاب الدولة التركية العلمانية العريقة مثل حزب الشعب الجمهوري وغيره من الأحزاب التركية اليمنية.

لقد ارتأى حزب العدالة والتنمية منذ استلامه للسلطة السياسية عام 2002 ان مظالم التعيين لقطاع كبير من الشباب التركي يجب أن تنتهي، فعمل على تسهيل دخول المتدينين الأتراك إلى كل ميادين الدولة، طالما كان سجلهم الشخصي خالياً من موانع التعيين إلا كونه شابا متدينا أو منتميا إلى الأوساط الدينية الشعبية أو منتميا إلى الجمعيات الخيرية أو في الأحزاب الدينية المرخص بها مثل حزب السعادة أو غيره، وقام حزب العدالة والتنمية بتسهيل بعض متطلبات تمكين هذه الجمعيات الخيرية ومشاريعها الخيرية، مثل تسهيل امتلاكها للأراضي وجمعها للأموال من تبرعات المحسنين، أو تسهيل قيامهم بأعمال تساعدهم على بناء مشاريعهم وتوسيعها، مثل عقد مؤتمرات ثقافية ومهرجانات دينية أو غيرها، فتوسعت نشاطات الجمعيات الدينية منذ عام 2002، وتمكن الشباب التركي المتدين ان يشعر بكامل حقوق المواطنة، وبالأخص التعيين ودخول كليات الشرطة والقضاء والإعلام وغيرها.

وكانت جماعة الخدمة التي يرأسها فتح الله غولن من أكثر الجمعيات المستهدفة من قبل الحكومات العلمانية قبل العدالة والتنمية، ولذلك سعت إلى دعم حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2002، وسعت إلى استثمار نجاح حزب العدالة والتنمية وتشكيل الحكومة التركية عام 2002 وبعدها، فتغلغلت في مؤسسات الدولة التعليمية والإعلامية وفي قطاع الشرطة والقضاء، وفق خطة مرسومة من رئيس الجمعية فتح الله غولن، حتى صنع شبكة متواصلة ومنظمة تتحرك بأوامره مباشرة، بالرغم من كونه هاربا من تركيا إلى أمريكا منذ عام 1999 بحسب زعمه، وبحسب ضغوط الحكومات السابقة عليه، وعلى فرض صحة زعمه بوجود شبه تثبت أنه خرج من تركيا تحت ضغوط حكومية، إلا ان حكومة العدالة والتنمية فتحت له المجال ان يعود إلى تركيا، ولكنه فضل الإقامة في أمريكا، وفي الغالب انه فضل ذلك بسبب ارتباطه مع شبكات داخل تركيا وخارجها، وبالأخص في أمريكا حيث يستطيع التحرك من خلالها بكل حرية ودون ان تكشف مخططاته ولا اهدافه.

كررت جماعة الخدمة دعمها السياسي لحزب العدالة والتنمية في انتخابات 2006، ولكن حزب العدالة مع عام 2007 بدأ يواجه التحديات بسبب فوز للمرة الثانية في انتخابات 2006 ومحاولة ترشيحه لأحد مؤسسيه السيد عبدالله جول رئيسا للجمهورية التركي، كأول رئيس للجمهورية التركية من حزب العدالة والتنمية خاصة ومن قبل التيار الديني عامة، فواجه ترشيح عبدالله غولن معارضة كبيرة من المؤسسة العسكرية ومن الدولة العميقة في تركيا، وفي نفس العام ظهرت بوادر اول انقلاب على حكومة العدالة والتنمية، وتبين أن قوى داخلية وخارجية كانت تؤيد هذا الانقلاب، لأن الصفة الغالبة على الانقلاب هم الجنرالات المتقاعدون وعلمانيون وإعلاميون كان لهم صداقات أو صلات مع جماعة الخدمة وحركة فتح الله غولن، ولكن دون ان يكونوا متلبسين بأعمال مشاركة في محاولات الانقلاب على حكومة العدالة والتنمية حتى منتصف عام 2013، عندما خرج قلة من المتظاهرين في ميدان تقسيم داخل مدينة اسطنبول محتجين على محاولة بلدية اسطنبول قطع بعض أشجار حديقة جيزي بارك، فكان تحرك الشرطة التركية من أجل السماح للبلدية بتنفيذ القرار المتخذ من قبل البلدية المكون اعضاؤها من كل الأحزاب التركية، بحسب نسب الانتخابات البلدية، بمن فيهم أعضاء حزب الشعب الجمهوري، ولكن عملية الاحتجاج ضد قطع الأشجار تم استثمارها من قبل وسائل إعلام داخلية وخارجية على أنها احتجاجات ضد سياسات أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وقد ثبت أن وسائل إعلام يسيطر عليها فتح الله غولن مثل مؤسسة دوغان كانت من المؤسسات الإعلامية التي ساعدت على تزوير حقيقة تلك الاحتجاجات الشبابية، فقد كانت الاحتجاجات في البداية مجرد احتجاجات لقطع أشجار فقط، وتم تضخيمها إعلاميا لتظهر وكانها ضد حكومة أردوغان واحتجاجاً على حكومة حزب العدالة والتنمية، وانها تطالب بإسقاط حكومة حزب العدالة والتنمية التي يرأسها أردوغان، وهي منتخبة من الشعب التركي بانتخابات برلمانية عام 2011 ، وكانت أكبر انتخابات يحوز فيها حزب العدالة والتنمية على 49.7٪، أي أن الحكومة التركية كانت حكومة ديمقراطية منتحبة، ولكن بعض وسائل الإعلام الخارجية ومنها العربية وصفت تلك الاحتجاجات بانها ثورة الربيع التركي.

كانت مشاركة جماعة فتح الله غولن ضد حكومة حزب العدالة والتنمية نقطة مثيرة للاهتمام اولاً، ومثيرة للريبة ثانياً، فكيف ولماذا تحول فتح الله غولن للتحالف مع المعارضة التركية وهي من الأوساط العلمانية التي احتقرته في الماضي، كيف له ان يتحالف معها أو يضع نفسه في خدمتها ضد من قدم لع العون والمساعدة في الماضي، ولماذا يقدم على ذلك؟ لم يطل انتظار الجواب كثيراً حتى قامت حركة فتح الله غولن السرية بمهاجمة رئيس الوزراء التركي في منتصف كانون أول 2013 باتهام ثلاثة وزراء من حكومة أردوغان بعمليات فساد، وبعدها بأيام بتاريخ 27 كانون اول /2013 اتهمت وسائل تابعة لإعلام فتح الله غولن أردوغان نفسه بالتواطئي مع الوزراء وابنه بلال في اعمال فساد اخرى وان لديها تسجيلات تنصت على أردوغان وابنه بلال على تهريب أموال، ولكن ثبات الحكومة والرئيس أردوغان في وجه المؤامرة وما أعقبها من ضخ إعلامي فاسد حال دون نجاح خطتهم، التي ثبت تآمرها على الدولة التركية لاحقا، بكشفها عن تسجيل تجسسي لاحد اجتماعات مجلس الأمن القومي التركي، يكشف عن محادثات ومباحثات بين قيادات عسكرية تركية مع مدير المخابرات التركية هاكان فيدان وبحضور وزير الخارجية أحمد داود اغلو في ذلك الوقت، يتحدثون فيه عن خطة لتدخل الجيش التركي في سوريا، وأنهم يبحثون عن مبررات ذلك في ذلك الاجتماع.

كان الكشف عن هذا التسجيل للمحضر السري لمجلس الأمن القومي التركي الضربة القاضية التي رمت تنظيم فتح الله غولن على الأرض، إذ ثبت انها منظمة ذات نفوذ قوي داخل الدولة التركية، وقد بلغت فيها الجرأة أن تتجسس على اجتماعات مجلس الأمن القومي السرية، وهذا خطر يهدد امن الدولة التركية بكافة مؤسساتها الأمنية والعسكرية والسياسية، مما قلب السحر على الساحر، فقامت أجهزة الدولة الأمنية بالبحث عن جذور ذلك التسجيل وتتبعت خيوطه حتى بلغت أن هذا التنظيم يمثل كيان دولة متنفذة داخل تركيا توازي الدولة الشرعية المنتخبة، وأن لديها ملايين التسجيلات غير القانونية لآلاف المسؤولين الأتراك العسكريين والمدنيين، حتى دخلوا في عمليات تجسسهم إلى غرف نومهم وحياتهم الخاصة، والأخطر من ذلك أنها على ارتباط بأجهزة استخبارات خارج تركيا أيضاً، ومنذ ذلك الحين أخذت الدولة التركية تتابع خيوط هذا التنظيم لخطورته على أمن الدولة التركية، وقيامه بأعمال مخالفة للقانون، وتم اعتقال المئات من أعضاء التنظيم للتحقيق معهم، الذي اخذ المسؤولون الأتراك يصفونه بالكيان الموازي، والذي أدخله مجلس الأمن القومي التركي في «كتابه الأحمر» السري، في قائمة التنظيمات الإرهابية التي يتوجب على الدولة التركية وكافة اجهزتها الأمنية والعسكرية والاستخباراتية مكافحتها، وأخذ كامل الحذر والحظر عليها، وتمت لاحقاً محاكمة فتح الله غولن على خلفية افترائه على إحدى الجمعيات الخيرية باتهامها بانها تنظيم ارهابي، مما أدى إلى سجنهم ظلماً، إذ تبين من خلال القضاء التركي العادل بان الجمعية المتهمة بريئة من تلك التهمة، وبعدها رفعت تلك الجمعية دعوى مقابلة على جماعة فتح الله غولن قضية رد الاعتبار والمطالبة بالتعويض، فقامت المحكمة التركية بالحكم على كل من تسبب بذلك ومنهم فتح الله غولن وحكمت عليه بالسجن المؤبد في شهر حزيران 2015.

لقد قامت حركة فتح الله غولن في بداية تأسيسها كأحد فروع حركة بديع الزمان النورسي بأعمال جمعية خيرية وتعليمية ودعوية تبشيرية، وتعرضت في بعض مراحلها لأنواع من الاضطهاد الحكومي مثل باقي الحركات الخيرية ذات الصبغة الدينية، ولذلك وجدت في نجاح حزب العدالة والتنمية فرصة جيدة لعملها، وبالأخص ان جماعة الخدمة ورئيسها فتح الله غولن كان على خلاف كبير مع مؤسس الحركة الإسلامية في تركيا المرحوم نجم الدين اربكان، فاستغلت التسهيلات والمساعدات التي قدمها أردوغان لها في مرحلة التمكين الاعلامي والقضائي والشرطي وغيرها، ولكنها في الغالب وجدت من خلال إقامة رئيسها فتح الله غولن في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية عروضا للتعاون ضد حكومة العدالة والتنمية، سواء مع أحزاب المعارضة التركية، أو مع بعض التنظيمات العالمية التي تعادي حزب العدالة والتنمية ورئيسه وحكومته، وبالأخص بعد عام 2007، وبالتالي فإن سلوك حركة فتح الله غولن المريب وبالأخص السلوك الإعلامي المعادي لحكومة العدالة والتنمية ورئيسها أردوغان، قد فتح الأعين على دورها التنظيمي المعادي للحكومة التركية حتى انفجار تهم الفساد التي أثبت القضاء التركي بطلانها، فتم الكشف عن التنظيم الموازي او الكيان الموازي الذي يعمل ضد الدولة التركية وليس ضد حكومة العدالة والتنمية فقط.

وخلاصة القول ان حركة فتح الله غولن خسرت شعبيتها في تركيا وأصبحت في نظر الشعب التركي حركة معادية لتركيا، وما بقي من تعاطف معها هو لأفراد قلائل، ثبت في الانتخابات البرلمانية عام 2011 و2015 وفي الانتخابات الرئاسية عام 2014 فضلا عن الانتخابات البلدية المتعاقبة بأن وزنها في الشارع التركي ضعيف جدا، بل أوشك على الاندثار، ولكن مصطلح الكيان الموازي أصبح رمزاً سلبيا لكل من يعمل ضد الأمن القومي التركي من داخل تركيا، سواء كان من حزب العمال الكردستاني او حركة فتح الله غولن أو غيرها.

القدس العربي

 

 

 

 

 

“الخادم القائد” و”شياطين التعصب”/ امين قمورية

لم يحلم أي من اكراد هكاري بأن يكون لهم مطار في منطقتهم التي تشكل معقلاً لتمرد “حزب العمال الكرستاني”، ومع ذلك حقق اردوغان لهؤلاء مرادهم قبل أشهر قليلة أملاً في كسب أصواتهم في الانتخابات المفصلية. لكن انتصاره الساحق الاحد كان ينغصه سقوط كل مرشحي حزبه في هذه المحافظة ونجاح المرشحين الثلاثة لحزب الشعوب الديموقراطي.

والامر نفسه تكرر في محافظات أخرى يقطنها الاكراد، أما في مدينة ماردين التي “حررها” الجيش التركي من المتمردين وجعلها مسكناً لضباطه وجنوده فلم ينل الحزب الحاكم منذ 13 سنة إلا 29 صوتاً فقط من أصواتها.

تحت مقولة “الخادم القائد” حقق “بابا طيب” في عقدين ما لم يحققه أي زعيم تركي من قبل. إعتمد منهج القيادة بالخدمة، شق الطرق، بنى الجسور، شيد القصور، افتتح المطارات، انجز مدنا سكنية، ونقل تركيا من مستوى الدولة النامية الى مرتبة الدول النخبة اقتصاديأ. هذه “الخدمة” توجته سلطاناً وكانت سبباً لفوزه الباهر امس الذي اذهل الاصدقاء قبل الخصوم بمن فيهم هو نفسه. لكن هذه الخدمات فعلت فعلها الايجابي في مناطق وبين فئات اجتماعية محددة، بينما فعلت العكس في مناطق أخرى وبين فئات اجتماعية أخرى، فهل المشكلة تكمن في طبيعة التنمية، أم ان الخدمات والمشاريع تصير ثانوية عندما تحضر النعرات الطائفية والعرقية؟

الأكراد صوتوا لحزب الشعوب الديموقراطي، لم تغرهم الخدمات ولم تردعهم عن دعم حزبهم لا الحرب الاعلامية عليه ولا الحرب العسكرية على نصيره “حزب العمال”. هذه الحرب سرقت من حزب الحركة القومية نسبة من جمهوره المطالب بمزيد من الحزم ضد خصمهم العرقي لمصلحة الحزب المحارب لكنها لم تحرم الحزب الكردي دخول مجلس النواب.

العلويون الاتراك لم تحفزهم لا حرب اردوغان ولا خدماته وابقوا ولاءهم لممثلهم الشرعي والتاريخي، حزب الشعب الجمهوري الذي حافظ على نسبته كما هي.

اردوغان كسب في صناديق الاقتراع كسباً واضحاً بنجاحه في تجييش الاكثرية المذهبية والقومية خلفه، لكن مفاعيل سحر “القائد الخادم” بددتها “شياطين” العصبوية والتقوقع.

تركيا، كباقي دول المنطقة، سرها في تنوعها، فهو في آن واحد مصدر تميزها وعقب أخيلها. ولعل قراءة متأنية لطبيعة التصويت الانتخابي وخلفياته تظهر حساسية التمايزات بين الأقليات القومية والدينية المكونة للمجتمع. وعليه، فاما ان يعمد اردوغان بعد نيله مراده السلطوي، الى إعادة لم الشمل بين هذه المكونات ومعالجة الجروح البالغة التي اصابت العلاقة مع الاكراد والعلويين خصوصا، وإما ألا تكون “شياطين ” التعصب في المنطقة حكراً على دولة دون الاخرى.

النهار

 

 

 

 

الأتراك صوّتوا ضد بوتين أيضاً؟/ علي حماده

باستعادة حزب التنمية والعدالة التركي بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان الغالبية المطلقة في البرلمان، أسدل الستار أخيراً على الارتباك التي اصاب مؤسسة الدولة في تركيا منذ انتخابات حزيران الماضي التي كان خسر فيها تلك الغالبية الثمينة. اسدل الستار على حال الارتباك في مؤسسات القرار العليا في البلاد ولا سيما في ما يتعلق بالازمة السورية وسياسة تركيا حيالها، وبناء عليه يمكن أردوغان ان يعود الى اتخاذ قرارات مستنداً الى نتائج الانتخابات التي اظهرت أمرين مهمين في ما يتعلق بالسياسة الخارجية : الاول ان معظم تركيا تقف خلف حكم قوي في التعامل مع اشكالية العلاقة المأزومة مع الاكراد وبالتحديد المنظمات العسكرية وفي مقدمها “حزب العمال الكردي”، فضلاً عن الاشكالية الاخرى المتعلقة ببروز ملامح “دويلة” كردية في الشمال السوري على الحدود المشتركة مع تركيا. وهذه قضية تتعلق بالكرامة الوطنية التركية، وبالامن القومي الذي تمكن أردوغان من استقطاب نصف الناخبين الاتراك حوله.

أما الأمر الثاني، فيتعلق بمكانة تركيا في المنطقة، بدءاً من الأزمة السورية. وثمة من قال من المراقبين ان التركي صوّت الى جانب الاستقرار، وفي الوقت عينه صوّت في مكان ما مع “السلطان” رجب طيب أردوغان ضد “القيصر” فلاديمير بوتين، الذي بسياسته الخارجية المتوترة مع محيطه، أيقظ شعوراً “عثمانياً” قديماً يستمد جذوره عميقاً من الصراع على مدى قرون طويلة مضت بين السلطنة العثمانية وروسيا القيصرية. من هنا فقد يكون الناخب الذي اعطى صوته لأردوغان إنما صوّت ضد الارهاب الذي يدقّ أبواب تركيا، وضد التوسعية الروسية المسلحة التي تحوم حول حدود تركيا.

بالطبع لا يمكن التعويل على انتصار أردوغان وحده لكي يتغير شيء ملموس في مقاربة تركيا للازمة السورية. فليس مؤكداً ان أردوغان سيعتمد سياسة أكثر صلابة في سوريا، فيما يدرك ان ثقة الناخب التركي ليست مطلقة، وانما تخضع لمقياس النجاحات التي يحققها أردوغان على صعيدي الاستقرار الامني والنمو الاقتصادي.

ان الايجابية الاساسية لانتصار أردوغان ان تركيا المؤثرة الى حد بعيد بمصير الصراع في سوريا لن تتغير، بل ان قرارها هنا صار أكثر استقراراً. ثم ان أردوغان الذي كان مرتبكا منذ حزيران الفائت سيكون أكثر ثقة باستناده الى وكالة شعبية قوية ليجلس الى طاولة التفاوض حول مصير سوريا، فيما تواصل روسيا ضرب العديد من الفصائل السورية المعارضة التي تحظى برعاية تركية الى جانب رعاية الدول العربية الداعمة للثورة كالسعودية وقطر.

السؤال اليوم: الى اي مدى سيواصل بوتين استهداف الفصائل التي تدعمها تركيا من دون ان يسمع رداً تركياً على الارض؟

انتهت الانتخابات التركية، وبانت الصورة للمرحلة المقبلة، مما يحتم على السعودية التي تقاتل على أكثر من جبهة ان تعمل بجدية على بناء حلف مع تركيا أكثر قوة بنتائج انتخابات واضحة. فحلف روسيا – إيران لا يواجه جدياً إلا بحلف السعودية – تركيا سواء عقد مؤتمر “فيينا -٢” أو لم يعقد.

النهار

 

 

 

نجاح حزب العدالة والتنمية في تركيا فوز أمة ونصر دولة/ محمد زاهد جول

كثيرة هي التحليلات السياسية التي سوف تسعى لتفسير أسباب الفوز الكبير لحزب العدالة والتنمية في انتخاباته البرلمانية الخامسة 1/11/2015 التي بدأت في تركيا منذ عام 2002.

هذه التحليلات لن تستطيع الاقتراب من الحقيقة، ما لم تقرأ هذا الفوز في سياق الفوز في الانتخابات الحادية عشرة التي خاضها حزب العدالة والتنمية في السنوات الماضية، والتي شارك فيها وعرض نفسه فيها على الشعب التركي والتصويت الشعبي وينجح فيها جميعاً، بما فيها ترشيحه لمؤسسيه في الانتخابات الرئاسية وفوزه فيها عام 2007 بفوز الرئيس عبدالله جول، وفي 10 أغسطس 2014 بفوز مؤسس الحزب السيد رجب طيب أردوغان، برئاسة الجمهورية التركية، فضلاً عن الاستفتاءات التي فاز فيها في مشاريع تعديل الدستور، فهذه الخلفية هي التي تعطي سر النجاح الحقيقي، فهي مليئة في الإجابة الوافية، التي ينبغي قراءة حدث انتخبات الأول من نوفمبر 2015 من خلالها، ومن خلالها أيضا ستتم معرفة ما جرى في انتخابات 7يونيو 2015، التي لم تمكن حزب العدالة والتنمية من تشكيل الحكومة بمفرده.

السر الأول لنجاح حزب العدالة والتنمية أنه استطاع إقناع الشعب التركي بأنه هو حزب الهوية التركية الحضارية الصادقة والحقيقية، وحزب الديمقراطية المحافظة، وحزب علمانية مؤسسات الدولة، وليس علمانية مؤسسات المجتمع التركي ومشاعره وقيمه وأخلاقه، وحزب العمل الحزبي القانوني والدستوري، بينما الأحزاب السياسية الأخرى أرادت فرض هويات أخرى، إما علمانية غربية لا تحترم هوية الأمة التركية ولا تاريخها، وإما أحزاب قومية ضيقة كارهة للوحدة الوطنية، وإما أحزاب سياسية عنصرية ترتبط بأجندة خارجية معادية لتركيا القوية والمتقدمة، أي أن الأحزاب السياسية التاريخية، ومنها حزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية، فقدت قدرتها على أن تكون مقنعة للشعب التركي في تمثيله في هويته القومية الحضارية التاريخية والحديثة والمعاصرة معاً، كما نجح فيها حزب العدالة والتنمية، فحزب العدالة والتنمية هو حركة إصلاحية لكل الشعب التركي، وليس لقومية معينة، وليس لطائفة معينة، وإنما لكل الشعب التركي ونهضته وتقدمه.

أما حزب الشعوب الديمقراطي فليس الغريب أن لا يحصل في انتخابات 1 نوفمبر على النسبة نفسها التي حصل عليها في السابع من يونيو الماضي، وإنما الغريب أنه حصل على تلك النسبة في السابع من يونيو، لأن الكرد في تركيا هم أقرب إلى حزب العدالة والتنمية من حزب الشعوب الديمقراطي، الذي تم تأسيسه من قبل زعيم حزب العمال الكردستاني ومباركة منه، حتى يكون ممثلاً سياسيا لمطالب الشعب الكردي في تركيا، وليس حزبًا مؤيدًا للإرهاب ولا معاديا للشعب التركي، ولذلك كانت مهمته أن يدخل البرلمان التركي ليكون ممثلا سياسيا للأكراد، لتحقيق وحدة أقوى في الانتماء الوطني للدولة التركــية، وهــذه المهمة شجعها حزب العدالة والتنمية منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002، ولكنه لم يعبر عنها صراحة إلا عام 2005 على لسان رئيس الحزب ورئيس الوزراء، رجـــب طيب أردوغان، في ذلك الوقت، وقد بدأت الحكومة التركية الخطوات العملية في مشروع المصالحــة الوطنية عام 2009، وبطريقة سرية بين هاكان فيدان مدير المخابرات الوطنية التركية وقيـــادات من حزب العمال الكردستاني داخل تركيا وخارجها، حتى توصلت إلى توافقات مبدئية في يونيو 2013، ولذلك فإن نجاح حزب الشعوب الديمقــراطي في دخول البرلمان كان مطلبا للحكومة الـــتركية وحزب العدالة والتنمية، كما هو مطلب لعبدالله اوجلان ولقيادات حزب العمال الكردستاني الراغبة في المصالحة الوطنية ونجاح عملية السلام داخل تركيا.

لذلك كان فوز حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات 7 يونيو ضمن رؤية متفق عليها بين الحكومة التركية مع حزب الشعوب الديمقراطي، وتلبية لرغبة أوروبية وأمريكية في تمثيل الأكراد في البرلمان، من خلال نواب حزب الشعوب الديمقراطي، ولذلك جرى رسم عدة معادلات واتفاقيات علنية وسرية لإنجاح حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات 7يونيو، مع وجود قناعة تامة بأن ذلك الفوز لن يكون على حساب حزب العدالة والتنمية، ولكن عدم قدرة حزب العدالة والتنمية على تشكيل الحكومة بسبب عدم فوزه بالأغلبية المطلوبة، فتح المجال لكل الأحزاب التركية المعارضة في داخل تركيا، ولكل القوى الدولية المعارضة لسياسات حزب العدالة والتنمية داخل تركيا وفي المنطقة، أن تطمع باستغلال الظروف السياسية غير المستقرة في تركيا، ودعاها ذلك إلى وضـــع العراقــــيل أمام حزب العــــدالة والتنمية لإضعافة أولاً، وفرض إرادتهم بإضعاف تركيا ثانياً، واللعب في ميدانها السياسي داخل تركيا وعلى حدودها، بما يؤثر على أمنها القومي، وبالأخص من داخل سوريا، وللأسف فإن قيادة حزب الشعوب الديمقراطي الفاقدة للخبرة السياسية، والخاضعة لأوامر قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، والمرتبطة ببعض القوى الأوروبية والأمريكية المناهضة لسياسة الحكومة التركية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، كانت شاركت في ذلك، فكانت مخطئة في فهم الشعب التركي، ومخطئة في تقدير جوابه وربما عقابه لها.

لقد كان سلوك حزب الشعوب الديمقراطي خلال الأشهر الأربعة الماضية ضد مشاعر الشعب التركي والكردي معاً، فالشعب التركي والكردي أرادوا نجاحه وانتخبوه ليعمل ويتعاون مع الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية لمصلحة الشعب التركي كله، وفي كل مناطقه الجغرافية، ولكنه أخطأ في انتهاز هذه الفرصة التاريخية بسبب خضوعه لأوامر قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل الخاضعة لأوامر الحرس الثوري الإيراني، لذلك لم يكن أمام الشعب التركي إلا أن يصحح أخطاء الانتخابات الماضية، فهو لا يريد أن يعطي أصواته لحزب الشعوب الديمقراطي من أجل ان يحاربه بها، ولم يكن يتوقع الشعب التركي في انتخابات 7 يونيو، أن حزب العدالة والتنمية لن يتمكن من تشكيل الحكومة، وإلا لما وافق على تغيير تصويته لأحد غيره، فلا يقبل أي شعب أن ينزع رأسه عن جسده، ولا أن يتزعمه حزب غير حزب العدالة والتنمية.

إن حزب العدالة والتنمية هو حزب العقل التركي الحديث، وليس عقل أردوغان ولا عقل أحمد داود اوغلو، فهو نتاج تجربة سياسية منذ نشوء الجمهورية قبل اثنين وتسعين عاماً، فحزب العدالة والتنمية هو خلاصة عقل الشعب التركي بعد كل هذه العقود والسنين من المعاناة والفشل والتأخر والتخلف والخضوع للإرادة الأمريكية والأوروبية والمديونية لصندوق النقد الدولي وانهيار الليرة التركية في السنوات والعقود الماضية، ولذلك ليس غريباً عندما تعرضت تركيا للخطر بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في سوروج وأنقرة أن تهجر القيادات المخلصة للأحزاب السياسية التركية الأخرى أحزابها وتلتحق بحزب العدالة والتنمية، فهؤلاء الأبطال أدركوا أن المعركة ليست مع حزب العدالة والتنمية، كما حاول الأعداء أن يصوروها أمام الشعب التركي، وإنما المعركة مع الشعب التركي كله، فالتحق من التحق من أبناء الأحزاب السياسية الأخرى إلى حزب العدالة والتنمية لإنجاح تركيا وليس لإنجاح حزب العدالة والتنمية، إلا بما يمثله من مصداقية لإرادة الشعب التركي وقوته ودفاعه عن مكتسباته، وحمايته من الإرهابيين ومن يقفون وراءهم داخل تركيا وخارجها.

لا شك أن منجزات حزب العدالة والتنمية في السنوات الثلاث عشرة الماضية التي حكم فيها ونفذ من خلالها برامجه الانتخابية، كان لها دور كبير في نجاحه، لأنها كانت كبيرة أيضاً وشهد بها خبراء العالم الاقتصاديين، وكذلك كان لوعوده المستقبلية في انتخابات الأول من نوفمبر دور في نجاحه أيضاً، ولكن الأهم من كل ذلك هو أن هذا الحزب كسب ثقة الشعب التركي، فلما تعرض الشعب لمخاطر الإرهابيين في سوروج وأنقرة وغيرها هرع الشعب كله لانتخاب من يحميه من أعدائه، ومن يستطيع محاربة الإرهابيين الذين يستهدفون تركيا في الداخل والخارج.

إن نسبة التصويت التي يتمتع بها الشعب التركي وهي الأعلى عالمياً، حيث بلغت 87٪ من الذين يحق لهم التصويت هي دلالة قاطعة بأن الشعب التركي في هذه الانتخابات البرلمانية دافع عن نفسه وعن حقوقه وعن مستقبل أبنائه، فانتخابات الأول من نوفمبر لعام 2015 كانت انتخابات حماية تركيا من الأعداء، وتسليم مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان) والحكومة التركية للأمناء، ولكل من يدافع عن تركيا ويحميها من الإرهابيين، وكل من أراد حماية تركيا من أعدائها، قد فاز في هذه الانتخابات بغض النظر عن قوميته او حزبه السياسي الذي ينتمي له، سواء صوت لحزب العدالة والتنمية أو لغيره، فالفوز هو للأمة، والانتصار هو للدولة.

٭ كاتب تركي

القدس العربي

 

 

 

تركيا: الأتراك السنة قوميين وإسلاميين ساندوا حزب أردوغان/ وائل عصام

اسطنبول ـ «القدس العربي»: لعبت استقطابات الهوية التي ولدها الصراع الكردي عاملا أساسيا في ترجيح كفة حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية.

وإضافة للقضية الكردية الداخلية فإن المناخ الإقليمي المشحون بالتوترات الطائفية والعرقية مع العلويين والأكراد في المشرق العربي الذين يشكلون مجتمعين نحو ثلث السكان في تركيا، هذا المناخ دفع بثلثي السكان وهم من الأتراك السنة للتوحد بشقيهم قوميين وإسلاميين، خلف الحزب الذي سيحافظ على مكانتهم في تركيا.

أما المتدينون الأكراد الذين رجحوا كفة حزب الشعوب ذي الميول اليسارية في الانتخابات الماضية، فقد عادوا هذه المرة ليمنحوا أصواتهم لحزب العدالة مسهمين مع خصومهم الأتراك القوميبن بانتصار مزدوج لحزب اردوغان.

ومن الواضح من خلال نتائج الانتخابات ان عودة النزاع المسلح مع الأكراد الانفصاليين في شرق البلاد اثرت بشكل حاسم على التحول بتوجهات الناخبين، ورفعت من التوتر الداخلي في بعض المحافظات التركية خصوصا بعد عمليات مسلحة نفذتها تنظيمات كردية ادت لمقتل عدد غير قليل من الجيش ورجال الامن الاتراك، إضافة للتهديدات المتنامية من الأكراد شمال سوريا ما انعكس على محافظات الجنوب التركي المحاذية للحدود السورية.

استفاد حزب العدالة إذن من تصاعد النزاع الكردي لسحب اصوات من القوميين الأتراك في حزب الأمة ومن الأكراد في حزب الشعوب.. فكيف حصل ذلك؟

بالنسبة للقوميين الأتراك فهم الأكثر عداء للأحزاب الكردية، وكانوا معارضين لسياسات حزب العدالة بانجاز تسوية معهم، لكن وجدوا ان عدم فوز حزب العدالة بأغلبية مريحة تمكنه من تشكيل الحكومة قد يضعف قوة المواجهة العسكرية للتنظيمات الكردية، ويقوي من شوكة الحزب الجمهوري الأتاتوركي القريب أيدولوجيا من حزب الشعوب اليساري، وسيؤدي ذلك إلى شلل البلاد واضعافها اقتصاديا، وهنا تراجعت الأجندات الحزبية الضيقة لجمهور الحزب القومي أمام صراع الهوية الذي أطل بوجهه صارخا، فجمهور الحزب القومي يشترك مع جمهور حزب العدالة بأنهما من الأتراك السنة، أي ان الأغلبية الساحقة للأتراك السنة تتوزع أصواتها بين حزب العدالة والحزب القومي، بينما حزب الشعوب جمهوره من الأكراد، والحزب الجمهوري الأتاتوركي معظم جمهوره من العلويين الأتراك والعرب ونسبة قليلة من الأتراك السنة في اسطنبول وأقصى الساحل الغربي كأزمير مرتبطين في الحقبة الأتاتوركية.

هذا التوزيع لخريطة الأحزاب المرتبط بشكل وثيق بالتركيبة العرقية والمذهبية في تركيا يجعلنا قادرين على تفسير المشهد السياسي بصورة عميقة، خاصة عند المنعطفات والاستقطابات الحادة التي تغلب فيها انتماءات الهوية على الحسابات الحزبية والاقتصادية.

لقد قرر الأتراك القوميون منح نصف مقاعدهم بالبرلمان لمنافسهم السني داخليا وحليفهم امام اكراد وعلويي تركيا، حزب العدالة الإسلامي.

كانت النتائج مذهلة، فلقد حاز حزب الأمة القومي ثمانين مقعدا بالانتخابات السابقة، بينما تراجعت مقاعده في جولة الإعادة الأخيرة لأربعين مقعدا فقط وذهبت الأربعون الأخرى لحزب العدالة!

وكانت هذه الاربعون هي المنحة الأهم التي حصل عليها والتي رفعت عدد مقاعده في الجولة الأخيرة ستين مقعدا، أربعون منها حصل عليها من الحزب القومي وعشرون من جمهور الأكراد المحافظين كما سيأتي لاحقا.

ورغم ان نسبة التصويت لصالح الحزب القومي انخفضت من ٪16 إلى ٪11، إلا ان تشارك الحزب القومي مع حزب العدالة بالتنافس داخل إطار الأتراك السنة في نفس المحافظات جعل هذه النسبة القليلة كبيضة القبان، بأربعين مقعدا.

اما بالنسية للأكراد فمعظم جمهورهم يصوت عادة لحزب الشعوب اليساري القومي الكردي الذي يعكس توجهاتهم في محافظاتهم الشرقية حيث يتمتعون بأغلبية كبيرة، ولكن هناك نسبة من المحافظين الأكراد المتدينيين وجدت ان حزب العدالة حقق لها قدرا من الطمأنينة كاكراد وكمحافظين متدينيين، ان كان باستجابته لحقوق الأكراد ومحاولاته لانجاز تسوية، أو بتلبية الشق الإسلامي في ثقافتهم المختلفة عن ثقافة القوميبن الأكراد ذوي الميول اليسارية المعادية للدين.

والأهم من ذلك ان شريحة الأكراد المحافظين هذه وجدت في حزب العدالة شريكا للأكراد داخل تركيا يجمعهم فيه الهوية الإسلامية، وهو بديل لا غنى عنه امام القوميين الأتراك المتعصبين بعدائهم للاكراد والذين كانوا طوال فترة حكمهم في العقود الماضية رافضين لأي تسوية مع المطالب الكردية.

هذه الشريحة من الأكراد المحافظين والتي تقدر بنحو ربع الأكراد، صوتت في الجولة السابقة لحزب الشعوب ضمن حملة كردية شاملة في تركيا هدفت لادخالهم البرلمان لأول مرة بتجاوز حاحز العشرة بالمائة، ولكن بجولة الإعادة الاخيرة باتت التوترات مع الأكراد في أوجها وشعرت هذه الشريحة بالخوف من تصاعد قوة خصومهم المتعصبين القوميين الأتراك أو حتى الأتاتوركيين المعادين للدين، فقرروا العودة لخيارهم الأول.. وهكذا وبعد ان كان الأكراد قد منحوا حزب الشعوب الكردي 80 مقعدا في الجولة السابقة، عادوا وانتزعوا منه نحو عشرين مقعدا ومنحوها لحزب العدالة، لتشكل نحو ثلث المقاعد الجديدة التي حصل عليها حزب العدالة، والتي بلغت نحو ستين مقعدا، أربعون منهم من جمهور الأتراك السنة في الحزب القومي وعشرين من الأكراد المحافظين الذين صوتوا سابقا لحزب الشعوب اليساري الكردي.

بينما لم يخسر الحزب الجمهوري الأتاتوركي أية مقاعد أو نسبة، بل على العكس ارتفع قليلا، وهذا يعود لجمهوره المستند بأغلبيته لتركيبة يمكن وصفها بالعقائدية، من الصعب لاي اعتبارات سياسية أو اقتصادية ان تدفعه للتحول لحزب اخر. تماما كالكتلة الصلبة لجمهور حزب العدالة أو حزب الشعرب الكردي.

واضافة للأصوات المتحولة من حزب الشعوب اليساري وحزب الأمة القومي فان شريحة صغيرة حولت أصواتها من جمهور الاحزاب الإسلامية الصغيرة كحزب السعادة الموالي للرئيس السابق اربكان،ايضا في اطار تحالف الأتراك السنة مع حزب العدالة رغم خصومتهم السياسية معه، فانضمت لإسعافه في هذه الانتخابات المصيرية، وتقدر نسبتها بأثنين في المائة.

وهكذا فان إعادة استعراض للنتائج، يلخص التحولات التي طرأت على خيارات الناخب.

فحزب العدالة حصل في الانتخابات السابقة على 41‎٪‎، وارتفع في جولة الإعادة الحالية لـ49‎٪‎، وبلغة المقاعد بالبرلمان، 258 في الانتخابات السابقة و317 في الحالية (عدد مقاعد البرلمان 550)، بارتفاع نحو ستين مقعدا،

وحزب الجمهوري الأتاتوركي بقي ثابتا مع ارتفاع بسيط، في حاجز 25‎٪‎ من أصوات الناخبين، وبلغة المقاعد ارتفع من 132 مقعدا في الانتخابات السابقة إلى 134 في الحالية، ولم ينسحب أي من جمهوره لحزب العدالة، بينما حزب الأمة القومي فقد حصل في الانتخابات السابقة على نحو 16‎٪‎، وانخفض لنحو 11‎٪‎، وبلغة المقاعد وهنا تبدو المسألة أوضح، حصل في الانتخابات السابقة على 80 مقعدا، وفي جولة الإعادة الحالية انخفض إلى 40 مقعدا فقط، وذهب فرق الاربعين مقعدا لحزب العدالة.

حزب الشعوب الكردي كان حصل في السابقة على 13‎٪‎ تقريبا، والحالية على 10‎٪‎، وانخفضت مقاعده من 80 مقعدا في الانتخابات السابقة إلى 59 مقعدا، ذهب الفرق ايضا لحزب العدالة، ليحصل حزب العدالة على نصف مقاعد حزب الأمة القومي، 40 مقعدا، ومن حزب الشعوب يحصل على 21 مقعدا، ليكون المجموع 61 مقعدا، وارتفعت مقاعد الحزب الجمهوري مقعدين، وهما ما سيعود لينقص حزب العدالة لتصل حصيلة الزيادة النهائية في مقاعده إلى 59 مقعدا.. طبعا هذه نظرة إجمالية عامة، وهناك بعض الاعتبارات الأخرى التي لعبت دورا لم نتطرق لها كتحول جمهور الاحزاب الإسلامية الصغيرة كالسعادة، وكذلك ارتفاع نسبة التصويت بواقع اربعة بالمائة، هذه العوامل قد تؤثر بشكل طفيف على النتائج بالنسبة المؤية أو بعدد المقاعد.

وسنقوم الآن باستعراض لبعض المحافظات التي تم اختيارها كونها تشكل مثالا على التحولات بالتصويت بين القوميين والأكراد نحو حزب العدالة. محافظة اسطنبول التي تتنوع مكوناتها بين اتراك سنة قوميين وإسلاميين، واكراد سنة يساريين وإسلاميين، واكراد علويين، وأتراك علويين.

ارتفعت مقاعد حزب العدالة من 39 مقعدا في الانتخابات السابقة إلى 46، اي بزيادة 7 مقاعد، وانخفضت مقاعد الحزب القومي من 10 مقاعد في الانتخابات السابقة إلى 7 بالحالية، حزب الشعوب الكردي من 11 في السابقة إلى 7 مقاعد بالحالية، بينما طل الحزب الجمهوري الاتاتوركي محافظا على مقاعده نفسها.

وهكذا يظهر ان السبعة مقاعد حصل عليها حزب العدالة من الحزب القومي والكردي، واسطنبول يسكنها نسبة كبيرة من شريحة الأكراد المتدينيين الذين منحوا اردوغان أربعة مقاعد من اصل 11 كان الأكراد في اسطنبول قد منحوها كاملة لحزب الشعوب في الانتخابات السابقة.

محافظة قيسرية التي يغلب عليها الأتراك السنة مع غياب الأكراد صوت لحزب العدالة 65‎٪‎ في الحالية، بارتفاع عن 53‎٪‎ بالسابقة، ليرفع مقاعده من 5 إلى 7.

بينما انخفض الحزب القومي من 28‎٪‎ في الانتخابات لسابقة إلى 18‎٪‎ في الحالية، وانخفضت مقاعده من 3 إلى مقعد واحد فقط، وذهب فرق المقعدين لحزب العدالة.

أما الحزب الجمهوري الأتاتوركي فبقي ثابتا على نسبة ناخبيه ال 12‎٪‎ ومقعد واحد.

محافظة غازي عنتاب الجنوبية، يسكنها اتراك ونسبة قليلة من اكراد، حصل حزب العدالة على نسبة 61‎٪‎ من الاصوات في الانتخابات الحالية، بارتفاع عن 47‎٪‎ في السابقة، وبعدد مقاعد 8 بزيادة عن الانتخابات السابقة التي حصل فيها على 6 مقاعد.

حزب الشعوب الكردي انخفضت نسبة ناخبيه من ‎ 15 ٪ إلى 10 ‎٪‎ ومقاعده من 2 إلى واحد، منحه لحزب العدالة، كما فعل جمهور الحزب القومي الذي كان قد حصل على 18‎٪‎ في السابقة وانخفض إلى نحو 10‎٪‎ بالانتخابات الحالية، ليقلص مقاعده هو الآخر من مقعدين إلى مقعد واحد، مانحا مقعدا لحزب العدالة، بينما ظل الحزب الجمهوري ثابتا بمقعد واحد.

والمحافظة الأخيرة هي أورفا، وهي محافظة حدودية مع سوريا، ويسكنها أتراك وعرب، وكذلك نحو ثلث السكان من الأكراد، وفيها أرتفعت أصوات حزب العدالة من 47‎٪‎ إلى 64‎٪‎ وارتفعت مقاعده من 7 إلى 9 مقاعد، مستقبلا مقعدين من الأكراد الذين كان لديهم بالانتخابات السابقة 5 مقاعد ثم 3 بالحالية، وانخفضت نسبة أصواتهم من 38‎٪‎ إلى 28‎٪‎ في الانتخابات الحالية.

القدس العربي

 

 

 

 

 

الجانب الآخر من فوز «العدالة والتنمية»: النصر الأكبر لـ«داود أوغلو».. ترسيخاً لسلطته داخل الحزب وأمام الرئيس أردوغان/ إسماعيل جمال

إسطنبول ـ «القدس العربي»: يجزم سياسيون ومحللون أن النصر الكبير الذي حققه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في الانتخابات البرلمانية المبكرة سيؤدي إلى ترسيخ سلطته وتقويتها داخل الحزب وأمام الرئيس رجب طيب أردوغان الذي ما زال يمتلك النفوذ الأكبر داخله على الرغم من استقالته منه عقب توليه منصب الرئاسة في آب/أغسطس عام 2014.

وبحسب النتائج النهائية غير الرسمية، حصل حزب العدالة والتنمية الحاكم على 49.2٪ من أصوات الناخبين، في تقدم مفاجئ وغير متوقع في الانتخابات التي جرت عقب فشل الأحزاب في تشكيل حكومة ائتلافية بنتائج انتخابات السابع من يونيو/حزيران الماضي، والتي حصل خلالها الحزب على 41٪ فقط من أصوات الناخبين، وهي النسبة التي لم تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده لأول مرة من توليه الحكم عام 2003.

ووصفت نتائج الانتخابات الماضية التي خاضها «العدالة والتنمية» لأول مرة تحت قيادة داود أوغلو على أنها أكبر تراجع في تاريخ الحزب، وفتحت الباب أمام انتقادات واسعة للزعيم الجديد للحزب ودعوات لتغييره، والدفع بقيادي يتميز بكاريزما جماهيرية كالتي يتمتع بها الرئيس أردوغان وخدمت الحزب في جميع الانتخابات السابقة.

واقترب داود أوغلو في النصر الأخير الذي وصف بـ»التاريخي» من تحقيق أعلى نسبة للفوز في تاريخ الحزب، حيث حصل العدالة والتنمية أعلى نسبة له في الانتخابات البرلمانية في عهد أردوغان على 49.8٪ من أصوات الناخبين، في حين حقق داود أوغلو 49.3٪ بفارق ضئيل جداً لم يتجاوز 0.5٪.

واتهمت أحزاب المعارضة التركية طوال الفترة الماضية الرئيس أردوغان بعدم الالتزام في الحيادية التي يفرضها الدستور على الرئيس، معتبرةً أنه ما زال بمثابة الرئيس الفعلي لحزب العدالة والتنمية، وأنه يمتلك السلطة العليا هناك وأن «داود أوغلو ليس إلا مجرد واجهة لقيادة أردوغان الفعلية».

الكاتب والمحلل السياسي سعيد الحاج، اعتبر أن «أكبر الفائزين كشخص في الانتخابات البرلمانية في تركيا هو رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو»، موضحاً: «في الانتخابات السابقة مني الزعيم الجديد للحزب بهزيمة خلقت تجاذبات داخل الحزب وتم الحديث عن إمكانية إيجاد بديل ومنافس له مدعوم من أردوغان، لكنه الآن ثبت نفسه في قيادة الحزب».

وقال الحاج في تصريحات خاصة لـ»القدس العربي»: «داود أوغلو الآن ثبت نفسه في قيادة الحزب وأنهى أي حديث أو محاولة لتغييره»، لافتاً إلى أن داود أوغلو «سيعمل الآن على ترتيب أوراقه الداخلية والخارجية بهدوء واستقرار وهو ما افتقده طوال الفترة الماضية التي كان يعمل خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية وواقع تحت ضغوط الحزب الداخلية وضغوط الأحزاب السياسية والتحديات الإقليمية».

واستبعد الحاج أن تصل الأمور إلى صدام بين داود أوغلو والرئيس أردوغان، قائلاً: «أوغلو لم يستطيع للان جلب فريق عمل جديد خاص به وأردوغان كان له بصمة مهمة في اختيار أعضاء اللجنة المركزية للحزب»، مؤكداً أن لأردوغان دور كبير في النصر الذي تحقق.

وقبل أسابيع، شهد المؤتمر الدوري الخامس لحزب العدالة والتنمية، انتخاب أحمد داود أوغلو للمرة الثانية، رئيسا لحزب العدالة والتنمية، وذلك في انتخابات شهدت الإبقاء على المحيطين بأردوغان في اللجنة المركزية للحزب وهي أعلى سلطة تنفيذية داخله، وذلك في إطار حملة مراجعات شاملة قادها الحزب بعد تراجعه في الانتخابات الماضية.

من جهته يؤكد المحلل السياسي التركي باكير أتاجان على أن داود أوغلو «سيتمكن من قيادة الحزم أكثر من السابق بكثير»، مضيفاً: «أصبح حزب العدالة والتنمية لا يستطيع البحث عن رئيس جديد له كون داود أوغلو بات قوياً وسيبقي ذلك لفترة طويل».

ولفت أتاجان في تصريحات لـ«القدس العربي» إلى أن هذه أول انتخابات يخوضها داود أوغلو بعد انتخابه بشكل ديمقراطي من قبل الحزب، حيث خاض الانتخابات السابقة بعدما تم تعيينه عقب استقالة الرئيس السابق للحزب رجب طيب أردوغان عند توليه منصب الرئيس.

وقال أتاجان: «داود أوغلو شخصية مختلفة تماماً عن أردوغان العنيد فهو شخصية لينة وسهلة ويتبع طريقة مختلفة في إدارة العلاقات الداخلية والخارجية»، متوقعاً حصول خلافات بين الزعيمين «لكنها لن تتطور وستبقي في إطار الاختلاف بوجهات النظر».

ولم يستطع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كبح رغبته بالتعبير عن فرحته باي طريقة بعد فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات التشريعية الاحد، فارسل تغريدات على موقع تويتر بهذا الصدد مع انه كان طالب في وقت سابق بـ«القضاء» على هذا الموقع.

وارسل اردوغان، الذي اشتهر بخشيته من التكنولوجيا، الاثنين سلسلة من التغريدات على حسابه الرسمي بعد فوز حزب العدالة والتنمية الذي ساهم في تاسيسه بالاغلبية في البرلمان في الانتخابات التي جرت الاحد.

وقال «اود ان اهنئ جميع الاحزاب التي شاركت في انتخابات الاول من تشرين الثاني/نوفمبر، وجميع المواطنين الذين اعربوا عن ارادتهم القومية من خلال اصواتهم».

واضاف في تغريدة اخرى «اهنئ حزب العدالة والتنمية الذي سيتولى السلطة لوحده، واهنئ شقيقي احمد داود اوغلو رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء».

ولم يخف اردوغان في السابق ازدراءه لمواقع التواصل الاجتماعي، حتى انه تعهد ب»القضاء» على تويتر قبل الانتخابات المحلية التي جرت في اذار/مارس 2014.

وفي اب/اغسطس 2014 شبه مواقع التواصل الاجتماعي ب»السكين في يد القاتل»، وقال «لا احب التغريد».

وحجبت الحكومة موقعي تويتر ويوتيوب لايام قبل انتخابات اذار/مارس 2014 بعد استخدامها لنشر سلسلة من التسجيلات الصوتية التي تدين اردوغان والدائرة المحيطة به في فضيحة فساد.

الا ان اردوغان بعث اول تغريدة شخصية له على الاطلاق من حسابه في شباط/فبراير العام الماضي ليدين التدخين في اليوم القومي التركي لمكافحة التدخين.

القدس العربي

 

 

 

الإنتخابات التركية: انقلاب سياسي خيب آمال المعلقين الغربيين وكذب تنبؤات الاستطلاعات… أردوغان أفضل سياسي في تركيا اليوم

نجاح لاستراتيجيته وخطابه القومي وتعبير عن حنين الشارع للإستقرار

إبراهيم درويش

لندن ـ «القدس العربي»: جاء فوز حزب العدالة والتنمية التركي «المدهش» ليؤكد الخط الديمقراطي المحافظ الذي اختطه الرئيس التركي لبلاده منذ وصوله للسلطة قبل 13 عاما.

وجاء بعد فشل للحزب في تحقيق الغالبية الساحقة في البرلمان تؤهله للإنفراد بالسلطة بعد انتكاسة انتخابات حزيران / يونيو هذا العام إذ تركه تحت رحمة الأحزاب القومية والحزب الكردي الصاعد «حزب الشعوب الكردية»، وهو ما أدخل البلاد في مرحلة من الفوضى السياسية عندما رفضت القوى السياسية تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حزب العدالة والتنمية وانهار فيها اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) وشهدت البلاد حالة من التفجيرات التي حمل «تنظيم الدولة» مسؤوليتها وكان آخرها الهجوم على محتجين في أنقرة أدى لمقتل 102 شخص يعتبر الأسوأ منذ سنوات طويلة.

ورغم عدم حصول الحزب على الغالبية العظمى التي تؤهله للدعوة لاستفتاء عام لتعديل الدستور يعطي الرئيس صلاحيات تشبه صلاحيات الرئيس الفرنسي إلا أن انتصار حزب العدالة والتنمية الأخير يؤكد رؤية الرئيس التركي طيب رجب أردوغان التي ترى أن تركيا تظل في وضع أحسن عندما يحكمها حزب لوحده بدلا من إئتلاف حكومي.

وخيبت الحصيلة الأخيرة توقعات الإستطلاعات التي قالت إن الحزب سيحصل على نسبة 30 -33% من أصوات الناخبين وسارع الكثير من المعلقين في الغرب لكتابة أردوغان ونهاية حقبته السياسية وهو ما لم يحدث.

بل وتسمح الإنتخابات لأردوغان بالبقاء على رأس السلطة بل المحرك الفعلي للقرار في السنوات المقبلة ويوسع من دوره الرئاسي ذي الطبيعة الإسمية.

وزادت حصيلة الحزب بـ 8% من الأصوات عن تلك التي حققها في بداية الصيف الماضي إذ حصل على 49.3% أخذ معظمها من الحركة القومية التي تعتبر اكبر الخاسرين، بالإضافة إلى حزب الشعوب الكردي والذي وإن تجاوز نسبة 10% التي تؤهله لدخول البرلمان إلا أنه فقد أكثر من مليون صوت و40 مقعدا.

 

كذب التكهنات

 

وتعلق صحيفة «نيويورك تايمز» بالقول إن النتائج تعتبر فشلا ذريعا للإستطلاعات الوطنية التي توقعت نتائج على غرار النتائج التي نظمت في حزيران / يونيو وحرمت حزب العدالة والتنمية من الغالبية منذ أكثر من عقد.

وترى الصحيفة أن النتائج تثبت صحة استراتيجية أردوغان الذي تبنى خطابا قوميا واتخذ موقفا متشددا من المتمردين الأكراد في جنوب- شرق تركيا مضيفة أن النصر تحقق على حساب الحزب القومي المتشدد حزب الحركة القومية إذ تحول الناخبون عنه وصوتوا لحزب العدالة والتنمية.

ونقلت عن سوات كينكل أوغلو، المدير التنفيذي لمركز الإتصالات الإستراتيجية، قوله إن «مقامرة يبدو أنها نجحت».

وقال كينكل أوغلو وهو نائب سابق عن الحزب إذ أصبح من أشد ناقدي أردوغان: «هذا نجاح كبير لحزب العدالة والتنمية».

ونقلت عن المحللة البارزة في مجموعة الأزمات الدولية نيغار غوسكل قولها إن نتائج الإنتخابات تعكس «حنينا للاستقرار ونهاية للمصير المجهول» الذي كانت تعيشه تركيا. وبرز هذا في خطاب رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو الذي دعا للعمل «من أجل إنهاء النزاع والتوتر والاستقطاب وبناء تركيا يحيي الجميع فيها بعضهم البعض بسلام». وكان رد أوغلو على النصر بتغريدة على التويتر «الحمد لله».

وتعلق الصحيفة أيضا بأن البلاد تعود لحزب الحكم الواحد بشكل يتحقق من خلاله الاستقرار وتجنبت إمكانية ظهور تحالف هش، مضيفة أن الحكومة التي سيشكلها حزب العدالة والتنمية لن تكون قادرة على توحيد البلد الذي يعيش حالة استقطاب ويعارض نصف سكانه أردوغان وحزبه.

ورغم تأكيد الصحيفة على صعود الأكراد في السياسة التركية، إلا أن شعبيتهم تراجعت، فحزب الشعوب الديمقراطية تراجع من نسبة 13% في انتخابات حزيران / يونيو إلى 10% في انتخابات يوم الأحد إذ تحول عدد من الأكراد المتدينين إلى حزب العدالة والتنمية. وتشير الى أن احتفالات الأكراد هذه المرة جاءت هادئة بسبب خسارة الأصوات والحرب المستمرة في الجنوب بين الجيش والمتمردين الأكراد.

وتؤكد الإنتخابات في النهاية مخاوف الأتراك من الفوضى التي تعاني منها البلاد إذ صارت تشبه أي بلد في الشرق الأوسط يعاني من الحرب والفوضى وتراجعت حظوظها الإقتصادية بدلا من أن تكون نموذجا للديمقراطية الإسلامية. ولهذا السبب استردت الليرة التركية عافيتها واستعادت قيمتها بنسبة 3.1% مما زاد في ثقة المستثمرين.

 

رسالة الحزب

 

ومن هنا جاءت رسالة الحزب الإنتخابية واضحة أن البلاد في طريقها للعودة من جديد لسنوات التسعينيات من القرن الماضي وهو عقد اتسم بسلسلة من التحالفات الضعيفة والعنف. وكان أردوغان الذي صوت في حي إسكندر بالجزء الأسيوي من اسطنبول قد قال: «آمل أن تختار الأمة الإستقرار وعلينا جميعا أن نحترم إرادة الشعب».

ونقلت الصحيفة عن بيرتان أيدن، وهو سائق تاكسي، قوله:»سأصوت لحزب العدالة والتنمية لأننا بحاجة في هذا الوضع من الفوضى لحكومة قوية».

وتشير «نيويورك تايمز» إلى أن الأتراك تعبوا من الإنتخابات. فقد صوتوا العام الماضي لاختيار الرئيس وفي الإنتخابات المحلية وصوتوا للبرلمان مرتين.

 

فشل المعارضة

 

وتعلق أيضا قائلة إن الإنتخابات عززت من فرص حكم حزب العدالة والتنمية لسنوات قادمة، ففي حزيران / يونيو صوت قطاع من داعمي الحزب لأحزاب أخرى على أمل التشارك في السلطة ولكن التجربة فشلت وعاد هؤلاء من جديد وصوتوا لحزب العدالة.

ويرى كينكل أوغلو أن النتائج صادمة للكثير من الناس «ونحاول استيعاب النتائج الآن». ولم تنجح المعارضة في إنهاء أردوغان إذ حاولت استغلال الأصوات الليبرالية وتظاهرات الشوارع في عام 2013 وسلسلة من الفضائح التي اتهم فيها بعض المسؤولين في حكومة حزب العدالة والتي اتهمت جماعة فتح الله غولن بترتيبها.

ومن هنا ترى الصحيفة أن تراجع سيطرة الحزب على السلطة التي عولت عليها المعارضة أوقفتها انتخابات الأحد.

وترى «واشنطن بوست» أن الفوز يعتبر «انقلابا سياسيا» للرئيس أردوغان الذي يقود بلاده منذ 13 عاما وهو ما يقوي حكمه أكثر.

وأشارت الصحيفة إلى فشل الاستطلاعات في التكهن بنتائج الإنتخابات إذ توقعت بدلا من ذلك برلمانا معلقا. ولهذا السبب تقول الصحيفة إن نتائج الإنتخابات فاجأت الخبراء.

ونقلت عن بولنت علي رضا، الباحث في المركز الدولي للدراسات، قوله: «كانت الإنتخابات استفتاء على أردوغان».

وتقول إن مقامرة أردوغان بدأت بعد انتخابات الصيف حيث فشل أوغلو بتشكيل حكومة ائتلاف وطني وهو ما أثر على اقتصاد البلاد وزاد من مخاطر الفوضى بسبب الحرب مع الأكراد وعمليات تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي الوقت الذي نسب فيه نقاد أردوغان الفوضى إلى الطريقة الديماغوغية التي يحكم بها البلاد، فإن الرئيس اعتبر ان السبب هو غياب الحزب الحاكم الواحد الذي يعتبر ضمانا لأمن واستقرار البلاد.

وهو شعار آمن به على ما يبدو الناخبون الأتراك الذين همهم استقرار البلاد والاقتصاد أكثر من الحقوق وحرية التعبير وغيرها من الامور حسب كينكل أوغلو. وتعلق الصحيفة بأن أردوغان بدا قبل أيام من الإنتخابات كرئيس فقد الطريق في متاهته ولكنه كان أذكى من خصومه.

 

لم يمت الرئيس

 

وتنقل «واشنطن بوست» عن تشيرن كينار، وهو صحافي تلفزيوني تركي قوله: «لا أتذكر كم هي عدد المقالات التي قرأتها وتحدثت عن نهاية أردوغان».

وأشار كينار للصحافة الدولية، المتشككة في قدرة الرئيس التركي على البقاء، مضيفا: «ومع ذلك فقد أثبت أردوغان أنه لاعب مهم في السياسة التركية».

وتشير الصحيفة الى أن موهبة أردوغان في مجال الحسابات الاستراتيجية رافقتها شخصية جذابة.

وفي هذا السياق يقول علي رضا: «يعتبر أردوغان بدون أدنى شك أحسن سياسي تركي. فهو يشبه كلينتون في قدرته للتأكيد والتواصل مع الناخبين». ولم يكن ظل أردوغان غائبا عن رسالة أحمد داوود أوغلو الذي مخاطبا الجماهير من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية قائلا إن «تركيا الحديثة ستبنى تحت قيادة الرئيس أردوغان».

وتشير الصحيفة لجاذبية أردوغان بين الأتراك: «أنا أحب أردوغان»، تقول نيرفي يلماز. وتضيف الطالبة من اسطنبول أنها «لو شاهدته فستجهش بالبكاء».

وهناك من يكره الرئيس ويصفه بالديكتاتور كما يقول الكاتب نيسي تشينز «ويجب أن لا يكون هناك حزب واحد في تركيا».

ومع ذلك فازت استراتيجية أردوغان، التي تقوم على «أردوغان الرجل القوي هو من يستطيع حمايتكم»، كما يعلق سونير تشاغباتي من «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى». وعليه ستواجه أحزاب المعارضة واقعا يتسيده حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان. وهي بالضرورة تدفع ثمن عجزها عن بناء جبهة موحدة ضد حزب العدالة والتنمية.

ويرى الخبراء أن قدرة الحزب على الحكم منفردا من خلال الغالبية المطلقة قد تدفعه لتبني سياسات تصالحية خاصة مع الأكراد. ويقول كينكل أوغلو: «لقد أنجزت المهمة، وفازوا في الإنتخابات» و»أرى عودة لسياسة التصالح».

 

الديمقراطية المحافظة

 

وترى مجلة «تايم» الأمريكية أن العودة المفاجئة لحزب أردوغان ستؤكد استمرار تسيد نموذجه من «الديمقراطية المحافظة» السياسية في تركيا ومواصلة حكمه للبلاد منذ 13 عاما». وقالت إن الرئيس والحزب سيواجهان مع ذلك سلسلة من القضايات الحيوية. فالحكومة تواجه رأيا عاما منقسما وتحديات عميقة للاقتصاد التركي وقضايا أمنية خطيرة ومشاكل استراتيجية نابعة من دول الجوار التركي خاصة الدور الذي تلعبه انقرة في سوريا.

ونقلت عن نيغار كوغسيل قولها: «ستكون غير مريحة» وإنه «سيكون من الصعوبة على حزب العدالة الحاكم بسبب الإستقطاب الذي تشهده كل الأطراف، ولن تتغير في وقت سريع لأن الثقة في حكم القانون ضعيف».

ويقول بيرم بالتشي، من «وقفية كارنيجي للسلام الدولي» إن السؤال يظل قائما حول «قدرة حزب العدالة والتنمية على جمع مجتمع تركي يعيش حالة من الاستقطاب». إلا أنه قال إن الانتصار الذي حققه حزب العدالة قد يعطيه القدرة على التفاوض مع جماعات الأكراد المسلحة.

وأضاف: «أنا متفائل من أن النصر الواضح لحزب العدالة والتنمية سيساعده على لعب دور أقل انقساما». وقال إن «النزعة السلطوية التي شاهدناها جاءت في جزء منها لأن حزب العدالة والتنمية وتحديدا أردوغان كانا في وضع خطير، وسيعطيهما هذا النصر المجال لتبني سياسات أكثر اعتدالا».

وأشارت المجلة لظهور الأكراد كقوة جديدة في السياسة التركية وبالتحديد حزب الشعوب الكردية بزعامة صلاح الدين دمرطاش إذ انضم للبرلمان بعد تجاوزه نسبة 10% من الأصوات الضرورية.

والحزب هو تحالف يضم عددا من القوى الكردية والأقليات الأخرى وينظر لدخولها البرلمان كعلامة على تحول في السياسة التركية وربما نهاية لحقبة أردوغان.

وانتهت هذه الآمال عندما فشلت الأحزاب التركية الأربعة بالتوصل لصيغة مشتركة للحكم. وزاد من صعوبة التعاون الانفجارات التي شهدتها البلاد، وضرب واحد منها مجموعة يسارية كانت في طريقها للقتال في سوريا والآخر ضرب تجمعا في العاصمة أنقرة وأدى لمقتل 102 شخص. واعتبر هذا التفجير الأكثر بشاعة في تاريخ تركيا الحديث.

وأدت التفجيرات لنشر القلق حول الأمن والإستقرار في البلاد. وترى المجلة أن الغارات ضد حزب العمال الكردستاني أسهمت في زيادة الوضع الجيوسياسي الملغز تعقيدا، لكنها أسهمت بطريقة أخرى لنشر القلق بين الأتراك حول ثمن الإستقرار.

وترى «غوسكيل» أن أحد الأسباب للتغير في مزاج الرأي العام «هو النزاع مع بي كـا كا.. سـياسة اليد الحديدية مع بي كـا كـا ونزع الشرعية عن حزب الشعوب الديمقراطي» الذي ربط بي كي كي إذ حمل الحزب مسؤولية العنف الذي دار في البلاد.

 

قرار صحيح

 

وبنفس السياق تقول صحيفة «فايننشال تايمز» إن «النتائج تحدت كل الاستطلاعات التي توقعت برلمانا معلقا وأثبتت صحة قرار أردوغان بالذهاب إلى صناديق الإقتراع باكرا بعد منافسة حزيران / يونيو شوشت على حكم الحزب الواحد الذي يقوده الحزب المتجذر إسلاميا منذ 13 عاما».

ونقلت الصحيفة عن سنان أولغين، الزميل الزائر لوقفية كارنيجي- أوروبا قوله إن «مراهنة أردوغان على إعادة الانتخابات أعطته نتائج مثمرة.. وهو انتصار لأردوغان أولا ومن ثم لحزب العدالة والتنمية، ويرى الناس أن أردوغان في مقعد القيادة».

وتعلق الصحيفة بالقول إن حلفاء تركيا الأجانب، وإن عبروا عن قلقهم من طريقة الحكم ونزعة اردوغان السلطوية، إلا أنهم يعبرون عن أملهم من يعمل الفوز على تعزيز استقرار قوة سياسية واقتصادية رئيسية في المنطقة.

ويتطلع كل من الاتحاد الأوروبي والناتو إلى تركيا للتعامل معها لمواجهة الحرب في سوريا ووقف عشرات الألوف من المهاجرين السوريين الذين لا يزالون يحاولون الوصول إلى أوروبا.

ثمن

وفي النهاية لم يستمع الشعب التركي لنصائح المعلقين الخارجيين. فقبل يوم من الإنتخابات دعت مجلة «إيكونوميست» البريطانية الناخب التركي لعدم انتخاب أردوغان أو حزبه. ونفس الأمر ظهر طوال التحضير للانتخابات البرلمانية في الصحافة الغربية. ولهذا لم يجد سايمون تيسدال، المعلق في صحيفة «الغارديان»، أي شيء يفسر به فوز حزب العدالة إلا بالقول إن «سياسة الخوف والتي اتهم أردوغان وحزبه باستخدامها نجحت».

أما الصحيفة نفسها فقد قالت في افتتاحيتها: «حصل أردوغان على انتصار ولكن بلاده تضررت». ورأت أن المثل التركي الذي يقول إن المصارع المغلوب عادة ما يحن لجولة ثانية يصلح على حزب العدالة والتنمية.

وتعترف الصحيفة بدهاء وذكاء أردوغان الذي قدم برنامجا يجذب التقليديين والحداثيين في بلاده ويلبي طموحات الغالبية والأقلية. وترى أن سياسات أردوغان – الذي تقول إنه لا يحب كلمة «لا» – أدت لفشل الائتلاف الذي كان سيعطي البلاد قوة واستقرارا. وهي إن وافقت على إخراج الجيش من السياسة، إلا أنها اتهمت الرئيس بتسييس القضاء وقوى الأمن وبأنه قضى على منافسه الصامت فتح الله غولن، بل وأسكت المعارضة داخل حزبه بالإضافة للتضييق على حرية التعبير والتظاهر وأكثر. من هذا فقد استأنف الحرب مع حزب العمال الكردستاني حسب الصحيفة.

وتقول إن أردوغان حصل على الغالبية لكن على حساب بلاده: فقد تضررت مؤسساتها ودستورها والعلاقة مع الأقليات خاصة الأكراد. وتعتقد أن الإنتخابات لن تؤدي إلى عودة المياه إلى مجاريها في تركيا.

القدس العربي

 

 

 

سوريون يبدون إرتياحهم لفوز «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات البرلمانية التركية/ منار عبد الرزاق

غازي عنتاب ـ «القدس العربي»: أبدى عدد كبير من السوريين في الداخل السوري ودول الشتات ارتياحهم لما أفرزته الانتخابات البرلمانية التركية من نتائج، والّتي أسفرت عن فوز غير متوقع لـ»حزب العدالة والتنمية» بـ49.4% من الأصوات، ما يجعل الحزب قادراً على تشكيل حكومة بنفسه، ويُبقيه للمرة الرابعة على التوالي كحزب حاكم للبلاد. وغصت مواقع التواصل الاجتماعي بالتهنئة والمباركة للرئيس التركي أردوغان على فوز حزبه بالأغلبية النيابية في البلاد.

يقول محمد عامر، وهو لاجئ سوري في مدينة عنتاب، لـ «القدس العربي»: «أتمنى أن تقوم الحكومة التي سيقوم بتشكيلها حزب العدالة والتنمية، بإعطائنا إذن عمل، بالإضافة لمساواتنا في العامل التركي من ناحية الأجور والتأمين، وأن تضع حد لتصرفات أصحاب المعامل المتمثلة في الطرد التعسفي للعامل السوري».

من جهته يرى محمود الحسن أن على الحكومة التركية الجديدة تنظيم شؤون اللاجئين السوريين على أراضيها، ومنحهم تشريعات قانونية تكون قادرة على حمايتهم في المستقبل، لا أن تبقى معتمدة على القرارات العاطفية من قبل أصحاب القرار التركي، ويبقى مستقبل السوري في تركيا مرتهنا بحزب أو شخص.

وفي السياق طالب عدد من النشطاء السوريين الحكومة التركية الجديدة بفتح المعابر بين سوريا وتركيا لتأمين سهولة العبور ومنع استغلال السوريين من قبل السماسرة والمهربين. ويقول المدرس أسامة عبد الرزاق، من مدينة إدلب، لـ «القدس العربي» ان على الحكومة التركية القادمة «تسهيل عبور المواطن السوري إلى تركيا وفق ضوابط لتجنب أخطاء 2013».

وتمنى عبد الرزاق أن يقوم الأتراك بمساعدة اﻹدارة المدنية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، عن طريق استشاريين في اﻹدارة، لاستنساخ ترميم ما تبقى من مؤسسات، بالإضافة لتسهيل وتأمين الدعم اللوجيستي الخليجي بدون مراجعة الولايات المتحدة، فضلاً عن الثبات على تنحي بشار الأسد في أي تسوية سياسية قادمة.

ورأى المدّرس أسامة عبد الرزاق، الذي يدّرس مادة الرياضيات في إدلب المدينة والذي هو على احتكاك يومي بفضائل المعارضة السورية في المدينة، أن الانتخابات التركية الأخيرة أثبتت أن نجاح التنمية والعدالة اليوم هو نجاح لفكرة اﻹدارة الحكيمة التي تجبر الشعب على الالتفاف حول روادها، لافتاً إلى أنّ الواقع في المشرق من الصعب أن يتغير، «فنحن إما إسلام معتدل، أو خضوع كامل للغرب، ما ينتج ردة فعل إسلام متشدد متعدد الدرجات»، على حد وصفه.

ولفت عضو المجلس المحلي في بلدة أطمة الحدودية بريف إدلب، عبد الوهاب عبد الوهاب، إلى أنّ نتائج الانتخابات التركية ستجلب المزيد من الدعم للشعب السوري ، ما سيقوي عضد الثّورة في الداخل بوجود حكومة تركية تدعم تطلعاته في الحرية والكرامة.

وعبّر الأكاديمي السوري، أحمد شيخ حسين من مدينة كيليس التركية، لـ «القدس العربي» عن فرحته بفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية بالقول: «والله فرحت كأنه بشار خسر هاﻻنتخابات»، لافتاً إلى أنّ «المهم في الوقت الحالي هو الاستقرار التركي، ومن بعده تأتي المطالب والانجازات».

ولم تقتصر مظاهر الارتياح لما أفرزته الانتخابات البرلمانية التركية على المواطنيين السوريين، بل تعدتها للانعكاس الإيجابي على عدد من فصائل المعارضة السورية المسلحة، التي أبرقت مهنئة الرئيس التركي، ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو. وكان من أبرز الفصائل المهنئة فصيلا «أحرار الشام» و»جيش الإسلام» فضلاً عما يزيد عن 16 فصيلاً آخر من الشمال والجنوب السوري.

وتحدث القيادي في «حركة أحرار الشام»، أبو النور الشامي، لـ «القدس العربي» عن سروره بنتائج الانتخابات التركية، مشيراً إلى تلك النتائج سيكون لها انعكاسات إيجابية على الثّورة السورية، «لكن مستوى تلك الانعكاسات ، سيكون من المبكّر الحديث عنه».

وفي السياق ذاته: عبر عضو المكتب السياسي في حركة نور الدين الزنكي ياسر اليوسف» عن سعادته بفوز حزب العدالة و التنمية في الانتخابات التركية، مشيراً إلى أنّ انتصار الحزب في الانتخابات التركية، يعني انتصارا للثّورة السورية، منوهاً إلى أنّ الفصائل العسكرية المعارضة تنتظر من الحكومة المقبلة حزمة من القرارات المؤجلة المتعلقة بالشأن السوري على الصعيدين السياسي والعسكري.

وتمنّى على حزب العدالة والتنمية، «بعد أن منَّ الله عليه بملء صناديق الاقتراع أصواتاً لصالحه، أن يملأ الحزب الحالكم لفصائل المعارضة صناديق الذخيرة «، في إشارة منه إلى الدعم العسكري المتوقع للمعارضة.

ورأى المحرر الصحافي في جريدة «ريفرنس المحلية» والتي تصدر من مدينة عينتاب، فراس ديب، أن نتائج الانتخابات كانت مفاجئة، لكنها في الوقت ذاته مطمئنة للسوريين المقيمين على الأراضي التركية.

وبحسب ديب فإنّ ثلاثة عوامل هي ما اكسب «حزب العدالة والتنمية» التفوق في الانتخابات الحالية، وهي: «الانزياح الكبير بالأصوات من طرف التيار القومي التركي، نظرا للقصور في أداء حزب الحركة القومية خلال الاحداث الأخيرة في تركيا، وكذلك، عزوف قسم كبير من الأكراد في تركيا عن دعم حزب الشعوب الديمقراطية – أيضاً لفشل الحزب في احتواء سلاح حزب العمال الكردستاني – بالإضافة لعامل الخوف المتولد لدى شريحة من الشعب التركي والتي تجعله يميل الى الاستقرار السياسي المتمثل بالحزب الواحد».

ومما لا شك فيه فإن السوريين، من لاجئين في الداخل التركي والداخل السوري، ينتظرون من الحكومة التركية القادمة مزيداً من التسهيلات والمساعدات، بالإضافة لما ترتكز عليه فصائل المعارضة العسكرية في سوريا، من وعود بدعم أكبر من الحكومة التركية المقبلة، والّتي كانت سياستها وكان سياسيوها من أبرز الداعمين لهم وللقضية السورية خلال السنوات الخمس الماضية.

القدس العربي

 

 

 

 

قراءة في انتصار “العدالة والتنمية”: أمن واقتصاد وفشل المعارضة/ إسطنبول ــ باسم دباغ

لم يكن الانتصار الساحق الذي حققه حزب “العدالة والتنمية” في الانتخابات البرلمانية التي أجريت يوم الأحد، متوقعاً، وهو الأمر الذي اعتبره الكثير من المراقبين انتصاراً كبيراً لخيار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المعروف بمعارضته الحكومات الائتلافية، والمتهم من قِبل المعارضة بإفشال تشكيل الائتلاف الحكومي والدفع باتجاه إعادة الانتخابات. وبات “العدالة والتنمية” يمتلك بعد هذا الانتصار أكثر من 276 مقعداً الكافية للتفرّد بتشكيل الحكومة، بعد أن شهدت الانتخابات السابقة في يونيو/حزيران الماضي انخفاضاً كبيراً في نسبة أصوات الحزب فرضت عليه محاولة تشكيل ائتلاف الحكومي.

بين الانتخابات السابقة والحالية

لأول مرة منذ ما يزيد عن العقد، تَسقُط نتائج استطلاعات جميع شركات الأبحاث التركية، والتي كان أقربها إلى نتائج الانتخابات استطلاع شركة “إي أند جي”، والذي رآه المراقبون مبالغاً فيه حينها، بعد منحه لـ”العدالة والتنمية” نسبة 47 بالمائة من الأصوات، في الوقت الذي تراوحت فيه نسبة الأصوات التي منحتها بقية شركات الاستطلاع للأخير بين 40 و44 في المائة.

وبينما كانت نتائج حزب “الشعب الجمهوري” غير بعيدة عن نتائج الاستطلاعات، لم يمنح أي استطلاع حزب “الحركة القومية” (يميني متطرف) وحزب “الشعوب الديمقراطي” (ذي الغالبية الكردية) أقل من 13,2، و12,2 على التوالي.

وعلى الرغم من أن النتائج الرسمية لن تصدر حتى 13 من الشهر الحالي، بحسب الهيئة العليا للانتخابات، إلا أن النتائج المبدئية تؤكد أن “العدالة والتنمية” حقق فوزاً ساحقاً بحصوله على 49,29 في المائة من الأصوات و314 مقعداً برلمانياً، بزيادة وقدرها 9 نقاط عن الانتخابات السابقة، بينما بقي حزب “الشعب الجمهوري” (أكبر أحزاب المعارضة) عند معدلاته المعهودة، بحصوله على 25,56 في المائة من الأصوات، و135 مقعداً برلمانياً، بزيادة ثلاثة مقاعد عن الانتخابات السابقة، وذلك في الوقت الذي كان فيه كل من “الحركة القومية” و”الشعوب الديمقراطي” أكبر الخاسرين، الأول عاد إلى معدلاته في انتخابات 2011 بحصوله على 12 في المائة من الأصوات و42 مقعداً، متراجعاً بأربع نقاط و39 مقعداً عن الانتخابات الأخيرة، النتيجة التي تُعتبر الأقل له منذ عودته إلى البرلمان بعد خروجه منه بفشله في تجاوز العتبة البرلمانية عام 2002. أما الثاني فقد حصل على 10,55 في المائة و59 مقعداً، متراجعاً بـ21 مقعداً عن نتائجه في الانتخابات السابقة.

وانخفض تعداد النائبات في المجلس الجديد 16 نائبة ليصبحن 82 نائبة، كانت معظمها على حساب “الشعوب الديمقراطي” الذي خسر 9 نائبات، ومن ثم “العدالة والتنمية” الذي خسر 6 نائبات، بينما “الحركة القومية” خسر مقعداً نسائياً واحداً.

مقارنة بالانتخابات السابقة، استعاد “العدالة والتنمية” ما يقارب 4,5 ملايين صوت، والتي جاءت من ثلاثة مصادر رئيسية. المصدر الأول تمثّل بخسارة “الحركة القومية” ما يقارب المليون و900 ألف صوت، وبينما لم يستطع “الشعب الجمهوري” زيادة نسبة أصواته، ذهبت الأصوات التي خسرها “الحركة القومية” جميعها إلى “العدالة والتنمية”، والتي تُشكّل النسبة الأكبر في الزيادة التي حققها الأخير.

أما المصدر الثاني فهو خسارة “الشعوب الديمقراطي” أكثر من مليون صوت، عاد جزء صغير منها إلى “الشعب الجمهوري” ممثلاً بأصوات اليسار التركي، بينما البقية ذهبت إلى “العدالة والتنمية” بحسب نتائج فرز المدن ذات الغالبية الكردية في جنوب وشرق الأناضول.

في حين كان المصدر الثالث للأصوات التي استعادها “العدالة والتنمية”، هو تراجع حزبي “السعادة” و”الاتحاد الكبير”، فبعدما حصل “التحالف القومي” الذي شكّله الحزبان على ما يقارب 950 ألف صوت في انتخابات يونيو/حزيران الماضي، لم يحصل الحزبان اللذان دخلا الانتخابات الحالية كل بقائمة منفصلة سوى على 587 ألفاً، وبالتالي ذهب لـ”العدالة والتنمية” ما يقارب 363 ألف صوت من حصتهما السابقة.

كذلك ارتفعت الأصوات التي نالها “العدالة والتنمية” من المغتربين، إذ حصل على 56 في المائة خلال هذه الانتخابات مقابل 40 في المائة في الانتخابات السابقة.

دوافع أمنية واقتصادية

وتتعدّد الأسباب التي قادت إلى الانتصار الكبير لحزب “العدالة والتنمية”، وأبرزها أن الحزب وإضافة إلى الوعود الاقتصادية المغرية، استطاع الحشد بشكل كبير، مستغلاً الأوضاع الأمنية القائمة في سورية والعراق، وأيضاً الهجمات الانتحارية في كل من سوروج وأنقرة، مع التعثّر الاقتصادي الواضح الذي ترافق بانخفاض حاد في سعر الليرة التركية أثناء مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي. فوضع المواطنين بين خيارين؛ الأول هو الاستقرار متمثلاً بتفرّد “العدالة والتنمية” بالحكم، والذي تشهد له المعجزة الاقتصادية التي تحققت في فترة حكم الأخير، وعدم حصول فراغ حكومي على الرغم من فشل مفاوضات تشكيل الحكومة الذي ترافق مع إدارة جيدة للعمليات ضد “العمال الكردستاني” وتنظيم “داعش”، أما الخيار الثاني وهو العودة إلى محاولات تشكيل الائتلاف الحكومي الذي أثبتت التجربة التاريخية وفشل تشكيل الائتلاف في الأشهر الماضية عدم نجاعة هذا الخيار لدولة محاطة “بفوضى الإرهاب”.

ومن الأسباب الأساسية التي رجّحت كفة “العدالة والتنمية”، عودة وزراء وشيوخ الحزب للترشح، إذ قام “العدالة والتنمية” قبل انتخابات الأحد بتعديل استثنائي على نظامه الداخلي الذي يقضي بمنع أي شخصية حزبية من التواجد في البرلمان لأكثر من ثلاث دورات متعاقبة، وسمح لقادته المؤسِسين، والذين يُطلق عليهم “شيوخ الحزب” بالعودة للترشح مرة أخرى، الأمر الذي كان له بالغ الأثر على نتائج الحزب في عدد من الولايات. فكان لترشيح نائب رئيس الوزراء السابق للشؤون الاقتصادية علي بابا جان، على رأس قائمة الحزب في الدائرة الأولى في أنقرة، فضل كبير في استعادة الحزب لما يقارب 152 ألف صوت. كما ساهم ترشيح رئيس مجلس النواب السابق جميل جيجك على رأس قائمة الحزب عن الدائرة الثانية في العاصمة، باستعادة الحزب ما يقارب الـ140 ألف صوت، الأمر الذي أكسب الحزب مقعداً إضافياً في العاصمة.

وساهم ترشيح وزير الخارجية السابق مولود جاووش أوغلو على رأس قائمة “العدالة والتنمية” في ولاية أنطاليا باستعادة الحزب لما يقارب 102 ألف صوت وبالتالي ارتفعت مقاعد الحزب إلى 7 مقاعد بزيادة مقعدين عن الانتخابات السابقة، الأمر الذي تكرر في ولاية إرضروم بعد ترشح وزير الصحة السابق رجب أكداغ على رأس القائمة، لترتفع مقاعد الحزب إلى خمسة من أصل سبعة مقاعدة بزيادة مقعد واحد. وكذلك الأمر في مدينة إسطنبول إذ استعاد الحزب خمسة مقاعد إضافية في كل من الدائرة الثانية والثالثة، بعد ترشح كل من الوزير السابق وأحد شيوخ الحزب حياتي يازجي وزير شؤون الاتحاد الأوروبي السابق فولكان بوزكير، والوزير الكردي السابق مهدي إيكر، والذي كان له دور كبير في رفع نسبة الأصوات الكردية التي نالها الحزب.

هذا الأمر تكرر في ولاية أورفة باستعادة الحزب لمقعدين وحصوله على 9 مقاعد بفضل ترشح الوزير السابق حسين جيلك، وكذلك في يوزغات بفضل وزير العدالة السابق بكير بوزداغ، والذي رفع مقاعد الحزب مقعداً لتصبح 4 مقاعد، وولاية وان (ذات الغالبية الكردية) التي استعاد فيها “العدالة والتنمية” مقعداً بفضل نائب رئيس الوزراء السابق بشير أتلاي، وأيضاً في ولاية كارابوك بفضل نائب رئيس الحزب محمد علي شاهين الذي رفع مقاعد الحزب إلى اثنين عن الولاية، وكذلك في عدد من الولايات الأخرى.

ويبدو أن فقدان الثقة بالمعارضة كان من الأسباب الإضافية التي أدت إلى فوز “العدالة والتنمية”، إذ كان للأداء السياسي لأحزاب المعارضة التركية بعد انتخابات يونيو/حزيران الماضية أثر كبير في فقدان هذه الأحزاب لثقة الرأي العام التركي، وبالذات في ما يخص “الحركة القومية” الذي رفض بزعامة دولت بهجلي كل العروض التي قُدّمت له لتشكيل الائتلاف الحكومي، بما في ذلك عرض “الشعب الجمهوري” لتسليم بهجلي منصب رئاسة الوزراء، الأمر الذي وضع الحزب تحت ضغط كبير، وخصوصاً أثناء تشكيل الحكومة المؤقتة بعد فشل كل المحاولات بتشكيل الائتلاف الحكومي، والذي بلغ ذروته بعدم التزام توغرول توركيش، أحد أهم قيادات الحزب، بانضمامه للحكومة المؤقتة ومن ثم فصله من “الحركة القومية” وترشحه على قائمة “العدالة والتنمية”.

هذا الأمر تكرر مع حزب “الشعب الجمهوري” الذي لم يُبدِ المرونة الكافية للعودة إلى الحكم وأفشل تشكيل الائتلاف الحكومي بعد تمسكه بإحداث تغييرات جذرية في السياسة الخارجية والتعليم. وكذلك حزب “الشعوب الديمقراطي” الذي تبنى موقفاً موارباً في انتقاد “العمال الكردستاني” بعد الهجمات التي شنها الأخير على قوات الأمن التركية، بل وتبنيه خطاب “الكردستاني” الذي يضع اللوم على الحكومة في عودة الاشتباكات وصولاً إلى اتهام الدولة بالوقوف وراء الهجوم الانتحاري الذي وقع في العاصمة أنقرة.

يُضاف إلى ذلك كله، فقدان المعارضة للهوية السياسية، فيبدو أن حزب “الشعب الجمهوري” كان الوحيد الذي استطاع الحفاظ على قاعدته الكمالية التي لم يخسرها، ولكنه لم يستطع كسب أي أصوات جديدة على الرغم من الوعود الاقتصادية التي زخر بها برنامجه. وذلك بينما أفقد التصعيد العالي في النَفَس القومي لدى “العدالة والتنمية” متزامناً مع الهجمات الموجعة التي شنتها قوات الأمن التركي على “الكردستاني”، أي مبرر لوجود “الحركة القومية”، والذي يعتمد بشكل أساسي في استمراره على معارضة عملية السلام مع “العمال الكردستاني” بكل تفاصيلها.

بينما افتقد حزب “الشعوب الديمقراطي” الأسس التي استند إليها في صعوده كحل وسط داعٍ للسلام ونابذ للعنف، وذلك عبر تبنيه خطاباً تماهى بشكل يكاد يكون شبه كامل مع “العمال الكردستاني”، عبر اتهام الحكومة بالمسؤولية عن الحرب مع “الإرهاب” ممثلاً بـ”الكردستاني”، واتهامهاً بالتعاون مع “داعش” أيضاً.

وبلغ خطاب “الشعوب الديمقراطي” ذروته عبر اتهام الدولة التركية بالمسؤولية عن التفجير الانتحاري الذي وقع في أنقرة، وصولاً إلى اعتبار عداء أنقرة لـ”الاتحاد الديمقراطي” (الجناح السوري للعمال الكردستاني) عداءً للأكراد جميعاً، متحدياً السلطات التركية بأن “الاتحاد الديمقراطي” سيقوم بعبور الفرات، مشكّلاً شريطاً كاملاً على الحدود التركية، والذي يُعتبر خطاً أحمر في اعتبارات الأمن القومي التركي.

العربي الجديد

 

 

 

 

تراجع “الشعوب الديمقراطي” في الانتخابات التركية: ابحث عن “الكردستاني”/ إسطنبول ــ باسم دباغ

كما كان انتصار حزب “العدالة والتنمية” ساحقاً في الانتخابات البرلمانية التركية، كان تراجع حزب “الشعوب الديمقراطي” (ذي الغالبية الكردية) المكوّن من تحالف حزب “العمال الكردستاني” والمحافظين الأكراد واليسار التركي، كبيراً مقارنة بما حصل عليه من نتائج في انتخابات يونيو/حزيران الماضي، إذ لم تتوقف خسارة الأخير على “أصوات الأمانة” ممثلة باليسار التركي التي استطاع جذبها، ولكنه تعداها إلى قلاع “الشعوب الديمقراطي” في المناطق ذات الغالبية الكردية في جنوب وشرق الأناضول.

وبعد أن كان حصول “الشعوب الديمقراطي” على 13 في المائة من الأصوات وتجاوزه للعتبة البرلمانية في الانتخابات السابقة مفاجئاً حتى لقيادته، أوشك الأخير خلال عملية فرز الأصوات في انتخابات أمس الأول على الخروج من البرلمان، وبالتالي ذهاب معظم مقاعده إلى منافسه اللدود “العدالة والتنمية” الذي كان بدوره سيقترب من إمكانية الحصول على الغالبية الكافية ليس فقط للتفرّد بالحكم، بل لتغيير الدستور وتحقيق حلم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتحوّل نحو النظام الرئاسي.

وخسر “الشعوب الديمقراطي” حوالى مليون صوت من أصل 6 ملايين صوت استطاع الحصول عليها في انتخابات يونيو/حزيران، وبالتالي تراجعت حصته من الأصوات ثلاث نقاط لتصل إلى 10,55 في المائة، وفقد 21 مقعداً لتصبح حصته في البرلمان 59 مقعداً.

تراجع في الولايات الكردية

تراجع “الشعوب الديمقراطي” في ولاية ديار بكر بنسبة 7 في المائة التي ذهبت إلى “العدالة والتنمية” الذي نجح في استعادة 169 ألف صوت في الولاية رافعاً نسبته إلى 14 في المائة، وعدد مقاعده إلى 2 بزيادة مقعد واحد. هذا الأمر تكرر في عدد من الولايات الأخرى ذات الغالبية الكردية، إذ كان التراجع الأكبر لـ”الشعوب الديمقراطي” في ولاية بينغول التي خسر 11 في المائة من أصواتها لصالح “العدالة والتنمية”، لتصبح نسبة الأخير ما يقارب 27 في المائة بعد أن كانت 15 في المائة، الأمر الذي تكرر في ولاية أورفة أيضاً، حيث فقد “الشعوب الديمقراطي” مقعدين نيابيين.

وبينما حافظ “الشعوب الديمقراطي” على أصواته في كل من ولاية هكاري على الحدود العراقية وولاية شرناق التي تضم مدينة جيزرة (جزيرة بوطان) على الرغم من التراجع الطفيف، شهدت أصوات الأخير تراجعاً كبيراً في ولاية وان على حدود إيران التي ترشح على رأس قائمة “العدالة والتنمية” فيها بشير أتلاي، حيث خسر “الشعوب الديمقراطي” 9 في المائة من أصواته لصالح “العدالة والتنمية”، الذي استعاد مقعداً آخر رافعاً مقاعده عن الولاية إلى اثنين، بينما خسر “الشعوب الديمقراطي” في كل من عنتاب وتونجلي (ديرسيم) بنسبة خمسة في المائة.

كما شهدت مدينة إسطنبول التي تضم أكبر تعداد للمواطنين الأكراد، تراجعاً واضحاً لـ”الشعوب الديمقراطي” الذي خسر نقطتين لتصبح نسبة أصواته 10 في المائة، وبالتالي تراجع عدد نوابه عن المدينة ثلاثة ليصبحوا سبعة، ذهبت جميعها لـ”العدالة والتنمية”، الأمر الذي تكرر في كل من ولاية إزمير ومرسين وأضنة، حيث تراجع الحزب أيضاً نقطتين ونصف، فخسر نوابه اليساريين كصاروخان أولوج وسزاي تمللي، ونوابه العلويين مثل علي كنان أوغلو وعلي حيد كونجا (وزير شؤون الاتحاد الأوروبي في الحكومة المؤقتة)، وبياض أوستون النائبة عن تيار الخضر في الحزب.

أسباب التراجع

إضافة إلى الهجوم الانتحاري الذي نفذه تنظيم “داعش” في العاصمة أنقرة واستهدف أنصار “الشعوب الديمقراطي” بشكل أساسي، دافعاً الأخير إلى إيقاف جزء من حملته الانتخابية خوفاً من تكرار الهجمات وحفاظاً على أرواح أنصاره، وأيضاً الحملة الشرسة التي شنها “العدالة والتنمية” على “الشعوب الديمقراطي”، والتي اعتبرها زعيمه صلاح الدين دميرتاش “كافية لمحو أي حزب سياسي من الخارطة”، كان للتقارب في الخطاب السياسي مع “العمال الكردستاني” وأيضاً تصرفات الأخير بالغ الأثر في تراجع “الشعوب الديمقراطي”.

ويؤكد أحد قياديي “الشعوب الديمقراطي”، لـ”العربي الجديد”، أن أحد أهم أسباب تراجع الحزب في المناطق ذات الغالبية الكردية يعود إلى تصرفات قيادات حزب “المناطق الديمقراطي” (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) والذي أعلن قادته الإدارة الذاتية رداً على الهجمات التي شنتها قوات الأمن التركية على “الكردستاني”، قائلاً: “إضافة لخسارتنا أصوات العشائر الكردية العاملة في تنظيم حراس القرى الموالي للجيش التركي، بعد هجوم الكردستاني عليهم وقتل عدد من قياداتهم، قامت العناصر التابعة لشبيبة الكردستاني، بحفر الخنادق في القلب التجاري لمدينة ديار بكر ممثلاً في بلدية سور، لمنع دخول قوات الأمن والشرطة بعد أن أعنت الإدارة الذاتية في البلدية، مما دفع قوات الأمن إلى اقتحام المكان فاندلعت اشتباكات كان لها بالغ الأثر على الرأي العام الكردي الذي انتخبنا بسبب دعوتنا للسلام ووقف العنف”.

ويعتبر أن “على الجميع أن يعرف، وبالذات العمال الكردستاني، أن الشعب غير جاهز بعد للإدارة الذاتية، على الرغم من أنها كانت أحد بنود برنامجنا الانتخابي”.

أما السبب الثاني، بحسب القيادي في “الشعوب الديمقراطي”، فيعود إلى أن الناخبين جعلوا الحزب يدفع فاتورة عودة الاشتباكات بين “الكردستاني” وقوات الأمن التركية، قائلاً: “بعد أن كان انتخابنا من قِبل المواطنين في الغرب التركي مدفوعاً بشكل أساسي لنبذنا العنف ودعوتنا للسلام ومعارضتنا للسياسات المحافظة للعدالة والتنمية وسيطرته على مفاصل الدولة، جاءت الاشتباكات والموقف السياسي القومي القريب من الكردستاني الذي اضطررنا لاتخاذه حفاظاً على الأصوات الكردية في الشرق، لتخرب كل ما عملناه عليه طوال أكثر من عامين”، مضيفاً: “لكن بطبيعة الحال تبقى هذه التقييمات أولية لحين انعقاد جلسة لقيادات الحزب خلال أيام”.

العربي الجديد

 

 

 

ديموقراطية تركيا..ورموزها العربية/ ساطع نور الدين

من بديهيات القراءة لنتيجة أي معركة انتخابية في اي بلد في العالم، الاستهلال بعبارة رتيبة، مكررة الى حد الملل، مفادها “ان الديموقراطية هي التي انتصرت”.. وهي عبارة لم تستخدم كثيراً في الحالة التركية الاخيرة، ولم تتحول الى عنوان للمباهاة او حتى المزايدة كما في النماذج الغربية التي كانت تتفاخر في ما مضى بتجاربها الديموقراطية على المعسكر الاشتراكي الموؤد.

بالامس أكسبت تركيا بتجربتها الديموقراطية المتجذرة، تلك اللازمة من الخطاب السياسي الغربي، معنى جديداً، ومنحتها فرصة اضافية، من دون ان تكون بحاجة حتى الى إعلان جدارة الانتماء التركي الى العالم الديموقراطي الحرّ، او تجديد الارتقاء الى مرتبة النموذج الفريد لدول نامية عديدة، عربية واسلامية وعالم ثالثية، لم تدرك طريقها نحو ذلك الصندوق السحري.

على حافة بركان سوري وعراقي متفجر، وعلى مقربة من توتر روسي لم يسبق له مثيل، وعلى بوابة إضطراب إجتماعي وإقتصادي أوروبي حاد، خضع الاتراك لإمتحان جديد، في الحداثة وفي الالتزام بشروط الاستقرار والازدهار. ولم يكن نجاحهم جواباً على تحديات خارجية استثنائية لم تواجه مثلها الدولة التركية منذ الحرب الباردة. كان الداخل التركي يقدم أجوبة تاريخية.

الساعات الحاسمة التي عاشها الاتراك ما بين التوجه الى مراكز الاقتراع صباح الاحد والاعلان المتلاحق مساء عن نتائج فرز الاصوات وتوزع النسب والمقاعد في البرلمان الجديد، كانت ملحمية حتى وفق المعايير الغربية. مجتمع في ما يشبه حالة حرب، داخل الحدود وخارجها، أنجز عملية ديموقراطية لا تشوبها شائبة، ولا تجيز أي طعن. بلد خرج منذ أقل من عقدين على ضوابط الحكم العسكري وشروطه القاسية والمهينة، برهن ان مدنيته وديموقراطيته، والى حد ما ليبراليته، باتت من مقدساته الوطنية التي تسمو على جميع العصبيات والحساسيات الداخلية التي لا حصر لها.

في تلك الساعات بدا ان حكم العسكر هو من الماضي التركي البعيد، المتصل بالحقبة العثمانية، وتبين ان الهوية الاسلامية التي إستخدمت سلاحاً في مواجهة الجيش ، إختتمت في المعركة الانتخابية الاخيرة آخر حروبها السياسية، وقررت ان تستقر في مكانها الطبيعي في الوجدان التركي، فهي لم تعد بحاجة الى الحضور في الجدل اليومي.

مثلما سقط الجيش التركي من الذاكرة تماما، غاب البرنامج الاسلامي الذي كان حزب العدالة والتنمية يقدم نفسه بصفته وريثه وحامل رايته، فاذا به يكتفي في الحملة الانتخابية بذكر الله وبركته التي حلت على المـؤمنين بليبرالية حزب العدالة والتنمية، اكثر من المطمئنين لخلفيته الاسلامية التي صارت خارج البحث وحتى خارج التداول.

لم تعد هناك حاجة الى ذلك السلاح “الاسلامي” الفعال ، ولا ربما الى ذاك النموذج. حققت تركيا “اكتفاءها الذاتي”. وتكون انطباع بأن ذلك الحزب الذي حصل على تفويض شعبي حاسم يمكن ان يحكم تركيا مئة عام، اذا لم تفسده السلطة، أو لم يُصَب زعماؤه بجنون العظمة.. او إذا لم يسيئوا فهم الوصف ( اللامع والدقيق الى حد بعيد) الذي أطلق بالامس على رجب طيب اردوغان باعتباره أهم زعيم في تاريخ تركيا الحديث منذ مصطفى كمال، أتاتورك.

ليس من السهل إخفاء مظاهر الاعجاب بتلك التجربة التركية، التي كانت، ككل انتخابات في اي بلد في العالم، فرصة شعبية للمنافسة بين برامج داخلية في الدرجة الاولى، لكنها كانت محملة بالكثير الكثير من الاشارات والرموز التي تتعدى حدود تركيا. فهي تحيي بلا أدنى شك نقاشاً عربياً سابقاً، حول الربيع الذي ضاع قبل الأوان، وهي تبعث الروح حتما في الكثير من الحركات والتيارات العربية الديموقراطية، الاسلامية وغير الاسلامية، وهي تمنح الكثيرين من الذين ما زالوا يقاتلون في سوريا على سبيل المثال أملاً جديداً، أقوى من أي وقت مضى، يشجعهم على رد الهجوم الروسي الايراني الراهن.

الإنجاز الديموقراطي التركي يكاد يبدو حدثاً عربياً.

المدن

 

 

 

فاز إردوغان في اللحظة المناسبة/ عبد الرحمن الراشد

هناك موضوع واحد يهمنا في نتائج الانتخابات البرلمانية المدهشة في تركيا، استمرار حزب العدالة والتنمية في الحكم، يعني سدّ الطريق على المشروع الإيراني في سوريا.

فوز حزب إردوغان متوقع، لكن المطلوب الأغلبية الكبيرة التي تؤمن له تشكيل حكومة كاملة، وهذا ما حدث.

بحكومة ناقصة الصلاحيات كانت تركيا ستتراجع، كونها دولة مؤثرة في مستقبل سوريا في وقت بالغ الخطورة. وأي موقف تركي سواء كان عسكريا أو سياسيا، سيتطلب حكومة قوية قادرة على تمرير قراراتها في البرلمان. الآن من المؤكد أن الرئيس التركي، وحكومته، قادرون على الجلوس على طاولة المفاوضات، وتعزيز دور المعسكر المضاد، للإيرانيين ونظام بشار الأسد.

ولا شك أن الرئيس رجب طيب إردوغان اليوم أقوى من الأشهر الخمسة الماضية، عندما كان لا يملك أغلبية كاملة في البرلمان. وتركيا هي الدولة الأكثر قدرة على الوضع في سوريا، مقارنة بدول المنطقة، بحكم حدودها الطويلة وإمكاناتها الهائلة.

ولا شك أن الفوز المبهر لحزب إردوغان خيب آمال النظام السوري وإيران، اللذين كانا يأملان في فشل «العدالة» في الحصول على الأغلبية المطلوبة لتشكيل حكومة، بما يضعف الرئيس إردوغان في المفاوضات الحالية. وتبعا لذلك، ضعف الحكومة التركية سيضعف معسكر السعودية قطر، الذي يواجه تحديات جديدة أكثر صعوبة من ذي قبل. فالولايات المتحدة تستمر جالسة في صف لاعبي الاحتياط، لا تفعل شيئا مهما، وأوروبا موقفها كلامي فقط. في حين أن روسيا بعد انضمامها للقتال، نيابة عن نظام الأسد، زادت من الضغط على المعسكر الآخر، بمقاتلة الجيش الحر. ونتيجة لجرأتها على المشاركة في الحرب العسكرية تحاول فرض حل سياسي أقرب إلى معسكر إيران الأسد. ولو أن إردوغان خرج من الانتخابات ضعيفا، لانعكس سلبا على ما سيجري خلال الأشهر القليلة المقبلة، والتي بدأت ملامحها تظهر في مؤتمر العشرين في فيينا حول حاضر ومستقبل سوريا. ومن المتوقع أن يتولى الأتراك قيادة القاطرة، كونهم المعنيين أكثر من غيرهم بما يحدث على حدودهم الجنوبية في العراق وسوريا، ويدركون أن الانتشار الإيراني في هذين البلدين، يصب مباشرة في الإخلال بالتوازن مع تركيا، ويمكن نظام خامنئي من الهيمنة على كل الأوراق الرئيسية في المنطقة، وليس سوريا فقط.

ولا شك أن إثارة الحديث عن مشروع إقامة دولة كردية في سوريا، كان امتحانا للأتراك في لحظة الانتخابات، وتزامن في وقت يعزز فيه الإيرانيون نفوذهم في كردستان العراق، كذلك. الأتراك يعون جيدا اليوم أن الحرب في الجوار تمسّ نفوذهم، بل ووجودهم. ومن دون أن تكون لهم مشاركة قوية في المفاوضات المقبلة ستترك الساحة السورية لحملة السلاح، أي الإيرانيين. وكذلك حضور الأتراك في الساحة العراقية مهم جدا، رغم أن القليل يحكي عنه، فهم يقومون بدعم القوى العراقية الوطنية المختلفة، حتى لا تستفرد إيران وأحزابها بهذه الدولة الاستراتيجية. وقد أظهرت تركيا في السنوات العشر القليلة الماضية، مهارة في التعامل مع أكراد العراق وإقليمهم، حيث بدلت سياستها إلى التعاون معهم، ودعم القوى المعتدلة، وكانت من أكثر الدول استثمارا في اقتصاد كردستان العراق. وتتوافق هذه البرغماتية السياسية مع المصالحة التي قادها إردوغان مع مواطنيه، أكراد تركيا، وأدت إلى دخولهم العمل السياسي بشكل كبير.

هناك قضايا أخرى معلقة، مثل العلاقات السيئة بين الحكومة التركية والمصرية، أتصور أن أنقرة ستجد أن الاختلاف مع القاهرة يضعف معسكرها. فمصر هي عمود أساسي في المجموعة العربية، وفي كل منطقة الشرق الأوسط، ومن دونها تكون المهمة صعبة على تركيا في معالجة الملفين العراقي والسوري. هذا زمن التحالفات، حيث لا تستطيع الدول فرادى مواجهة الفوضى القائمة، ولا ردع القوى التي تريد تغيير الخريطة بالقوة، ولا إقناع الدول الكبرى باتخاذ مواقف عملية مناسبة. التحالف الثلاثي قادر على تغيير الوضع المعلق، أعني به تركيا مصر الخليج.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

حكم الشعب في تركيا/ أنور الجمعاوي

قصد ملايين الأتراك في 81 محافظة صناديق الاقتراع، للمرة الثانية على التوالي، خلال خمسة أشهر لانتخاب ممثلين لهم في البرلمان التركي (550 نائباً)، في انتخابات تشريعية تاريخية، تنافس فيها 20 حزبا، وأقبل عليها المواطنون بكثافة، حتى بلغت نسبة المشاركة 87%، وتنافس المتنافسون بطريقة ديمقراطية في استحقاق انتخابي مميز، شهد أغلب المراقبين بنزاهته. وباحت صناديق الاقتراع بأسرارها، لتخبر بتصدر حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى بنسبة 49% من أصوات الناخبين (317 مقعداً)، يليه حزب الشعب الجمهوري بنسبة 25% (134 مقعداً)، فحزب الشعوب الديمقراطي بنسبة 12% (59 مقعداً)، فالحركة القومية بنسبة 11% (40 مقعداً). ودل المشهد الانتخابي على وعي معظم المواطنين الأتراك بأهمية الاحتكام إلى التنافس الديمقراطي السلمي، في اختيار أعضاء الهيئات السيادية في البلاد، وفي مقدمتها البرلمان، فكان الإقبال على التصويت كثيفاً، وهو ما أخبر بثقة المواطن في أجهزة الدولة، وإدراكه أن صوته لن يضيع سدى، ولن يعتريه التزوير، بل هو صوت مهم في رسم معالم المشهد السياسي في البلاد. من هنا، كان الانتخاب حالة تعبير عن الذات، ومن لحظات التفاعل بين المواطن والدولة.

وظهر من خلال النتائج أن البرلمان المقبل تعددي بامتياز، يعكس تنوع التيارات السياسية في تركيا. ويستجيب لاختلاف المواطنين وتباين توجهاتهم ومواقفهم من حكام أنقرة في سنوات خلت. وفي البرلمان الجديد تمثيل للعلمانيين وللإسلاميين والقوميين واليساريين وغيرهم، وفيه حضور لممثلين عن أعراق وديانات مختلفة، ما أسهم في تشكيل مجلس تشريعي يحظى بحاضنة شعبية واسعة. ويُنتج ذلك حالة من التوازن بين السلطة والمعارضة من ناحية، وحالة من الاستقرار السياسي الذي يرسل رسائل طمأنة إلى عموم المواطنين والمستثمرين والسياح المتجهين إلى الديار التركية.

“بينت الانتخابات التشريعية التركية نضج التجربة الديمقراطية في تركيا، والإسهام الفعال للمواطنين في بناء دولة جمهورية ذات برلمان تعددي”

والواقع أن فوز حزب العدالة والتنمية بالأغلبية لم يكن أمراً اعتباطياً، بل كان انتصاراً انتخابياً، جدّ قادة الحزب وأنصاره في بلوغه، فتماسك هذا الحزب وقدرته على التكيف مع الأوضاع المستجدة، وعلى تحيين خياراته السياسية، وعلى استقطاب المواطنين، والتفاعل مع مشاغلهم وأحلامهم وهمومهم، مكّنه من استعادة الغالبية المطلقة التي فقدها في انتخابات (7 يونيو/حزيران 2015) في وقت قياسي.

فقد عمد حزب العدالة والتنمية في الأشهر الخمسة الأخيرة إلى تقديم خطاب سياسي معتدل، تغلب عليه المرونة، والرغبة في تحقيق التوافق والرفاه الاقتصادي والسلام، وصعد في هذا الخصوص نجم رئيس الوزراء، داود أوغلو. وفي المقابل، تراجعت نبرة الرئيس رجب طيب أردوغان في الدعوة إلى استبدال النظام البرلماني بنظام رئاسي، يتيح له صلاحيات واسعة، وذلك لمّا تبين أن هذه الدعوة لا تجد لها حماسة كبيرة من أغلب الأتراك. وفي السياق نفسه، حرص الحزب على تعبئة أنصاره وتحسيسهم بأهمية المشاركة في المعترك الانتخابي، وجدّ في استمالة القوميين الأتراك واستقطابهم، بعد أن انشق عدد كبير منهم عن حزب الحركة القومية، وأقنعهم بأن مساندتهم هي السبيل إلى إقامة دولة تركية قوية. يضاف إلى ذلك أن حزب العدالة والتنمية يمارس التنوع والتعددية في داخل هياكله، وفي داخل قوائمه الانتخابية التي تضمنت ممثلين للأكراد والعلويين والأرمن، إلى جانب العلمانيين والمسلمين السنة والجماعات الصوفية، الأمر الذي جعله حزباً جامعاً لروافد شعبية متعددة، ومنحه قاعدة جماهيرية عريضة. إلى ذلك، لم يتورّط الحزب، على مدى سنوات من توليه زمام السلطة في تركيا (2002) في قضايا فساد، أو استبداد، أو نهب للمال العام، كما لم يصادر الحريات العامة والخاصة. واتضح، في الأشهر الأخيرة، أن الحكومة التركية أمسكت بزمام المبادرة في مواجهة بؤر التوتر في المحافظات الداخلية، أو على الحدود السورية، وكثفت من ضرباتها لحزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة الإسلامية، لما صدر عنهما من أعمال إرهابية، استهدفت الجيش التركي، وأنذرت بتقويض السلم الاجتماعي. وكان حزم النظام الحاكم في مواجهة التهديدات الإرهابية حاسماً في تزايد شعبية حزب العدالة والتنمية، والتفاف الناس حوله شوقاً إلى الأمان والاستقرار.

كما أن ارتباك الأداء السياسي لأحزاب المعارضة وانخراطها في جوقة إدانة حزب العدالة والتنمية، واتهامه بالفشل في إدارة البلاد، من دون تقديم بدائل استراتيجية واضحة في إدارة الشأن الاقتصادي والاجتماعي، ساهم في تراجع شعبية تلك الأحزاب. وزاد إحجامها عن المشاركة في حكومة ائتلافية عقب انتخابات يونيو/حزيران عزوف الناس عن مناصرتها، لأنها ظهرت في موقع الأحزاب العدمية، العاجزة عن الوصول إلى حلول توافقية في إدارة الشأن العام، والحريصة على مزاولة المعارضة لأجل المعارضة، ولعل ذلك ما دفع كثيرين إلى ترك حزب الحركة القومية مثلاً، والالتحاق بحزب العدالة والتنمية. وعلى صعيد السياسة الخارجية، تبلور في الفترة الأخيرة حلف سعودي قطري تركي وازن في التعاطي مع الأزمة السورية، ونجحت أنقرة في توظيف ورقة اللاجئين، لإعادة طرح ملف انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما زاد في شعبية حزب العدالة والتنمية.

بينت الانتخابات التشريعية التركية نضج التجربة الديمقراطية في تركيا، والإسهام الفعال للمواطنين في بناء دولة جمهورية ذات برلمان تعددي، وبينت قدرة حزب محافظ ذي مرجعية إسلامية على الانخراط في مسار التنافس السلمي على السلطة، وفي مسار إدارة تجربة الحكم بنجاح. ويبقى هذا النموذج، على علاّته، جديراً بالدراسة والاحتذاء في سياق عربي.

نجح حزب العدالة والتنمية في كسب الرهان الانتخابي، فهل سينجح في معالجة التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة، وأهمها استئناف مشروع السلام مع الأكراد، وتغيير الدستور، وتطوير الاقتصاد ومواجهة دفق اللاجئين، والتصدّي لمعضلة الإرهاب العابر للحدود؟

العربي الجديد

 

 

 

 

انتخابات الإعادة التركية: عوامل فوز العدلة والتنمية وتداعياته

ملخص

حقق العدالة والتنمية في انتخابات الإعادة التركية فوزًا لم يكن متوقعًا، ولا حتى في أكثر حسابات آلة الحزب الانتخابية تفاؤلًا. ويمكن القول: إن مراهنة قيادة الحزب، إضافة إلى رئيسه السابق، رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، على أن انتخابات مبكرة ستأتي بنتائج مختلفة لانتخابات يونيو/حزيران، قد أثبتت صحتها.

خلف ذلك كله كان التوجه التقليدي لعموم الشعب التركي إلى تقوية المركز السياسي لحماية البلاد من التشظي والانقسام، فما قام به الناخب التركي في هذه الانتخابات كان معاقبة الأحزاب التي رأى أن تصرفها في الشهور الخمسة الفاصلة كان يدفع نحو إضعاف المركز لصالح توجهات الانقسام والتشظي.

مقدمة

بخلاف كل التوقعات، بما في ذلك حسابات آلة الحزب الانتخابية ذاتها، حقَّق العدالة والتنمية نصرًا حاسمًا وكبيرًا في الانتخابات البرلمانية العاجلة التي أُجريت في 1 نوفمير/ تشرين الثاني. بذلك، تخرج تركيا من حالة عدم اليقين والقلق التي عاشتها منذ جاءت انتخابات 7 يونيو/حزيران الماضي بدون أن تعطي أيًّا من الأحزاب الأغلبية البرلمانية، ومنعت العدالة والتنمية من تشكيل الحكومة منفردًا، بعد أن حكم البلاد طوال ثلاثة عشر عامًا متوالية.

كيف حقَّق العدالة والتنمية هذا النجاح الكبير؟ ولماذا؟ وإلى أي حدّ ستنعكس عودة الحزب للحكم منفردًا على سياساته تجاه أزمات الداخل التركي، وأزمات الجوار؟

السياق الداخلي: تشظٍّ سياسي وانفلات أمني

يصعب فهم نتائج انتخابات 1 نوفمبر/تشرين الثاني بدون فهم المناخ السياسي-الاقتصادي والأمني الذي عاشته تركيا طوال الشهور الخمسة منذ انتخابات 7 يونيو/حزيران.

كان أول ما شهدته البلاد مباشرة بعد انتخابات الصيف غير الحاسمة محاولة تشكيل حكومة ائتلافية. ولأن حزب العدالة والتنمية حصل على أكبر نسبة من أصوات الناخبين ومن مقاعد البرلمان، كان من الطبيعي أن يبادر إلى محاولة بناء ائتلاف حكومي، ولكن ردود فعل الأحزاب الأخرى لم تساعد على تشكيل هذا الائتلاف. أعلن حزب الحركة القومية معارضته للدخول في ائتلاف حكومي، ورفضه الذهاب لانتخابات مبكرة، ومعارضة تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة شؤون البلاد في مرحلة انتقالية. كما أعلن حزب الشعوب الديمقراطي رفضه هو الآخر للمشاركة في ائتلاف حكومي مع العدالة والتنمية. أمَّا حزب الشعب الجمهوري، صاحب الكتلة البرلمانية الثانية وحزب المعارضة الرئيس، وبالرغم من مشاركته في عدة جلسات تفاوض مع حزب العدالة والتنمية حول مشروع حكومة ائتلافية، فقد حاول ابتزازه بتقديم مطالب تعجيزية، بما في ذلك إجراء تغيير جوهري في سياسات البلاد الخارجية وفي البنية التعليمية.

وإلى جانب ذلك، وبالرغم من أن بعض الشخصيات المعارضة سعت إلى تشكيل ائتلاف يستثني العدالة والتنمية، عجزت أحزاب المعارضة الثلاثة الممثَّلة في البرلمان حتى عن الحديث مع بعضها البعض.

وكان طبيعيًّا أن يترك مناخ القلق وعدم الحسم السياسي أثره على وضع البلاد المالي والاقتصادي؛ فتعرضت الليرة التركية، بالرغم من التدخل النشط للبنك المركزي، لهبوط متواصل طوال أشهر الصيف أمام الدولار واليورو، وبدأت مؤشرات الاستثمارات الداخلية والخارجية في التراجع. ولكن التطور الأخطر تعلق بوضع البلاد الأمني؛ فبعد ثلاث سنوات من السلم في المواجهة بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني، وقطع أشواط كبيرة في مسار الحل السلمي للمسألة الكردية، انفجر الصراع مع العمال الكردستاني من جديد. ويبدو أن قيادة الحزب المسلح في شمال العراق ظنَّت أن نتائج انتخابات يونيو/حزيران وضعت العدالة والتنمية، والدولة ككل، في وضع ضعيف، وصنعت مناخًا يساعد على فرض شروط جديدة للعلاقة. ولكن، ومنذ عملية اغتيال رجلي الأمن التركيين في مدينة سروج في نهاية يونيو/حزيران، عادت الدولة التركية إلى سياسة العصا الغليظة في التعامل مع الحزب، موقِعة خسائر هائلة بقواعده وكوادره داخل تركيا وخارجها.

بيد أن عودة الصراع لم تكن بلا ثمن لتركيا؛ فقد خسرت قوات الأمن والجيش والجندرمة العشرات من عناصرها في المواجهة مع مجموعات العمال الكردستاني المسلحة، وعاد مناخ التوتر الأمني إلى مناطق الأغلبية الكردية. وإلى جانب إحجام حزب الشعوب الديمقراطي، كُردي التوجه، عن إدانة عمليات العمال الكردستاني المسلحة، لقربهما من بعض، فإنه سكت عن محاولات بعض البلديات الكردية فرض وضعٍ من الحكم الذاتي في مناطق الأغلبية الكردية. وبالرغم من محاولة بعض الدوائر القومية التركية الراديكالية استغلال مناخ تصاعد عمليات العمال الكرستاني لإحراج العدالة والتنمية والحكومة المؤقتة التي قادها خلال المرحلة الانتقالية، فإن قطاعًا واسعًا من الأكراد المحافظين وأبناء الطبقة الوسطى، رأى في سياسات الشعوب الديمقراطي خطرًا على الأكراد أنفسهم وليس على تركيا وحسب.

ما فاقم من القلق الأمني المتزايد كان دخول تنظيم الدولة الإسلامية إلى ساحة العمل المسلح في تركيا. بصورة من الصور، يعيش المجتمع الكردي منذ سنوات ما يشبه الحرب الأهلية الصامتة، بين الأكراد الإسلاميين الراديكالييين، من جهة، وأنصار حزب العمال الكردستاني، علماني التوجه والمُعادي للقيم الإسلامية الموروثة في المناطق الكردية المحافظة. ويبدو أن تنظيم الدولة، استخدام عددًا غير محدد من العناصر الكردية-التركية، الإسلامية-الراديكالية، التي تنتمي إليه، لتنفيذ سلسلة من التفجيرات داخل تركيا بهدف الضغط على الحكومة التركية. أول هذه التفجيرات وقع في مدينة سروج على الحدود السورية في يونيو/حزيران الماضي. ولكن التفجير الدموي الذي شهدته العاصمة أنقرة في 10 أكتوبر/تشرين الأول، وأودى بحياة 102 شخص، كان أعنفها، وأكثرها تحديًا لإرادة الدولة التركية وسيادتها.

بكلمة أخرى، شهد الشعب التركي خلال الشهور الخمسة الفاصلة بين المناسبتين الانتخابيتين صورة مثيرة للقلق، لأحزاب عجزت عن تقديم مصلحة تركيا على مصالحها السياسية قصيرة المدى؛ وبداية تدهور مالي واقتصادي؛ واستباحة حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة لأمن البلاد. وكان لهذه الأسباب معًا أثر مباشر على أصوات الناخبين في أول نوفمير/تشرين الثاني.

النتائج: مشاركة كاسحة وانفراد بالسلطة

حقَّق العدالة والتنمية في هذه الانتخابات فوزًا لم يكن متوقعًا، ولا حتى في أكثر حسابات آلة الحزب الانتخابية تفاؤلًا. ويمكن القول: إن مراهنة قيادة الحزب، إضافة إلى رئيسه السابق، رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، على أن انتخابات مبكرة ستأتي بنتائج مختلفة لانتخابات يونيو/حزيران، قد أثبتت صحتها. ولكن، لا يمكن إدراك حجم ودلالات نتائج هذه الانتخابات بدون مقارنتها بانتخابات يونيو/حزيران.

طبقًا للنتائج الأولية، حصل العدالة والتنمية على 49.5 بالمئة من الأصوات، مقارنة بـ 41 بالمئة فقط في الانتخابات السابقة؛ بينما حافظ حزب الشعب الجمهوري على نتيجته السابقة (24.8 بالمئة)، مع زيادة ضئيلة، محققًا 25.4 بالمئة من الأصوات. ولكن الخسارة الكبيرة كانت من نصيب حزب الحركة القومية، الذي هبط من 16 إلى 11.9 بالمئة من الأصوات؛ أمَّا حزب الشعوب الديمقراطي، كردي التوجه، فكانت خسارته أقل نسبيًّا، محققًا 10.7 بالمئة من الأصوات، مقابل 13 بالمئة في انتخابات يونيو/حزيران. تؤهل هذه النتيجة حزب العدالة والتنمية لاحتلال 316 مقعدًا من مقاعد البرلمان التركي البالغة 550 مقعدًا. وسيحصل حزب الشعب الجمهوري على 134 مقعدًا، بزيادة مقعد واحد عن الانتخابات السابقة؛ بينما تراجع حزب الشعوب الديمقراطي إلى 59 مقعدًا، وحزب الحركة القومية إلى 41 مقعدًا وحسب. ولو فشل حزب الشعوب الديمقراطي في عبور حاجز العشرة بالمئة، فلربما وصلت مقاعد العدالة والتنمية إلى أكثر من 360 مقعدًا.

في الصورة العامة لمحافظات البلاد الـواحدة والثمانين، كان العدالة والتنمية الفائز في 63 محافظة، موزعة على كافة أنحاء البلاد، بما في ذلك محافظات الأغلبية الكردية. وفاز حزب الشعب الجمهوري في 6 محافظات في ساحل إيجه وغرب البلاد الأوروبي؛ بينما فاز الشعوب الديمقراطي في 12 محافظة، جميعها في منطقة الأغلبية الكردية. ولم يحقق حزب الحركة القومية الفوز في أيٍّ من محافظات البلاد. بمثل هذه الصورة، يعود العدالة والتنمية من جديد ليؤكد على أنه الحزب الوحيد الذي يتمتع بوجود قومي، يغطي كافة مناطق تركيا، شرق الأناضول وغربه، ووسطه وشماله، كما الجنوب والجنوب الشرقي؛ وبالطبع إسطنبول، التي تعكس صورة البلاد العامة دائمًا، والتي أعطت العدالة والتنمية 49 بالمئة من أصواتها.

كانت هذه هي الانتخابات الأعلى إقبالًا منذ سنوات؛ فمن 57 مليون تقريبًا ممن يحق لهم التصويت، ذهب إلى صناديق الاقتراع بالفعل 86 بالمئة من الناخبين، بزيادة واحد بالمئة عن الانتخابات السابقة. وقد أضاف العدالة والتنمية إلى أصواته أكثر من 4 ملايين صوت، مقارنة بانتخابات يونيو/حزيران.

فكيف يمكن فهم الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة؟

الواضح، بالطبع، أن تطورات الشهور الخمسة الفاصلة بين جولتي الانتخابات، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني أو الاقتصادي، كان لها تأثير كبير ومباشر في التحاق أكثر من أربعة ملايين ناخب بصف العدالة والتنمية. ويمكن تلخيص هذه التطورات في ما يمكن تسميته بالرغبة في الاستقرار. بكلمة أخرى، عاش الناخب التركي خمسة شهور من الشعور المتفاقم بالقلق وعدم الاستقرار، وقرر بالتالي أن الخيار الآمن لعودة الاستقرار هو بعودة العدالة والتنمية لقيادة البلاد، بدون الوقوع تحت ضغوط ابتزاز الأحزاب الأخرى.

الأحزاب التي أسهمت مباشرة في عدم الاستقرار كانت تلك التي تعرضت للعقوبة الأقسى من الناخب. حزب الحركة القومية، الذي تصرف بعد الانتخابات السابقة بصورة غير توافقية على الإطلاق، ورفض كل الخيارات المطروحة، بدون أن يقدم بديلًا مقنعًا، فكانت خسارته فادحة. وحزب الشعوب الديمقراطي، الذي أتيحت له بالفعل فرصة وضع فاصل قاطع بينه وبين الجناح المسلح في حزب العمال الكردستاني، فأضاع الفرصة المتاحة، وكاد يعجز عن تخطي حاجز العشرة بالمئة الضروري لدخوله للبرلمان. الغالبية العظمى من الأصوات التي خسرها كلا الحزبين القوميين ذهبت للعدالة والتنمية. ويبدو أن جزءًا صغيرًا من خسارة الشعوب الديمقراطي ذهب أيضًا للشعب الجمهوري، سيما أصوات الليبراليين الراديكاليين الذين أعطوا أصواتهم في المرة السابقة للشعوب الديمقراطي بهدف منع العدالة والتنمية من الحصول على أغلبية كافية تؤهله لوضع دستور جديد. هذه الكتلة الصغيرة من الأصوات عادت إلى حضنها التقليدي في الشعب الجمهوري؛ ما حقق للأخير الزيادة الضئيلة في حصته من مجمل أصوات الناخبين.

خلف ذلك كله كان التوجه التقليدي لعموم الشعب التركي إلى تقوية المركز السياسي لحماية البلاد من التشظي والانقسام. وكما أشار السياسي التركي د. طه أوزهان في مقالة له في 31 أكتوبر/تشرين الأول بصحيفة ستار، ما قام به الناخب التركي في هذه الانتخابات كان معاقبة الأحزاب التي رأى أن تصرفها في الشهور الخمسة الفاصلة كان يدفع نحو إضعاف المركز لصالح توجهات الانقسام والتشظي.

بيد أن هناك مسألتين أخريين لا يمكن إغفالهما من الاعتبار: الأولى ذات طابع داخلي، انتخابي؛ ففي المرة الأولى لربما منذ تأسيسه، تقدم العدالة والتنمية ببرنامج انتخابي تفصيلي وحديث، بحيث عرف كل تركي، وكل كتلة اجتماعية، ما الذي سيقدمه لهما العدالة والتنمية إن عاد لسُدَّة الحكم. والثانية ذات طابع خارجي، دولي وإقليمي. فقد لاحظ الناخب التركي، سيما في الأزمة السورية، كيف أن مناخ القلق الانتقالي في البلاد شجع قوى إقليمية على التعدي على حقوق ومصالح تركيا، وكيف أن قوة حليفة مثل الولايات المتحدة لم تأخذ في الاعتبار معارضة أنقرة تسليح الأكراد السوريين المرتبطين بالعمال الكردستاني. كانت نتائج انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني تصويتًا موجهًا للخارج أيضًا، وعلى تجديد ثقة الشعب في سياسات العدالة والتنمية الخارجية، وفي قدرته على حماية مصالح تركيا على الساحتين الإقليمية والدولية.

استحقاقات السنوات الأربع المقبلة

سعى أحمد داوود أوغلو، منذ توليه رئاسة العدالة والتنمية ورئاسة الحكومة في أغسطس/آب 2014، إلى تحقيق انتصار ملموس في المواعيد الانتخابية حتى ينتقل من مستوى رئاسة الحكومة إلى مستوى القيادة الوطنية. وربما أثارت نتائج انتخابات يونيو/حزيران الماضي أسئلةً ما حول جدارته بقيادة الحزب الأكبر والحكومة التركية في منعطف حرج من تاريخ البلاد. الفوز الذي تحقق في 1 نوفمبر/تشرين الثاني، والطريقة التي استقبلت بها جماهير الحزب داوود أغلو في مدينتي قونية وأنقرة، تشير بوضوح إلى أن رئيس العدالة والتنمية بات الآن زعيمًا وطنيًّا.

المهمة الأولى الآن أمام داوود أغلو هي تشكيل حكومة تبعث على اطمئنان الأتراك، وحلفاء تركيا، والعالم، سواء من جهة خبرة وخلفية من يتولى حقائبها الرئيسية، أو من جهة قدرة هؤلاء على إدارة ملفات سياسية واقتصادية باتت أكثر تعقيدًا. والمهمة الثانية مباشرة تتعلق بعمل رئيس الحكومة وحكومته، كما حزب العدالة والتنمية، على احتواء مناخ الاستقطاب الذي وصل مستويات مقلقة في الشهور القليلة الماضية، وعلى تطمين كافة شرائح وجماعات المجتمع التركي.

من جهة أخرى، وبالرغم من إشارة رئيس الحكومة في خطاب الفوز بالعاصمة أنقرة إلى أهمية وضع دستور جديد للبلاد، فمن المشكوك به أن تستطيع الحكومة المقبلة وضع دستور يتضمن تغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي. يحتاج العدالة والتنمية لأغلبية 330 مقعدًا في البرلمان ليضع مسودة الدستور الجديد بمفرده والذهاب به إلى الاستفتاء الشعبي، وهو ما لا يتمتع به الحزب من ثقل في البرلمان الجديد، بالرغم من أغلبيته المريحة. وستبقى مسألة وضع دستور جديد للبلاد، وهي مسألة تتكرر في تركيا منذ سنوات، أحد أصعب ملفات البرلمان المقبل. وليس من سبيل، ربما، لتذليلها سوى بانضمام عدد كاف من نواب أحزاب المعارضة إلى كتلة العدالة والتنمية البرلمانية، أو تخلي الأخير عن تصوره الخاص للقضايا الإشكالية في الدستور الجديد.

أخيرًا، وليس آخرًا، ليس من العسير فهم توجه الدولة وحكومتها المؤقتة في الشهور القليلة الماضية نحو توجيه ردٍّ عسكري وأمني قاس لحزب العمال الكردستاني. ولكن قيادة العدالة والتنمية، وعلى رأسها أحمد داوود أغلو، كما رئيس الجمهورية، تدرك أن العنف والعنف المقابل لن يوفر حلًّا نهائيًّا للمسألة الكردية في تركيا. العمل على إضعاف حزب العمال وإفشال مخططاته سيساعد بلا شك، ولكنه لا يكفي وحده لتحقيق الحل. ما سيأتي بالحل في النهاية هو المسار السياسي والتفاوضي، الذي لابد من العودة إليه في أقرب فرصة مناسبة، سياسيًّا وأمنيًّا وعسكريًّا. وليس ثمة شك في أن حالة القلق السياسي التي تنتاب إقليم الحكم الذاتي الكردي في شمال العراق، وتفاقم الدور الكردي في تعقيدات الأزمة السورية، يجعلان من العودة إلى المسار السياسي في المسالة الكردية-التركية أكثر إلحاحًا.

مركز الجزيرة للدراسات

 

 

 

 

الانتخابات التركية: “العدالة والتنمية” يحسم وينفرد بالحكومة

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

خلال أقل من خمسة أشهر، توجه الناخبون الأتراك مرةً أخرى إلى صناديق الاقتراع لحسم حالة اللاستقرار السياسي التي شهدتها البلاد، بعد أن أفقدت الانتخابات العامة التي جرت في يونيو/حزيران الماضي حزب العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية التي ظل يتمتع بها منذ عام 2002، والتي كانت تمكنه من تشكيل الحكومة منفردًا. وشكلت نتائج الانتخابات الحالية مفاجأةً كبيرة للمعارضة؛ إذ حصل حزب العدالة والتنمية على أكثر من 49% من الأصوات و317 مقعدًا من مجموع 550 مقعدًا، هي العدد الإجمالي لمقاعد الجمعية الوطنية، مقارنة بـ 40.8% من الأصوات و258 مقعدًا في الانتخابات السابقة. وقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة نحو 85%، ولم تتوقع أكثر الاستطلاعات تفاؤلًا حصول حزب العدالة والتنمية على نصف مجموع الأصوات تقريباً في انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين ثاني؛ فأقربُ استطلاعٍ توقّعَ حصوله على 47% من الأصوات، في حين تراوحت توقعات الاستطلاعات الأخرى بين 40% إلى 44%.

أما الأحزاب الثلاثة الأخرى التي تمكنت من اجتياز عتبة الـ 10% فقد حافظ حزب الشعب الجمهوري على عدد المقاعد نفسه تقريباً الذي حصل عليها في الانتخابات السابقة، وهو 134 مقعدًا، في حين تقلص عدد مقاعد حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) من 80 إلى 59 مقعدًا. وعُدَّ حزب الحركة القومية التي يتزعمه دولت بهشلي الخاسر الأكبر؛ إذ فقد نحو نصف مقاعده في البرلمان، فحصل على 40 مقعدًا مقارنة بـ 80 مقعدًا في الانتخابات السابقة.

“لم تتوقع أكثر الاستطلاعات تفاؤلًا حصول حزب العدالة والتنمية على نصف مجموع الأصوات تقريباً في انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين ثاني؛ فأقربُ استطلاعٍ توقّعَ حصوله على 47% من الأصوات”

وعند النظر في هذه النتائج يمكن التوصل إلى استنتاجات مهمة، أولها أنّ حزب العدالة والتنمية قد استعاد زمام المبادرة؛ إذ سيتمكن من حكم البلاد منفردًا، لكنه لم يحصل على الأغلبية الكافية التي تسمح له بتغيير الدستور لو أراد ذلك. ثانياً، شكلت النتائج ضربة كبيرة للأحزاب السياسية القومية التي فشلت في الحفاظ على الشعبية التي فازت بها في انتخابات الصيف الماضي. ثالثاً، منح الناخبون رصيدًا قيّماً لحزب العدالة والتنمية الذي يتعيّن عليه، بعد أن نال الدعم السياسي الضروري معالجة التحديات التي تواجه البلاد في المجالين الاقتصادي والسياسي – الأمني.

صيغة ائتلافية أم انتخابات مبكرة؟

مثلت نتائج انتخابات 7 يونيو/حزيران 2015 صدمةً لحزب العدالة والتنمية، بقيادة أحمد داود أوغلو؛ إذ خسر أغلبيته في البرلمان بحصوله على 258 مقعدًا. ومن ثمّ، تعيّن عليه التحالف مع أحد أحزاب المعارضة، أو ينتظر الدعوة إلى انتخابات أخرى مبكرة. انطوت تلك الانتخابات على رسالة تحذيرية مهمة من الناخبين الأتراك بأنّ الحزب أخذ يحيد عن البرامج والأهداف التي انتخب على أساسها، وأنّ عليه أن يدرك أنه موجود في السلطة بإرادة شعبية، وأنه يمكن أن يخرج منها وفقاً لهذه الإرادة أيضًا.

وكان من أهم الأسباب التي ساهمت في فقدان حزب العدالة والتنمية أغلبيته البرلمانية الإدارة السيئة للحملة الانتخابية التي بالغت في التركيز على تغيير النظام البرلماني، ليحلّ محله نظام رئاسي، وهو أمر لم يستسغه الناخب التركي، وكذلك الدفع بوجوه غير معروفة في القوائم الحزبية، وتعثّر عملية السلام مع الأكراد، والفشل في التعامل بشفافية مع مزاعم بقضايا فساد طالت بعض المسؤولين في الحزب والحكومة.

وفي ما كان حزب العدالة والتنمية يقرأ بتمعّن رسالة الناخب التركي، بدأ زعيمه أحمد داود أوغلو جولة مشاورات مع أحزاب المعارضة لتشكيل حكومة ائتلافية. وكان حزب الشعب الجمهوري قد حصل في انتخابات الصيف الماضي على 25% من الأصوات، وحزب الحركة القومية على 16.3% وحزب الشعوب الديمقراطي على 13.1%، ليتجاوز عدد مقاعدهم مجتمعين في البرلمان عدد مقاعد حزب العدالة والتنمية للمرة الأولى منذ عام 2002. ومع ذلك، كان أداء أحزاب المعارضة ضعيفًا؛ فعلى الرغم من حملتهم النشطة ضد حزب العدالة والتنمية، فإنهم فشلوا في التعاون لانتخاب رئيس للبرلمان. وقد مثّل ذلك فرصةً ضائعةً لهذه الأحزاب، لأنّ فشلهم هذا قد منح “العدالة والتنمية” فرصةً للتعافي من الصدمة. كما نجحت إستراتيجية أردوغان وداود أوغلو في منع المعارضة من الاستفادة من نصرها الانتخابي، أو الاستثمار في خسارة “العدالة والتنمية” والدفع بها نحو خيار الانتخابات المبكرة.

“العدالة والتنمية” يستعيد المبادرة

حصل حزب العدالة والتنمية على أكثر من أربعة ملايين صوتٍ في انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين أول مقارنةً بالانتخابات السابقة، وجاءت معظم هذه الأصوات من الكتلة غير الحزبية في المجتمع التركي، والتي صوتت ضد “العدالة والتنمية” في الانتخابات السابقة. كما أنّ جزءاً مهماً من أصوات جمهور الأحزاب القومية التركية والكردية قد عادوا إلى التصويت لحزب العدالة والتنمية، بعد أن صوتوا لحزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي في 7 يونيو/حزيران. وفضلًا عن ذلك، أصبح حزب العدالة والتنمية العنوان الرئيس للناخبين المحافظين الذين صوّتوا لأحزاب أخرى في الانتخابات السابقة. وتبعاً لنتائج غير رسمية، ازدادت شعبية الحزب أكثر من 8%، جاء نصفها تقريباً من جمهور حزب الحركة القومية والربع من الأكراد. وفي حين تناقصت شعبية حزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي، فإن شعبية حزب الشعب الجمهوري ازدادت فقط بنسبة 0.4% في صفوف المعارضة.

وتُظهر النتائج أنّ هناك عاملين أثّرا في سلوك الناخبين: أولًا، عدم تحمّل المجتمع التركي تبعات المخاطرة في سلوك طريق التحالف الحكومي (الصيغة الائتلافية) الذي قد يجلب مزيداً من المصاعب الاقتصادية والسياسية. ثانياً، المناخ الأمني غير المستقر الذي تسببت به هجمات حزب العمال الكردستاني خلال الصيف والصراع مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وقد ساعد ذلك حزب العدالة والتنمية في جذب أصوات قومية كردية وتركية كثيرة.

ومن الواضح أن مؤيدي حزب الحركة القومية أرادوا منه الاستجابة لتوجهات حزب العدالة والتنمية، وأن يشكل ائتلافًا حكوميًا معه، لكنه لم يستجب لهذه الرغبة، فعوقب على رفضه. أما قواعد حزب الشعوب الديمقراطي في المناطق الكردية، فقد بدت متخوفة تجاه راديكالية هذا الحزب، وقربه من حزب العمال الكردستاني؛ إذ تعدّ أكثر تمسكًا بالاستقرار والعملية السياسية من المزاج السائد في الحزب.

أدت نتائج انتخابات 7 يونيو/حزيران 2015 في ازدياد المخاطر الاقتصادية والسياسية، نظراً لغياب حكومة منتخبة. وأصبح الاقتصاد التركي أكثر عرضة للمخاطر في الأسواق العالمية، فانخفضت قيمة الليرة التركية، ولوحظ تدفق الأموال إلى الخارج، وتباطأتْ الاستثمارات، وتفاقمت المشكلات الاقتصادية في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد على وقع هجمات حزب العمال الكردستاني التي تسببت في تعثر مسار الحياة الطبيعية اليومية.

“أدت نتائج انتخابات 7 يونيو/حزيران 2015 في ازدياد المخاطر الاقتصادية والسياسية، نظراً لغياب حكومة منتخبة. وأصبح الاقتصاد التركي أكثر عرضة للمخاطر في الأسواق العالمية”

ويبدو واضحًا أنّ حزب العدالة والتنمية استفاد من السيطرة على حصة كبيرة من وسائل الإعلام، في حين أنّ وصول المعارضة إلى أجهزة الإعلام الجماهيرية في تركيا كان محدودًا. وقد أثّر قرار منع حصول الأحزاب السياسية على أي دعمٍ من خزينة الدولة في الانتخابات المبكرة في قدرة أحزاب المعارضة على تنظيم حملات انتخابية واسعة، على غرار ما حصل في انتخابات يونيو/حزيران الماضي، في حين لم يتأثر حزب العدالة والتنمية كثيراً بهذا القرار بسبب وجود موارد مالية خاصة. كما دفع التفجير الذي وقع في أنقرة معظم الأحزاب إلى إلغاء بعض تجمعاتها الانتخابية الشعبية لأسباب أمنية. وقد تسببت جميع هذه العوامل في تقليص حضور أحزاب المعارضة في فترة الحملات الانتخابية، في حين أن المزايا النسبية التي تمتع بها حزب العدالة والتنمية سهّلت عليه الوصول إلى جمهوره على نحو أفضل. بالإضافة إلى ذلك، ساهم تجنّب الحديث عن تحويل الانتخابات إلى استفتاء على النظام الرئاسي، والتقليل من ظهور الرئيس رجب طيب أردوغان في الحملة الانتخابية، في الوصول إلى هذه النتائج. كما ساهم إلغاء الحزب قراره منع ترشّح أعضائه أكثر من ثلاث دورات انتخابية في دفع بعض رموزه الأكثر شعبية إلى حلبة المنافسة، بعد أن كانوا استبعدوا منها في الانتخابات الماضية.

تعزيز قيادة داود أوغلو

على الرغم من إشارة رئيس الحكومة، أحمد داود أوغلو، مراراً في خطاب النصر عشية الإعلان عن نتائج الانتخابات إلى محورية الرئيس رجب طيب أردوغان ودوره عندما كانت تهتف الجماهير المحتشدة لمؤسس حزب العدالة والتنمية، فإنّ نتائج الانتخابات مثلت نصراً معنوياً كبيرًا لداود أوغلو الذي قاد الحزب في مرحلة صعبة، بعد أن جرى التشكيك بقدراته، وتم التركيز على ضعفه أمام الرئيس أردوغان. وقد تعزّز موقع داود أوغلو زعيماً للحزب، ويبدو أنّ توازنًا دقيقًا سوف ينشأ بينه وبين الرئيس أردوغان في المرحلة المقبلة. كما يبدو أنّ نتائج الانتخابات وضعت حدًا في الوقت الحاضر على الأقل للجدل الدائر حول إن كان يجب الاستعانة بالرئيس السابق، عبد الله غول، بوصفه منقذًا للحزب.

“على حزب العدالة والتنمية تبني لهجة بناءة، والتماس سياسة تشاركية في البرلمان والمجتمع. وهذا قد يساعد الحزب على توطيد سلطته، والعودة إلى “مبادئ وسياسات 2002 التي أوصلته إلى السلطة”

وفي “خطاب الشرفة” نفسه الذي احتفل فيه مع أنصار حزبه بالنصر، عرض داود أوغلو على المعارضة التعاون لإعداد دستور جديد، للتخلص من تركة انقلاب 1980، وهو أمر بالغ الأهمية أخذًا في الاعتبار فشل الأحزاب السياسية التركية في الاتفاق على مسودة دستور بعد عام 2011. ووفقاً للنتائج الأخيرة، لا يحظى حزب العدالة والتنمية بالأغلبية اللازمة لتغيير الدستور منفردًا، أو عبر إجراء استفتاء، لأن ذلك يتطلب أغلبية 367 مقعدًا في الحالة الأولى، أو 330 مقعدًا في الحالة الثانية، الأمر الذي يُلزمه التعاون مع المعارضة إذا كان يريد تغيير الدستور أو إصلاحه. وقد يمهد أي نقاش بشأن التفاهم على دستور جديد الطريق لمناقشات حول النظامين الرئاسي والبرلماني، وهو نقاش بالغ الأهمية في ظروف تركيا الراهنة، لأنه بات من الضروري رسم خطوط واضحة بين صلاحيات كلٍ من رئيس الدولة ورئيس الوزراء.

خلال العام الماضي، تمتع الرئيس أردوغان بمساحة مناورة مهمة ليتصرف سلطة تنفيذية إلى جانب الحكومة. وتشير كل التوقعات إلى أنّ أردوغان سيستمر في موقعه المهيمن في الحياة السياسة التركية، أول رئيس منتخب شعبياً. وحتى الآن، نجح أردوغان وداود أوغلو إلى حدٍ ما في تجنب عرقلة كل منهما لخطوات الآخر؛ بيد أنه يجب، من الآن فصاعدًا، تحويل الشروط المؤسساتية بحكم الأمر الواقع أو بحكم القانون إلى محددٍ رئيسٍ للسياسة التركية.

خاتمة

هناك قضيتان ملحّتان في مقدمة أعمال الحكومة الجديدة؛ وهما الاقتصاد والقضية الكردية. فمنذ فترة طويلة، كان خبراء الاقتصاد في حزب العدالة والتنمية، مثل علي باباجان ومحمد شيمشك، يؤكدون على الحاجة إلى تقوية الاقتصاد التركي وزيادة قدرته على تحمل المخاطر. ويتطلب هذا الأمر إعداد حزمة إصلاحات مدروسة وإرادة سياسية قوية يجب أن تظهرها الحكومة الجديدة. وعلاوة على ذلك، يتعيّن على الحكومة معالجة القضية الكردية، في أقرب وقت ممكن، خصوصاً أنّ أردوغان اعتبر أنّ “العملية تجمّدت إلى حدٍ كبير”، لكنها لم تنتهِ. وتُظهر النتائج أنّ حزب العدالة والتنمية حظي بدعمٍ سياسي قوي من كل من الأكراد والأتراك في الانتخابات الأخيرة، ويمكنه، هذه المرة، العثور على محاورين جدّيين في البرلمان من أجل الوصول إلى حلٍ سياسي. إنّ مقاربة هذه المشكلة ليست مهمة من أجل السلام الداخلي في تركيا فحسب، وإنما أيضاً لعلاقتها بالتوازنات الإقليمية المتعلقة بالأوضاع في سورية والعراق.

وبصرف النظر عن هذه التحديات، هناك حاجة لخفض حدة التوتر السياسي في تركيا الذي بلغ ذروته في العامين الأخيرين بسبب السباق الانتخابي والديناميات المحلية والإقليمية. وفي هذا الصدد، يتعيّن على حزب العدالة والتنمية تبني لهجة بناءة، والتماس سياسة تشاركية في البرلمان والمجتمع. وهذا قد يساعد الحزب على توطيد سلطته، والعودة إلى “مبادئ وسياسات 2002 التي أوصلته إلى السلطة”، كما قالت قيادة الحزب في فترة الحملة الانتخابية، وذلك لأجل بناء “تركيا جديدة”.

العربي الجديد

 

 

 

فاز أردوغان وخسرت المعارضة وشركات استطلاع الرأي/ بكر صدقي

ليس فقط أحزاب المعارضة جميعاً خسرت بالفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية، بل كذلك كانت الشركات المتخصصة في استطلاعات الرأي من أهم الخاسرين، ومعها كثير من المحللين السياسيين في تركيا وخارجها. واستند كاتب هذه السطور إلى نتائج استطلاعات الرأي وآراء المحللين الأتراك، ففشلت توقعاته في المقالة المنشورة هنا الأسبوع الماضي. وعموماً ليس من الحصافة في شيء توقع هذا الفوز الكبير لحزب ترهل في السلطة بعد ثلاثة عشر عاماً من الحكم المنفرد ولاحقته تهم الفساد، ناهيكم عن الظروف الاستثنائية التي جرت فيها انتخابات تقرر تكرارها، فقط لأن نتائج الانتخابات السابقة لم ترض الحزب الحاكم وطموحات قائده الفعلي رجب طيب أردوغان.

عدد من أركان العدالة والتنمية نفسه عبروا بصراحة عن مفاجأتهم بما تحقق لهم من فوز كاسح سيمكن الحزب من تشكيل الحكومة بمفرده، وإن كان عدد نوابه في البرلمان لا يسمح له بتمرير الانتقال إلى النظام الرئاسي كما كان يأمل رئيس الجمهورية وقاعدته المخلصة في الحزب.

بالمقابل، تشمل قائمة الخاسرين كل الأحزاب المعارضة والقاعدة الاجتماعية الرافضة للميول السلطوية الجامحة لدى أردوغان. ويأتي على رأس هذه القائمة رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي الذي عاقبه الناخب على سلبيته السياسية في أعقاب انتخابات السابع من حزيران، حين كانت سياسته تتلخص في رفض كل المبادرات التي طرحت للخروج من أزمة الفراغ الحكومي، بما في ذلك العرض الذي قدمه له حزب الشعب الجمهوري بتشكيل ائتلاف حكومي معه يكون بهتشلي رئيسها. وكذا رفضه لأي موقف يضعه في صف واحد مع حزب الشعوب الديمقراطي، الأمر الذي أفقد المعارضة، حينذاك، منصب رئاسة البرلمان. وكما كان هذا الحزب الذي ينتمي، بإيديولوجيته القومية المتطرفة، إلى الماضي ولا يملك أي مشروع سياسي لتركيا المستقبل، حجر عثرة أمام توحيد المعارضة في مواجهة العدالة والتنمية، كذلك رفض أي ائتلاف حكومي مع هذا الأخير إلا إذا تحققت شروطه التعجيزية من مثل تسليم رأس بلال أردوغان، نجل رئيس الجمهورية، المتهم بدعاوى فساد للعدالة.

إلى ذلك تمكن أردوغان وحزبه الحاكم من تحويل خسارة الحزب القومي من قاعدته الانتخابية إلى ربح صاف لهما، بسبب السياسة القومية المتشددة التي اتبعتها الحكومة الانتقالية في الأشهر السابقة، من خلال المواجهة العسكرية المفتوحة مع حزب العمال الكردستاني والإجهاز على مسار الحل السلمي للمشكلة الكردية. فانتقل نحو مليوني صوت من أصوات القوميين المتشددين للتصويت لحزب العدالة والتنمية. كذلك خسر حزب الشعوب الديمقراطي نحو مليون صوت ممن صوتوا له في الانتخابات السابقة، قسم منها من البيئة العلمانية – اليسارية التركية سميت بـ»الأصوات المقترضة» التي صوتت للحزب الكردي لإخراجه من تحت حاجز العشرة في المئة، بهدف وحيد هو تحقيق خسارة كبيرة للعدالة والتنمية وإسقاط أحلام أردوغان في النظام الرئاسي. هذه الأصوات ذهبت، بتقدير المحللين الأتراك، إلى حزب الشعب الجمهوري، أو بالأحرى عادت إليه. أما القسم الآخر من الأصوات التي خسرها «الشعوب الديمقراطي» فهو من قاعدته الاجتماعية الكردية في جنوب شرق الأناضول. وكان هؤلاء الناخبون من البيئة الكردية المحافظة يصوتون عادةً لحزب العدالة والتنمية، وخسرهم هذا الأخير، في انتخابات حزيران، بسبب سلبية الحكومة تجاه الحل السلمي. أما وقد رأوا حزب العمال الكردستاني يعود إلى نهج العنف، بعد مجزرة شرناق، ويقوم أنصاره بقطع الطرق العامة وحفر الخنادق وإعلان «الإدارة الذاتية» من طرف واحد في عدد من البلديات، فقد عادوا إلى التصويت للحزب الحاكم أملاً في تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي في مناطقهم.

والحال أن رائز تفضيل الاستقرار على الفوضى والعنف اللذين طبعا الحياة العامة في تركيا في الفترة الفاصلة بين انتخابين، كان الرائز العام الذي حدد النتيجة المفاجئة للانتخابات. ما يسمى بـ»الكتلة المترددة» حسمت أمرها لمصلحة الاستقرار، وبذلك نجحت خطة أردوغان المتمثلة بابتزاز المواطنين بأمنهم ولقمة عيشهم، فكانت الحكمة تقتضي منهم «تصحيح الخطأ» الذي ارتكبوه في السابع من شهر حزيران الماضي، فصوتوا بكثافة للحزب الحاكم الذي أذهلته، هو نفسه، نسبة الخمسين في المئة التي حصل عليها من مجمل أصوات المقترعين، وعدد المقاعد النيابية التي حصل عليها (317). بل كان من المحتمل، حتى اللحظات الأخيرة من فرز الأصوات، أن يحصل على مزيد من المقاعد لو أن حزب الشعوب الديمقراطي سقط تحت حاجز العشرة في المئة، وقد نجا من هذا المصير بصعوبة (عشرة فاصل سبعة في المئة).

ومن المصادر المفترضة لفوز العدالة والتنمية بهذه النسبة الكبيرة، قسم كبير من أصوات حزبي «السعادة» الإسلامي، وريث التركة الأربكانية، و»الوحدة الكبرى» القومي المتشدد اللذين فكا عرى التحالف بينهما بعد انتخابات السابع من حزيران، فتحول ناخبوهما إلى التصويت للحزب الحاكم.

من الأسئلة التي طرحها هذا الفوز الكبير على الرأي العام، السؤال عمن يكون أبوه: أردوغان أم داوود أوغلو؟ منذ عين الأول الثاني خليفة له في رئاستي الحكومة والحزب، والمعارضة تتحدث، من جهة أولى، عن صراع محتمل بين الرجلين على قيادة الحزب (وبالتالي الحكومة)، ومن جهة ثانية، عن أن داوود أوغلو هو مجرد منفذ مطيع لتوجيهات أردوغان، خاصةً وقد أعلن الأخير صراحةً أنه سيترأس اجتماعات مجلس الوزراء متى أراد ذلك، كما أنه تدخل بنشاط في الحملة الانتخابية السابقة (حزيران) لمصلحة العدالة والتنمية على رغم أن الدستور يفترض حياد رئيس الجمهورية إزاء الأحزاب السياسية. ويقال إن أردوغان يتدخل في الشؤون الداخلية للحزب في كل كبيرة وصغيرة، ليضمن استمرار ولاء أطره القيادية، بمن فيهم رئيس الحزب داوود أوغلو، لشخصه.

الجديد اليوم بهذا الصدد هو أن الحزب، بقيادة داوود أوغلو، طوى صفحة انتكاسته الحزيرانية بسرعة وحقق نتيجةً مبهرة. ويعزى أحد عوامل هذا النجاح إلى تراجع أردوغان النسبي عن المشاركة المباشرة في حملة الحزب الانتخابية، بالقياس إلى نشاطه المكثف في الحملة السابقة، فقل ظهوره في الاجتماعات الجماهيرية المخصصة لدعم الحزب، وذلك استجابة للانتقادات التي تلقاها على نشاطه المذكور في الحملة السابقة.

في الأيام القليلة القادمة ستتشكل حكومة جديدة برئاسة داوود أوغلو، لن يعفيها فوزه الكبير في الانتخابات من مواجهة تحديات كبيرة في السياسة كما في الاقتصاد، وفي الداخل كما في الخارج.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

 

لتركيا تعريفٌ اليوم: الخوف/ جهاد الزين

دعكَ من بريق الانتصار الانتخابي الباهر لـ”حزب العدالة والتنمية” وهو انتصار اقتراعي وليس برنامجيّاً، تُكرِّس الانتخابات التشريعية التركية الأخيرة نمطاً من الفاشية التي يجعلها التكوين التركي الخاص مزيجاً من أنماط الفاشيات التي عرفتها أوروبا، أي الصعود والبقاء في السلطة عبر صناديق الاقتراع، ومن التجسيد الثقافوي الأصولي الإسلامي.

منذ أكثر من سنة دأب معلّقون وسياسيّون أتراك على وصف الانحراف السلطوي للرئيس رجب طيّب أردوغان بأنه يترافق مع “موجة فاشية” إسلاموية في الحياة العامة التركية.

هذه هي النمطية الفاشية كما عرفناها في تجارب القرن العشرين قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها:

قوة شعبية في صناديق الاقتراع تتحوّل إلى قوة شعبوية في ممارسة الحكم واستئصالية في أجهزة الدولة وتهويلية رعاعية في الشارع.

الحزب الحاكم يُنتِج حاكما فرداً هو غالبا القائد المؤسِّس.

إرهاب شعبوي في الشارع يتجسّد في الهجوم العنفي المنظّم باسم “مؤيِّدي” الحزب على وسائل الإعلام المعارضة.

يأتي ذلك بعد أكثر من سنتين من حملات تصفية عشرات الضباط والقضاة بما حوّل تركيا المنتهية من الدولة العميقة العسكرية إلى دولة عميقة بوليسية.

هجوم “قانوني” أي عبر بعض مواقع المؤسسة القضائية على البنية القانونية لملكية وسائل الإعلام ومحاربة المعارضين بتخصيص الدعم المالي للصحف والشبكات الموالية. إلا أن أيا من العهود السابقة لم يسبق الرئيس رجب طيِّب أردوغان في كل تاريخ الجمهورية التركية بما فيها فترات الحكم العسكري المباشر في إقدامه الصريح والوقح على تغيير مجلس إدارة مؤسسة إعلامية خاصة كبيرة تمتلك صحيفتين وقناتين تلفزيونيّتيْن عبر قرار قضائي (أصدره القاضي الشهير نفسه الذي سبق أن منع تويتر العام المنصرم لصالح الحكومة!) وصدور الصحيفتين المعارضتين في اليوم التالي للمصادرة “القانونية”، اليوم التالي فوراً وليس بعد أيام أو فترة انتقالية، بحلة موالية للسلطة أي موالية لشخص رجب طيِّب أردوغان وهما أمران، تأييد الدولة والشخص، لم يعد ممكناً فصلهما في تركيا “حزب العدالة والتنمية”.

دعكَ من البريق الانتخابي الباهر:

هذه المرة لا يتحسّس ديكتاتوريّو العالم المتخلّف رؤوسهم، كما يحصل عندما يصعد حزب أو قائد إلى السلطة بموجة ديموقراطية، فالرئيس أردوغان ينضم علناً إلى ناديهم، ولكن الأوروبيين والأميركيين، حكوماتٍ ونخباً ورأيا عاماً، يعرفون أن عليهم الآن أكثر من أي وقت مضى منذ حزيران 2013 (أحداث حديقة جيزي في اسطنبول) أن يتعاملوا مع حالة سلطوية تسلطية وشعبية وشعبوية في دولة مهمةٍ وحديثةٍ ونمريةِ البنيةِ الاقتصادية في المدى المقبل.

في العمق ترنّحت سمعة رجب طيّب أردوغان في الغرب الديموقراطي. ومن ردود الفعل الغربية يمكن القول أن “الانتخابات” الحقيقية التي جرت في الأسابيع الأخيرة في تركيا والتي سقط فيها أردوغان سقوطاً مدوّيا هي حملته غير المسبوقة على الإعلام: سقط مع إطلاق مناصريه الحجارة لرجم مباني الصحف وشركاتها وسقط في اعتقالات الصحافيين والتنكيل بالمعارضين. وسقط، كما أشرنا في بلوغه الذروة مع “سرقة” شركة إعلامية كبيرة عبر قرار قضائي. كبريات صحف العالم أصدرت بيان استنكار مشتركا لهذا القمع.

التقييم السائد العميق لأردوغان حاليا ولاسيما بعد الانتخابات الأخيرة في أوروبا وواشنطن أنه “حاكم أمر واقع” رغم الغلاف الانتخابي الجدي لسلطته. ستتعامل الحكومات الغربية مع أردوغان على أنه يقبض على بلد ولكن النخب الأوروبية بمن فيها الصحافة لم يعد ممكنا أن تقبله كحاكم “طبيعي”. في الشرق والعالم المسلم لا مشكلة في صورته التي باتت تشبه صورة الشرق الكئيبة، لكن هذه المشكلة تبدأ من الضفة الغربية للعالم الذي كانت تركيا ولا تزال فرصة هذا العالم، وبالتحديد المسلم، لبناء علاقة بنّاءةٍ بين الإسلام والحداثة.

مضت السنوات التي بدا فيها الرئيس رجب أردوغان، وعن حق، يمثّل أفضل ما في تركيا. لقد صار اليوم يمثِّل بعض أسوأ ما في تركيا. وستُدرَس حقبتُه، التي لا أشك أنها دخلت في انحطاط نوعي عميق منذ لفَظَتْها النخب الطليعية التركية، على أنها حقبة ذلك “الرجل الذي أراد أن يصبح سلطاناً” حسب الفيلم السينمائي الشهير لسين كونري.

في أيامه الصاعدة كان أردوغان أملاً تحديثيّاً يدير دينامية اقتصادية قادرة على استقطاب ثقة أعلى المؤسسات الدولية وخصوصا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كما كان يحمل وعدا مدنيا ضد الوصاية العسكرية ونظيفا ضد فساد الطبقة السياسية التقليدية.

في الانتخابات الأخيرة الفائز الأول هو الخوف في تركيا. وأردوغان أصبح رجل الخوف التركي: الخوف على الاستقرار والخوف على وحدة تركيا ومنذ سنتين الخوف على الاقتصاد والليرة. اقترعت نسبة الخمسين بالماية الفائزة من الأتراك إلى جانب هذا الخوف ولم يكن ممكنا هذا الانتصار الأردوغاني لولا حليفه… الخوف. الإله الذي صنعه بيديه وغذّاه في الأشهر الخمسة الأخيرة. كان الجيش في تركيا السابقة هو الذي يقوم بالانقلابات باسم الحفاظ على الاستقرار كما حصل في أعوام 1960 و1971 و1980. رجب طيب أردوغان قام بـ”الانقلاب” الشعبي باسم الحفاظ على الاستقرار.

اليوم كبرت”داعش” الوحشُ الذي من الثابت أن مخابرات الرئيس أردوغان ساهمت في ولادته وانتشاره. كبر إلى حد أنه، كما توقع كثيرون سابقاً، ارتد على تركيا نفسها. ولكنه في ذهابه وإيابه نجح في توظيفه لصالحه. ذهابا في تفجير الجيوبوليتيك السوري والعراقي وفي إيابه للفوز بالانتخابات والبقاء في السلطة. قبل سنة ونيِّف تقريبا نشرت مؤسسة إحصائية محترمة في اسطنبول إستطلاعاً عن اتجاهات الشباب داخل حزب العدالة والتنمية فتبين أن نسبة 70 بالماية منهم معجبة بتجربة داعش. بالتأكيد اليوم النسبة لا بد أن تكون قد تراجعت جدا بعدما بدأت “داعش” بتفجيرات داخل تركيا.

يبدو اليوم وكأنه فات الأوان لمطالبة رجب طيّب أردوغان بسياسة مصالحة في المجتمع: مع النخب والصحافة والأقلّيّتيْن الكردية والعلوية ومع الأحزاب وحركة “حزمت” الإسلامية مثلما طالبه الجميع في تركيا بهذه السياسة، مرة بعد الانتخابات الرئاسية وقبلها بعد الانتخابات النيابية الثالثة ما قبل قبل الأخيرة.

حسب الباحثة التركية غونول تول مديرة مركز الدراسات التركية في معهد واشنطن فإن حزب الشعوب الديموقراطي ( DHP القوة الممثلة للأكراد) خسر مليون صوت قياسا بنتائج الانتخابات قبل خمسة أشهر وحزب الحركة القومية (MHP الحزب القومي التركي المتشدّد) مليوني صوت. الثاني بسبب تبنّي جزء من القوميين لحزب العدالة والتنمية كمقاتل للأكراد والأول بسبب توتر أوضاع مناطقه والخوف على الاستقرار.

عندما يدعو أردوغان العالم إلى احترام نتائج الانتخابات فهو يعبّر عن عدم ثقته بمدى مصداقية هذه الانتخابات إذا نُظِر إليها بكامل بنيتها وليس فقط يومها الاقتراعي.

يبقى حول توقعات المرحلة المقبلة في السياسة الخارجية، فعلى العكس مما قد يعتقد البعض أن إمساك أردوغان وحيدا بالسلطة سيؤدي إلى المزيد من تشدّده. ربما كان ما سيتصرّف على أساسه هو معادلة: التصلب الداخلي والمرونة الخارجية. المرونة ليس فقط بسبب الوضع الساخن في جواره العربي الكردي بل أساسا بسبب حاجته إلى استعادة حركة الاقتصاد المرتبك.

هذا الرجل يمكن أن يفعل أي شيء للبقاء في السلطة. وقد فعلها عندما خاض حربا ضارية مع الأكراد بعد هزيمته في حزيران.

ماذا الآن عن المستقبل؟

أظن أن رجب طيّب أردوغان يخطط الآن على جبهتين: العودة إلى مشروع النظام الرئاسي ونقل “المعركة” إلى الاقتصاد… وهذا سيستلزم انخراطا أكبر في البيئة التسووية التي افتتحها الاتفاق النووي فالدخول العسكري الروسي. الحرب طويلة في سوريا والعراق لكنْ هذه المرة، خلافاً للسنوات الماضية، تدور رحى الحرب في مسار بحث عن تسوية. فهل سيتمكن من درء الضعف البنيوي الذي يهدد الاقتصاد التركي والذي لا نعرف أين ينفجر كقنبلة غير موقوتة!

مع ذلك السؤال الآن هل تدفع القبضةُ المحكمةُ والسلطويةُ على مؤسسات الدولة الصراعَ للتفجّر خارج هذه المؤسسات؟ فحين تُغلق إمكانيات التعبير والعمل ستلتهب ديناميات خطرة.

أما على المدى الأقرب فالصحافة التركية المتقدمة ستعيش مرحلة صعبة جدا من الترهيب المباشر وغير المباشر ولكن الحداثة التركية التي تبدو الآن مستكينة بعد الانتخابات سرعان ما ستتابع المواجهة بأشكال مختلفة. تركيا نموذج حداثي ولكن اهتزازه الحالي لن يغيّر الثقة به وبحاجتنا إليه كمسلمين وكمشرقيين.

النهار

 

 

 

 

تركيا اختارت الاستقرار وحكم الحزب الواحد/ أرشد هورموزلو

توجه أكثر من خمسين مليون مواطن تركي إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس الشعب بعد خمسة أشهر من الانتخابات السابقة التي لم تسفر عن فوز أي من الأحزاب المشاركة في نيل الغالبية كما أخفقت هذه الأحزاب في تشكيل حكومة ائتلافية.

وقد فاقت نسبة المشاركة في التصويت 85 في المئة من مجموع الناخبين المسجلين بما في ذلك حوالى الثلاثة ملايين مواطن يعيشون خارج تركيا، وهذه النسبة هي بكل المعايير العالمية أكثر من عالية. لقد أصرّ المشاركون على توجيه الرسالة الشعبية في هذه الانتخابات بحيث يستطيع الباحث أن يقرأ مضمون هذه الرسالة بكل وضوح.

ومثلما يحدث في أي انتخاب فإن من الضروري البحث في خفايا هذا التصويت وما يهم الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة منه. والرسالة الواضحة أن الناخب التركي تراجع عن قراره في 7 حزيران (يونيو) الماضي عندما لم يمنح أي حزب الأكثرية المطلقة في الانتخابات رغم اختياره حزب «العدالة والتنمية» كحزب أول.

الواضح أن نسبة التصويت لحزب «العدالة والتنمية» تساوي نسبة التصويت لكل الأحزاب الأخرى الممثلة منها في البرلمان وغير الممثلة، والسبب الرئيسي كما قرأه الناخبون والسياسيون معاً أن الشعب يريد الاستقرار في حكومة ينفرد بها حزب واحد لعدم الخوض في مشاكل الحكومات الائتلافية التي لا يمكن أن تحقق الاستقرار حتماً.

الأمر الآخر أن حزب «الشعوب الديموقراطي» الذي حصل على نسبة تقارب 14 في المئة وتم تمثيله بثمانين نائباً في البرلمان قبل خمسة أشهر من الانتخابات المبكرة قد تناقص حجم التأييد له إلى ما يفوق العشرة بالمئة بقليل أي أنه اجتاز سقف النسبة المطلوبة بالكاد. والواضح أن السبب في ذلك يعود إلى انصراف الكثيرين من الناخبين الأكراد المحافظين عن التصويت لهذا الحزب واتجاههم لحزب «العدالة والتنمية» بسبب تخلي حزب «الشعوب الديموقراطي» عن مقولته الجامعة التي تعتبر المواطنة عنصراً أساسياً في سياسته وتحدى الرأي العام بأنه يمثل الصوت الكردي بمفرده، بحيث كان يتوقع الحصول على 16 في المئة من مجموع الأصوات.

لم يقتصر الأمر على انصراف الناخب التركي عن هذا الحزب بسبب تبنيه الخطاب القومي والأثني بل تبع ذلك حزب «الحركة القومية» باعتباره يمثل وفق ادعائه القوميين الأتراك وعزوفه عن الانخراط في أية تشكيلة يشارك بها من سماهم الحزب الكردي، فقد تدنت أصواته في شكل كبير وبعد أن كان ممثلاً في البرلمان بثمانين نائباً فقد انخفض عدد نوابه إلى ما يقرب النصف.

حزب «الشعب الجمهوري» هو الذي حافظ على موقعه في البرلمان باعتباره يمثل اليسار الليبرالي، ومع أن عدد مقاعده زاد مقعدين فقط إلى 136 مقعداً فقد فهم الناخب التركي أنه لا يمثل بديلاً مقبولاً للحزب الحاكم ولذلك باءت كل محاولاته رغم الوعود الانتخابية التي كان جوهرها العامل الاقتصادي بالفشل.

حزب العدالة والتنمية حصل على 316 نائباً وفق النتائج الأولية ولا ينتظر أن تختلف هذه الأرقام عند صدور النتائج النهائية المعتمدة من قبل مجلس الانتخابات الأعلى بعد أكثر من أسبوع وبعد تمحيص الطعون المقدمة إن وجدت في الفترة المسموح بها.

من خفايا هذه النسبة أن الناخب التركي اختار هذا الحزب ليقود البلاد خلال السنين الأربع المقبلة ولكنه لم يمنحه الأكثرية المطلوبة لتعديل الدستور أو سن دستور جديد بمفرده، وهذه العملية تقتضي الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان، ولا حتى إمكانية إقرار ذلك بشرط عرضه على استفتاء شعبي وهو ما كان في حاجة الى حصول الحزب على 330 نائباً.

لنقل إن الرسالة واضحة وهو أن يحكم حزب «العدالة والتنمية» بمفرده ولكن عملية سن دستور جديد تقتضي الحصول على موافقة غالبية الشعب من المكونات الأخرى أيضاً لكي يتم العمل به. والمعروف أن جل النقاش حول هذا الموضوع كان ينصبّ على تغيير النظام في تركيا من برلماني إلى رئاسي، ويجمع المحللون على أن بيان الحزب الانتخابي رغم أنه قد تضمن فقرة واحدة عن مزايا الانتقال إلى النظام الرئاسي ولكن كل الاجتماعات الحزبية والجماهيرية خلت من الإشارة إلى ذلك من قبل رئيس الحزب رئيس الوزراء داود أوغلو وحتى من الآخرين بحيث اعتبرت حركة ذكية لعدم استقطاب المعارضين لذلك في بوتقة واحدة.

لنرجع بعد ذلك إلى التأثير الحتمي لهذه النتيجة في علاقات تركيا بالمنطقة على وجه الخصوص والدول الأخرى في شكل عام. صحيح أنه كانت هناك مآخذ على السياسة التركية الخارجية في أمور ومقاربات محددة، ولكننا يجب أن نفهم أن هذه المقاربات يجب أن لا تؤثر في مجمل العلاقات، وإذا كانت المنطقة العربية تعلم حالياً أن حزب «العدالة والتنمية» سيقود الحكم في تركيا لغاية 2019 بالتأكيد ولحين 2023 على الأغلب، فإن النظرة البراغماتية الصحيحة أو لنقل السياسة الواقعية تقتضي التعامل مع تركيا على هذا الأساس بتغليب الرؤى المشتركة والجوامع في شكل كلي وتجميد أطر الخلاف في أضيق حدود واعتبار ذلك من آثار المقاربات المختلفة التي يمكن تحجيم مردوداتها من طريق الحوار الصحي المعمق والودي.

أكاد أكون متأكداً أن تركيا ستخطو نحو المنطقة بجدية لو رأت أن الطرف المقابل ينوي وضع الخلاف على الرف والبدء بحوار منطقي من دون الولوج إلى مناقشات عقيمة حول من كان السبب في ذلك أو التركيز على الأخطاء المرتكبة سواء من هذا الجانب أو ذاك. فهل أطلب شيئاً يستحيل تحقيقه؟ لا أظن ذلك.

* سياسي وكاتب تركي

الحياة

 

 

 

 

تركيا: الأسرار العشرة لاكتساح «العدالة والتنمية» الانتخابات البرلمانية/ إسماعيل جمال

إسطنبول ـ «القدس العربي»: تتزايد التكهنات والتحليلات التي تسعى لتفسير الصعود الكبير لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وتمكنه من رفع نسبة أصواته من 40٪ في الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من يونيو/حزيران الماضي، إلى 49٪ في انتخابات الأحد الماضي، في صعود فشلت جميع مراكز استطلاعات الرأي بتوقعه حتى التابعة منها للحزب الأقوى في البلاد منذ 13 عاماً.

وبحسب التحليلات التي نشرتها الصحف التركية ومقالات أبرز الكتاب الأتراك، وتحليلات وسائل الإعلام الموالية للحكومة والمعارضة، فإن الصعود الكبير للحزب ساهمت فيه مجموعة كبيرة من العوامل الداخلية والخارجية، السياسية والاقتصادية والجغرافية، تعرضها «القدس العربي» على النحو التالي.

الأسماء القوية

بموجب القانون الداخلي لحزب العدالة والتنمية الذي يمنع أعضائه من المشاركة في أكثر من 3 فترات انتخابية كحد أقصى تم منع عدد كبير من القيادات التاريخية والبارزة للحزب من المشاركة في انتخابات السابع من يونيو/حزيران الماضي، الأمر الذي أثر على شعبيته وقبول القاعدة الشعبية بالمرشحين الجدد.

لكن في المؤتمر العام الذي عقد في الثاني عشر من أيلول/سبتمبر الماضي اتخذ الحزب سلسلة من القرارات الهامة، أبرزها انتخاب لجنة مركزية جديد قوية للحزب وأجريت بعض التعديلات على قانون «الثلاث فترات» الأمر الذي سمح لعدد من القيادات البارزة والتي تمتلك قاعدة شعبية واسعة بالعودة إلى الترشح على قوائم الحزب. ومن أبرز هذه القيادات علي باباجان وزير الاقتصاد السابق والذي يطلق عليه «رائد النهضة الاقتصادية التركية»، وبينالي يلدريم وزير النقل والمواصلات السابق، وبشير أتلاي نائب رئيس الوزراء، وبكير بوزداغ نائب رئيس الوزراء، وفاروق تيليك وتانر يلديز وعدد آخر من القيادات البارزة والتي بالفعل تمكنت من العودة مجدداً لمقاعد البرلمان.

الوعود الاقتصادية

في الانتخابات الماضية كان حزب العدالة والتنمية يركز على الشعارات والوعود حول نهضة الجمهورية والمشاريع الضخمة كمشروع المطار الثالث والجسر الثالث وتطوير المدن وبناء الجيش وتطوير الاقتصاد ووضع تركيا بين أكبر 10 دول اقتصادية في العالم. لكن الحزب هذه المرة حيد هذا الخطاب جانباً واقترب أكثر من هموم المواطنين ومطالبهم، فانصبت وعوده الاقتصادية على ما يهم الناخبين بشكل مباشر، فأطلق وعود تتعلق بزيادة الرواتب وتحسين ظروف العمل ومميزات الوظائف الحكومية والأعمال الخاصة.

كما أن رئيس الحزب أحمد داود أوغلو قدم وعوداً بالأرقام برفع أجور المتقاعدين ورفع المنح الحكومية للطلاب الجامعيين، كما قدم وعوداً بتحسين ظروف سكنات الطلاب الجامعية والمنح ورفع الحد الأدنى للأجور وتقديم منح مالية وقروض بدون فوائد للشاب للعمل على بناء مشاريع خاصة.

دعم أردوغان

على الرغم من أن الدستور التركي يمنع أردوغان من ممارسة أي نشاط لدعم أي حزب سياسي في الانتخابات ويشترط عليه الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، إلا أن مؤسس الحزب وزعيمه التاريخي ما زال لا يتمكن من كبح رغبته في إبداء الدعم له بأي طريقة ممكنه.

وبنسبة أقل عن الانتخابات الماضية، واصل أردوغان حملات دعمه «غير المباشرة» للعدالة والتنمية من خلال تكثيف مشاركته في افتتاح المشاريع الكبيرة في البلاد ونسب هذه الانجازات لنموذج العدالة والتنمية في الحكم واعداً بالاستمرار في النهوض الاقتصادي والسياسي للبلاد.

ودعا أردوغان في خطاباته السابقة الشعب إلى اختيار الاستقرار والحزب القادر على النهوض في البلاد وتحقيق الأمن والسلام فيها، وهي كلها إشارات إلى الحزب الذي أسسه عام 2001.

الرغبة بـ«الاستقرار»

كما كان متوقعاً صوتت شريحة مهمة من الناخبين خاصة من الذين لم يصوتوا للعدالة والتنمية في الانتخابات السابقة من أجل «الاستقرار»، ففشل الأحزاب في تشكيل ائتلاف حكومي طوال الأشهر الماضية أدخل البلاد في حالة من «الفراغ السياسي» أثرت على الحياة والاقتصاد بشكل كبير جداً. فمنذ انتخابات السابع من حزيران/ يونيو الماضي، يخوض الجيش التركي حرباً ضد المسلحين الأكراد أدت إلى مقتل وإصابة الآلاف من الجانبين، كما هزت تفجيرات مدينة سوروج والعاصمة أنقرة قتلت المئات، وأدت هذه التطورات إلى انخفاض تاريخي في قيمة العملة التركية مقابل الدولار واليورو وهبوط حاط في البورصة.

فالناخب التركي كان أمام خيارات ضيقة، فعدم حصول العدالة والتنمية على الأغلبية البرلمانية كان يعني استمرار حالة الفراغ السياسي، لذلك كان التصويت للعدالة والتنمية هو أقصر الطرق للوصول إلى الاستقرار السياسي والدفع بالاقتصاد إلى ما كان عليه سابقاً.

تجميد «عملية السلام» مع الأكراد

منح تجميد عملية السلام مع الأكراد حزب العدالة والتنمية أصوات شريحة من الإسلاميين القوميين الذين صوتوا لحزب الحركة القومية في الانتخابات الماضية بعد التقدم الذي حققته «مسيرة السلام الداخلي» التي قادها العدالة والتنمية طوال الفترة الماضية ولاقت معارضة كبيرة من القوميين. وكانت الحكومة التركية قررت تجميد عملية السلام عقب الأحداث التي تلت تفجير سوروج وأعلنت الحرب ضد المسلحين الأكراد، الأمر الذي أدى إلى ارضاء هذه الشريحة وجعلها تعود لحضن العدالة والتنمية الذي أبدى تشدداً كبيراً خلال حملته الانتخابية اتجاه أي حلول مقبلة مع الأكراد. وما يدلل على ذلك أن حزب الحركة القومية كان أكبر الخاسرين لصالح صعود العدالة والتنمية، حيث فقد الحزب أكثر من 4٪ من أصواته (ما يعادل 80 مقعداً).

ربط الشعوب الديمقراطي بالمنظمات الإرهابية

تركزت حملة العدالة والتنمية على الربط بين الهجمات الإرهابية التي نفذها مسلحو حزب العمال الكردستاني وبين حزب الشعوب الديمقراطي ـ الكردي ـ الأمر الذي أدى إلى امتناع شريحة تقدر بـ2٪ عن التصويت لصالح الحزب مقابل دعم الحكومة التي يقودها العدالة والتنمية في حربها ضد «الإرهاب».

فالرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس وزراءه أحمد داود أوغلو اتهموا بشكل مباشر حزب الشعوب الديمقراطي بأنه الجناح السياسي لمسلحي حزب العمال الكردستاني، الذي نفذ هجمات دامية ضد الجيش والشرطة التركية زادت من حدة الاحتقان القومي والشعبي ضد «الشعوب الديمقراطي». وكاد حزب الشعوب الديمقراطي أن يسقط تحت «العتبة الانتخابية» البالغة 10٪، حيث حصل على 10.8٪ من الأصوات، بعد أن حصل على 13.3٪ في انتخابات يونيو/حزيران الماضي.

عدم الحديث عن «النظام الرئاسي»

في الانتخابات السابقة ركز حزب العدالة والتنمية في حملته الانتخابية على التأكيد على ان أهم خطواته بعد الانتخابات ستتمثل في تحويل نظام الحكم إلى رئاسي من خلال كتابة دستور جديد، وهو الأمر الذي واجه توجساً شعبياً من زيادة صلاحيات الرئيس أردوغان.

وتفادياً لذلك، رفع الحزب هذا الشعار من حملته للانتخابات الأخيرة، ولم يتطرق سواء الرئيس أردوغان أو رئيس الحزب داود أوغلو الحديث إلى هذا الأمر في محاولة لطمآنة المتخوفين من توسيع أردوغان لنفوذه وسلطته داخل الدولة.

قاد حزب العدالة والتنمية في الأيام الأخيرة حملات انتخابية واسعة كانت أكبر بكثير وأنظم من التي قامت بها أحزاب المعارضة، وعمل داود أوغلو وجميع طواقم الحزب ليل نهار حيث تم تنظيم مهرجانات انتخابية في معظم المحافظات التركية الـ81.

كما فَعل الحزب «جيشه الإلكتروني» المكون من آلاف النشطاء الذين يبثون دعاية الحزب في وسائل التواصل الاجتماعي ويدافعون عن فكرته، بالإضافة إلى حملات من بيت إلى بيت والتركيز على العنصر النسائي وتأثيره في حسم نتائج الانتخابات.

إمكانيات الدولة والإعلام

اتهمت أحزاب المعارضة الحزب الحاكم بتسخير جميع امكانيات الدولة للحزب من خلال البلديات التي يسيطر على جزء كبير منها، واستخدام وسائل المواصلات العامة في نقل الجماهير والعديد من الإمكانيات الأخرى، وهو ما نفاه الحزب بشكل متكرر.

من جهة أخرى، يمتلك العدالة والتنمية منظومة إعلامية الأضخم في البلاد ولديه كم كبير من الفضائيات والصحف اليومية والإذاعات التي عملت على بث دعاية الحزب الانتخابية، بالإضافة إلى اتهام المعارضة للحكومة بتسخير وسائل الإعلام الحكومية لدعم مرشحي الحزب الحاكم.

كثافة المشاركة في التصويت

أجمعت العديد من التقارير عقب الانتخابات الماضية أن جزء من مؤيدي حزب العدالة والتنمية امتنعوا عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، بسبب عدم قبولهم ببعض سياساته في الآونة الأخيرة، إلا ان اشتداد التجاذبات السياسية في الداخل وبين الحكومة والمعارضة أدى إلى ارتفاع نسبة التصويت إلى أكثر من 87٪ وهو ما خدم العدالة والتنمية بالدرجة الاولى.

كما ان ارتفاع نسبة التصويت في الداخل أدت إلى تقليل تأثير أصوات الخارج التي تسيطر المعارضة على جزء مهم منها في بعض الدول.

إسماعيل جمال

القدس العربي

 

 

 

 

العدالة والتنمية” التركي وخيارات ما بعد النصر/ إسطنبول ــ باسم دباغ

أعاد انتصار حزب “العدالة والتنمية” في الانتخابات النيابية الأخيرة، الحديث عما يمكن أن يطلق عليه “خيارات تركية صعبة”، يمكن حصرها على المستوى الداخلي بالدستور الجديد، والتحوّل إلى النظام الرئاسي، إضافة إلى عمليه السلام مع حزب “العمال الكردستاني”.

أما على المستوى الخارجي، فيمكن حصر هذه الخيارات بالأزمة السورية، وإقامة المنطقة الآمنة في ريف حلب، مما يعني توسيع الجبهة المفتوحة مع “الكردستاني” لتشمل مناطق الإدارة الذاتية، التي أعلن عنها جناحه السوري، حزب “الاتحاد الديمقراطي”.

وبدأت أول التلميحات إلى إمكانية إعادة إحياء عملية السلام مع “العمال الكردستاني” على لسان عمر جيلك، المتحدث باسم “العدالة والتنمية”، بعد ساعات من إعلان النتائج غير الرسمية للانتخابات النيابية التي عُقدت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، مشيراً إلى ضرورة العمل بأسرع وقت ممكن على تشكيل الحكومة التركية، وعلى كتابة الدستور التركي الجديد، الذي اعتبره من أهم وعود “العدالة والتنمية”، التي حققت له هذا الانتصار.

ولم تمض ساعات على تصريحات جيلك، حتى قام سلاح الجو التركي بتوجيه ضربات عسكرية إلى معاقل “الكردستاني” سواء داخل تركيا في ولاية هكاري أو خارجها في معاقل “الكردستاني” في شمال العراق. وبحسب رئاسة الأركان التركية، فقد تم ضرب مخازن ومعسكرات “الكردستاني” في شمال العراق في كل من معسكر متينا والزاب وأفاشين وخارقوق وغارا وقنديل، في الوقت الذي تواصلت فيه عمليات التمشيط داخل الأراضي التركية.

جاء ذلك بعدما أعاد نائب رئيس الوزراء والمسؤول عن عملية السلام، يالجين أكدوغان، اتهام “الشعوب الديمقراطي” و”العمال الكردستاني”، بتعطيل مساعي السلام، معتبراً أنّ شروط الحكومة التركية لإعادة تفعيل العملية لم تتغير، قائلاً إنّ “ما نركّز عليه الآن هو تفريغ حملة “الكردستاني” من مضمونها”، مضيفاً أنّ ذلك يجب أن يأتي “بينما تستمر إصلاحاتنا وخدماتنا واستثماراتنا، ولكن في الجانب الآخر يجب أن تتحقق الظروف المناسبة لإعادة تفعيل العملية. على “الكردستاني” أن يغادر الأراضي التركية بشكل تام، ويوقف بشكل كامل عملياته وأفعاله غير القانونية، بما في ذلك حفر الخنادق وفرض الخراج على المواطنين، وبعد ذلك يمكننا الحديث”.

واتهم أكدوغان، في المقابلة التي أجراها أمس، “الشعوب الديمقراطي” و”العمال الكردستاني” بالعمل على تحييد زعيم “الكردستاني” عبدالله أوجلان، قائلاً “لقد أساؤوا كثيراً لعملية السلام، بل وعملوا على دفن أوجلان. وفيما تبدو تصرفاتهم ضدّ (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان، لكنهم في الواقع يسعون لإغراق أوجلان”. وأضاف: “نحن لا علاقة لنا بهذا الانقسام. ولدينا خارطة طريق نركز عليها. وهذا ما يتوجب علينا فعله”، في إشارة إلى سقوط عملية السلام بشكلها السابق، والذي كانت اقتراحات أوجلان أحد أهم ركائزه.

ولا يمكن استبعاد أنّ أحد أسباب الانتصار الانتخابي الذي حققه “العدالة والتنمية” يعود إلى حسن إدارته للعمليات العسكرية التي شنّها ضدّ “الكردستاني”؛ وعلى الرغم من صعوبة تجنب المدنيين في حروب المدن، غير أن الحكومة التركية استطاعت تجنب الصورة البشعة التي رسمتها الاشتباكات بين الأمن التركي و”الكردستاني” في الثمانينيات والتسعينيات، وما رافقها من ترحيل للمدنيين واعتقالات وعمليات تصفية ارتكبتها استخبارات الجيش.

ويحاول “العدالة والتنمية” استغلال المشهد الجديد الذي ولدته الانتخابات لإعادة فرض شروطه مستغلاً الخلافات التي اندلعت في صفوف “الشعوب الديمقراطي”، بين أنصار “الكردستاني” وباقي المجموعات في الحزب، بعد الهزيمة التي تعرض لها في الانتخابات. وقد اضطر أحد أهم قيادات “الكردستاني”، كالكان دوران، للردّ على هذه الخلافات، في إحدى المقابلات، قائلاً إن “الميل السياسي الحقيقي للمجتمع التركي انعكس في نتائج انتخابات يونيو/حزيران الماضي، لكن ذلك لم يحدث في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني”.

ورفض كالكان اتهام “الكردستاني” بالتسبب بتراجع “الشعوب الديمقراطي”، مشيراً إلى أن الأخير لم يقم بحملة انتخابية، قائلاً إنّ “ما يقال عن أن “الكردستاني” تدخل في “الشعوب الديمقراطي” بعد انتخابات يونيو/حزيران، وأعاقه، أحاديث كاذبة”، متسائلاً: “هل الكردستاني الذي قام بالهجوم على مراكز الشعوب الديمقراطي؟ وهل هو من اعتقل الآلاف من أنصاره؟

وردّاً على هجمات سلاح الجو التركي، وعلى محاولات “العدالة والتنمية” فرض شروطه، وبغرض وقف الحديث عن اتهام “الكردستاني” بإعاقة “الشعوب الديمقراطي”، أعلن اتحاد المجتمعات الكردستانية (المظلة التي تعمل تحتها جميع التنظيمات التابعة للكردستاني) استئناف عمليات حرب الشعب الثورية ضدّ الدولة التركية، وقامت شبيبة الكردستاني في مدينة يوكساكوفا في ولاية هكاري بحفر الخنادق في أحد أحياء المدينة لتقوم الشرطة بإغلاقها، بعد اشتباكات بين الطرفين مما أدى إلى مقتل اثنين من شبيبة “الكردستاني”. الأمر الذي تكرر في منطقة سلوان في دياربكر، حيث قتل أحد شبيبة الكردستاني، ليقوم أنصار الأخير بإعلان الإدارة الذاتية في ولاية سيعرت.

العربي الجديد

 

 

 

الديمقراطية التركية الهجينة/ علي أنوزلا

فوز كبير وغير منتظر هو الذي حققه حزب العدالة والتنمية التركي في انتخابات فاتح نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. يُحسب هذا الفوز الكبير لرجل واحد، هو رجب طيب أردوغان، رئيس الحزب السابق والرئيس الحالي لتركيا.

فوز كبير، لأن الحزب الحاصل اليوم على الغالبية المطلقة في البرلمان التركي لم يكن عدد المقاعد الذي حصل عليها قبل خمسة أشهر يفوق أربعين في المائة، فكيف نجح في ظرف خمسة أشهر في تحسين أدائه ليستعيد مكانته حزباً ظل يهيمن على الحياة السياسية في تركيا أكثر من عقدين؟

هناك رصيد الحزب الذي ما زال يجعل ثقة الناس كبيرة فيه، بما أن دخل المواطن التركي ارتفع في عهد الحزب من ثلاثة آلاف دولار إلى اثنى عشر ألف دولار سنوياً، في عشر سنوات، كما أن تركيا باتت تصنف اليوم في المرتبة الرابعة عشرة من بين الدول الأكثر تقدماً في العالم.

لكن، في ظرف الخمسة أشهر الفاصلة ما بين انتخابات يونيو/حزيران وانتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، ساعدت عدة عوامل على تجاوز الحزب كبوته مستفيداً من تشتت أحزاب المعارضة وانقسامها على نفسها، وأيضاً من الأحداث المأساوية التي عاشتها تركيا أخيراً، خصوصاً استئناف الحرب ضد الأكراد المسلحين، والحدث الإرهابي الذي ضرب تركيا، وجعل الأتراك يتذكّرون الماضي القريب بكل مآسيه، ويفضلون سنوات الاستقرار في عهد “العدالة والتنمية”، متغاضين عن النزعة الدكتاتورية لزعيم الحزب ورئيس الدولة، رجب طيب أردوغان.

“تقدم لنا تركيا اليوم ديمقراطيتها الخاصة بها، ديمقراطية الاستبداد الشرقي، الذي يبحث عن شرعنة نموذجه عبر صناديق الاقتراع”

نهج الحزب حملة انتخابية قوية، مستفيدا من وجوده في الحكومة، ومستعملا سياسة الترغيب والترهيب مع خصومه، ليفرض نفسه لاعباً رئيسياً، ولا محيد عنه داخل ساحة تركية، تمور بأحداثٍ عديدة. وقبل ذلك، أفشل كل محاولات تأسيس حكومة ائتلافية، حتى لو كان هو من سيرأسها، لأنه لا يريد أن يقتسم السلطة مع أيٍّ كان، وفضل المغامرة بالذهاب من جديد إلى صناديق الاقتراع على قيادة حكومة ائتلافية، لا يملك سلطة المراقبة على كل أعضائها.

لكن، أمام هذا الفوز الكبير للحزب في انتخابات أول نوفمبر يقابله تراجع كبير للنموذج التركي على مستوى العالم. فقد نجح “العدالة والتنمية” في السنوات العشر الماضية في بناء نموذج تركي ديمقراطي، جمع بين المحافظة على حالة الاستقرار في منطقة مضطربة وتحقيق تداول سلمي على السلطة في بلد عرف هزات واضطرابات كثيرة، وعاش أزمات سياسية عديدة، وساهم في إحداث تعايش فريد من نوعه بين الإسلام والعلمانية، في بلد دستوره علماني، ودين أغلبية سكانه هو الإسلام، ونجح في بناء قاعدة تنمية قوية، مكنته من تحقيق تطور اقتصادي باهر في سنوات قليلة.

ومقابل هذه النقاط الإيجابية التي تحتسب لصالح حزب العدالة والتنمية، ظهرت ما يمكن أن نصفها بأعراض السلطة المزمنة، ما زالت في بدايتها، وبالتالي، فهي قابلة للتضخم مع كل ما يمكن أن تحمله من انعكاسات سلبية على النموذج التركي الذي بدأ يفقد كثيراً من وهجه في المنطقة والعالم. أبرز هذه الأعراض القضاء على كل السلطات المضادة أو على الأقل إضعافها، خصوصاً سلطة القضاء وحرية الإعلام، فقبيل اقتراع فاتح نوفمبر، أقدمت حكومة “العدالة والتنمية” على إغلاق وسائل إعلام معارضة لها. واليوم، في تركيا أكبر عدد من الصحافيين المعتقلين بسبب آرائهم. والرئيس التركي الذي حكم بلاده رئيساً للوزراء عشر سنوات، يريد تغيير الدستور، ليعطي لنفسه صلاحيات أوسع، وبالتالي، يستمر في حكم البلاد مدة قد تصل إلى ثلاثين سنة بالصلاحيات التي سيعطيها لنفسه بعد تعديل الدستور، لأنه ما زالت أمامه إمكانية الترشح لولاية ثانية لرئاسة بلاده، وهو ما زال في بداية ولايته الأولى.

النموذج التركي الذي كان واعدا في بدايته ومغرياً لكثيرين في العالم، في الطريق إلى فقدان وهجه بسبب استنزاف السلطة وإغراءاتها التي لا تنتهي. وزعيم هذا النموذج ورمزه رجب طيب أردوغان في طريقه إلى تنصيب نفسه سلطاناً عثمانياً جديدا، لا يقبل النقد ولا يقبل اقتسام السلطة ولا يقبل وجود معارضة. ومن المفارقات الدالة أن نتائج الانتخابات تزامنت مع انتقال أردوغان إلى قصره الجديد الذي بناه على الطراز العثماني، لإحياء السلطنة العثمانية الجديدة، في حلة ومظهر جديدين.

يضعنا النموذج الديمقراطي التركي أمام حالة جديدة وفريدة من نوعها من ديمقراطيات الشرق الأوسط الغريبة والهجينة. فإلى جانب ديمقراطية الملالي المنغلقة على نفسها في إيران، وديمقراطية إسرائيل العنصرية، تقدم لنا تركيا اليوم ديمقراطيتها الخاصة بها، ديمقراطية الاستبداد الشرقي، الذي يبحث عن شرعنة نموذجه عبر صناديق الاقتراع.

الديمقراطية تعني تدبير الاختلاف، وضمان حق الناس في الاختلاف، والنموذج التركي بقيادة رجب طيب أردوغان يسير اليوم نحو القضاء على هذا الحق، وتكريس سلطة الرئيس سلطاناً جديداً يجمع بين شرعية صناديق الاقتراع وسلطة دكتاتورية الحاكم بأمره.

العربي الجديد

 

 

 

الفرصة الكردية الضائعة في تركيا/ عبد القادر عبد اللي

لو دققنا النظر في خاسري انتخابات الإعادة التركية الأخيرة، نجد أنهم الرابحون في الانتخابات العادية السابقة التي جرت في 7 حزيران/يونيو، وهذا بالطبع لا يمكن أن يكون مصادفة.

فقد أفرز المشهد الجديد خسارة تعتبر كبيرة لحزب “الحركة القومية” بلغت 4.3 نقطة، في حين خسر حزب “الشعوب الديموقراطي” 2.35 نقطة وهي تُمثل سدس مجموع أصواته التي حصل عليها، وانعكست خسارته عملياً على نصف مقاعده البرلمانية؛ إذ حظي بأربعين مقعداً بعد أن كان يشغل ثمانين مقعداً. ولكن حزب “الشعب الجمهوري” الذي تراجع في الانتخابات السابقة، حسّن وضعه بشكل طفيف جداً بزيادة بلغت 0.8 نقطة. بينما حقق حزب “العدالة والتنمية” زيادة بلغت تسع نقاط تقريباً، جاءته من مجموع خسائر الحزبين المتراجعين، وأصوات جديدة من زيادة نسبة المشاركة التي بلغت حوالي 2 في المئة بحسب نتائج غير نهائية.

عند صدور نتائج انتخابات 7 حزيران/يونيو، كانت قراءة كثير من المحللين الليبراليين، تقول إن عدم تفرّد “العدالة والتنمية” في الحكم، لدورة رابعة، هو مصلحة تركية. وتوقعوا إمكانية قيام ائتلاف حكومي بين “العدالة والتنمية” و”الشعوب الديموقراطي” اعتماداً على الانسجام الذي تحقق في العمل البرلماني التشريعي بين نواب الحزبين، خاصة في التعديلات الدستورية والقوانين المتعلقة بإعطاء الأكراد بعض حقوقهم. ولاشك أن هناك مصلحة للطرفين بذلك الائتلاف، ولعله كان يعدُ بمزيد من الخطوات الديموقراطية.

ولكن فجأةً، عادت عمليات حزب “العمال الكردستاني” العسكرية، وبعد تبني العمليات، نسبها الحزب إلى تصرف فردي لقوى على الأرض ليست على تواصل مع القيادة، ثم صمت. ثم عاد “العمال الكردستاني” ليتهم الحكومة التركية بأنها قامت بتلك العمليات ضد قواتها الأمنية من أجل اتهامه، وهكذا تعمقت القطيعة، وارتفعت حدة الصراع، ودخل الطرفان حالة حرب لم يشهداها من قبل. وهنا اعتبر “الشعوب الديموقراطي” أن أحداً لا يسمع الإيرانيين وهم يقرعون طبول الحرب، ويعلنون صراحة أنهم وراء هذه العمليات. وقد بلغ الأمر نزول وزير الداخلية الإيراني إلى أحد معسكرات حزب “العمال الكردستاني” في جبل قنديل، والتقاطه الصور بالبزة العسكرية ونشرها في حسابه الخاص. وعلى الرغم من كل هذا لنعتبرهذه التصرفات الإيرانية “مفبركة” وصُورت في “استوديوهات” أقيمت بشكل خاص لهذا الغرض..

بالتوازي مع تصريحات حزب “الشعوب الديموقراطي” حول الرغبة بالسلام، فقد قدّم تصريحاً، وموقفاً صريحاً يمكن استخدامه كدليل على عدم رغبته في السلام، بل رغبته الشديدة بالحرب. الموقف هو: “إعلانه خلال مفاوضات تشكيل الحكومة الائتلافية تقديم الدعم دون مقابل لائتلاف بين حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية”. ولا يمكن أن يكون جاداً من يصرّح بأنه من أنصار السلام، ولا يريد القتال، ويقول إن العمليات العسكرية التي نُفذت ضد قوات الأمن التركية والجيش التركي هي عمل حكومي استفزازي، وأن حزب “العمال الكردستاني” بريء منها، ثم يقدم دعماً غير مشروط، ودون مقابل لحزب “الحركة القومية” الذي يرفض الحل السياسي مع الأكراد بكل تنويعاتهم وليس مع “العمال الكردستاني” فقط، ويعتبر أن أي حل غير الحل العسكري هو خيانة عظمى يجب أن يُحاسب من يقدم عليها. حتى أن “الحركة القومية” كان قد اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالخيانة العظمى “لتقديمه تنازلات وطنية لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية”، ورفع دعاوى قضائية فعلياً ضد أردوغان.

أحد رموز الليبراليين في حزب “العدالة والتنمية” الأرمني إيتيان محجوبيان، وصف تصرفات حزب “الشعوب الديموقراطي” بـ”المراهقة السياسية”.

ويتشكل حزب “الشعوب الديموقراطي” من غالبية كردية عظمى، أتت من مؤيدي حزب “العمال الكردستاني” ذي الخلفية القومية الماركسية، مع نسبة من الشيوعيين من قوميات أخرى. وهكذا فهو يحمل في طياته كثيراً من خصوصيات الأحزاب الشمولية، وهذا النوع من الأحزاب في المنطقة كلها يعاني من نقطتي ضعف؛ الأولى عدم قبوله للنقد العلني، وربطه أي نقد من هذا النوع بالعمالة للإمبريالية والرجعية، والثاني استخفافه بالناس العاديين، واعتبارهم جهلاء في أحسن الأحوال. ولعل هذا ما جعل الناس العاديين المستخف بهم ينفضّون عن هذا النوع من الأحزاب.

في المقابل، لا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى حزب “الحركة القومية” فهو حزب متشدد ولكنه على الطرف الآخر من الأحزاب الشيوعية، أي أقصى اليمين القومي. وحزب “الحركة القومية” إضافة إلى تعرضه للخسارة الأكبر في الانتخابات الأخيرة، فقد خسر قلعته الوحيدة وخزان أصواته لصالح حزب “العدالة والتنمية”، في محافظة عثمانية.

أثناء المفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية بين “الحركة القومية” و”العدالة والتنمية”، وإثر تصريح الأخير بأنه “وضعَ خطة إيجاد حل سياسي للقضية الكردية في الثلاجة”، رد رئيس “الحركة القومية” دولت بهتشلي، قائلاً: “لا يكفي وضعها في الثلاجة، يجب سحب المأخذ الكهربائي، لتتفسخ”، رافضاً أي مهادنة في هذا الموضوع. ولعل هذا الأمر لعب دوراً ما في تعرض حزبه للخسارة الأكبر في انتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، لأن الناس لا يريدون التوتر، وقد نعموا بالسلام، وقطفوا ثماره.

السهل هو إلقاء اللوم في الخسارة على الآخرين، ولكن أليس للخاسر أيضاً دور في الخسارة؟ ما أفرزته الانتخابات التركية هو أبعد من تعرض حزب “الشعوب الديموقراطية” لشيء من الخسارة. لقد كانت أمام “الشعوب” في الجمهورية التركية فرصة ذهبية للبدء بالسير على طريق إصلاح سياسي ودستوري يطور الديموقراطية التركية، وقد وُضعت حالياً في الثلاجة، خاصة بعد انضمام عدد كبير من أعضاء حزب “الحركة القومية” لحزب “العدالة والتنمية”. وقد أصبح الأمر أصعب بكثير عما كان عليه قبل انتخابات 7 حزيران/ يونيو، وإثرها مباشرة.

من جهة أخرى، كان الرئيس المشارك لحزب “الشعوب الديموقراطي” صلاح الدين دميرطاش، مرشحاً ليكون زعيماً وطنياً على مساحة تركيا كلها، ولكن هذا التخبط الذي عاشه في الفترة بين الاستحقاقين الانتخابيين سلبه هذه الصفة، وأبقت عليه زعيماً كردياً فقط.

المدن

 

 

 

الانتخابات التركية وتداعياتها على الأزمة السورية/ أحمد محمود عجاج

أبرزت الانتخابات التركية الأخيرة، والفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية، مدى الاختلال الذي سيطرأ بالذات على الساحة السورية. ومما لا شك فيه أن أميركا وروسيا وطهران تدرك أبعاد هذا التحول، لكنها تجد نفسها في مأزق، لأنها لم تستعِّد له أساسا، وكان رهانها على حكومة ائتلافية تركية ضعيفة. تجد هذه الدول نفسها الآن في مواجهة رجل قوي يقود دولة نامية قوية، لها تاريخ مشرق، وباع طويل في التعامل مع التعقيدات الدولية، ودولة لها مصالح كبرى في منطقة يتنازع عليها الكبار. ثمة مؤشرات ستساهم في صناعة سوريا المستقبل أهمها شخصية إردوغان، وإسلامية الطرح التركي، والمشكلة الكردية، والضعف الأميركي وضيق الخيارات الروسية.

إن شخصية إردوغان كانت هي المطروحة على التصويت، وهي التي صوت لها الناخبون الأتراك، وهي التي خاطرت سياسيا في إعادة الانتخابات، وتحدت كل استطلاعات الرأي، وفازت في النهاية فوزا كاسحا. ففي تركيا يوجد الآن رئيس قوي تجاوزت قوته أبا الأتراك «أتاتورك»، رئيس يواجه على الأرض السورية الروس والأميركان وإيران. فما يريده بوتين في روسيا لا يتطابق تماما مع ما يريده إردوغان، ولا مع ما يريده أوباما أو روحاني؛ بوتين يريد إنشاء دولة علمانية تلعب فيها الأقليات دورا رائدا، وتكون مربوطة به، وإيران لا تمانع، بينما أميركا لا ترى ضيرا طالما أن الروس هم الذين ستحترق أيديهم، وشريطة أن تكون لأميركا يد طولى في تشكيل سوريا وقولبتها. لسوء حظ الرئيس الروسي بوتين، ومعه الأميركي أوباما، أن إردوغان عاد بقوة للساحة السياسية، وعاد وبيده ورقة يجمع عليها شعبه وهي الورقة الكردية التي هي في صميم الأزمة السورية. بعبارة أخرى، تركيا لن تقبل أبدا بأن ترسم دول من خارج المنطقة مستقبل دولة جارة لسوريا، وأن ترسمها بطريقة ضارة بمصلحة دولة تركيا. هنا يلعب التاريخ دوره لأن إردوغان ليس شخصية عادية، بل هو معبأ بالتاريخ (العثماني)، ويدرك أن نمو بلاده وازدهار اقتصادها وأمنها مرتبط بما يجري في دول الجوار القريب؛ بمعنى أنه يريد حزاما آمنا لا يحق لأحد أن يتدخل به من دون مراعاة مصلحة تركيا؛ فكما أن روسيا لها نظرية «الجوار القريب»، وأميركا نظرية «الحديقة الخلفية» فهو لديه أيضًا نظرية «الجوار الإسلامي» التي تمنع على الآخرين التدخل في دول مجاورة ترتبط به ثقافيا ودينيا، وتاريخيا.

إن نظرية الجوار الإسلامي مع عودة إردوغان للسلطة ستأخذ مداها الطبيعي، وستكون البوصلة التي ستحدد السياسة الخارجية التركية. وقد رسم إردوغان ملامحها بدبلوماسية في الفترات السابقة على فوز حزبه، وهو أنه إذا ما أراد الأكراد التمدد إلى غرب الفرات، فإن تركيا ستتصرف وفق مصالحها ولن تراعي أحدا. وبما أن الجغرافيا هي المحدد لقوة السياسة، فإن سوريا ملاصقة لتركيا، وبوسع تركيا أن تزعج روسيا وبأكثر بكثير مما أزعجت باكستان الولايات المتحدة عبر حركة طالبان. فالجميع يعرف أن تركيا هي بمثابة القلب للحراك الثوري في سوريا وبالتحديد الإسلامي، وأن ما نسجته من علاقات في السنوات الأربع الماضية، كفيل بأن يضمن لها موقعا متميزا في المعادلة السورية. وقد تبين بالفعل للقيادة الروسية أن السيطرة على الجو لا تعني السيطرة على الأرض، وأنه ببضعة صواريخ متطورة يمكن للمعارضة السورية أن تفشل المخطط الروسي بأكمله.

يطال القلق إدارة أوباما التي راهنت هي الأخرى على تركيا مختلفة؛ فأوباما مصر على استحضار إيران كطرف فاعل في المعادلة العربية بعد الاتفاق النووي الأخير، وتحييد الدور التركي قدر ما أمكن، رغم ما تجره السياسة الأميركية من تداعيات سلبية على الأمن التركي. لكن أوباما سيشعر لأول مرة أنه بمواجهة واقع مختلف، وأن تركيا ما بعد الانتخابات غير تركيا ما قبلها؛ فإردوغان يرى في السياسة الأميركية ضعفا واضحا، وتراخيا في دعم حلفائه، ويعتبر الرئيس الأميركي غير عابئ بما يجري، وعليه فإن إردوغان سيعتمد سياسة لا تراعي الطرف الأميركي عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي التركي. وتعريف الأمن القومي مطاط جدا، وهو ما نلمسه في التعريف الروسي، والأميركي، والإيراني؛ وعليه فإن إردوغان لن يسمح بأن تُقولب وتُصاغ سوريا إلا بما يتناسب مع أمن بلاده ومصالحها. ولعل المشكلة الأكبر التي ستواجهها أميركا هي الكرد الذين تستخدمهم في مواجهة تنظيم داعش، والذين يراهم إردوغان ومعه كثير من الشعب التركي أداة بيد أميركا، وخنجرًا سيمتد إلى قلب الوطن التركي. وما تصريحات إردوغان بهذا الخصوص إلا دليل على أنه سيصل إلى تصادم مع أميركا، وأن أميركا في ظل أوباما لن ترى مصلحة بإغضاب إردوغان تركيا. وبالطبع سيخسر الأكراد!

بيد إردوغان ورقتا الداخل والإقليم وهما يؤهلانه للعب دور صانع الحل السوري؛ ففي الداخل غَيَّر إردوغان تركيا تماما، فهي الآن لا تشبه تركيا العلمانية الراديكالية أبدا، بل هي تشبه أكثر ما يمكن تسميته الليبرالية الإسلامية، التي تركز على التوسع الثقافي والفكري والتجاري، دونما اختزال للعامل الأمني. وقد برهنت الانتخابات الأخيرة أن الداخل التركي بأكثريته مع إردوغان، وأن الذين محضوه الأغلبية هم الكرد المحافظون الذين وجدوا أن طروحاته لا تختلف عن عقائدهم، ووجدوا أنهم في مأمن في ظله. كذلك على المستوى الإقليمي، فإن خلفية إردوغان الدينية، وتراث العثمانية، وانخراطه في شؤون المنطقة، سمحا له أن يكون مؤثرا في الإقليم المجاور، وهو ما تبدى في تأييد شعبي ليس بالقليل في العالم العربي الذي يشعر بأنه محاصر ومستباح. وبناء على هذا فتركيا تدرك أنها ستجد مناصرة من السعودية التي تعتبر أهم دولة عربية، بعدما خرجت مصر من المعادلة واختارت الدور الحيادي في الأزمة السورية؛ فكلا الدولتين متفقتان على أن الأسد ليس له مكان في سوريا المستقبل. كما أن إردوغان سيستخدم بذكاء أزمة اللاجئين وثقلها على الاتحاد الأوروبي، الذي سيجد نفسه مضطرا للمساومة والقبول بالطروحات التركية.

لقد أعطت الانتخابات التركية إردوغان تفويضا جديدا، ووفرت له كذلك المعطيات الداخلية الزخم الشعبي الداعم له، ومنحه المعطى الإقليمي القدرة على المناورة والتحرك، وبهذا فإنه بشخصيته القوية وبالرؤية والخلفية التي يحملها، سيكون بالفعل اللاعب الأقوى في الأزمة السورية، ستكون تركيا في عهد إردوغان الدولة الأولى التي ستقول علنا: لا للأسد؛ وستكون الدولة الأولى التي ستصر على حماية أمنها من الجوار السوري، ولو أدى الأمر إلى استخدام القوة.

مع عودة إردوغان قويًا إلى السلطة توقعوا ما لم يكن متوقعًا!.

الشرق الاوسط

 

 

 

 

الانتخابات التشريعية المبكرة في تركيا 2015: استراتيجية إردوغان القومية تستعيد الأغلبية المطلقة البرلمانية

يحلل النائب الهولندي السابق والخبير في شؤون تركيا، يوست لاخندايك، الفوز الذي حققه “حزب العدالة والتنمية” بزعامة الرئيس رجب طيب إردوغان في الانتخابات البرلمانية، وكذلك يسلط الضوء في حواره التالي مع الصحفي ميشائيل مارتينس على العلاقة بين “حزب الشعوب الديمقراطي”- الذي تعتبر أغلبية ناخبيه من الأكراد- وبين حزب العمال الكردستاني الإرهابي.

السيِّد لاخندايك، حصل حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في الانتخابات البرلمانية التركية التي تم إجراؤها يوم الأحد 01 / 11 / 2015 على زيادة في عدد أصوات ناخبيه بلغت نسبتها تقريبًا تسعة في المائة بالمقارنة مع الانتخابات المجراة في شهر حزيران/يونيو الماضي 2015. فكيف يمكن تفسير هذا النجاح؟

يوست لاخندايك: إردوغان يتغذَّى بشكل أساسي من ثلاثة مصادر: أكبرها هي خسائر “حزب الحركة القومية”، الذي خسر تقريبًا ربع شعبيته. ذهبت جميع هذه الأصوات تقريبًا إلى حزب العدالة والتنمية وحده. اتَّبع حزب العدالة والتنمية خلال الحملة الانتخابية استراتيجية قومية، ومن الواضح أنَّ هذا قد سار بنجاح.

وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ بعض الأحزاب المُنشقة غير المُمَثَّلة في البرلمان على يمين حزب العدالة والتنمية، والتي حصلت جميعها في انتخابات حزيران/يونيو 2015 على نحو أربعة في المائة من الأصوات، قد خسرت نصف هذه الأصوات لصالح حزب العدالة والتنمية.

أمَّا المصدر الثالث والأكثر إثارة للاهتمام فيتمثَّل في أنَّ جزءًا من الأكراد قد أعرضوا عن حزب الشعوب الديمقراطي وصوَّتوا هذه المرة من جديد لصالح حزب العدالة والتنمية. حزب الشعوب الديمقراطي تكبَّد بالذات في معاقله في جنوب شرق تركيا خسائر كبيرة، مما يشير إلى أنَّ الكثيرين من الأكراد يرفضون حزب العمال الكردستاني واستئناف القتال. حزب العدالة والتنمية حالفه النجاح لأنَّ تجدُّد القتال يُعزى فقط إلى حزب الشعوب الديمقراطي.

حزب العدالة والتنمية خاض بالإضافة إلى ذلك حملة انتخابية أخرى في شهر حزيران/يونيو 2015، وذلك عندما كان إردوغان يجري دعاية لإقامة نظام رئاسي.

يوست لاخندايك: حزب العدالة والتنمية تعلم من النتيجة في شهر حزيران/يونيو الماضي ولم يكرِّر الخطأ، الذي ارتكبه حينها من خلال وضع إقامة نظام الحكم الرئاسي في محور اهتمام حملته الانتخابية. فالنظام الرئاسي لا يحظى بشعبية كبيرة لدى الأتراك وحتى أنَّه يُقابل بالرفض من قبل الكثيرين من ناخبي حزب العدالة والتنمية. ولذلك كان عدم الاعتماد على النظام الرئاسي في الحملة الانتخابية الأخيرة قرارًا حكيمًا. وعلاوة على ذلك فإنَّ إردوغان لم يلعب منذ فترة طويلة دورًا محوريًا في الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية مثلما فعل في انتخابات حزيران/يونيو 2015.

وبدلاً عن ذلك ركَّز حزب العدالة والتنمية حملته الانتخابية هذه المرة على مسألة “الاستقرار أو الفوضى؟”. حيث وضع نفسه على مستوى واحد مع الاستقرار والأطراف الأخرى مع الفوضى. ومهما كان رأينا في ذلك: فهذه الاستراتيجية سارت بنجاح.

احتفال بإردوغان كرمز وطني – بفضل حصوله على نحو خمسين في المائة من الأصوات، تمكَّن حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب إردوغان من استعادته الأغلبية المطلقة في البرلمان 01 / 11 / 2015، بعد أن فقدها قبل خمسة أشهر في انتخابات حزيران/يونيو 2015 للمرة الأولى منذ توليه الحكم في عام 2002. وبحسب النتائج الأولية فقد حصد حزب العدالة والتنمية 317 مقعدًا من أصل 550 مقعدًا في البرلمان التركي. وجاء بعده حزب الشعب الجمهوري 134 نائبًا، وحزب الشعوب الديمقراطي 59 نائبًا، وحزب الحركة القومية 40 نائبًا.

على الرغم من حصول حزب إردوغان على الأغلبية المطلقة في البرلمان، ولكنه لا يزال غير قادر على فرض النظام الرئاسي، وذلك لأنَّ حزب العدالة والتنمية في حاجة إلى الأغلبية المنصوص عليها في الدستور من أجل إجراء استفتاء حول ذلك …

يوست لاخندايك: هذا صحيح، ولذلك فعلى الأرجح أنَّ هذا سيؤدِّي إلى استمرار إردوغان مثلما كان يفعل حتى الآن: إذ إنَّه سيحكم البلاد في الواقع كرئيس، والحكومة القادمة سترضى بذلك مثل الحكومة السابقة. وسنشاهد في المستقبل كيف يتدخَّل إردوغان في السياسة اليومية، على الرغم من أنَّه في الواقع غير مُخوَّل دستوريًا بهذا العمل. ولكنه سوف يتمكَّن من القيام به، لأنَّ رئيس الوزراء هو الوحيد الذي يستطيع معارضته – بيد أنَّ رئيس الوزراء لن يجرؤ على ذلك. وبناءً على هذا لن يتم إحداث أي تغيير في الدستور على الورق، ولكن في الواقع سوف يستمر الانتهاك شبه اليومي للدستور من قبل الرئيس.

انتظر الكوادر القياديون البارزون السابقون في حزب العدالة والتنمية، مثل الرئيس السابق عبد الله غول وبعض الكوادر الآخرين، خسارة إردوغان الآن للمرة الثانية بعد خسارته في الانتخابات التي جرت في شهر حزيران/يونيو 2015. وربما كان من الممكن لهم أن يبرزوا من جديد. ولكن ماذا سيفعلون الآن؟ هل سيقومون بتأسيس حزب خاص بهم، أم أنَّهم سوف ينسحبون إلى الأبد؟ وهذا سؤال مفتوح.

الآن وبعد انتصار إردوغان، هل ستستمر الاعتداءات على الصحفيين والمؤسَّسات الإعلامية؟

يوست لاخندايك: أخشى من أن تكون هذه هي العاقبة الأكثر دراماتيكية لنتيجة هذه الانتخابات. كان يتم التكُّهن قبل الانتخابات بأنَّ السيطرة على صحف شركات إيبيك القابضة وقنواتها التلفزيونية في نهاية شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2015 كانت الآن مجرَّد موجة أولى من سلسلة اعتداءات على وسائل الإعلام المستقلة، قبل أن يصيب ذلك الصحف المعارضة الكبيرة مثل صحيفة حريات وزمان وصحيفة سوجو. ومن ناحية أخرى من الممكن الآن أيضًا أن توقف الحكومة هذه الاعتداءات – وذلك لأنَّها شاهدت في آخر المطاف أنَّ بإمكانها وعلى الرغم من مقاومة هذه الصحف أن تحصد نصف أصوات الناخبين.

حتى العام الماضي كان الكثيرون لا يزالون يأملون أنَّ حزب العدالة والتنمية سوف يُمهِّد الطريق للتوصُّل إلى حلّ سياسي مستدام للمسألة الكردية في تركيا. فهل يمكن أن تكون نتيجة هذه الانتخابات محاولة جديدة من أجل ذلك؟

يوست لاخندايك: يعتبر حزب العمال الكردستاني أحد الفائزين في هذه الانتخابات. وكونه قد لجأ من جديد إلى حمل السلاح، فقد كان هذا محاولة محسوبة جيدًا تهدف إلى التغلب على حزب الشعوب الديمقراطي. وهذا المثال معروف من صراعات أخرى: فعندما يتمكَّن في صراع ما السياسيون المنتخبون من السيطرة على زمام الأمور -وقد كان حزب الشعوب الديمقراطي يسير على طريق صحيح صوب ذلك- فعندئذ المتطرِّفون في الجبال لا يُقدِّرون قيمة ذلك مطلقًا.

وفي حالة حزب العمال الكردستاني كان من المعروف تمامًا أنَّ اللجوء مرة أخرى إلى حمل السلاح سوف يعود بالضرر على حزب الشعوب الديمقراطي – وهذا بالذات ما حدث بعد ذلك أيضًا. والسؤال الآن: هل سيدافع حزب الشعوب الديمقراطي عن نفسه؟ وهل سيحاول إيقاف المتشدِّدين في حزب العمال الكردستاني عند حدِّهم؟ أم أنَّ سياسيي حزب الشعوب الديمقراطي قد تم إضعافهم الآن، بحيث لم يعد بوسعهم أن يمسكوا بزمام الأمور؟ آمل في أن يمثِّل ذلك بدايةً لنقاش داخل الحركة القومية الكردية حول حقيقة أنَّ اللجوء مرة أخرى إلى حمل السلاح كان خطأً كبيرًا.

تراجع شعبية حزب الشعوب الديمقراطي المؤيِّد للأكراد في عهد رئيسه صلاح الدين دميرتاش – صحيح أنَّ حزب الشعوب الديمقراطي قد تمكَّن مرة أخرى وبصعوبة من دخول البرلمان، إلاَّ أنَّ جزءًا من الأكراد أعرضوا عنه وصوَّتوا هذه المرة من جديد لصالح حزب العدالة والتنمية. وحزب الشعوب الديمقراطي تكبَّد بالذات في معاقله في جنوب شرق تركيا خسائر كبيرة، مما يشير إلى أنَّ الكثيرين من الأكراد يرفضون حزب العمال الكردستاني واستئناف القتال.

أليس من الضروري قبل كلِّ شيء أن يجري نقاش حول كيفية تمكُّن حزب الشعوب الديمقراطي من تحرير نفسه أكثر من حزب العمال الكردستاني؟

يوست لاخندايك: بكلِّ تأكيد. هذه الانتخابات كانت درسًا بالنسبة لحزب الشعوب الديمقراطي، تعلّم من خلاله كيف يتعيَّن عليه أن يتصرَّف مع عنف حزب العمال الكردستاني. وبدوره يعتبر حزب الشعوب الديمقراطي منقسمًا بين متشدِّدين لن يُقدِموا أبدًا حتى على التفكير بفكرة ابتعادهم عن حزب العمال الكردستاني، وبين سياسيين نأوا بأنفسهم عن هذه المسألة. غير أنَّ هذه المجموعة الثانية لم تكن مرئية بما فيه الكفاية بالنسبة للأكراد الذين صوَّتوا الآن من جديد لصالح حزب العدالة والتنمية.

من خلال أزمة اللاجئين أصبحت تركيا مرة أخرى شريكًا مطلوبًا في الحوار بالنسبة لأوروبا. فكيف سيؤثِّر ذلك على مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتِّحاد الأوروبي؟

يوست لاخندايك: في هذه الأيَّام سيتم نشر تقرير المفوَّضية الأوروبية حول التقدُّم الذي حقَّقته تركيا من أجل انضمامها إلى الاتِّحاد الأوروبي. وهذا التقرير سيكون حساسًا للغاية، ولكنه لن يُثير في تركيا الكثير من الاهتمام، وذلك لأنَّ الأتراك لم يعودوا منذ أعوام يأخذون هذه التقارير كثيرًا على محمل الجد.

والمفاوضات مع الاتِّحاد الأوروبي ستدور حول أزمة اللاجئين. ولذلك فإنَّ إردوغان الآن في وضع أقوى مما كان عليه قبل ذلك فيما يتعلق بهذه المسألة. أوروبا تريد منه شيئًا ما، وبدوره سيرفع الآن في المقابل سقف طلباته أكثر. ولكن بماذا يتعلق الأمر هنا؟ بالمال؟ من الممكن دائمًا في هذا الصدد إيجاد حلّ وسط. أم يتعلق بسفر الأتراك إلى دول الاتِّحاد الأوروبي  من دون تأشيرة؟

وبصرف النظر عما سيحدث فإنَّ الشروط، التي يجب على تركيا أن تفي بها، ستبقى مثلما هي من دون تغيير، وذلك لأنَّها تعتبر غير قابلة للتفاوض خاصة بالنسبة لفرنسا وألمانيا، وكذلك الحال بالنسبة لبعض البلدان الأخرى.

ومن ثم لا يزال هناك طلب خاص بفتح بعض الفصول الحساسة في مفاوضات الانضمام. لقد تفاجأتُ أنا بأنَّ تركيا طالبت على العموم بفتح الفصل الثالث والعشرين وكذلك الفصل الرابع والعشرين حول القضاء والحقوق الأساسية. وفي حال إصرارها على ذلك، فعندئذ سيكون من الصعب رفض هذا الطلب بالنسبة للاتِّحاد الأوروبي – إذ إنَّ هذا هو بالذات ما كان يريده دائمًا الأوروبيون. ومن الممكن أن يمثِّل هذا الأمر أفضل نتيجة لهذه الانتخابات.

حاوره: ميشائيل مارتينس

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ 2015 / موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de

درس الخبير الهولندي يوست لاخندايك التاريخ في جامعة أوتريخت وكان بين عامي 1998 و2009 نائبًا في البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر الهولندي. وفي البرلمان الأوروبي تولى عدة مسؤوليات من بينها توليه لسبعة أعوام رئاسة لجنة تركيا هناك. ومنذ انسحابه من العمل السياسي في عام 2009 يعيش في تركيا ويعتبر واحدًا من أفضل الخبراء الأجانب في شؤون تركيا. لاخندايك كاتب عمود في الصحيفة اليومية التركية “زمان”.

 

 

 

 

 

 

الإسلام السياسي بين الانتخابات المصرية والتركية/ أكرم البني

الإمعان في هزيمة «الإخوان المسلمين» وشرعنة إنهاء دورهم في الحياة السياسية، كان عنوان الانتخابات البرلمانية المصرية على رغم الإقبال الضعيف، الذي بدا احتجاجاً صامتاً على السياسات التسلطية للحكومة وتلكؤها في معالجة المشكلات الاقتصادية المتفاقمة، وليس تعاطفاً مع ماضي الإخوان والإسلام السياسي، بدليل التراجع الملحوظ أيضاً في شعبية الأحزاب السلفية كحزب النور مثلاً، وقبله انعدام التعاطف الشعبي مع محاكمات كوادر الإخوان وقادتهم، ليصح اعتبار هذه الانتخابات استكمالاً للقطيعة بين عموم المصريين و «الإخوان المسلمين»، وكأن الشعب المصري قد تخلى بعد التجربة الاستئثارية القصيرة والمريرة للإسلام السياسي في الحكم عن هذا الخيار نهائياً.

ببراغماتية يشهد لها تدارك أردوغان في دعوته لانتخابات مبكرة تراجع حزبه شعبياً، ونجح في جذب الناخبين ليس بورقة الازدهار الاقتصادي والإسلام الديموقراطي، بل بشعار الأمن والاستقرار، مغازلاً مخاوف قطاع شعبي واسع من انتقال ما يحصل في بلدان الجوار إلى مجتمعهم ومن أن يفضي استمرار العجز عن تشكيل حكومة إلى الفوضى والاضطراب، ومستقوياً بتواتر العمليات الإرهابية في الفترة الفاصلة بين المحطتين الانتخابيتين. ونضيف أن حكومة أنقرة لم تفوت الفرصة لاستمالة فئات علمانية بإظهار بعض التريث في دعوتها لإجراء تبدلات نوعية تطاول بنية الدولة وبردع أنصارها الذين يذهبون بعيداً في المطالبة بفرض نمط الحياة الإسلامية على المجتمع، أو لاستمالة فئات شوفينية يهمها عدم تقديم تنازلات في مباحثات التسوية السياسية مع حزب العمال الكردستاني، ثم استمالة فئات ثالثة بإبراز أهمية الداخل التركي وأولوية معالجة مشكلاته وتخفيف ما يلحظ من اندفاعها نحو التدخل في الصراعات الخارجية بغرض تحسين الموقع والنفوذ الإقليميين.

واللافت في هذين الاستحقاقين أن العامل الخارجي لعب دوراً داعماً لما تحقق من نتائج، إن بتغطية الإجهاز على الحضور السياسي لـ «الإخوان المسلمين» في مصر، وإن بتمرير ما يجري في تركيا لمصلحة حكومة العدالة والتنمية، وكأن حسابات الغرب تلتقي اليوم مع تمكين هذين النظامين ودعم استمرارهما في الحكم في هذا الظرف بالذات من انفلات الصراعات المذهبية في المنطقة.

لكن مثلما يفترض بالسلطة المصرية بعد تدني إقبال الناس الفاضح أن تدرك أن الشعبية التي حصلت عليها عبر مرشح الرئاسة، عبدالفتاح السيسي، جاءت بسبب فشل «الإخوان المسلمين» في حكم مصر، ولن تستمر في حال فشلها هي الأخرى في حكم البلاد ومعالجة أزماتها، على سلطة أنقرة أن تدرك أيضاً أن ميل الأتراك نحو الأمن والاستقرار لن يدوم طويلاً، إن لم تجاهد لتعويم دورها والتعاطي المثابر مع مشكلات المجتمع، بل الأخطر على الأمن والاستقرار حين يستغل حزب العدالة والتنمية الأكثرية النسبية التي حصل عليها للانتقام من خصومه ولفرض ما يضمره من مشاريع استئثارية خاصة، ويستهتر بالمعالجة السياسية للمسألة القومية الكردية في إطار الدولة الديموقراطية الموحدة.

ويبقى المستقبل هو الحكم في الرهان على نموذج الإسلام السياسي لدى أردوغان وحزب العدالة والتنمية اللذين نجحا في جر المزيد من الناخبين للتصويت ونيل أكثرية برلمانية، ما داما خير من يتقن اللعبة السياسية في مجتمع ديموقراطي عريق، ويدركان أن أساس الاستمرار في السلطة ليس الاستئثار والقمع بل نيل رضا الناس عبر معالجة حاجاتهم وهمومهم، وما دام أردوغان لن ينسى نصيحته لـ «إخوان» مصر، وهم في أوج قوتهم، بأن دخولهم اللعبة السياسية يستدعي إعلان علمانية الدولة وفصل الدين عن السياسة! وما دام لا يزال يجاهر بفرادة تجربته وأنها تمتلك فرصة بناء النموذج العتيد للعمارة الديموقراطية الإسلامية.

والحال هذه، كشفت الانتخابات المصرية والتركية شدة المحنة التي يعانيها الإسلام السياسي اليوم، إن في السلطة أو خارجها، خاصة لجهة تردده في تمثل قيم التعددية والديموقراطية أو مسارعته للانقلاب عليها، والأهم عجزه عن مواجهة تمدد المتطرفين الجهاديين وقد باتوا يتصدرون المشهد السياسي الإسلامي.

وإذ يتطلب التصدي للتطرف الإسلاموي اجتذاب قوة الدولة العميقة وإعادة تأسيسها على القواعد الديموقراطية، لكنه يتطلب أساساً فهم ومعالجة الأسباب الموضوعية لنشوئه وترعرعه، جوهرها معالجة تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية، وتوفير شروط حياة تليق بالإنسان وتخلق الفرص الضرورية لضمان حاجاته المادية والروحية. فالتطرّف والعنف المصاحب له لا ينتعشان إلا كرد فعل مشوه على احتكار السلطة والقهر والاستبداد وعلى ظواهر الفساد والتفرقة والتمييز.

يبدو أنها لعنة حلت على شعوبنا حين تضطر دائماً للاختيار بين أنظمة لا ترضيها وتمارس ما يحلو لها من اضطهاد وفساد وبين بديل إسلاموي مستبد أو متشدد، ما يفسر غياب أية ردود أفعال شعبية حين تسوغ الحكومة المصرية تحت عباءة البعبع الإسلامي تضييقها على الحريات وتمرر اعتقالات طاولت بعض نشطاء ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، وحين توظف حكومة أوغلو تصاعد إرهاب «داعش» كي تنكل بمعارضيها، بما في ذلك إغلاق بعض المراكز الإعلامية والإخبارية!

لا يمكن لعاقل أن ينكر تطور ظواهر يمكن أن تفرزها خصوصية مجتمعاتنا لا تزال تجد خلاصها في الربط بين الدين والسياسة، ظواهر لا تصح مواجهتها بالإقصاء والرفض، بل بمحاكاتها نقدياً في أجواء الحريات واحترام التعددية والاعتراف المتبادل، وبتشجيعها على تمكين الدين من تقديم إجابات على أزمات الواقع وأسئلته الملحة، واستلهام الميراث التقدمي والإنساني في الظاهرة الدينية لتجديدها وتصحيح ما يحمله الناس من أفكار خاطئة ومغلوطة، ما يؤسس لفهم جديد للإسلام يلبي متطلبات الواقع وحاجاته استناداً إلى قول الرسول الكريم «أنتم أدرى بشؤون دنياكم» لينأى به عن دنس السياسة ويكرس تألقه كرسالة خير ومساواة وإخاء! فهل نمتلك فرصة قيام أحزاب بأسماء دينية، لكن ديدنها القيم الديموقراطية وحقوق الإنسان، مثل نماذج الأحزاب الديموقراطية المسيحية في أوروبا، أم يصح القول في حالتنا: داء فالج لا تعالج!

الحياة

 

 

 

انتصار للتجربة الديموقراطية في تركيا/ ماجد كيّالي

رغم الأوضاع السياسية والأمنية الصعبة، والتحديات الداخلية والخارجية، التي تواجهها تركيا، استطاع حزب «العدالة والتنمية» أن يحقق نجاحا كبيرا في الانتخابات التشريعية، التي جرت يوم الأحد الماضي، والتي بلغت نسبة المقترعين فيها 87 في المئة من اصحاب حق الاقتراع، البالغ عددهم 54 مليونا، ما يدل على أهمية وسخونة المعركة الانتخابية، والاستقطابات السياسية الحاصلة فيها. لكن ما يجدر الانتباه إليه هو أن هذا الفوز، على أهميته، يتيح للحزب الفائز حق تشكيل حكومة من لون واحد، لو أراد، لكنه لا يمنحه حق تعديل الدستور، على النحو الذي يريده الرئيس التركي، والزعيم السابق لهذا الحزب، رجب طيب اردوغان. علماً ان هذه ليست مسألة ثانوية في الصراعات على طبيعة النظام السياسي التركي، لذا سيبدو من المثير معرفة كيف سيتصرف حزب العدالة والتنمية بهذا الخصوص، إن لجهة التشبث بطلبه تعديل الدستور، ما يوجب التوجه نحو استفتاء شعبي، او صرف النظر على هذا الأمر تخوفا من انعكاساته السلبية على مكانة الحزب.

عموماً، ولتوضيح حجم النجاح المتحقق لحزب العدالة والتنمية يمكننا مقارنة نتائج الانتخابات الجديدة بنتائج الانتخابات التي سبقتها (في يونيو/حزيران الماضي)، ففي تلك الانتخابات، التي جرت قبل اربعة اشهر، حصل حزب العدالة والتنمية على 40 في المئة من الأصوات، او 258 مقعدا في البرلمان، في تراجع عن المكانة التي كان حققها في انتخابات العام 2011. ومعلوم أن هذا التراجع جعل من المتعذر عليه تشكيل حكومة من دون لتوافق مع احد الأحزاب الثلاثة الأخرى، الأمر الذي فرض التوجه نحو انتخابات مبكرة، ادت إلى حصوله على 49 في المئة من الأصوات، او 316 مقعداً، مستعيداً في ذلك مكانته التمثيلية والشعبية، التي كانت، مع تصويت اكثر من 23 مليونا له. بالمقابل فقد حصلت الأحزاب الثلاثة الأخرى على 25 في المئة للحزب الجمهوري، وحوالي 12 في المئة لحزب الحركة القومية (الذي خسر نصف مقاعده)، و11 في المئة تقريبا لحزب الشعوب الديمقراطية (الكردي). وقد لخص رئيس هذا الحزب، ورئيس الحكومة، احمد داوود أوغلو هذا النجاح، قائلا: «هذا نصر لأمتنا لا نصرنا.. نصر لقونيا.. نصر لجيراننا.. نصر لمواطنينا».

ويمكن احالة هذا النجاح إلى مجموعة من الأسباب من ضمنها حال الازدهار الاقتصادي، في مختلف القطاعات، التي شهدتها تركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية، إلى سدة الحكم في تركيا، والذي نقل تركيا من المركز 111 الى المركز 17 بين الدول الاكثر تقدماً في العالم، مع رفع مستوى معيشة المواطنين، والارتقاء بمستوى الخدمات (التعليم والصحة والبنية التحتية)، والقيام بمشروعات ضخمة، صناعية وانشائية وسياحية.

كما يمكن تفسيره، أيضا، بفرادة التجربة التركية حيث اننا ازاء حزب اسلامي، او محسوب على تيارات الاسلام السياسي، الا انه منفتح، وعقلاني، ولا يلجأ إلى فرض معتقداته بوسائل القوة والقسر، ولا باستغلال الة الدولة.

ومعلوم ان حزب العدالة والتنمية التركي، لا يتبنى شعارات من نوع: الاسلام هو الحل، وهو يتوافق في ذلك مع حزب النهضة التونسي، باعتبار ان هذا مجرد شعار، وبمثابة استغلال للدين، وأن المطلوب الاستجابة لمطالب وحاجات الناس، في مسائل يمكن ترجمتها مثل: العدالة والتنمية والتطور والإنتاج والتعليم؛ هذا اولاً. ثانياً، إن حزب العدالة والتنمية لا يرى ان ثمة تناقضاً بين الاسلام والعلمانية، باعتبار الاخيرة تحيّد الدولة، او تمنعها من استغلال الدين، وتضمن احترام العقيدة الدينية. وثالثاً، لأن هذا الحزب لا يتدخل في خصوصيات الأفراد في احترام لقيمة الحرية، ولا يميز بينهم على أساس ديني.

لذا يمكن القول ان هذا كان نجاحاً خالصاً لحزب العدالة والتنمية، الذي فاز في مواجهة جميع الاحزاب الموجودة، ورغم الخصومة مع جماعة فتح الله غولين، ورغم الأعمال الإرهابية، ومناخ التصارع العسكري مع الجماعات المسلحة التابعة لحزب العمال الديمقراطي الكردي.

على الصعيد الخارجي، وبالنسبة للتيارات الإسلامية عندنا، يمكن القول ان ما حصل بمثابة درس ينبغي التعلم منه، إذ يتبين أنه في ظل الديمقراطية، فقط، يمكن لكل التيارات، أياً كان نوعها، ان تتعايش، كما يمكن لحزب إسلامي ما ان يصل الى السلطة حتى في بلد علماني، باعتبار أن النظام السياسي الديمقراطي يتأسس على التنوع والاعتراف بالآخر وتداول السلطة والفصل بين السلطات والمساواة بين المواطنين الاحرار.

من جهة اخرى فإن ما حصل هو بمثابة درس للأحزاب الكردية، ايضا، إذ إن الديمقراطية ودولةً المواطنين لا تلغي الخصائص القومية بل يمكن ان تعززها كما يمكن ان تغني الحياة المشتركة بين مختلف مكونات المجتمع. وفي هذا الإطار ربما أن الأجدى لحزب الشعوب الديمقراطي، الممثل للأكراد، كما لحزب العدالة والتنمية، أن يجدا معاً الطريقة التي تمكنهما من العمل سوياً لبناء تركيا الجديدة، وتعزيز الديمقراطية فيها، بالاستفادة من التجربة السابقة وبعيدا عن التعنت فهذا اكثر ما تحتاجه تركيا.

وعدا المسألة الكردية، فإن تركيا تواجه في هذه المرحلة تحديات داخلية اخرى، ضمنها مواجهة العمليات الارهابية، والحفاظ على معدلات التنمية الاقتصادية، أما على الصعيد الخارجي، فلا تزال المسألة السورية من اهم التحديات التي تواجه تركيا، مع قضية اللاجئين السوريين، إضافة الى استمرار محاولاتها الانضمام الى الاتحاد الأوروبي.

المستقبل

 

 

 

 

تركيا… ديمقراطية الديكتاتور!/ أسامة أبو ارشيد

عنوان هذا المقال كان العنوان الذي اختارته فضائية عربية، في تغطيتها نتائج جولة إعادة الانتخابات البرلمانية التركية، والتي حقق فيها حزب العدالة والتنمية الحاكم فوزاً ساحقاً سيمكّنه من تشكيل الحكومة منفرداً، كما كان عليه الحال منذ عام 2002. ولم تبخل تلك الفضائية وضيوفها، وغيرها من الفضائيات والإعلام العربي المعادي لتركيا، لأسباب مختلفة، في إطلاق تهكمات كثيرة على “السلطان” رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا، و”توبيخ” حزب العدالة والتنمية لإشاعته، كما زعموا، أجواء من الخوف والترهيب والقمع للإعلاميين والمعارضين، واستغلال النعرة القومية ضد الأكراد، بشكل أثر على سير العملية الانتخابية ونزاهتها. المشكلة الوحيدة أن تلك الفضائية تبث من عاصمة عربية، يسودها الخوف والقمع، ولا يحلم فيها المواطن بانتخابات، ولو حتى على مستوى “عريف” صف مدرسي، دع عنك أن إعلامها، كما جُلُّ الإعلام العربي، هو إعلام نظام لا ينطق إلا باسمه ولا يسبح إلا بحمده.

هذا لا يعني أن تركيا تحت حكم “العدالة والتنمية” دولة منزهة عن الأخطاء وبريئة من مساعي مدِّ النفوذ والهيمنة إقليميا. أيضا، ثمة ملاحظات كثيرة، مشروعة، تثار حول مسلك أردوغان، من حيث محاولته تعزيز صلاحيات مؤسسة الرئاسة التي يتربع على كرسيها، وسعيه الناجح إلى تهميش الأصوات المعارضة له، حتى من داخل حزبه، غير أن هذا لا يقلل من نجاح التجربة التركية، ولا يجعل من تركيا عدواً. فتركيا دولة إقليمية كبيرة، قوية ومؤثرة، وهي تتحرك ضمن منظومة مصالح الدولة، من دون أن ينفي ذلك أنها أقرب إلى النبض الشعبي العربي فيما يتعلق بمقارباتها في المنطقة، كما يتضح في الملفات الفلسطينية والسورية والمصرية. ومن ثمَّ، فإن من العبث استعداء دولة كتركيا وحزب كـ “العدالة والتنمية” الذي أعاد إدماج تركيا ضمن منظومتها العربية والإسلامية، بعد عقود من الاغتراب. ولعل هذه القراءة المُتَمَعِّنَةِ، وهذا الفهم العميق، لثقل الدور التركي في المنطقة والدور الموازن الذي يمكن أن يلعبه في موازاة مساعي التخريب والهيمنة الإيرانية الإسرائيلية، هو دافع دولة مثل قطر إلى التحالف مع أنقرة، وهي القراءة نفسها التي انتبهت لها فيما بعد الدبلوماسية السعودية بعد الاتفاق النووي مع إيران، وإطلاق يدها التخريبية، أميركيا، في المنطقة. إذن، لمصلحة من تتم معاداة تركيا من بعض الدول العربية؟

يُجْمِعُ على عداء تركيا، اليوم، تحت حكم “العدالة والتنمية”، ثلاث جهات رئيسة: إسرائيل ومن ورائها دول غربية كثيرة، في مقدمتها الولايات المتحدة، المستاءة من مساحة الاستقلالية التركية في سياساتها الخارجية في المنطقة، على الرغم من عضويتها في حلف شمال الأطلسي “الناتو”. فهذه الدول قد اعتادت على تركيا تابعاً لا مستقلاً، واعتادت إسرائيل على تركيا، مبرراً لجرائمها، لا مُديناً لها ومدافعاً عن حقوق الفلسطينيين. ومن ثمّ، فلا تعجب، مثلاً، من حجم الهجمة المسمومة على تركيا في الإعلام والكونغرس الأميركيين في السنوات الأخيرة. الجهة الثانية، إيران وتابعوها، مثل نظام بشار الأسد في دمشق، والحكومة العراقية في بغداد،

“من العبث استعداء دولة كتركيا وحزب كـ “العدالة والتنمية” الذي أعاد إدماج تركيا ضمن منظومتها العربية والإسلامية، بعد عقود من الاغتراب” وحزب الله في لبنان، ومن لفّ لفّهم. فهؤلاء يرون في تركيا نقيضاً لمساعي الهيمنة الإيرانية على المنطقة، ورديفاً للمطالب المشروعة للشعب السوري بالحرية والانعتاق. الجهة الثالثة تضم حلفاً واسعاً من بعض الدول العربية الرافضة للإصلاح والتغيير، والمعادية لما تسميها حركات “الإسلام السياسي”، ومن ثَمَّ فهي تخشى أن تركيا تحت حكم “العدالة والتنمية”، بتجربته الناجحة في الحكم أكثر من ثلاثة عشر عاماً، قد تكون معززا لحظوظ تيار “الإسلام السياسي” في بلادها. ولعل في تصعيد الإعلام المصري من هجمته الشرسة التي يشنها، منذ سنوات، على تركيا وحزب العدالة والتنمية الحاكم، بعد نتيجة انتخابات الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ما يؤكد ذلك.

توافقت هذه الجهات الثلاث، وإن بشكل غير مباشر، على محاولة تقويض الاستقرار في تركيا، خصوصاً عبر العبث بملف الأكراد فيها، وهي قد نجحت فعلاً في إعادة بعث هجمات حزب العمال الكردستاني العام الجاري، بشكل وضع اتفاق السلام الذي توصلت إليه الحكومة التركية، بقيادة أردوغان عام 2013، مع الأكراد، في غرفة الإنعاش. وبالمناسبة، فإن مصدر اتهام هذه الأطراف الثلاثة بالسعي إلى تقويض الاستقرار في تركيا الحكومة التركية نفسها، لكن المقام هنا لا يتسع لذكر التفاصيل.

وعودة إلى الجهة الثالثة المعادية لتركيا تحت حكم “العدالة والتنمية”، والمتشكلة من دول عربية رافضة الإصلاح والتغيير، والمعادية لما تسميها حركات “الإسلام السياسي”. فهذه الدول، كما الجهتان الأولى والثانية، سالفتا الذكر، شمتت بفقدان حزب العدالة والتنمية أغلبيته المطلقة في الانتخابات البرلمانية في يونيو/حزيران الماضي، قبل أن تَبْهَتَهُمْ نتائج جولة الإعادة قبل أيام. كان منبع شماتتهم، بالدرجة الأولى، أن تجربة “العدالة والتنمية” قصة نجاح تُعَرٍّي فشلهم وإخفاقاتهم، وبالتالي، فإنها تصب، حسب خَطَلِهِمْ، في خانة تعزيز فرص “الإسلام السياسي”. قارن، مثلا، تركيا مع مصر اليوم. كلتا الدولتين متقاربة من حيث المساحة والسكان، مع أفضلية لمصر. فالناتج المحلي الإجمالي لتركيا لعام 2015 هو 1.586 ترليون دولار أميركي، في حين أنه 989.886 مليار دولار بالنسبة لمصر. وفي حين يتجاوز دخل الفرد في تركيا، تحت حكم “العدالة والتنمية”، عشرة آلاف دولار سنويا، فإنه بالكاد يبلغ ثلاثة آلاف دولار في مصر. وحالياً، يحتل اقتصاد تركيا المرتبة السّابعة عشرة عالميّاً، والسّادس في القارّة الأوروبية، في حين أنك لا تجد مصر في قائمة الدول الخمسين الأولى على جداول الترتيب الاقتصادي الدولي.

النقطة المركزية، هنا، أن تركيا لم تكن هكذا حتى عام 2002، حين انتخاب حزب العدالة والتنمية، وهي كانت، من حيث الأرقام، أقرب إلى مصر، وكثيراً ما عصفت بها قلاقل سياسية واقتصادية، أثرت على استقرارها. ولكن، ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، بدأت عملية البناء والترميم للهياكل الاقتصادية، وأطلقت حكومات “العدالة والتنمية” يد الاستثمار في البلاد، وحاربت الفساد، واستثمرت في البنية التحتية للبلاد، وعزّزت برامج الرعاية الصحية والرفاه الاجتماعي. بل إن تركيا سددت كل ديونها لصندوق النقد الدولي عام 2013. وعندما راهن بعضهم على انهيار الاقتصاد التركي هذا العام جرّاء الفوضى في المحيط الإقليمي لتركيا، وانهيار اتفاق السلام مع الأكراد، فاجأت الأرقام الجميع، إذ تبين أن نمو الاقتصاد التركي زاد بنحو 3.8% عن العام السابق. قارن ذلك كله بمصر اليوم، حينها ستعرف بعض أسباب هذه الحملة على تركيا من بعض الدول العربية.

باختصار، يمقت الغرب وإسرائيل تركيا اليوم، لأنها اقتربت أكثر من حضنها العربي والإسلامي على حساب التبعية لهم. ويحذرنا محسوبون على محور إيران أن “العثمانيين الجدد” قادمون، في حين يغضون الطرف عن تهديدات “الفُرْسِ الجدد”. ويقرع بعض المحسوبين على تيار القمع العربي أجراس الإنذار، تحذيراً من “ديمقراطية الدكتاتور”. وللصنف الأخير نقول: أعطونا بعض نجاحات حزب العدالة والتنمية، ولكم منا تسليم بـ “ديكتاتورية” كـ “ديكتاتورية” أردوغان. فعلى الأقل، فإن “ديكتاتوريته” متأتية برضا الشعب وبصوته، أما ديكتاتورياتكم فرغماً عنا.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى