صفحات العالم

عن هوية الانتحاري/ حـازم الأميـن

يميل المرء الى تصديق فوري للرواية التي كُشف عنها سريعاً في أعقاب التفجير الانتحاري الذي استهدف مدنيين في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي كشفت عن هوية المُنفذ، ويُدعى قُتيبة الساطم، وهو من منطقة وادي خالد الحدودية.

وكشفت أيضاً رقم السيارة وقدومها من عرسال، وتفاصيل أخرى. ذاك أن الأجواء العامة كلها توحي باحتمال من هذا النوع قبل الكشف عن هوية المنفذ وهوية السيارة المنفجرة.

“كتائب عبدالله عزام” باشرت عملها في لبنان، و”حزب الله” يُقاتل في سورية، وثمة انتحاريون لبنانيون سبقوا قُتيبة الى تنفيذ مهمات انتحارية استهدفت مدنيين وعسكريين والسفارة الإيرانية في بيروت. ثم إن اسم “قتيبة” قد يساعد على هذا الاعتقاد، وكذلك عمره.

لكن أهل الشاب، أو الفتى، يطرحون تساؤلات لا تقل أهمية عن قوة القرائن التي تؤكد هويته. فقد كُشف عن هوية منفذ العملية بعد أقل من 24 ساعة من تنفيذه العملية! فما الحكمة من ذلك؟ من المؤكد أن الشرط الأمني غائب عن هذه الفعلة، فالتستر على هوية المنفذ في الأيام الأولى من تنفيذه العملية هو ضرورة لتعقب باقي الخيوط، أي الجهة التي أرسلته وهوية الأشخاص الذين تولوا جوانب أخرى من العملية؟ ثم إن تسريب رقم السيارة ووجهة قدومها بعد ساعات قليلة على انفجارها لا يفيد التحقيق، لا بل يُعيقه.

اذاً ثمة رغبة في التوظيف السريع للعملية الإجرامية في سياق الاحتقان الطائفي وعلى حساب التحقيق وخيوطه الأخرى. ناهيك عن أن وجود إخراج قيده معه أمر محير فعلاً، فـ”القاعدة” ترسل انتحارييها الى مهماتهم بلا هويات، وهي تكشف هوياتهم بعد أسابيع من تنفيذهم المهمة، فأن تُرسل قُتيبة حاملاً هويته، فإن ذلك مدعاة تساؤل.

وبقدر ما تبدو احتمالات أن يكون قتيبة هو المنفذ، تبدو تساؤلات أهله في مكانها. يشبه تساوي الاحتمالات الإنفجار نفسه في شدته وفي عدميته. فلبنان يقف اليوم على حافة هاوية من العدم. لا يُمكن “حزب الله” أن يتراجع عن القتال في سورية، ولن تقف حدود في وجه قدوم “القاعدة” الى لبنان.

وبين هذين الحدين تصدق كل الروايات. قتيبة نفذ العملية، وقتيبة خُطف وقُتل ووضعت جثته في السيارة. وسيُصدق المرء الروايتين، ذاك أنهما تحملان من احتمالات الصحة قدراً متساوياً.

والحال أن وظيفة التفجير والقتل صارت مكشوفة الى حدٍ يمكن معه إعمال التفسيرات بما يخدم الوظائف. اتهام “حزب الله” بأنه قام بتفخيخ “قتيبة” وتفجيره في الضاحية يبدو عدمياً، ذاك أن صورة الحزب القوية تصدعت بفعل التفجير، وهو لن يُقدم على تفخيخ صورته وتعريض قوته لاختبار من هذا النوع.

لكن حاجة الحزب لاتهام عرسال ووادي خالد، والسرعة والسهولة التي أُعلنت فيها هوية المنفذ الذي حمل معه أوراقه الثبوتية، تجعل من تأويل هذياني من هذا النوع أمراً يستحق التأمل.

وفي السياق الهذياني نفسه ها هو النائب عن كتلة “المستقبل”خالد الضاهر يقول إن “عشية مولده أبصر والده النبي محمد في منامه”! قال الضاهر ذلك في مؤتمر صحافي كان يرد فيه على”حزب الله” ويتهمه بالوقوف وراء التفجير الانتحاري في الضاحية.

كلام الضاهر، في شقيه المتعلقين برؤى والده وباتهام “حزب الله”بمتفجرة حارة حريك عارض هذياني من دون شك. ولعل إدراج ما يرى النائم في مخاطبة رأيٍ عامٍ هو ذروة الهذيان، ذاك أن نائب”المستقبل” يستعيض عن إقناعنا بما نرى ونعايش بدعوتنا للاقتناع بما رأى والده النائم، وهذا نوع من الهذيان ناجم عن درجة عالية من الإحباط.

لعبة الاسقاط والاستعاضة، تلك التي يجريها المحبطون والتي تتحول الى حالة استيهام يعود صاحبها ويستدخلها الى وعيه الخاص بصفتها حقيقة يؤمن بها فعلاً. يدفعنا ذلك الى الاعتقاد بصحة تنفيذ قتيبة العملية، ذاك أنه السياق الهذياني نفسه.

ولكن في مقابل ذلك، ما أسهل أن يوظف طرف خصم الحمقى والهاذين في خدمة ما يريد. وهذا قد يُفسر حمل قُتيبة هويته معه الى حارة حريك، وكذلك السهولة التي جرى فيها الكشف عن اسمه لوسائل الإعلام بعد ساعات على تنفيذه العملية.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى