صفحات العالم

عن ولايتي الذي لا تتدخل دولته في شؤون غيرها/ محمد مشموشي

 

وفق مستشار «الولي الفقيه» الإيراني، وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي، لا تتدخل بلاده في شؤون أية دولة عربية، لا في سورية والعراق تحديداً ولا في اليمن والبحرين ولبنان. هذه الدول، وربما غيرها أيضاً، هي التي تطلب إقامة علاقات مع إيران، فلا تفعل سوى أنها تستجيب الطلب اذا رأت في ذلك «مصلحة ثنائية» لها وللبلد الآخر. «لا مطالب للجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال العلاقات مع الدول الأخرى. إذا شعرت هذه الدول بأن المصلحة الثنائية، لها وللجمهورية الإسلامية الإيرانية، تقتضي أن تقيم علاقات مع إيران، فهي تأتي إلى طاولة المفاوضات ونتفاوض معها لإقامة هذه العلاقات»، قال ولايتي أخيراً في مقابلة مع صحيفة «الأخبار» التي تصدر في بيروت. أما ما عدا ذلك، فليس سوى «ذرائع غير منطقية» و»ادعاءات واهية» وتفتعلها ثم تقف وراءها المملكة العربية السعودية، كما يزعم الوزير السابق.

بهذا المعنى، تكون شعوب تلك الدول (وليس الأنظمة، وفق مقولات معلم ولايتي) هي التي تتدخل في شؤون ايران الداخلية، فتغزوها بجماهيرها ونخبها الفكرية طالبة شمولها بالرعاية الفقهية والسياسية الشاملة لـ «الولي الفقيه» علي خامنئي، وحتى لتنظيمها في ميليشيات وتسليحها بأحدث أنواع الأسلحة، من أجل دعم من تختاره طهران حاكماً لها (كما في سورية والعراق) أو مَنْ تريد تغييره (كما في البحرين واليمن ولبنان)… ولا تفعل ايران إلا أنها تتجاوب مع هذه المناشدات!

أكثر من ذلك، لا تسعى إيران هذه الى أي نفوذ طائفي أو سياسي في هذه البلدان (ينسى ولايتي اعادة احياء «الإمبراطورية الساسانية… التي عاصمتها بغداد»، أو سقوط 4 عواصم عربية في يدها)، بالمقدار نفسه الذي لا تتدخل فيه عسكرياً بقواتها في سورية (1200 قتيل من عناصرها حتى الآن، وفق قائد الحرس الثوري السابق عين الله تبريزي)، ولا قبل ذلك وبعده تدخلها المباشر في العراق أو البحرين أو اليمن، فضلاً عن السعودية والإمارات والكويت والسودان… وصولاً الى نيجيريا، كما اعترف قبل فترة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله.

لكن ولايتي لا يقف عند هذا الحد، بل يوجّه في المقابلة ذاتها، تهديداً لرجل الدين العراقي مقتدى الصدر لمجرد أنه يطالب بإصلاح الوضع الراهن في بلده. وبمن؟، بـ «الحشد الشعبي» الذي يُفترض أنه عراقي الجنسية وليس ايراني الهوية أو الهوى. قال مستشار «الولي الفقيه» الإيراني هنا حرفياً: «العراق ما زال مستمراً في المسار الذي بدأه… وحكومته الشرعية لن تتأثر ببعض التحركات العسكرية التي تقوم بها بعض أطياف المعارضة هنا وهناك. وبطبيعة الحال، فالحشد الشعبي في العراق، الذي استطاع أن يتصدى للمجموعات الإرهابية، مثل «داعش»، لا يصعب عليه التصدي للأطراف غير المسؤولة وغير الواعية التي تثير بعض الاضطرابات والقلاقل». وكمن يقود هذه الميليشيات شخصياً ومن طهران، قال: «لم يتحرك الحشد الشعبي بصورة عنيفة مع هذه الأطراف في البداية، لكنه توصل في النهاية، وفي خلال سبع أو ثماني ساعات فقط، إلى أن يخلي الأطراف التي سيطرت في شكل غير قانوني على البرلمان ورئاسة الحكومة».

هذا أولاً، أما بالنسبة إلى الوضع العراقي عموماً، فولايتي ينسى أنه إيراني، وأنه مستشار «الولي الفقيه» في بلده، وأنه ليس عراقياً لا في الجنسية ولا حتى في الأصول الذرية، وأنه قال قبل ذلك بدقيقة ان بلاده لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، ليعلن بكل صراحة: «إن قيل إن هناك إمكانية لإزاحة الحكومة العراقية الحالية، فهذا الكلام ضرب من الوهم والخيال».

كيف يمكن لمسؤول إيراني أن يعلن موقفاً بهذه الوقاحة عن الوضع الداخلي في بلد آخر، في الوقت الذي يدّعي أن بلاده لا تتدخل في شؤون هذا البلد؟

الحال أن هذه هي «سياسة» نظام الملالي في طهران، ليس الآن فقط انما منذ تأسيس هذا النظام قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً («الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي القوة الأكبر في المنطقة كما يعرف الصديق والعدو»، قال ولايتي في المقابلة اياها)، وإن جزءاً أساسياً من هذه السياسة يقوم على «ابتزاز» الشيعة داخل ايران وخارجها، كما على التهويل بهم في وجوه الأصدقاء والأعداء.

والوقاحة هنا هي بعض العدّة المستخدمة في هذه السياسة: تقنع الذين تبتزّهم من الطائفة الشيعية في المنطقة باعتبارهم «أقوياء» اعتماداً على قوة الدولة التي تزعم الدفاع عنهم، لكنها تهوّل بهم وبـ «القوة» التي يشكلونها في الوقت ذاته في مواجهة الاتهامات التي تساق ضدها، بسبب تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان التي يعيشون فيها.

هكذا يصبح القتال مع نظام بشار الأسد في سورية دفاعاً عن الشيعة في لبنان، وعن حزبهم «المقاوم» فيه، ولا علاقة له بأحلام «الولي الفقيه» التوسعية خدمة لطموحات ايران الفارسية وعلى حساب سورية ولبنان معاً. «لا نتدخل في شؤون لبنان، إن في مسألة رئاسة الجمهورية أو في أية مسألة أخرى»، هذه هي المقولة المعلنة… بينما يعرف القاصي والداني أن ايران هي التي تمنع انتخاب رئيس للبنان منذ عامين.

ويصبح رفض هذه الحال، مثله مثل الانقلاب في اليمن، تجاوزاً سعودياً على إيران («الذريعة غير المنطقية التي يرفعونها، هي أنه ينبغي لإيران أن تكفّ عن حضورها وتأثيرها في العالم العربي. والسؤال المطروح في هذا المجال، مَنْ هي الدولة العربية، ومَنْ هو الشعب العربي الذي أعطى هذا التفويض للمملكة العربية السعودية»)، قال ولايتي في المقابلة ذاتها كذلك.

تماماً كما تصبح الدعوة إلى محاربة الفساد في العراق، مبرراً لتهديد حامل لوائها مقتدى الصدر بالويل والثبور، وباستخدام ميليشيا ايران فيه، ما يسمى «الحشد الشعبي»، ضد أنصاره من المتظاهرين طلباً للإصلاح في هذا البلد.

… لكن ايران، يقول ولايتي مع ذلك كله، لا تتدخل في شأن هذه الدولة أو تلك من الدول العربية!

الحياةسقط أبرز قادة «حزب الله» في ميدان المواجهة في سورية. فقد صارت هذه المواجهة العنوان الأبرز للنشاط العسكري للحزب في السنوات الخمس الأخيرة، وهو الذي كان يعلن في السابق تفرغه للمواجهة مع إسرائيل، التي خاض مقاتلوه حربين معها: المواجهة الأولى والأطول والتي انتهت بتحرير جنوب لبنان عام 2000، والثانية التي انتهت بما سماه الحزب «النصر الإلهي» بعد حرب تموز (يوليو) 2006.

ومن المفارقات أن «حزب الله»، وعلى رغم القتال الشرس الذي خاضه قادته وعناصره المقاتلة مع إسرائيل، بعديدها الضخم، وبقدراتها المتفوقة، فإنه لم يخسر، على الأقل كما نعرف، وجوهاً بارزة من قادته، مثل أولئك الذين سقطوا في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ العام 2008 في سورية، مع أن عدداً من هؤلاء القادة، ومن بينهم عماد مغنية ومصطفى بدر الدين، كان، كما يقول الحزب، في الصفوف الأولى في معارك جنوب لبنان.

يعيد البعض ذلك الى أن «البيئة الحاضنة» لـ «حزب الله»، سواء في الضاحية الجنوبية لبيروت، أو في قرى ومدن جنوب لبنان، لا تسمح بأي اختراق يمكن أن يطاول هذه القيادات. أفضل دليل على ذلك أن مصطفى بدر الدين، الذي قتل أخيراً في ما قال عنه «حزب الله» أنه غارة على أحد مراكزه، قرب مطار دمشق الدولي، والذي كان مطلوباً من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، بتهمة التخطيط لاغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، إضافة الى كونه أيضاً هدفاً أميركياً وإسرائيلياً، كان يزور بصورة دورية منزل عائلته في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت، ويلتقي جيرانه وأقاربه، من دون أي تخوف من إمكان اعتقاله أو الإبلاغ عن وجوده هناك.

وبصرف النظر عن ظروف مقتل قادة «حزب الله» في سورية، وما يعتبر البعض أنه يعود الى أن الحزب لا يمسك بالترتيبات الأمنية على الأرض السورية لحماية هؤلاء القادة، مثلما يستطيع أن يفعل في لبنان، فضلاً عن تعدد الأطراف المتورطة في الصراع هناك، والتي أضيف إليها أخيراً الطرف الروسي، فإن التضحية بهؤلاء القادة في ميدان المعركة لحماية نظام بشار الأسد تؤكد، إذا كانت هناك حاجة لتأكيد جديد، مدى الترابط العضوي الذي أصبح قائماً، في المصلحة والمصير، بين الحزب والنظام السوري. كما تؤكد كم أن هذا النظام بات مديناً لـ «حزب الله» ببقائه في الحكم.

هذا الترابط هو الذي يفسر إسراع الحزب الى اتهام «الجماعات التكفيرية» بتنفيذ القصف المدفعي في المنطقة القريبة من مطار دمشق حيث قتل بدر الدين، بالرغم من أن تقارير أخرى أكدت أنه لم يسجل سقوط قذائف من منطقة الغوطة الشرقية التي توجد فيها المعارضة باتجاه مطار دمشق منذ أكثر من أسبوع.

ويأتي هذا الاتهام في سياق مختلف عما دأب عليه «حزب الله» في مرات سابقة، عندما كان يتهم إسرائيل بالمسؤولية عن اغتيال قادة آخرين مثل عماد مغنية وابنه جهاد، وسمير القنطار. هذا يعني أن العدو أصبح مشتركاً للحزب وللنظام، كما أنه دليل جديد على إصرار الحزب على رفع مستوى المعركة المصيرية التي يخوضها في سورية الى مستوى معاركه السابقة مع إسرائيل، ما سيبرر تورطاً أكبر وأعمق في الحرب السورية، بهدف أصبحت له الآن مبرراته من وجهة نظر الحزب، وهي الانتقام لدماء أحد قادته البارزين.

كما أن من شأن توجيه إصبع الاتهام الى «الجماعات التكفيرية» أن يوفر أيضاً طرح أسئلة أخرى، كان يمكن أن تبدو مشروعة، مثل: كيف توصلت هذه الجماعات الى معرفة مكان وجود مصطفى بدر الدين، وما إذا كان موجوداً في سورية أساساً، وهو الذي توالت أخبار عن وجوده في ايران منذ إعلان أخبار ملاحقته ومحاولات اعتقاله من جانب المحكمة الدولية؟ ومن هي الجهة السورية التي كانت تتولى مسؤولية حمايته وكانت تعرف بالتالي طبيعة عمله وتحركاته ودوره المهم في الميدان السوري؟

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى