صفحات المستقبلعبدالكريم أبازيد

عهر سياسي/ عبد الكريم أبازيد

تحت عنوان “أطفال سوريون لاجئون في لبنان”، كتب أحد المعلّقين السياسيين مقالة في جريدة سورية جاء فيها: “تمرّ في بلادنا أيام صعبة، فقد نزح بسبب سخونة أحداثها العديد من السكان إلى دول مجاورة، فمن معسكر مغلق كأنه معسكر اعتقال، إلى تصريحات مستنكرة لوجود السوريين في بلادهم، فهل هذا سَيفُتُّ في عضدنا، ويجعلنا نقبل بالنداءات المناهضة للعروبة؟ كلا! إننا ما زلنا قلب العروبة النابض! ففيما يقف ضدنا جميع العرب فإن إيران معنا!”.

هل سأل ذاك “المنتحِب” عن مصير مئات الألوف من السوريين الذين يقيمون في “معسكرات مغلقة كأنها معسكرات اعتقال”، لماذا هؤلاء هنا ومن أجبرهم على ذلك؟

لقد نزح هؤلاء السوريون إلى لبنان وغير لبنان ليس بسبب عدوان إسرائيلي، بل بسبب عدوان وحشي قام به النظام ضد شعبه المُطالِب بالحرية والكرامة، مستخدماً كل ما يملك من طائرات ودبابات ومدفعية وصواريخ وأسلحة كيميائية كان يقول إنها لردع العدو الإسرائيلي، فقتل وجرح وسجن وشرّد الملايين في الداخل والخارج، ودمّر مئات الألوف من المنازل والمنشآت والمدارس والمؤسسات والمشافي. فإذا قارنّا ما فعلته إسرائيل بلبنان عام 2006، وهي عدوّ، بما فعله النظام بشعبه وبلده، وهو المسؤول عن حمايته بموجب الدستور المعطَّل منذ نصف قرن، لتبيّن لنا أن ما دمّره العدو الإسرائيلي في لبنان لا يعادل ما يدمّره النظام في بلده خلال أسبوع.

ثم هل سأل كاتب المقالة نفسه مَن الذي يتأفف من وجود اللاجئين السوريين في لبنان؟ إنهم أنصار النظام السوري. فهم يطالبون بإخراجهم من لبنان وإعادتهم إلى سوريا ليلقوا “جزاءهم” على أيدي الشبّيحة. بل، ولقد بلغت بهم الصفاقة والحقد حداً جعلهم يقترحون أن يُطلب من كل سوري صاحب مهنة ويريد أن يكسب قوته بكدّ يمينه وعرق جبينه أن يُحضر موافقة أمنية من السفارة السورية في بيروت لكي يُسمَح له بممارسة المهنة!

ثمّ، ألم يخجل صاحب المقالة من نفسه ويرى التناقض المخزي عندما يقول: “فهل سيفُتّ ذلك في عضدنا ويجعلنا نقبل بالنداءات المناهضة للعروبة؟ كلا إننا ما زلنا قلب العروبة النابض”. انتبهوا لتتمة جملة صاحب قلب العروبة النابض: “ففيما يقف ضدنا جميع العرب فإن إيران معنا”! حقاً إن النظام السوري قلب العروبة النابض، والدليل على ذلك أن جميع العرب ضده ولم يبق معه سوى إيران!

ما دام الشيء بالشيء يُذكر، فلا بدّ من الإشارة هنا إلى أننا في سوريا، أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، قد استقبلنا مئات الألوف من النازحين اللبنانيين من الجنوب! استقبلناهم في بيوتنا وليس في معسكرات اعتقال! ولكن سماحة السيد كافأ الشعب السوري على استضافته لأنصاره بأن أرسل ألوفاً من مقاتليه الأشداء لينزلوا بنا قتلاً وذبحاً وتدميراً، بحقد لم نشهد له مثيلاً! ولماذا نستغرب؟ لقد صرح بأنه يحارب عملاء إسرائيل في سوريا! إنهم هم أنفسهم الذين استضافوا أنصاره وشكرهم آنذاك على كرم الضيافة! نراه اليوم يقول لو طلبوا مني أن أرسل إلى سوريا ألف مقاتل لأرسلت ألفين! ولو طلبوا أن أرسل خمسة آلاف لأرسلت عشرة آلاف! ولو تطلّب الأمر أن أذهب أنا لذهبت! حقاً إنك يا سماحة السيد تكافئ الشعب السوري مكافأة “سِنِمَّار”!

لقد تحمل الشعب السوري في ثورته هذه ما لا يتحمله أحد عبر التاريخ، فهو اليوم قارب الاحتفال بذكرى مرور ألف يوم على ثورته. إنه يشعر بالمرارة! المرارة التي تُحلّيها الثقة بالنفس!

كتب الأديب الروسي الكبير دوستويفسكي عن أحوال الفلاحين الروس الشديدة البؤس في منتصف القرن التاسع عشر ما يأتي: “إنها واقعية إلى درجة تصل فيها إلى حد الخيال”.

أما عندنا في سوريا فإن ما يجري في هذه الأيام من قتل وذبح وخنق بالغاز الكيميائي وتهجير وتشريد، واقعي إلى درجة تفوق حد الخيال.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى