صفحات سوريةهوشنك أوسي

عودة الأداء الى البوصلة المعهودة: ‘الجزيرة’ والمشهد الانتفاضي السوري

 


هوشنك أوسي

لم يعد هنالك مجال للشك او الجدل حيال دور الإعلام، خاصة منه المرئي، في عملية تنويم الشعوب وإثارة وتغذية الخرافات والأوهام الكبرى لديها، حول ‘المؤامرات الخارجية’ التي تستهدف الأمة، وأن القائد الفلاني، هو حكيم الأمة، ومخلصها، ومُصلِحُها، وبانيها وهاديها، وآخذُها نحو السؤدد والأمجاد! إلى آخر ما كانت تمارسه النظم التوتاليتارية الشرق أوسطية من فنون.

وما من شك أيضاً، وبعد ثورة الشعب التونسي، إن الإعلام المرئي، وتحديداً قناة ‘الجزيرة’ القطرية، والإعلام الافتراضي، الالكتروني (مواقع التواصل الاجتماعي)، كانت رأس الحربة في استنهاض الشعوب وتثويرها والدفع بها نحو تحطيم الأغلال – الأوهام، والسير بها نحو التحرر من الاستبداد والاستعباد الذي كانت تعانيه.

وكررت ‘الجزيرة’، هذه الفعلة النبيلة، وبجدارة، في الثورة المصرية، وتبعتها أيضاً، بتغطية الانتفاضة الليبية واليمنية. والحال هذه، ليس من المبالغة القول: إن ‘الجزيرة’، صارت تستحق لقب: مركز إدارة ثورات الشعوب على انظمتها الاستبدادية في شمال افريقيا والشرق الأوسط.

لكن، من جهة أخرى، ثمة ما كان يعتري أداء ‘الجزيرة’، في ما يخص تغطيتها لأحداث الانتفاضة الشعبية التي تعيشها سورية منذ ما يزيد عن الأسبوعين. ذلك أن ‘الجزيرة’، كانت تتجاهل مجريات هذه الانتفاضة، وتتجنب تغطيها، بالشكل الذي يوازي تغطيتها للانتفاضات في تونس ومصر وليبيا واليمن! وأي متابع عادي، لأدائها، سيخلص لهذه النتيجة. ومنذ عدة أيام، أعلنت ‘الجزيرة’ انحيازها للحقائق التي يحاول النظام السوري وإعلامه التعمية عنها والتغطية عليها. وباتت تظهرها، وتركز عليها، ما خلق رعباً ورهاباً حقيقياً للنظام السوري، فجعله، يسلك ما سلكه النظام المصري السابق، والليبي الحالي، في تعاطيهما مع ‘الجزيرة’ من تهجم واستهجان وطعن في المهنية والحيادية. وإذا بقيت ‘الجزيرة’ محافظة على توجهها الحالي وتطوير تغطيتها للحدث السوري، بعيدا من ‘تهديدات’ النظام السوري، ليس غريباً أن يقترف الأخير، ما اقترفه القذافي مع طاقم ‘الجزيرة’ العامل في ليبيا. واولى إشارات هذا الأمر، كان يوم 16 من الشهر الجاري، أثناء تنظيم الامن السوري مظاهرة مفتعلة أمام مكتب ‘الجزيرة’ بدمشق. وغني عن التعريف، كيفية خروج المظاهرات ‘العفوية’ الموالية لنظام حزب البعث الحاكم في سورية على مدى عقود.

بعض الأخبار أفادت بأن النظام السوري، طالب دولة قطر بشكل رسمي بالاعتذار من سورية، حيال تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي التي ساند فيها انتفاضة الشعب السوري، وانتقد النظام الحاكم. وذكرت أخبار أخرى أن دمشق طالبت الدوحة بالضغط على ‘الجزيرة’، حتى تكون تغطيتها مطابقة أو غير مناقضة، لتغطية التلفزيون السوري. إلا أن قطر رفضت ذلك. حتى أن دبلوماسيين قطريين في أوروبا، أشاروا الى الأزمة الناشبة بين النظام السوري ودولة قطر بخصوص أداء ‘الجزيرة’ وتصريحات القرضاوي، وما اتخذه بعض المراقبين سبباً لتغير أداء ‘الجزيرة’. وسرت شائعات أن السلطات السورية طالبت فيصل القاسم، الاعلامي السوري بالاستقالة من ‘الجزيرة’، والتوقف عن تقديم ‘الاتجاه المعاكس’، احتجاجاً على أداء القناة. في حين يرى آخرون أن ‘الجزيرة’ باتت مُحرَجة جداً، أمام الانتقادات التي توجه الى ادائها في تغطية الانتفاضة السورية، وانحيازها غير المباشر للنظام السوري. ومع تطور تفاعلات المشهد الانتفاضي السوري، وحجم التسريبات للصور والأخبار، التي يقوم بها الناشطون على شبكة الانترنت، باتت ‘الجزيرة’ أمام خيار صعب، لا مناص من اتخاذه، وهو العودة الى بوصلة أدائها، أثناء مواكبتها للثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن… أثناء تغطيتها للحدث الانتفاضي السوري. وأقل ما يمكن قوله في هذا الاداء بأنه، بات يرهب ويرعب أي نظام استبدادي شرق اوسطي، من طينة النظام السوري. فقد بدأت تتشكل قناعة لدى الشعوب والانظمة، مفادها: إذا اتجهت ‘الجزيرة’ نحو أي نظام، فأنها قادرة على أسقاطه!

أياً يكن من أمر، تراجع ‘الجزيرة’ إلى الوراء، سيكون انتكاسة فظيعة وعميقة في سمعة وأداء هذا القناة. ولن يُفسر إلا بأنه رضوخ للضغوط السورية، ولإملاءات الاجندات السياسية. وهذا ما لا يريده الكثيرون لقناة عربية رائدة، أثبتت حضورها، وبقوة، في عملية التغيير التي يشهدها العالم العربي.

 

كاتب وصحافي كردي سوري

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى