بكر صدقيصفحات سورية

عودة النشاط إلى الحراك الدبلوماسي بعد انتخابات الأسد/ بكر صدقي

 

حسن روحاني في أنقرة ومعه سلة من الحوافز الاقتصادية يقدمها إلى جاره التركي، على أمل تسويق الخطة السياسية الإيرانية لحل الأزمة السورية. وهي خطة في طور التشكل، تتضمن أفكاراً قابلة للتعديل وفقاً لردود فعل الأطراف الأخرى وتغيرات موازين القوى السيالة على الأرض السورية. هذا مفهوم، لكن الدلالة الأكبر لهذه الزيارة هي أن طهران اتجهت، لبحث المسألة السورية، إلى أنقرة بدلاً من الرياض، وفي اليوم نفسه الذي اجتمع فيه ممثلو المحور السعودي في القاهرة لتنصيب مرشحهم المفضل عبد الفتاح السيسي على مقعد الرئاسة المصرية.

لكن أنقرة تعني لطهران شيئاً أكثر من مجرد عامل مناكفة للسعوديين والمصريين. إنها عضو حلف الناتو والحليف الأقرب إلى واشنطن في المنطقة بعد إسرائيل، إضافة إلى أنها لعبت دور المتنفس الاقتصادي لإيران الرازحة تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الغربية القاسية، طوال سنوات.

وفي المعلومات أن تعاوناً أمنياً عالي المستوى بين واشنطن وأنقرة، في الساحة السورية، تم إطلاقه للتو، في أمور «تمس الأمن القومي للبلدين» وفقاً لتصريحات السفير الأمريكي في أنقرة ريكارديوني، أطلقها قبل أيام. لعل تعزيز تركيا لحراسة ضريح سليمان شاه بعديد غير مسبوق من القوات، وإدراج الخارجية التركية لجبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية، يشكلان بعض المخرجات الأولية للتعاون الأمني المذكور. أما عن أهداف هذا التعاون وميدان عملياته، فلم يعط السفير الأمريكي أي معلومات، ولا طبعاً أي مسؤول تركي فعل ذلك.

إيران التي تحاور شريكها الأمريكي، في جنيف، حول ملفها النووي والمسألة السورية ونفوذها الاقليمي عموماً، ستكون بحاجة ماسة لمعرفة «النقلة التالية» لدى إدارة أوباما في سوريا بالشراكة مع تركيا، بعد خطاب الرئيس الأمريكي في قاعدة وست بوينت الذي وشى بتعديلات طفيفة في السياسة الأمريكية في سوريا، وبعد تصريحات سوزان رايس حول تزويد المعارضة المعتدلة بأسلحة فتاكة. لا أحد يبدو مهتماً اليوم بمصير بشار الأسد المنتشي بانتصاراته الوهمية على الأرض وفي صناديق المبايعة بالدم، بقدر الاهتمام بتمدد منظمة داعش من حلب إلى الموصل، وبالمجاهدين الأجانب في الحرب السورية الذين تثير عودتهم إلى بلدانهم في أوروبا وأمريكا أشد المخاوف، بوصفهم الخطر الأكبر الذي يهدد الأمن القومي والاستقرار الداخلي لهذه الدول. لا يمكن التكهن بالكثير مما يتم طبخه اليوم تحت الطاولة. لكن التحركات الدبلوماسية النشطة تشي بأن جميع القوى المنخرطة، بصورة أو بأخرى، في الصراع الدائر في سوريا ومن حولها وعليها، تلعب لعبة شطرنج دموية لتحقيق مكاسب على أطلال سوريا.

ولكن ليست جميع تلك القوى في وضع ذاتي مريح كما يوحي تشبيه لعبة الشطرنج. فرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي من المرجح أن يرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية التركية، مطلع شهر آب/اغسطس القادم، غارق في مشكلاته الداخلية حتى أذنيه، وقسم منها يتعلق بتداعيات الأزمة السورية والصراع الاقليمي – الدولي حولها. فكل يوم يحمل جديداً، في المشهد السياسي التركي، يشكل ذريعةً لمعارضيه الكثر للنزول إلى الشارع والتعبير عن رفضهم لحكمه المديد على رغم استمراره في السلطة بأصوات الناخبين. في الوقت الذي يواصل فيه حربه الاستئصالية ضد جماعة الداعية الإسلامي المعتدل فتح الله غولن، عادت الجموع إلى ساحات المدن في ذكرى ثورة منتزه غزي، وتستمر الاحتجاجات في حي «أوك ميداني» في اسطنبول ذي الغالبية السكانية العلوية على خلفية مقتل شابين علويين أمام أحد دور عبادتهم. وفي الشرق نصب مسلحو حزب العمال الكردستاني الملثمين حواجز تفتيش على بعض الطرق العامة قرب بلدة ليجة (ولاية ديار بكر) على خلفية مقتل شابين كرديين في المظاهرات الاحتجاجية المشتعلة رفضاً لإنشاء مخافر جديدة للدرك في المنطقة، بما يخالف التوافقات المحققة بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني على الحل السلمي.

إيران المختنقة بسبب العقوبات الاقتصادية القاسية والنزيف المالي المستمر بسبب دعمها لنظام بشار المتهالك في سوريا، تعيش صراعاتها الداخلية، بصمت، بين تيار يمثله الرئيس روحاني يعمل بكامل طاقته لرأب الصدع مع الولايات المتحدة والحصول على قبولها بدور إقليمي يعادل وزنها الاقتصادي والعسكري والمعنوي، وتيار الحرس الثوري المزاود، في حين يحاول ولي الفقيه أن يقف في الوسط ويستخدم كلاً من انفتاح روحاني وتشدد الحرسيين لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح القومية لإيران، في الصراع الساخن والمفاوضات الموازية له مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. يدرك الإيرانيون الوضع الصعب لرئيس الوزراء التركي على أعتاب أول انتخابات رئاسية ينتخب فيها الرئيس مباشرة من الشعب. هذا ما جعلهم يفضلون الحوار معه على الانخراط في الحوار مع السعودية التي بادرت إلى دعوتهم إليه. هذا يعني أن «الحوار الساخن» على الأرض هو الذي سيسود بين ضفتي الخليج في ملفات سوريا ولبنان والعراق واليمن، مقابل حوار حقيقي هادئ بين طهران من جهة، وأنقرة وواشنطن وبقية دول «خمسة زائد واحد»، من جهة ثانية.

الإدارة الأمريكية هي الأخرى ليست في وضع مريح. حملة منظمة ضد سياسة أوباما في سوريا، انطلقت من أركان سابقين في الإدارة ذاتها، السفير روبرت فورد ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، تضاف إلى معارضة الجمهوريين التقليدية، في وقت كثر فيه الحديث عن تدريب المعارضة المعتدلة وتزويدها بأسلحة فتاكة بهدف تعديل ميزان القوى على الأرض لإرغام نظام بشار على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

يشكو السوريون من قلة اهتمام العالم بمأساتهم، وينادون الضمير العالمي لحمايتهم من عصابة الإجرام الحاكمة في دمشق. واقع الحال أن العالم كله منشغل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالمشكلة السورية وتداعياتها، ولكن ليس أبداً بدوافع أخلاقية.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى