صفحات المستقبل

عودة سلطة الخوف منذ إعلان “مباراة الموت”/ ضحـى حسـن

 

 

“ما بعرف شو أعمل، عم نعيش خوف مختلف، بالمدينة المحتلّة، ما بعرف إذا إسمو خوف، وما بعرف إذا بنزل إنتخب، يعني صعبة والله، صعبة أبصم للي عذّبني 6 شهور بفرع المخابرات، أو لازم خوض “مباراة الموت”، قال الصديق.

أ ف ب، دمشق – أدلى الناخبون في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، الثلاثاء، بأصواتهم في انتخابات رئاسية محسومة سلفاً لصالح الرئيس بشار الأسد، فيما العمليات العسكرية على وتيرتها التصعيدية.

سانا، النظام – مشهد الحشود المتدفقة إلى مراكز الاقتراع على امتداد الجغرافيا السورية منذ ساعات الصباح الباكر أربك حسابات أعداء الشعب السوري، وخلط أوراقهم وحطّم أحلامهم، ورسم ملامح الطريق إلى سورية المستقبل التي صوّت من أجلها السوريون كي تكون عامرة بالأمن والأمان والاستقرار وخالية من الإرهاب والإرهابيين والمرتزقة وفكرهم الدخيل الغريب.

عرس الدم

مصياف، حماة ـ يخرج من منزله، مرتدياً قبعة، نظارات شمسية، يد في جيبه والأخرى يشقلب سيجارة نصف محترقة بين أصابعه، يضعها في فمه، يشعلها، يلقي بها، يهشمها بقدمه… صورٌ متراصّة، عشوائية، معلّقة على طول الشارع. يقف جانباً في انتظار سيارة أجرة لتقله. يمر طفل صغير مرتدياً الوجه ذاته الموجود في الصور، يشدّ على فكيه بقوة، يلمح أستاذه من بعيد مرتدياً الكنزة ذاتها، الصورة نفسها، والذي تجاهله وابتعد مسرعاً. يوقف سيارة الأجرة، أدخل نصف جسده، نظر إلى السائق وقفز إلى الخارج… السائق يرتدي وجه قاتل أبيه.

“إثنان ممن يعرفونني أشاحوا بوجوههم خجلاً، وقلة أخرى كانوا يرمون دعابة علي، يقاطعها صوت الرصاص، أما صديقي، فقد أزاح يده بهدوء من جانبه ووضعها في جيبه بعد أن لمحت أصبعه، أومأ برأسه من بعيد ومضى..”، قال يوسف.

دمشق – “رحت على الشغل، كان في مركز للانتخابات ومشرفين، وطبعاً في مخبرين”، تقول الفتاة العشرينية، وتكمل “بلّشوا يدوروا على المكاتب ويطلبوا منا ننزل على الطابق إلّي تحت لننتخب، وقفت ومشيت، بعدين فتت على الحمام وسكّرت الباب، بقيت شوي، خلص الدوام وطلعت، لحدّ هلق ما حدا انتبه”. وتضيف “مابعرف إذا هاد إلّي عم أعملوا غباء او شو، بس مو زابطة إني إنتخب هاد المجرم شو ما كان التمن”.

مباراة الموت

يدخل إلى الملعب، يمسح حذاءه المهترئ بجرابه الطويل المتسخ، ينظر إلى الجمهور، الجمهور نصفه مدني، نصفه عسكري. يركض إلى منتصف الملعب، وكذلك يفعل باقي الفريق، اللاعب الأخير يتأخر قليلاً، يمسح حذاءه بجرابه، ينفض الغبار الأبيض عن كفيه ووجهه وملابسه، يشد كتفيه ويلتحق بباقي الفريق.

“أُلقي القبض عليهم في الثامن عشر من أغسطس من نفس العام، وبحسب والدي فإن سيارة تابعة للجيش الألماني اقتربت من المصنع واقتادت أعضاء الفريق إلى مقر الشرطة السرية الألمانية (الجيستابو) حيث أمضى والدي ثلاثة وعشرين يوماً هناك”. أحد أبناء لاعبي الفريق الأوكراني.

1942 كانت أوكرانيا محتلة من الدولة الألمانية النازية آنذاك، المباريات كانت إحدى المواجهات بين البلدين، المنتخب الأوكراني والذي يعمل أعضاؤه كخبازين وعمال رفضوا الخضوع لطلب ضابط الجيش النازي الذي هددهم بعد انتهاء الشوط الأول لصالح الأوكرانيين “لا تتوقعوا أن تفوزوا في اللقاء وعليكم التفكير في العواقب إن انتصرتم”، وعلى الرغم من ذلك لعب المنتخب الأوكراني حتى النهاية، وفاز على الألمان، لكنهم لم يكونوا يعلمون بحسب ما نُشر من وثائق عن المباراة أن هذه المباراة ستسمى لاحقاً بـ “مباراة الموت”.

الرضوخ أو الموت أو الاعتقال

دمشق – يكشف عن كفّه، 20 حبة دواء. صوت قطار سريع يقتحم رأسه كل 5 ثوانٍ. يغرس رأسه بين ركبتيه، يرفعه مجدداً. كرر الحركة ذاتها 30 مرة خلال الساعة الأخيرة. يقف، يخفي الدواء في جيبه، يشد كتفيه، ويركض حتى يرتطم بالحائط، يقع. يتراجع خطوة خطوتين ثلاثاً، يشد كتفيه، يوجّه رأسه على شكل “حربة” باتجاه الحائط، ويركض، يترطم، يقع. يفتح عينيه، مازال يبصر، يداعب الدواء في جيبه، ويعدُّ “واحد اثنين ثلاثة.. “، يفتح والده الباب: “رح تقوم ننتخب بشار الأسد، ماعنا حل تاني، بدك يعتقلوك كمان مرة ويبهدلونا كلنا، رح إستناك برّا”. يُخرج كل ما في جيبه ويقحمهم في فمه مع أصابعه الخمس. يحمل قنينة الماء، فارغة تماماً.. يبصق الدواء، يرتدي ملابسه ويخرج.

لبنان – آلاف المدنيين يسيرون باتجاه السفارة السورية في بيروت. هذا هو المشهد من بعيد. بعض من النازحين الهاربين والعمال المتواجدين في لبنان قبل 2011 يحملون صوراً لبشار الأسد، وأعلام النظام. المشهد هو كذلك تماماً من بعيد.. بعيد جداً.

دمشق – مراكز الانتخابات وُزِّعت في الدوائر الحكومية والمؤسسات، “وصلت على المكتب، فتت لقيت في مركز للانتخابات، صندوق ومشرفين”، تقول إحدى المواطنات السوريات، وتكمل “قائمة الأسماء جاهزة، البطاقة إلّي المفروض نشوفها لنختار مسكرة ومحطوطة بظرف، قالولي غطّسي إصبعك بالحبر وفوتي على المكتب، من مبارح وأنا عم حاول إمسح الحبر عن أصبعي بكل الطرق بس لسه ما راح”. وتضيف “حتى في زميل فلسطيني معي بالشغل، خلّوه يحط أصبعو بالحبر، مع إنو ما بحق للفلسطيني ينتخب”.

مباراة الرضوخ

عام 1978 أمر الحاكم الأعلى لحكومة ثورة البيرو خوان فيلاسكو ألفارادو أعضاء منتخب البيرو بخسارة المباراة التي سيلعبونها مع الأرجنتين بـ 4 نقاط كي تتأهل للدوري الثاني، وذلك بعد رشوة قدّمتها الأرجنتين له. رفض الفريق ذلك وقرروا الانسحاب من المباراة، فما كان من الحاكم إلا أن هددهم بمعاقبتهم بتهمة الخيانة وما سيترتب عليها. دخل الفريق إلى المباراة، وفازت الأرجنتين بـ 6-0.

عن الخوف

في العودة إلى بعض الشهادات التي حصلت عليها زميلتي في العمل نادين العلي في الجنوب اللبناني ومايا جبيلي أثناء تغطيتهما للانتخابات بالقرب من السفارة السورية في بيروت وما تم نشره في NOW، وبعض ما استطعت الحصول عليه.

قبل أسبوعين تقريباً من بدء الانتخابات التي يقيمها النظام السوري، بدأت لجان تابعة للنظام وآخرون من حزب الله والحزب السوري القومي في مناطق محددة في لبنان، منها حاروف وبنت جبيل في الجنوب، بتهديد وترهيب السوريين هناك من نازحين وعمال بترحيلهم وإيقافهم عن العمل وسجنهم بحال لم يسلّموا هوياتهم ليتمّ تسجيلها في الانتخابات، كما هددوهم بحال عدم نزولهم إلى السفارة السورية في لبنان وانتخاب بشار الأسد.

كما قال نازحون سوريون في عرسال التقاهم NOW، أكثرهم من قرى منطقة القلمون السورية، أنّ الإغراءات التي قُدّمت لهم كثيرة، منها تسوية أوضاعهم وإعطاؤهم هويات وجوازات سفر جديدة، وتقديم مساعدات مادية وعينية، وتسهيل عودتهم إلى بيوتهم في سوريا، بحسب “زياد” النازح من بلدة يبرود. في حين قال “أبو محمد” من قارة إن إحدى الجهات وعدتهم بأن المكافآت والمساعدات “ستكون أكبر في حال قبلوا بالعودة والإدلاء بأصواتهم داخل الأراضي السورية”.

بحسب البسيكولوجي الفرنسي بيير مانوني “إن الخوف يحمي أو يقي المرء من حديث يدفعه نحو ملجأ من الخوف نفسه”، أي ممارسة سلطة الخوف من أجل مقاومة الخوف من السلطة. في حالة الانتخابات في سوريا، الاقتراع في سوريا هو حرية الخوف في وجه الخوف من الأسد.

في البحث عن مباراة الموت والصديق في بداية النص

خمسة وأربعون ألف متفرج حضروا مباراة جمعت سنة ألف وتسعمائة واثنين وأربعين، بين فريق محلي هاوٍ من مدينة كييف وفريق نازي تابع للجيش الألماني غداة احتلال ألمانيا لأوكرانيا. مباراة قُتل على إثرها معظم أعضاء النادي الأوكراني.

تقول الرواية “تلقى الفتية استدعاءات من الشرطة السرية الألمانية الواحد تلو الاخر حتى اكتمل عددهم، وأُرسلوا الى أحد المعتقلات الالمانية. تم تعذيبهم. توفي بعضهم تحت التعذيب وأُعدم آخرون رمياً بالرصاص، ومنهم من استطاع الهرب بعد اكثر من 6 أشهر”.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى