صفحات الرأيطيب تيزيني

عودة للشرق الأوسط الجديد!


طيب تيزيني

نحن نعرف ما راح يحدث في العالم العربي منذ سبعة أشهر، ونعرف أيضاً، كيف كانت سحب القنوط والتشاؤم تهيمن في هذا العالم على نحو كاد أن يسدّ الآفاق أمام أي تغيير. فلقد بدا الأمر كأن خراباً وحُطاماً حلاّ في الوطن منذ “سايكس-بيكو”، ومن ثم منذ تقسيم فلسطين، أو منذ حرب العدوان الثلاثي على مصر، أو منذ حرب أكتوبر “التحريرية”، أو منذ سقوط بغداد على يد التحالف الدولي، وغيره. والحق، إن شيئاً من هذا القبيل قد حدث وتابع حدوثه حتى مرحلتنا المعيشة، التي أخذت الانتفاضات الشبابية العربية تخترقها منذ نصف عام ونيف. ونحن نعلم أن الوضع قبل هذه الأخيرة ظهر كأنه مقدمة لموت سريري للنظام العربي. فما وضعنا يدنا عليه تحت مصطلح “قانون الاستبداد الرباعي: استئثار بالسلطة وبالثروة وبالإعلام وبالمرجعية الوطنية العامة”، تحول إلى ظاهرة عامة في ذلك النظام، عموماً وإجمالاً. ولحق بذلك الاضطرابُ الهائل، الذي راح يعم الحياة السياسية والثقافية والقيمية…إلخ، ليُنتج حالة حاسمة وعامة موحِّدة في جلّ الحقول المهيمنة في العالم العربي قادت إلى الفساد والإفساد. وهذا ما فتح أبواب التفكك والتصدع.

وعلى طريقة التراكم التاريخي، راح ذلك كله يُحدث تخمُّراً مفتوحاً في ثلاثية الوعي والإرادة والفعل لدى فئة تعيش في قلب الحدث، هي الشباب المحروم من العمل والكرامة والحرية. فلقد جسّد هؤلاء -في الآن نفسه- محور تلاقٍ في منحدراتهم الطبقية، من الطبقة الوسطى المهمّشة والقاع المُفقر والمُذلّ والمقْصي خصوصاً من طرف أول، وامتلكوا -بحكم تكوّنهم العلمي والثقافي العام- وعياً نقدياً عاماً عمل على إنتاج رؤية وطنية ومهنية وفئوية عامة، أسهمت في إدراجهم في نسيج المجتمع العمومي، بما يشتمل عليه من مشكلات مشتعلة ومعلّقة، ليس من الموقع الميداني المهني فحسب، بل كذلك من الهم الوطني السياسي والاقتصادي العام.

جاء ذلك بصيغة انفجار شبابي، ليُفصح شيئاً فشيئاً عن هوية وطنية تتمثل في شعارات الحرية والعدالة والكرامة. لذلك وفي ضوء هذا، من السذاجة المعرفية البحثية ومن الاستهانة بالدلالات التاريخية لذلك الانفجار أن يُحسب على “مؤامرة خارجية وصهيونية بامتياز”، بحيث نرى فيه ثأراً لمشروع “الشرق الأوسط الجديد أو الأكثر جدة”، الذي طُرح عربياً قبل عقد ونصف العقد تقريباً، وكان ذلك قد روفق بترجمة كتاب “بيريس” إلى العربية وهو “الشرق الأوسط الجديد” ومع متابعة الأحداث، لاحظنا أن سياسيين وكتّاباً أطلقوا على انتفاضات الشباب العربي “مؤامرة خارجية أميركية”، ولقد لفت النظر أن “نصر الله” هو أحد أولئك، الذين عرّفوا تلك الانتفاضات بهذا المصطلح، فوقعوا في خطأ معرفي تاريخي وآخر سياسي. فهو وهم لا يعرفون تاريخ سوريا أولاً، ولم يتمكنوا من البحث والتحليل السوسيولوجيين السياسيين فيما يحدث فيها (وكذلك فيما حدث ويحدث في مصر وتونس وليبيا واليمن) ثانياً.

ما يحدث في سوريا وما حدث ويحدث في البلدان العربية المعنية، إنما هو، الآن، الشرط الحاسم -ضمن شروط أخرى- في نهوض شعوب الوطن العربي، وفي تفكيك نُظم الفساد والإفساد والاستبداد.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى