صفحات العالم

عين عربية على سوريا


عبد الاله بلقزيز

ثبتَ من تقرير بعثة المراقبين العرب إلى سوريا الذي نوقش في جامعة الدول العربية، نهاية الأسبوع الأول من يناير ،2012 عظيمُ الفائدة من وجود هؤلاء المراقبين في عين المكان الذي تدور فيه الأحداث، في بعض مدن سوريا وأريافها . فالوجود هذا يوفّر للنظام الرسمي العربي، كما للرأي العام العربي، مصدر معلومات وثيقاً، يحرّر الجميع من معلومات المحطات الفضائية، الممتهنة للتحريض، ومن المعلومات السورية الرسمية واحديّة الرواية، ومن معلومات المعارضة السورية المنشورة لغرض إدانة النظام حصراً، ويضع تحت التصرف إفادات أقرب إلى التوازن والتكامل والحياد . وليس الدورُ هذا بقليل الشأن في سياق جدل يدور على حقيقة ما يجري، وندرة ما لدينا من معلومات عنه، ما خلا “المعلومات” المفبركة، بالخبر والصورة، من هذا الفريق وذاك، في الداخل السوري، وفي الخارج العربي والإقليمي والعالمي .

قلنا إن الحاجة إلى عمل بعثة المراقبين العرب تبينت من مناقشة تقريرها في الجامعة العربية، ومن مباركة دورها ومنحه فرصةً زمنية أطولَ . وكان قد سبق إعدادها تقريرَها ومناقشته، حملةٌ إعلامية شديدة من بعض وسائط الإعلام، ضدّ البعثة وعملها، وتحريضاً على وجودها وعلى خيار إرسالها . وهي حملة اقترنت بهجوم بعض المعارضة السورية في الخارج عليها، وعلى خيار الإدارة العربية لملف الأزمة السورية، وبدعوةٍ متكررة إلى نقل الملف السوري إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بدعوى أن المبادرة العربية تمنح النظام السوري الكثير من الوقت وبعض الشرعية . ولم يكن عسيراً على أيّ صاحب فطنة أن يفوته أن أوركسترا الحملة الإعلامية – السياسية على بعثة المراقبين العرب، وعلى الجامعة العربية، تقاد بمايسترو واحد نحو هدفٍ صريح: دفن الحلّ العربي للأزمة السورية في المهد، والتسويغ للحل الدولي والتدخل الخارجي باسم حماية المدنيين، الذي نشأت المبادرة العربية – أصلاً – من أجل تفاديه وتحاشي كوارثه على سوريا الدولة والوطن والشعب .

وما إن بورك عمل البعثة عربيّاً، وتبيّن للرأي العام أن إفاداتها، في تقريرها الرسمي، تقدّم رواية شديدة الاختلاف للتهويل الإعلاميّ السائد عما يجري في البلد، وكبيرة التوازن في وصف واقع الحال، حتى اشتدّت الحملة السياسية والإعلامية على بعثة المراقبين، أكثر من ذي قبل، وجَنَح من جَنَح للمطالبة بسحبها وسحب الملف معها من الجامعة العربية . وسبب الحملة واضح، إذ إن الذين ينظمونها، ويخوضون فيها، كانوا ينتظرون من المراقبين العرب أن يقدموا الرواية التي يرغبون هم فيها: كانوا ينتظرون من التقرير أن يقول إن مدن سوريا تعجّ بملايين المتظاهرين المنادين بتغيير النظام، وإن أجهزة الأمن والجيش تطلق الرصاص الحي على المدنيين، وتقتل العشرات منهم كل يوم، وإنه لا وجود لجماعات مسلحة تقتل الجنود ورجال الأمن والمواطنين، وتعتدي على الأمن الاجتماعي والممتلكات العامة، وإنما هي اختراع من دعاية السلطة، وإن الأخيرة لم تسحب الجيش والسلاح من المدن، ولم تطلق سراح المعتقلين، ولم تتعاون مع بعثة المراقبين، ولم تسمح لهم بحرية التنقل واللقاء بمن يشاؤون . . إلخ . وعليه، إذا لم تَقُلْ ذلك بعثة المراقبين، فعليها اللعنة إلى يوم الدين .

ما أغنانا عن القول إن هذه الحملة غير أخلاقية، وهي تطعن في شرف مراقبين: أمنيين، وسياسيين، وحقوقيين، وإعلاميين . . إلخ، لهم اعتبارهم وكرامتهم ومكانتهم في بلدانهم ولدى شعوبهم، أجابوا نداء الواجب العربي والوطني والديمقراطي، فغامروا بالذهاب إلى بلد صوّرته لهم الفضائيات ساحة موت يومي . إنهم شهود يقدّمون شهادتهم بضمير حي، وبكل أمانة . من يريدهم شهود زور يفبركون له الروايات التي شاء يحتقرهم، ويحتقر شعوبهم ودولهم، ويريد منهم أي يقوموا بدور غير مهني ولا أخلاقي . أما من يدعو إلى إيقاف هذه الآلية، وسحب المراقبين العرب من سوريا، فهو يدعو-عملياً- إلى طمس الحقيقة، وإلى حرمان الرأي العام العربي والعالمي من مصدر معلومات موثوق، قصد تمكين الرواية الواحدة، المنحازة، والكاذبة، والمحرّضة، من أن يخلُوَ لها المجال فتفشو وتهيمن وتشكّل الرأي والقرار .

بقي أن تستفيد سوريا من نزاهة بعثة المراقبين، وعملها المهني الذي كانت تخشى من ألا يكون كذلك، أو أن يكون محض غطاء لعمل سياسي كيدي . .، فتوفّر لها أقصى شروط العمل الحُرّ والمُيسر، وألا تضع أمام مهمتها أية عراقيل تستغل ضدها . وعليها، في المقام الأول، أن توفّر لها الحماية الأمنية التي التزمت بها في البروتوكول الموقّع، خاصة بعد إصابة اثنين من المراقبين أثناء تأدية عملهم . ثم إن عليها أن تأخذ، بجدّ، الملاحظات التي وردت على لسان الأمين العام لجامعة الدول العربية، ووزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، فتطور علاقتها بالبعثة، وتوفر لها أفضل الظروف للعمل من دون قيود معلنة وغير معلنة، وأن تدرك؛ بأنها لم تعد حاجة عربية فسحب، بل سورية أيضاً

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى