صفحات المستقبلعمر العبد الله

غسان هيتو ضحية الاخوة الاعداء

علي العبد الله

  لم تكن الحملة التي شُنت على غسان هيتو، من لحظة اعلان تكليفه بتشكيل حكومة مؤقتة، نزيهة أو مخلصة، والذريعة التي اعتمد عليها “ابطال” الحملة “انه غير معروف في سوريا” ليست اكثر من حجة للهجوم عليه وعلى تكليفه، وكلمة حق اريد بها باطل، وقول البعض “انه هبط بالبرشوت” والتلميح الى علاقته بالإخوان المسلمين هو الاخر قول لإثارة الشكوك وحصر الرجل في الزاوية.

قد يكون الاستاذ غسان هيتو غير معروف في سوريا لأنه ليس مقيما فيها منذ عقود، ولكن هل هذا سبب كاف لرفض تكليفه بالمهمة، وهل لذلك تأثير على نجاحه في مهمة لا تحتاج الى ان يكون شخصا معروفا، لم تكن المهمة منافسة في انتخابات، انها عملية ادارية في ظرف استثنائي والعبرة بالقدرة على القيام بها من الناحية الفنية، وهذا يستدعي البحث في قدراته، وقد كان ثمة اجماع على انه يمتلك خبرات ادارية تؤهله للقيام بالمهمة، ثم مَن من الذين حملوا على تكليفه معروف على مستوى سوريا، معظم شخصيات المعارضة غير معروفة خارج دائرة الناشطين والمهتمين، والقسم الاعظم من متصدري المعارضة في “المجلس الوطني” و”الائتلاف” غير معروف في سوريا لأنه يعيش خارجها منذ عقود، وان الذين عُرفوا، عُرفوا بسبب ظهورهم على الفضائيات.

اين الحقيقة اذن؟.

لقد كان لواقعة اختيار هيتو ابعاد ومستويات فمن ناحية صراع على التوجه السياسي للائتلاف بين الداعين للحوار مع النظام (أعلنوا عن انفسهم عبر مشاركتهم في مؤتمر مدريد) والذهاب الى حل وسط معه على خلفية عجز الطرفين عن الحسم العسكري وضرورة وقف اراقة الدماء والدمار، ما يعني التنازل عن الثورة وأهدافها والتفريط بتضحيات السوريين طوال الفترة الماضية، والرافضين لهذا التوجه( ممثلو المجلس الوطني في الائتلاف) المتمسكين بإسقاط النظام ورفض الحوار، مع استعداد للتفاوض على نقل السلطة، عبر هذا الصراع عن نفسه في موقفين: موقف مع تشكيل هيئة تنفيذية( الفريق الاول باعتبار تشكيل الحكومة المؤقتة في نظره تقطع مع النظام وتضرب فكرة الحل الوسط) وموقف مع تشكيل حكومة مؤقتة لقطع الطريق على دعوة الحوار مع النظام. ترافق هذا الصراع مع صراع آخر، صراع على النفوذ والأدوار في الملف السوري بين دول عربية وإقليمية. والطريف والصادم في آن ان الدول العربية والإقليمية المتصارعة مع بعضها على النفوذ والأدوار تتفق على رفض فكرة الحوار وتتبنى فكرة اسقاط النظام لاعتبارات تتعلق بمصالحها وأمنها الوطني وبصراعها مع ايران وقراءتها لمآلات الصراع السوري وانعكاسه على صراعها مع إيران، ومع ان السياسة العملية تفرض اتفاقها على ادارة متفق عليها للملف السوري وتنسيق عملها مع المعارضة السورية إلا ان الافق الضيق دفعها الى التنافس على الامساك بكل خيوط اللعبة، وتبنت خيار كل شيء او لا شيء، والعمل على كسب ولاء اطراف المعارضة ما ادى الى حالة استقطاب حادة داخل الائتلاف على خلفية هذا الصراع والولاءات التي نجمت عنه. وكان مستوى الواقعة الثالث مجتمعا دوليا مختلفا على قضايا وملفات كثيرة بين أطرافه تواطأ على استمرار المقتلة في سوريا واعتبر صراع الاجنحة داخل الائتلاف، ومعركة كسر العظم بين دول عربية وإقليمية متنافسة على الامساك بالملف السوري، فرصة تبرر تمديد عمر المقتلة واستخدامها في معركة عض اصابع مع الخصوم من جهة ومن جهة ثانية التخلص من الحرج الاخلاقي بسبب السكوت عن المذبحة التي يديرها النظام وحلفاؤه ضد الشعب السوري، وتصرف على قاعدة “لن نكون ملكيين اكثر من الملك”.

في هذا المناخ جرت عملية اقرار خيار تشكيل حكومة مؤقتة، واختيار مكلف بتشكيلها، والطريف هنا ايضا ان الاطراف العربية والإقليمية المتصارعة على الامساك بالملف السوري وقفت مع خيار تشكيل حكومة مؤقتة واصطرعت على شخص المكلف ودخلت في مواجهة حادة فيها كل اشكال المناورات والضغوط والضرب تحت الحزام واستغلال الفرص والخداع، فاز فيها الأكثر دينامية، وتم اختيار السيد غسان هيتو للمهمة.

تم الاختيار في ساعة متأخرة من الليل ولكن ما كاد النبأ يعلن حتى بدأت الحملة المضادة في ضوء اعتباره انتصارا قطريا على السعودية: هجوم على عملية الانتخاب والتشكيك بالطريقة والتوقيت والاسلوب، وعلى الشخص، وبدأت الانسحابات وتجميد العضوية والتشهير بشخص السيد هيتو، تصدرت الحملة شخصيات ليست مؤهلة لتقييم الآخرين لاعتبارات تتعلق بتاريخ بعضها وأداء بعضها، وشيطنته وتصوير عملية  تكليفه على انها مؤامرة كبيرة على الثورة.

الآن وقد انسحب، الادق انه اجبر على الاعتذار في اطار رد اعتبار للسعودية، السيد هيتو فان اللحظة تستدعي سؤال “ابطال المعركة” عن مدى إحساسهم بالمسؤولية وهم يخوضون “معركة” إسقاطه ومدى الاخلاص والنزاهة والقيود الاخلاقية التي التزموا بها في “معركتهم”، ومدى اتساق المواقف والأدوار التي صدرت عنهم مع مستدعيات اللحظة السياسية التي تمر بها الثورة السورية والأخطار التي تواجهها والأثمان التي يدفعها المواطنون السوريون؟.

أسئلة كاشفة والمؤسف، بل والمشين، ان التدقيق في تفاصيل الصورة، ليس الوقت مناسبا لروايتها، والمواقف والأدوار والاعتبارات لن تكون في صالح نخبة تصدرت المشهد السياسي المعارض وتصرفت وكأنها في سوق او حلبة لصراع ديكة.

لقد خسرت الحكومة العتيدة رجلا خبيرا، وفتحت اطراف المعارضة ابوابا على المجهول، نأمل ان تنجح في اغلاقها والاتفاق على بديل دون العودة الى معارك و”نضالات” عاصفة، وهذا يستدعي من كل الاطراف ان تواجه  ذواتها وتطرح الاسئلة المناسبة وتجيب دون مواربة علها تستدرك بعض أخطائها وتعود الى جادة الصواب قبل ان تضيع الفرصة وتقع في الندم في ساعة لا ينفع فيها الندم.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى