صفحات العالم

غول والموقف من سوريا/ محمد نور الدين

أثارت مواقف الرئيس التركي عبد الله غول حول ما سمي بـ«إعادة تغيير في النظرة التركية إلى سوريا» لغطاً حول حقيقة هذا الموقف.

ولا بد من الإشارة أولا إلى أن غول يتميز دائماً في أسلوبه بمواقفه المعتدلة والمعقولة من معظم القضايا، لكنه لم يكن في المضمون مختلفاً في الموقف من التطورات في سوريا عن موقف رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان الذي كرر منذ أيام، وأثناء زيارته لليابان، الكلام عن انه لا يمكن القبول باستمرار الرئيس بشار الأسد في السلطة في سوريا.

ثانياً إن الكلام الذي ورد على لسان غول كما أوردته وكالات الأنباء لم يكن دقيقاً، ويجب أخذه في سياق خطبته كاملة.

فقد دعا غول، في كلمة أمام اجتماع للسفراء الأتراك في الخارج عقد في أنقرة، السفراء إلى «إعادة تقييم التهديدات التي تمس الأمن القومي التركي والسياسة الخارجية التركية، في ضوء تعاظم نمو التيارات الراديكالية من جهة والمنظمة الإرهابية (المصطلح الذي يطلق على حزب العمال الكردستاني) من جهة أخرى».

إذا كان الكلام على «حزب العمال الكردستاني» كتهديد للأمن التركي مفهوماً من جانب أنقرة، فإن الكلام على تهديدات التيارات الراديكالية يبقى غامضاً، ويحتاج إلى مزيد من التوضيح وإزالة اللغط. ذلك أن التفسير المباشر يذهب إلى أن المقصود بالتيارات الراديكالية «جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). ولكن من المعروف أن حكومة «حزب العدالة والتنمية» كانت الداعم الأساسي لـ«داعش» في معاركه ضد قوات «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في سوريا، وتوفر له تركيا كل التسهيلات، ولا تنظر إليه على انه منظمة إرهابية. علماً أن المقاربة التركية الرسمية تجاه المنظمات المتطرفة في سوريا والمنطقة لا تزال خجولة جداً، فحتى الآن يمتنع الأتراك عن وصف هذه المنظمات بالإرهابية، ويكتفون باستخدام مصطلح الراديكالية. كما أن وزير الخارجية التركية احمد داود اوغلو لا يرى في «جبهة النصرة» تهديداً، بل يرى أن وجودها هو نتاج لممارسات النظام السوري وليست سبباً.

وما دامت الأزمة في سوريا لم تحسم بعد، سواء عسكرياً أو سياسياً، فإن تركيا لن تتخلى عن دعم هذه المنظمات، ما دامت تحارب عدوين مركزيين لأنقرة، هما الأكراد والنظام السوري.

إن من آخر الدلائل على استمرار هذا الدعم هو توالي ضبط الشاحنات والحافلات المحملة بالأسلحة في تركيا والمتوجهة إلى سوريا. وليس الأمر صدفة أن من فوائد الصراع الداخلي في تركيا بين الحكومة وجماعة فتح الله غولين هو «نشر الغسيل» الداخلي، وقيام الجماعات المؤيدة لغولين في الشرطة التركية بعمليات الضبط هذه، ليس لوقف دعم الإرهاب في سوريا بل لإظهار اردوغان على انه داعم للإرهاب في سوريا، وهو ما يلقى قبولا في الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة التي تتهم اردوغان فعلا بذلك، وهو من احد اكبر الموضوعات الخلافية مع بين واشنطن وأنقرة.

وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أمام السفراء، «نقول للمندهشين من اهتمامنا بسوريا ومصر وبورما، إننا لا نستطيع الجلوس متفرجين، في الوقت الذي يلتهم فيه الحريق جيراننا، الذين كنا معهم قبل 100 عام، أبناء بلد واحد، قُسم بأقلام ومساطر، وإن وقوفنا إلى جانب أشقائنا يدخل في إطار مسؤوليتنا التاريخية تجاههم».

وأضاف إن «بعض القوى الداخلية والخارجية، تعتقد أنها قادرة على الانتقام من تركيا، بسبب مواقفها الإنسانية من أسطول الحرية، وفلسطين، ومصر، وسوريا»، معتبراً أن «تلك القوى لن تستطيع إلصاق تهمة دعم الإرهاب بالدولة والحكومة التركية، وعلى الساعين من أجل تحقيق ذلك أن يعلموا أن جهودهم ستذهب في مهب الريح، كما أنه لا بد أن يحاسبوا يوماً جراء الخيانة التي اقترفوها».

إن تغيير أنقرة لسياساتها تجاه سوريا يتطلب اتخاذ إجراءات عملية لوقف دعم الإرهاب، كما إلى التوازن في النظرة إلى مختلف أطراف الصراع، والخروج من أن تكون تركيا طرفاً في الصراع الداخلي السوري، وهذا يحتاج إلى أكثر من مجرد عبارات لفظية وملتبسة وناقصة تخفي استمراراً للماضي لا انقطاعاً عنه.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى