صفحات الناس

فابيو بوتشياريللي: سوريا جحيم الصحافيّين

 

جوزيف الحاج

 في الوقت الذي كان فيه المصور فابيو بوتشياريللي (إيطاليا، 1980) (Fabio Bucciarelli) يتسلم جائزة المرتبة الثانية من “وورلد برس فوتو”- 2013، في أمستردام 25 و26 نيسان الفائت، تلقى نبأ فوزه بجائزة “سوني وورلد فوتو أويردز”. أما الجائزة الثالثة، والأهم، التي منحت له منذ أيام، فهي جائزة “روبرت كابا” 2013. 

كافأت الجوائز الثلاث شجاعة هذا المصوّر الذي داوم على تغطية الأحداث السورية منذ اندلاعها قبل ثلاث سنوات، بأسلوب صدامي، لا يكتفي بمشاهد تصدم العين والقلب عن الخراب الذي أصاب أرجاء واسعة من مدينة حلب، بل سعى إلى توثيق الوسائل البدائية التي يضطر السكّان إلى الاستعانة بها. رعب تخطّى حدوده يبدو كأنه يسيل في الشوارع. آليات عسكرية متفحمّة لا تزال تحمل آثار دماء من سقط فيها أو قربها. ستائر قماش نصبت لتحجب عابري السبيل عن أعين القناصين، مجازر عبثية لا تتوقف، حرب غير متكافئة. الصدفة تسود، القذائف تنهمر في لعبة أشبه بالروليت الروسية. يحاول السكان اختبار حظوظهم في عيشهم اليومي، في أبسط أنشطتهم، البحث عن قوت يومي. كما تعبّر صورته لسيدة تجتاز مفترقاً خطراً، تحمل بيديها حاجيات يومية، عن هشاشة إنسانية ترفض الانهيار رغم الدمار.

وقال متحدث باسم جائزة روبرت كابا: “تتميّز صور هذه المجموعة التي تقحمنا في صلب الحاضر الملتهب بإدراك واعٍ للحال الطارئة. فيها اتساق مدهش يجعل المشاهد في حال تعاطف وتحسّس للمصائب ومدى المعاناة التي يعيشها ناس صوره. سوريا اليوم هي أحد أكثر الأمكنة التي يتعرّض فيها المصورون والصحافيون للموت، وبوتشياريللي جسّد القيم التي تحدد جائزة كابا”.

نال بوتشياريللي جائزته هذه في وقت أحسّ فيه العالم ووسائل الإعلام بالإنهاك من هذا الوضع المتفاقم. استغلّ بوتشياريللي المناسبة أيضاً للتذكير بكل زملائه المصورين الصحافيين “الساعين إلى الإضاءة على حقيقة ما يجري: يسقط الآلاف، والأحياء يعانون من قساوة الحرب”.  لفت الانتباه إلى مسألة اختفاء زميله دومينيكو كيريكو الذي خطف على طريق حمص وانقطعت أخباره منذ التاسع من نيسان الماضي.

تختار جائزة روبرت كابا الذهبية مصوّراً صحافياً يحقّق تحقيقات مصورة تتطلب شجاعة استثنائية. “معركة حتى الموت” هو عنوان عمله الحائز على الجائزة. يصوّر معارك حلب المروّعة التي اندلعت أواخر العام الفائت. “معارك السيطرة على هذه المدينة لازمتها مجازر حقيقية..”، قال بوتشياريللي لمراسل الـ”تايم”، “.. من الممتع أن أرى عملي ينال هذه الجائزة، ويُضاف اسمي إلى لائحة طويلة تضم كبار المصورين الصحافيين، مثل جايمس ناكتواي، لاري بورووز، هورست فاس ويوجين سميث، غير أن المتعة الحقيقية هي في تغطيتي لما  يحدث في سوريا، وتوثيق انعدام الحقوق الإنسانية في ظل هذا العنف”.

عن تجربته في ليبيا يقول: ” تحولت الثورة إلى حرب أهلية. قصدت ليبيا عدة مرّات: الأولى قبل تدخل الناتو، فوثّقت تشكيل الفرق العسكرية المعارِضة. في الأشهر التالية عبرت الجبال حتى الحدود التونسية لتغطية سقوط طرابلس، بعدها بلغت سرت ثم مصراتة، حيث صوّرت القبض على القذافي. شهر من الحرب كان فرصة للإطلاع على هذا الصراع وتعقيداته. بعد ذلك تركّز اهتمامي على مواجهة الناس للحرب. لمست وحشية الصراع عبر العواطف البشرية: ألم الفقدان، والأمل في الحياة”.

ليبيا، هاييتي، السودان، مالي… ليست سوى محطات عابرة قصدها بوتشياريللي في الأشهر الأخيرة، تشهد على احترامه العميق تجاه العالم المنتهَك، وعلى شغف للتعرّف إلى الإنسان حتى لو كان هو نفسه في موقع المنتهِك.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى