صفحات الناس

“فتاة شيكاغو” السورية تقود ثورة عن بُعد/ قيس قاسم

 

 

«فتاة شيكاغو» هي الناشطة السورية الشابة آلاء بساتنة، أما لماذا ألصقت بها صفة المكان الأميركي، فهذا ما سيوضحه الوثائقي التلفزيوني الذي رافقها، خلال مدة طويلة، في مكان إقامتها في شيكاغو التي وصلتها وعائلتها المعارضة هرباً من بطش النظام قبل سنوات قليلة. وهناك كوّنت شبكة علاقات عمل مع الشباب المعارضين في سورية الذين كانوا يزوّدونها بتسجيلات فيديو حيّة للتظاهرات التي كانوا يشاركون فيها في بداية الثورة السورية وصولاً إلى انعطافها نحو المجابهات العسكرية التي فرضتها سياسة النظام.

«أنا وبواسطة الكمبيوتر أقود ثورة في سورية»… جملة قالتها آلاء وتفاصيل الوثائقي الأميركي «فتاة شيكاغو» يمنحها الصدقية، فهذه الشابة لعبت دوراً مهمّاً في الثورة وتحولت صفحاتها على «فايسبوك» وغيرها من الوسائل الى مركز فعّال منه تنتشر المعلومات الموثّقة لجرائم النظام وأساليبه العنيفة في مجابهة التظاهرات السلمية وفي ما بعد تفاصيل المعارك في الرقة وغيرها من المدن السورية. كرّست الفتاة ذات الـ19 سنة، جلّ وقتها لخلق الشبكة «الإعلامية» وبخاصة الصفحات المكتوبة بالإنكليزية التي اعتمدت على ما فيها من أخبار وسائل اعلام كثيرة، كما نقلت تلفزيونات عالمية وعربية مقتطفات وتسجيلات صوّرها أصدقاؤها في سورية وأرسلوها إليها عبر الإنترنت.

قوّة الوثائقي التلفزيوني تكمن في الأساس في تتبّعه الدقيق لمسار صلات آلاء مع بعض الناشطين السوريين وقسم منهم سقط شهيداً، ما أعطى طابعاً موضوعياً لدورها الذي اجتمع فيه الشخصيّ والعام. فعلى المستوى الشخصيّ أتاح لمشاهديه فرصة التقرّب من حياة الشابة التي جمعت في شكل مثير للاستغراب بين دراستها وبين نشاطها الدعائي السياسي الذي كرّست نفسها له بالكامل وحرمت نفسها من الكثير في البلد الجديد الذي أرادته أن يكون «ترانزيت» وليس محل إقامة دائمة. إلى جوارها استضاف الوثائقي خبراء في وسائل الاتصال وصحافيين كانوا يعلّقون على ما تقوله في شكل غير مباشر ويؤكدون الدور الذي تلعبه هذه الوسائل في نقل الصورة التي تحاول الأنظمة إخفاءها، وبخاصة في سورية التي تعمّدت وسائل الدعاية الرسمية تصوير الثورة وكأنها انطلقت منذ بدايتها مسلحة وتبنّتها التنظيمات المتشدّدة، في حين تُظهر تفاصيل الوثائقي ومن خلال مسار عمل آلاء أن الأمر مختلف تماماً، فالشباب الذين كانت تتواصل معهم هم في الغالب من المتعلّمين والموهوبين في استخدام الكومبيوتر وتقنياته وكانوا مؤمنين بالثورة السلمية ولم يفكروا يوماً باستخدام السلاح وسيلة لتغيير أحوال بلادهم، لكنّ العنف الذي جوبهوا به دفع بعضهم إلى التفكير في حماية المتظاهرين ثم تطوّرت الأمور إلى مراحل صارت معروفة للعالم وانتقل قسم من هؤلاء الى العمل العسكري واسشتهد بعضهم كما يظهر الوثائقي ويظهر معه حال الإحباط التي كانت تمرّ بها الشابة السورية التي قرّرت في نهاية المطاف العودة إلى الشام بعدما تأكد لها أن دورها الحقيقي يجب أن يكون على أرض الوطن وفي قلب المكان الذي خرجت منه وتعرفه جيداً.

يصوّر الوثائقي مراحل وجود الشابة في شيكاغو حتى عودتها إلى الشام برفقة والدها الذي يلتقيه معدو الشريط وهو في غمرة انشغاله بجمع مساعدات طبيّة يريد نقلها معهما إلى سورية. خلاصة العرض التلفزيوني أن هناك شباباً كثراً قادوا وحدهم أو مع مجموعة صغيرة ثورات سلمية في العالم وأن عزيمتهم على مواصلة الثورة لا تفتر كما قال والد «فتاة شيكاغو»، بالمناسبة ورد هذا التعبير ضمن مجموعة رسائل تهديد سرّبها النظام إلى آلاء وكال فيها الشتائم إليها وفي إحداها نعتوها بـ «فتاة شيكاغو»! من دون أن يدركوا أن هذه الجملة ستصير عنواناً لوثائقي أشدّ تأثيراً آلاف المرّات من التهديدات والشتائم نفسها!

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى