زين الشاميصفحات سورية

فتاة صغيرة تجر شبّان وشيوخ المعارضة السورية


زين الشامي

عندما نسمع بتعبير «المعارضة السورية التقليدية» او «هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديموقراطي» فأول ما يخطر على البال هو مجموعة من المعارضين الطاعنين في السن والخبرة ومقارعة النظام، وأيضا يخطر على بالنا ان جزءا كبيرا منهم قد قضى سنوات طويلة في السجون. لكن لا أحد يعرف ان هذه المعارضة بكل رموزها وخبراتها وتنظيراتها السياسية لم تجد خيارا في الآونة الاخيرة سوى ان تتبع فتاة سورية في العشرينات من عمرها، فتاة شجاعة اسمها «ريما دالي» امتلكت الجرأة قبل أيام ورفعت لافتة حمراء امام مجلس الشعب السوري وسط دمشق مكتوب عليها «أيها السوريون كفانا قتلا نريد ان نبني وطنا لكل السوريين».

هذه الفتاة صرخت بما يفكر فيه مئات الآلاف من السوريين، وغيرهم من غير السوريين ممن يحبون سورية وشعب سورية، فكان لفعلتها صدى مدو داخل سورية وخارجها. في اليوم التالي وبعد ان علم السوريون ان «ريما» قد اعتقلت، حتى امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بشعار واحد: «أيها السوريون كفانا قتلا نريد ان نبني وطنا لكل السوريين». ورغم ان السلطات الامنية السورية افرجت عنها لاحقا، الا ان شعارها التي رفعته على قطعة قماش حمراء امام مجلس الشعب متحدية الخوف، صار شعارا لغالبية السوريين، وتأثرا بهذه الفتاة، لاحظوا كيف ان هيئة التنسيق لقوى التغيير الديموقراطي في بيان لها بمناسبة بدء تنفيذ خطة كوفي عنان تنهي موقفها بنفس الكلمات التي كتبتها «ريما» على تلك اللافتة، هذا هو مقطع من بيان الهيئة : «أعلنت وزارة الدفاع السورية وقف العمليات الحربية بدءا من الساعة السادسة من صباح يوم ..إننا في هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الوطني الديموقراطي نرحب بذلك ونأمل ان يكون وقف إطلاق النار حقيقياً،. أيها السوريون كفانا قتلا نريد أن نبني وطنا حرا لجميع السوريين»، وتلاحظون هنا كيف ان المعارضة التقليدية بكل تاريخها ورموزها و«شيوخها» لم تجد أفضل من ان تتبع ما كتبته هذه الفتاة العشرينية.

ان الوقفة الشجاعة لريما دالي والكلمات القليلة التي كتبتها، وما تبع ذلك من ردود أفعال قد أعاد للنشاط المدني السلمي أهميته وضرورته بعد تراجع دام شهوراً وكلف الآلاف القتلى، بنفس الوقت، اكدت هذه الفتاة وما كتبته أن هناك سوريين كثراً ما زالوا يؤمنون بقوة تأثير هذا النوع من المقاومة المدنية الفعالة في إسقاط النظام.

وللدلالة على ذلك، ما هي إلا أيام قليلة حتى بادر نحو خمسة شابات وشبان بفعل ونشاط سياسي آخر حين ذهبوا الى احد مراكز التسوق الكبيرة والشهيرة وسط دمشق واستلقوا على ارض مركز التسوق في فعل يحاكي الشهداء حين يسقطون أرضا، على مرأى من الجميع.

بعد ذلك بخمسة أيام، تجمع نحو مئتين شاب وشابة أمام البرلمان السوري في العاصمة ليرفعوا لافتة «أوقفوا القتل نريد أن نبني وطنا لكل السوريين». وقد اتفق الشباب على عدم تقطيع الطريق وعرقلة حركة المرور أو استفزاز الأمن، لكنهم وما إن أشعلوا شمعتين على روح شهداء سورية حتى بدأت جحافل الشبيحة والامن بالهجوم عليهم وضربوهم، لا بل قام الشبيحة بالهتاف «الله سورية بشار وبس» في نوع من الاستفزاز للشبان، لكن إحدى الفتيات وقفت بالطريق بعد اعتقال عدد من زميلاتها الفتيات وصرخت حرية ثم بدأ الجميع يهتف « الله سورية حرية بس» لتقوم قوات أمنية باعتقال وضرب الشباب والشابات بالشارع على مرأى من المارة بالعصي والهراوات،، كان بين المعتقلين «تمام هنيدي ولينا محمد».

امام هذا الاحراج السلمي والارتباك الذي وجدت فيه السلطات السورية نفسها فيه، دعت وزارة الداخلية، السوريين إلى التقيد «بالقانون الناظم لحق التظاهر السلمي، وذلك بالحصول على ترخيص من الجهات المختصة حرصا على سلامة المواطنين.» طبعا نحن نعرف ان الغاية هي منع التظاهر تماما وقتل روح المبادرة لدى الشبان. والحقيقة يبدو أن النظام السوري بات مرعوباً من حركة تشكلت لاحقا واتخدت اسما لها: « أوقفوا القتل» وقد بدأت تتسع بين الشبان السوريين.

تقول ريما الدالي : «كيف كان لي أن أعرف بأن اختلاط الأبيض بالأحمر ستعتبر بدايةً لمرحلة جديدة عن وطن ذبح بأيدينا؟ لم أكن أدري بأن علبةً من الدهان الأبيض ستترك اثراً كهذا، محدثةً كل هذه الاهتزازات الرائعة..كيف يمكن لصرخة صامتة أن تفتح عيوننا على مكان تعبتُ من الإشارة إليه؟ وكيف لمربع أحمر أن يضاهي استطالة الرصاص .؟ أنزع ستارتي الحمراء أمددها أمامي واترك شباكي أعزل، أحمل السكين بالمقلوب واطلق العنان لما يجمعنا معاً وأهجئ :

او قـ ـفـ ـو ا القـ ـتـ ـل نـ ـر يـ ـد أ ن نـ ـبـ ـنـ ـي و طـ ـنـ ـاً لـ ـكـ ـل الـ ـسـ ـو ر يـ ـيــ ـن».

زين الشامي

الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى