صفحات الحوار

فداء عيتاني: الضربة الأمريكية ضربةٌ توبيخيةٌ هذه حدودها وحجمها

 

 

مضر الزعبي

تسارعت مجريات الأحداث في سوريا خلال الأيام الماضية، فعقب الإعلان عن التوصل لاتفاق المدن الأربع، بين هيئة تحرير الشام وإيران بوساطة قطرية، استهدف النظام مدينة (خان شيخون) في ريف إدلب الجنوبي بالغازات السامة يوم الثلاثاء الماضي 4 أبريل/نيسان، ما تسبب بمقتل قرابة 86 مدنياً وإصابة المئات.

وعقب المجزرة توالت ردود فعلٍ غير مسبوقةٍ من قبل المجتمع الدولي، ولاسيما أمريكا التي استهدفت صباح يوم الجمعة مطار الشعيرات العسكري في ريف حمص الشرقي، وهو المطار الذي أقلعت منه الطائرة المحملة بالقنابل السامة، والتي استهدفت مدينة خان شيخون، لتكون تلك الضربات هي الأولى من نوعها من قبل أمريكا للنظام خلال السنوات الست الماضية.

وللحديث أكثر عن آخر المستجدات على الساحة السورية، أجرت “كلنا شركاء” مع الصحفي اللبناني فداء عيتاني الحوار الآتي:

كيف تنظر للاستهداف الأمريكي، وهل سيتوقف عند هذا الحد، وماذا عن التصعيد الروسي الكلامي؟

النقطة الأولى إن التصعيد الروسي هو تصعيد كلامي كون منظومة صواريخ (S400) لم تقم باعتراض صواريخ (توماهوك)، وهذا دليل على أن الأمريكان أبلغوا الروس بالعملية، والتصعيد سياسي، وأعتقد أن الروس تفاجأوا بقرار الإدارة الأمريكية، وهو القيام بخطوة ما ضد بشار الأسد، على الرغم من أن الروس حافظوا على تعهداتهم بالنسبة لترمب من جهة، وحافظوا على موقفهم في مجلس الأمن ولم يقوموا بأي خطوة تؤثر على التوازن.

النقطة الثانية والأهم، ترمب ونتيجة الصراع داخل الولايات المتحدة وتدني شعبيته، وبشكل خاص التحقيقات المتتابعة حول علاقته بالروس، وخاصة في فترة ما قبل الانتخابات، فالتحقيقات طالت صهره، كان بحاجة لمنفذ سريع من الأزمة الداخلة من جهة، ما دفعه لأخذ قرار الضربة ضد النظام السوري واستهداف مطار الشعيرات، ومن جهة أخرى هذا هو الرئيس ترمب، فحركته غير قابلة للتنبؤ، كما يقول عنه الأمريكان.

وبالتالي بهذه المعطيات، الضربة الأمريكية هذه حدودها وحجمها، مجرد ضربة توبيخية، سيتم دراسة نتائجها داخل الإدارة الأمريكية وانعكاسها على التحقيقات، وعلى الأرجح أن تكون ضربة وحيدة، ولكن أضافت عنصراً للمعادلة السورية، أنه لا بد من أخذ ردة فعل انفعالية أو لحاجات داخلية سياسية قد تغير بالمعادل السوري في أي لحظة، وبالتالي هناك عامل سياسي إضافي أعيد العمل به في المسار العسكري السياسي في سوريا.

من المفترض أن يتم تطبيق اتفاق كفريا الفوعة ـ الزبداني مضايا خلال الأيام القادمة، كيف تفسر التوصل لمثل هذا الاتفاق، ومن الرابح منه؟

من عجائب الأرض السورية أن يكون هناك أكثر من رابح أكبر واحد في صفقة من هذا النوع. الرابح الأكبر الأول في الاتفاق (الغامض) هو تنظيم القاعدة في سوريا، الذي بدل جلده عدة مرات ولا يزال يحاول الحصول على شرعية دولية، وهو يخدم عدة أسياد في آن واحد. هذا التنظيم الانتهازي الذي أجهض كل مكاسب الثورة ولاقى كل أهداف النظام والإيرانيين في تحويل الثورة إلى حالة حرب أهلية طائفية، يخطو خطوة جديدة نحو الحصول على حصرية تمثيل السنة في المناطق المنتفضة على النظام، حتى لو من دون تفويض من أهالي المناطق، أو وجوده بها، ففي مضايا على سبيل المثال يوجد ١٥ مقاتلاً لهيئة تحرير الشام، التابعة عملياً لسياسة تنظيم القاعدة في سوريا (جبهة النصرة سابقاً، وجبهة فتح الشام تالياً)، ومع ذلك أتيح لممثل تنظيم القاعدة التحدث باسم أهالي مضايا والزبداني في داخل وخارج الحصار، ورسم مستقبل أسود لهم.

الرابح الأكبر الثاني هو حزب الله، شريك النصرة وداعش في تطييف الثورة السورية وفي ملاقاتهما بالعنف وجرائم الحرب والاحتلال والحكم عبر إثارة الخوف العنصري وبسط الهيمنة، فهو قد حصل على مناطق سعى لاحتلالها بالقوة، وإضافة إليها أخذ جمهوراً مذهبياً سيجند آلاف من أبنائه للقتال في فرعه السوري على مختلف الجبهات العسكرية.

إن شئت توسعة المنظار والحديث عن رابحين استراتيجيين في الاتفاق فهما حتماً النظام السوري والاحتلال الإيراني لسوريا، حيث تسير عملية الفرز الديموغرافي على قدم وساق، ويطبق ما قاله بشار الأسد في مقابلة مع وسيلة إعلام غربية من فترة قريبة “ان النسيج الاجتماعي السوري أصبح أفضل بعد الحرب”، أما الإيرانيون فقد حصلوا على مناطق عسكرية وأمنية لا تقدر بثمن، وسيتابعون فيها ما شرعوا به منذ أكثر من عام ونصف من إقامة منشأة وقواعد تجسس وبنى لوجستية أخرى.

تفريغ مدينتي الزبداني ومضايا يعني سيطرة ميلشيا حزب الله على جميع المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان، فهل تعتقد بأن الحزب يهدف من ذلك إلى محاصرة اللبنانيين أيضا؟

ببساطة حزب الله ينشئ مستوطنة خاصة به في سوريا، يضمها إلى الغيتو الذي يحكمه في لبنان، هذه المستوطنة الحدودية ستكون – بحسب ناشطين سوريين من أبناء المنطقة – مملوكة للحزب وأطراف تابعة له، عبر تجريد سكانها الأساسيين من ملكيتها بمصادرتها بموجب قانون الإرهاب السوري، وبيعها أو تقديمها لحزب الله والإيرانيين.

المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية التي أصبحت تحت سيطرة الحزب ليست فقط ممرات ومستودعات أسلحة ومراكز تدريب وتجسس كما سبق ونشرت في صحيفة “القدس العربي” منذ أكثر من عام، وكما أورد تقرير لموقع ستراتفور الأميركي لاحقا، بل ستلعب هذه المنطقة أيضاً دور خط إمداد حيوي يربط ما بين جنوب لبنان والبقاع حيث الكتل السكانية والمراكز العسكرية للحزب، من دون المرور بالأراضي اللبنانية.

لقد تجاوز الحزب التنوع الطائفي والسياسي اللبناني، عبر استيطان واحتلال عدد من المناطق السورية الحدودية، وبالتالي فهو لم يعد بحاجة لأي تعامل مع طوائف وأطراف سياسية كالدوزر والمسيحيين والسنة في المناطق الواصلة ما بين جنوب لبنان والبقاع.

لقد أصبح للحزب عمق استراتيجي حقيقي في الأراضي السورية، عملياً هو يحكم قبضته على محافظة ريف دمشق وخاصة المناطق الغربية والجنوبية والشمالية المحيطة بالعاصمة السورية، ولهذا أيضاً مردود سياسي للإيرانيين.

التغير الديمغرافي في سوريا بات يشكل تهديداً على لبنان والنسيج الاجتماعي فيه، فهل تعتقد أن الساسة في لبنان يدركون ذلك؟

عفوا، ولكن لا يوجد في لبنان ما تدعوه نسيج اجتماعي، لقد انفك هذا النسيج منذ بدايات الحرب الأهلية، وربما قبلها، ولا يزال يتفكك ويتحلل إلى مكوناته الأولى، من طوائف ومناطق ومذاهب وحتى عائلات.

الدولة اللبنانية هي الأضعف في كل هذه التركيبة، وهي إن كانت مركزية، إلا أنها بحالة من الوهن ومحكومة بالكامل لتوازنات داخلية هشة، أو حتى غير متعادلة، ومحكومة من جهة أخرى لصراعات خارجية طاحنة.

السياسيون اللبنانيون هم أكثر من يدرك أين يقفون، هم أنفسهم من ساروا على هذه الطريق بوعي كامل وبقرار مسبق، إن مكاسبهم من التناحر المذهبي البارد في لبنان، ومن تقسيم “النسيج الاجتماعي” اللبناني، والاستمرار في استهلاكه هي ما تسمح لهم بمراكمة الثروة، وللمفارقة بمتابعة الوجود على رأس السلطة واستهلاك مواردها.

هي دوامة تجر لبنان إلى الحضيض والهاوية، تقاسم المكونات المذهبية للنفوذ، وصراعها من أجل المزيد من النفوذ، وإطلاق مواسم من الرعب الطائفي من المذاهب الأخرى، أو من محاولة الاستيلاء على حصص أكبر من الطوائف الأخرى، هذه الدوامة تسارعت مع بداية الثورة السورية، ثم أصبحت تدور من غير كوابح مع تدخل حزب الله في قمع الشعب السوري والدخول الإيراني المباشر كقوة احتلال في سوريا. وهي الدوامة التي أدت في النهاية بأحد المشاركين في تسعير النار المذهبية في سوريا ولبنان، أي سعد الحريري، إلى الاستسلام لمنطق حزب الله وقوته مقابل إعادته على رأس السلطة التنفيذية في الحكومة اللبنانية.

هل تتوقع أن يكون هناك ردة فعل من قبل أي من القوة السياسية في لبنان؟

حتماً لا، السياسة في لبنان مرهونة بتوازنات الإقليم وبمكاسب أمراء المذاهب من الساسة، وأية محاولة اليوم للقيام برد فعل ستكون خطوة انتحارية لمن ينفذها، رد الفعل بحال حصل في لبنان سيأخذ التعبير المذهبي، وسيشعل صراعاً مذهبياً بين السنة والشيعة يخرج السنة منه خاسرون كعادتهم.

الساسة اللبنانيون لا يحبون المبادئ، ورغم تشدقهم بالشعارات الكبيرة والرنانة إلا أنهم يطرحون أنفسهم للإيجار لمن يدفع السعر الأعلى وليس للالتزام على قاعدة مصلحية عامة.

عقب تولي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان الحديث عن انسحاب ميلشيا حزب الله من سوريا، ولكن المعطيات على الأرض عكس ذلك، فالميلشيا تمددت في المناطق الحدودية وباتت هي اللاعب الأساسي، فما هو السبب؟

يمكن تسمية السنة الأخيرة في سوريا بسنة السباق، إنها سنة وربما أكثر من السباق مع الزمن، لحصد أكبر مكاسب ممكنة من كل الأطراف، وإرساء أمر واقع ميداني، يمكن لاحقاً تثبيته أو التفاوض على أجزاء منه.

بغض النظر عن موقف الإدارة الأميركية الجديدة، وما تعلنه، إلا أن الإيرانيين قد حققوا الكثير من المكاسب الميدانية، سواء عبر ميليشياتهم أو عبر قواتهم الخاصة، وهم لن يتوقفوا في هذه اللحظة للإنصات إلى ما يقوله مبعوث دولي، أو وزير أميركي، سيتابعون محاولتهم التمدد وتكريس الأمر الواقع في سوريا قبل الوصول إلى حل نهائي، أو حل جزئي.

الأتراك فعلوا الشيء نفسه، وكذلك الروس، الذي يحاولون لعب دور الحاكم الفعلي والمطلق للأرض السورية، والإيرانيون الذين يتنافسون مع الإسرائيليين في المنطقة، ويحاولون المرور بهدوء أحياناً وبصخب أحيانا أخرى من بين خيوط السياسة الاستعمارية الروسية، وحتى المجموعات الإسلامية تحاول تكريس مناطق نفوذ، برعاية تركية أو عربية.

ثمة انطباع، وهو على الأرجح خاطئ، بأن موعد وضع نهاية للحرب قد اقترب، وبالتالي فإن الكل يركض لتحقيق أقصى ما يمكنه، والأميركيون أيضا في نفس السياق، ولكن عبر أدوات مختلفة، يحاولون تكريس أمر واقع والحصول على نفوذ أوسع، سواء مباشرة كما في بعض المناطق الكردية، أو بالواسطة.

الميليشيات الإيرانية ليست اللاعب الأساسي، إنها أحد اللاعبين، ومن يعتقد بأنه يحقق مكاسب عسكرية اليوم، سيكون غداً أمام هزيمة سياسية بغض النظر عن حجم تمدده، اللعنة هي تلك التي حلت على سوريا، لقد أصيبت البلاد بالطاعون، ويكاد ينعدم الأمل في تقديم حياة أفضل للسوريين على أرض بلادهم.

كلنا شركاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى