صفحات الحوار

فدوى سليمان: في دولة الصمود والتصدي لم نكن نجرؤ على القيام بمظاهرة لدعم فلسطين!


اجرى الحوار عادل العوفي: لست ادري إذا جاز وصف بلورة فكرة إجراء حوار مع الفنانة والناشطة الثائرة السورية فدوى سليمان بأنه ‘قدر محتوم’ نعم فقد سبق وطرحت عليها الفكرة قبل اشهر عديدة وأبدت موافقتها وبينما كنت أجهز للأمر واذ بي افاجا بها تخاطب الشعب السوري على قناة الجزيرة من مدينة ‘حمص’ المحاصرة ولا مجال للوصول إليها وهي تخط بطولات تتقاطع في أبهى تجلياتها مع ما يسطره عموم الشعب السوري الثائر ..

ومع مغادرتها الاضطرارية إلى باريس أضحت الفكرة واقعا ملموسا مجددا وارتأت هذه المرة أن تبوح ‘للقدس العربي’ بما يخالج صدرها وعن معاناتها في قلب درعا وحمص و عن المكافآت التي رصدها النظام للظفر بها والتخلص منها وعن علاقاتها بالثوار ورأيها في تسليح المعارضة وكيف انضمت إلى هذه الثورة العظيمة والكثير مما يقض مضجع ‘رمز من أهم رموز الثورة السورية ‘ في هذا الحوار ألحصري:

* بداية أستاذة فدوى كيف جاءت فكرة خروجك من سوريا والاستقرار مؤقتا بباريس؟ ومن ساعدك على بلورتها خاصة انك كنت تتنقلين في مناطق ساخنة داخل سوريا؟

* جاءت فكرة خروجي من سوريا لأن حياتي أصبحت مهددة من قبل النظام، فلقد أعلن النظام عن جائزة مالية لمن يسلمني له.. وفي حال عدم تمكنهم من إمساكي وقدرتهم على تحديد موقعي، نسف الموقع الذي أكون فيه، وقد أصبحت خطرا على كل من يخبئني في حال علم النظام ذلك، لم أكن أريد الخروج لو أن الأمر بقي متعلقاً بحياتي ولكن عندما أصبحت أهدد حياة الآخرين قررت القرار الذي لا أحبه وبمنتهى الألم، وهو أن أخرج من سوريا لأنني لا أستطيع العيش في حال تأذى أحد بسببي. ساعدني الناشطون الذين كنت أتواصل معهم للقيام بمظاهرات ونشاطات على الخروج الغير نظامي من سوريا.

* ألن يحد وجودك بالعاصمة الفرنسية من نشاطك ويجعل من دورك مقلصا عما كان عليه سابقا؟ وعلى أي أساس اخترتها بالضبط؟

* لم اختر باريس عن قصد وإنما تم اختيارها عفويا، فلقد لجأت للسفارة الفرنسية في عمان لأن حياتي بالأردن مهددة أيضا من قبل الأمن السوري، ولانني أعرف اللغة الفرنسية بشكل مقبول وأستطيع التفاهم معهم من أجل خروجي لا أكثر، ولن يحد نشاطي ولم يحد، فأنا أعمل مع السوريين الناشطين في ألمانيا وفرنسا، من أطباء ومحاميين ومهندسين لإرسال المساعدات المالية والطبية للشعب السوري، وأقوم بعدة مؤتمرات لإيصال الواقع السوري، وطموح الثوار الذين كنت معهم على الأرض، وأقوم بنقل الحقيقة للتأثير بالرأي العام الغربي للتحرك الجدي لوقف العنف، وأقوم بالإتصال بمنظمات مدنية غير سياسية للتعاون فيما بين الشعوب لوقف الحرب والعنف ودعم كل شعوب العالم لنيل حريتها وحقها في العدالة والديموقراطية والكرامة.

* كيف تفسرين إحساس المغترب عن بلده ويكتفي بمتابعة أخباره عبر الإعلام والانترنيت وخصوصا إذا كانت على ذات القدر من الخطورة كما في سوريا؟

* إن كل سوري اليوم في الداخل أو الخارج يعاني معاناة كبيرة وعميقة بسبب ما يحدث في سوريا، المغتربون السوريون تبدلت حياتهم مع الثورة وباتوا يعيشون على إيقاعها، وحقيقة يحسون أنهم مهما فعلوا وقدموا للثورة السورية وللسوريين في الداخل مقصرون، وأن من في الداخل هم الأبطال الحقيقيون وعلى كل سوري أن يرفع رأسه بهم ومهما فعل لن يصل إلى ولو جزء بسيط مما يقدمونه أمام آلة العنف والقمع والقتل، إحساس المغترب إحساس بالمرارة والقهر لأنه ليس بين إخوته السوريين، وإحساس بالفخر لأنه سوري.، وألم كبير وحزن على المجازر التي يرونها على الشاشات، واندفاع كبير لنقل ما يرونه للسياسيين والجمعيات والمنظمات لتتدخل وتوقف إراقة الدم السوري.

* نعود بك إلى الوراء قليلا كيف قررت فدوى سليمان أن تتمرد وان تنضم للشعب و مطالبه المشروعة بعيدا عن لعبة الحسابات الشخصية؟ ومتى أحسست بان الوضع لم يعد يحتمل وان سوريا لا تختلف كثيرا عن الشعوب الأخرى الثائرة؟

* لا أعرف لماذا أسأل دائما عن قراري بالإنضمام للثورة؟ إن انضمامي للثورة هو حلم بالتغيير منذ طفولتي، ولا أبالغ أنه من الطفولة، كان عمري خمس سنوات عندما نظرت للسماء وقلت لأمي: لماذا هناك أغنياء وفقراء؟ لماذا أطفال فلسطين يقتلون؟ وعندما بدأت أكبر لم أدخل في منظمة شبيبة الثورة (الذراع الطلابي لحزب البعث) كان عمري 13 عاما، وكنت دائما استجوب في المدرسة عن رفضي للشبيبة، وكنت أرفض أي حالة ذل من قبل مدربي الفتوة، وكنت اقول لهم انني طالبة ولست منضمة للجيش لتمارسوا علينا قوانين الجيش في العقوبة العسكرية، لم اشارك في أي مسيرة لتمجيد منجزات حافظ الأسد، ولم أكن أردد في المدرسة إلا النشيد العربي السوري، هذا ما جلب لي الكثير من المضايقات من قبل الأساتذة والمدراء في المدرسة، ولم أقبل الانتماء لإتحاد الطلبة في المعهد العالي، وقلت حينها أنكم لاتفعلون شيئا وأن الاتحاد اتحاد للكذب والسرقة ولإرسال من تريدونه وبالواسطة للخارج لإكمال دراسته، ولا يشرفني الإنتماء لهكذا اتحاد فاسد، وفي مهنتي عانيت الكثير لأنني لم أقبل بالتنازل عن جملة من الاخلاقيات لكي أعمل وأكسب وأصبح مشهورة، وكنت ضد المؤسسة الثقافية الفاسدة والتي تحكم من قبل عقلية أمنية رقابية على الفكر والفن والإبداع، كنت كما كل إنسان في سوريا يرفض الذل والإنصياع والتتفيه لعقولنا حتى لو خسرنا كل شيء،كنت ثائرة دوما في مجال عملي وأحرض الناس على الجرأة في الشكوى على الفاسدين ورفض قبول الإهانة والذل والمحسوبيات والسرقة، حتى كان الأصدقاء يحذرونني ويقولون لي: فدوى خففي من كلامك وانتقادك لأنك تخسرين جدا، لن يقبل أحد أن يمنحك عملا بسبب تحديك لهم ومواجهتك المستمرة، وكنت أجيب لن أصمت حتى لو متُّ جوعا.

* وهل حقا نحن نعيش الربيع العربي المنتظر؟

* قبل الثورة في تونس بسنتين، حلمت بان الثورات العربية باتت على الأبواب، ولم أفقد في حياتي الأمل بان الشعوب العربية ستثور، حتى انني قلت لبعض الأصدقاء هذا، لكنهم سخروا جدا من كلامي وكانوا يقولون نحن أموات، بماذا تحلمين؟ حلمت بالثورات لأنني استشعرت حقا أن الأمر لم يعد محتملا، مجتمع بأكمله مهمش فكريا وثقافيا وسياسيا وإنسانيا، دولة لايحكمها القانون، وإنما يحكمها الامن، دولة يمارس فيها القضاة التابعين للعقلية الأمنية، والعسكر، وكل وصولي وانتهازي، الإرهاب على فكرنا وعقلنا،لا مستقبل للكفاءات وإنما المستقبل للسارق والانـتهازي والفاسد والمنحل أخلاقيا وفكريا ومن يمتلك عقلية أمنية إرهابية، في دولة الصمود والتصدي لم نكن نتجرأ على الخروج بمظاهرة تندد بجرائم اسرائيل بالشعب الفلسطيني، في دولة الصمود والتصدي لم نتجرأ للخروج والتنديد باجتياح العراق ومجازر اسرائيل في لبنان لا بل و يُغيب في غياهب السجون من يفعل هذا،لا يتجرأ أحد من المواطنين بالمطالبة بأدنى حق من حقوقه بسبب الخوف من الإعتقال والتهم الجاهزة بأنك تمس بامن الوطن وأمن الدولة وتتعامل مع اسرائيل حتى لو قلت: ليش غلي كيلو السكر؟ نحن نعيش وسنعيش الربيع العربي في حال تركنا السياسيون، نقرر مصيرنا، وتركونا نرسم ملامح حريتنا، ولم يتاجروا بنا، ولم يبيعوننا ويبيعوا نضالنا لتجار الدم والحروب، سنعيش الربيع العربي وسيخرج من سوريا ومصر وليبيا واليمن وتونس والبحرين سياسيون ومفكرون رائعون، سيخرج من قلب الثورات إعلاميون وصحافيون قادرين كلهم أن يرسموا حلمهم في كل مايحلمون بالوصول إليه.

* متى انتقلت إلى مدينة ‘حمص’؟ وماذا كان دورك فيها أثناء الحملة الشرسة من قبل النظام؟

*انتقلت إلى مدينة حمص بعد عودتي من درعا، فلقد ذهبت إليها سرا وعدت سرا مع بعض الناشطين، وكان هدفي بالذهاب إلى درعا تشجيع الناس على رفض حمل السلاح، لاننا بهذا نكون قد أهدينا النظام ما يريد، فهو بقمعه وقتله يريد دفعنا لحمل السلاح ليبرر مجازره ويؤكد مقولته بان هناك عصابات مسلحة وأنه يواجهها لحماية الوطن،وقد تحدثت مع الناشطين والمعارضين والثوار هناك، أي في درعا، أنكم كنتم أمام هذا الإختبار عندما كان يترك لكم الجيش السلاح ويذهب ليحرضكم على حمله، ولم تحملوه، فلا نريد أن نقع في هذا المطب، وفعلا خرجت في مظاهرتين في جمعة الصبر والثبات، وأقسمت مع المتظاهرين قسم السلمية والحفاظ على الوحدة الوطنية، وبناء سوريا الحضارة، كانت حمص قد بدأ النظام يحرض فيها طائفيا وكانت على وشك الإنفجار الطائفي، حينها قررت الذهاب إلى حمص والخروج علنا، لأتحدى النظام، وأسقط له مقولاته بان الشعب السوري طائفي، وأن السنة هم من يثورون ويريدون قتل الأقليات، ولأثبت أنها ثورة الشعب السوري بكامل طوائفه وشرائحه، وانني مستعدة مثلي مثل كل المنتفضين للموت في سبيل التغيير الديموقراطي المدني، وهذا لا يعني انني الوحيدة التي انضمت إلى الثورة من الأقليات، لقد قلت وكررت مرارا على كل وسائل الإعلام ان الأقليات اشتركوا بالثورة، وأنهم شاركوا بإشعالها في دمشق وريفها، ويعملون في الإغاثة والتوعية ،لا بل ويعانون نفسيا من أن هذا النظام الذي يحكم باسمهم ويقتل ياسمهم، ويدعي حمايتهم، وهو الذي يرسل بأخوتهم وأقاربهم من الجيش والأمن ليقتلوا ويُقتلوا، ويقول انه يحميهم، بينما هو على العكس يضحي بالجميع من أجل الحفاظ على سلطته وحكم أسرته، اعرف الكثير من الشباب العلويين الذين أرادوا ان ينزلوا إلى الخالدية وكرم الزيتون ليقولوا للناس هناك: أقتلونا إن كان بقتلنا وقف لهذا القتل، نحن نشعر بالعار، ولا دخل لنا بما يقوم به النظام من قتل، اقتلونا لأننا نموت ونقتل كل يوم بسبب جرائم النظام الوحشية، وما فعلته في حمص أيضا كان استمرارا لما فعلته في درعا، بأن ادعوا الناس الى ان لا يلجأوا لحمل السلاح وان هذا ما يريده النظام، وأن سلاحكم الخفيف هذا لن يستطيع مواجهة الدبابات والهاون، وأنكم ستقتلون مرتين، مرة لأنكم ثرتم وأخرى لأنكم حملتم السلاح، فالنظام ما زال قويا ومدعوما من دول عظمى، وأن ليس هناك ولا بارقة امل بالتدخل العسكري كما طلبتم ولا بالحظر الجوي، كنت أرى مايخطط له النظام من حملة عسكرية واسعة على حمص في حال استخدموا السلاح وأنه سيكسب أمام العالم بإثبات حججه وأنه سيزيد من إجرامه، أقول اليوم: أن السوريين عظماء وأبطال مهما فعلوا، لانهم يواجهون سياسات العالم وليس فقط بشار الأسد، وان من دفعهم للعنف هو عنف النظام وسكوت العالم، لتنهار سوريا دولة ومؤسسات حتى لا تقوم قائمة للشعب السوري لعشرات السنين. ولنخسر ثورتنا في الحرية والديموقراطية، ولكن هذا الشعب البطل والذي قاوم وواجه سيبقى يقاوم ويواجه ولن يستسلم وسيفرز قيادييه وسيرتقي ويترفع ويتجاوز كل ما حاولوا إلصاقه به وإشغاله به ليخسر ثورته.

* كيف توطدت علاقتك بالثوار السوريين؟ وهل هم من عمل على حمايتك أثناء تواجدك في مناطق النزاع؟

* توطدت علاقتي بالثوار بسبب كل ما قمت به بصدق وامانة وحب، وخوف بعضنا على البعض الآخر، إخلاصنا إيماننا قبولنا لبعضنا البعض كما نحن. منهم من كان يؤمن بالسلاح كحل وكنت وما زلت أؤمن بالسلمية كحل، وكنا معا، احترمتهم واحترموني، ولم أخف أمامهم ان أقول لهم انا ضد سلاحكم، ولم يكرهوني لانني قلت هذا على العكس، خرجت في كل المظاهرات في حمص وأنا انادي بالسلمية، كنا نوزع المساعدات معا، وناكل معا ونشرب معا. وكانوا مستعدين لحمايتي بأرواحهم ولم يكن هذا ميالغة، لقد ملاني حبهم واحترامهم وتقديرهم وإعجابهم بي، كانوا يخافون علي أكثر من خوفهم على أولادهم، أرادوا إن يخرجوني فورا من حمص لكي لا أتعرض للأذى، أرادوا إخراجي من سوريا حتى لا يصل النظام لي.. وكنت أرفض وأقول لهم أنا أخرج وانجو بحياتي، وأنتم تبقون هنا لتموتوا؟ حموني بكل تأكيد ولن أنسى … منحوني حبهم واحترامهم وخوفهم علي…ومنحتهم حبي واحترامي وخوفي عليهم.

* من خلال اقترابك من الثوار السوريين ومعايشتهم عن كثب هل تعتقدين ان لهم القدرة على الصمود ومسايرة الآلة الوحشية للنظام لفترة أطول؟ وعلى ما يعولون في هذا؟ وهل هناك حقا مساعدات خارجية تصلهم؟

* سيقاوم الثوار ولن يتراجعوا. وسيبتكرون وسائل خلاقة ليخرجوا من أزمتهم وينالوا حريتهم. لن يستسلموا، يعولون على ثقتهم بأنفسهم… وعدالة مطلبهم .. وشدة عزيمتهم.. وإيمانهم بقدرتهم على جذب الصامتين لصفهم .. وقدرتهم على إقناعهم بضرورة التغيير دون أن يخافوا من التغيير..وإيمانهم بسوريا عظيمة تليق بعظمتهم.. ما يصلهم من مساعدات قليل وقليل جدا. نقول لمن وعد ولم يفِ: لقد سقطّت مع الساقطين. ولمن يسرق ماي ُعطى له ولا يُرسْله: ستُحاسَبُ مع من َسنُحاسِب. لن نموت جوعا ولا قتلا… سنحيا في سوريا ليس فيها أمثالُكم.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى