صفحات المستقبلمحمد دحنون

«فرقة الجراد».. بعض جوانب «الاقتصاد السياسي» للشبيحة!


محمد دحنون

المكان: حمص، حاجز مستوصف الخالديّة بجانب محل لبيع الفروج المشوي.

الزمان: حينما يقترب موعد الغداء.

الحدث: يقوم عناصر الحاجز بإيقاف عاثري الحظ الذين يركبون دراجاتهم الكهربائيّة. يحجزون الدراجة. وثمن «فك الحجز» سيكون فروجاً مشويّاً. يتبرّع به، أحياناً، صاحب المحل نفسه!

يروي باسل و. ابن مدينة حمص النازح إلى دمشق، هذه القصّة وهو يضحك. يأخذ ابن مدينته، أسعد م. الحديث عنه، ويروي قصصاً مشابهة يتفق الاثنان على اعتبارها «فساداً صغيراً». يقول أسعد: «لم يعد ممكناً أن تمرّ على أيّ حاجز وأنت تحمل مبلغاً ماليّاً كبيراً دون أن تخاطر بفقدانه أو فقدان جزء منه على الأقل». يتابع: «لا يقتصر الأمر على حمص وحدها. بل إنّ أحد الحواجز المحيطة بدمشق قام بسلب مبلغ من أحد أصدقائي». لكن كيف؟ وبأيّة طريقة؟! يجيب أسعد مبتسماً «بطريقة سهلة!»، ثم يتابع بجدّية: «بمجرد أن تحمل مبلغاً كبيراً فهذا يعني أن تهمتك جاهزة. أوقفوا صديقي وأداروا وجهه للحائط، قيّدوه، ثمّ بدأوا الابتزاز أنت تموّل الإرهابيين!». لم «يمرق» صديق أسعد على الحاجز إلاّ بعد أن تنازل عن حوالي عشرين في المئة من المبلغ الذي كان بحوزته.

ثمّة قصص كثيرة لدى كلّ من أسعد وباسل حول الفساد الصغير. قصص لا تبدأ، بالطبع، بإمكانيّة رشوة رجال الأمن لأجل تحويل تُهم بعض المعتقلين من «الإرهاب» إلى «التظاهر»، ولا تنتهي ببيع بعض جنود الحواجز رصاص بنادقهم للكتائب الشعبيّة المسلّحة المرابطة داخل الأحياء المحاصرة. يحدث أن يكون وسطاء هذه العمليّة رجالاً كباراً، ويحدث أيضاً أن يكونوا أطفالاً!

تجارة وأشياء أخرى!

بات الحماصنة، موالين ومعارضين، يستدّلون على الأحياء التي تتعرض للاقتحام ليس فقط من جهة أصوات القذائف وإطلاق النيران، ولكن أيضاً من الاتجاه الذي تأتي منه شاحنات النقل الصغيرة (السوزوكي) المحمّلة بأثاث بيوت الأحياء المقتحمة. حتى أنّ باسل يلفت إلى إمكانيّة معرفة «المستوى الاقتصادي للحيّ نفسه». يقول: «إن كانت السوزوكيات محمّلة بأثاث رديء فالحي المقتحم هو بابا عمرو مثلاً. أمّا إن كان الأثاث فخماً فستقول في نفسك: الله يحمي شباب (حي) الإنشاءات!».

تتضمن المسروقات، بحسب باسل كلّ شيء. «تبدأ بالأشياء المتروكة أمام المنازل، مثل: السيراميك، الكراسي البلاستيكية، الأسلاك الكهربائية.. وتنتهي بقطع الأثاث المنزلي: سجاد، أدوات كهربائيّة على اختلاف أنواعها..».

لا يجد الشبيحة صعوبة كبيرة بتسويق بضائعهم المسروقة. سيكون غريباً، بالنسبة لكثيرين، ألاّ يقبل أحد شراء «لابتوب» بخمسة آلاف ليرة سوريّة (حوالي سبعين دولاراً). سيّما أنّ عدداً كبيراً من الشبيحة يجهلون، بحسب أسعد، قيمة بعض مسروقاتهم، وخصوصاً أجهزة الهاتف والكمبيوتر المحمولة. يقول: «كان بعضهم يبيع الـ«آي باد» بمئتي ليرة سوريّة فقط. وكان البعض الآخر يبيع ما لديه من أجهزة الكمبيوتر، على اختلاف ماركاتها، بسعر موّحد. وفي بعض الأحيان يمكنك الحصول على «آي باد» مجاناً إن اشتريت جهازي كمبيوتر محمول!».

يعرض الشبيحة، بحسب باسل، على بعض أصحاب المحال، بمختلف اختصاصاتها، شراء مسروقاتهم بعشرة في المئة من ثمنها الحقيقي تقريباً. يذكر مثالاً على ذلك: «سرق أحد الشبيحة عدداً من شوالات حبوب القهوة، وعرض على مالك أحد محال القهوة في منطقته بيعها بأنّ يقوم الأخير بطحنها وإعطائه ربع الكميّة الناتجة»!

غنائم حرب.. وبندر وحمد

«لا نبيع أو نشتري بضاعة مجهولة المصدر أو من دون فواتير». كُتبت هذه الملاحظة على باب أحد محال بيع الأدوات الكهربائيّة في حي المهاجرين بحمص. يؤكد باسل: «ثمّة من لم يقبل أبداً أن يتعامل بمسروقات الشبيحة: لا بيعاً ولا شراء!».

على الضفة الأخرى، ثمّة تغطيّة «إعلاميّة ـ أيديولوجيّة» لتبرير عمليات النهب التي يقوم بها شبيحة النظام. يختصرها أسعد بثلاثة أشكال: «يبرر البعض انخراطهم بهذه الأعمال بسبب توّقف أشغالهم نتيجة الوضع العام. في حين يختصر آخرون الأمر كلّه بكلمة واحدة: تجارة!». ثمّة شكل آخر مثير للاستغراب. يقول باسل: «هناك من يعتبر المسروقات غنائم حرب. وهو نفسه من يؤكد لك أنّ النقود التي دفعت لشراء هذه المسروقات مدفوعة بالأساس من قبل بندر وحمد». يروي أسعد بعضاً من «الأفكار» التي يُشيعها، عن اقتناع، ممثلي الشريحة الأخيرة. يقول: «هنالك من يعتقد حقّاً بوجود سوريين يقتلون زوجاتهم وأبناءهم، ثمّ يقومون بتصوير الضحايا.. ويرسلونها إلى قناة الجزيرة!».

لا يأبه كلّ من أسعد وباسل بالصدمة التي يُمكن أن تُحدثها هكذا «أفكار» لدى من يستمع إليّهما. يبتسمان ويتابعان حديثهما عمّا يمكن دعوته بآليّة النهب المعتمدة. يقول باسل: «يشكّل الشبيّحة النسق الثاني في عمليات الاقتحام، بعد النسق الأوّل المؤلف من عناصر الجيش النظامي. مهمة الشبيحة الأساسيّة هي منع الانشقاقات. وبعد أن يتم إحكام السيطرة على الحي المقتحم، يحدث ما يمكن تسميته بازاراً بين عناصر من الجيش وعناصر الشبيحة». ويتابع موضّحاً: «البضاعة هي الأبنيّة، والآلية هي «تضمين» هذه الأبنيّة لعناصر الشبيحة من قبل عناصر الجيش. شيء شبيه بآلية «تضمين الأراضي الزراعيّة. كأن يقول عناصر الجيش للشبيحة: هذا البناء لكم بخمسين ألف ليرة سوريّة «أقل من ألف دولار»، وهذا يعني أنّنا نعطيكم الحق في نهب ممتلكات البناء على أن تدفعوا لنا مقابل ذلك، وقبل ذلك، خمسون ألف ليرة سوريّة!».

أطلق «شبيحة النسق الأوّل» على أنفسهم اسم: «فرقة الجراد». وبحسب أسعد وباسل كانت «فرقة الجراد» كتيبة. يحدث هذا فيما تزدحم شوارع دمشق وشققها ومدارسها بعشرات آلاف النازحين من حمص ومن.. دمشق نفسها. ويحدث هذا بينما يرتفع في شوارع العاصمة عدد الشحاذين والباحثين عن مأوى. ولكن أيضاً، يحدث هذا في لحظة دخول السوريين الثائرين مرحلة المراهنة على عدد أشهر «صمود النظام»!

(دمشق)

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى