صفحات مميزة

فشل محادثات “جنيف 3” الأسباب والنتائج –مقالات لكتاب عرب وأجانب-

جنيف السوريّة وحدود المقاومة/ حازم صاغية

قد تفضي جنيف الحاليّة إلى تسوية سوريّة وقد لا تفضي. إلاّ أنّها، في أغلب الظنّ، بداية مسار سوف ينتهي إلى حلّ ما، حلٍّ يتدرّج فصولاً قد تتدخّل فيها عناصر عدّة، وقد تساهم في تشكيل صورتها النهائيّة سلوكات كثيرة، ومعها قد يُستأنف الصراع بأشكال أخرى.

لكنْ، كائناً ما كان الحال، يبقى أنّ النتائج ستبقى أقلّ من تطلّعات الحقبة الأولى للثورة السوريّة، ولسوف يدور الاختلاف بعد الآن حول درجة السوء الذي تتّصف به النتائج، ومدى القدرة على التحكّم بها أو ضبطها والتخفيف منها.

وهذا ما يجعل موافقة الوطنيّ والديموقراطيّ السوريّ على تسوية كهذه، ناهيك عن مشاركته فيها، أمراً في غاية الصعوبة، يلزمه الكثير من العضّ على الجرح ومن كظم الغيظ. ويبدو، في هذا السياق، ذمّ الدنيا والاعتصام بحبل المظلوميّة إغراء قويّاً.

مع ذلك، لا مهرب من القول إنّ إجماعاً عالميّاً كهذا لا يحول ضعفه الأخلاقيّ والعداليّ دون قوّته الفعليّة ودون كارثيّة النتائج التي تترتّب على التصدّي له.

وإذا صحّ القول إنّ سوريّة تحصد نتائج الدعم الكثيف الروسيّ – الإيرانيّ للأسد، مقابل فتور أوباما وتردّده، ثمّ تواطئه مع الدور الروسيّ – الإيرانيّ، صحّ أيضاً أنّ الكثير ممّا فعله معارضو الأسد المسلّحون لبّى الاستجابة الدوليّة السيّئة وعزّز سوءها.

وفي هذا الإطار راح التنافر يزداد اتّساعاً بين الهمّ الداخليّ والهمّ الكونيّ، فلم تجر محاولات جدّيّة تُذكر للتوفيق بين الهمّين، أي للقول إنّ السوريّين معنيّون بشواغل العالم المدعوّ إلى العناية بشواغلهم. على هذا النحو، ساد التقليل من أهميّة «داعش» وأخواتها ومن خطرها، ونُظر إلى «الحرب على الإرهاب»، التي تستحقّ الكثير من النقد، كأنّها مجرّد لعبة وسخافة يتسلّى بها العالم. حتّى اللجوء الكثيف، الذي راح يخلط أوراق الكثير من السياسات الغربيّة، لم يحظ باهتمام أغنى من ربطه الصحيح، إنّما غير الكافي، بعنف الأسد ونظامه.

وفي النهاية اتّجهت الأمور إلى ترسيم توازن للقوى لا يتيح الكثير لمعارضة مسلّحة باتت سيطرتها على الأرض تتراجع يوماً بيوم. وجعل هذا التوازن يميل تدريجاً إلى الانحصار بين قوّة الأسد وحلفائه وقوّة «داعش»، فيما كانت الثورة تتحلّل إلى ميليشيات وأمراء حرب.

ولئن انفجر، مبكراً نسبيّاً، التنازع مع الأكراد، تولّى السلاح منذ البداية كشف الانشطارات الكبرى في النسيج الوطنيّ. هكذا راحت تتفاقم المعضلة التي مؤدّاها أنّه لا بدّ من السلاح لمواجهة العنف الوحشيّ للنظام، فيما كلّ تعاظم في قوّة السلاح تعاظُمٌ في قوّة الجبهات الإسلامويّة التي لا تملك أيّ أفق وطنيّ سوريّ فيما تستعصي على بناء أيّ جسر مع العالم.

لقد لعب الأسد أوراقه بوحشيّة ومهارة، ولعب معارضوه المسلّحون، وهم حلفاؤه في استنزاف الثورة، أوراقهم بوحشيّة من دون مهارة. بل يجوز القول، استناداً إلى عدميّة «داعش» خصوصاً، أنّ هؤلاء المعارضين لم يكن كسب العالم ولا الانتصار يعنيانهم أصلاً.

وبقوى كهذه وتوازن قوى كذاك، يكاد ينحصر التعويل اليوم على وقف الموت والتدمير وحلّ ما يمكن حلّه من مسائل إنسانيّة، فضلاً عن استخدام الفرص المتاحة، القليلة وذات السقف المنخفض، للعمل السياسيّ. وهذا بشع بما فيه الكفاية، ولا يقبل التجميل، لكنّ بشاعته لم تظهر فجأة وعلى حين غرّة، بل تراكمت سلوكاً بعد سلوك وشهراً بعد شهر. وأهمّ من ذلك أنّ إجماع العالم على خطأ لا يُقاوَم لأنّ مقاومته انتحار وتبديد لإمكانات ينبغي حفظها للمستقبل. ولنتذكّر جميعاً المحنة الفلسطينيّة التي افتُتحت بمقاومة قرار جائر هو تقسيم فلسطين الذي التقت عليه، للمرّة الأولى بعد قيام الأمم المتّحدة، الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفياتيّ وأوروبا الغربيّة!

الحياة

 

 

جنيف 3 أو أوسلو: نحو تأسيس نكبة العرب الكبرى الثانية في سوريا/ مطاع صفدي

بقي جيلنا عقوداً متوالية منذ أربعنيات القرن الماضي وحتى أوائل العشرية الثانية من القرن الحالي الواحد والعشرين، بقينا جميعاً نتحدث عن فلسطين بوصفها نكبة لشعبها، ومن ثم لأمتها العربية وحضارتها الإسلامية كافة! وها نحن اليوم وقد شارفنا على تحوّل ثورة سورية إلى نكبة لها ولنهضة العصر العربي بكامله. هل أصبح هذا العصر الضائع يحمل على منكبيه في وقت واحد كلاً من نكبة فلسطين ونكبة سوريا معاً، كلا النكبتين لهما ذات المرجعية الواحدة، إذ أن صانعهما الأول هو هذا المصطلح المشؤوم: المجتمع الدولي ـ وهو المصطلح الذي تختفي وراءه هيمنة أقوياء العالم أو أقواهم غالباً: أمريكا، كيما تمارس مصالحها الإستثمارية ضد ضعفاء العالم، وأضعفهم منذ عقود هم العرب والمسلمون دائماً. من حيث عجز هؤلاء المتمادي عن حماية استقلالهم الوطني وحفظه بما يُكافىء أدوارهم الإنسانية، وتجاربهم الحضارية للأمس والغد.

منذ حوالي سبعين عاماً أعدَّ ((المجتمع الدولي)) هديته الكبرى، المنتظرة لما بعد الحرب العالمية الثانية بسلب فلسطين من جغرافيتها الأولية : طَرَدَ شعبها من بيوت آبائهم وأجدادهم، سَرَقَ الأرض من أصحابها وأعطاها إلى شعب آخر لا يمتلك أرضاً منذ آلاف السنين.

نَزَع المجتمع الدولي عن أكثرية سكان فلسطين صفةَ المواطنة المتوارثة ليأسرهم في صنف اللاجئين، جعل عيشهم ما بعد الوطن تشريداً دائماً على أبواب الأوطان الأخرى. أسّس لهم كياناً فريداً من نوعه صار له اسم نكبة فلسطين.

ما يفعله المجتمع الدولي راهنياً إزاء العرب والمسلمين، عبر الشام خصيصاً، هو إعادة صياغة هذا البلد بما يجعله وطناً كارثياً لنموذج النكبة المستدامة، هي الثانية ما بعد نكبة فلسطين. وقد تكرر كل آليات تفعيل البنية الكارثية المعهودة، مع تطورات وفوارق تأتي بها مصائب سورية، المتراكمة آثارها التدميرية منذ السنوات الخمس العجاف الماضية؛ ها هي تدخل الآن تحت رسم التصنيع الدبلوماسي، بما يؤهلها لأن تكوّن طَيّعِةً أسيرَة، كلياً تقريباً، لنوازع استثمار الخارج في أخصّ شؤون الداخل للبلد المعذّب، الممنوع من حريته. بموجب قرار دولي، وبما لا يبقي فقط على هذا المنع خلال ظروف الفوضى الدموية، بل يجعله ساري المفعول على ما يعقبها من نتائج السلم الخادع. ذلك أن معنى النكبة، لا يُحصر في تمادي الشرور الطارئة وحدها، بل هي في ديمومة ما يؤسس قابلية الإنتكاب. تماماً كالحالة الفلسطينية التي يعيش شعبها في متاهات أطول ثورة/نكبة في هذا العصر ومنذ عقود مديدة، دونما نهاية ما.

قابلية المجتمع للإنتكاب قد تشكل له طبيعته الَخَلْقية الثانية. لن تظلّ نتاجاً للكوارث الطارئة، بل لها دورها الأولي في انتاج أضرارها. يبقى أن فاعلي الانتكاب ليسوا هم من سلالةٍ سحرية خارقة، هم (بلديون) غالباً. ومواطنون، وقد يصحبهم أشباح الخراب في ضواحيهم، أي أن قابلية الانتكاب ليست هي بمثابة غريزة فطرية بقدر ما يكون المجتمع قد اكتسبها من أحوال الإضرار به المتمادي بدون قدرة على ردّه. هذا ما اصطلحنا عليه باسم الشر المحض. فلن يكون الشر محضاً خالصاً لذاته إلا عندما تتجاوز أحداثه أسبابها ونتائجها. عندما تغدو حتى لغة السياسة اليومية عاجزة عن تسميته، فالنكبة هي الوصية الضامنة لأصناف سلوكياتها، هي التي تفرض على ضحاياها مصائبها مقرونة ببراهين تحقيقها المحتومة غير القابلة للدحض المباشر، حتى، وأساساً من قبل أقوى ضحاياها هؤلاء أنفسهم.

النكبة، بسبب طبيعتها المستدامة، تتابع نشر مسلسلات من الوقائع السلبية المعمّمة من داخل بؤرها الأصلية في موطنها الأول، لكنها تنقله من دوائر جيوسياسية واقتصادية وعسكرية إلى أوسع المحيطات حولها، وإلى ما يتجاوزها زمانياً ومكانياً. فالنكبة الفلسطينية ما عتَّمت حتى أصبحت نكبة عربية حدّدت وظيفتها المركزية في الصميم من كل تحولات المستقبل القومي الذي أتى بعد انفجارها الأول، منذ الغزوة الصهيونية الدولية الكبرى عام 1948 م، أي ما يزيد عن نصف قرن من تاريخ النشأة الإستقلالية للدول العربية الحديثة فقد تتابع إرتهانُ سياستها الوطنية والقومية تحت هاجس الخوف من عقابيل النكبة، ومن تمددها، لكن دون التخلي عن مشاريع مقاومتها. لم يعرف ذلك العصر حدثاً انقلابياً في قطر من المشرق إلا والنكبة كانت عنوانَ تسويغه المنطقي و(الثوري).

تلك هي حروب العرب الرسمية مع الكيان الإسرائيلي الوليد كثمرة للنكبة، وما يليها من كوارث هزائمها للأنظمة الحاكمة العربية، كل هذه الذاكرة الهائلة المضطربة لعودة العرب إلى ساحة الدول الحديثة؛ لم تستطع أن تتحرر من كابوس هذه النكبة. لم تتمكن من كسر قانونها الأساسي المتسلط على الحدث العربي العام الذي وقع، وعلى ما لم يقع منه بعد. ذلك القانون الذي أثبت حتى اليوم أنه هو التجسيم الواقعي لجبل (الإله) سيزيف الأسطوري؛ إذ يحكم على كل مُصطدِم به، أو صاعد متسلق على صخوره الوحشية إلى قمته، ما أن يبلغ تلك القمة حتى تزلَّ به قدمه ليسقط إلى عميق الهاوية تحته التي تنتظره منذ بداية مغامرته في تحديها.

نكبتنا الأولى في فلسطين لم تستنفد قواها بعد كيما يقال أن أقدارنا الحاقدة أعدت لنا النكبة الجديدة الثانية في فلسطين (الكبرى) التي هي شامنا المفجوعة كل يوم بأبشع المهالك الجماعية، متوأمةً دائماً مع أقذر الدبلوماسيات، أهلوياً ودولياً. حتى يكاد بعضنا يخاطب نفسه والآخرين في حفل جنون متواصل، يناديهم هكذا: أيها القوم لقد بكيتم أندلس الشمال منذ قرون، بكيتم فلسطين في ظهيرة القرن العشرين، وها أنتم تبكون أخيراً أندلسكم الأصلية، هذه التي تحتلُ مساحة الصميم من تاريخكم الغابر، ومن مصيركم العاثر. (إنهم) يصنعون لكم، وأنتم شركاؤهم بالقوة أو بالفعل، العينّات الفارقة من كل أصناف همجيات التاريخ، لكي يأتوكم بالنكبة النهائية وهي في صيغتها المطلقة هذه المرة. الممتنعة مقدماً على كل شهادة نزيهة، على كل تفسير عقلاني، حتى لا تشوبها أية مؤثرات خارجة عن صنوف شرورها الفريدة.

تذكروا أيها الأصدقاء (أنهم) هم عينهم ما أن استكملوا عناصر نكبة فلسطين، حتى أودعوها ما يُسمّى بالنفق الأسود للمفاوضات (أوسلو)، حيثما هناك تعفّنت كل الأفكار المصطنعة والمقترحات المشبوهة، والسيناريوهات المنافقة. لقد قالوا أنه حان أوان التصفية. فمن كان المقصود من موضوع التصفية عبر كل حفلاتها الصاخبة. هل هي النكبة، أو الأقل من عواملها الثانوية، بل هي التصفية الواقعة فقط على رؤوس (أعداء) النكبة، من المعارضين والمقاومين الحقيقيين؛ والمناضلين الصادقين.

هكذا إذن أيها الأصدقاء، نحن من أبناء الجيل الأول المعاصر لصناعة نكبة فلسطين، كتبنا عنها آلاف الصفحات. لكننا نعترف أنها لم تستطع أن تغير من نتائجها الكالحة مبدأً واحداً. ونقول للجيل المعاصر لسوريا النكبة الثانية: إنكم لن تتعايشوا مع (أوسلو) جديدة. لم يجفّ حبْر الأولى بعْدُ حتى تستولوا على حبْر الثانية. ومع ذلك لن نتمكّن نحن، كما أنتم منذ اليوم، من مبارحة محكومية قابلية الإنتكاب هذه. كأنما لم تعد مجرد طبيعة ثانية مكتسبة (طارئة). بل كادت أن تصير لنا هي الطبيعة الأولى. هل عَدوْنا شذراً مذراً من شعوب (سيزيف). هل لم يعد بيننا من لايزال ثائراً عليه وعلى أسطورته حقاً.

نعم: لن نُصدق أبداً أنه يمكن لسوريا أن تؤسس مصنعاً، ومن ثم سوقاً لإنتاج مسلسلات هذا المصطلح الكالح الكئيب: النكبة الثانية؛ وذلك بالرغم من تدخل أحابيل (أوسلو) القادمة. تلك (العقيدةْ) هي البقية الباقية من ذخيرة الرواد الأوائل، هؤلاء الذين لم يعرفوا شيئاً، لم يتنبؤوا بشيء عن أوسلو قبل وقوعها بعقود. لكن الجيل الثالث أو الرابع الحاضر الذي يعاصر اليوم النهايات الدرامية لقصته مع النهضة العربية المغدورة، هو الذي عليه أن يقطع الطريق على تدشين أوسلو أخرى لنكبة ثانية موصوفة بالسورية لتكون عربية شاملة وإسلامية، وربما كونية، هل نَعِد أنفسنا بالتصدي لمستحيل (قوموي) جديد!، ومن ثم الإنهزامي المنتظر.

٭ مفكر عربي مقيم في باريس

القدس العربي

 

 

 

 

جنيف 3» فرصة أمام المعارضة لتطوير سياستها/ جورج سمعان

لم يكن أمام المعارضة السورية خيار غير الذهاب إلى جنيف. كانت ستضع نفسها في مواجهة المجتمع الدولي. وفي مواجهة رأي عام دولي واسع تتفاقم مخاوفه من تنامي الإرهاب وانتشاره. توسعت الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسورية. أكثر من نصف دول العالم يشارك في المواجهة. ولكن في المقابل لا يفتأ التنظيم يوسع دائرة عملياته وانتشارها عبر القارات، سواء تلك التي تنفذ بأوامر وتخطيط من قيادته في الرقة، أو تلك التي تشنها «ذئاب منفردة». وانعدام التوافق على استراتيجية واحدة بين كل المشاركين في الحرب على «دولة الخلافة»، وانعدام الرؤية الواحدة لما بعد القضاء عليها، ليسا السببين الوحيدين اللذين يمدان بعمر «داعش» ومثيلاته. ثمة عوامل وظروف كثيرة تعزز التنظيم وترفده بمؤيدين جدد أبرزها تعثر التسويات في المنطقة العربية، خصوصاً في العراق وسورية. من هنا إصرار الدول الكبرى، والتفاهم الروسي – الأميركي على وجوب الحل السياسي وإن بالقوة. تعب العالم من الحرب وتداعياتها التي راحت تغير في وجه أوروبا وترفع سواعد يمينها المتشدد، وتكاد تقوض بعض قوانينها الواحدة التي عملت لها طويلاً. وتفرض عليها أعباء اقتصادية لا طاقة لها على تحملها في ظل الأزمة الدولية الراهنة. فضلاً عما خلفته موجات المهاجرين واللاجئين من تحديات.

من المستحيل إذاً أن يسمح العالم باستمرار الأزمة بعدما تحولت ولادة متاعب ومصدر أخطار كبيرة. لذلك، لم تجد المعارضة مفراً من التوجه إلى جنيف لئلا تبدو الطرف الرافض الحل السياسي. علماً أنها كانت بين مطرقتين قاسيتين من الضغوط. من جهة ضغوط الإدارة الأميركية التي لم تفعل شيئاً طوال نحو خمس سنوات من عمر الأزمة. فالرئيس باراك أوباما لا يريد أن يفاوض غريمه فلاديمير بوتين أو يقايضه لرفع العقوبات بسبب أزمة أوكرانيا. وترك الصراع وحله على عاتق القوى الإقليمية. كما أنه يسعى إلى تمضية سنته الأخيرة في البيت الأبيض على وقع عملية ديبلوماسية تعفي قواته من توسيع انخراطها في الحرب على الإرهاب في سورية والعراق. مثلما يسعى إلى تبريد الصراع مع روسيا وتقطيع الوقت من دون أي تنازلات بانتظار خلفه. من هنا هذا الغضب الواسع لشركائه التقليديين في المنطقة على سياسته التهادنية حيال روسيا وإيران. فهما وحدهما المستفيدتان من غياب دوره الفاعل والحاسم، ومن انكفائه وعزوفه عن المواجهة، أقله في المدى المنظور، إذ لا يغيب عن حساب الدوائر الأميركية رهانها على عامل الوقت الكفيل بجر الدولتين إلى مستنقع يفاقم أزمتهما الاقتصادية ومتاعبهما السياسية الداخلية.

وتواجه المعارضة من جهة أخرى ضغوط قاعدتها الشعبية والفصائل العسكرية التي ارتضت الوقوف معها في صف سياسي واحد للمرة الأولى في مؤتمر الرياض. ويصر هؤلاء على وجوب معالجة القضايا الإنسانية قبل أي بند آخر وإلا لا معنى للتفاوض. يصرون على وقف ضرب المدنيين، ورفع الحصار وسياسة التجويع، وإطلاق المعتقلين، خصوصاً النساء والأطفال… مثل هذه الإجراءات لا يمكن اعتباره شروطاً مسبقة، بل هي واجبات على الأطراف المتصارعة وعلى رأسها النظام نصت عليها القرارات الدولية، منذ بدء الأزمة وحتى القرار الأخير 2254، وهي مسؤولية مجلس الأمن. لكنّ ما يخفف من هذه الضغوط على «الائتلاف الوطني» وشركائه في المرحلة الأولى أن اجتماعات جنيف لا تشمل جلوس وفدهم بمواجهة وفد النظام. سيقتصر الأمر على محادثات مع المبعوث الدولي ستيفن دي ميستورا والفريق الدولي. ولكن إذا تعثرت مهمة الأمم المتحدة في فرض إجراءات ملموسة في الملف الإنساني، وإذا غاب التوافق على أجندة التفاوض ومآلاته، وإذا لم تتوحد القراءات المتناقضة للمرحلة المقبلة وصيغة الحكومة أو الهيئة الحاكمة وصلاحياتها ودور الرئيس بشار الأسد… فيخشى أن تنتهي جولة هذين الأسبوعين إلى فشل مدوٍّ، كما كانت الحال في اللقاءين الأول والثاني في جنيف. في أي حال لا تتوقع المعارضة الشيء الكثير من هذه الجولة، ما دام أن النظام ازداد إصراراً على الحل العسكري. إنه يشعر اليوم على وقع ما حقق له تدخل القوات الروسية بأنه يتقدم في جبهات عدة، ويمكنه أن يستعيد زمام المبادرة ويفرض على خصومه رؤيته للحل. إذا كان التوافق الدولي غائباً ومثله التفاهم الإقليمي فلماذا يتوقع المتفائلون توافقاً بين المتصارعين المحليين بعد أنهر الدم وتدمير المدن والدساكر وتهجير الملايين؟

يبقى أن التمهيد لمفاوضات غير مباشرة بين وفدين، بينهما مثل هذا الكم من العداء، هو أفضل السبل والمقدمات لتبريد الأجواء. لكن ذلك لا يعفي المعارضة عاجلاً أم آجلاً من اتخاذ موقف مقبول إقليمياً ودولياً لفضح النظام وأعوانه أولاً وأخيراً، إذ لا بد من تسوية في نهاية المطاف مهما عاند هذا النظام وأعوانه، أو زايد بعض القوى المتشددة في صفوف خصومه عموماً. عليها الاستماع إلى مناصريها في المجتمع الدولي والعمل لدفعهم إلى رفع مستوى انخراطهم وضغوطهم. فكثيرون منهم يتوقون إلى تغيير النظام، مهما كانت حدود هذا التغيير، نظراً إلى الظروف الحاضرة وتعقيداتها وتضارب المصالح بين اللاعبين الكبار. وسواء اقترب هدفهم مما يريده «الائتلاف» أم ابتعد، فالمساعي لتسوية سياسية لن تتوقف إذا انهارت الجولة الحالية في جنيف، وهي في الواقع تحمل بذور فشلها سلفاً لأن عناصر الحل لم تنضج بعد مع إصرار دمشق وحلفائها على كسر إرادة السوريين. ولن تخلو الأشهر الستة المقررة لها من مفاجآت قريبة وبعيدة. كما أن صورة سورية التي تريدها المعارضة قد لا تكون مطابقة لمرئيات القوى الدولية وتصورها. بالتأكيد لن تعود سورية القديمة. الأزمة المستمرة رسخت وترسخ واقعاً جديداً لا يمكن القفز فوقه أو تجاهله. لن يعود النظام وأركانه إلى ما كانوا عليه قبل اندلاع الأزمة. سورية والعراق ولبنان أيضاً، ستذهب إلى أوضاع مختلفة. ولن يكون حظ بلاد الشام أفضل من حظ جارها الشرقي الذي يتجه بخطى سريعة وثابتة لترجمة ما نص عليه دستوره. لتقوم ثلاثة أقاليم حلاً لا بديل منه مع انسداد الأفق أمام أي صيغة، في ظل تعثر برنامج حكومة حيدر العبادي لإرضاء المحافظات السنّية التي ترفع الصوت اليوم كما كانت تفعل أيام الحكومة السابقة، مستنجدة بالمجتمع الدولي لحمايتها من عبث ميليشيات «الحشد الشعبي». كل ذلك وبلاد الرافدين على أبواب انهيار اقتصادي سيضاعف المشاكل والتعقيدات ويؤجج الصراعات المذهبية والإتنية… وأهل كردستان يعدون العدة لاستفتاء يأملون بأن يقودهم إلى الاستقلال. خطوة ستعزز الميل نحو مزيد من تقسيم ما قسمه السيدان سايكس وبيكو!

حضور المعارضة إلى جنيف خطوة لحشر النظام وتقديمه الطرف الرافض أي حل أو تغيير. لكن ذلك قد لا يكون كافياً. تتطلب المرحلة اعتماد مقاربات جديدة، بل استراتيجية مختلفة. لا بد من تصويب الكثير مما أعاق مسيرتها في السنوات الماضية. وسواء تواصلت المفاوضات أم انهارت، يجب أن تعزز وحدتها وتستدرج مزيداً من القوى إليها. ولا يكفي أن تعول على الدعم المادي والعسكري والتسليحي الذي تقدمه قوى إقليمية معروفة. عليها أن تترجم ملاقاة أهل الإقليم والمجتمع الدولي في هواجسه ومخاوفه من تنامي الإرهاب، إذ يخشى أن تستدرج «دولة الخلافة»، في ظل هذا الاستعصاء السياسي وانسداد الأفق، أعداداً من اليائسين الذين كفروا بالدعم الخارجي وشح المساعدات العسكرية الوازنة. يعرف «الائتلاف الوطني» أن ما تحقق له في مؤتمر الرياض من توسيع المشاركة السياسية والعسكرية قد يتبدد على وقع المساعي الروسية وغيرها لشق صفوفه بعدما كسب تأييداً واسعاً وبات طرفاً لا يمكن تجاوزه. فماذا مثلاً لو تقدمت «هيئة التنسيق» أو أطراف أخرى نحو الدور الروسي؟ وماذا لو أغرت القوات الروسية بعض الفصائل المقاتلة بالتنسيق وبدور في المرحلة المقبلة؟ من الأجدى أن يسعى «الائتلاف» إلى توسيع دائرة الواقفين إلى جانبه. فلماذا يترك مصر مثلاً، على رغم أثقالها الأمنية في مواجهة الإرهاب في الداخل؟ لماذا يدعها تحصر تعاملها مع فئة بعينها من المعارضة ليس لها وزنها الفعلي على الأرض؟ لماذا لا ينخرط معها في حوار، مهما كان صعباً، لتوازن على الأقل علاقاتها بين المعارضة ودمشق؟ لا تزال القاهرة تمثل ثقلاً سياسياً بمواجهة إيران وغيرها في موازين الإقليم، مثلما تمثل بعلاقاتها مع الكبار، خصوصاً موسكو، عاملاً مساعداً. أبعد من ذلك، لماذا لا يشن «الائتلاف» حملة تبدد بعض مخاوف روسيا المتكررة من التجربة الليبية؟ وإذا كان يرى إلى تدخلها احتلالاً وعدواناً ويعبر عن خيبة أمله من موقف الولايات المتحدة وفريق كبير من «الأصدقاء» الغربيين، فلماذا لا يسعى إلى مراكمة علاقاته الخارجية مهما ضعفت؟ العلاقات مع الخارج تكاد تكون العنصر الأساس في أي ميزان للقوى. وتعزيزها يساعده على رفض ما لا يرتأيه في مصلحة بلاده ومستقبلها، وفرض التغيير المطلوب والمقبول، بدل أن يظل ضحية صراع الكبار وتفاهماتهم. أليس مفيداً تخلي بعض قواه عن خطابات التهديد والوعيد بـ «ذبح» كل المعتدين والمحتلين، أقله من أجل طمأنة الرأي العام الغربي الذي يرتعد من صور «الذبح الداعشي»؟

ألا يدرك «الائتلاف الوطني» اليوم أنه تأخر في إيجاد حد أدنى من التفاهم مع «حزب الاتحاد الديموقراطي». كان دفعه ربما إلى الابتعاد وإن قليلاً عن النظام على أن يترك مستقبل المنطقة الكردية إلى مرحلة لاحقة، حتى وإن أدى ذلك إلى منحهم ما يشبه الإقليم في إطار فيديرالية تبدو الحل الوحيد المتاح، ما دام العراق يتجه إلى ثلاثة أقاليم. فلا يعقل اليوم ألا يشارك صالح مسلم زعيم الحزب في المفاوضات الجارية في جنيف، أياً كانت مواقفه.

الحياة

 

 

المعارضة السورية والمعركة التفاوضية/ ماجد كيالي

لم يكن مفاجئا قرار المعارضة السورية الذهاب نحو مفاوضات جنيف، لأن التشبّث بموقف المقاطعة دون قدراتها، ولأنه يضعها أمام العالم وأمام شعبها كمن يقدم هدية مجانية للنظام، الذي سارع لإرسال وفده، فيما هو يواصل حصاره وقصفه للكثير من مناطق السوريين.

بيد أن المعارضة، هذه المرة، استطاعت أن تشد الحبال إلى طرفها، أكثر من أي فترة مضت، ما تمثل بتوحيد صفوفها وتصليب موقفها التفاوضي وتوضيح خطابها، وضمن ذلك إصرارها على عدم المشاركة في مفاوضات قبل وقف القصف، وضمنه القصف الروسي، والسماح بقوافل المساعدة الإنسانية الوصول إلى المناطق المحاصرة، واطلاق سراح المعتقلين، وفقا للفقرتين 12 و13 من قرار مجلس الأمن الدولي (2254)، باعتبارها أمورا فوق التفاوض (حسب تعبير ستافان ديمستورا ذاته)، وعلى أن يكون الهدف النهائي للمفاوضات التوصل إلى هيئة حكم انتقالية تنهي حكم نظام الأسد، وفقا لبيان جنيف 1. وقد لقي موقف المعارضة هذا استقبالا جيدا وقبولا واسعا من قطاعات واسعة من السوريين، وهذا أمر يحسب للمعارضة، ووحدة تشكيلاتها السياسية والعسكرية، ولأداء المتحدثين باسمها وفي مقدمتهم رياض حجاب.

على أي حال الفكرة الأساسية هنا أن هذه المفاوضات، وفي هذه الظروف والمعطيات، لن تنتج شيئا يذكر، لأن القصة لا تتعلق بالتفاوض وإنما بموازين القوى العسكرية على الأرض، ولا سيما بمدى حسم الأطراف الدولية والإقليمية لأمرها بشأن وضع حد للانفجار السوري، وإتاحة المجال للسوريين لتأسيس لنظام جديد. وبديهي أن ذلك كله يتعلق بما تريده أو ما لا تريده الولايات المتحدة الأميركية، أكثر من أي طرف آخر، إذ أنه بناء على ترددها، أو مراوغاتها، أو لامبالاتها، يشتغل الطرفان الروسي والإيراني على دعم النظام وفرض أجندتهما في سوريا.

أما بخصوص الذهاب لآخر الموقف، بالتشبث بعدم المشاركة في المفاوضات، فلم يعد مجديا، لأنه لن يكون مفهوما أو مقبولا من الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة للمعارضة السورية، لاسيما بعد كل الضمانات والتعهدات التي قطعتها، بغض النظر عن صدقها أو عدمه، فقد تراجع وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن كلامه أن على المعارضة أن تشارك في المفاوضات دون شروط، كما تراجع ديمستورا عن قصة التفاوض على وقف إطلاق النار بعد المفاوضات، ليصبح هذا الأمر، وغيره من الشؤون الإنسانية، أمرا فوق التفاوض وفق نص قرار مجلس الأمن، أما اشتراطات روسيا وإيران ومحاولتهما فرض وفد مفاوض، رديف للنظام، فلم تنجح.

مثلا، كنت أعتقد أن على المعارضة أن ترفض المشاركة في المؤتمر المذكور، وفقا لكل الشروط المجحفة ولكل محاولات الإملاء والابتزاز، التي شهدناها في الأيام الأخيرة، سواء من الطرف الروسي أو من الطرف الأميركي، وعلى اعتبار أن مثل هذا الرفض لن يغير من مستوى دعم القوى الدولية والإقليمية لها، لأنه دعم محدود أصلا، ولأن التهديدات شكلية وجزء من اللعبة، ولأن الانصياع للتهديدات سيقوض صدقية المعارضة، ويحول دون تبلورها كشخصية اعتبارية ممثلة للسوريين ولأملهم في التغيير الديمقراطي، وهذا أهم ما يفتقده ويحتاجه السوريون. لكن بعد تغير المعطيات نتيجة صبر المعارضة السورية، وتصلب موقفها، ونيلها ما تريده، لم يعد ثمة معنى للرفض، لا سيما أن الكل يدرك أن المفاوضات هي جزء من العملية الصراعية.

القصد أن النظام انتهى أجله سياسيا، وهو يلعب في الوقت الضائع، ولحساب حلفائه الإيرانيين والروس، لذا فإن المعارضة هي المعنية بصوغ شخصيتها وتعزيز مكانتها وتوطيد توافقاتها، ويأتي ضمن ذلك حسن إدارتها للصراع التفاوضي، ولأوضاعها على الأرض، مع التمسك بحقوق السوريين العادلة والمشروعة، وعدم التنازل لتلاعبات وشروط القوى الدولية، حتى لا تخسر شعبها وتخسر ذاتها، فهذه هي الظروف التي يمكن أن تنضج قيادة يحتاجها السوريون وتحظى بإجماعهم.

*نقلاً عن “العرب”

 

 

 

 

الانقلاب وغطاء جنيف/ غسان شربل

المأساة السورية غير مسبوقة. بضحاياها. وأشكال القتل فيها. وأمواج اللاجئين والمهجرين. وعدد المنخرطين فيها على جانبي الصراع. وتباين حساباتهم ولغاتهم. ومن يدري فقد تكشف الأيام أن المأساة السورية أشد هولاً وأهمية من المأساة التي عاشها العراق بدءاً من الغزو ووصولاً إلى اليوم. أشد أهمية في نتائجها الإقليمية والدولية معاً.

يمكن الحديث عن صفحة جديدة في هذه المأساة فتحها الانقلاب الروسي المتمثل بالتدخل العسكري على الأرض السورية. يساعد التدخل هذا على فهم سلوك موسكو منذ اندلاع الحريق السوري بما في ذلك الاستخدام المتكرر لحق النقض في مجلس الأمن.

خدع فلاديمير بوتين من التقاهم على مدى سنوات وبحث معهم التطورات في سورية. خدعهم بجمل قصيرة غامضة وملتبسة وتتسع لتأويلات عدة. لم يخطر في بالهم أنه ينتظر ساعته ليسدد الضربة الكبرى. كان تصاعد الأخطار الوافدة من سورية فرصته السانحة. وكان وجود رئيس من قماشة باراك أوباما فرصته الذهبية. وفي اللحظة المناسبة اتخذ قرار التدخل في سورية.

لا مبالغة في القول أن قرار روسيا التدخل عسكرياً في سورية هو من قماشة القرارات الكبرى والخطيرة التي تشمل أيضاً قرار جورج بوش بغزو العراق. جاء بوش متذرعاً بخطر النظام ومستنداً إلى معارضة يئست من قدرتها على إطاحته. وجاء بوتين متذرعاً بخطورة المعارضة ومستنداً إلى موافقة نظام لم يعد قادراً على حماية معاقله الأخيرة. جاء بوش لإسقاط نظام ورئيس وتغليب المعارضة وجاء بوتين لإسقاط المعارضة وإنقاذ نظام ورئيس.

استغل بوتين أهوال «داعش» والميول الانسحابية لأوباما لإطلاق انقلاب ذي أبعاد استراتيجية. وجه إلى المعارضة السورية ضربة مروعة. حرمها ليس فقط من أي رهان على إسقاط النظام بل أيضاً من الرهان على أي تفاوض معه من موقع قوة أو موقع مكافئ. ولم يرف جفن القيصر حين كشفت الصور أن طائراته تقصف المعتدلين أكثر مما تقصف «داعش» وأن لائحة القتلى المدنيين بفعل غاراتها تتزايد يومياً.

لم يأت بوتين لخوض حرب طويلة مفتوحة. لا يريد أفغانستان جديدة ولا الفوز بلقب «الشيطان الأكبر» في العالم السني. وعليه أن يتذكر دائماً أن الروبل مريض وهو أضعف جنرالاته. لذلك كان لا بد من حماية الانقلاب وتنظيم عملية استثمار نتائجه. كان لا بد من غطاء من قماشة «جنيف 3». وهو غطاء صمم أزياءه الخصم الأول للمعارضة السورية و»داعش» سيرغي لافروف وتبنى الأزياء مساعده الساذج جون كيري وأوكلت إلى ستيفان دي ميستورا مهمة توفير ما يلزم للجنازة من طاولات وأزهار.

يحتاج بوتين إلى الإيحاء بأنه ليس مجرد طائرة «سوخوي» تستكمل تدمير سورية. يحتاج إلى تقديم نفسه صانعاً للحلول. ولأن الحلول صعبة وبعيدة يحتاج على الأقل إلى غطاء لاستكمال مهمته. الغطاء نفسه يحتاجه أوباما الذي هرب من الشرق الأوسط قبل أن يحين موعد هروبه من البيت الأبيض. يحتاج أوباما إلى غطاء في هذه السنة الأخيرة عله ينسي الناس العبارات التي أوقعت المحتجين السوريين في الأمل حين راح يتحدث عن «ضرورة تنحي الرئيس الذي فقد شرعيته». سيدعي لاحقاً أنه رفض الخوض في المستنقع السوري وأنه قبل مغادرته شارك في وضع المأساة على سكة الحل.

واضح أن شروط التقدم نحو الحل ليست متاحة الآن وربما تحتاج إلى نهر جديد من الدم. لكن الغطاء حاجة ماسة. يكفي إطلاق العملية ولو تعذرت النتائج. إطلاق العملية في ظل موازين القوى الإقليمية يريح لاعبين إقليميين كطهران والميليشيات التابعة لها ما دام بقاء النظام مضموناً ولا بحث في مصير الرئيس. مجرد الجلوس تحت عباءة جنيف يعطي انطباعاً أن النظام مستعد للبحث عن حل ويُنسي العالم الصور الوافدة من مضايا وقوارب الموت.

أخطر ما يمكن أن يحدث هو أن يتكرر ما شهدته المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية على مدى سنوات وسنوات. أي الجلوس حول الطاولة والتقاط الصور فيما تستمر المأساة وعمليات فرض الأمر الواقع. العملية من أجل العملية ليست مفيدة في المقابل للدول التي تكتوي بأعباء اللاجئين كتركيا والأردن ولبنان. ليست مواتية أيضاً لدول دعمت فعلياً المعارضة السورية كالسعودية وقطر.

في «جنيف 2» شرب النظام السوري السم وذهب إلى اللقاء مع قرار بعدم تقديم أي تنازل. في «جنيف 3» شربت المعارضة السورية السم وذهبت لاحتفال طويل مؤلم لا يتخطى عملية توفير غطاء للانقلاب الروسي على «جنيف 1» و»هيئة الحكم الانتقالي الكاملة الصلاحية» ومرجعية المفاوضات. إننا أمام مجرد محطة في رحلة طويلة مؤلمة.

الحياة

 

 

 

دقّت ساعة الحقيقة؛ ماذا ستفعلون؟/ محمد أبو رمان

الدلالة الأكثر عمقاً وأهمية في الكواليس والمواقف التي سبقت مفاوضات جنيف الحالية للسلام في سورية، يمكن اختزالها بعبارة واضحة صريحة، وهي “دقّت ساعة الحقيقة”، إذ أزالت إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ما تبقى من “مكياج” دبلوماسي عن موقفها الحقيقي، أو بالأحرى الانقلاب الجذري في موقفها من “الصراع في سورية”، ومارست ضغوطاً على الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة السورية، للمشاركة في المفاوضات، مع عدم وجود أي ضمانات، ومع التحلل الواضح من التزام الإدارة بربط الحل السياسي برحيل الأسد.

كانت معالم التغير في الموقف الأميركي تشي بها تسريبات وتصريحات عديدة مواربة للمسؤولين، وكذلك المؤشرات لما يدور “تحت الطاولة” بين الأميركيين والروس. لكنّ ما حدث عشية المفاوضات من الوزير، جون كيري، إعلان صريح عن انقلاب كامل تماماً في السياسة تجاه سورية، وانحياز لرؤية المعسكر الروسي- الإيراني في تصور الحل السياسي المطلوب.

الحلقة المفصلية تمثّلت بإعادة تعريف الصراع الحالي بوصفه “حرباً أهلية”، بدلاً من “ثورة ضد نظام استبدادي”، وبفك الارتباط المعقود أميركياً وغربياً بين صعود تنظيم الدولة الإسلامية وسياسات الرئيس السوري التي أنتجت ذلك. فما يحدث اليوم، عملياً، هو تغليب أولية الحرب على الإرهاب= داعش، من دون النظر إلى الشروط الموضوعية والواقعية التي أدت إلى تطور التنظيم، وسيطرته على مساحة واسعة من الأراضي في العراق وسورية.

ما هو أهم من هذا وذاك أنّ الموقف الأميركي الجديد يعكس رؤيةً جديدةً لموازين القوى الإقليمية، وللتسليم لإيران، بوصفها القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة العربية، ولشعور الغرب، عموماً، بأنّ مصالحه، اليوم، هي أقرب إلى الصفقة مع إيران، في ظل حالة تشظي المعسكر العربي، وخلافاته الداخلية وأزماته البنيوية، فتحولت الرهانات الغربية اليوم، بصورة واضحة، إلى الاعتماد على “الحصان الرابح” في السباق.

“يسير الوضع الراهن نحو ابتلاع المنطقة، بدءاً من العراق وسورية، من المحور الروسي – الإيراني، وسيؤدي، في المحصلة، وعلى المدى المتوسط إلى “انقراض العرب” استراتيجياً وحضارياً”

من كان له تفسير آخر أو رأي وتحليل سياسي بديل، فليأت به، بدلاً من المكابرة الحالية التي تعيش فيها الأنظمة العربية، وتمنعها من رؤية ضوء الشمس الساطع في رابعة النهار؟

على الطرف الآخر، يقف المحور السعودي- التركي مصدوماً من حجم المأزق الذي يجد نفسه فيه اليوم. فالتحالف مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية في اللحظة الراهنة، وفي ضوء موازين القوى الحالية، بمثابة الاستناد إلى حائط كرتوني. ودرجة التباين في رؤية المصالح والأولويات بين هذا المحور والإدارة الأميركية لم تعد تحتاج إلى تحليل أو تفسير، ومحاولات إمساك العصا من المنتصف من هذا المحور تجنباً للارتطام بحقيقة الموقف الأميركي لم تعد تجدِ، وسياسة “أنصاف الخطوات” باتت عبئاً حقيقياً على هذا المحور.

أكثر من ذلك، ومن باب القراءة الصريحة، بعيداً عن المجاملة الدبلوماسية، فإنّ الخطوات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية، من أجل تقوية مركزها الإقليمي، انقلبت رأساً على عقب، وأتت بنتائج عكسية تماماً؛ كيف؟

لم تكن أغلب الدول جديّةً في انضمامها إلى التحالف، أو التوافق على رؤية استراتيجية مشتركة للمصالح ومصادر التهديد الأمني. وربما تكون أبرز الدول التي كانت تسعى القيادة السعودية إلى وضعها في صفّها، في ترسيم تحالف إقليمي، ذي طبيعة سنية، هما باكستان ومصر، لكن من الواضح أنّهما غير مقتعتين بعد، بهذه الخطوة النوعية.

تبدّت خيبة الأمل السعودية، عبر موقف كتّاب سعوديين بارزين، خلال الأزمة الأخيرة السعودية – الإيرانية، فمواقف حلفاء المملكة لم تكن صلبةً، كما كانت تتمنّى، وحتى تحالفها التقليدي مع المعسكر المحافظ العربي لم يكن صلباً وواضحاً، بما يعطي إشاراتٍ واضحةً عن المصالح المشتركة بين هذه الأطراف.

التحول في موازين القوى والمزاج الدولي والإقليمي انعكس على أرض الواقع في الصراع السوري، في الأسابيع الأخيرة، إذ تمكنت القوات السورية، بدعم مغدق من الروس، وبمشاركة إيرانية مباشرة، مع حزب الله، من استعادة محافظة اللاذقية كاملة، ومن التقدم في الجنوب والسيطرة على بلدة الشيخ مسكين الاستراتيجية، ومن السيطرة على مساحاتٍ واسعةٍ في دمشق وريفها، وإضعاف موقف بقايا المعارضة المسلحة، الموالية للسعودية والأردن، استراتيجياً، بعد قتل قائد جيش الإسلام زهران علوش.

المحور الروسي- الإيراني يرمي بكل ثقله على الأرض في سورية، والغرب والعرب يتفرّجون، بينما تشارك القوات الأميركية بقوة في معارك العراق، وتغمض عينيها تماماً عن النفوذ الإيراني هناك، وما تعرّض له السنة العراقيون من جرائم مفضوحة في محافظة ديالى، تمهيداً لتطهير طائفي، أو الحصار المطبق على الغوطة في دمشق.

صحيح أنّ الحل العسكري غير ممكن، حتى لو تغيرت الموازين حالياً، في معركةٍ غير عادلةٍ ولا نظيفة، إلاّ أن تغيير موازين القوى أمر مهم للغاية، وينعكس إقليمياً ومحلياً، من ناحية. ومن ناحية أخرى، سيسجل هذا الاختلال والتخلي عن الفصائل المعتدلة لصالح دعاية وخطاب داعش، وسيؤدي، في نهاية اليوم، إلى تدعيش السنة، وتطريفهم تحت وقع حالة الإحباط واليأس وفقدان الأمل حالياً.

يسير الوضع الراهن نحو ابتلاع المنطقة، بدءاً من العراق وسورية، من المحور الروسي – الإيراني، وسيؤدي، في المحصلة، وعلى المدى المتوسط إلى “انقراض العرب” استراتيجياً وحضارياً، وإغراقهم في حروبٍ أهليةٍ وصراعاتٍ داخلية، وحالة قبائلية في مواجهة قوى دولية وإقليمية جبارة، أليست هذه نبوءة واسيني الأعرج في رواية “العربي الأخير”؟

هل بإمكان السعودية اليوم فعل أمر آخر؟ سؤال يتطلب مصارحةً ونقاشاً عميقاً، في ظل حالة التدهور العربي؟ وما هي خريطة الطريق؟ وكيف يمكن لها وللأتراك، الذين ورطناهم، نحن العرب، معنا إعادة التفكير في المقاربة المطلوبة للمرحلة المقبلة، ولاستعادة المبادرة؟

أسئلة برسم الإجابة من الجميع. لكن المطلوب، أولاً، قراءة اللحظة الراهنة، بكل ما فيها من مؤشراتٍ خطيرة غير مسبوقة، والتفكير في خطواتٍ مغايرة لأنصاف الخطوات، وربما أحيل هنا إلى مقال قديم للزميل، جمال خاشقجي، في بداية الأزمة السورية، عندما طرح مشروع “العنوان الثالث”، متحدثاً عن ضرورة توفير بديل جهادي غير داعش وجبهة النصرة، لكن هذا الطرح المطلوب أن يتم توسيعه وتعميقه، ليصبح خياراً سياسياً استراتيجياً، وليس فقط تكتيكاً خاصاً بالحالة السورية.

العربي الجديد

 

 

 

محادثات السلام السورية: مغامرة في مركب قد يغرق/ فادي الداهوك

تدور داخل “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” منذ وفاة العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، مبارزة في التحليل السياسي بين الكتّاب. تلك المبارزة أخذت أطواراً متعددة، وصلت إلى مرحلة الاصطفاف مع أو ضد المملكة. فأصبحت الخلاصات التي يمكن الوصول إليها مما يكتبه الخبراء في المعهد تنحصر في معادلة وحيدة: قل لي ماذا تكتب، لأعرف مع من أنت.

تلك المبارزة كان موضوعها الأساسي هو إجراء الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز تغييرات كبيرة، وصفت بالانقلاب، استبدل بموجبها مسؤولين من عهد الملك الراحل، بأسماء جديدة، وكان أكثرها إثارة للجدل ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يتولى أيضاً منصب وزير الدفاع، ما جعله محور معظم الكتابات.

تشكّل ملفات المنطقة، في سوريا واليمن ومصر، الأحجار التي يرشق بها كل طرف الطرف الآخر. فعلى سبيل المثال، تبنّى مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في “معهد واشنطن” سايمون هندرسون، في إحدى مقالاته، وصف المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي للأمير محمد بأنه “شاب عديم الخبرة”. تحديداً، كان ذلك بعد بدء المملكة حربها ضد الحوثيين وقوات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. وخلص هندرسون إلى القول إن أي وزير دفاع، في أي بلد، لا يحقق نتيجة من حرب ما، يصبح ضحية سياسية. كما قدم استنتاجاً- سبقته استنتاجات أكثر غرابة- على أن حادثة الإعدامات الأخيرة في السعودية تمثّل تهديداً خطيراً على الاتفاق النووي مع طهران. وحرص دوماً على الكتابة ضمن خطين؛ الأول يتنبأ دائماً بـ”شقاق ملكي” داخل الأسرة الحاكمة، والثاني يطلب من الولايات المتحدة سياسة أكثر حزماً تجاه السعودية.

“لو أنني حصلت على مليون دولار عن كل تنبؤ صحيح قمت به، منذ الثورات الناصرية والانقلاب في القصر السعودي في عام 1958، حول زوال المملكة الوشيك، لكنت قد أصبحت ثرياً جداً الآن”، يقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط في “معهد واشنطن”، ومدير “منتدى فكرة” ديفيد بولوك ساخراً من المنتقدين للعلاقة بين واشنطن والرياض.

يعد رأي بولوك، على عنفه، الأكثر صراحة في الفريق الآخر. وهذا الرأي يبدو أكثر واقعية تجاه المملكة ودورها في المنطقة، خصوصاً أنه يضع السياسة الخارجية للسعودية في وضعية التناغم مع سياسة الولايات المتحدة، وهذا يكفي للحفاظ عليها ودعمها، والتأكيد على سذاجة الطرح القائل بضرورة الابتعاد عن المملكة في البحر السني المضطرب.

يشير بولوك إلى حاجة الولايات المتحدة إلى عشرة ملايين برميل نفط من السعودية يومياً. وتلك الحاجة أساس ضمان استقرار الاقتصاد العالمي. هذه الحاجة خلقت نوعاً من التشاركية الغريبة في إدارة عدد من الملفات. وكمثال على ذلك، يعدّ الدعم السعودي للنظام المصري والرئيس عبدالفتاح السيسي، المثال الأكثر غرابة، إذا ما قورن مع الدعم الذي تقدمه السعودية إلى خصوم الرئيس السوري بشار الأسد من الإسلاميين، الذين يراهم السيسي امتداداً لأقرانهم المودعين في سجونه. ذلك جرى بتوافق مع واشنطن، التي لا تتفوّه بكلام واضح حيال انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من قبل نظام السيسي.

يبرر بولوك هذا النهج بالاعتماد على فرضية تقول إنه لا ضير في ذلك، طالما أن عائدات النفط السعودي تموّل في النهاية شركاء للولايات المتحدة في المنطقة. فالأنظمة المستقرة هي هدف لواشنطن، ولا يمكن تحقيقه مع شريك أكثر فهماً لهذه المعادلة من السعودية.

تنسحب هذه الوقائع على الملف السوري أيضاً. فخلال الأشهر الماضية كانت واشنطن والرياض في أعلى درجات التنسيق حول سوريا، إذ تولّت المملكة تنفيذ مقررات اتفاق المجموعة الدولية في اجتماع فيينا الثاني حول سوريا – وهو جاء بتفاهم بين موسكو وواشنطن- وجلبت السعودية أطياف المعارضة السورية، العسكرية والمسلحة، حتى أولئك الذين يتموّلون من دول إقليمية منافسة مثل تركيا، وجمعتهم بمشهد لا يصدّق داخل قاعة واحدة من أجل تحضيرهم للمحادثات في جنيف.

وإذا ما بدا موقف الرياض تجاه الأزمة السورية، في مناسبات عديدة، أكثر حدة من موقف واشنطن، إلا أن هذه الحلقة المفقودة في فهم الموقفين سرعان ما زالت خلال تطورات الأيام الماضية، عندما كان التحضير لمحادثات السلام السورية في جنيف يسابق موعد انعقادها. فخطوط الاتصال كانت مفتوحة بين الوزير عادل الجبير، ونظيره جون كيري، وعمل الوزيران وكأنهما ذراعا جسد واحد، أحاطتا بالمعارضة السورية من الجانبين وقادتاها إلى خوض المغامرة الخطيرة.

يقول بولوك في مقالة نشرها قبل نحو أسبوعين، منتقداً المقرّعين للسعودية على خلفية حادثة الإعدامات، واعتبارها مشاغبة سعودية تستهدف سياسة الولايات المتحدة: “انتشرت قصة خيالية مفادها أن أحدث التحركات السعودية أدت إلى حد ما إلى إعاقة المبادرات الدبلوماسية الأميركية الواعدة، من سوريا إلى اليمن. هذا هُرَاء”.

بالفعل، أثبتت الأيام الماضية، والتحركات التي جرت بين واشنطن والرياض، لإنقاذ “جنيف-3″، أن أي حديث عن وجود اختلاف في مواقف البلدين تجاه سوريا هو هراء. لكن الغريب هذه المرة، هو اندفاع السعودية، بنهم شديد، إلى تجريب ما تم تجريبه سابقاً، لمرتين، في جنيف عامي 2012 و2014. آنذاك، ثبت أن دعم التجربتين لم يكن صائباً، وأن تحركات الإدارة الأميركية تجاه حل الأزمة غير فعالة، ولا تسير بالاتجاه الصحيح. وأن مقولة “لنختبر نوايا النظام” كان عمرها قصيراً جداً في “جنيف-2”.

لماذا كان على المملكة أن تدفع المعارضة السورية لتختبر “نوايا النظام” في موقعة حساسة مثل “جنيف-3″، وهي تعلم جيداً أن السنين في سوريا لا تقاس بالأيام، بل بالسؤال: كم قتل الأسد، وكم دمّر؟ إنها مغامرة تشبه إبحار مجموعة من السوريين من تركيا إلى أوروبا.. في مركب قد يغرق.

المدن

 

 

المحادثات السورية في جنيف إلى أين؟/ جاسر عبدالعزيز الجاسر

بعد شكوك حول استئناف المحادثات السورية بين فصائل المعارضة ونظام بشار الأسد، وصل وفد المعارضة السورية إلى جنيف مساء السبت على أمل أن يكون قد بدأت أولى مباحثاته مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لسوريا ستافان دي ميستورا يوم الأحد، بعد أن كان وفد النظام السوري قد عقد اجتماعاً مع الممثل الأممي.

وفد المعارضة السورية تردد في المشاركة في هذه المباحثات بعد أن مارست روسيا ضغوطاً على دي ميستورا لإشراك شخصيات سورية (مستأنسة) في نظر المعارضين الذين التقوا في الرياض، وشكلوا مكتباً للتنسيق، توصل إلى اختيار وفد يمثل كل أطراف المعارضة الحقيقية، التي تحظى بموافقة الشعب السوري الذي لا يتعامل مع نظام بشار الأسد أو الذين يعتبرهم السوريون (معارضة مستأنسة) وممثلة لبشار الأسد داخل المعارضة، أكثر منها معارضة للنظام؛ إذ إن بعض هؤلاء يقاتل فصائل المعارضة الحقيقية، بل يشارك في عمليات قتالية مع قوات النظام ضد المعارضة، كالاتحاد الديمقراطي الكردي، فكيف تقبل المعارضة أن يكونوا جزءاً منهم وهم الذين يقاتلونهم؟ هل يعقل أن يقبل عاقل بإدخال عدوه إلى منزله؟.

كما أن دي ميستورا يتعرض لضغوط لفرض شخصيات مشبوهة (كهيثم مناع) على وفد المعارضة، وهو الشخصية غير الثابتة، التي لم تحدد موقفها من معارضة نظام قاتل، بل يلجأ إلى التحالفات والتوافقات التي في خدمة أجندات قوى دولية، لا يهمها السوريون بقدر ما يهمها مصالحها ومصالح الدول التي تتحالف معها؛ إذ إن هيثم مناع وقدري جميل وصالح مسلم هم لدى السوريين، وطبعاً لدى المعارضة الذين هم انعكاس للمجتمع السوري، لا يعكسون رغبات الشعب السوري بقدر ما يمثلون حلفاء بشار الأسد؛ فمسلم ممثل (أمين) لملالي إيران رغم ما يلاقيه أكراد إيران من قهر من قِبلهم، وقدري جميل مقيم دائم في موسكو، أما هيثم مناع فيعده السوريون متلوناً؛ ولا يوثق به.

ولأن هؤلاء الذين يريد دي ميستورا فرضهم على وفد المعارضة غير مرحب بهم ضمن وفدها فما كان من الممثل الأممي إلا أن وجَّه دعوات شخصية بأسمائهم للمشاركة في المباحثات تحت صفة مستشارين، ولا يُعرف بعد هم مستشارون لمن..؟!.

المهم، بدأ وفد المعارضة السورية ووفد نظام الأسد نشاطهما في جنيف حيث تركزت هذه النشاطات على إجراء لقاءات مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، ووسائل الإعلام؛ إذ يسعى وفد النظام إلى صنع مساحة إعلامية لتوصيل رسائل للرأي العام العالمي، تتركز على اتهام أطراف مشاركة في وفد المعارضة بأنها تمارس الإرهاب. وكذلك يسعى لتبييض صورة النظام الذي ارتكب العديد من الموبقات، التي من أهمها وأكثرها إجراماً تجويع المدنيين بفرض حصار على المدن السورية؛ ما تسبب في موت العشرات منهم جوعاً، كما حصل في مضايا ودير الزور.. مع مواصلة استعمال رمي البراميل المتفجرة من الجو على المدن وعلى المساكن والمدارس والمساجد والأسواق؛ ما تسبب في مقتل المئات من المواطنين.

ومع أن المعارضة السورية قد طالبت الأمم المتحدة وممثلها الخاص لسوريا بأن يضغط على النظام السوري بأن يرفع الحصار المفروض على المدن السورية، بعد ازدياد حالات الموت جوعاً، وأن يوقف رمي البراميل المتفجرة، إلا أن دي ميستورا مارس ضغطاً قوياً ومكثفاً على المعارضة السورية لضمان مشاركتها في المباحثات، وتجاهُل مطالبها الشرعية التي تعد من المهام المطلوبة من الأمم المتحدة لحماية شعب يتعرض للقتل الجماعي، ومن قِبل أطراف عدة.

الجزيرة السعودية

 

 

 

التسوية السورية: مبادئ جنيف 1.. أم تنازلات جنيف 2 وفيينا/ إياد أبو شقرا

أحسب أنه لا يوجد مراقب سياسي عاقل يتوقع الكثير من «محادثات» مؤتمر جنيف3 لتسوية الأزمة السورية. وهذا فعلاً ما ذهب إليه أحد الدبلوماسيين الغربيين الكبار عندما شكك بتحقيق أي نجاح في المؤتمر عشية اتخاذ «الهيئة العليا للمفاوضات» ليل الجمعة الماضي قرارها بإرسال وفد يلتقي بالمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، ويطالب بتطبيق التعهدات الدولية، ولا سيما، إزاء الشق الإنساني.

«الهيئة العليا للمفاوضات» المنبثقة عن مؤتمر الرياض، الذي شهد أوسع تمثيل للمعارضة السورية الحقيقية، كانت خلال الفترة الأخيرة تحت ضغوط هائلة للمشاركة في جنيف3. وهذه الضغوط كانت دولية إثر إعلان دي ميستورا عقد المؤتمر «بمن حضر»(!)، وأميركية بعد تهديد واشنطن بقطع الدعم (!) إذا ما رفضت المشاركة.. وطبعًا، روسية في ظل الحرب التي تشنها روسيا على السوريين. والغريب أن روسيا تريد أن تكون في آن معًا شريكًا كاملاً (سياسيا وعسكريًا) لنظام الأسد ومرجعية تختار ممثلي «معارضيه» في «المحادثات».

الواقع أننا إذا راجعنا المشهد العام لمساعي إنهاء القتال في سوريا منذ اختار بشار الأسد قمع انتفاضة شعبه بقوة السلاح – بالذات منذ صيف 2011 – نجد خطين بيانيين متعاكسي الاتجاه. فتماسك القوى التي أيّدت انتفاضة الشعب السوري بدأ يتراخى بالتوازي مع تقدّم المفاوضات الأميركية – الإيرانية على الملف النووي الإيراني. وفي المقابل، مع انكشاف عجز نظام الأسد بقدراته الذاتية على قهر شعبه، أخذت تتكشف «أوراقه» الاحتياطية وتنفضح أبعاد تحالفاته الإقليمية والدولية، ومن ثم طبيعة دوره الحقيقي في منطقة الشرق الأوسط.

القوى المؤيدة – في البداية – للانتفاضة اعتمدت مُسمّى «مجموعة أصدقاء سوريا» وعقدت خلال فبراير (شباط) 2012 أول لقاء لها لم تُدع إليه إيران وقاطعته روسيا والصين. ولكن على الرغم من الدعم الذي قدّمته الدول الغربية، التي ادعت «صداقة» سوريا، فإنه ظل دون مستوى الدعم الاستراتيجي والتسليحي النوعي الدفاعي الطابع الذي طالما طالبت به المعارضة مثل الملاذات الآمنة، ومناطق حظر الطيران، وأنظمة الدفاع الجوي لتحييد طيران النظام وردعه.

وفي يونيو (حزيران) 2012 عقد مؤتمر «جنيف1» بمشاركة روسيا والصين هذه المرة. وكان تركيز «أصدقاء سوريا»، بمن فيهم الولايات المتحدة يومذاك، على إطلاق مرحلة انتقالية تمهد لـ«سوريا ما بعد الأسد». في حين تبنّت روسيا بدعم صيني ذرائع النظام وجعله الأولوية لمكافحة الإرهاب. وبالتالي، في هذه المرحلة كان ثمة خلاف معلن على تفسير مبادئ «جنيف1» بين واشنطن وموسكو.

وبعدها، واصل «أصدقاء سوريا» الغربيون رفضهم توفير الدعم النوعي للمعارضة، مقابل تنامي حضور «داعش»، في ظل إحجام النظام عن استهداف مواقع التنظيم المتطرف، بل عمله على استثماره لإنهاك «الجيش السوري الحر» وضربه… كما أقر صراحة أحد دمى أجهزة الاستخبارات السورية في لبنان.

بحلول 2013 كانت خطوات التقارب الأميركي – الإيراني أخذت تتضح، ولا سيما بعد الكشف عن المفاوضات السرّية التي أجريت بين الجانبين في مسقط، ثم فوز حسن روحاني بانتخابات الرئاسة الإيرانية في يونيو 2013. واعتبار واشنطن فوزه «انتصارًا» لنهج «الاعتدال» و«التعقل» ما يستوجب إيجابية أميركية جدّيّة تجاه طهران. وحقًا، خلال بضعة أشهر، بعد اطمئنان نظام الأسد إلى أنه لا وجود لـ«الخطوط الحمراء» التي هددته بها واشنطن، لجأ إلى استخدام السلاح الكيماوي في غوطة دمشق، مقابل تقبّله احتلال «داعش» مدينة الرقة. وسكتت واشنطن عن جريمة الغوطة مكتفية بتسليم ما قال: إنها «ترسانته» من السلاح الكيماوي.

وفي يناير (كانون الثاني) 2014 عقد «مؤتمر جنيف2» لكنه انتهى عمليًا من دون نتيجة في ظل تشدّد موسكو وتراجع واشنطن عن مطالبها، بل اقترابها من التفسير الروسي لطبيعة الصراع في سوريا. ثم في مارس (آذار) وجّه الرئيس باراك أوباما، من خلال مقابلة صحافية مع الصحافي جيفري غولدبرغ، رسالة واضحة المعنى لمن يهمّه الأمر لمّح فيها إلى رهان واشنطن على إيران حليفًا موثوقًا في الشرق الأوسط، بجانب إسرائيل. وبالتوازي، أخذت لهجة واشنطن إزاء الأسد تَخفُت تدريجيًا، وصار كل الكلام على أنه «فقد شرعية بقائه في السلطة».. بينما أضحت الرقة «عاصمة» آمنة لـ«داعش» في قلب سوريا.

على أرض سوريا وخارجها، أدى خذلان الانتفاضة الشعبية خلال عام 2015 إلى تزايد عدد الجماعات المتشددة مقابل إحباط القوى المعتدلة وابتعاد بعضها شيئا فشيئًا عن المشهدين السياسي والعسكري. غير أن الوضع الميداني للنظام لم يتحسّن كثيرًا على الرغم من المساندة الفاعلة من «الحرس الثوري الإيراني» وميليشياته اللبنانية والعراقية والأفغانية. وفي ظل حالة «اللاحسم» واستمرار المجازر ومعاناة المدنيين وتهديد عدد من معاقل النظام، وكذلك تزايد ميل الغرب لجعل محاربة «داعش» أولوية تسبق إسقاط الأسد، دخلت روسيا الحرب فعليًا في أكتوبر (تشرين الأول) 2015 بحجة ضرب «داعش».

وبعد شهر من الحملة الروسية التي ركزت ضرباتها فعليًا على استهداف «الجيش السوري الحر» والمعارضة المعتدلة، اجتمع ممثلو 17 دولة كبرى ومتصلة بالوضع السوري في العاصمة النمساوية فيينا، بينها إيران، بغياب ممثلين عن المعارضة والنظام. وانتهى الاجتماع بإعلان العمل على «وقف إطلاق النار» و«وضع أطر انتقال سياسي» مع استمرار الخلاف على مصير الأسد.

ثم في ديسمبر (كانون الأول) الفائت، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع قرارًا يحدّد «خريطة طريق» تبدأ بمفاوضات بين النظام والمعارضة على وقف لإطلاق النار وتشكيل «حكومة انتقالية» في غضون ستة أشهر وتنظيم انتخابات خلال 18 شهرًا، ومجددًا من دون الإشارة إلى مصير الأسد. بل، في ظل التقارب بين واشنطن وطهران، والتأثير الميداني للضربات الروسية، ظهرت تقارير تشير لتفاهم إيراني – أميركي على بقاء الأسد في منصبه حتى 2022!

ماذا نتوقع الآن؟

واضح أنه لا بديل للمعارضة السورية عن الصمود، مهما كانت خيبة الأمل كبيرة. الصمود من دون أوهام.

المعارضة تدرك اليوم أنها أمام «خصم وحَكَم في آن معًا».. لا يجوز منحه مبرّرات إضافية لكي يمعن أكثر في خذلانها، بل خيانتها.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

جنيف وتراجع الدور التركي في سوريا/ سعيد الحاج

خسائر ما قبل جنيف

تركيا ومباحثات جنيف

الخيارات التركية

بعد خمس سنوات من احتجاجات الشعب السوري التي تحولت إلى ثورة ثم إلى حرب أهلية ثم إلى “حرب على الإرهاب” ثم إلى صراع إقليمي بنكهة دولية، بات واضحا أن المسار الذي أسس له اتفاق فيينا بين كيري ولافروف هو خارطة الطريق الدولية المفروضة على جميع الأطراف لحل الأزمة السورية.

وهو مسار يستبطن بشكله الحالي وفي محطة مؤتمر “جنيف3” تحديدا، خسائر إستراتيجية كبيرة للشعب السوري ومعارضته والدول الداعمة له، وفي مقدمتها تركيا، إذا ما استمر بنفس المرجعية والسقف والمسار.

خسائر ما قبل جنيف

قبل الوصول للحظة جنيف3، كان الدور التركي في القضية السورية قد تعرض لعدة ضربات أدت إلى تراجع تأثيره بشكل ملموس على تفاصيل المشهد السوري وسبل الخروج من أزمته، لعدة أسباب وفي عدة محطات، أهمها:

أولا، فرض الحل في اتفاق فيينا بين الولايات المتحدة وروسيا، بما يتضمن خارطة الطريق والجدول الزمني والسقف والمآلات، دون أخذ رأي الدول الإقليمية المعنية ومنها تركيا، بل بتهديد ضمني لكل من لا يوافق على هذا المسار.

ثانيا، أزمة إسقاط المقاتلة الروسية وما تلاها من إجراءات روسية متتالية ومتسارعة، سيطرت الأخيرة من خلالها على الأجواء السورية وأصبحت بنتيجتها فكرة تركيا إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري في حكم المستحيلة، فضلا عن استهداف المعارضة السورية “المعتدلة” والتركمان -المحسوبون على تركيا- تحديدا، دون قدرة أنقرة على الرد أو الحماية.

ثالثا، تحول الأزمة إلى نزاع دولي -أو إقليمي بنكهة دولية- بعد استقدام عدة دول حاملات طائراتها لشرق المتوسط، وهو ما أضعف الموقف التركي وأنزله من مستوى دولة ندٍّ صاحبة قرار، إلى ترس في منظومة حلف شمال الأطلسي في المنطقة.

رابعا، خسارة ملف المعارضة السياسية واستلامه بشكل كامل من قبل السعودية عبر عدة خطوات أبرزها مؤتمر الرياض وما تلاه.

خامسا، التنافس الأميركي الروسي على التعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) وذراعه العسكرية قوات حماية الشعب في مواجهة تنظيم الدولة، وهما المصنفان تنظيمين إرهابيين في تركيا باعتبارهما الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني. وهو تعاون أحيا مشروع “الممر” الكردي في شمال سوريا، والذي لا يتم إلا عبر المرور إلى غرب نهر الفرات لوصل الكانتونات الكردية ببعضها البعض، الأمر الذي تعتبره أنقرة خطا أحمر بالنسبة لها ولأمنها القومي، دون أن تلقى الكثير من الآذان الصاغية حتى الآن في واشنطن.

تركيا ومباحثات جنيف

قد يكون الحل السياسي هو الحل الأمثل للأزمة السورية من الناحية النظرية ووفقا لمعطيات ونتائج خمس سنوات من الصراع، بل قد يكون -نظريا مرة أخرى- أقصى ما تتمناه دولة مثل تركيا بدأت تعاني من انعكاسات الأزمة عليها كدولة جارة ومشتبكة مع الواقع السوري.

بيد أن الشيطان يكمن دائما في التفاصيل العملية، ولذلك فلا يبدو أن مسار محادثات جنيف حتى الآن يخدم مصالح تركيا أو دورها في الأزمة السورية، لعدة أسباب منها:

– التوافق الأميركي الروسي شبه الكامل على مسار جنيف، وهو ما يضيق هامش المناورة أمام الدول الداعمة للمعارضة السورية ومنها تركيا، وكان من نتائج هذا التوافق بدء المحادثات “بمن حضر” قبل حضور وفد المعارضة.

– رؤية المباحثات وخارطة طريقها، حيث تمّ تجاهل اشتراطات المعارضة بوقف القصف وإطلاق سراح النساء والأطفال ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، فضلا عن حفظ حق الأسد في الترشح للانتخابات في نهاية المسار.

– التأثير الروسي المباشر على تحديد أسماء المشاركين في المحادثات، بما فيهم وفد المعارضة (إضافة وحذفا) ومن أعطوا صفة مستشارين، في مقابل ضعف التأثير التركي في وفد المعرضة للتفاوض.

– تهميش دور الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية الذي يقوده خالد خوجة المحسوب على تركيا، وتراجع تمثيل هذا التيار في وفد التفاوض الممثل للمعارضة.

– الإصرار الروسي على دعوة الفصائل الكردية للمحادثات وتهديده بفشل/إفشال المحادثات في حال عدم دعوتهم. وقد التفت موسكو على التهديد التركي بالمقاطعة في حال دعوتهم، بحضورهم إلى جنيف دون المشاركة الرسمية في المؤتمر، وبتوجيه الدعوة لهيثم مناع رئيس مجلس سوريا الديمقراطية الذي تنضوي تحته قوات حماية الشعب، فضلا عن تصريحات صدرت من موسكو حول دعوة “أكراد سوريا” في الجولات اللاحقة من المحادثات.

– عدم تمثيل تركمان سوريا في المحادثات، وهو ما اعتبر ردا روسيا على اعتراض تركيا على دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي، باعتبارها راعية تركمان سوريا سياسيا وتاريخيا وثقافيا.

الخيارات التركية

إذن فمؤتمر جنيف3 مسار إجباري للخروج من الأزمة السورية بتوافق أميركي روسي لم يراع تحفظات/شروط طرف رئيس فيه هو المعارضة، فضلا عن أن يعطي دورا لتركيا التي يبدو أنها أُشغِلت عن عمد بمشهدها الداخلي في مواجهة العمال الكردستاني بما يمنعها من مقاربة المشهد السوري مباشرة.

وعليه، فما الذي تملكه أنقرة، بعد كل ما ذكر، لتعيد التوازن للمشهد والتأثير لدورها في المسار السوري؟

بداية ينبغي القول إن محادثات جنيف هي المسار المرسوم لحل الأزمة السورية، بغض النظر عن الأطراف المشاركة ومستوى مشاركتها، وبغض النظر عن المدى الزمني الذي ستتطلبه مراحلها المتتالية، بل بغض النظر عن مدى نجاحها أو فشلها. وعليه فإن المتاح في مساحات العمل السياسي هو محاولة التأثير على هذا المسار أكثر منه اجتراح مسار آخر.

كما يجب عدم إغفال حقيقة أن إمكانات تركيا باتت محدودة وفرصتها في إحداث تغييرات جذرية ضئيلة جدا في ظل سخونة ملفاتها الداخلية، ما بين مواجهة العمال الكردستاني وجهود صياغة الدستور الجديد، فضلا عن حقائق الأمر الواقع التي فرضها الوجود الروسي في سوريا والتي شكلت حصارا جغرافيا وسياسيا وعسكريا لتركيا.

النقطة الثالثة الجديرة بالذكر هي أن مسار التفاوض هو مجرد انعكاس للواقع الميداني، ولذلك فقد حرص الروس على استهداف المعارضة بشكل مكثف قبل بدء المؤتمر، كما حرص كيري على إيصال رسالة تهديد شديدة اللهجة لوفد المعارضة بأن حلفاءهم “لن يستطيعوا” مدهم بما يريدون من أسلحة، زيادة في الضغط عليهم.

وعليه، فإن أمام أنقرة عدة خيارات، لعل أهمها التحلل من السقف الأميركي وخطوطه الحمر في دعم المعارضة السورية، خصوصا بالأسلحة النوعية التي يمكنها تغيير موازين القوى على الأرض بتحييد الطيران ما أمكن. فقد أثبتت الدبلوماسية الأميركية أنها ما زالت كما كانت دائما، بعيدة عن الوفاء للمبادئ قريبة من الإذعان للمصالح واحترام الأقوياء، ولذلك فعلى أنقرة أن تدرك أن كسب واشنطن أو تحييد دورها لا يأتي عبر الالتزام بسقفها بل بتجاوزه.

وتستوجب هذه النقطة مطلبا آخر لا يقل أهمية وهو رفع مستوى التعاون والتنسيق مع الحلفاء، وفي مقدمتهم السعودية، في المجالين السياسي والعسكري، ومن كلا الطرفين على حد سواء. إذ لا شك أن قدرة الثلاثي “أنقرة-الرياض-الدوحة” على اجتراح موقف متمايز عن الموقف الأميركي أكبر بكثير وأعظم فرصة في النجاح من موقف كل دولة على حدة.

والخيار الثالث لأنقرة -وهو ما تسعى له فعلا منذ فترة- هو تحييد الخصوم وتدوير زوايا علاقاتها المتوترة مع مختلف الأطراف، لكن على مبدأ زيادة الخيارات التركية لا التنازل والتقوقع على الذات.

فمن البديهي أن تركيا أقلَّ استهدافا من قبل الخصوم ستكون أكثر قدرة على الإنجاز، لكن لا بد من التخلص من أوهام الحيادية والنأي بالنفس و”تصفير المشاكل” التي لا يمكن تجنبها.

أخيرا، إضافة إلى ضرورة انتهاج هذه الخيارات بالتزامن والتوازي، ينبغي على أنقرة والدول الداعمة للمعارضة أن تدرك المتغيرات الكثيرة في المنطقة، وحقائق اللحظة الفارقة في الأزمة السورية، والتي لم تعد تستمد فيها فصائل المعارضة قوتها ودورها من الدول الداعمة، بل يجب على الدول الإقليمية أن تبحث عن دورها عبر قوة وأداء الفصائل، حيث بات الميدان أعلى صوتا اليوم من السياسة.

لقد كان كاتب هذه السطور -وما زال- ضد عسكرة الثورات، لأنها تفتح الباب على التدخلات الخارجية وتحولها إلى حرب بالوكالة، إلا أنه في ظل تعنت النظام وداعميه واستمرارهم في جرائمهم، فلا بد من الرد وتحقيق التوازن وإلا ضاعت الثورة ومعها سوريا.

وعلى الدول الداعمة -وفي مقدمتها تركيا- أن تدع ترددها وتتخذ قرارها، ليس دفاعا عن الشعب السوري هذه المرة، ولكن حفاظا على دورها ومصالحها وحماية لدولها حتى لا تقول أُكلت يوم أُكل الشعب السوري.

الجزيرة نت

 

 

 

الأمم المتحدة شاهد زور في سوريا؟/ موناليزا فريحة

تتزايد الانتقادات الموجهة الى الامم المتحدة على دورها الانساني تحديداً في سوريا، وهي تحمّل المنظمة الدولية مسؤولية تفاقم معاناة السوريين. فالعجز الذي تبديه أمام مأساة المحاصرين يكاد يكون فاضحاً، وخصوصاً بعدما تحول التجويع سلاحاً رئيسياً يستخدمه الفريقان، وإن بنسب متفاوتة، في هذه الحرب.

الوثيقة المتداولة عن أن الامم المتحدة كانت على علم بمجاعة مضايا قبل أشهر شكلت اشارة قوية في هذا الشأن، بعدما تبين أن المنظمة لم تضغط لإرسال مساعدات إلا عندما بدأت تظهر صور الأطفال الذين يعانون الجوع وسوء التغذية في وسائل الإعلام. وزاد التشكيك في قدرات الامم المتحدة على الاضطلاع بدورها تقرير يُظهر تدخل النظام السوري في خطتها للاغاثة في سوريا وحذفه اشارات الى حصار مدن وزرع ألغام، الامر الذي قلل حدة الانتهاكات التي يرتكبها النظام السوري في حق القانون الدولي.

سلوك الامم المتحدة يتناقض والنداءات القوية التي توجهها المؤسسات التابعة لها لمساعدة السوريين، ولا يلبي متطلبات الصورة المأسوية والمخيفة جداً التي ترسمها للوضع الانساني في سوريا، مع 13,6 مليون شخص في حاجة الى مساعدة ومليون شخص في المخيمات يفتقرون الى أي مساعدات دولية. وقد اضيف اليها أخيراً الحصار المتجدد لمعضمية دمشق حيث يعيش 45 الف شخص بلا مساعدادت انسانية ومواد طبية ملحة. فما الذي يعوق الامم المتحدة عن الاضطلاع بدورها الانساني وخصوصاً في سوريا؟ وهل تخشى حقاً أن يطرد النظام أو أي فصائل أخرى موظفيها من الشام؟ وهل بقاء الموظفين هناك شهود زور على المأساة يوفر للسوريين الماء والدواء والغذاء؟

لم تعد المنظمة الدولية تخفي عجزها في سوريا. فمكتب المبعوث الدولي ستافان دو ميستورا يستبق اي اتفاق لوقف النار قد ينبثق من المحادثات السياسية المتعثرة أصلاً في جنيف بالاقرار سلفا بعجز الامم المتحدة عن مراقبته أو فرضه، الامر الذي لا يعزز التوقعات، وإن تكن ضئيلة، لنهاية ما لهذه الحرب الدموية.

الورقة المسربة من مكتب دو ميستورا عن رؤيته لـ “آليات تطبيق وقف النار” تفترض، مما تفترضه، أنه سيكون على قوات النظام ومقاتلي المعارضة مراقبة أي اتفاق لوقف النار بأنفسهم. وإذا تحسن الأمن على الأرض، يتولى مكتب مبعوث الأمم المتحدة توسيع دوره في سوريا والعمل كوسيط بين المقاتلين السوريين الرئيسيين واللاعبين الدوليين.

الواضح أن دو ميستورا يتطلع الى تعميم اتفاقات وقف النار المحلية التي رعتها الامم المتحدة في سوريا. تلك الاتفاقات بدت في نظر كثيرين بمثابة مكافأة لنظام الأسد على تجويعه المدنيين، فهل تصير سياسة “التجويع حتى الاستسلام” في رعاية دولية عنوان المرحلة المقبلة؟

النهار

 

 

 

واشنطن أفشلت المحادثات السورية

نشرت صحيفة “فورين بوليسي” الإثنين، مقالاً للكاتب ستيفن هايدمان، بعنوان: “الولايات المتحدة أفشلت المحادثات السورية قبل أن تبدأ”.

وقال هايدمان: عندما بدأت المفاوضات الأخيرة لانهاء الصراع الدموي الطويل في سوريا، الجمعة، كان هناك طرف غائب بوضوح. وبينما تجمّع ممثلو وديبلوماسيو نظام الأسد في جنيف، فإن “الهيئة العليا للمفاوضات” المظلة الرئيسية لمجموعات المعارضة رفضت الحضور، إلا إذا توقفت الغارات الجوية وحصار المدن، وهي شروط لم تتحقق.

خلال عطلة نهاية الأسبوع، هيئة التفاوض العليا، انتقلت إلى جنيف، ولكن وضع المحادثات بقي غير واضح. ورغم أن هذه الأزمة أخرجت اللقاء عن مساره، ومع ذلك، إدارة أوباما كانت من الثبات في تصميمها على إجراء محادثات جنيف. التعبير عن تفاؤل حذر خلال شهور قاد إلى اللقاء، ووصف وزير الخارجية الأميركية جون كيري المحادثات بأنها أفضل فرصة “لرسم طريق الخروج من الجحيم”.

ورغم ذلك فإن النجاح في جنيف غير مرجح، ليس بسبب تصلب المعارضة. بل لأن إدارة أوباما زادت من احتمالات الفشل. فميلها الأخير تجاه موقف روسيا من مصير الرئيس بشار الأسد –القبول بدور مستقبلي له في الانتقال السياسي- قوّض مقومات النجاح، وأضرّ بالمصداقية الأميركية لدى المعارضة، وتسبب في تآكل النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. هذه النقلة في السياسة الأميركية جعلت التسوية عن طريق التفاوض أمراً أقل احتمالاً. بل أسوأ من ذلك، فقد تحفّز لاستمرار التصعيد في النزاع السوري.

وليس من المتأخر بالنسبة للإدارة الأميركية، أن تُغيّر الاتجاه، ولكن الاحتمالات بأن تفعل ذلك، ضعيفة. فالرئيس باراك أوباما، مائل إلى الدفاع الذاتي عن مقاربته للحرب الوحشية المستمرة منذ خمس سنوات في سوريا، والتي تهدد بتقويض استقرار الشرق الأوسط، ودفع أمواج من اللاجئين إلى أوروبا. وقد أوضح بأنه لن يتخذ سوى خطوات ضرورية لاحتواء النزاع، ولا شيء آخر. وعلى الرغم من الدليل على عدم احتواء الصراع السوري، فإن أوباما استمر في تنحية النقد الموجه له بأنه “لم يكن حازماً بما يكفي” جانباً، ووصف الخيارات التي طرحت عليه بأنها بلا معنى ” mumbo jumbo “.

مسؤول رفيع في “البيت الأبيض” اشتكى بأن العروض لتوسيع التدخل الأميركي، نصحت باتخاذ خطوات فعلية، ولكنها لم تأخذ في الحسبان ماذا سيحدث بعد ذلك.

وإذا اخذنا بشكل جدي، ادعاءات الرئيس الأميركي حول صرامة عملياته السياسية، فما الذي نفهمه عن التمحور الذي قاده كيري، بالتحالف مع روسيا، لرفض تغيير النظام؟ أو عن تقلبات الإدارة في قبول احتمال بقاء الأسد في السلطة في سوريا، وهو المتورط في جرائم حرب ضد الإنسانية، وحالياً يقوم بتجويع المدنيين في بلدة مضايا. هذه التنازلات لروسيا تخرق جوهر مبدأ أوباما، القائل: “لا تقم بالأمور الغبية -Don’t do stupid shit-“. أكثر من ذلك، فالتنازلات تعكس فشل الإدارة في التفكير بما سيحدث تالياً، أو كيف يمكن لتلك التغييرات في السياسة أن تساعد الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها.

هل فكر البيت الأبيض، مثلاً، في كيفية تجاوب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع التغيرات في موقف الأميركيين من مصير الأسد؟ من الواضح أنه لم يفكر. فبعد أقل من 24 ساعة، من موافقة مجلس الأمن على خطة الانتقال في سوريا، والمصممة استجابة للمطالب الروسية، أعرب بوتين عن جهوزية روسيا لارسال تجهيزات عسكرية متقدمة إلى سوريا، “في حال الضرورة”، للتأكد من نجاة الأسد. ورغم المطالبات العالمية، فإن قوات بوتين في سوريا تستمر في ملاحقة الجماعات المعارضة التي تأمل الولايات المتحدة في جلبها إلى الطاولة في جنيف، بل تستمر روسيا في قتل مئات المدنيين في تلك العمليات.

هل قيّم البيت الأبيض بشكل نقدي المطبات الموضوعة في وجه القرار الأممي الداعي لإجراء السوريين انتخابات خلال 18 شهراً، باشراف أممي، والمستندة على دستور لم يكتب بعد، من قبل هيئة لم تتشكل بعد؟ الانتخابات ما بعد النزاع هي عمل محفوف بالمخاطر. وبعد خمس سنوات من الدمار، مع نصف سكان سوريا كنازحين، ولا شيء من العمل التمهيدي للانتخابات قد بدأ، فما هو  السرّ غير المنطقي الذي يدفع الإدارة الأميركية للموافقة على انتخابات عاجلة تحت شروط تبدو إعادة اشعال للعنف بدلاً من إجازة إعادة بناء للمجتمع السوري ما بعد النزاع؟

هل توقع البيت الأبيض كيف يمكن لذلك القرار أن يؤثر على عملية الرياض –جهود السعودية لتوحيد المعارضة السورية حول رؤية مشتركة لمستقبل البلد؟ تصريح كيري عن النقلة في السياسة، جاء بعد أيام من أكبر تجمع لممثلي مجموعات المعارضة السورية في الرياض، وأنتج بيان مبادئ عن العملية الإنتقالية السورية، والتي تلتقي مع العديد من تطلعات الروس، ولكنها أيضاً تؤكد وجهة النظر القائلة بأن السلام في سوريا غير ممكن مع بقاء الأسد في موقعه. ومن دون ربح واضح، ضحّت الولايات المتحدة بالفعالية التي خلقتها عملية الرياض، حول مصير الأسد. وبدلاً من ذلك، قدّم البيت الأبيض حوافز جديدة للسعوديين لمواجهة التصعيد الروسي في سوريا، ودفع هيئة التفاوض العليا لمقاطعة افتتاح المحادثات، واضعاً لهجة تحدٍ لما سيتبع.

في شرح النقلة في سياسة الإدارة، عبّر كيري عن قناعته بأنه حالما تبدأ المفاوضات فإنها ستؤدي الى نتائج تلتقي مع طلبات المعارضة. عبر استرضاء روسيا، كما يبدو أن كيري يعتقد، فإن روسيا ستفرض نفوذها على نظام الأسد، وتجلبه لعملية ديبلوماسية، وبشكل نهائي سيقبل الانتقال الذي رفضه بشكل ثابت.

لسوء الحظ، فإن كلا هذين الإفتراضين خاطئ. فقرار روسيا بإرسال قوتها الجوية لدعم عمليات النظام الأرضية حفظت نظام الأسد، ولكن لم تظهر إشارات واضحة حول فرض موسكو لنفوذها على الأسد لقبول عملية انتقالية ذات معنى. خلق جو من عدم الوضوح حول موقف الولايات المتحدة من مصير الأسد، سيديم فقط الغموض الذي سيستغله النظام وروسيا. وعدا أنه غير مفضٍ إلى نتائج تنهي الصراع السوري، فإنه سينتج بشكل أقل بكثير ظروفاً لسلام مستدام.

هل ستتجاوز محادثات جنيف العقبات الراهنة؟ سيكون ذلك مثمراً أكثر، لو وازنت الولايات المتحدة العزم الروسي بدلاً من نشر الغموض فقط لجلب اللاعبين إلى الطاولة. وعلى الرغم من تشديد كيري على أن سياسة الولايات المتحدة لم تتغير، فإن هذه الإدعاءات ذات مصداقية قليلة بين السوريين. فتصور المعارضة لميل الولايات المتحدة باتجاه روسيا، يعزز من تردد هيئة التفاوض العليا إزاء رميها في عملية يتم خلالها تقويض موقعها، من قبل الولايات المتحدة. وبينما ابتدأت محادثات جنيف فالمعارضة بحاجة إلى ما هو أكثر من تأكيدات ضبابية.

ويحتاج البيت الأبيض لتوضيح التزامه باستراتيجية سورية شاملة، تعالج نظام الأسد وتنظيم “الدولة الإسلامية”. يجب أن يصر بأن التركيز في محادثات جنيف هو الانتقال السياسي، حتى لو تزامن مع دعم قوي لاجراءات بناء الثقة بين المعارضة والنظام، بما يتضمن انهاء التجويع لبلدة مضايا والاستخدام للبراميل المتفجرة. دعم الروس لانهاء الحصار سيكون اختباراً حقيقياً لنفوذها، ولالتزاماتها بالعملية الانتقالية عبر التفاوض. ويجب على البيت الأبيض أن يرفض بوضوح ادعاءات نظام الأسد المتهافتة بأن الانتقال لن يكون ممكناً حتى استبعاد الإرهاب.

ملاقاة العزم الروسي، سيتطلب من الولايات المتحدة إعادة تأكيد رؤيتها بأن الأسد غير شرعي، وأن ترفض الجهود الرامية لتمييع شروط مؤتمر “جنيف-1″، التي أقرتها الأمم المتحدة في حزيران 2012، واستبعاد أي غموض حول أولوية رحيل الأسد من السلطة في نقطة معينة من العملية الانتقالية. ويتوجب على إدارة أوباما أن توضح بأن تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 لا يمكن أن يقوّض “جنيف-1” ومحتواه من الشروط التي ستساهم فيها الانتخابات السورية في التعافي مما بعد النزاع.

بعد خمس سنوات من المأساة، يستحق السوريون، من البيت الأبيض، أفضل من سياسة تنحاز للعملية على حساب الجوهر. وإذا كانت هذه المحادثات طريقاً للخروج من الجحيم، فإن لدى الولايات المتحدة التزاماً بالتأكد من أن الطريق محدد بوضوح ويفضي إلى نتائج لا تديم ببساطة النزاع السوري.

المدن

 

 

 

مستقبل “أنظمة البراميل”: الأسد وبوتين مثالاً/ حسين عبد الحسين

الخطاب المتلفز لوزير الخارجية الأميركية جون كيري، الذي يغادر منصبه خلال 11 شهراً، حول الأزمة السورية، بدا خطاباً وداعياً، خصوصاً عندما تحدث عن مهلة ١٨ شهراً لاجراء انتخابات سورية حرة، فبدا حديثه من باب التوقعات لمستقبل لن يكون الوزير الاميركي مشاركاً في صناعته.

ولأن ادارة الرئيس باراك أوباما دخلت في فترة الوقت الضائع، تحولت الانظار في العاصمة الاميركية نحو الفريقين، الديموقراطي والجمهوري، اللذان يتشكلان حول مرشحي الحزبين الى الرئاسة.

في الجانب الديموقراطي، يقود جاك سوليفان، المستشار السابق لنائب الرئيس جو بايدن، عملية تشكيل فريق السياسة الخارجية للمرشحة هيلاري كلينتون. وسوليفان هو احد اثنين ممن قادا القناة الاميركية السرية مع ايران، في سلطنة عمان، في صيف العام ٢٠١٣، والتي افضت الى الاتفاقية النووية المؤقتة. وفي فريقه وندي شيرمان، الشخص الثاني سابقا في وزارة الخارجية، والتي تحولت الى الوجه الاميركي المفاوض مع الايرانيين على مدى السنوات الماضية.

وعلى الرغم من الاعتقاد ان سوليفان وشيرمان سيكملان سياسة اميركا تجاه ايران، في حال عودتهما الى الحكم مع كلينتون، وقّع المسؤولان السابقان على عريضة ضد اقتراح “التقارب” بين اميركا وايران، الذي اطلقه المرشح الديموقراطي بيرني ساندرز. وبدا موقف سوليفان وشيرمان طلاقا للحزب الديموقراطي مع سياسة أوباما الخارجية، في ايران كما في الملفات الاخرى مثل سوريا، خصوصاً مع الخروج النهائي المتوقع لفريق مشجعي الرئيس السوري بشار الأسد من البيت الابيض، من امثال ستيف سايمون وروبرت مالي.

في الجانب الجمهوري، يدور مسؤولو السياسة الخارجية في أفق مرشحين هما ماركو روبيو وجب بوش، على الرغم ان الرجلين ليسا في المرتبتين الاوليين في الانتخابات التمهيدية. والحزب الجمهوري، في حال استعادته البيت الابيض، سيظهر مواقف اقسى في مواجهة ايران وروسيا والأسد. لكن من المبالغة التوقع أن انتخاب أميركا رئيساً جمهورياً سيعني، تلقائياً، تدخلاً اميركياً عسكرياً في سوريا.

على ان تفكير المسؤولين المتوقعين لادارة السياسة الخارجية الاميركية، من الحزبين، لا ينحصر بالأزمة السورية وحدها. هكذا، يدور نقاش بين المسؤولين المستقبليين، لا حول الأسد او الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل حول متانة النموذج القمعي لهذين الديكتاتورين، وامكان انهيار نظاميهما، وانعكاس ذلك على استقرار المناطق المحيطة ببيلديهما، وعلى الأمن والسلام العالميين ككل.

وفي هذا السياق، نشرت مجلة “فورين افيرز” الأميركية مقالة بعنوان “اطفاء الاضواء على نظام بوتين: الانهيار الروسي المقبل”، جاء فيها انه على الرغم من الصورة المغايرة التي يحاول ان يعكسها، فإن بوتين ضعيف بعد ارتكابه سلسلة من الاخطاء الفادحة، وضعفه يهدد استقرار روسيا بعدما انفقت أميركا عقد التسعينات وهي تسعى لثبيت الوضع الروسي.

وقدمت المقالة نموذج النظام الروسي، الذي بدا مطابقا لنموذج الأسد، والذي يعتمد فيه بوتين على قوة نخبة مالية وامنية حاكمة، الى جانب عائدات مبيعات الطاقة، والقوة القمعية لنظامه، كل ذلك معطوفاً على خطاب قومي شعبوي يهدف من خلاله الى شد العصب الروسي وابقائه مساندا للحكم.

لكن بوتين ارتكب سلسلة من الاخطاء، فهو في محاولته منع اوكرانيا من توقيع اتفاقية تعاون مع الاتحاد الاوروبي، فاقم الامور في اتجاه حرب لا ترى المجلة انه يمكنه ان يكسبها، واحتل مناطق كالقرم، ادارتها مرهقة للخزينة الروسية، ودخل في مستنقع سوريا الذي لا يلوح في الافق مخرج له. ثم فرض بوتين عقوبات على اوكرانيا والاتحاد الاوروبي واميركا وتركيا، وهي عقوبات آذت اقتصاده اكثر من تأثيرها على الدول المستهدفة.

بقاء بوتين، حسب “فورين افيرز”، صار معتمداً على القمع وحده، وهذا نموذج ضعيف ينذر باندلاع ازمة او انهيار الحكم في اي وقت.

ولأن اخطاء بوتين القاتلة شبيهة باخطاء الأسد، الذي بدد الرصيد الدولي الذي ورثه، ثم وجد نفسه معتمداً على القمع وحده، فانهار لولا مساعدة ايران وروسيا، يعتقد فريق المسؤولين الاميركيين المقبلين ان الحلول للأزمات العالمية لا يمكن ان تعتمد على هذا النوع من “انظمة البراميل”، على حد قول أحد المستشارين في الحملات الرئاسية لشؤون السياسة الخارجية.

مع الرئيس الاميركي المقبل، من الديموقراطيين كان أم من الجمهوريين، ثمة تفكير يختلف عن تبني اوباما وفريقه الساذج محاولات بوتين والأسد على انهما مقاتلا الصف الاول للغرب في وجه الاسلام الراديكالي، وان بقاءهما هو السبيل الوحيد للاستقرار.

مع الرئيس الاميركي المقبل، مستقبل “انظمة البراميل” مثل الأسد وبوتين سيكون مصدر قلق ونقاش يوجه السياسة الاميركية المقبلة.

المدن

 

 

 

 

 

من جنيف «مع أطيب النيات”/ زهير قصيباتي

المضحك أن تطالب المعارضة السورية في جنيف، النظام بإبداء «نيات طيبة». المضحك المبكي أن يمنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» بضوء أخضر للاعتراف بحضورهما في جنيف، كأشخاص. المبكي هو هو، ما زال منذ 5 سنوات، مزيداً من الموت… ومَنْ لا يسقط بغارات قيصر الكرملين، يبتلعه البحر.

ولكن، لماذا التذمُّر؟ ألم يتراجع النظام السوري أخيراً عن حرب البراميل المتفجّرة؟ هو لم يعد بحاجة إليها، ما دامت «سوخوي» الحديثة تفعل فعلها، إلى حد يشيعُ الغبارَ عواصف تغشى الأبصار، فلا يستغرب السوريون أن يأتي يوم يطلب فيه النظام الرأفة من الرئيس فلاديمير بوتين… لا لشيء إلا لأن مَنْ لم يغيّبهم الموت هم ضرورة اقتراع، بعد «تطعيم» الدولة بتشكيلة «وحدة وطنية» حكومية، مرشدها الرئيس الذي يبقى في سدة الحكم على الخراب، فقط لأن «الشعب يريده».

أي سيناريو أسود؟ ولكن، ألم يقل موفد الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا إن السعي إلى وقف القتل ليس من اختصاصه؟ دوره البحث عن الغد «الدستوري»، عن صناديق اقتراع لانتخابات نزيهة، في سورية التعدُّدية… أن ينتقل من «غرفة» النظام في جنيف إلى «غرفة» المعارضة التي تنتظر «نيات طيبة» ممن دمّر البلد ومزّقه، بعدما زجّ به تحت عمامة الوصاية الإيرانية.

فليتمسّك السوريون بحكمة دي ميستورا، لعل الرئيس باراك أوباما المنزعج من رائحة الدم، يجدّد التنازل لـ «المفوّض السامي» بقوة الـ «سوخوي»، فلاديمير بوتين، المفتون بقدرة الجيش الروسي على اختبار الأسلحة الحديثة، في حقل الرماية السوري. وكلما قضم الروس من قدرة المعارضة على القتال، قد يختبر جيشهم وقف النار بين جولة وأخرى. إنه السبيل الوحيد لإعادة «تأهيل» ما يسمّونه الحكومة الشرعية في دمشق.

وسواء أدرك دي ميستورا أم غلّب «النيات الطيبة»، فالوقائع ترجّح اعتماد بوتين سياسة سلخ المعارضة عن سلاحها، وحشرها في جزر متباعدة على الأراضي السورية… فمقابل كل جولة حوار بين غرفتي النظام والمعارضة، تشطب الـ «سوخوي» المزيد من خريطة مواقع الفصائل المقاتلة، وبعدها يترحّم الجميع على صيغة «جنيف 1»، وهيئة الحكم الانتقالي. الانتقال الوحيد الذي ترغب فيه موسكو، هو انتقال الأسد من القصر إلى… القصر.

هل من الحكمة إذاً، التساؤل عمن جرّ السوريين إلى الحرب العبثية المجنونة، ليكون ثمن «حكومة وحدة» حوالى ثلاثمئة ألف قتيل، وتشريد عشرة ملايين؟ أم يلعن السوريون الظلام الروسي الذي يمدّده الغرب طوعاً بـ «التفويض» الأميركي لقيصر الكرملين؟ ألم تكن العصا الأميركية جاهزة عشية جنيف، لتضغط على رأس المعارضة بتحذيرها من وضع أي شرط قبل دخول قطار المفاوضات غير المباشرة؟

لم يعد مطروحاً اليوم كم يبقى نظام الأسد بعد، فهو مجرد ركن من استراتيجية بوتين الجديدة التي تبدأ من شبه جزيرة القرم، ولا تنتهي في طهران واللاذقية. لكنه ركن مطلوب بإلحاح كما الحرب إلى أن يُنجز تفاهمٌ أميركي – روسي على الحل، تعتقد موسكو أنه بات مستحيلاً في عهد أوباما.

نبأ سيئ لسورية المعذّبة أنها تحت سياط الغارات، ستبقى في موقع المتفرّج على المهرجانات الانتخابية الأميركية، حتى اختيار خليفة لأوباما. وكلما ابتهج القيصر بنشوة انتصاراته التي يظن أنه يرسم بها نظاماً عالمياً جديداً، حلّت بالسوريين نكبة جديدة.

بين خليفة أوباما و «خلافة داعش»، لا بأس لدى قيصر الكرملين بتمهيد أرض الشرق الأوسط وتعويده أيضاً على «اختبارات» توبيخ لتركيا، من أجل نزع أسنان نفوذها «العثماني». فلا فتح أبوابها للاجئين قرّبها إلى البيت الأوروبي، ولا المواجهة المفتوحة ممكنة مع مَنْ ابتلع القرم ولم يندم، رغم سيف العقوبات.

أقسى المرارات للسوريين ومعارضاتهم، أن يلتقي «هلال» إيران المرشد و «الحرس الثوري»، مع صحوة «مرشد» النظام العالمي الجديد، الجاهز لكل اختبارات القوة. عليهم أن ينتظروا الصفقة الكبرى في عهد ما بعد أوباما، وقبلها معركة حلب ومعركة الموصل، وأن ينتظروا الحسم مع «داعش»… وربما بعدها حسم ملف الطموحات الكردية.

الحياة

 

 

 

 

جنيف… المسخرة الثالثة؟/ راجح الخوري

هل كان على المعارضة السورية ألا تركب الطائرة الى جنيف قبل أن ينفّذ دو ميستورا وعوده الخادعة على ما يبدو، في شأن مباشرة تنفيذ المادتين ١٢ و١٣ من القرار الأممي رقم ٢٢٥٤، اللتين تنصّان صراحة على رفع حصار التجويع عن البلدات والإفراج عن المعتقلين وخصوصاً النساء وعلى وقف الهجمات على المدنيين والقصف المدفعي والجوي لهم؟

واضح ان الضغوط الأميركية تعدّت المعارضة الى الدول التي تدعمها بهدف إرسال الوفد الى جنيف، وواضح ان هذه الدول أرادت ألا تَظهر هي والمعارضة كأنهما تعطّلان ما يزعم جون كيري انها “فرصة تاريخية للحل”!

ولكن على رغم ان دو ميستورا وعد المعارضين بألا تبدأ المحادثات قبل المباشرة الميدانية بتنفيذ القرار المذكور، لم يتردد في إلقاء قشور الموز تحت أقدامهم بالقول مساء الإثنين إن “المفاوضات بدأت رسمياً”، وهو ما أثار سخطهم الشديد لأن البراميل كانت تتساقط على معضمية الشام محمّلة بغاز الكلور في وقت عنفت الغارات الروسية وهذا ما يناقض المادة ١٣ من القرار الأممي والتعهدات المقطوعة للمعارضين!

طبعاً النظام بدوره يراوغ ويلقي قشور الموز تحت أرجل المعارضة عندما يعلن بعد تصريح دو ميستورا انه رفع الحصار عن مضايا وكفريا، بينما يواصل وفق تصريحات كيري، تجويع ١٣ بلدة وقرية وهو لم ينفذ سوى ١٣ طلباً من أصل ١١٣ قدمتها الأمم المتحدة لوقف سياسة تجويع المحاصرين.

من أين جاء دو ميستورا بالقول إن المفاوضات بدأت رسمياً، بعدما كانت الوكالات نقلت عن المعارضة ان ليست هناك من مفاوضات مع وفد النظام قبل تنفيذ المادتين المذكورتين وبتعهد أميركي، وأيضاً بعدما كان بشار الجعفري قد صرّح بأنه لن يكون هناك تفاوض وان وفد النظام ذهب الى جنيف لإجراء محادثات غير مباشرة على شكل حوار سوري سوري ومن دون شروط مسبقة ودون تدخل خارجي، وفي هذ الكلام ما يعني صراحة رفض التعهدات الدولية لتنفيذ المادتين المذكورتين أعلاه، وأيضاً إسقاط أي مفاعيل للتدخلات الأميركية عبر موسكو في هذا الخصوص.

أمام هذه الصورة المعقدة والمتداخلة هل يمكن الحديث عن معجزات يمكن ان يحققها “جنيف ٣” وخصوصاً بعدما تبيّن ان واشنطن تماشي موسكو وطهران لجهة إسقاط كل ما قيل عن مرحلة إنتقالية تنقل السلطة من الأسد في النهاية، والإكتفاء بالحديث عن حكومة وحدة وطنية لن تحصل المعارضة فيها بالتأكيد على شيء من مطالبها!

لا مكان للمعجزات عندما يتصور الأسد ان في إمكانه بالحديد الإيراني والنار الروسية إستعادة السيطرة على ما خسره في سوريا، وعندما تصرّ المعارضة على تنحيه وهو الذي يتلقى دعماً روسياً عسكرياً متصاعداً، وايرانياً ميدانياً متسعاً، وأميركياً سياسياً مخاتلاً، واسرائيلياً معلناً منذ خمسة أعوام!

النهار

 

 

 

 

سكرة كيري ولافروف/ امين قمورية

المسار الذي أسس له اتفاق فيينا بين كيري ولافروف هو خريطة الطريق الدولية المفروضة على جميع الأطراف لحل الأزمة السورية. هناك خطفت القضية السورية من ايدي اطرافها المحليين وحتى من رعاتهم الاقليميين وصارت قضية عالمية. والى جنيف أُحضِرَ المتخاصمون لاجراء الاختبارات والفحوص اللازمة قبل اخضاعهم للجراحة. دو ميستورا هو المعالج، أما الاشراف فهو لهيئة “الاطباء” الاميركيين والروس. الأمم المتحدة لم تعد أعلى مرجعية لبت النزاعات الدولية، بل صارت المنفذ والاداة لما يتفق عليه في كواليس العواصم الكبرى. وصارت سوريا والسوريون حقل التجارب.

قبل الوصول الى جنيف حجمت المعارضة الداخلية السورية ورعاتها الاقليميون. تلقى الدور التركي ضربات عدة متلاحقة وتراجع تأثيره ميدانياً وسياسياً. وضاق هامش المناورة السعودية بوضع الرياض بين مطرقة الضغوط الداخلية والحروب الخارجية وسندان التماهي الالزامي مع الموقف الاميركي. وفي المقابل، صادر الروسي دفة القيادة الميدانية والسياسية من الايراني، وصار صوت النظام في دمشق صدى لما ينطق به الكرملين. وأثبت الاميركي أنه لا يزال كما كان دوماً، بعيداً من الوفاء للمبادئ قريباً من الإذعان للمصالح واحترام الأقوياء، وأثبت الروسي ان مقولة “حق الشعوب في تقرير مصيرها” تبخرت من زمان في مهب الانهيار السوفياتي.

اذاً مؤتمر “جنيف 3” مسار إجباري رسمه الروسي والاميركي، بغض النظر عن الأطراف المشاركين ومستوى مشاركتهم، وبغض النظر عن المدى الزمني الذي ستتطلبه مراحله المتتالية، بل بغض النظر عن مدى نجاحه أو فشله، بل أكثر بغض النظر عن النتائج أو الخرائط الجديدة التي ستنبثق من المسار في نهايته. وعليه فإن المتاح في مساحات العمل السياسي هو محاولة التأثير على هذا المسار أكثر منه اجتراح مسار آخر.

وقبل جنيف السوري، “طبخ” الأوروبي في إشراف أميركي طبخة المسار الليبي في الصخيرات المغربية والذي قد يمهد لتجزئة أكثر مما يمهد لتوحيد. في حين ان لا أفق لمسار يمني من دون تدخل خارجي مماثل من عيار الدول الكبرى.

مرة أخرى مصائر شعوب المنطقة تتقرر خارجها، لا دور لأهلها ولا حتى لجيرانهم في تحديد مستقبلهم. هكذا حصل قبل مئة عام بالتمام والكمال. رسم مارك سايكس وفرنسوا جورج بيكو الخرائط على كأس نبيذ وقطعة جبن. قسموا الناس عشائر وقبائل أطلقت عليها اسماء دول قادت الشرق الاوسط حتى اليوم. وكان لا بد من نهاية. فهل سقط النظام الاقليمي الذي خطته الدول الكبرى قبل قرن؟ وهل يحصل اليوم أمر مماثل؟

مساكين نحن. واكثر ما نتمناه، ألا يشطح قلم كيري ولافروف صوب لبنان عندما تأخذهما سكرة نبيذهما الجديد.

النهار

 

 

 

المفاوضات السورية وقرآن بشار الجعفري

رأي القدس

بدأت الاثنين الماضي، رسمياً، المفاوضات بين وفدي المعارضة والنظام السوريين، بتأكيد «هيئة المفاوضات العليا» المعارضة على رفض التفاوض قبل تطبيق بندين لقرار مجلس الأمن رقم 2254 يتعلقان بوقف حصار المدن والتجويع ومواصلة اعتقال وتعذيب المدنيين.

النظام، من جهته، وعلى لسان رئيس وفده المفاوض، بشار الجعفري أكد أنه موجود «لإجراء محادثات غير مباشرة على شكل حوار سوري سوري دون شروط مسبقة ودون تدخل خارجي» متبعاً ذلك بالقول: «إحفظوها لأنها فاتحة بالقرآن تبعنا»، وحين علّق أحد الصحافيين الموجودين بالقول «صدق الله العظيم»، ما كان من الجعفري إلا تكرار العبارة.

قد يتعامل من قرأ عبارة الجعفري على أنها علامة الدبلوماسي السوري الفارقة في تمييز نفسه عن أقرانه من السياسيين، فهو، بناء على السيرة الذاتية (CV) التي نشرها، حاصل على شهادتي دكتوراه في العلوم السياسية، وثالثة في تاريخ الحضارة الإسلامية، غير أن بهلوانيّاته اللفظية التي يحاول فيها إعلاء شأنه على أقرانه لا تفعل غير التشكيك في درجاته العلمية تلك وطرق الجعفري في الحصول عليها، ما يذكر، أيضاً، بمئات العسكريين ورجال الأمن والسياسيين العرب، الذين درجت بينهم «موضة» الحصول على الشهادات العلمية العالية، ومنهم عمّ الرئيس السوري رفعت الأسد، صاحب الدكتوراه في العلوم السياسية من «الأكاديمية السوفييتية للعلوم»، والذي كان أسس في الثمانينات من القرن الماضي جمعية لأصحاب الشهادات العليا، فرضت سطوتها الأمنية على الوسط الأكاديمي السوري آنذاك.

سبق للجعفري أن تلا قصيدة لنزار قباني على مسامع مندوبي مجلس الأمن، استخدم فيها اسم وموهبة الشاعر الكبير (الذي كان مكروهاً، حيّاً وميّتاً، من النظام السوري)، لهجاء العرب (باعتبار أن العرب هم أهل الخليج!)، واستخدم، في مناسبة لاحقة، قصيدة شديدة الركاكة ومخلخلة القوافي والأوزان، مرّت فيها كلمات ومعان قبيحة وفجة فتكشّف الرجل عن ضحالة وسطحيّة أظهرتا الأمنيّ المختفي تحت قناع الدبلوماسي.

كلام الجعفري عن محادثات غير مباشرة «من دون تدخّل خارجي» بعد السيطرة الروسية على القرار العسكري والسياسي لدمشق (ووجود القوّات الإيرانية والميليشيات اللبنانية والعراقية المحاربة على الأرض السورية)، لن يجد أحداً يشتريه بالتأكيد، أما تشبيه أقواله بالقرآن فهو تصعيد لفظيّ جديد المقصود منه، بداية، الإثارة ولفت الأنظار، وهي تتّسق مع مفهومه الذي يخرج فيه نفسه، وبالتالي بلاده، من العروبة، مضيفاً عليها، هذه المرّة، الإسلام.

ولا يفعل الجعفري بذلك غير السباحة في مجرى سمّاه العرب قديما بالنزعة «الشعوبية»، وتندرج فيه نزعات حديثة مثل «الفينيقية» و«الفرعونية»، وكلّها تعتبر سكان الجزيرة العربية الحاليين هم العرب، والمسلمون، بالتعريف، فتحط من قدرهم وقدر الإسلام، ظانة بذلك أنها ترفع شأن اللبنانيين أو المصريين أو السوريين وأنها تحطّ من شأن «البدو» «العرب»، وتتمظهر هذه النزعات بأشكال عديدة تتلاعب بالحقائق، فتصبح غزة الفلسطينية هي العدوّ وتصبح إسرائيل هي الشريكة الحضارية، وتجد هذه التناقضات هوى لدى نخب سياسية وإعلامية، تناصر إيران أو روسيا أو حتى إسرائيل، وتعادي السعودية وقطر (والإخوان المسلمين!)، بناء على الاعتبارات الآنفة الذكر، في تناقض كبير مع ثوابت الهوية والثقافة والحضارة، وفي فهم سطحي للعالم، لا يبقى منه إلا كره الذات واستقواء الغريب على القريب.

يضاف إلى كل ذلك أن جملة الجعفري المسيئة، التي تقصد منها تملّق رؤسائه في سوريا وغيرها، ليست إلا شكلاً مكمّلاً لإدارة» المفاوضات» بالإبادة والتجويع حتى الموت والقصف بالغازات السامة والبراميل المتفجرة، ولكنّها تتقصد الإشارة إلى أن حرب الإبادة هي أيضاً لثقافة وهويّة وحضارة المعارضين لنظام الأسد، وليس لعمرانهم واجتماعهم وحياتهم على الأرض فحسب.

 

 

 

لماذا فشلت مفاوضات جنيف 3 السورية قبل أن تبدأ؟

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

وسط تباينات كبيرة، انطلقت في جنيف في 29 يناير/كانون ثاني 2016 جولةٌ جديدةٌ من المساعي السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة لحلّ الأزمة السورية. وعلى الرغم من أنّ الأجواء الدولية بدت، هذه المرة، أكثر اهتماماً بإيجاد حلٍ للصراع الذي أخذت آثاره الأمنية والسياسية والاقتصادية تتجاوز بشكلٍ متزايدٍ الحدود السورية، لتشكل منبع قلقٍ متنامٍ إقليمياً ودولياً، فإنّ المفاوضات غير المباشرة التي قادها مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي مستورا، ما كادت تنطلق حتى توقفت؛ إذ أعلن دي ميستورا عن تعليق المفاوضات حتى 25 فبراير/شباط الجاري، بعد أن فشل في إقناع النظام السوري بتنفيذ أي من الالتزامات الإنسانية التي حدّدها قرار مجلس الأمن رقم 2254، وخصوصاً رفع الحصار عن المدن المحاصرة، والسماح بدخول الإمدادات الغذائية، وبعد أن أخفق في إقناع المعارضة في الاستمرار بمفاوضاتٍ تراها عبثيةً نتيجة استمرار روسيا في استخدامها غطاءً لتحقيق مكاسب ميدانية على الأرض، في أرياف حلب ودمشق ودرعا واللاذقية.

 

دواعي مشاركة المعارضة في “جنيف 3”

عندما أبدت الهيئة العليا للمفاوضات التي انبثقت من مؤتمر الرياض الموسّع للمعارضة السورية استعدادها للمشاركة في مفاوضات “جنيف 3″، أوضحت الأسس التي يمكنها المشاركة بناءً عليها؛ وأهمها: رفض محاولات التدّخل في تشكيل وفدها إلى المفاوضات، والتمسّك بموقفها أنّ مؤتمر الرياض الذي انبثقت منه يمثل أطياف المعارضة كافة، بعد أن دعيت إليه شخصياتٌ شاركت في لقاءات القاهرة وموسكو، فضلاً عن ممثلين عن الأكراد، ومن ثمّ، فإنها لن تقبل محاولات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين لاختراقها. كما أكدت المعارضة تمسّكها بإجراء مفاوضاتٍ وليس محادثات، وإن أية مفاوضات لن تبدأ قبل تنفيذ الالتزامات الإنسانية الواردة في الفقرتين 12 و13 من قرار مجلس الأمن 2254 بتاريخ 18 ديسمبر/كانون أول 2015، التي نصت على رفع الحصار عن المناطق المحاصرة وإدخال المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح المعتقلين، وخصوصاً النساء والأطفال، ووقف الهجمات الجوية والبراميل المتفجرة على المدنيين. وترى المعارضة أنّ هذه القضايا غير قابلة للتفاوض، فهي ملزمة وواجبة التنفيذ الفوري، بنص قرار مجلس الأمن 2254، كما ترى أنّ المفاوضات لا يجب أن تبدأ من الصفر، بل يتعين وضع برنامج تنفيذي لترجمة بيان جنيف لعام 2012 وقراريْ مجلس الأمن رقم 2118 لعام 2013 ورقم 2254 لعام 2015.

“تزامنت استعدادات النظام للمشاركة في مفاوضات جنيف مع تصعيدٍ ميداني كبير وتكثيف في القصف الجوي، فقد حاول الوصول إلى جنيف من موقع قوة، مستفيدًا من غطاءٍ جوي روسي كثيف”

أطلق تمسّك الهيئة العليا للمفاوضات بهذه المواقف ورفض النظام وحلفائه لها حركةً دبلوماسيةً نشطةً لإقناع المعارضة بتليين مواقفها، باعتبار أن مفاوضات “جنيف 3” ستكون غير ذات معنى، من دون مشاركة الهيئة. وبعد ضغوط ورسائل متبادلة بين الهيئة والأمم المتحدة ممثلة بدي مستورا، قرّرت المعارضة المشاركة. وأكد دي ميستورا، في رسائله إلى الهيئة، أنّ وفدها هو الوحيد الذي سيمثّل المعارضة، وأنّ ما يجري هو عملية تفاوض، وأنّ مخرجاتها تتمثل في إقامة حكم ذي صدقية، وفق جدولٍ زمني محدّد، وأنّ الأيام الخمسة الأولى من المحادثات ستركّز على تنفيذ الجوانب الإنسانية، وإذا لم يتجاوب النظام، فإنّ دي ميستورا سيعلن مسؤوليته عن تعثّر مسار الحل السياسي.

كان قرار الهيئة العليا للمفاوضات، المتمثل بمشاركتها في جنيف، ذا طابع استكشافي، هدفه اختبار مدى جدية النظام وحلفائه الروس والمجتمع الدولي في دفع عملية تفاوض حقيقي نحو الأمام، عبر تنفيذ المادتين المشار إليهما أعلاه من القرار 2254، وتلافياً لتحميلها مسؤولية فشل الحل السياسي، في حال قررت المقاطعة، إلا أنّ الهيئة أوضحت أنها ستنسحب من المفاوضات، في حال عدم تنفيذ ما وُعدت به في ما سمي “رسالة الضمانات” التي تلقتها من دي مستورا حول القضايا الإنسانية (مع أنها لم تتضمن أي ضمانات)، وتعهده بتحديد المسؤول عن إفشال العملية السياسية. وقد بدأ دي ميستورا بالفعل يتراجع عن بعض ما وعد به؛ إذ استخدم عشية إطلاقها تعبير محادثاتٍ لتسمية المفاوضات، في رضوخٍ على ما يبدو لضغوط النظام الذي يرفض فكرة وجود أطراف تفاوض سورية غيره، وأنه جاهز لحوار مع السوريين، وليس لمفاوضاتٍ معهم.

 

دواعي مشاركة النظام

جاء النظام إلى جنيف مضطراً بفعل الضغوط التي مورست عليه من حلفائه الروس، وعبّر عن هذا الموقف بتسمية مندوبه لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، المعروف بسلوكه الاستفزازي، كبيراً للمفاوضين، علماً أنّ النظام اضطر، بسبب الضغط الروسي أيضاً، إلى تسمية وزير خارجيته، وليد المعلم، رئيساً للوفد، في حال جرت مفاوضات حقيقية. بدأت مماطلة النظام، منذ اليوم الأول لانطلاق مسيرة “جنيف 3″، فاعتبر أنّ اتفاق مضايا وكفريا والفوعة الذي جرى قبل نحو ثلاثة أسابيع هو الترجمة العملية للالتزامات الإنسانية التي وردت في الفقرتين 12 و13 من القرار 2254، وأنّ الهيئة العليا للمفاوضات لا تمثل المعارضة، في ظل غياب الوفد الذي شكلته موسكو عنها، وأنّ لائحة وفد الهيئة تضم تنظيمات إرهابية، ليس بوسعه التفاوض معها.

تزامنت استعدادات النظام للمشاركة في مفاوضات جنيف مع تصعيدٍ ميداني كبير وتكثيف في القصف الجوي، فقد حاول الوصول إلى جنيف من موقع قوة، مستفيدًا من غطاءٍ جوي روسي كثيف، وحشد أعدادٍ أكبر من الميليشات متعددة الجنسيات التي ترعاها إيران. من جهة أخرى، بدا واضحاً أنّ النظام يحاول زيادة مستوى الضغط العسكري على الأرض، بالتزامن مع انطلاق عملية التفاوض؛ حتى يتحول الموضوع الإغاثي والإنساني إلى موضوع التفاوض الوحيد. ولكي تصبح طلبات الإغاثة المطالب الوحيدة، كمقدمة لفرض الحل الذي مازال يؤكد عليه منذ بداية الأزمة؛ أي “إصلاحات تحت سقف الأسد”.

“يثير سلوك الروس مخاوفَ كبيرة لدى المعارضة من أنّ الهدف قد يكون شراء الوقت في المفاوضات لاستكمال محاولتهم قصم ظهر فصائل المعارضة المعتدلة على الأرض، قبل أن يفرضوا طبيعة الحل السياسي الذي يرغبون فيه”

 

الموقف الروسي

يُلقي الدعم الروسي الكبير للنظام دبلوماسياً وعسكرياً بظلال كبيرة من الشك على مدى التزام موسكو نجاح مفاوضات الحل السياسي في جنيف. ويثير سلوك الروس مخاوفَ كبيرة لدى المعارضة من أنّ الهدف قد يكون شراء الوقت في المفاوضات لاستكمال محاولتهم قصم ظهر فصائل المعارضة المعتدلة على الأرض، قبل أن يفرضوا طبيعة الحل السياسي الذي يرغبون فيه على الجميع.

لكن، يبدو من الواضح أنّ روسيا تدرك تعقيدات الوضع الذي تجلبه مشاركتها في الصراع إلى جانب النظام؛ فهي، من جهةٍ، تبدو قلقةً مما تعرضه وسائل الإعلام من صور لأطفال يسقطون ضحايا قصف طيرانها مناطق المدنيين في سورية، وما يثيره ذلك من مشاعر غضبٍ واحتقانٍ في الشارع العربي والإسلامي عمومًا. كما تدرك روسيا أنّ الصراع في سورية لا يمكن أن ينتهي إلا بتسويةٍ سياسية، تحقق الحد الأدنى من مطالب الشعب السوري الذي دفع ثمناً باهظاً في سبيل نيل حقه في الحياة الحرة والكريمة. ومن دون ذلك، سوف يستمر التورط الروسي في الصراع السوري ويتوسع، وتزداد تكاليفه المادية والسياسية والبشرية مع بدء الحديث عن سقوط قتلى روس في المعارك الدائرة في شمال سورية الغربي.

لذلك، تبدو روسيا مهتمةً بالتوصل إلى حلٍ سياسي للصراع في سورية، لكنّ الحل الذي تريده يتضمن الاحتفاظ بالنظام الذي غدا معتمدًا كليًا في بقائه عليها. علماً أنّ بقاء الأسد نفسه على رأس هذا النظام لا يمثل شرطاً لازماً للحل المنشود روسياً. لكنّ روسيا مازالت، على ما يبدو، تجد صعوبةً في إيجاد بديلٍ يسمح باستمرار تماسك النظام، في حال دفعت برحيل الأسد، وصعوبةً أيضاً في بناء شبكة تحالفاتٍ تعتمد عليها في حكم سورية، في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع. من هنا، تستمر روسيا في قصف مواقع المعارضة المسلحة، لإضعافها إلى الحد الذي لا تعود معه قادرةً على مقاومة التسوية التي تراها روسيا؛ والتي لن تخرج، في نهاية المطاف، عن المبادرة التي طرحتها إيران قبل عامين، وتقوم على وقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بوجود الأسد، وتعديل الدستور، والدعوة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية. وهذا ما تطرحه روسيا في هذه المرحلة، ولا تعارضه أميركا؛ جرياً على نهجها الحالي بالتكيّف مع موازين القوى على الأرض السورية، وتجنبها الصدام مع روسيا على قضية مثل قضية السورية.

 

الموقف الأميركي

فيما يقف الروس بقوة إلى جانب النظام، ويدعمونه بكل الطرق والوسائل، يتحوّل الموقف الأميركي من موقفٍ داعمٍ للمعارضة إلى موقف الوسيط الذي يضغط عليها للمشاركة في جنيف، ويخفض توقعاتها من الحل السياسي المرتقب. ومع أنّ واشنطن لا ترغب في رؤية موسكو تنتصر في سورية، فإنها لا تفعل شيئاً لمنع انتصارها، فمازالت تعرقل إيصال الدعم للمعارضة من حلفائها، وتركّز بشكل مطلق على محاربة تنظيم الدولة “داعش”؛ علمًا أنّ ضرب روسيا المعارضة يفيد “داعش”؛ وهو ما يقوّض جهد التحالف الدولي الذي تتزعمه واشنطن لمواجهة التنظيم.

وقد حثّ وزيرُ الخارجية الأميركي، جون كيري، في لقائه مع الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض، عشية انطلاق “جنيف 3″، المعارضةَ على المشاركة، لكنه امتنع عن تقديم أي ضمانات، ومع أنه أكد أنّ وفد الهيئة سيكون الوحيد الممثل للمعارضة، وأنّ “جنيف 3” مفاوضات حول عملية لحلٍ سياسي في سورية، فإنّ ما عدا ذلك سيكون موضوعاً خاضعًا للتفاوض، بما في ذلك الوضع الإنساني والإغاثي ومصير بشار الأسد. ولم ينفِ كيري “حق” الأسد في المشاركة في الانتخابات التي تجري، في نهاية المرحلة الانتقالية، لكنه “طمأن” المعارضة أنّ الأسد لن ينجح فيها، لأنّ كيري شخصيًا “ضمن” ذلك من خلال تضمين القرار 2254 حقّ كل السوريين، بمن فيهم اللاجئين في دول الجوار وغيرهم من السوريين المهجّرين بالإدلاء بأصواتهم في تلك الانتخابات. وفي نهاية اللقاء، لم يفتْ كيري أنّ يلمّح إلى أنّ المعارضة إذا لم تذهب إلى المفاوضات، فإنها تغامر بفقدان تأييد حلفائها.

“لا بد أن تضع المعارضة السياسية والمسلحة استراتيجية للتصدي لتحديات التدخل الروسي، الذي يشكل اليوم العامل الأبرز في تحديد نتائج الصراع”

 

خاتمة

مؤكد أنّ المعارضة كانت متجهة إلى الانسحاب من العملية السياسية، لولا أنّ دي ميستورا استبق إعلانها بهذا الخصوص، واتخذ قرار تعليق المفاوضات، لأنّ عدم تنفيذ البنود الإنسانية في القرار 2254 يجعل موقفها ضعيفاً أمام حاضنتها الشعبية والفصائل المسلحة التي فوّضتها التفاوض باسمها؛ إذ سوف يتساءل سوريو المناطق الثائرة عن جدوى مفاوضاتٍ لا توقف القصف عليهم، أو ترفع الحصار عنهم، أو تتيح مدّهم باحتياجاتهم من الغذاء والماء والدواء. وحتى لو أمكن تجاوز هذه النقطة في الأسابيع الثلاثة المقبلة، بافتراض أنّ المفاوضات سوف تستأنف، وأنّ الروس ضغطوا على النظام لتخفيف الحصار على المناطق الثائرة، لكي لا تفشل المفاوضات، فإنّ التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار سوف يكون مادةً لمفاوضاتٍ صعبةٍ في ظل اختلاف رؤية كل طرفٍ للموضوع. فالنظام وحلفاؤه الروس يرغبون في صدور قرارٍ من مجلس الأمن، ينصّ على وقف إطلاق النار فور انطلاق العملية التفاوضية على اعتبار أنّ هذا القرار سيتضمن وقف توريد أو دعم أطراف الصراع بالسلاح والذخيرة. هذا القرار سوف يؤثر في المعارضة أكثر من النظام؛ لأنّ لدى الأخير كمياتٍ كبيرةٍ من السلاح، جرى تخزينها على امتداد الشهور الماضية، فإذا استؤنف القتال وهو المرجّح، لن يكون لمصلحة المعارضة التي تعاني أصلًا قلة الدعم العسكري لها.

أما الهيئة العليا للمفاوضات فترى أنّ وقف إطلاق النار يجب أن يكون جزءًا من الاتفاق الشامل الذي يستند إلى بيان جنيف لعام 2012 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأنّ تنفيذه يبدأ مع تنفيذ اتفاق الانتقال السياسي وكجزءٍ منه، استنادًا إلى نص الفقرة الخامسة من القرار 2254. ومع ذلك، وحتى إن تم التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، فإنّ الأمم المتحدة، وحسب مذكرةٍ مسرّبةٍ لدى ميستورا، لن تكون قادرة على فرضه، أو إيفاد مراقبين في الظروف السائدة إلى سورية.

أخيراً، ليس مرجحاً أن تسفر مفاوضات “جنيف 3” عن نتائج أفضل مما أسفرت عنه “جنيف 2″، نظرًا للعقبات المذكورة، وفي ظل عوامل أخرى عديدة، منها: سلوك النظام الذي يبدو أنه متجه للمماطلة والتسويف، ودفع موضوع المرحلة الانتقالية إلى ذيل سلم الأولويات في العملية التفاوضية، كما حصل في “جنيف 2″، واستمرار قصفه وعمله على الأرض، كأنه لا تجري عملية سياسية في جنيف، بما في ذلك سعيه المستمر إلى إجراء هدنٍ ومصالحاتٍ محلية، واستمرار القصف الروسي. وفي ظل الوضع الميداني الحالي، لا بد أن تضع المعارضة السياسية والمسلحة استراتيجية للتصدّي لتحديات التدخل الروسي، الذي يشكل اليوم العامل الأبرز في تحديد نتائج الصراع.

العربي الجديد

 

 

 

المعارضة في مواجهة تواطؤ أميركا وروسيا وإيران مع الأسد/ عبدالوهاب بدرخان

لن يتّضح مسار «جنيف 3» قبل أسابيع وربما شهور. هناك مَن يتوقعون استمرار التجاذب إلى نهاية آذار (مارس) المقبل، ليبدأ التفاوض الفعلي على «العملية السياسية». لكن، قبل ذلك، لا بدّ من إنجاز ملموس في المقدمات الضرورية التي طلبتها المعارضة، أكانت «إجراءات بناء ثقة» كما تسمّى، أو تنفيذاً للمادتين 12 و13 من القرار الدولي 2254 في شأن الأوضاع الإنسانية. لعل في الحديث عن فشل مؤكّد لهذه الجولة تسرّعاً، وليس صحيحاً أن النجاح رهن أداء المعارضة والنظام واستعداداتهما، بل إنه يتوقف على إخضاع تفاهمات أميركا وروسيا لشيء من «الواقعية» كي تتبنّى حلّاً منصفاً ومتوازناً للشعب السوري ومكوّناته بدل «مشروع حل» مستحيل يبقي النظام برأسه وإجرامه وإرهابه ويحمل بذور فشله في ذاته.

في سورية أو في سواها، والعراق شاهد، لا يستقيم حل سياسي إذا بني على موازين قوى عسكرية فحسب، وإذا كانت الدولة/ النظام طرفاً معتدياً على الشعب كطرف آخر، وبالأخص إذا أُريد إنقاذ هذا النظام واستبداده ووحشيته وبراميله بدعم من قوى خارجية. هذا «حلٌّ» لن يكون، ولا يمكن فرضه فرضاً على الشعب السوري، أياً تكن الضغوط، بل إن المبالغة في الضغط تنتج العكس تماماً، وتجربة افغانستان موجودة ومتفاعلة. فالحديث هنا عن بلد واحد وليس عن بلدين متحاربين بينهما حدود، وحتّى اختزال الصراع، على سطحيته، بوجود «معتدلين» و «متطرّفين/ إرهابيين»، لا يسوّغ حلّاً لمصلحة مصدر الإرهاب ومصنعه، إلا إذا نسي الأميركيون فجأة أن النظام لم يكن فقط ماكينة تعذيب وقمع بل لم يُعرف إلا بكونه «آلة قتل».

طالما أن الولايات المتحدة وروسيا تؤكدان تواطؤهما مع النظام وإيران ضد الشعب السوري، وطالما أن «أمم ستيفان دي ميستورا المتحدة» شريكة أصيلة في هذا التواطؤ، لا تمكن المراهنة على أي مفاوضات. لقد ذهبت هذه الأطراف بعيداً جداً في التحايل على حقائق الصراع. فواشنطن لم تتردد في القول أنها استوحت «النقاط الأربع» الإيرانية التي طُرحت في العام 2014 ثم «معدّلة» في 2015، وهي كانت لتكون مفيدة و «حسنة النيّة» لو عُرضت على النظام في 2011 عندما اعتبرت طهران أن الاحتجاجات الشعبية انما هي «مؤامرة» على «محور المقاومة والممانعة» ولا بدّ من مواجهتها بالحديد والنار وبقنّاصة «حزب الله» لاصطياد المتظاهرين السلميين. ولا تقترح هذه النقاط شيئاً آخر غير بقاء بشار الأسد ونظامه ومنظومة شبيحته وميليشيات حليفه الإيراني.

أما موسكو فكانت على تنسيق دائم مع طهران، وعلى «تفاهم» مستمر مع واشنطن، وعلى دعم متواصل للنظام تحول الآن إلى تدخل/ احتلال عسكري. لم تهتم بأي حوار مع المعارضة إلا لكي يُسمعها سيرغي لافروف مواقف وإملاءات من نمط ما سُمع أخيراً من جون كيري. لم تفطن الدولتان العظميان إلى أن حل المسألة السورية لا يكون بتسليم البلد إلى إيران على غرار ما حصل اعتباطاً للعراق، فهذه تدّعي «حقّاً» ليس لها في سورية ولا يمكن أن يكون، لا بسبب تركيبتها السكانية فحسب بل للاعتبارات الاقليمية والجيو – سياسية. وقد برهنت إيران بتدخلها في سورية ما سبق أن برهنته بهيمنتها العراق ومصادرة حكومته، وليس فيه ما يؤهلها لأن تكون عامل تطبيع سلمياً، أو طرفاً في محاربة إرهاب استدعته استدعاءً إلى سورية، أو شريكاً في حلول سياسية، طالما أن أجندتها التخريبية انكشفت إلى هذا الحد في خمسة بلدان عربية على الأقل.

لكن مَن قال أن الروس جاؤوا إلى سورية بقصد محاربة الإرهاب، أو لإحلال السلام والوئام. جاؤوا أولاً وأخيراً لتحصيل أوراق إضافية في مساوماتهم مع الأميركيين في شأن ملفات أخرى، وبما أن أميركا والدول الغربية لا تريد الرضوخ لمطالب روسيا وإرضاءها على حساب مصالحها في اوروبا، فإنها تفضّل تعويضها في سورية.

بعدما أحبط نظام الأسد «الحل السوري» ثم «الحل العربي» ثم مرحلتين من التدويل مع كوفي أنان والأخضر الابراهيمي، بقي له «الحل الروسي- الإيراني- الأميركي»، كما تبلور سرّاً في كواليس لقاءات فيينا (النووية ثم السورية) أو على هامشها. ففي واجهة المشهد وخلفيته، كان واضحاً أن ورقة «داعش» التي زرعها النظام وحليفه الإيراني، مرفقة بموجات اللاجئين، ماضية في إثبات مفعولها الدولي، وأن ورقة «الإقليم الكردي» أفلحت في إرباك تركيا قبل أن يلجمها التصعيد الروسي. وقد يكون «الشريك الأميركي» أنجز دوره المرسوم عندما جهر بانقلابه على «بيان جنيف» فأحدث بلبلة لا هدف لها سوى إشغال المعارضة والدول الداعمة لها عما هو حاصل فعلاً على الأرض حيث تتداخل الأدوار في شمال سورية: مطار رميلان للأميركيين ومطار في القامشلي للروس، قوات كردية- عربية تقاتل «داعش» وتطهير عرقي كردي لبلدات وقرى عربية، بالإضافة إلى إشراف روسي- أسدي على تطهير عرقي للتركمان من مواطنهم التاريخية، تقدّم لقوات النظام في جبهة الجنوب بعد أمر أميركي بقطع الإمدادات العسكرية عن قوات المعارضة…

واقع الأمر أن الأطراف الأربعة (روسيا وأميركا وإيران والنظام) التقت أخيراً بفضل «داعش». وفي شهادات لقادة من فصائل المعارضة المقاتلة ما يؤكّد ذلك. فهذا أحدهم من «الفرقة 13» قال أنهم تلقوا عام 2014 أسلحة من الأميركيين مع شرطين: عدم محاربة «داعش»، وعدم محاربة قوات النظام إلا في المناطق التي تُحَدّد لهم. وهذا آخر سلفي تلقّى سلاحاً من الأميركيين مع اقتراب «داعش» من دير الزور واشتُرط عليه أيضاً عدم القتال ضد التنظيم. وهذا ثالث من «الجيش الحر» كان شاهد عيان على قيام النظام بتسليم الرقة إلى «داعش»، وكان مشاركاً في خطط توحيد فصائل «الجيش الحر» إلى أن تيقن بأن الأميركيين اعتمدوا على أطراف أخرى لإحباط كل المساعي. وهذا رابع يروي أن عين العرب/ كوباني كانت ملاذاً للسوريين الهاربين من مناطق القتال، وكانت آمنة، لكنه وهو العسكري الخبير بالمنطقة لم يفهم لماذا هاجم «داعش» المدينة رغم الوضوح المسبق بأنه لن يتمكّن من ضمّها إلى سيطرته، لذا يرجّح أن يكون التنظيم استجاب تعليمات من جهات استخبارية يرتبط بها وقد أسفرت العملية عن إبراز دور «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي وزعيمه صالح مسلم الذي لم يقطع الصلة مع النظام وإيران.

وكما ساهم «داعش» في التواطؤ الرباعي، تحوّل دي ميستورا من مبعوث للأمم المتحدة إلى مروّج لسياسات تمييع قضية المعارضة وتلميع صورة النظام، إلى حدّ السماح لدمشق بتنقيح تقرير عن الوضع الإنساني وإلغاء أي إشارة فيه إلى الحصارات أو البراميل المتفجّرة، بل التغطية على بلوغ الخطر حدّ المجاعة قبل شهور في مضايا والمعضّمية وداريّا. وإذا كانت القاعدة أن يعمل أي مبعوث أممي في إطار توافق الدول الكبرى، فإن دي ميستورا تجاهل باكراً «بيان جنيف» الوارد في القرار 2118 وراح يعمل وفقاً لرغبات موسكو وواشنطن وطهران، لكن مسؤوليته وواجبه يلزمانه باحترام حد أدنى من مبادئ الأمم المتحدة، وبالحياد والنزاهة حيال الشعب وقضيته. كان حريّاً به أن ينبّه العواصم التي توجّه مهمته إلى أن القرار 2254 ينص على إجراءات «فوق التفاوض» (وقف القصف ورفع الحصارات وإيصال المساعدات وإطلاق المعتقلين)، ولا بد من تلبيتها كي يمكن دخول العملية التفاوضية. لكنه لم يفعل، ويُتوقّع منه أن يكون بالغ السلبية تجاه المعارضة في سعيها إلى تحسين شروط التفاوض قبل الشروع به أو الانسحاب منه. ذاك أن سلوك دي ميستورا، منذ تكليفه، كان متعايشاً دائماً مع جرائم النظام وابتزازاته، وبالتالي فإن استمراره على هذا النهج سيجعل منه مشكلة وليس عنصراً مسهّلاً. سبق لدي ميستورا أن لمس انعدام الثقة بينه وبين قيادة «الائتلاف» التي تمنّعت عن مقابلته، وها هي الهيئة العليا للمفاوضات أبلغته عدم رغبتها في الالتقاء باثنين من مساعديه. كان لافتاً أنه عندما قام بـ «زيارة مجاملة» لوفد المعارضة، بعد وصوله إلى جنيف لم يكن برفقة نائبه رمزي عزالدين رمزي الذي فضّل زيارة وفد النظام.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

دي ميستورا يستقوي على المعارضة بالجنون الروسي/ حسان حيدر

منذ بدأ «الوسيط» الدولي ستيفان دي ميستورا مهمته في منتصف 2014 لوضع تصور للتسوية في سورية، انطلق من معطى نظري يصر على التمسك به في محادثات «جنيف-3» الحالية، في حال انطلاقها فعلاً واستمرارها، وهو أن نظام بشار الأسد، على رغم كل جرائمه، ما زال يعتبر في مفهوم الأمم المتحدة الطرف «الشرعي» المعترف به دولياً، فيما المعارضة خاضعة لتقييم مستمر حول شرعيتها ومن يمثلها.

وانعكس هذا الموقف في رغبة دي ميستورا الدائمة في ضم ممثلين عن تنظيمات وهيئات قريبة من النظام إلى المفاوضات، وفي محاولاته المتكررة للالتفاف على بيان «جنيف 1»، وهو ما نجح فيه من خلال صيغة قرار مجلس الأمن الرقم 2254 نتيجة تساهل أميركي وصل إلى حد التواطؤ مع الموقف الروسي. وعندما باءت محاولاته الأخيرة للتشكيك في صحة تمثيل هيئة المفاوضات المنبثقة من مؤتمر الرياض، لجأ إلى اعتماد من ترفضهم المعارضة «مستشارين» له ودعاهم إلى جنيف بصفتهم هذه.

لكن مع انكشاف عدم جدية وفد النظام في جنيف وتذرعه برفض «الشروط المسبقة» للتهرب من المطالب الإنسانية التي تشدد المعارضة على تنفيذها قبل أي تفاوض، استنجد «الوسيط» الدولي علناً بالحليف الروسي لنظام الأسد، وقال في تصريح إلى «بي بي سي» أن المفاوضات لن تصبح جدية «ما لم تحصل تغييرات ملموسة على الأرض في سورية بينما نحن نتباحث».

وكان يمكن لتصريحه أن يحتمل التأويل الإيجابي، كأن يفهم منه مثلاً أنه يقصد إجراءات ترسي بعض الثقة بين الطرفين «لأنها حالياً تقارب الصفر» على حد تعبيره. لكن تزامنه مع وصول حملة القصف الروسي على مناطق المعارضة، وخصوصاً في حلب، إلى حد الجنون (نحو مائتي غارة في يوم واحد)، وتسببها في نزوح عشرات آلاف المدنيين، وصولاً إلى تمكين الجيش النظامي والميليشيات الموالية له من تحقيق تقدم يهدد بعزل المدينة، يؤكد أن دي ميستورا المستقوي بجنون موسكو، يقصد تعديلاً في ميزان القوى على الأرض يسمح له بفرض شروط النظام على الوفد المعارض.

تذكّر حملة القصف الجوي الروسي على حلب وسواها بالعدوان الإسرائيلي على لبنان في 1982 عندما حاصر جيش العدو العاصمة بيروت وقسمها إلى مربعات باشر في تدميرها واحداً تلو الآخر فوق رؤوس المدنيين للضغط على منظمة التحرير الفلسطينية وإجبارها على الخروج، الذي تلته استباحة الإسرائيليين المدينة. فهل هذه هي التغييرات التي ينتظرها دي ميستورا؟ وهل كثير أن تطالب المعارضة بوقف القصف على المدنيين كي لا تبدو أنها تقفز فوق دماء شعبها وتفاوض من ضعف؟

ولعل توصيف وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند للموقف الروسي هو الأدق، عندما اتهم موسكو بأنها «تستخدم عملية السلام ورقة توت تخفي وراءها محاولة لتقديم نصر عسكري من نوع ما للأسد يتمثل في إقامة دويلة علوية في شمال غربي سورية».

يتهرب دي ميستورا من الدعوة إلى وقف الغارات، وهي أقل واجباته كممثل للأمم المتحدة، ويستخدم بدلاً من ذلك التهويل بالانهيار الكامل للمفاوضات التي يعتبرها «فرصة أخيرة»، للضغط على المعارضة. لكن هل يفترض أن يكون ثمن استمرار المفاوضات إخضاع المعارضين وإجبارهم على التنازل تحت ضغط المذابح؟ الجواب سلبي على الأرجح، على رغم أن ذهاب الوفد المعارض إلى جنيف انطوى على إيجابيات أهمها فضح دور روسيا التي تحاول أن تظهر بمظهر الشريك في رعاية المفاوضات فيما هي طرف متورط في قتل المدنيين.

الحياة

 

 

الموقف من سوريا انعكاس لتراجعات واشنطن في الإقليم برمته/ د. بشير موسى نافع

ليس ثمة شك أن اللقاء الذي جرى في الرياض، 23 كانون الثاني/يناير، بين وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، ورئيس الهيئة العليا للتفاوض، د رياض حجاب، كان بالغ الأهمية من جهة دلالته على حقيقة ما وصل إليه موقف إدارة أوباما من الأزمة السورية. تمثل الهيئة العليا للتفاوض، التي ولدت من مؤتمر لقوى المعارضة السورية، عقد في الرياض في كانون الأول/ديسمبر، أكبر قطاع ممكن لتنظيمات المعارضة السياسية والعسكرية. وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة، وأغلب الدول التي تؤيد ثورة الشعب السوري، دعت المعارضة السورية دائماً لتوحيد صفوفها، تعتبر الهيئة العليا للتفاوض تطوراً بارزاً في مسيرة الثورة السورية. وقد سبق لواشطن بالفعل أن رحبت بمؤتمر الرياض وولادة الهيئة العليا للتفاوض. أكثر من ذلك، أن الهيئة لا تمثل القطاع الأكبر من قوى المعارضة وحسب، بل وإرادة هذه القوى واتفاقها على الانخراط في مسار الحل السياسي التفاوضي للأزمة السورية. إضافة إلى ذلك كله، جاء لقاء كيري وحجاب قبل أيام فقط من انطلاق عملية التفاوض بين المعارضة والنظام السوري في جنيف، بإشراف من الأمم المتحدة.

كان المتوقع أن يحمل اللقاء تطمينات لقوى المعارضة السورية، سيما أن الفترة السابقة على بدء عملية التفاوض حفلت بالتصريحات والتصريحات المضادة من الأطراف المعنية بالعملية، كما بقدر ملموس من الغموض، سواء في موقف مبعوث الأمم المتحدة لسوريا، أو موقفي روسيا والولايات المتحدة، الراعيين الأساسيين للعملية. ولكن اللقاء، طبقاً لمصادر المعارضة السورية، كان ربما الأسوأ في تاريخ علاقة المعارضة السورية مع المسؤولين الأمريكيين. قال كيري في اللقاء، في إشارة إلى مسائل الخلاف حول العملية التفاوضية وأهدافها، أن واشنطن لا تعترض على المقترح الإيراني حول المفاوضات؛ أن للمبعوث الأممي دي ميستورا الحق في دعوة من يريد من السوريين كمستشارين له؛ أن ليس ثمة جدول زمني سيبحث لرحيل بشار الأسد؛ أن الهدف من العملية هو التوصل لحكومة وحدة وطنية وليس هيئة حكم انتقالي، كاملة الصلاحيات؛ أن من الضروري بدء المفاوضات، حتى قبل أن يتوقف القصف السوري؛ وأن عدم ذهاب المعارضة إلى جنيف سيؤدي إلى وقف الدعم الأمريكي للمعارضة.

عكس حديث كيري تراجعاً كبيراً في الموقف الأمريكي من عملية التفاوض وأهدافها، ليس فقط عن ما كانت تأمله المعارضة السورية، بل أيضاً عن ما وقع عليه الأمريكيون في إعلان جنيف الأول، الصادر في حزيران/يونيو 2012. أثار حديث كيري وإنذاره للمعارضة السورية ردود فعل غاضبة في أوساط قوى المعارضة، ولابد أنه استدعى تدخلاً ما من الدول المؤيدة للثورة السورية والصديقة للولايات المتحدة، مثل تركيا والسعودية وقطر. وهذا ما أدى إلى صدور بيان توضيحي من المبعوث الأمريكية لسورية، مايكل رتني، في 26 كانون الثاني/يناير، ادعى أن بعضاً من سوء الفهم شاب اللقاء بين كيري وحجاب، نجم ربما عن سوء الترجمة! أعاد رتني التوكيد على أن هيئة حكم انتقالي، كاملة الصلاحيات هي، من وجهة نظر واشنطن، الطريق الوحيد لحل الأزمة؛ وأن واشنطن لا توافق عل رؤية بعض الجهات الأخرى (يقصد، على الأرجح، إيران وروسيا) لحكومة الوحدة الوطنية. الحقيقة، بالطبع، أن كيري قال بالتأكيد ما فهمه حجاب وزملاؤه، وأن ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكية لم يكن المؤشر الأول على التراجع في الموقف الأمريكي من الأزمة السورية، بل سبقته تراجعات في توافقي فيينا الأول والثاني، تشرين الأول/اغسطس وتشرين الثاني/نوفمبر 2015.

ليس من الواضح بعد ما إن كان هناك مفاوضات جدية ستبدأ بالفعل، وتستمر، في جنيف بين وفدي المعارضة والنظام، أو إن كانت جنيف ستحقق أي تقدم يذكر نحو التوصل لحل سياسي للأزمة السورية. فبالرغم من أن صلابة موقف الهيئة العليا للتفاوض حسم الخلاف حول من سيمثل المعارضة في المفاوضات لصالح الهيئة، فإن عقبات أخرى لم تكن قد ذللت، حتى بعد أيام من الموعد المقرر لانطلاق المفاوضات في 29 كانون الثاني/يناير. تحدثت رسالة الدعوة التي وجهها دي ميستورا للهيئة العليا للتفاوض عن «إقامة حكم ذي مصداقية»، ولم تشر إلى «هيئة حكم انتقالي، كاملة الصلاحيات»، التي وردت في بيان جنيف 2012. كما أن رسالة الدعوة تجاهلت كلية إجراءات بناء الثقة، التي يفترض، طبقاً لقرار مجلس الأمن، أن تطبق قبل انطلاق المفاوضات، بما في ذلك فك الحصار الذي يفرضه النظام على مدن وبلدات سورية، ووقف قصف المدنيين.

ثمة انطباع بأن دي ميستورا يسعى إلى مجد شخصي، وأن همه الرئيسي إطلاق العملية والتوصل إلى حل ما، بغض النظر عن مطالب وحقوق ومعاناة الشعب السوري. ولكن المسألة، في الحقيقة، ليست دي ميستورا، بل الموقف الأمريكي. لم يكن لمشروع التفاوض في جنيف أن يوضع موضع التنفيذ، ولا لقرار مجلس الأمن أن يصدر، بدون التوافق الأمريكي ـ الروسي في فيينا. وفي حين أن روسيا لا تخفي، سواء في تدخلها العسكري المباشر في سوريا أو في تحركاتها السياسية، سعيها إلى دعم نظام الأسد والحفاظ عليه، بصورة أو أخرى، فقد كان من المفترض أن تدافع الولايات المتحدة عن مطالب الشعب السوري وقواه المعارضة، وتعمل بجدية كافية من أجل تحقيق عملية انتقال ديمقراطي، حر في سوريا. ولكن تطورات الأزمة السورية لا توحي بأن هذا هو بالفعل ما تدفع إليه إدارة أوباما. القول بأن هناك مؤامرة أمريكية ـ روسية لوأد الثورة السورية، ليس صحيحاً. ولكن الواضح في سوريا، كما في قضايا أخرى في الشرق الأوسط، أن سياسة إدارة أوباما لا تكاد تشبه ما كانت عليه في 2011.

ربما كان خطابا أوباما في القاهرة واسطنبول، بعد شهور قليلة من تسلمه مقاليد البيت الأبيض في 2009، أفضل مؤشرين إلى ما كانت إدارته تعمل على تحقيقه في سياساتها تجاه المنطقة العربية والعالم الإسلامي. حمل الخطابان رسالة تصالحية لا تخفى، بعد ثماني سنوات من سياسة الحروب التي تبنتها إدارة بوش الابن. وبالرغم من أن الخطابين استبطنا وعياً بأن أنظمة الحكم الديكتاتورية تساهم في تفاقم الأزمات في الشرق الأوسط، لم يدع أوباما صراحة إلى تحول ديمقراطي شامل في المنطقة؛ بل بدت لغته أكثر انسحابية منها إلى المقاربة الأمريكية التدخلية المعتادة. في 2011، فوجئت إدارة أوباما باندلاع حركة الثورة العربية، كما فوجىء كثيرون؛ وفوجئت بصورة أكبر بانتشارها السريع من تونس إلى مصر، ومنهما إلى عدد واسع من الدول العربية. يقدر لإدارة أوباما، وللدور الذي لعبته وزيرة الخارجية السيدة كلينتون في التطور السريع لمقاربتها من الحركة العربية الشعبية ودعوتها إلى دعم مطالب الحرية والديمقراطية والحكم الرشيد. ولكن، ومنذ 2003 على الأقل، بداية ولاية أوباما الثانية، عاد الغموض ليكتنف السياسة الأمريكية وحقيقة موقفها من عملية التحول والانتقال الديمقراطي في المنطقة.

واجهت إدارة أوباما منذ 2013 وضعاً يزداد تعقيداً في الشرق الأوسط: انقسام فادح بين أصدقائها في تركيا والخليج حول الموقف من عملية التحول الديمقراطي؛ انقسام لا يقل فداحة بين السعودية وإيران، ليس حول سوريا وحسب، بل وطائفياً أيضاً؛ انقلاب في مصر، وتطور الثورة السورية إلى حرب أهلية، وانهيار العملية الانتقالية في ليبيا واليمن؛ والتصاعد الهائل في قوة تنظيم الدولة الإسلامية، ومن ثم اتساع نطاق سيطرته في العراق وسوريا. لم يكن لدى إدارة أوباما الاستعداد لتحمل التكلفة المتزايدة لتبني سياسة إيجابية في الشرق الاوسط؛ وبدلاً من أن ترمي بثقلها إلى جانب قوى التحول الديمقراطي، اختارت أن تجعل أولويتها تحقيق هدفي الاتفاق النووي مع إيران، ثم محاربة الإرهاب، وبتكلفة قليلة نسبياً.

ليس ثمة أمل في تحول إيجابي في السياسة الأمريكية، لا تجاه سوريا ولا في أي من دول الثورة العربية الأخرى. الأمل، أن تمارس دول المنطقة، الحليفة للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، ما يكفي من الضغط لمنع انحدار الموقف الأمريكي إلى ما هو أسوأ؛ سيما أن هذه الدول قبلت، من البداية، تحمل أعباء الحرب على الإرهاب، بدون أن تحصل من واشنطن على أي مقابل يذكر.

٭ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

 

 

 

جنيف 3:الخديعة الروسية/ ساطع نور الدين

لم تجمد او تعلّق المفاوضات السورية في جنيف. هي لم تبدأ في الاصل، لان المجتمع الدولي، او بتعبير أدق، لان الاميركيين والروس حددوا لها توقيتاً خاطئاً واختاروا جدول أعمال خيالي، يلبي الرغبات المشتركة بين واشنطن وموسكو، لكنه يبدو أقرب الى الخديعة للسوريين على إختلاف إنتماءاتهم.

ثمة محاولة للتفاوض فشلت، لانها كانت سابقة لأوانها. والارجح انها لن تتكرر في الموعد المضروب في 25 شباط فبراير الحالي او في أي مستقبل قريب. لكنها ستظل الشاهد على ان الامم المتحدة على الرغم من حيرتها بين الاميركيين والروس وعلى الرغم من تخبطها في التعامل مع الشأن السوري وانحيازها الملموس، هي الطرف الوحيد الراغب حالياً بالحل السياسي..نتيجة الاهتمام الخاص بالدور والجدوى.

فشل المحاولة هو بلا شك خطوة الى الوراء، حتى بمعايير التفاوض السورية نفسها التي سبق ان شهدت لقاءات مباشرة حول طاولة واحدة او في قاعة واحدة لقاءات رسمية معلنة بين النظام وبين معارضيه، سواء في جنيف نفسها او في غيرها من العواصم المعنية بالبحث عن حلول للازمة السورية.. فضلا عن انه انتقاص من مرجعية قرارات الامم المتحدة لا سيما قرار مجلس الامن الاخير الرقم 2254، الذي كان غطاء شرعياً لجنيف 3، فصار يمكن من الان فصاعداً اعتباره لاغياً، او على الاقل غير ذي شأن.

لكن أهم ما في هذه الإنتكاسة الحالية انها تثبت مرة أخرى التواطوء الشديد بين الاميركيين والروس، الذي كان وسيبقى من أكبر عناوين الازمة السورية وأدق عناصر إستمرارها لسنوات خمس، مع أنه كان يمكن ان تنتهي في عامها الثاني او الثالث الى تسوية معقولة، تحول دون انحدار سوريا الى هذا المستوى من العنف والارهاب والتشدد. لكن السوريين على اختلافهم أساؤوا فهم ذلك التواطوء وتوصلوا في جنيف 3 خاصة الى الاستنتاج بان النصر العسكري ما زال حليفهم وما زال خيارهم الوحيد.

الانتكاسة الاخيرة لمساعي السلام تخفف العبء السياسي (والاخلاقي اذا جاز القول) عن الاميركيين والروس الذين بامكانهم القول اليوم انهم حاولوا جر السوريين الى التفاوض ولم يفلحوا، وسعوا الى اقناعهم بوقف النار وبعض اجراءات الثقة الانسانية المتبادلة ولم يلقوا آذاناً صاغية من الجانبين. ولعل هذا هو جوهر جنيف 3، ومغزاه الوحيد حتى الان، الذي لا يبدو مجافياً للواقع او متعارضاً مع معطياته الميدانية الاخيرة.

وبهذا المعنى كان جنيف3 بمثابة مذكرة استدعاء للنظام الذي إستعاد قوته وصلفه بفعل الحملة العسكرية الروسية الضارية، وكان بمثابة مذكرة جلب للمعارضة التي كانت الارض ولا تزال تميد تحت اقدامها. لكن الجانبين أدركا أنهما باتا أبعد من أي وقت مضى   عن التفاوض الذي يبدو بالنسبة الى النظام تراجعاً، وعن الحل الذي يبدو بالنسبة الى المعارضة إستسلاماً. وهكذا ظلا خارج القاعة العامة، يتسقطان اخبار الميدان التي لا توحي بان وقف النار ممكن على أي من خطوط التماس السورية.

صحيح ان المعارضة، التي شعرت بالانكشاف والعزلة حتى عن أقرب حلفائها، القلائل أصلا،  اتسمت بقدر كبير من الجرأة في رفضها الدخول الى قاعة التفاوض، قبل ان يستجيب الطرف الاخر لمطالبها الانسانية البسيطة، لكن المحصلة النهائية لتلك المحاولة خدمت مصلحة النظام وهي ستساهم في إطلاق يده وفي تحرير شركائه الروس من مسؤولية دفع الحملة العسكرية الى حدود لم يسبق لها مثيل.

لم يكن جنيف 3 مناسبة للتشكيك بالانتداب الروسي على سوريا، الذي صيغ بمعاهدة رسمية وقعت مع النظام في شهر آب أغسطس الماضي، لعله كان فرصة لاكساب ذلك الانتداب شرعية دولية إضافية، ولمنح الخيار العسكري والسياسي الروسي مهلة جديدة لإنهاء الازمة السورية من دون الرهان على تسوية تخرج من قاعات التفاوض المقفلة.

المدن

 

 

 

“جنيف3:” على خطى “جنيف1”.. ولا حلَّ إلاَّ بالقوة!/ صالح القلاب

ليس بعد الاستماع إلى ما جاء في المؤتمر الصحافي الذي حدد فيه بشار الجعفري حقيقة ما جاء به الوفد السوري إلى «جنيف3» وإنما قبل ذلك عندما بادر الروس إلى تصعيد عسكري على جبهات القتال والمواجهة كلها في سوريا، فإنه كان يجب أن تدرك الأطراف الداعمة للمعارضة (المعتدلة) العربية وغير العربية أنَّ فشل «جنيف3» سيكون أكبر كثيرًا من فشل «جنيف2»، وأن قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لن يطبق منها شيء، وأن موافقة روسيا على هذه القرارات، الغارق بعضها في الرمادية والقابل للتفسيرات المتعددة، دافعها الحصول على مزيد من الوقت لإحراز التفوق العسكري الذي تسعى إليه وإضعاف المعارضين السوريين حتى حدود القبول بالاستسلام ورفع الأيدي إنْ ليس القضاء عليهم بصورة نهائية، على غرار ما كان فعله فلاديمير بوتين بـ«غروزْني» الشيشانية.

وهنا وقبل الاستطراد في هذا الاتجاه فإنه لا بد من التأكيد على أنَّ المعارضة (المعتدلة)، التي لا غيرها معارضة، قد فعلت عين العقل عندما قررت الذهاب إلى «جنيف3» وهي تعرف أن مصيرها سيكون أسوأ كثيرًا من مصير «جنيف2»، فالروس، وبالطبع معهم نظام بشار الأسد، كانوا ينتظرون مقاطعتها ليأتوا ببديلهم الجاهز الذي يسمونه معارضة الداخل والمكون من مجموعة قدري جميل وهيثم المناع وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لصاحبه صالح محمد مسلم الذي لم يعد ارتباطه بالمخابرات السورية خافيًا على أحد، والذي لا ينكر هو نفسه علاقاته السابقة وأيضًا اللاحقة بحزب العمال الكردستاني – التركي الـ«p.k.k» بزعامة عبد الله أوجلان المعتقل الآن في أحد سجون إحدى الجزر التركية القريبة من مدينة إسطنبول التاريخية.

كان يجب أن تذهب المعارضة (المعتدلة)، التي تضم خمسة تنظيمات عسكرية فاعلة على الأرض والتي لا غيرها معارضة نظرًا لأن «داعش» و«النصرة» قد اعتُبرا تنظيمين إرهابيين، وأن تدافع عن حقوق ومطالب شعبها وأن تتمسك بقرارات مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2254 كلها، وأن تصر على «فيينا1» و«فيينا2» وترفض التزحْزُحَ عن «جنيف1» ولو بمقدار قيد أنملة، وأن تركز على المرحلة الانتقالية تتولى الأمور خلالها هيئة حكم كاملة الصلاحيات لا مكان لبشار الأسد فيها ولا وجود له في المرحلة التالية.

لقد حصلت المعارضة قبل ذهابها إلى جنيف، متأخرة لبعْض الوقت بموافقة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، على ضمانات فعلية، من الولايات المتحدة ومن فرنسا وبريطانيا وربما ألمانيا أيضًا، بأن قرارات مجلس الأمن رقم 2254 ستطبق كلها وأن العملية السياسية ستتم وفقًا لـ«جنيف1» وبخاصة بالنسبة إلى ما يتعلق بالمرحلة الانتقالية، وهذه مسألة مؤكدة ولا شك فيها، لكن المشكلة أنَّ التجربة وعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية قد علمت هذه المعارضة وعلمت الشعب السوري وكل مراقب وكل معني بالمسألة السورية أن الرهان على الأميركيين، على إدارة باراك أوباما تحديدًا، غير مضمون ولا يمكن الركون إليه، وأن الرئيس الأميركي ووزير خارجيته وآخرين غيرهما يغيرون مواقفهم بالنسبة إلى هذه المسألة كما يغيرون ربطات أعناقهم.. ولا نريد أنْ نقول أكثر من هذا!!

الآن يقول الروس، والمعروف أن ما يقوله الروس يلتزم به بشار الأسد وطاقمه «الحاكم» كتلاميذ المدارس الابتدائية النُّجباء، أنَّ قواعد الاشتباك قد تغيرت وأن الإنجازات العسكرية على الأرض هي التي تحدد طبيعة المفاوضات وترسم مسارها وبالتالي فإن من استمع إلى ما قاله بشار الجعفري في مؤتمره الصحافي الآنف الذكر لا بد وقد أدرك أنَّ «جنيف3» لن تكون إلاَّ مجرد قفزة في الهواء وبالتالي مجرد مضيعة للوقت، فالجانب الآخر، الذي هو روسيا أساسًا ومعها إيران وتابع لهما نظام بشار الأسد، مستمر بالتمسك بأن الأولوية هي للتصدي للإرهاب، والمقصود هنا ليس «داعش» ولا «النصرة» وإنما فصائل المعارضة (المعتدلة) المسلحة المقاتلة، وأنه لن يكون هناك تفاوضٌ، بل محادثات «بين السوريين أنفسهم»، وأن أكثر ما يمكن إقراره والاتفاق عليه هو «حكومة وحدة وطنية» موسعة وإعداد دستور جديد وإجراء انتخابات يشارك فيها هذا الرئيس السوري كما كان قال فلاديمير بوتين أكثر من مرة خلال الشهور الأخيرة.

إذنْ لن يكون هناك أي جديد على الإطلاق، والدليل هو ما كالهُ بشار الجعفري من شتائم واتهامات في أول إطلالة إعلامية له على «جنيف3»، والدليل أيضًا هو أنَّ الروس لو أنهم يريدون النجاح لهذه الجولة «المحادثاتية» إن ليس «التفاوضية» لكانوا أعلنوا وقفًا لإطلاق النار، برًَّا وجوًّا، ولكانوا ألْزموا نظام بشار الأسد، الذي لا يستطيع إلا أن يلتزم بـ«أوامرهم»، بإطلاق سراح المعتقلات وإطلاق سراح الأطفال المعتقلين وتنفيذ كل ما يتعلق بما يسمى «القضايا الإنسانية» وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2254.

إن المفترض أنه معروف ومؤكدٌ أنَّ أي قرار يتعلق بالمسألة أو الأزمة السورية هو قرار روسي أولاً وأخيرًا، وهو قرار الرئيس فلاديمير بوتين تحديدًا، وأن بشار الأسد هو مجرد «شاهد ما شافش حاجة»، ولذلك فإن الواضح وإنَّ ما لا نقاش فيه هو أن الروس يريدون مصيرًا لـ«جنيف3» كمصير «جنيف1»، ولهذا فإنه كان على المعارضة السورية أن تأتي إلى هذه المدينة السويسرية الجميلة بعد حصولها على الضمانات التي حصلت عليها، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار مسبقًا ضرورة أن يكون لديها ولدى من يساندونها، عربًا وغيرَ عرب، البديل الجاهز، الذي في ضوء كل هذه المواقف التي من المفترض أنها معروفة مسبقًا هو مزيد من رصّ صفوف هذه المعارضة والمباشرة وعلى الفور بتحويلها بكل تشكيلاتها إلى ثورة مسلحة.. إذْ «لا يفلُّ الحديد إلا الحديد»، وإذ إنه قد ثبتت عبثية مواجهة الكف للمخرز.

ويقينًا، ما دام أنه كان من الواضح جدًا ومنذ البدايات أنَّ الروس لا يريدون أي حلٍّ سياسي لهذه الأزمة إلاَّ حلهم الذي يبقى على نظام بشار الأسد.. وإلى الأبد، وينهي انتفاضة الشعب السوري بالطريقة نفسها التي أنْهى بها فلاديمير بوتين انتفاضة الشعب الشيشاني في غروزْني، فإنه كان يجب أنْ يكون التركيز ومنذ البدايات على السلاح، فالقوة لا تواجه إلاَّ بالقوة والعنف لا ينفع معه إلاَّ العنف، وهذا ما كان يجب أن تجده القوات الروسية أمامها عندما بدأت تصل إلى سوريا وبدأت باحتلال الأراضي السورية.

إن المحتل وأي محتلٍّ لا يمكن أن يبدأ التفكير بإنهاء احتلاله وبالرحيل والعودة من حيث أتى إلاَّ إذا بدأت جثث ضباطه وجنوده تصل يوميًا إلى بلاده، وإذا بدأ شعبه يسهر الليالي الطويلة خوفًا على أبنائه. والمعروف أن هذا هو ما حصل لجيوش الاتحاد السوفياتي في أفغانستان وما حصل للجيوش الأميركية في فيتنام وما حصل لجيش فرنسا الاستعمارية السابقة في الجزائر.. إن هذه هي تجارب التاريخ!!

*نقلاً عن “الشرق الأوسط”

 

 

 

أهداف موسكو وواشنطن في الحرب السورية/ راغدة درغام

لا تخفي روسيا أهدافها في حربها السورية ولا تتنصّل من تحالفاتها مع إيران وميليشياتها ومع نظام بشار الأسد. موسكو قررت منذ البداية أن الحرب في سورية هي الحرب الروسية على «الإرهاب الإسلامي» ولن تتوقف عنها قبل إعلان الانتصار. وبقرار من رئيسها فلاديمير بوتين لن تتقهقر روسيا في الساحة السورية مهما كلفتها هذه المعركة ومهما حصدت من أرواح سورية. فهي باتت حرباً وجودية منذ أن اندلع ما سمي «الربيع العربي» ودفع الإسلاميين إلى السلطة، الأمر الذي وجدت فيه موسكو تهديداً قومياً لها ولمصالحها الاستراتيجية. تحالفها مع طهران يتعدى مجرد توافقهما على تثبيت بشار الأسد في السلطة، إذ إن موسكو تعتبر الإرهاب الإسلامي سنياً محضاً وتجد في الحليف الشيعي سنداً لا غنى عنه في الحرب على «الإرهاب السني»، كما تراه. مغامرتها في خوض حرب سورية أتت أيضاً بناء على استنتاجاتها بأن الولايات المتحدة توافقها الرأي ضمناً، وهي شريك صامت معها، وعند الحاجة واشنطن جاهزة لهزّ العصا وقلب المعادلات. وهذا تماماً ما حدث خلال أسبوع جولة المفاوضات الأولى بين وفد النظام في دمشق ووفد المعارضة السورية بموجب «عملية فيينا» ذات الملكية الروسية والتنفيذ الدولي. فلقد رافقت مساعي بدء المفاوضات عمليات قصف مكثفة للطيران الروسي على مواقع المعارضة السورية رفضت موسكو إيقافها، بل أعلن وزير الخارجية سيرغي لافروف أن روسيا لن تتوقف عن القصف في سورية حتى هزيمة «الإرهابيين».

إدارة أوباما ما زالت في ظل انبهارها بإيران وهي متأهبة لغض النظر عن كل ما يمكن لها تمريره بلا محاسبة لإيران داخل سورية، إرضاءً لموسكو فيما أنظارها منصبة على الانتخابات الإيرانية والمعركة الطاحنة بين المعتدلين من الملالي والمتشددين منهم بزخم «الحرس الثوري» الذي يشرف على الحرب الإيرانية في سورية. هذه الانتخابات بالغة الأهمية ومن الضروري التوقف عندها لقراءة ما في طيّاتها لإيران نفسها كما للعلاقات الإيرانية – السعودية وللمشاريع والطموحات الإقليمية كما يراها المعتدلون والمتشددون في إيران.

قبل ذلك، وتوقفاً عند محطة جنيف الأولى في عملية فيينا، حسناً فعلت الهيئة العليا للمفاوضات السورية بتوجهها إلى جنيف تلبية لدعوة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بغض النظر أن أتت المشاركة مبعثرة أو رضوخاً لضغوط أميركية وإقليمية. لقد تمكنت بوجودها في جنيف من تسليط الأضواء على تصعيد القصف الروسي بتزامن مع التصعيد الديبلوماسي، من خلال مغالاة وفود المعارضة الموالية للنظام ومن خلال الوفد الرسمي للنظام الذي جعل من جولة المفاوضات فرصة للسخرية بدلاً من إبداء الجدية لنقل سورية من الكارثة إلى المعافاة.

إعلان دي ميستورا تعليق المفاوضات لثلاثة أسابيع قبل انطلاقها يعكس صعوبة إطلاق المفاوضات، وسط استراتيجية تصعيد القصف الميداني والضغط السياسي على المعارضة السورية. استراتيجية التعجيز هذه كان يجب أن تلقى مواقف شجاعة من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومبعوثه ستيفان دي ميستورا، في دعوة علنية واضحة لروسيا للكف عن هذه الاستراتيجية. كلاهما تقاعس فيما كان عليهما الإقدام من أجل إنجاح جهود الأمم المتحدة ومن أجل إبعاد التهمة التي تلاحقهما بأنهما يغضّان النظر عن التجاوزات الإيرانية والروسية وتجاوزات النظام بصورة تقوّض الثقة بحيادهما وبقدرة الأمين العام على القيادة الأخلاقية.

واقع الأمر أن روسيا وإيران هما طرفان مباشران في الحرب السورية. بالمقابل، إن الداعمين للمعارضة السورية يتنصّلون منها عسكرياً وسياسياً بذريعة «داعش» و «جبهة النصرة» تارة وبحجة إنجاح المفاوضات السياسية تارةً أخرى. خلاصة الأمر أن الولايات المتحدة حيّدت نفسها في الحرب السورية، ميدانياً، وأعطت الغطاء لروسيا وإيران للتصرف كما تقتضي الحاجة في سورية، والدول الإقليمية الداعمة للمعارضة السورية تقدم دعماً هزيلاً لها مقارنة بالدعم الروسي الإيراني للنظام ميدانياً وسياسياً وديبلوماسياً.

موازين القوى، ميدانياً، تزداد تكريساً لاحتمالات تقسيم سورية وبقاء بشار الأسد في كرسي ما. البرنامج الذي وضعته «المجموعة الدولية لدعم سورية» للمرحلة الانتقالية «مفرط في التفاؤل» وفق دي ميستورا، كما جاء في وثيقة نشرتها «الحياة». فهو اعتبر أنه من غير الممكن إجراء الانتخابات بعد 18 شهراً أي بحلول كانون الثاني (يناير) 2018. وهذا يعني أن البرنامج الزمني سيطول في حال كان سلمياً، وأن البرنامج الزمني الفعلي في غياب الحل السياسي سيطيل الحرب السورية كثيراً. وهذا سيزيد تورط روسيا وإيران في مستنقع مكلف جداً لاسيما في زمن انخفاض أسعار النفط والغاز وانهيار قيمة العملة الروسية وفي زمن الامتناع الأميركي عن التورط ميدانياً وتشجيع الآخرين على التدخل إذا شاؤوا.

واشنطن ليست في وارد إيقاف طهران أو موسكو عن تحالفهما في سورية ولا هي في وارد التدخل في استراتيجية روسيا القائمة على تغيير موازين القوى على الأرض لمصلحة النظام وعلى حساب المعارضة السورية المسلحة التي تزعم إدارة أوباما أنها تدعمها. إدارة أوباما مصرّة على توطيد التهادن مع إيران وتقول أنها تراهن على صفوف الاعتدال لتنقل السياسة الإيرانية إلى سياسة ودّية نحو الولايات المتحدة. إنها غير قلقة من العلاقة التحالفية بين موسكو وطهران ولا يقلقها تمويل روسيا مشاريع اقتصادية نووية في إيران. فالكعكة الإيرانية، وفق الفكر الأميركي، ستكون لاحقاً جاهزة للاستفادة منها، ولا عجلة الآن سوى للاستثمار في إيران استراتيجياً ومراقبة الانتخابات.

الانتخابات الإيرانية ستحصل في 26 الشهر الجاري، إنما النتائج لن تُعرف، على الأرجح، قبل مضي 6 أسابيع بسبب عيد «النوروز» الذي يعطّل تقليدياً البلاد. سينتخب الإيرانيون نوّاب «مجلس الشورى» الذي يملك المتشددون فيه حالياً حوالى 200 مقعد من أصل 295، وأعضاء «مجلس الخبراء» الذي ينتخب مرشد الجمهورية الإسلامية الجديد.

المرشد الحالي علي خامنئي أمضى حوالى 25 سنة في السلطة بين رئيس ومرشد للجمهورية، وهو كما يقول الخبراء، مريض بالسرطان درجة رابعة ويخضع للعلاج على أيدي إيرانيين وألمان. وخامنئي تحدث لأول مرة، قبل شهرين تقريباً، عن قيام المجلس بانتخاب خليفته مما فُسِّر بأنه إشارة إلى ضعف وضعه الصحي.

يتشكّل «مجلس الخبراء» من 88 شخصاً علماء بالفقه ويتم انتخابه لمدة 8 سنوات من قِبَل الشعب وذلك في يوم انتخاب مجلس الشورى. كان الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني يرأس «مجلس الخبراء» ثم أُبعِدَ عن الرئاسة لمصلحة محمد جنتي الذي توفي وخَلفه محمد يزدي. ويعتبر مجلس خبراء القيادة الإيرانية الهيئة الأساسية في النظام.

وفق خبير وثيق الاطلاع بالداخل الإيراني، إن الصراع على خلافة خامنئي يقع بين المتشددين الذين يرون في اقتراح تعيين «هيئة» تخلف المرشد إضعافاً لولاية الفقيه. «الحرس الثوري» رفض قطعاً ما من شأنه تقليص نفوذ ولاية الفقيه وهو يخوض معركة طاحنة مع المعتدلين.

معسكر المعتدلين يضم هاشمي رفسنجاني والرئيس الحالي حسن روحاني وكذلك حسن الخميني حفيد الخميني، ويسمى معسكر الوسطيين. الإصلاحيون، ومن أبرزهم الرئيس السابق محمد خاتمي، يقفون مع معسكر المعتدلين والوسطيين.

معسكر المتشددين يملك حالياً مفاتيح السلطة وقائده الحقيقي هو خامنئي. من أصل حوالى 200 نائب لمصلحة المتشددين، هناك، وفق الخبير نفسه، كتلة يُطلَق عليها اسم «كتلة الصخرة» وتضم حوالى 80 نائباً وهي الكتلة التي تمثّل عملياً «الحرس الثوري».

موضع مهم في الصراع بين المعسكرين هو «مجلس صيانة الدستور» الذي يعيّن أعضاءه خامنئي ويضم 6 مدنيين و6 رجال الدين واسمه في إيران، وفق الخبير، «المصفاة»، إذ إن النظام يستخدمه لإبعاد من لا يريده عن السلطة. «المصفاة» أبعدت عدداً كبيراً من المرشحين الإصلاحيين منهم حسن الخميني الذي رفض دخول امتحان الفقه لأنه أكثر كفاءة ممّن يمتحنه لأنه يدرّس الفقه لآيات الله.

الخبراء يقولون أن من المستحيل أن يحصل رفسنجاني على منصب ولاية الفقيه لأنه صدامي، وهو نفسه يقول أنه ليس مهتماً بالفشل وانما بالحصول على أكثر من مليون صوت ليكون صاحب السلطة الشعبية. يضيف الخبراء أن للرئيس الحالي حسن روحاني الحظ في أن يصبح خليفة خامنئي كمرشد للجمهورية. فإذا تقرر ذلك، يستقيل حسن روحاني من الرئاسة ويتم انتخاب رئيس جديد. وللسجل، يذكر الخبراء أن الأسماء الثلاثة الأخرى التي يتم تداولها كخليفة محتمل في موقع المرشد هي: آية الله جوادي آملي، آية الله صادق لاريجاني، وآية الله محمود الهاشمي الشاهرودي، وهو، كما يُقال الأهم علماً انما مشكلته أنه يخفي «ويُلحِن». ويذكر أيضاً اسم آية الله محمد مصباح يزدي الذي يُعتبر متشدداً للغاية.

يقول الخبراء أنه لو عاد الأمر إلى الإصلاحيين فإنهم يريدون رفسنجاني رئيساً لـ «مجلس الخبراء» الذي ينتخب مرشد الجمهورية. رفسنجاني هو حالياً رئيس «مجلس تشخيص مصلحة النظام» الذي يعالج الخلافات، مثل تلك التي بين «مجلس صيانة الدستور» و «مجلس الخبراء».

عاد الرئيس حسن روحاني من باريس بعد جولة أوروبية. وكتب زملاء في مقارنة بين عودة الخميني من باريس في أول شباط (فبراير) إلى طهران متأبطاً خط الثورة. روحاني قوي شعبياً، بل هو ربما الأقوى في إيران. خبراته في مواقع القرار منذ أن ترأس وفد المفاوضات النووية مع الأميركيين عام 2003 وقطع بذلك الطريق على أي غزو أميركي أو اسرائيلي، إلى وصوله للرئاسة جعلت منه لدى أكثرية الرأي المحلي والإقليمي والدولي رجل دولة.

الذين يعرفونه عن كثب يؤكدون أن فكر حسن روحاني يصب في الخطوط الاستراتيجية للدولة الإيرانية، عكس شهية قادة خط الثورة الإيرانية للهيمنة الإقليمية.

فإذا أسفرت الانتخابات الإيرانية عن صوت واضح للشعب الإيراني بأنه يريد خط الدولة، ستحدث نقلة نوعية في المسيرة الإيرانية، لاسيما بعدما تمكّن الاعتداليون والإصلاحيون من إنجاز «اتفاق نووي» تاريخي رفع العقوبات عن إيران ومكّن رئيسها من جولة أوروبية عاد إلى شعبه منها بعقود مهمة لعملية البناء وليس بوعود عنترية عنوانها التدمير والدمار.

الحياة

 

 

 

أبعد من الدويلة العلوية/ وليد شقير

تأجيل انطلاقة المفاوضات بين النظام والمعارضة في جنيف – 3 هو نسخة طبق الأصل عن إفشال جنيف – 1 وجنيف -2. وكما حصل في المحاولتين السابقتين، وافق النظام السوري على التفاوض على أمل نسف أسسه وتأجيل الحل السياسي. أما الهدف البعيد فهو نسف هذا الحل لتكون النتيجة الواقعية بقاء بشار الأسد في السلطة من دون تغيير في تركيبة سلطته. وإذا كان إفشال المحاولتين السابقتين تم لإعطاء المزيد من الوقت لإيران كي تعدّل ميزان القوى على الأرض فإن تأجيل جنيف – 3 هو لإعطاء المزيد من الوقت لموسكو كي تواصل تعديل ميزان القوى الميداني بالتحالف مع إيران والميليشيات المتعددة الجنسية التابعة لها.

فالمعلومات الواردة من دوائر القرار أن القيادة الروسية طلبت، أثناء المناقشات بينها وبين الإدارة الأميركية حول إمكان تنفيذ بعض مطالب المعارضة بفك الحصار عن مدن وقرى وبوقف النار أثناء التفاوض، إعطاءها المزيد من الوقت لترتيب الأمور تمهيداً لولوج هاتين النقطتين. وواشنطن وافقت على الطلب الروسي، تحت غطاء تصريحات وزير خارجيتها جون كيري بأن مطالب المعارضة بفك الحصار وعمليات التجويع ووقف النار وقصف المواقع المدنية، محقة. وسرعان ما بدا أن هذه التصريحات والوعود بالأخذ بمطالب المعارضة، لإقناعها بالمجيء الى جنيف هي رياء جديد من جانب الأميركيين، وعدم ممانعة من قبلهم في أن تواصل موسكو سياسة الأرض المحروقة بقصفها المجنون لمناطق المعارضة المعتدلة بموازاة قصف رمزي للمناطق التي يسيطر عليها «داعش».

كان واضحا قبل موعد جنيف – 3 أن وقف النار متعذر، لأن تفاهمات واشنطن وموسكو لم تشمل أي جهد لتنفيذ الفقرة المتعلقة بوضع آلية لوقف النار في القرار الدولي الرقم 2254. فكيف يمكن وقف النار من دون تحديد وسائل فرضه وسط فوضى القتال الجاري وإذا لم يشمل إنزال مراقبين له أو قوات فصل في بعض الأماكن. وهذا ما يتجنب الدب الروسي مناقشته وتتواطأ معه الإدارة الأميركية في عدم الإقدام عليه.

إلا أن التطورات الميدانية التي تعجل الآلة العسكرية الروسية الوحشية في تحقيقها أخذت تكشف عن أهداف تتعدى ما قاله وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عن أن روسيا تساعد الأسد على إقامة دولة علوية على الساحل السوري. وإذا كان هذا هو الهدف الأدنى لموسكو لتثبيت نفوذها في سورية، وسبق أن طلبت من إسرائيل عبر علاقتها الخاصة بها عدم التخريب على قيام دويلة كهذه، فإن موسكو باتت تطمح الى أكثر من ضمان الدويلة و «سوريا المفيدة» تحت سيطرتها وإدارة نظام الأسد، فتوسع قوات الأخير مع الميليشيات الإيرانية والعراقية و «حزب الله» تحت الغطاء الجوي الروسي بات يشمل إدلب وحلب وجسر الشغور، ولا يقتصر على ضمان أمن اللاذقية وريفها والساحل والطريق إليها من دمشق. النتائج الميدانية للأيام القليلة الماضية تكشف أن الوقت المستقطع الذي طلبته موسكو هدفه استعادة معظم المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة وصولاً الى حلب في الشمال، بهدف تقزيم الدور التركي في سورية، وإلغاء المعارضة والفصائل المعتدلة بهدف إعادة النظر بتركيبة الوفد المفاوض مع النظام، وإبقاء المناطق التي تسيطر عليها في مناطق محدودة على الحدود مع العراق، وترك المناطق الشرقية والشمالية الشرقية بعهدة «داعش»، بحجة أن تطهيرها يتم لاحقاً، بحيث تصبح مناطق سيطرة النظام أكبر بكثير من دويلة الساحل. فالمؤشرات الميدانية تدل الى أنه سيترك للنظام والقوات الإيرانية قضم ما تستطيعه من الجنوب ومحافظة درعا، في ظل الإحجام الأردني عن دعم «الجيش الحر» والفصائل المقاتلة، فضلاً عن تطهير ريف دمشق من أجل ضمان الطريق بين الأخيرة ولبنان كممر إيراني الى البحر المتوسط.

خذل «أصدقاء سورية» الشعب السوري للمرة العاشرة، سواء لجهة الدعم العسكري أو لجهة التفاوض على العملية السياسية، بما يمهد لإطالة الحرب السورية سنوات أخرى. وبات على المعارضة أن تبحث عن إستراتيجية جديدة لإدارة موقعها في المحنة السورية الطويلة.

الحياة

 

 

 

 

الجعفري إذ يضع النقاط على الحروف!/ محمد برهومة

يتذاكى السفير بشار الجعفري، الذي يرأس الوفد الرسمي السوري الى محادثات جنيف، في مؤتمره الصحافي الذي عقده عقب إعلان المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا تعليق المحادثات، فيقول إن الأخير علّق المحادثات «حمايةً للمعارضة من الحرَج وحمايةً لنفسه»، وأن دي ميستورا حاول إقناع المعارضة بالبقاء لكنها كانت تبيّت قرار مقاطعة المحادثات! المفارقة أنه بعد حديث الجعفري واختلاقاته على المبعوث الأممي، يصرّح مسؤول بارز في الأمم المتحدة بأن قرار دي ميستورا تعليق مفاوضات جنيف حتى 25 شباط (فبراير) الجاري، جاء بسبب التصعيد العسكري الروسي الذي يهدف إلى «إذلال المعارضة». ونقلت وكالة «رويترز» عن المسؤول القول: «أعتقد أن المبعوث الخاص قرر تعليق المحادثات، لأن المنظمة الدولية لا تريد أن يُربط بينها وبين التصعيد الروسي في سورية، الذي يثير أخطاراً بتقويض المحادثات برمتها».

نبرة خطاب الجعفري ولغة جسده ومضمون خطاباته تؤكد، بما لا يدعو الى الشك، أنّ النظام السوري جاء الى المحادثات، بدعم روسي، لكي يُفشلها. كان أسلوب «التشبيح» و «الاستقواء» بصانع «السوخوي» واضحاً في كل تصريح وكلمة يقولها الجعفري، متّهماً قادة المعارضة بأنهم «هواة في السياسة» وصولاً إلى اعتبارهم كائنات هلامية لا هوية لهم، وأنهم «معارضات وليسوا معارضة»، بل إنهم، في عُرف الجعفري، «طرف آخر» بلا محددات أو قوام أو ملامح، كما كان يردد في كل حديث للإعلام طيلة الأيام الماضية، في سياق الحرب النفسية والتحضير للنتيجة التي انتهت إليها المحادثات.

الجعفري نموذج مثالي لعكس صورة نظام لم يتغيّر بعد مرور ست سنوات على قتله شعبه، وتلهّيه وحلفائه بتجويع مضايا وغيرها، والسخرية والتشفّي بآلام سكانها وضحاياها. وإذا صحّت الأنباء التي تقول إن الجعفري يحظى بإعجاب بشار الأسد الى درجة أنه قد يرشّحه لرئاسة الوزراء، فإن هذا يتناغم مع فكرة تتكرر ومفادها أنّ روسيا بتدخلها غير العادل لمصلحة الأسد والميليشيات الإيرانية، إنما زادت النظام السوري بطشاً واستبداداً، فاجتمع في سورية الاستبداد الأسدي مع الاستبداد البوتيني، ولا أدلّ على ذلك من أن هيثم منّاع، الذي كان قبل التدخل الروسي مقبولاً لدى النظام كمعارضة معتدلة، يغدو اليوم منبوذاً، وتُمارِس عليه موسكو، كما صرّح منّاع نفسه، الضغوط والإملاءات كي «يتماشى» مع رغباتها في اختيار الأشخاص الذين يمثلون المعارضة، ووفق مقاساتها ومعاييرها لمعاني الاعتدال والإرهاب والتطرف والتشدّد، التي بات منّاع ورفاقه على حافة الاقتراب منها بناء على تصنيفات موسكو والنظام السوري الذي بعث بالجعفري إلى «جنيف 3» ليرسم بوضوح أكبر صورته بعد التدخل الروسي. ألم يكن تلفزيون «الدنيا» يقول منذ سنوات، إن «الجعفري أفضل من يضع النقاط على الحروف»؟!.

* كاتب أردني

الحياة

 

 

 

الخلافات الدولية أنهكت المفاوضات قبل انطلاقها فدْرلة العراق كأمر واقع بوابة للدويلة العلوية/ روزانا بومنصف

تكشف مصادر ديبلوماسية انه لم يكن مقدرا لانطلاق المفاوضات في جنيف بين النظام والمعارضة السورية ان ينجح لا في 25 شباط ولا في 29 منه بعد ارجائها من الموعد الاول، ولا تعتقد انها قد تنجح في اي وقت قريب. فبعض المواقف التي يعبر عنها رؤساء الديبلوماسية في دول مؤثرة تكشف رأس جبل الجليد في الخلافات الدولية التي لا تسمح تاليا باقلاع المفاوضات الثنائية ولو عبر وساطة الامم المتحدة. فعدا عن ان روسيا افتعلت عراقيل حول المعارضة وتشكيلتها بالاصالة عن نفسها وبالنيابة عن النظام السوري تحت عنوان كبير ترفعه هو ترك السوريين يقررون مصيرهم بانفسهم فيما تؤمّن هي بقاء النظام وتقضي على خصومه، بدا لافتا الموقف البريطاني حيث سأل وزير الخارجية فيليب هاموند ما اذا كانت روسيا ملتزمة عملية سلام ام انها تستخدمها كورقة توت لمساعدة الاسد على اقامة دويلة علوية في شمال غرب سوريا. وحاولت الديبلوماسية الاميركية ان توجه عتبا قاسيا الى روسيا في هذا الاطار في ضوء اتهامها مرارا بأن القصف الروسي يستهدف القضاء على معارضي الاسد وليس على تنظيم “الدولة الاسلامية “، الا ان الولايات المتحدة لم ترفع الصوت تلويحا او تهديدا بوقف المفاوضات للضغط على روسيا، لا بل بدا الموقف الاميركي مطواعا ومتناغما مع الموقف الروسي في محطات عدة وكأن العتب على استهداف المعارضة هو من اجل تسجيل موقف ليس الا. ومع ان القرار 2254 اتى نتيجة توافق اميركي – روسي وقدم خريطة طريق مبدئية للمفاوضات، فان كل الاجتماعات التي عقدها مجلس الامن كشفت مدى اختلاف وجهات النظر في مقاربة المفاوضات، في الوقت الذي كان يخشى ان يؤدي التوتر السعودي – الايراني الاخير الى تعطيل المفاوضات، فبدت العقدة مع روسيا اكثر منها مع الدول الاقليمية. فمن جهة هناك عجز الامم المتحدة التي تملك معلومات دقيقة ليس عن تجويع مضايا وحصارها بل عن كل المدن والبلدات التي يحاصرها النظام، فيما يقول وزير الخارجية الاميركي جون كيري ان مجلس الامن قدم 113 طلبا للنظام من اجل السماح بعبور مساعدات انسانية الى المناطق المحاصرة ولم يلب سوى 13 منها. وثمة من يعتبر ان التكتيك الذي يعتمده النظام يرقى الى مستوى جريمة حرب وان المساعدات الانسانية حق تضمنه القوانين الدولية. فاذا صح هذا الامر، وهو كذلك، فهل يتم التعامل معه بالطلب الى النظام ان يمتنع عن ذلك ام بمقاضاته ايضا امام المحاكم الدولية او التلويح والتهديد بذلك كوسائل ضغط من اجل ارغامه على منع التجويع وقتل المعتقلين ووقف الحصار؟ ووقت يعلن الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون هذه النقاط معتبرا انها جريمة حرب، توافق واشنطن مثلا وتضغط على المعارضة من اجل ان يكون ذلك من ضمن التفاوض المفترض مع النظام وكأنما ثمة تجاهلا متعمدا ان النظام وداعميه، اي روسيا وايران، سيستخدمان هذا التكتيك على طول الخط وكل مدة المفاوضات من دون القدرة على تغيير اي شيء. وتتحدث المصادر عن خلافات بين اعضاء مجلس الامن لجهة اعطاء حق للمعارضة بضرورة فك الحصار وتقديم المساعدات الانسانية كبادرة حسن نية، في حين يعارض بعض هؤلاء الاعضاء. ومن غير المحتمل تبعا لذلك ان يسمح التجاذب بانعقاد المفاوضات كبداية. وحيال العجز الذي واجهته الامم المتحدة، إن في ادخال المساعدات الى مضايا او سواها، اكتفى مجلس الامن باللجوء الى تكثيف اجتماعاته لاظهار مدى الاهمية التي يعلقها على هذه المسألة لعلها تشكل ضغطا على النظام وعلى حلفائه من دون طائل.

يشكل الموقف السلبي للولايات المتحدة ازاء محاولة تطويع مطالب المعارضة للرغبة الروسية من اجل انعقاد المفاوضات باي ثمن تحت طائلة عدم ازعاج روسيا التي ترفع السقف عاليا، إن في شروطها على المعارضة او في استمرار استهداف القوى المعارضة في سوريا، خيبة امل تضاف الى خيبة الامل المحيطة بالمواقف الاميركية من الازمة السورية. اذ مجددا هناك انتصار لمنطق ان من يقف مع روسيا يكسب وتدافع عنه روسيا بكل ما تملك من قوة، في حين ان من يراهن على الولايات المتحدة او دعمها تحت عناوين تتصل بحقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية انما يخطىء خطأ جسيما لان الولايات المتحدة تخذل دوما من يعتمد عليها خصوصا مع ادارة الرئيس باراك اوباما التي يعتبر مراقبون كثر في المنطقة ان سياسته افتقدت الاخلاقيات المبدئية التي قال بها قادة عهود رئاسية اخرى. فبين الحدين الاقصيين اللذين تعامل بهما اوباما مع الازمة السورية اي حتمية انزال جنود اميركيين وهو ما كرر مرارا انه يرفضه في ظل سياسته سحب الجنود الاميركيين من مناطق النزاع في العالم او ترك القيادة في الشأن السوري كليا لروسيا، يؤخذ عليه عدم استخدام وسائل ضغط تملكها الولايات المتحدة من اجل منع روسيا من التحكم بمسار المفاوضات بدلا من النظام السوري، او مساعدة له على تركيز نفسه وتدعيم سلطته، او من اجل عدم تحطيم المعارضة وانهائها انطلاقا من ان ذلك لن ينهي الحرب في سوريا في اي حال بل يمد بعمرها وبمآسي شعبها ودول الجوار ما لم تقتطع روسيا فعلا دويلة علوية لبشار الاسد بدأت تتشكل اكثر فاكثر على الارض انسجاما مع كونفيديرالية عراقية بدأت تجد طريقها اكثر الى الواقع مع تزايد الاقتناع بانه الخيار الوحيد المحتمل للعراق.

النهار

 

 

٢٥٪‏ من مساحة سوريا؟/ راجح الخوري

قدم سيرغي لافروف يوم الأربعاء مضبطة اتهام ضد المعارضة السورية وكل من يطالب بتنفيذ المادتين ١٢ و١٣ من القرار الأممي رقم ٢٢٥٤، أي وقف النار وإدخال المساعدات الإنسانية بهدف إيجاد أجواء تساعد على إنجاح مؤتمر “جنيف ٣”.

في ذلك الحين كانت المقاتلات الروسية تشنّ ٢٢٥ غارة هستيرية في يوم واحد استهدفت ميدانياً محيط حلب وسياسياً مؤتمر جنيف، الذي أعلن دو ميستورا تأجيله الى ٢٥ شباط الجاري، في حين أعلن وفد المعارضة انه لن يعود الى جنيف قبل التزام القرار ٢٢٥٤.

ليس في هذا أي مفاجأة. فمن الواضح تماماً ان العودة الى جنيف لم تكن أصلاً سوى محاولة للإيحاء الخادع بأن موسكو وايران والنظام السوري تريد حلاً سياسياً، بينما تصرّ في الواقع على حل عسكري لم يغالِ فيليب هاموند عندما قال إنه يهدف عملياً الى إقامة الدولة العلوية، وهو ما خدش حياء لافروف سيد الأحابيل والمخاتلات!

لا داعي للحديث عن دو ميستورا الذي يعمل في الواقع، مقاولاً لشراء المزيد من الوقت للحل العسكري، أولم يقلّ بداية الأسبوع إن المفاوضات يمكن ان تستغرق ستة أشهر، وهذه مدة يريد استقطاعها لإضافتها الى أشهر فلاديمير بوتين الأربعة، التي حددها أصلاً لعمليته العسكرية التي بدأت في ٣٠ أيلول الماضي، ثم عندما يؤجل مفاوضات جنيف ثلاثة أسابيع أوليست هذه مدة مستقطعة أيضاً لمزيد من القصف الذي جعل القرار ٢٢٥٤ ركاماً على رغم ان روسيا وافقت عليه على سبيل المراوغة طبعاً؟

يعرف المعارضون السوريون فصول دو ميستورا جيداً، لكنهم ذهبوا الى جنيف لئلا يُقال إنهم لا يريدون الحل السلمي ولكي يكشفوا النظام وحلفاءه، لكن ما لا يُصدّق في كل هذه العملية، ان ينبري جون كيري صباح أمس الخميس، بعدما أحرق الروس محيط حلب وقصفوا مؤتمر “جنيف ٣”، ليعلن ان لافروف وافق على “ضرورة مناقشة سبل تنفيذ وقف للنار في سوريا وان من الضروري ايصال المساعدات الإنسانية الى الطرفين”!

هكذا بالحرف وبما يوحي زوراً طبعاً ان موسكو تقبل بوقف النار، في حين لا تزال المقاتلات تنفذ كلام لافروف: “الغارات الجوية الروسية لن تتوقف ما لم نهزم فعلاً تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وان عقد الآمال على شروط ومهل [المقصود شروط وقف النار وإيصال المساعدات] يمثّل سياسة قصيرة النظر”!

لكن كيري في موقع العين بصيرة واليد قصيرة، بما يعني عملياً انه مقاول آخر أسوأ من دو ميستورا يضخّ المزيد من التعميات الأميركية التي تعطي بوتين الوقت الكافي ليرسم بالنار حدود الدولة العلوية من دمشق الى طرطوس أي ٢٥ ٪‏ من مساحة سوريا!

النهار

 

 

محلل سعودي: المملكة جادة في عرضها إرسال قوات برية إلى سوريا

“غارديان”: السعودية قد تنشر الآلاف من القوات الخاصة في سوريا بالتنسيق مع تركيا/ خالد المطيري

قالت مصادر سعودية لصحيفة «غارديان»، اليوم الجمعة، إنه «بإمكان المملكة نشر الآلاف من القوات الخاصة في سوريا، وربما عبر التنسيق مع تركيا».

 

وأضافت المصادر للصحيفة البريطانية أنه سبق في الماضي التلميح بإمكانية إرسال قوات سعودية برية إلى سوريا، لكن الإعلان الأخير هو «إعلان رسمي وجاد».

 

وكان المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي، العميد الركن «أحمد عسيري»، صرح في وقت سابق من يوم أمس الخميس، بأن المملكة على استعداد للمشاركة في أي عملية برية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» ضمن التحالف الدولي في سوريا.

 

وقال في مقابلة مع فضائية «العربية» الإخبارية: «المملكة العربية السعودية على استعداد للمشاركة في أي عمليات برية قد يتفق التحالف ضد داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) على تنفيذها في سوريا إذا ما أصبح هناك اجماع من قبل قادة التحالف».

 

وفي تصريحات لاحقة لفضائية «الجزيرة» القطرية، أوضح «عسيري» أن موقف السعودية من عرض المشاركة في تدخل بري في سوريا جاء بناء على تجربة التحالف العربي في اليمن والتحالف الدولي، التي أكدت أن القصف الجوي غير كاف لتحقيق نتائج على الأرض ما لم يسند ذلك عمل بري.

 

كما أشار إلى أن السعودية، وباعتبارها إحدى أكثر الدول تضررا من تنظيم «الدولة الإسلامية»، حريصة على القيام بدورها الكامل في التحالف الدولي، مشيرا إلى أن آخر غارة نفذتها القوات السعودية ضمن التحالف الدولي كانت في يناير/كانون الثاني الماضي.

 

ونفى المسؤول العسكري السعودي وجود أي خطط لتوسيع مهام أي تدخل بري محتمل خارج محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية».

 

وأشارت «غارديان» في تقريرها، اليوم، إلى أن الرياض وأنقرة «ملتزمتان بإزاحة بشار الأسد عن سدة الحكم في سوريا، ولديهما شكوك خطيرة بشأن آفاق التسوية السياسية للأزمة السورية دون ممارسة ضغوط عسكرية على دمشق».

 

ولفتت الصحيفة إلى أن السعودية كانت أول دولة عربية تنضم للتحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وذلك في سبتمبر/أيلول 2014، وشنت العديد من الغارات الجوية على أهداف في سوريا.

 

لكن هذه الغارات تلاشت بشكل سريع منذ مارس/آذار الماضي عندما تدخلت المملكة في الجارة اليمن؛ حيث قادت تحالفا عربيا ضد  التحركات العسكرية لجماعة «الحوثي» والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق، «علي عبدالله صالح».

 

وحول العرض السعودي لإرسال قوات برية إلى سوريا، قال المحلل السعودي، «محمد آل يحيى»: «هناك إحباط من الجهود الحياة لمحاربة داعش (تنظيم الدولة الإسلامية)».

 

وأضاف لصحيفة «غارديان»: «يبدو بشكل متزايد أنه لا أحد من القوات المتواجدة في سوريا، وبينهما قوات المعارضة، راغب في قتال داعش»، لافتا إلى  القوات الموالية لنظام «الأسد» والتابعة لإيران وروسيا وحزب الله «منشغلة بقتال قوات المعارضة السورية والهدف واحد هو إبقاء بشار الأسد في السلطة حتى إن أدى ذلك إلى سقوط المزيد من الأبرياء».

 

وفي وقت سابق من اليوم، رحب وزير الدفاع الأمريكي، «أشتون كارتر»، بالعرض السعودي للمشاركة في العمليات العسكرية البرية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا.

 

وقال «كارتر» في تصريحات للصحفيين خلال زيارة لقاعدة نيليس الجوية في ولاية نيفادا، غربي الولايات المتحدة، إنه على علم بالتقارير التي أفادت بأن الحكومة السعودية عرضت إرسال قوات برية لسوريا، مضيفا أن «مثل هذه الأنباء محل ترحيب».

 

ورأى أن «زيادة نشاط الدول الأخرى سيسهل على واشنطن تعجيل قتالها ضد تنظيم الدولة الإسلامية».

 

ولفت الوزير الأمريكي إلى أنه يتطلع لمناقشة العرض السعودي مع المسؤولين السعوديين في بروكسل الأسبوع المقبل؛ حيث يجتمع ممثلو التحالف الدولي لبحث تطوير الحرب على التنظيم.

المصدر | الخليج الجديد + ترجمة عن صحيفة «غارديان»

 

 

 

إنّها مفاوضات وقت ضائع/ خالد غزال

في كل الحروب الأهلية أو المناهضة للمحتل، تجرى المفاوضات في ظل تصعيد للعنف إلى أقصى حدوده، لأن الحسم العسكري من قبل الأطراف المتحاربة يشكل عنصراً مهماً في تسريع المفاوضات أو فرملتها، وفي الوصول إلى نتائج محددة. وكما هو حاصل اليوم على الساحة السورية، فإن النظام مدعوماً من حلفائه الروس في شـــكل أســـاسي، يسعى إلى قضم أكبر مساحة من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة. ويجب الاعتراف بأن التدخل الروسي لعب دوراً كبيراً في تعديل ميزان القــوى إلى حد كبير لمصــلحة النظام، من دون أن يعني ذلك تغييره في شكل كامل لمصلحته. لكن هدف النظام سيــتركز على تصعيد الحرب، عله ينجز حسم المعركة على الأرض قبل الوصول إلى نهاية الأشهر الستة المحددة للمفاوضات. في المقابل، ستسعى المعارضة المسلحة إلى الدفاع بشراسة عن الأراضي التي تسيطر عليها، والقيام بعمليات هجومية، علها تعدل من ميزان القوى لمصلحتها، بما يعزز موقفها في المفاوضات الجارية.

يفصح النظام كل يوم عن أهدافه الحقيقية بوسائل شتى. في المفاوضات الجارية، يعرف النظام أنه المعني الأول بتقديم التنازلات وفق الخطة الدولية التي ستجرى على أساسها المفاوضات، خصوصاً المتعلقة بإعادة تنظيم السلطة والحكومة الوطنية والانتخابات تحت رعاية الأمم المتحدة. لن يكون سهلاً على النظام دفع أثمان تحد من سلطته، طالما أن النقاش لا يدور عن تغيير النظام أو إزاحة رأسه. ليست هذه مسألة شكلية في حسابات النظام السوري، فهو يعرف أن التنازلات مقدمة لتغييرات عميقة في بنيته مستقبلاً. لذلك، يصعّد من شروطه لجهة القوى التي يقبل بالجلوس معها إلى طاولة المفاوضات، وبنوع التنازلات التي سيقدمها في أي تسوية.

لا تبدو المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، في وضع مريح يسمح لها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وهي تملك أوراق قوة تجعلها على قدم المساواة مع النظام. خلافاً للسلطة القائمة، تذهب المعارضة من دون قرار موحد أو سلطة مركزية يمكنها الموافقة أو القبول لأي قضية ستطرح، فهي معارضات متنوعة، تحكمها صراعات على السلطة والنفوذ، تتقاتل مع بعضها البعض، لا تملك برنامجاً موحداً لمستقبل سورية، وهي عناصر ضعف لهذه المعارضة ونقطة قوة للنظام. لم يكن ترددها في دخول المفاوضات سوى تعبير عن ارتباكها تجاه القضايا التي ستواجهها في هذا الاستحقاق. خيراً فعلت بالذهاب إلى جنيف، فالغياب لن يكون إلى جانبها، وإذا كانت غير متفائلة بالوصول إلى إعطائها الحد الأدنى من المطالب في المرحلة الراهنة، إلا أنها تقطع بحضورها على النظام التفلت من أي تنازل سيكون مطلوباً منه. مع الإدراك أن الذي سيدفع في المفاوضات هو النظام أكثر بكثير من المعارضة.

في هذه المفاوضات، لسنا أمام نظام ومعارضة يملك كل واحد حرية القرار في الموافقة أو التعطيل. فهذه المفاوضات، كما يبدو، «ممسوكة» بقوة من المعسكر الدولي، أميركياً وأوروبياً وروسياً، والذي بات يرى في الأزمة السورية مصدر خطر على أمن هذه الدول، ومركز تصدير للإرهاب. إن القرار المستقل لكل طرف محدود، ويتصل صعوداً أو خفوتاً استناداً إلى الراعي الدولي والإقليمي للنظام والمعارضة. مما يعني انه لن يكون سهلاً على هذا الطرف أو ذاك التملص من المفاوضات ومن قبول التسويات على حسابها في النهاية. إن الحديث عن فترة زمنية تمتد إلى سنة ونصف، تتقرر فيها طبيعة التسوية، هو أمر يقع في إطار الموقف النظري. فخلال هذه الفترة، ستجري مياه كثيرة وتحولات ومساومات، سيكون الأضعف فيه كل من النظام والمعارضة.

في هذا الوقت الضائع بين التسوية وتواصل الأزمة، سيدفع الشعب السوري الكثير من الدماء والتدمير، فالنظام مستنداً إلى حليفه الروسي لن يتوانى عن نهجه التدميري لما تبقى من سورية، مستكملاً شعاره الذي أطلقه منذ انطلاق الانتفاضة بأن تغيير النظام وإزاحة الأسد سيكون ثمنهما تدمير البلد.

* كاتب لبناني.

الحياة

 

 

 

حلب غلبت جنيف/ سميح صعب

اذا كان من المسلم به ان التبدل الحاصل في الميدان السوري، كان نتيجة التدخل الجوي الروسي، فإن أضعف الايمان ان يحصل تبدل في المسلمات السياسية التي استندت اليها القوى المعارضة للنظام السوري داخليا واقليميا ودوليا.

وأولى المسلمات التي سقطت كانت المطالبة بتغيير النظام واقامة نظام موال للولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج العربية. أي نقل سوريا من المحور الروسي – الايراني والحاقها بالمحور الغربي – التركي – الخليجي. وكان من شأن ذلك ان يبدل الخريطة السياسية للمنطقة كلياً ويفسح في المجال لقيام نظام اقليمي جديد للمرة الاولى سيكون رأس حربة ضد ايران وروسيا. وعندما أدرك المنادون بالتغيير الجيوسياسي في سوريا استحالة تحقيقه، بات هدفهم تخريب سوريا على الاقل وعدم اتاحة الفرصة لعودتها كما كانت قبل 2011.

وكما كان الدعم الاميركي والتركي والخليجي نقطة تحول في الميدان السوري لمصلحة جماعات المعارضة المسلحة منذ أواخر 2011 وحتى 30 أيلول 2015، تاريخ التدخل الجوي الروسي، أتى الدور العسكري الروسي ليفرض وقائع جديدة في الميدان ويقلب المعادلة لمصلحة النظام أو بالحد الادنى ليبعث برسالة روسية واضحة لا لبس فيها هي ان الرئيس فلاديمير بوتين قرر ألا يخسر مصالحه في سوريا وتاليا في شرق المتوسط ولو كلفه ذلك الانخراط عسكريا في حراسة مصالح روسيا في الشرق الاوسط. استناداً الى التجارب التاريخية، عندما تندفع روسيا عسكرياً فإن تركيا تتراجع الى حدودها وتدرك ان الدخول في مواجهة عسكرية مع الدب الروسي غير مأمونة العواقب حتى لو كان حلف شمال الاطلسي يدعم أنقرة. أوليس لافتاً كيف تبخرت كل تهديدات المسؤولين الاتراك عن المنطقة العازلة او منطقة حظر الطيران في سوريا منذ حلقت “السوخوي” في الاجواء السورية؟ وها هي أنقرة تدفع ثمن اسقاطها القاذفة الروسية في تشرين الثاني الماضي، من خلال عودة الجيش السوري الى الحدود التركية في محافظة اللاذقية. وهذا أمر لم يكن متخيلاً قبل 30 ايلول 2015، لكن الوقائع اليوم تدل بما لا يدع مجالاً للشك على ان روسيا هي من يعيد رسم الخرائط على الارض السورية وليس الولايات المتحدة أو تركيا أو الدول الخليجية.

والوقائع العسكرية الجديدة على الارض السورية تستتبع كلاماً آخر في السياسة. وما كان جائزاً قبل استعادة ريف حلب الجنوبي ومعظم ريف اللاذقية الشمالي والشيخ مسكين وفك الحصار عن كويرس ونبل والزهراء واستعادة المبادرة في الغوطة الشرقية، لم يعد جائزاً بعده. وعليه لا يعود مستغرباً ألا يجد “جنيف3” مكاناً في الميدان السوري.

النهار

 

 

 

تركيا في سوريا: حرب المئة كيلومتر!/ محمد نور الدين

انهار مؤتمر «جنيف 3» أسرع مما توقع البعض. في الأساس لم ينعقد المؤتمر. أحد أهم أسباب فشل المؤتمر أن السياق السياسي له لم يكن لمصلحة المعارضة والدول الإقليمية والقوى التي تقف خلفها.

لم تتحدد في الأساس القوى الإرهابية من غير الإرهابية، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254. لذا لم يعرف أحد مع مَن يفاوض. حتى الممثل الأممي ستيفان دي ميستورا لم يكن يعرف أسماء المعارضة. وحده وفد الحكومة السورية كان واضحاً. في ما تبقى كان الإرباك الواضح للدول التي ترعى المعارضة المسلحة.

لا ينتظر احد أن تنتهي أزمة عالمية، مثل الأزمة السورية، خلال وقت قصير، فهي من التعقيد بما يكفي لعدم توقع شيء. لكن يمكن أن نسجل الملاحظات التالية:

1 ـ أزمة التمثيل:

أخذ «جنيف 3» وقتاً طويلاً من التحضيرات. كان الأكثر حركة لهذه الناحية. والاجتماعات والتنقلات والضغوطات لم تتوقف على امتداد أسابيع. لكن عشية المؤتمر لم يكن أحد يعرف بالضبط هوية المشاركين. خطأ دي ميستورا أنه كان يريد عقد المؤتمر بأي ثمن، لتجيير ذلك إلى حسابه الشخصي قبل أن يغادر ربما فجأة المسرح السياسي. لم يرسل دي ميستورا دعوة إلى أسماء محددة في المعارضة. ترك الآخرين يتحكمون بالأسماء. فأمّحت المسافة بين المعتدل والإرهابي في مخالفة لأحكام القرار 2254 ومعايير فيينا.

ولم يضع دي مستورا معايير واضحة لحيثية التمثيل لمن يشارك في المؤتمر. فجاء إلى جنيف من لا يمثل سوى شخصه، فيما غابت عنه قوى تملك حيثية تمثيلية كبيرة ومؤثرة على الأرض.

مثال على ذلك «قوات الحماية» الكردية، بفصيلها الأبرز «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي يرأسه صالح مسلم.

هذا الحزب يجمع صفات ثلاث، إنه يمثل المكون الأبرز لأكراد سوريا. صحيح أن هناك أشخاصاً في وفد الحكومة ووفود المعارضة، ولكنهم بالطبع لا يعكسون تمثيلاً واقعياً على الأرض. ثم إن «حزب الاتحاد الديموقراطي» من أبرز التنظيمات التي تقاتل الإرهاب في سوريا، ولا سيما «داعش» و «جبهة النصرة». فضلاً عن أنه يسيطر على ما لا يقل عن 15 في المئة من الأراضي السورية.

عندما لا يدعى صالح مسلم للمشاركة في مفاوضات جنيف، فأي مصداقية تبقى للمؤتمر؟. هنا فتّش عن التركي الذي ضغط وهدد بأنه إذا تمثل «حزب الاتحاد الديموقراطي» فسوف يقاطع المؤتمر. رضخت روسيا والولايات المتحدة لاستيعاب الموقف التركي، وليس تأييداً له، في موقف تكتيكي ومؤقت في انتظار مشاركة الحزب في جولات أو مؤتمرات مقبلة. الانتصار التركي لم يكن على أرض الواقع، بل بقي في الإطار النظري الذي لا يغير من المواقف وفي الميدان.

في المواقف أن منسق الرئيس الأميركي باراك أوباما لمحاربة داعش بريت ماكغيرك زار في الثلاثين من كانون الثاني مدينة عين العرب (كوباني) في شمال سوريا، والتقى بمسؤولي «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي هناك.

في الساعات نفسها كان مساعد وزير الخارجية الأميركي طوني بلينكين يلتقي في جنيف برئيس الحزب صالح مسلم.

التباين بين واشنطن وأنقرة بشأن قوات الحماية الكردية ليس بحاجة لمناقشة. الموقف التركي أُفرغ من مضمونه. أولاً بتأجيل جنيف، وثانياً بلقاءات المسؤولين الأميركيين من أكراد سوريا، وثالثاً بالموقف الروسي من أنه لا يمكن لجنيف أن ينعقد أو يخرج بنتيجة من دون «حزب الاتحاد الديموقراطي». ورابعاً كانت ردة الفعل الكردية السورية أعلى من قبل، بالدعوة لمحاربة تركيا في حال تدخلها في سوريا، وخامساً بانضمام قوى أخرى إلى الأكراد بعدم المشاركة في جنيف مثل «مجلس سوريا الديموقراطي» برئاسة هيثم مناع.

لم تربح تركيا من هذا الموقف سوى كسب المزيد من العداء الكردي لها، الذي سيُوظف حتماً في مزيد من التصميم للتصدي لمخططاتها في سوريا ما دفع رجب طيب أردوغان للاعتراف ضمناً بفشل هدفه في إقصاء «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي بتساؤله عن سبب وعبثية انعقاد مؤتمر جنيف.

2 ـ الوضع الميداني:

التطورات الميدانية في سوريا تذكّر بما كان قبل سنة تقريباً. تقدم للجيش السوري وحلفائه لتحرير نبل والزهراء، لكن تدفق آلاف المقاتلين من تركيا أفشل محاولة تحرير نبل والزهراء. الوضع الآن مختلف. التدخل الروسي من جهة، وزيادة دعم حلفاء دمشق من جهة ثانية، أحدث فرقاً كبيراً في المعادلة. دمشق وحلفاؤها يكررون، وهم على حق، أن الجانب الأكبر من استطالة الأزمة في سوريا ومن تصاعد الإرهاب ناتج عن فتح تركيا حدودها منذ خمس سنوات لكل المسلحين والأسلحة. وبالتالي فإن استراتيجية دمشق وحلفائها تغيرت. التغطية الجوية الروسية كانت أساسية. وروسيا دفعت ثمناً لذلك إسقاط تركيا قاذفة روسية في 24 تشرين الثاني الماضي، ومقتل أحد طياريها. التركيز كان على تلك الجبهات المفتوحة على الحدود التركية في ريف اللاذقية وشمال حلب.

التقدم الميداني البارز للجيش السوري، ولا سيما في ريف اللاذقية، أفقد أنقرة صوابها، واكتملت الهستيريا التركية بعد إكمال طوق حلب، لأن تركيا تعرف أهمية ذلك.

لا ينزل اسم حلب من على لسان أردوغان. حلب هي عاصمة المشروع التركي في سوريا، بل في المنطقة أيضاً. كأنها لا تزال مستملكة عثمانية. لذا فإن أي تراجع له هناك هو وأد لمشروعه وأحلامه. صحيح أن بعض المعابر والجبهات الحدودية لا تزال مفتوحة في الجهة المقابلة لجسر الشغور من تركيا، لكن خط الإمداد الأسهل للقوات العسكرية، من دبابات ومدرعات، ومن انكشاف للخريطة الجغرافية ولأي عملية عسكرية تركية ستكون من الباب الشمالي لحلب، وهو الممتد من جرابلس إلى عفرين والبالغ طوله مئة كيلومتر.

عندما كان «داعش» يسيطر على كامل الحدود السورية مع تركيا لم تنبس أنقرة ببنت شفة. وعندما سيطرت وحدات الحماية الكردية على هذا الشريط، بعد معارك طاحنة مع «داعش»، أطلقت أنقرة صفارة الإنذار، معتبرة الأكراد تنظيماً إرهابياً، وراسمة خطوطاً حمراً، بأن أي عبور لقوات الحماية الكردية نهر الفرات من عين العرب إلى جرابلس هو خط أحمر.

ليس من أسباب موجبة للتخوف التركي من «داعش» على أمنها القومي، لكنها الجبهة الوحيدة التي يمكن لتركيا أن تستفيد منها لتبرير تدخل عسكري هناك. لذا رفعت تركيا شعار الحرب على «داعش». لكن تركيا لن تبادر إلى عمل عسكري هناك بسبب «داعش»، بل لتكون منطلقاً إلى ما بعد ذلك الشريط وصولاً إلى حلب.

3 ـ تركيا والمئة كيلومتر:

لا يمكن تقدير أهمية هذه المئة كيلومتر لتركيا. هي شريان الحياة الوحيد المتبقي للتطلعات التركية في اتجاه حلب. لكن العمليات الأخيرة للجيش السوري قلبت المعادلة، ووضعت تركيا في موقف صعب للغاية. ذلك أن تخطي تركيا للحدود مباشرة ليس بالأمر السهل، ما لم يكن على قاعدة «ومن بعدي الطوفان». ذلك أن جميع القوى الموجودة على الأرض هناك معادية لتركيا، من قوات الحماية الكردية التي ستتدخل لصد أي هجوم تركي إضافة إلى القوات السورية. وفي الأفق الجوي تظهر الطائرات الروسية، حيث تحدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أردوغان بأن يجرب انتهاك المجال الجوي السوري.

احتمالات التدخل العسكري التركي قائمة لكنها ضعيفة. وتركيا ستلجأ إلى أساليب أخرى قبل أن تقرر ما إذا كانت ستدخل عسكرياً بنفسها أم لا. التدخل العسكري التركي يعني معادلة بسيطة وواضحة: نشوب حرب تركية ـ روسية. وفي ظل الاندفاع الروسي، ومصيرية الموقع السوري لموسكو، فإن أحداً لا يشك في أن تركيا ستغرق في المستنقع السوري، وستواجه أعشاشاً من الدبابير من كل الجهات. ما لم يرتكب أردوغان حماقة موصوفة، فإن تركيا لن تجرؤ على التدخل، وستكون أمام دفن آخر رمق من أحلامها العثمانية. فيما تبقى الحدود التركية المواجهة لجسر الشغور محدودة التأثير قبل حتمية سقوطها بيد الجيش السوري.

تمضي تركيا إلى خسارة ما تبقى من تأثيرها في سوريا، ومن الإعلان الكامل عن إفلاس سياستها هناك. المعارضة المسلحة تتراجع. قوات الحماية الكردية تلتقي مع مسؤولين أميركيين وتحظى بدعم روسي. المساحة الجغرافية للنفوذ التركي تتقلص في شمال حلب وعلى حدود لواء الاسكندرون. قوافل اللاجئين تتدفق على تركيا. المسلحون سيفرون في النهاية إلى الداخل التركي. وفي الداخل تتواصل المعارك العنيفة بين الجيش التركي ومقاتلي «حزب العمال الكردستاني» في المدن الكردية، ولا سيما في ديار بكر. وليس من داع لتغير أنقرة سياساتها السورية. هي تنهار من تلقاء نفسها، ومن قاد تركيا إلى هذه الهزيمة الإستراتيجية من جراء رهانات مغامرة وحسابات خاطئة عليه أن يدفع الثمن عزلاً أو عزلة.

السفير

 

 

جنيف ـ3 تأجيل أم تعطيل؟/ د. نقولا زيدان

ما كاد يطأ الوفد الأسدي في 25 كانون الثاني (يناير) المنصرم أرض جنيف للمشاركة في جنيف3 والذي كان قد سارع المبعوث الدولي دي ميستورا إلى إرجائه بضعة أيام أي حتى الـ29 منه، حتى بدأ بشار الجعفري مندوب سوريا في الأمم المتحدة بإطلاق تصريحاته الاستفزازية الرعناء والتي كان أشدها سوءاً تصريحه أمام قاعة الأمم المتحدة هناك بالقول أن الوفد الأسدي لم يأت إلى جنيف3 للمفاوضات ولا للمباحثات ولا حتى للحوار الوطني الذي بالإمكان الاستفادة منه ليرتقي إلى مستوى المفاوضات، بل للتحدث إلى الإعلام العربي والأوروبي والدولي فحسب. وبالطبع كان الجعفري على عادته التي سئمت منها أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن يعمد إلى تسخيف وتحقير وفد المعارضة السورية والاستهزاء به، ذلك أن الجعفري الذي كان بمثابة الممهد لوليد المعلم في حال ارتأى حاكم دمشق أن ثمة حاجة ملحة لحضوره المؤتمر، ذلك أن نوايا النظام الأسدي كانت قد بدأت تتكشف قبل افتتاح المؤتمر بأيام أن بشار الأسد ليس في صدد الوصول إلى تسوية سياسية أو حل سياسي للأزمة السورية. فما زال سعير الحرب وما زال مشهد الدم المراق بلا هوادة والمدن التي تكتسحها القاذفات الحربية الروسية والبراميل المتفجرة، يعشش في عقله ومخيلته ويسكن روحه العدوانية التي قلما شاهد تاريخ البشرية الحديث والمعاصر مثيلاً لها، لا في لون نول في كمبوديا وفي نظيره عيدي أمين دادا في أوغندا إلى آخر الحكام الدمويين المستبدين…

 

على امتداد أيام متواصلة في «الرياض» كانت المعارضة السورية تنظم صفوفها ووفدها لمواجهة جماعة النظام. وكانت قد وجهت العديد من الرسائل الخطية والاتصالات مع دي ميستورا علّها بإمكانها انتزاع ولو مبادرة واحدة مقبولة من النظام الأسدي وحلفائه بالإمكان التأسيس عليها لترتدي المفاوضات في جنيف ولو الحد الأدنى من الصدقية المعول عليها لإقناع الشعب السوري أن ثمة أملاً ما في الأفق لوقف النزيف المتواصل على الأرض السورية. وفي مكان آخر، كان وزير خارجية روسيا يبذل مساعيه لبعثرة وفد المعارضة وتمزيقه إلى أشلاء كي تنطق في جنيف3 وفود معارضة متعددة. فبين الذين اختارهم «لافروف» من هم من معارضة الداخل بموافقة أسدية كاملة، ومنهم من هم أصدقاء روسيا الخلّص. فلا ننسى أن بينهم من استضافتهم موسكو في لقاءات حوارية تحت عنوان كبير ملتبس هو «لقاءات المعارضة السورية» الذين لم ينجوا في صالونات الفنادق هناك من التجريح والإهانات الصفيقة على لسان فيصل المقداد.

 

في ظل هذا الجو القاتم والفيتوات (جمع فيتو) التي أطلقتها أطراف دولية وإقليمية متعددة لكل منها حساباته الخاصة ومصالح أنظمتها انعقد المؤتمر. فالنظام الأسدي ومعه حلفاؤه الروس والإيرانيون ظلوا حتى اللحظة الأخيرة قبيل انعقاد المؤتمر يرفضون حضور ممثلي عدة فصائل سورية مسلحة بداعي أنهم إرهابيون. ففصيل أحرار الشام وجيش الإسلام قد تطلب قبول حضورهم خلافاً للإرادة الروسية والإيرانية ضغوطات متواصلة من «دي ميستورا» ذلك أنه قد مرّت ساعات قبيل انعقاد المؤتمر، بدا فيها المؤتمر نفسه على كف عفريت. وفي مكان آخر، كانت أنقرة تضغط باتجاه مُعاكس إذ كانت ترفض حضور ممثل واحد عن الأكراد السوريين وعلى رأسهم الاتحاد الديموقراطي الكردي ومبرّر ذلك برأي الأتراك أن هؤلاء هم أيضاً إرهابيون. إلا أن بين السوريين «المعارضين الواقعيين» من أمثال هيثم المناع من ظل يرفض حضور المؤتمر العتيد في حال عدم تمثيل الطيف الكردي.

 

ما هو أسوأ من كل هذا هو أنه على الإيقاع المدمر لغارات الطيران الحربي الروسي على مدن الشمال من إدلب إلى حلب ومدن الجنوب في الشيخ مسكين (درعا) ووابل البراميل المتفجرة، ما عدا الهجمات المتكررة على المدن الموالية للمعارضة في ريف دمشق، وفي ظل مأساة التجويع حتى الموت في «مضايا» المحاصرة من قِبَل عسكر النظام وميليشيا «حزب الله« حيث يستمر بحقد ولا أبشع منع وصول المساعدات الإنسانية لأهاليها المساكين، انعقد المؤتمر في 29 كانون الثاني (يناير) ليجري تعطيله في 3 شباط (فبراير)، أي أن المؤتمر لم يتمكن من متابعة أعماله سوى لستة أيام فحسب. فالغارات الروسية المتواصلة على بلدات ريف حلب وريف اللاذقية، تدعمها قوات النظام الأسدي وميليشيا «حزب الله« قد وصلت إلى حدود من الوحشية والتدمير وسقوط المئات من المدنيين ضحايا ومصابين هي بمثابة البرهان القاطع والدليل الملموس أن بشار الأسد وحلفاءه وعلى رأسهم الروس أنفسهم ليسوا بتاتاً في صدد الدخول في أي محادثات رصينة قد تفسح في المجال أمام حل سياسي للأزمة السورية. فالحسم العسكري والتصورات الموهومة في إمكانية سحق المعارضة ما زال يسكن العقل الدموي المريض لحاكم دمشق. وكذلك بالإمكان الوصول إلى استنتاجات متشائمة إلى حدودها القصوى بالنسبة للتصريحات الجانبية والتلميحات المراوغة من قِبَل موسكو في ما يتعلق بالضغط على الأسد لإكراهه على التنحي.

تتحمّل السياسة الأميركية المتخاذلة والتي تحوّل في ظلها وزير خارجيتها «جون كيري» إلى أشبه ما يكون بساعي بريد بين مطالب المعارضة وجهود الأسرة الدولية من جهة وإملاءات الروس والإيرانيين وتطلّب بشار الأسد وفريقه من جهة أخرى، مسؤولية كبرى حيال توقف أعمال مؤتمر جنيف3، وأن يصبح جُلّ ما تسعى المعارضة لحمل التحالف العريض على القبول به، هو احترام الجانب الإنساني في الأزمة والالتزام الجدي به عوضاً عن التلاعب والمماثلة هو القيام بمبادرة النوايا الحسنة وهي لعمري إحدى أهم قواعد المفاوضات، فإن ذلك يدل وبالبرهان القاطع أن النظام الأسدي لم يتعلم شيئاً من دروس الماضي ولا هو في صدد أي إصلاحات جدية تمس النظام الرئاسي الأسدي الكلياني. فمن يريد للحرب السورية أن تتوقف لا يطلق 300 غارة جوية متواصلة فوق حلب وريفها في غضون أربعة أيام، ومن يريد استئصال داعش لا يطلق وابل قنابله الانشطارية وبراميله المتفجرة جرى تعداد 92% منها فوق رؤوس المعارضة في حين لم تنل داعش سوى 8% من إجمالي الطلعات. فلو كان النظام الأسدي ومعه «حزب الله« والحرس الثوري الإيراني جدّيين حول مفاوضات جنيف3 لعمدوا إلى إطلاق سراح الأسرى السياسيين على الأقل أي لبناء الثقة بل الثقة المتبادلة.

إن أي عاقل ومدرك وحصيف من الشعوب العربية يعلم بحق أن النظام الأسدي وحلفاءه كانوا على الدوام يتلاعبون سواء بالمبادرات العربية والجهود الدولية، فهم ساعون بكل ما يملكون من أدوات الحرب والإمكانات المالية التي تم الإفراج عنها تباعاً بالنسبة لطهران والتي بلغت حتى الساعة 100 مليار دولار، للمضي في الحرب.

إنها لعودة مريرة إلى المربع الأول: مشروع إيراني توسعي يرمي لبسط نفوذه على المنطقة العربية يواجهه مشروع عربي قومي يقاتل دفاعاً عن مصالحه القومية وهويته وحقوقه بعيداً عن أي هيمنة أو استلاب أو استعباد.

المستقبل

 

 

تعطيل مؤقت لجنيف وتغييرات جذرية قادمة أهمها أزمة اللجوء طويلة الأمد/ د. عامر السبايلة

مع اختتام مؤتمر المانحين في لندن وتأجيل محادثات جنيف تبرز نقطتين رئيستين في المعادلة السورية. اولهما تعثر انطلاقة الحل السياسي مما يعزز اطالة أمد أزمة اللاجئين وهو الأمر الذي عبّر عنه مؤتمر لندن. أما النقطة الثانية فتتمحور حول التحول اللافت في شكل الانجازات العسكرية الاستراتيجية في الداخل السوري من الشمال الى الجنوب والذي يعزز بدوره نظرية إعادة صياغة مبادئ الحل السياسي.

ضمن مسارات “جنيف٣”، ظهرت عوامل عديدة أدت الى الوصول الى نقطة التحول اللافت في طبيعة التعاطي مع المعارضة السورية من قبل القوة الدولية. على الصعيد الداخلي في سوريا، جردت الانجازات العسكرية للجيش السوري المدعوم روسياً مجمل الفصائل من قدرتها على التحرك على الأرض الأمر الذي انعكس ضمنياً على الوضع السياسي للمعارضة السورية المفاوضة والتي ظهرت بصورة الفاقد لأي أوراق حقيقية على الارض. المحور الاقليمي الداعم للمعارضة السورية لا يختلف حاله عن حال المعارضة، فأحداث الارهاب وموجات اللاجئين المتدفقة التي تواجهها أوروبا اليوم وضعت تركيا تحت المجهر الأوروبي الأمر الذي أدى الى افقاد السياسة التركية تجاه سوريا لفاعليتها عداك عن تعقيدات المشهد الكردي وانعكاساته المحتملة على الداخل التركي. يضاف الى ذلك ان اسقاط أنقرة للطائرة الروسية في الفترة الماضية وضعها في مواجهة مباشرة مع موسكو التي استطاعت ان تحول هذه المواجهة الى مواجهة بين تركيا وجهود مكافحة الارهاب.

اللاعب الاقليمي الثاني المنخرط في الأزمة السورية “السعودية” وجدت نفسها ايضاً في حالة مواجهة مع القرار الدولي خصوصاً بعد الضربات المتتالية التي تم توجيهها الى مؤتمر الرياض وتركيبته، لتجد السعودية نفسها اليوم اما استحقاق جديد يتطلب تغييراً جذرياً في الاستراتيجية السياسية خصوصاً ان السعودية مازالت منغمسة في الحرب في اليمن ومضطرة للنأي بنفسها عن شبهات دعم التنظيمات المتطرفة. من هنا يمكن قراءة التحرك السعودي الراغب في الالتحاق بالركب الدولي عبر بوابة مكافحة الارهاب، من زاوية السعي السعودي لكسر أي صورة تهدف الى اظهار السعودية على أنها تقف ضد مكافحة الارهاب او أنها باتت خارج سياقات القرار الدولي اي “بلا غطاء” وتبقى في الوقت نفسه على الموقف السعودي تجاه النظام في سوريا على ما هو عليه. لهذا جاءت المبادرة السعودية على شكل اقتراح بارسال قوات سعودية برية لمواجهة داعش في سوريا تحت القيادة الامريكية.

 

هذه المعطيات مجتمعة دفعت اليوم الأمم المتحدة لتأجيل المحادثات في جنيف لحين اكتمال المشهد واعادة ترتيب أوراق المعارضة المضطرة للتعامل مع الواقع الجديد من باب الرضوخ السياسي.

على الصعيد الاخر، برزت مسألة اللاجئين السوريين مجدداً عبر مؤتمر المانحيين في لندن، اللافت في المؤتمر هو المسار الذي بدأت تأخذه مسألة اللاجئين بالنسبة للمجتمع الدولي. القناعة الأوروبية المتولدة بضرورة انتهاج خطوات تمنع تدفق اللاجئين وتبقيهم في أماكن لجوئهم ومحاولة التخلص من الالتزامات المالية مستقبلاً دفعت باتجاه البدء في طرح فكرة تحويل اللاجئين الى عناصر منتجة وتأهيلها مهنياً في أماكن اللجوء ضمن استراتيجية تحويل المساعدات الى استثمارات. هذا يعني ان اللاجئين سيتم التعامل معهم كقوى عاملة ضمن برامج استثمارية تأخذ بعين الاعتبار ايضاً ضرورة تحسين اوضاع أبناء المناطق المضيفة واشراكهم في برامج التوظيف العملي.

التفكير الأوروبي ناتج عن تولد قناعات بأن مسألة اللجوء هي مسألة طويلة الأمد ويصعب انهاءها بسهولة حتى مع بدء دوران عجلة الحل السياسي في سوريا. لكن يبقى التطبيق العملي لهذه الاستراتيجية أحد أهم العوائق القادمة خصوصاً أن كثيراً من الدول المستضيفة غير قادرة عملياً على انجاز مثل هذه الاستراتيجيات، فهي تعاني اصلاً في سياستها من فشل في عملية التنمية والاندماج ضمن تركيبتها الأصلية. لهذا قد يكون مؤتمر لندن عبارة عن خطوة رمزية وحالة من الوعود غير القابلة للتطبيق، وبالتالي تضع الدول المضيفة أمام واقع وتحديات جديدة تضطرها للبحث عن حلول فردية وأكثر عملية.

 

 

الانتقام الروسي في سوريا/ د. خطار أبودياب

يقول الفيلسوف فرنسيس بيكون “الانتقام هو عدالة الهمجيين”، لكن في لغة الصراعات السياسية والحروب لا يأبه المعنيون غالبا بالجانب الأخلاقي، بل يستخدم بعض الزعماء والقادة الانتقام كوسيلة لتصحيح التاريخ أو لإعادة الاعتبار أو بمثابة نهج متعمد في تصفية الحسابات وفرض موازين قوى جديدة.

وبين هؤلاء يتميز حاليا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يتصرف كقيصر جديد مسكون بتاريخ بلاده وبتحقيق أحلامها. انطلاقا من تصميم على استعادة دور روسيا العالمي بدأه في جورجيا في 2008 (بعد اعتباره نهاية الاتحاد السوفييتي أكبر خطأ جيوسياسي في القرن العشرين)، يسعى بوتين للحسم العسكري في سوريا وتحقيق نقلة نوعية في شطرنج جيوسياسي شرق أوسطي، وذلك في غياب ند يقارعه ومشهد إقليمي معقد.

في موازاة الإنجازات العسكرية الأخيرة وإفشال مسار جنيف 3، لم تتردد صحافة موسكو في إطلاق لقب “روسيا الجديدة” على سوريا، ويساعد التجانس الناقص بين الحروف على هذا اللعب على الألفاظ والتاريخ والجغرافيا. بيد أن الانتقام والقوة الفظة اللذين تم تطبيقهما في القوقاز وبحق الشعوب غير الروسية لن يكون حظهما أفضل في سوريا، لأن اللعبة الكبرى الجديدة لا تزال مفتوحة، ولأن زمن الإخضاع يخالف منطق العصر ومكاسبه لن تكون نهائية.

في اندفاعته ومغامرته السورية، يمارس الرئيس الروسي الانتقام على عدة أصعدة ومنها تصفية حسابات تاريخية بين الإمبراطوريتين الروسية العثمانية ومجالهما الحيوي والسيطرة على الممرات. وبعد قرن من الزمن يجدر التذكير بأن روسيا القيصرية كانت شريكا في “اتفاقية سايكس – بيكو”، وكان الاسم الأصلي للاتفاقية “سايكس – بيكو – سازانوف” نسبة إلى سيرغي سازانوف وزير الخارجية الروسية آنذاك.

وزيادة على تقاسم المشرق وجواره إلى مناطق نفوذ فرنسية وإنكليزية، انبثقت عنها لاحقا كيانات عربية ودولة إسرائيل، كان من المفترض أن تنال روسيا الولايات التركية الشمالية والشرقية وما يعنيه من سيطرة على مضائق الدردنيل والبوسفور أي التحكم بحركة الملاحة الدولية.

والآن ربما يضع بوتين ذلك نصب عينيه كي يؤكد على دور بلاده في التوازنات العالمية وعلى الوجود في المياه الدافئة وفي شرق البحر الأبيض المتوسط بالذات في منطقة بالغة الأهمية من الناحية الجيواستراتيجية وليس بعيدا عن منابع الطاقة وطرق مرورها ووسط العالم الإسلامي وصراعاته.

منذ أغسطس الماضي، تاريخ توقيع الاتفاق السري حول تمركز وعمل سلاح الجو الروسي بين دمشق وموسكو، تعيش سوريا، عمليا، تحت نوع من الانتداب الروسي الذي أبرز مخالبه وأنيابه بشكل غير مسبوق، والذي أصبح يتحكم بتغيير النظام أو رأسه.

تتمسك روسيا بآخر معاقلها شرقي البحر الأبيض المتوسط. وعبر محاولة فرض حقائق استراتيجية جديدة، يكمن الإصرار حاليا على بقاء النظام السوري والتهرب من أي التزامات قد تؤدي إلى تفكيكه مع التشدد في الشروط حيال التوصل إلى الانتقال السياسي.

يتصل التعنت البوتيني بالحرب الباردة المحدودة التي استعرت منذ اللعب فوق الصفيح الساخن الأوكراني والاعتراض على تغيير الأنظمة منذ حقبة الثورات الملونة، لكن هذا التشبث بالنفوذ في سوريا له خلفيته التاريخية ويمثل ثأرا من الفشل السوفييتي في سوريا إبان حقبة ليونيد بريجنيف وحافظ الأسد، ومن يشاهد برامج قناة “روسيا اليوم” التي يطل من خلالها الضباط والخبراء الروس السابقون في سوريا، يسجل إقرارهم بضعف الأسلحة الروسية حينها أو عدم كفاءة مستخدميها.

ولهذا نلاحظ تحول الساحة السورية إلى ميدان مفتوح لاختبار الأسلحة الجديدة بهدف تسويقها أو بهدف ابتزاز أطراف إقليمية تخشى تمدد الدب الروسي. ومن اللافت لهفة بوتين للعودة إلى الساحة المصرية التي طرد منها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات الخبراء السوفييت في 1972.

على صعيد إقليمي أوسع، يبدو أن موسكو تتنافس مع واشنطن على كسب إيران. في تجاذب له بعد تاريخي مع الأنجلوسكسون، يرى بوتين أن مصلحته تكمن في تدعيم تنسيقه الاستراتيجي مع طهران من خلال المصالح المشتركة ورفقة السلاح في سوريا. ومن جهتها، تلعب إيران على هذا الوتر لأنه، بشكل أو بآخر، يضمن مساكنتها لإسرائيل، ويمثل عامل إغراء تنافسي مع واشنطن على كسب ودها.

عبر تقديمه كتابا تاريخيا عن الإسلام إلى المرشد الإيراني، وافتتاحه منذ فترة لجامع كبير في موسكو إلى جانب الرئيس التركي (قبل اشتباك الطائرات)، أراد بوتين التعبير العلني عن احترامه للإسلام، لكنه في الحقيقة يعيش هاجس الديموغرافيا الإسلامية وينقل عنه أحد السياسيين الأوروبيين قوله إن “الدفاع عن موسكو بوجه الغزو الإسلامي يبدأ في دمشق”.

لكن حروب موسكو القديمة في أفغانستان والشيشان والقوقاز وحاليا في سوريا تكشف أيضا عن وجه انتقام آخر من “الإسلام في روسيا وجوارها، والذي لم تنجح كل الحقبة الشيوعية في تطويعه أو تذويبه”.

وللعالم العربي والعرب حصة من الثأر التاريخي عند بوتين لأن روسيا القيصرية حامية المسيحيين، كانت عينها دوما على المشرق الغني بثرواته ورمزيته. ومما لا شك فيه أن انحياز قسم كبير من الأنظمة العربية إلى جانب واشنطن خلال الحرب الباردة لا يزال ماثلا في أذهان صناع القرار الروس. وتندرج في هذا السياق حرب أسعار النفط والمصالح المشتركة أو المتناقضة في سوق الطاقة.

يتخذ بوتين مثال غروزني ويطبقه على سوريا عبر الآلاف من الغارات الجوية وسجادات القنابل وكل الأسلحة التدميرية. ويبدو الانتقام الروسي وكأنه بلا حدود وبلا رادع. يتباهى القيصر الجديد بنجاحاته في الشرق الأوسط ما بعد الهيمنة الأميركية، لكن اتهام فيليب هاموند، وزير الخارجية البريطانية، له بدعم مشروع “دويلة علوية” لا يأتي من فراغ، بل يتوجب مراقبة تتمات مرحلة التفتت والفوضى التدميرية، لكي تكشف كل الأطراف عن أوراقها وتصوراتها. لكن بغض النظر عن شكل سوريا الجديدة أو تقسيماتها، يمدد بوتين المأساة على هدير السوخوي. إنه الانتقام من هزيمة الحرب الباردة والسعي لتكريس روسيا “المقدسة” قوة كبيرة من جديد عبر البوابة السورية.

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

العرب

 

 

 

 

دي ميستورا ومحادثات جنيف: تمرين في العبث لا يوقف الخيار الشيشاني في سوريا/ إبراهيم درويش

ولدت محادثات المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا ميتة، مع انه قدم «جنيف3» كمحادثات تقريبية بين وفدي المعارضة- الهيئة العليا للمفاوضات ووفد الحكومة السورية. فالأمم المتحدة كانت راغبة بتحريك الدبلوماسية على الملف السوري والتي توقفت بعد تدخل روسيا عسكريا في نهاية إيلول/سبتمبر2015. وجاءت دعوة دي ميستورا في ظل تغيرات هامة على المستوى الميداني وتقدم لقوات بشار الأسد المدعومة من ميليشيات حزب الله والميليشيات المدربة إيرانيا والتغطية الجوية الروسية على أكثر من جبهة. فقد أجبرت المعارضة على الخروج من بلدة ربيعة في محافظة اللاذقية غرب البلاد وسيطر جيش النظام على بلدة الشيخ مسكين الاستراتيجية الواقعة بين العاصمة دمشق والحدود الأردنية. وكسر النظام وميليشياته الحصار عن البلدتين الشيعيتين في كفر نبل والزهراء وحاول محاصرة مقاتلي المعارضة في مدينة حلب ولو استطاع النظام تحقيق هذا فسيسجل نصرا معنويا، فلطالما حلم باستعادة حلب المقسمة منذ عام 2012 والمدمرة كليا خاصة الجزء الذي يسيطر عليه المقاتلون بسبب البراميل المتفجرة والآن المقاتلات الروسية المتقدمة.

وصف الباحث في مركز كارنيغي ومحرر موقع «سيريا إن كرايسس» (سوريا في أزمة) الضغوط التي فرضها النظام على جماعات المعارضة بأنها كبيرة، فهي تقاتل على أكثر من جبهة وفي وقت واحد. وإزاء هذه التطورات لم يكن هناك من مجال أمام المعارضة لمواصلة الحوار مع نظام يحاول الاستفادة من وضع المحادثات لتحقيق مكاسب على الأرض. ومن هنا جاء قرار تعليق المحادثات على أمل استئنافها في 25 الحالي. ورغم أن محاولات أي طرف في النزاع تحسين مواقعه في أي عملية سياسية، إلا أن ما جرى في جنيف جاء على خلفية كارثة إنسانية وصور أقضت مضاجع العالم خرجت من بلدة مضايا التي قالت المنظمات الإنسانية أن الموت لم يتوقف بين سكانها منذ دخول قافلة المساعدات الإنسانية كانون الأول/ديسمبر حيث سجلت وفاة 51 شخصا من المرض والجوع. وبحسبة بسيطة قارنت صحيفة «اندبندنت»(4/2/2016) المستوى الوحشي للحصار بين النظام والمعارضة ووجدت أن النظام يحاصر 187.000 مواطن مقارنة مع 12.000 تحاصرهم فصائل مسلحة.

وكغيرها شككت في إمكانية توصل الأطراف لتسوية شاملة توقف الحرب مع أنها أكدت على ضرورة البحث عن سلام لأن ملايين اللاجئين السوريين الذين يواصلون التدفق نحو الحدود التركية ومنها إلى أوروبا، يريدون نهاية الحرب، وعائلات ربع مليون ضحية من ضحايا قتال السنوات الماضية تريد السلام. ففي لندن تحولت المسألة السورية إلى قضية لاجئين، وذلك عشية وأثناء مؤتمر دول المانحين الذي تسابق فيه الساسة للتأكيد على ضرورة مساعدة السوريين والدول التي تستقبلهم لمواجهة أعباء اللجوء وجعل حياة «اللجوء» محتملة، لأن أزمة اللاجئين كما ناقش الملك الأردني عبدالله الثاني بمقالة نشرتها «اندبندنت» (3/2/2016) لن تحل على المدى البعيد حتى لو تم القضاء على تنظيم الدولة وتوصلت الأطراف في جنيف لتسوية. ومهما يكن فبعد خمسة أعوام من الحرب هناك شعور لدى السوريين أن الحرب لم يعد لها معنى أبدا.

ورصدت آن برنارد، من «نيويورك تايمز»(4/2/2016) بعضا من الصور التي لم يتغير منها شيء إلا المتظاهرين أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف، فهم لم يعودوا كلهم من المهاجرين السوريين المقيمين في سويسرا أو الدول المجاورة، بل من اللاجئين السوريين الذين وصلوا حديثا إلى أوروبا. وكشفت مقابلات الصحافية مع أنصار النظام والثورة حالة من الشكوك في إمكانية تحقيق تقدم في المحادثات. والمتغير الوحيد في المحادثات الأخيرة هو مشاركة المعارضة المسلحة في المحادثات التي تعتبر بمثابة اعتراف دولي بها. كما منحت جنيف منبرا للنظام السوري لإظهار أنه لا يزال لاعبا مهما في الأزمة. وفي الوقت الذي يمني فيه أنصار النظام أنفسهم بالنصر يتساءل أبناء الثورة عما حل بثورتهم.

أما المقاتلون القادة، مثل الميجر حسن إبراهيم، المشارك في المحادثات، فهو قلق على وضع المقاتلين في الميدان. ونقلت عنه الصحافية قوله إن عناصر الجبهة الجنوبية يعانون من نقص الإمدادات والسلاح والرواتب وأصبح العبور إلى الأردن صعبا. ويعكس الميجر إبراهيم قلق القادة الميدانيين من الموقف الأمريكي ويعتقدون أن قلة الإمدادات والمساعدات هي محاولة «لوضع الضغوط علينا والقبول بالعملية السياسية، وهي عملية يشك بتقديم الحكومة السورية وروسيا الراعية للمحادثات تنازلات فيها». وتقول الصحيفة أن تعليقات الميجر إبراهيم تعبر أيضا عن هواجس المعارضة والمدنيين من أن الولايات المتحدة معنية بشكل رئيسي بضرب تنظيم الدولة الإسلامية وهي بهذا تخلت عن الساحة للروس وتركت المعارضة المسلحة كي تدافع عن نفسها. وبهذه المثابة انتقدت صحيفة «واشنطن بوست» الإدارة الأمريكية ووزير الخارجية تحديدا الذي اتهمته في افتتاحيتها (3/2/2016) بالمحاضرة علينا والشجب فقط. وقالت إن الطريقة التي تعاملت بها إدارة أوباما مع الحرب السورية «تشجع على جرائم الحرب» التي يشجبها كيري. فمحادثات جنيف قامت على أساس قرار 2254 الذي تطالب المعارضة بتطبيق مبادئه وهو الذي وافقت عليه روسيا في الشهر الماضي ويقضي بإيصال المواد الإنسانية للمناطق المحاصرة ووقف القصف على المناطق المدنية كجزء من خطة محادثات السلام. واتهمت الصحيفة كلا من كيري ودي ميستورا بممارسة الضغط على المعارضة السورية المشاركة في محادثات جنيف مع أنهما يعرفان أن الشروط التي حددها قرار مجلس الأمن لم تطبق. وبالسياق نفسه لم تتخذ الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة أي إجراءات لإجبار النظام في دمشق أو الروس لوقف القصف الجوي على المناطق المدنية أو التي تسيطر عليها المعارضة السورية، مع أنهما أصدرتا أصواتا شاجبة ضد مواصلة النظام وداعميه الحرب على مناطق المدنيين. بل وسارع دي ميستورا يوم الإثنين للإعلان أن المحادثات بدأت بشكل رسمي في وقت كان فيه الطيران الروسي يواصل غاراته خاصة على المناطق القريبة من مدينة حلب. وماذا كان رد كيري وسيده أوباما على كل هذا؟ تقول الصحيفة «لا شيء بل خطابات».

وكانت صحيفة «فايننشال تايمز»(31/1/2016) اتهمت في افتتاحيتها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام محادثات جنيف كغطاء لمواصلة عملياته العسكرية في سوريا. وقالت إن بوتين «يضرب في سوريا ويتفاوض في جنيف». وهذا يكشف بالضرورة عن الدور الذي يلعبه كمفسد في النزاع السوري الذي زعم أنه تدخل فيه لمواجهة تهديد تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن قواته استهدفت المقاتلين من غير تنظيم الدولة الإسلامية الذين كانوا يهددون بقايا دولة الأسد. فقد وضع بوتين نصب عينيه سحق كل قوة تقف بين الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية وهما نادرا ما يهاجمان بعضهما بعض. ومن هنا يستخدم بوتين جنيف كستارة لمواصلة هجومه «فبدلا من ممارسة «البلطجة» على أطراف المعارضة كي تشارك في المحادثات، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها دعم مطالبها، الداعية لوقف قصف النظام وروسيا للشعب السوري. وستكون جنيف طريقا لفشل ثالث من أجل إنهاء هذه الحرب القاسية» كما تقول. وهو ما حصل بالفعل، ولعل صحيفة «اندبندنت» كانت واضحة في تبريرها ملامح الفشل، حيث قالت أن المحادثات فاشلة منذ البداية ولن تؤدي إلا لزيادة الحرب سوءا، والسبب هو غياب طرفين يؤثران في المعادلة السورية وهما الأكراد وتنظيم الدولة اللذان يسيطران على ثلثي مناطق سوريا. وبالطبع فلن توجه لتنظيم الدولة للمشاركة وسيواصل القتال ومحاربة تخريب المحادثات. وبالنسبة للأكراد فسيواصلون حربهم ضده. وترى الصحيفة في محاولات دي ميستورا إقناع الأطراف السورية المتحاربة التحاور في جنيف كمن كان يريد إعادة توحيد ألمانيا الغربية والشرقية في ذروة الحرب الباردة «فقد ترحب بالمحاولة لكنك لا تريد المراهنة ماليا على نجاحها». وهي بهذه المثابة محاولة عابثة من الأمم المتحدة، فالمعادلة على الأرض تقترح أن من الصعب إجراء محادثات سلام وهناك طرف يقوم بحصار أكثر من 187.000 مواطن ويشن هجوما على البنى التحتية أو ما تبقى منها. ولا تدعو الصحيفة للتخلي عن جهود السلام بل هناك حاجة للتوصل إلى حل سريع للنزاع الذي يؤثر على استقرار المنطقة. والسلام مطلب السوريين.

ولتحقيق هذا الحلم لا بد من البحث عن خطة شاملة. ففي ظل عدم شعور النظام وداعميه الروس والإيرانيين بأنهم غير مجبرين على تقديم تنازلات، وتمسك إدارة أوباما بوهم الحل الدبلوماسي كما فعلت مع المحادثات الفلسطينية- الإسرائيلية، فالأمم المتحدة لا تملك الحل، بل وكما كشف كولام لينتش من «فورين بوليسي» (29/1/2016)، ليست قادرة أو لا تستطيع تطبيق أي اتفاق وقف إطلاق النار ينتج عن مباحثات جنيف، وستترك أمر الالتزام بالاتفاقيات والاشراف عليها للنظام والمعارضة.

ويرى جيمس تروب، في «فورين بوليسي» (1/2/2016) أن خطة دي ميستورا بناء سلسلة من اتفاقيات وقف إطلاق النار في العام الماضي تجمدت. وفي ظل استعادة الأسد مناطق فلن تكون لديه رغبة بتقديم تنازلات. ويعتقد تروب أننا عدنا في الحل الدبلوماسي إلى عام 2013 عندما قال كيري إن الأسد سيحضر إلى طاولة المفاوضات حالة «تغيرت حساباته» وشعر بخسارة الحرب. وكان هذا عندما كان أوباما ينظر للحرب ككارثة إنسانية لا يمكنه عمل الكثير من أجلها، ولم يكن هناك خطر اسمه تنظيم الدولة. فبراميل الأسد لم تكن تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي، أما أحلام «خلافة» البغدادي فهي خطر دفع أوباما للتدخل وقصف مناطق «الدولة». ومن أجل دعم الجهود لمحاربة تنظيم الدولة أصبحت أمريكا مستعدة للقبول بأي نتيجة للمحادثات، وما يعرضه الأسد من تنازلات، خاصة أن النظام لديه دعم خارجي أكبر مما توفر له في جولتي عام 2012 و 2014. ومع ذلك فالأسد الذي يلقى دعما من الروس لا منظور، أمامه البقاء حاكما حتى على بقايا دولة في غرب سوريا. ولهذا فهناك حاجة إلى التعاون مع المعارضة السورية التي لا يمكن هزيمة تنظيم الدولة بدونها، حسب تروب. فهذه المعارضة التي هزمت في الرقة أمام جهاديي تنظيم الدولة متركزة الآن حول حلب، حيث تضرب من قبل النظام والروس. وهي نفسها التي تواجه حربا ضروسا للحفاظ على مدينة حلب التي سيكون سقوطها بيد النظام ضربة قوية ويعتبر بالتالي نجاحا لسياسة الأرض المحروقة أو قل «خيار الشيشان» في سوريا. وفي تقرير أعده مراسل صحيفة «واشنطن بوست» (4/1/2016) أندرو روث أشار فيه لشعور القيادة الروسية بأنها ربحت المعركة في سوريا وبأقل التكاليف والخسائر. ويرى كاتب التقرير أن موسكو غيرت من طريقة تعامل الولايات المتحدة مع الأزمة السورية وسبل حلها الدبلوماسية، خاصة في ما يتعلق ببقاء أو رحيل الأسد. مشيرا إلى أن التقدم الدبلوماسي الذي حققته موسكو كان أهم من الإنجازات العسكرية.

لكل هذا يظل لقاء جنيف تمرينا في العبث والتظاهر. وكما علق سايمون جينكنز في «الغارديان» (5/2/2016) فالغرب الذي يحاول مساعدة اللاجئين أخطأ في كل حساباته حول الانتفاضة التي بدأت في 15 آذار/مارس بيوم الغضب، فهو أخطأ حول الأسد وقوته وحول معارضيه، ويقوم بمساعدة السوريين من خلال ضرب قنابل على بلد مدمر أصلا.

القدس العربي

 

 

 

جنيف 3»: تأجيل أسابيع أو إلى ما لا نهاية؟/ محمد مشموشي

لم يكن لدى أحد، في جنيف أو في غيرها، أي أمل بأن يؤدي ما سُمي «محادثات» مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا مع وفدي النظام والمعارضة في سورية الى نتيجة ما، ولا حتى الى وقف إطلاق نار يضع حداً ولو موقتاً للنزف فيها. مع ذلك، أعطت أجواء «جنيف 3» لدى المباشرة بها، ثم تأجيلها الى النصف الثاني من شباط (فبراير) الجاري، صورة مختلفة جداً عما كانت عليه «جنيف 1» و «جنيف 2»، وحتى بعدهما «موسكو 1» و «موسكو 2»، ربما بسبب صلابة مقاربة وفد المعارضة للحدث وطريقتها قبل أي شيء آخر.

فبعد ثلاثة أيام فقط من بدء دي ميستورا لقاءاته المنفصلة مع الطرفين، بدا واضحاً ارتباك وفد النظام، الذي بقي يردّد طلبه معرفة جدول الأعمال والاطلاع على أسماء ما وصفه بـ «وفود المعارضة»، فيما كان وفد المعارضة يحقق ثلاثة إنجازات بالغة الأهمية: أولاً، موافقة الأمم المتحدة على أولوية الوضع الإنساني في سورية، وعلى أن ذلك غير قابل للتفاوض باعتباره جزءاً لا يتجزأ من قرار مجلس الأمن الرقم 2254. ثانياً، تراجع روسيا عن رفضها مشاركة ممثلين عن «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» في الوفد، ولو أنها قرنت موقفها بالقول أنه لا يعني أن التنظيمين غير إرهابيين. وثالثاً، عزل ما يسمى «معارضة الداخل» التي كان يصرّ عليها النظام وموسكو، وتحويل أعضائها مجرد «مستشارين» يمكن مبعوث الأمم المتحدة أن يلتقيهم، وربما يسألهم رأيهم، لكن من خارج جدول أعمال المؤتمر.

وقد لا يكون لهذه الإنجازات تأثير في المحادثات، ولا طبعاً في أية نتيجة قد تتوصّل إليها، بسبب سياسة النظام القائمة على المناورة والتسويف، واختبائه خلف مطلبه القديم/ الجديد حول أولوية محاربة الإرهاب، لكنه ليس من دون دلالة خاصة انقلاب الحال رأساً على عقب الآن وانتقال المبادرة من يد وفد النظام الى وفد المعارضة، وقدرة الأخير على فرض إيقاعه على «جنيف 3» من أول الطريق.

ولا مبالغة في القول إن العامل الأول في ذلك كان المقاربة التفاوضية الجادة، سياسياً من ناحية، وتكتيكياً في مواجهة مماطلة وفد النظام من ناحية ثانية، التي اعتمدها وفد المعارضة منذ البداية، فضلاً عن تصلّبه حتى عندما قرر التوجه الى جنيف بعد أن تلقى من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومن دي ميستورا، رداً وصفه بـ «الإيجابي» على رسالتيه إليهما.

ذلك أن الحال السورية الآن ليست مما يجوز إغماض العيون عنه، أو حتى عدم العمل على تثميره وطنياً الى أقصى حدّ في وجه من يدّعي في العالم أنه يبكي لمأساة الشعب فيها… لا إنسانياً بالذات، بعد افتضاح جرائم «الانتصارات بالتجويع» و «حصار المدن والقرى حتى الموت» و «التهجير بالقوة»، ولا عسكرياً على الأرض بعد دخول روسيا بمقاتلاتها وصواريخها ودباباتها شريكاً في الحرب ضد قوات المعارضة، ولا بعد ذلك كله سياسياً في أعقاب افتضاح التآمر الأميركي – الروسي على إرجاء البحث في مصير رأس النظام بذريعة أن لمقاتلة «داعش» الأولوية في المرحلة الحالية.

كذلك، لم يعد جائزاً أن يبقى المجتمع الدولي، أو بعضه على الأقل، أسير ادعاءات النظام ووفده الى «جنيف 3» عن «الحرب الكونية» التي تغطى بها منذ بدء الانتفاضة السلمية ضده في آذار (مارس) 2011، ولا تالياً بعد ظهور «داعش» وتمدّد ارتكاباته في المنطقة وصولاً الى أوروبا والولايات المتحدة، خصوصاً أن احتلال الأراضي السورية من جانب إيران وميليشياتها أولاً، ثم من روسيا بعد ذلك، تم تحت هذه الذريعة.

هكذا نجح وفد المعارضة في حشر وفد النظام في الزاوية من ناحية، تماماً كما نجح من ناحية ثانية، وفق ما قاله دي ميستورا لدى إرجاء لقاءاته الى موعد لاحق، في قلب «جنيف 3» رأساً على عقب، ووضع قضية الشعب السوري الحقيقية مع نظامه (300 ألف قتيل، و11 مليون مشرد، ومئات آلاف المهدّدين بالموت جوعاً) في رأس جدول الأعمال… وإلا فلا مؤتمر، كما قال رئيس الهيئة التفاوضية رياض حجاب بعد انتهاء اجتماعه مع دي ميستورا.

ذلك أن في سورية ثورة شعبية عمرها 5 سنوات، لكنّ فيها في المقابل نظاماً لم يفعل طيلة تلك الفترة إلا قتل شعبه بكل ما لديه من أدوات… من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، الى البراميل المتفجرة، الى بيع البلد كله، أرضاً ودولة وشعباً، بعد ذلك، الى القوات الروسية والإيرانية تفعل به ما تشاء، وإن تكن في النهاية لا تخدم سوى استراتيجياتها ومصالحها الخاصة فيه.

بل أكثر، كما صرّح أحد أعضاء وفد المعارضة، فإن الهجمة الشاملة الروسية – الإيرانية – الأسدية على حلب وريفها، في أثناء «جنيف 3»، ونظرياً تحت خيمته، لم تكن في أسلوبها واستخدام مختلف الأسلحة فيها إلا رسالة من روسيا (ومعها إيران والأسد) بأنها تريد المؤتمر «انتصاراً» كاملاً لها، بعدما تمكنت قبل أسابيع من تطويق القرار 2254 بما يكفي من الغموض والالتباس حول الهدف النهائي منه.

وقد تستطيع الهجمة الروسية تحقيق تقدّم على الأرض في حلب، كما فعلت سابقاً في اللاذقية أو الشيخ مسكين في درعا، لكن ما لا شك فيه أنها خسرت ما كانت تريده من «انتصار» سياسي في جنيف، حتى لو أمكن أن يعود وفدا النظام والمعارضة إليها في 25 شباط الجاري.

واشنطن قالت ذلك، بلسان الناطق باسم وزارة خارجيتها، عندما حمّلت موسكو مسؤولية إرجاء مؤتمر «جنيف 3» ثلاثة أسابيع، وربما الى ما لا نهاية، تماماً كما قاله وفد المعارضة السورية عندما أعلن أنه لن يعود الى المؤتمر ما لم تتوقف الجرائم الروسية في حق سورية… عسكرياً على الأرض، وسياسياً في جنيف.

فليس مبالغاً فيه القول أن أيام جنيف الثلاثة وموقف وفد المعارضة فيها أعادت القضية السورية الى موقعها الأصلي: ثورة شعب ضد من لا يجيد إلا القتل، أكان اسمه بشار أو بوتين.

وما لم يتوقف القتل بهذه الطريقة الفاشية، فلن يكون مؤتمر تسوية حتى وإن غطته «مؤامرة» روسية – أميركية عنوانها القرار 2254 أو أي قرار آخر.

الحياة

 

 

 

 

من المستفيد من تأخير المفاوضات بين الأطراف السورية؟/ فيكتوريا سيميوشينا

موسكو ـ «القدس العربي»: لقد أثبتت المحادثات في جنيف مرة أخرى للمجتمع الدولي أن الأزمة السورية لم تكن على الإطلاق ظاهرة داخلية بحتة، بل هي مثل فوهة قمع «تجر» لاعبين جددا. إنها منطقة تصادم ليس بين المصالح الإقليمية فحسب، بل وبين المصالح الدولية أيضا. لم يستنفد، حتى الآن، أي من الأطراف المتصارعة كل موارده، ومن ثم فلا أحد منها يميل إلى تقديم تنازلات والقبول بحلول وسط. حاول المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في سوريا ستيفان دي ميستورا منذ 1 شباط/فبراير انجاح عملية التفاوض في جنيف، لكن دون جدوى.

تشير صعوبة إطلاق مشاورات جنيف إلى أن المفاوضات بحد ذاتها ستكون في غاية الصعوبة. وقد جعلت الشروط المسبقة التي طرحتها المعارضة السورية موضوع بدء المفاوضات محل تساؤل.

يرى نيكولاي سوركوف، الأستاذ المشارك في قسم الدراسات الشرقية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، أن الأسباب الرئيسية لانهيار المحادثات في جنيف عائدة إلى عناد المعارضة السورية.

فوفقا له، «يفسر عناد المعارضة ببساطة ـ إلى أن الجهات الراعية لها تضع أمامها مهمة محددة: إزاحة الأسد عن الحكم. وهي تحتاج لتحقيق ذلك إلى البدء في طرح شروط غير مقبولة إطلاقا، ومن ثم تخفيف المتطلبات وإبداء الرغبة في التوصل إلى حلول وسط «.

ويضيف الخبير أن مشكلة هذه المفاوضات تنحصر أيضا في حقيقة أن الأطراف المشاركة فيها قد وضعت نصب أعينها أهدافا متناقضة تماما. فالأسد يريد البقاء في السلطة، بينما ترغب المعارضة ورعاتها في رحيله. وفي الوقت نفسه، فلا أحد يفكر في أن الهدف الرئيسي من المحادثات هو وقف العنف الذي يحصد أرواح الأبرياء.

بدوره، يعتبر فلاديمير أحمدوف، أحد كبار الباحثين في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن مطالب المعارضة قابلة للتحقيق وأنه كان بإمكان نظام بشار الأسد القبول بتنفيذها. ويرى المستشرق أن الوضع الراهن وتعثر المفاوضات السورية يمكن أن يكون مفيدا لكل من الولايات المتحدة وروسيا. وفقا له «تطرح الآن فكرة حول أنه من المفيد للأمريكيين وللروس الحفاظ على الوضع الراهن، لذا فهم يماطلون في المفاوضات. الأمريكيون لا يضغطون على المعارضة، ونحن لا نضغط على النظام. لذلك يبدو أن من المفيد لنا وللأمريكيين إطالة أمد هذه العملية. وإذا ما أردنا التحدث بجدية، فإن شروط المعارضة ليست بالتعجيزية: رفع حصار المدن وإطلاق سراح المساجين من النساء والأطفال. لم يبد أي من الطرفين أو داعميهما، من وجهة نظري، رغبة في تقديم تنازلات مناسبة للمضي قدما في المفاوضات. السؤال الذي يطرح نفسه – لماذا يفعل ذلك؟».

في غضون ذلك، إن تركيبة الوفود المشاركة في المفاوضات هي بحد ذاتها تمثل مشكلة. يعود السبب في ذلك إلى أن موسكو ودمشق لا تعتبران بعض معارضي بشار الأسد الذين وصلوا إلى جنيف معارضة معتدلة. إن هذا يخص تحديدا جماعة «أحرار الشام» والمنظمة التي تمثل مظلة لـ «جيش الإسلام».

ينحصر خطأ موسكو، وفقا لفلاديمير أحمدوف، في أنها لم تتمكن من إقامة اتصالات مع المعارضة المسلحة التي يمكن أن تكون أداة جيدة في يد روسيا سواء في ساحة المعركة أو في عملية التفاوض.

ووفقا لأحمدوف «كانت هناك معطيات حول حدوث مثل هذه الاتصالات، ولكن الجميع تنصل من ذلك فيما بعد. برز في خطاب وزير خارجيتنا في الأسبوعين الأخيرين ما يشير إلى أن مجموعتي «أحرار الشام» و»جيش الإسلام «هما منظمتان إرهابيتان. ونحن الآن ملتزمون بهذا المنطق. إن هذا سوء تقدير، لأن هاتين المجموعتين تضمان عددا كبيرا من الناس – حوالي 70- 80 ألف مقاتل. يمكنني الافتراض بأنه كان يمكن بذل محاولات للتفاوض معهم ومعرفة وجهات نظرهم. أعتقد أنه قد ساد لدينا انطباع بأن أي سلطة غير سلطة بشار الأسد هي خسارة لنا. وإذا ما خسرنا سوريا فإننا سنخسر الشرق الأدنى». ويضيف الخبير أن موقف روسيا في الشرق الأدنى بعد العملية العسكرية في سوريا قد تعقد. فقد اتهِمت روسيا سابقا بأنها تدعم نظام الأسد، وتورد الأسلحة إليه، وتوقفت الاتهامات عند هذا الحد. لقد اعتبر أن المسؤولين الرئيسيين عن المأساة هم الأميريكيون والإيرانيون ومقاتلو داعش. أما الآن وعندما تشارك روسيا هناك عسكريا، فإنها تتهم بإعاقتها لكل عملية التفاوض.

أتت ردة فعل موسكو على تهمة تعطيل المفاوضات على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال جولته في الشرق الأدنى، حيث زار دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان.

وأكد عميد الدبلوماسية الروسية قائلا:» يبدو لي أن بعض أعضاء هذه المجموعة مدللون جدا من قبل داعميهم، وفي المقام الأول من قبل جيراننا الأتراك الذين حالوا بمفردهم دون انضمام قوة مهمة ومؤثرة كحزب الاتحاد الديمقراطي للأكراد السوريين إلى المفاوضات». كما اعتبر الوزير ممثلي المعارضة في محادثات جنيف بـ»متقلبي المزاج».

إن الخبير الروسي نيكولاي سوركوف متأكد من أن موسكو هي الأكثر حرصا على تسوية الصراع في أقرب وقت ممكن.

يعتبر المستشرق أن «روسيا مهتمة بصدق في إنجاح المفاوضات ووقف الحرب الأهلية في سوريا. وعلى أقل تقدير بسبب عملية القوى الجوية ـ الفضائية الروسية والتي تتطلب إنفاق موارد كبيرة. إن هيبة الكرملين على الساحة الدولية تعتمد إلى حد كبير على تغير الوضع في سوريا».

وتصب في صالح هذا الطرح حقيقة أن روسيا والولايات المتحدة أكدتا في محادثات جنيف على استعدادهما للتعاون بشأن الأزمة السورية. لا تريد روسيا الدخول في الصراع منفردة، لأنها بدأت تدرك أن سهام الاتهامات في نهاية المطاف ستطلق نحوها. إن الأمريكيين، وفقا لفلاديمير أحمدوف، لا يريدون التدخل في القضية السورية ويفضلون البقاء في وضعية المراقب.

واستطرد المستشرق قائلا: «لقد أعطانا الأمريكيون سوريا كاملة، تقع كل المسؤولية الآن علينا. لقد نأى الأمريكيون بأنفسهم عن الموضوع. والسؤال هو كالآتي – نحن نحاول ضم الأمريكيين للمساهمة في حل المشكلة، ولكنهم مترددون. هناك شكوك بأنهم يحاولون تنظيم أفغانستان ثانية لنا في سوريا. هم ذاتهم غير قادرين على الانسحاب من كل من العراق وأفغانستان. ها هم يجروننا إلى سوريا كي نقاتل هناك إلى أجل غير مسمى».

بغض النظر عن نتيجة اجتماع جنيف، فهو في حد ذاته مهم جدا، لقد كشفت المحادثات عن النقاط الحساسة، لكنها لم تقدم طرقا للحل. بيد أنه من الواضح الآن أنه من الضروري تمكين أكبر عدد ممكن من الطيف السياسي للمشاركة في مناقشة مستقبل سوريا، دون حرب قوائم المنظمات المسموح لها بالمشاركة في المفاوضات وبدون الإصرار على وسم بعض القوى بـ «المعتدلة» أو بـ «الإرهابية». ويبقى علينا الانتظار فيما إذا كان بالإمكان بلوغ ذلك قبل 25 شباط/فبراير.

القدس العربي

 

 

 

المفاوضات وشروط نجاحها ـ ملاحظات حول لقاءات جنيف بين الأطراف السورية/ عبد الحميد صيام

نيويورك ـ «القدس العربي»: من غرائب الأمور أن أحدا لم يتوقع نجاح لقاءات جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة التي بدأت يوم الجمعة 29 كانون الثاني/يناير والتي تأخرت عن موعدها أربعة أيام. فالمبعوث الخاص للأمين العام ستيفان دي ميستورا قال إنه غير متفائل بنجاح الجولة والمعارضة السورية يبدو أنها جرّت إلى جنيف دون أن تكون على قلب واحد أو موقف واحد ووضعت شروطا يعرفون مسبقا أنها لن تكون مقبولة من الطرف الآخر. أما الوفد الحكومي فمن جهة صعد العمليات العسكرية على الأرض مدعوما بالغارات الجوية من الطيران الروسي ومن جهة أخرى جاء إلى جنيف أكثر تماسكا واطمئنانا أن الحسم العسكري قاب قوسين أو أدنى وخاصة في منطقة حلب. وزيرا خارجية روسيا والولايات المتحدة تغيبا عن اللقاءات الأولى تجنبا للإحراج فلم يملك بعدها دي ميستورا إلا أن علق الاجتماع لغاية 25 كانون الثاني/يناير الحالي.

وكي نعرف أسباب الفشل الذي لحق باجتماعات جنيف لا بد من مراجعة للشروط الموضوعية التي في ظلها تنجح أو تخفق المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة. والأمثلة كثيرة على ذلك وسنستعرض في هذا المقال عينات من المفاوضات التي أوصلت الأطراف إلى شاطئ الأمان وأخرى بقيت تراوح في مكانها دون حل أو إنزلقت إلى فشل ذريع.

توسطت الأمم المتحدة في كثير من الصراعات. نجحت أحيانا وأخفقت أخرى. والنجاح والإخفاق لا يعتمد فقط على براعة ممثل الأمين العام ولا على نوايا الطرفين الأساسيين للنزاع ولا على مصداقية الأمم المتحدة نفسها بل إن هناك شروطا موضوعية خمسة يجب أن تتوفر قبل وأثناء وبعد المفاوضات إذا ما أريد لها أن تنجح. ونلخصها كما يلي:

أولاـ توافق أعضاء مجلس الأمن وخاصة الخمسة الكبار ذوي المقاعد الدائمة.

ثانيا ـ توفر الإمكانيات اللوجستية والمادية والتقنية لتنفيذ خطة السلام عند نجاح المفاوضات.

ثالثا ـ أن تكون خطة السلام نابعة من إحتياجات الشعب المستهدف وأن تكون قواه الفاعلة قد شاركت في صياغة خطة السلام.

رابعا ـ أن يكون هناك تضامن إقليمي مع الخطة الدولية ودعم جاد لها من دول جوار البلد المستهدف.

خامسا- أن يتم تنفيذ الخطة بالرغم من العراقيل والمطبات والألغام وبقاء مجلس الأمن موحدا خلف الخطة رغم تلك المصاعب.

الأمثلة على نجاح الأمم المتحدة في حل الصراعات كثيرة وأكبر من أن يتسع لها مقال واحد. فقد تكللت جهود عديدة وخاصة بعد نهاية الحرب الباردة بالنجاح لأسباب موضوعية أهمها إنتهاء المنافسة بين الدولتين العظميين ونزع أغطية كثيرة عن طغاة ومجرمين وسفاحين فبدأ يسقط الواحد بعد الآخر وتستقر الأمور بعد سنين من الصراع أو التوتر الداخلي أو الحكم الشمولي الكاسر كما حدث في تشيلي ونيكاراغوا والسلفادور وهايتي والكونغو وإثيوبيا وتشاد وليبيريا وسيراليون وساحل العاج وناميبيا وجنوب أفريقيا والبوسنة وكوسوفو وتيمور الشرقية وكمبوديا وغيرها. لكن المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة في الصومال واليمن عام 1994 ورواندا وبورندي وجمهورية أفريقيا الوسطى وقبرص وكشمير والصحراء الغربية وحاليا في سوريا واليمن وليبيا وغيرها إنتهت إما إلى فشل ذريع إو إلى حالة من الجمود طويل الأمد. وسأختار عينة من المفاوضات التي نجحت وأوصلت الأمم المتحدة البلد المعني إلى شاطئ السلام.

توصلت الأمم المتحدة مع فيتنام وممثلي الشعب الكمبودي إلى إتفاقية باريس بتاريخ 23 تشرين الاول/أكتوبر 1991 والتي أعلنت نهاية الصراع. وقعت الاتفاقية كافة محافظات البلاد الـ 23. اعتمد مجلس الأمن القرار 745 (1992) بالإجماع والذي بناء علية أنشأت الأمم المتحدة أكبر عملية حفظ سلام بعد الحرب الباردة حيث وصل عددها إلى نحو 22،000 ممولة أساسا من اليابان ومدعومة من الصين وكافة الدول المؤثرة ووصلت تكاليفها إلى نحو 1.6 مليار دولار. ووضع تحت تصرف الأمم المتحدة كافة الإمكانات وكان ممثل الأمين العام الياباني، ياسوشي أكاشي، الحاكم الفعلي للبلاد لغاية عقد الانتخابات. عملت الأمم المتحدة على التحقق من خروج كافة القوات الأجنبية من البلاد ونزع سلاح الميليشيات وعقد انتخابات حرة ونزيهة. وهددت جماعة الخمير الحمر بإفشال الانتخابات وتعطيل تحول البلاد إلى الديمقراطية لأنهم كانوا يعرفون أنهم سيمثلون يوما أمام العدالة لكثرة ما ارتكبوا من مجازر وإبادة جماعية أثناء حكمهم للبلاد من 1975 إلى 1979 إلى أن دخلت فيتنام لتنقذ الشعب الكمبودي من سواطيرهم. وكثير من قياداتهم الآن يقبعون في الزنازين يحاكمون أو بانتظار محاكمتهم.

لم تتأثر الأمم المتحدة بالتهديدات بل استمرت في العملية الانتخابية عام 1993 حيث شارك فيها 90 في المئة من المؤهلين وفاز بها حزب الأمير راناريد سيهانوك وأقر البرلمان الجديد دستورا يؤسس لملكية دستورية ديمقراطية تعددية مما سهل خروج بعثة الأمم المتحدة مكللة بالنجاح الكبير.

خلقت بريطانيا المشكلة القبرصية مستخدمة أسلوب «فرق تسد» كما هو الحال في كل مستعمراتها. والمسألة القبرصية ليست محصورة بين القبارصة اليونان والقبارصة الأتراك بل هي تجسيد لصراع تاريخي عميق بين تركيا واليونان. وإذا لم يحسم النزاع بين البلدين فلن يحسم الصراع في الجزيرة المقسمة. بدأت المواجهات الدموية بين المجتمعين اليوناني والقبرصي سنة 1963 ونشرت الأمم المتحدة بعثتها للسلام عام 1964 وما زالت موجودة لغاية الآن. وبعد انقلاب 1974 الذي قامت به مجموعة من الضباط يريدون إنضمام الجزيرة لليونان، تدخلت تركيا عسكريا لحماية الشطر التركي حيث أعلن في الجزء الشمالي جمهورية قبرص التركية المستقلة والتي لا تعترف بها إلا دولة واحدة هي تركيا. وحاول أكثر من أمين عام للأمم المتحدة مباشرة أو عبر ممثليه أن يجدوا حلا مقبولا للطرفين ولم ينجحوا. وقدم الأمين العام السابق كوفي عنان مشروعا شاملا لقيام كونفدرالية بين الشطرين واستمرت مفاوضات غير مباشرة ومباشرة بين الطرفين من 1999 حتى 20003 دون نتيجة. ولكن بتشجيع من مجلس الأمن توصل الطرفان إلى إتفاقية شاملة للسلام على أن تخضع للاستفتاء من قبل الشطرين. وجرى الاستفتاء في 24 نيسان/أبريل 2004 فقبل الاتفاقية القبارصة الأتراك ورفضها القبارصة اليونانيون. ومنذ ذلك الاستفتاء إلى اليوم تقوم المبادرات على إستجلاء الأجواء لعل بارقة أمل تلوح، كان آخرها مبادرة قدمتها الأمم المتحدة في 2008 لإنشاء فدرالية بين الشطرين لكن الاقتراح لم ير النور بعد.

المشكلة القبرصية ستبقى تراوح في مكانها لأن اللاعبين الأساسيين تركيا واليونان عضوان في الناتو وحليفان للولايات المتحدة وليسا على إستعداد أن يدخلا في حرب لحسم المعركة. وما دام الصراع القائم غير دموي ولم ينفجر ليصبح بحاجة إلى تدخل دولي للحسم ستبقى القضية القبرصية معلقة إلى إشعار آخر.

إذن كل مقومات نجاح المحادثات/ المفاوضات السورية السورية غير متوفرة. فمواقف الدول الكبرى الأساسية غير موحدة حتى ولو بدا ذلك على السطح تجسيدا للقرار 2254. لكن ما حدث بعد القرار أن روسيا صعدت من عملياتها العسكرية دعما لقوات الحكومة التي بدأت تسترد بعض المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. والقصف الروسي لم يستهدف ما يتفق عليه أنها مناطق خاضعة للإرهابيين مثل «داعش» و»النصرة» بل للمناطق الخاضعة للمعارضة المقبولة حتى بالتصنيف الروسي مثل الجيش الحر. من جهة أخرى فإن الولايات المتحدة تراخت أكثر بعد القرار وكان همها الأول أن تعمل على تشكيل وفد المعارضة والذي أصبح بالأساس سعوديا وبدرجة أقل تركيا حيث استخدمت الدولتان الفيتو على مشاركة الجماعات التي لا تتفق مع رؤيتها.

جاء الوفد الحكومي قويا ومستقويا بالطيران الروسي وليس في عجلة من أمره بينما راح وفد المعارضة ومن موقف ضعف يطرح شروطا مسبقة وهو يعرف سلفا أنه غير قادر على تحقيقها. بل كان هناك خلاف حول الذهاب إلى جنيف وخلاف على الاجتماع بدي ميستورا وعلى البقاء في أو الانسحاب. كل مواقف وفد المعارضة كانت تنم عن ضعف وتردد وخلاف.

فالأمر إذن لا يتعلق بالمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا ولا مهاراته الشخصية فقد جرب من قبله من هم أكثر دراية وأوسع خبرة وأكثر حنكة ولم ينجحوا فلماذا نضع اللوم على دي ميستورا والذي كان يحبذ التريث قبل إرسال الدعوات؟

المشكلة أن المفاوضات عندما تنجح الكل يحاول أن يأخذ حصته من النجاح وعندما تتعثر وتفشل يلقى باللوم على الأمم المتحدة ووسطائها الدوليين.

القدس العربي

 

 

 

يسوريا:أرض الرباط الافغاني/ ساطع نور الدين

لم يخرجوا في نزهة، او في رحلة إستكشاف، أو صيد. كانوا، بعشرات الالاف، يسيرون في  جنازة غريبة، لا تتقدمها نعوش ولا رايات ولا أكاليل. تركوا الجثامين خلفهم وحثوا الخطى في مسيرة هجرة جديدة الى الشمال، لينضموا الى الملايين ممن سبقوهم في الفرار من الارض المحروقة، المنكوبة.

لولا بعض صرخات الاستغاثة التي اطلقت عند نقطة الحدود، لبدا ان الجنازة الصامتة هي جزء من طقوس خاصة يمارسها السوريون وحدهم. فالمشهد نفسه بات من العلامات الفارقة للاعوام الخمسة الماضية، وقد تكرر على جميع المعابر والمراكز الحدودية السورية.

لكن الصمت هذا المرة ازاء هذه الهجرة الجنائزية، كان معبراً أكثر من اي وقت مضى عن اللامبالاة من جهة، وعن التواطوء العام من جهة ثانية. لم يصدر بيان رسمي عربي او اسلامي واحد يدين ذلك المشهد اللانساني المروّع، ويناشد الروس التوقف عند هذا الحد. كاد البعض يقول ان السوريين ينجون،وهي رحمة، ولم يتورع آخرون عن طلب توجيه الشكر الى سلاح الجو الروسي الذي يقوم بعمل الخير والإحسان.

حصلت الجنازة الحاشدة على ترخيص رسمي. وحصل المشيعون على تصريح خروج،(بلا عودة).. ونالت روسيا تفويضاً عربياً وإسلامياً ودولياً لم يسبق له مثيل، بان تتابع حراثة الارض السورية وحرقها تمهيدا لتطهيرها.. ولمدة ستة أشهر مقبلة، على ما نُقل عن وزير الخارجية الاميركية جون كيري في كواليس مؤتمر جنيف الاخير. والسبب، حسب تعبيره، ان المعارضة السورية لم تلبِ الدعوة الى التفاوض، وغادرت المدينة السويسرية بلا إستئذان.

على الرغم من هذا التفويض الذي يحمل تواقيع غالبية عالمية ساحقة، ما زال الوهم السائد هو ان روسيا تكثف حملتها العسكرية وتوسع مدى انتشار النظام وجيشه وحلفائه فقط لانها تترقب وقفاً وشيكاً لاطلاق النار، وتمهد لجولة مفاوضات سورية قريبة تؤدي الي تسوية سياسية بين النظام الذي لا تثق به ولا برئيسه ولا بإفعاله، وبين المعارضة التي لا تكن لها التقدير ولا الاحترام لكنها لا تنكر وجودها.

قبل جنيف الثالث وبعده، قالت موسكو، وردد العالم كله من بعدها، كلاماً صريحاً عن ضرورة انهاء الثورة السورية والحاجة الى بقاء نظام الاسد.. لان الاولوية المطلقة هي لمحاربة داعش والنصرة. شرعت موسكو في تنفيذ هذه الفكرة الثابتة في برنامجها منذ اللحظة الاولى، لان رئيسها فلاديمير بوتين، كما تقول مصادر الكرملين، شعر بالحزن عندما شاهد ثلاث مرات متتالية، فيديو التعرض لمعمر القذافي بعد القبض عليه، وأدرك أنه لم يفعل شيئاً لإنقاذه، وهو الان لا يريد ان تتكرر التجربة الليبية بكامل تفاصيلها في سوريا.

كان جنيف الثالث أشبه بفخ نصب للمعارضة السورية التي أساءت التقدير في مغامرة الذهاب ثم في تشكيل الوفد ثم في الانسحاب، وها هي اليوم تنكشف أكثر من ذي قبل وتتعرض مع جمهورها، لحملة تصفية كاملة، لن يقوى حلفاؤها القلائل على وقفها، او على الحد من نتائجها الكارثية على المستوى السياسي او الانساني، لا سيما في ظل الهزل الرائج أخيراً، حول تدخل عسكري بري في سوريا. فموسكو لا تدع مجالا للشك في أن حملتها العسكرية ما زالت في بداياتها الاولى، ولم يحن بعد موعد قطف ثمارها السياسية. كما ان إيران لا تخادع أحداً حين تقول أنها ماضية قدماً في القتال مع النظام حتى النهاية، وأنها مستعدة لارسال المزيد من القوات وتقديم المزيد من الضحايا.

يكفي التأكد من ان ثلاثة جيوش كاملة، جيش النظام والجيش الروسي والحرس الايراني تقاتل اليوم بضراوة شديدة وحدات المعارضة السورية المشرذمة، والمعزولة، لكي تصبح الهجرة الجنائزية الاخيرة في اتجاه الحدود التركية مشهداً رحيماً.. يكسب داعش والنصرة زخماً استثنائياً ويجعلهما خيار السوريين وخلاصهم الوحيد، ويحيل سوريا كلها الى بؤرة صراع وجودي بين الخير المطلق والشر المطلق، على ما كانت أرض الرباط الاولى، افغانستان، في العقود الماضية.

المدن

 

 

 

دي ميستورا:مخطط ما بعد فشل جنيف/ دينا أبي صعب

قدم المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا تقريره إلى مجلس الأمن، في جلسة مغلقة الجمعة الماضي، حول مسار محادثات “جنيف-3″، عارضاً ابرز محطات جلسات المفاوضات، ومواقف الطرفين السوريين، وفدي الحكومة والهيئة العليا للمفاوضات، من دون التطرق للحديث عن أي من الأطراف المعارضة الأخرى المدعوة إلى المحادثات.

“المدن” اطلعت على مضمون تقرير دي ميستورا، من مصادر دبلوماسية في نيويورك. وأشارت هذه المصادر إلى أن دي ميستورا كان يتوقع، بحسب تقريره الذي عرض عبر “الفيديو كونفرنس”: “تحقيق اجراءات جدية وفعالة على الارض، تؤثر مباشرة على حياة الناس في كل المناطق، من دير الزور الى الغوطة الشرقية ومن حلب الى دمشق”. وأضاف أن “ازدياد العنف على الارض جعل من المحادثات برمتها مسألة من غير معنى، خصوصاً ان الشعب السوري لم يرَ أي مكسب حقيقي من استمرارها”. هذا الموقف يتماشى مع موقف الهيئة العليا للمفاوضات، التي التزمت بمطالب إنسانية واضحة ومحددة طيلة فترة التفاوض، تختصر بوقف القصف الجوي وضمان دخول المساعدات الانسانية للمناطق المنكوبة، واطلاق سراح المعتقلين، إضافة إلى رفع الحصار عن المناطق المحاصرة.

وبحسب المعلومات، ذكر دي ميستورا في إحاطته أنه دعا الجانبين السوريين، الحكومة والمعارضة، إلى وقف فوري لإطلاق النار، وحث الداعمين الدوليين على الضغط على الأطراف السوريين ليباشروا بجدية في الحوار، ويوقفوا إضاعة  الوقت في “الشروط المسبقة او القضايا الإجرائية”. ونقلت المصادر أن التقرير اشار الى ان الحكومة السورية كانت واضحة في التعبير لدي ميستورا عن عدم ارتياحها من تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 بشكل انتقائي (البندين 12 و13 اللذين ركزت عليهما المعارضة)، بحيث طلب الوفد الحكومي المفاوض برئاسة مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري التعامل مع القرار بكليته، “اضافة لطلب إيضاحات واستفسارات حول مسائل إجرائية تتعلق بكيفية إجراء المحادثات غير المباشرة، مع الاصرار على ان المفاوضات مازالت في مرحلتها التحضيرية الاولى، وان الوفد الحكومي سيكون جاهزاً للبدء في المباحثات بشكل جدي حين توفر لائحة واضحة تحدد من سيجلس في مقاعد المفاوضات المواجهة للنظام”. وفي المقابل، “دي ميستورا طالب بخريطة طريق، تحدد رؤية الحكومة لكيفية تطبيق القرار”.

ويبدو أن الحملة العسكرية الروسية في سوريا كانت السبب في توتير اجواء الجلسة. وعلمت “المدن” أن الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومندوبي كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الاميركية في الأمم المتحدة، تبنوا موقفاً مشابهاً لموقف المعارضة السورية، بالقول إن ارتفاع وتيرة القصف الروسي “قوضت مساعي جنيف-3″، وأنهم وضعوا المعارضة خلال المباحثات “بمكان لا تستطيع الاستمرار فيه”. وحسب المصادر، فقد سبّب الموقف الأميركي  “إشكالاً” في مجلس الامن في مواجهة روسيا، بعدما وضعت سفيرة واشنطن لدى الامم المتحدة سامنثا باور، الغارات الجوية في خانة “تعزيز قوة داعش”، وانه “بالهجوم على الجماعات غير المتطرفة فإن روسيا تعزز بخلاف ما هو صواب القوة النسبية للدولة الإسلامية التي استغلت هذه الحملة للسيطرة على مزيد من الأراضي في ريف حلب”. وأضافت “منذ أن بدأت روسيا ضرباتها تغيرت الخريطة السورية لصالح الدولة الإسلامية”.

ورد السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بالقول إن “الفوضى وعدم الاعتراف بسلطة الدولة – اللتين تعودان إلى حد كبير للتدخل الأجنبي في الشؤون الإقليمية – تستغلهما فعلياً المنظمات الإرهابية، ولاسيما ما يسمى الدولة الإسلامية”. وأضاف أن “المعالجة الجمعية مطلوبة لتصفية الخطر الإرهابي”.

وأشارت تصريحات تشوركين التي تلت الجلسة الى ان الضغط التركي على مسار المفاوضات ادى الى خروج الاكراد من مسار المباحثات، رغم تشكيلهم 12 في المئة من الشعب السوري، وهذا أمر يجب تفاديه في الجولات المقبلة بشكل يخلق بعض “التوازن” في تمثيل المعارضة في المفاوضات، ونقل المصدر عن تشوركين أن “الاتراك سهلوا مرور السلاح الى سوريا، وان العملية العسكرية في الشمال السوري ساهمت في رفع الحصار عن نبل والزهراء، وان وقف القصف لا يتم من جهة واحدة”.

وبعد تعليق محادثات جنيف في 3 فبراير/شباط، على أن تستكمل في الخامس والشعرين من الشهر نفسه، يواصل دي ميستورا مشاوراته مع الأطراف السورية الأساسية، بهدف استئناف المحادثات في أقرب وقت.

وترى بعض المصادر أن خطة دي ميستروا المستقبلية ستحاول فصل الملف الانساني ووقف اطلاق النار عن مسار المفاوضات، واجراءات بناء الثقة، باعتبارها من ضمن التعهدات ضمن القرار 2254، لكن تطبيق هذا الاجراء يبقى مرتبطاً بالتزامات القطبين الروسي والأميركي، اللذين يجتمعان في ميونيخ في الحادي عشر من هذا الشهر، بمشاركة دي ميستورا، لبحث نتائج مباحثات جنيف. وقبل ميونيخ، سيكون على دي ميستورا العودة الى دمشق، وربما الرياض، لبحث ما ستكون عليه الجولة المقبلة من محادثات جنيف.

المدن

 

 

كذبة إسمها “الحل السياسي”/ دلال البزري

سوق “الحل السياسي” إزدهر مع الهجَمة الروسية على سوريا. قبلها، تناولته ألسنة متفرقة هنا وهناك، كلما حلّت مصيبة جديدة على السوريين؛ ولكن الروس حملوه على أجنحة طائراتهم الحربية. قال رئيسهم، وهو ينفخ بعضلاته، انهم يحضرون هنا من أجل إيجاد “حل سياسي”. وبعد مرور الثلاثة أشهر المقررة للقيام بـ”المهمة”، استعاد لسان الروس “الحل السياسي”، وأخذ اهتمامهم به يتصاعد، يفرض نفسه بإلحاح، حتى بلغوا ما بلغوه الآن، بعد ستة أشهر على هجمتهم، من قدرة على قيادة مؤتمر “جنيف 3″، على أساس انهم يقودون “الحل السياسي”.

والأميركيون، وسط هذه المآثر، يتواطؤون، ينّسقون، يقول وزير خارجيتهم ان المؤتمر هذا هو “فرصة تاريخية”؛ كأن الكذبة الروسية انطلت عليهم، هم أيضاً. فهم، أي الأميركيين، يفرحون بالتورط الروسي المباشر في سوريا؛ لعلّ الروس، بذلك، يغطسون في أوحال الشرق الاوسط،  يسْتَعدون السنّة، ويتحطّم إقتصادهم، ولا يحتكرون، في الآن عينه، السيطرة على سوريا. ما يخفّف عنهم قساوة إعادة سيطرتهم على العراق، وصراعهم هناك مع الأتراك والإيرانيين.

“الحل” أولا: والذي يعني إيجاد مخرج لصعوبة محدّدة، وفي حالتنا، السورية، إيجاد طريقة لوقف القتل كله، ومباشرة مرحلة انتقالية من دون بشار الأسد. من الزاوية الروسية، يعني “الحل” عمليا، قتل السوريين من “إرهابيين” ومدنيين، والوصاية على بشار. الغارات الجوية الروسية على سوريا وحدها، قواعدها العسكرية المتنامية على طول سوريا وعرضها، القضاء على المعارضة المسلحة، دون النيل من الإرهاب؛ ثم محاولة إنهاء المعارضة السياسية، بفرض معارضين سوريين روس، وإطلاق الوصف الرنّان عليها “المعارضة الديموقراطية العلمانية”، بمعنى ان المعارضة السياسية الأخرى ليست ديموقراطية ولا علمانية، بل “إرهابية”… كل هذا لا تنطبق عليه شروط الحل، إنما شروط تعقيد الحل، وجعله مستحيلاً. يلخّص وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هذه الإزدواجية المضلِّلة بالتشديد على الفصل “بين جنيف وبين مسار العمليات الميدانية “؛ وهو يقصد بـ”العمليات الميدانية” الحملة العسكرية الهستيرية التي يقودها الجيش الروسي في ريف شمال حلب، أثناء إنعقاد هذا المؤتمر الذي يبحث في “الحل السياسي”.

“السياسي” ثانياً: عندما يصف الروس “حلهم” بأنه “سياسي”، يريدوننا أن نصدق، بأنهم “مسالمون”، غير محاربين، ولا غلظاء. هم حملوا إلى سوريا طائراتهم وبوارجهم وصواريخهم وجنودهم، معتقدين بأن مجرد رؤيتهم، هكذا، مدجّجين بكل هذا السلاح، سوف تهلع منهم سوريا وتفرّ، ويكونوا بذلك قد فرضوا “الحل السياسي”، بإراقة القليل من الدماء. ومن بلية الزمن انهم، كلما قصفوا، كلما قتلوا، أعادوا “السياسة” إلى ألسنتهم، وتلبسوا “سلمية” أجدادهم السوفيات. وجلّ ما يبتغون من كل ذلك، هو تكريس حصتهم السورية المتوسطية، كولونيالية جديدة، متعولمة، تتحول شيئاً فشيئاً الى مشكلة من بين المشكلات الهائلة التي سوف يواجهها السوريون، بعد عودة بلادهم إليهم، وعودتهم إليها.

كان يمكن إيجاد “حل سياسي” في الأيام الأولى من الثورة ضد بشار الأسد. كان يمكن مثلا أن يرحل، بعد أن يكون قد “فهم” ما يريده الشعب، على غرار نظيره التونسي زين العابدين بن علي. كان يمكن أن يتنازل عن جزء من سلطته وسلطة أجهزته لصالح ممثلين عن المعارضة السياسية، أو لا يستجدي مساعدة إيران وميليشياتها المذهبية ليقضوا معه على ثورة السوريين ضده. ولكن ذلك مستحيل؛ فبشار، بحكم تركيبته النفسية الضعيفة، وكونه البديل عن الوريث الشرعي المتوفي… هو مرْغم على الإقتداء بوالده، الذي أنهى تمرّداً إخوانياً في حماه عام 1982، بمجزرة موصوفة. وإلا ما استحق إرثه، ما استحق رئاسة سوريا أصلاً، بحكم هذا الإرث. لذلك، عندما أطلقت أولى رصاصاته ضد المتظاهرين السلميين العزل من السلاح، قتل “الحل السياسي” من مهده. ومن يومها، تتعقد أكثر فأكثر معطيات هذا “الحل”.

وحتى لو، بسحر ساحر، وُجد هذا الحل الآن، كأن يرحل بشار، ويتوقف إطلاق النار، ويعمّ السلام، فهذا لا يعني بأننا بلغنا “الحل السياسي”. إنما يعني بأننا بلغنا خاتمة لمعضلة سياسية مستعصية، بثمن باهظ من القتلى والجرحى والمهجرين والضائعين والمحطمين، ومن خسائر في الحجر تضاهي الزلازل. وعندما تكون كلفة الحل على هذه الدرجة من الإرتفاع، فيحسن أن نتكلم عن خاتمة صراع تاريخي، لا عن “حل سياسي”.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى