صفحات الناس

فضيحة “سي آي إيه”.. والسجون السورية/ نذير رضا

 

 

ملفان يُفتتحان بالتوازي، عن تعذيب المعتقلين في السجون. يأخذ الأول، المرتبط بتعذيب المعتقلين بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة الأميركية، مداه الواسع في تغطية وسائل الإعلام الأميركية والعالم. بينما يبقى الثاني، المرتبط بالتعذيب في السجون السورية، محصوراً بمدى ضيق جداً، يكاد يقتصر على عدد محدود من وسائل الإعلام المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد.

الملفان الإنسانيان أولاً وأخيراً، يكشفان زيف الكثير من وسائل الإعلام العربية في ما يتعلق بالقضايا الإنسانية. يؤكدان تسييسه المؤكد، بهتانه، علاقته العضوية بالسلطة، وليس علاقته النديّة. يؤكدان المؤكد أيضاً بأن الحقوق الإنسانية في العالم العربي، مجرد تفصيل في صراع سياسي لا ينتهي.. على الرغم من أن الملفين واضحين في أفقهما الإنساني، وبهدفهما القائم على انتزاع اعترافات من معتقلين عن نوايا “إرهابية”، في حين تُستخدم الذريعة هنا لاعتقال المعارضين السياسيين أيضاً، وليس “الإرهابيين” فحسب.

يفرد الإعلام الأميركي مساحات شاسعة من التغطية؛ صراع سياسي بين حزبين متنافسين في الولايات المتحدة، يسهّل التسابق بينهما للحصول على تفاصيل تدخل إطارها الفضائحي. الجمهوريون، كما الديموقراطيون، أمام تقرير شفاف، رغم ظهوره في مرحلة سياسية حرجة. الإستثمار السياسي للتقرير، لا يلغي أحقيته، وشفافيته. نعم، السلطة الأميركية تورطت في انتهاكات للمعتقلين، خلافاً لسلوكياتها ونداءاتها الديموقراطية. غير أن الكشف، بحد ذاته، مظهر حقوقي متقدم. وعليه، وفّر لوسائل الإعلام معلومات شاملة، سمحت لها بتقديم الجديد والمزيد، فضلاً عن مادة تحليلية لا تخرج عن طابعها السياسي.

الأداء الإعلامي الأميركي، يستكمل مراحل الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان أو للمسيرة الديموقراطية في البلاد، حتى لو ورد في دائرة الإستهداف السياسي لأحد الفريقين. يتخذ منحيين متقابلين: الأول من أعلى الهرم إلى أسفله، فيرتدّ منفعة على الرأي العام. أو العكس، من أسفل الهرم الى أعلاه، فيرتدّ على السلطة (فضيحة ووترغيت نموذجاً) إستقالات أو إطاحة سياسية.

على النقيض، بقيت حملات النشطاء السوريين للكشف عن عشرات المعتقلين الذين قضوا في السجون، أسيرة عدد محدود من وسائل الإعلام. التفاصيل المُضافة الى التقارير، هي نفسها الواردة فيها. فالمصادر المتوفرة، هي تلك الجهات التي أصدرت التقارير، وأغلبها جهات حقوقية. ومن شدة الإستهداف السياسي للتقارير الحقوقية المرتبطة بالكشف عن التعذيب والموت، فإن شكوكاً زُرعت حولها، وأحاطت بها، وسط أسئلة عن إمكانية تسييسها.

وسواء ظهرت التقارير أم لا، فإن التفاعل معها، من ناحية الرأي العام أو وسائل الإعلام المنقسمة حول نفسها، سيبقى محدوداً. هنا، يبرر الطرفان لانتهاكات تحت ذرائع سياسية، وهو ما لا يمكن أن يحدث في الولايات المتحدة. الثقافة الحقوقية التي يفتقر إليها الجمهور العربي، تقود إلى هذه المعضلة وتضاعفها. المشكلة العامة، هي الحافز لأن يدافع مصريون، على قلتهم، عن كشف مجلة “التايم” اليوم، انخراط السلطات المصرية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك في التعذيب لصالح الولايات المتحدة، ما يفسّر غياب الثقافة الحقوقية، لأهداف سياسية.

الملفان، الأميركي والسوري، نموذجان لنقيض واحد، في قضية واحدة. كلنا بشر، ومعظم المعذبين من المتهمين بـ”الإرهاب”، وفي الحالتين، المنتهك هو السلطة. في الحالة الأميركية، تمتلك وسائل الإعلام فرصة للتعبير عن مصداقيتها مع نفسها “الحقوقية”.. وفي الملف الثاني، يتكشف أن الإعلام البديل غير مؤثر في هذه المعضلة، بينما يستطيع إعلام الفريق الواحد، والسلطة الواحدة، أن يطمس حقائق، ويبرئ مقترفي التعذيب حتى الموت.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى