صبر درويشصفحات الناس

فقاعة “جيش الإسلام”/ صبر درويش

 لم يكن الاعلان عن تشكيل “جيش الاسلام”، والذي يضم حوالي الخمسين تشكيلاً عسكرياً، بالأمر البسيط، لا بسبب الأهمية العسكرية للحدث، وإنما للأهمية السياسية، التي يثيرها توقيت الاعلان عن هذا التشكيل، وطبيعة تركيبته.

يثير توقيت تشكيل جيش الاسلام العديد من الأسئلة، لماذا الآن بالذات، وبالتزامن مع إعادة الحديث عن مؤتمر جنيف2؟ وإذا ما استثنينا لواء الاسلام، لماذا غابت أغلب الألوية التي لا تقل شأناً عن لواء الاسلام، ولا تتعارض معه في توجهها السياسي، كلواء أحرار الشام وألوية الحبيب المصطفى، وحتى جبهة النصرة؟

من خلال التدقيق في تركيبة “جيش الاسلام”، يمكن ملاحظة أن أغلب التشكيلات المشاركة لها طابع وهمي، أي أن حضورها ضمن المعادلة العسكرية مشكوك فيه أصلاً، كـ”لواء الإشارة”، و”لواء الدفاع الجوي”، فضلاً عن أسماء لتشكيلات أخرى حتى على الشبكة العنكبوتية لا تواجد فعليا لها، في حين لم يسمع بها احد في أوساط الناشطين في الغوطة الشرقية.

ومن ضمن التشكيلات المشاركة في “جيش الإسلام” هناك تشكيلات هي بالأصل منضوية تحت لواء الاسلام باعتبارها كتائب تابعة له، كلواء سيف الاسلام. وهو عبارة عن تشكيل صغير – لا يتجاوز  عدد مقاتليه الـ٢٠٠- المشكل من أبناء إحدى بلدات الغوطة والمتواجد داخل حدودها حصراً. وهنا يمكن التساؤل لماذا يدرج اسمه على الرغم من أنه جزء من لواء الاسلام؟

في الحقيقة الحدث سياسي بامتياز وليس عسكرياً، حيث يسعى القائمون على “جيش الاسلام” إلى توجيه رسالة سياسية، لا بد من فهم مضمونها وتفاصيلها.

في الغوطة الشرقية، تتوزع التشكيلات العسكرية على فئتين أساسيتين، يمكن تصنيفها بـ”فئة الإسلام المتطرف”، وفئة “الإسلام المعتدل”، ذلك أن  أغلب التشكيلات العسكرية ذات طبيعة إسلامية، تندرج بين التطرف والاعتدال.

تمتاز  التشكيلات “المتطرفة” في كونها تمتلك رؤية سياسية وأيديولوجية واضحة، كما تمتاز بتنظيم عسكري عالي الفعالية. وهي لا تخفي توجهاتها السياسية كما الأيديولوجية؛ فالبعض من هذه التشكيلات، كلواء الإسلام على سبيل المثال، يجاهر علناً بدعوته إلى بناء “إمارة” إسلامية، يشكل الشرع الإسلامي مصدر تشريعها الوحيد. وهو البديل المقبول بالنسبة إليهم لدولة البعث القائمة حالياً. بينما البعض الآخر كلواء الحبيب المصطفى، فإنه يعمل على إحلال “دولة الخلافة” مكان الدولة القائمة حالياً، وأيضاً هي دولة تمتاز بمرجعية الشرع الإسلامي الحصرية.

كذلك، فإن أغلب تشكيلات الجيش الحر المتطرفة تتلقى دعمها من الخارج. وفي أغلب الأحيان تقف دول الخليج خلف هذا الدعم، بينما القسم الآخر من الدعم يتأتى من النشاطات المختلفة التي تقوم بها هذه التشكيلات، كالاغتنام مثلاً، والتجارة، والسيطرة على طرق المواصلات…

أما على مستوى العمل الميداني والعسكري، فإن هذه التشكيلات غالباً ما تعمل منفردةً كلواء الإسلام وجبهة النصرة وأحرار الشام، أو في تجمعات مع تشكيلات تشبهها على مستوى التوجه السياسي والأيديولوجي، كتجمع أنصار الإسلام، والذي كان بقيادة المدعو أبو أيمن مفيد. وهو قائد ألوية الحبيب المصطفى، ويضم: لواء أبو موسى الأشعري، ولواء الإمام الحسين، وألوية الحبيب المصطفى، ولواء هارون الرشيد التابع لألوية الحبيب المصطفى، ولواء الفرقان.

وهنا يبرز السؤال  لماذا غابت كل هذه التشكيلات الأساسية ميدانياً والمتشابهة ايديولوجياً عن تركيبة “جيش الاسلام”، حتى يكاد يكون هذا الأخير هو جيش زهران علوش، قائد لواء الاسلام وحليف السعودية غير المشروط.

في الحقيقة، تشير الملاحظة إلى أن أغلب التجمعات العسكرية التي تم الاعلان عنها في ما مضى، كان لها حضور وهمي وليس واقعيا، إذ يبدو الاعلان عن تلك التجمعات وكأنه لأسباب اعلامية أو ربما لأسباب تتعلق بالتمويل أكثر مما يعكس توحد الفصائل المقاتلة تحت راية واحدة.

منذ فترة قريبة تم الاعلان عن توحيد التشكيلات العسكرية من ألوية وكتائب على الجبهة الشرقية لغوطة دمشق في حي جوبر الدمشقي، وتضم: لواء هارون الرشيد،  لواء الفاروق عمر، لواء سيف المصطفى، كتائب أهل الاثر…. وقبلها على الجبهة الجنوبية –جبهة لعتيبة- تم أيضاً الاعلان عن تشكيل مشابه.

 وفي كل الحالات المشابهة، يمكن ملاحظة الحضور الاعلامي لهذه التجمعات، بينما الفاعلية الميدانية والسياسية فستكون هي الغائبة على طول الخط (لا تزال “لعتيبة” تحت قبضة قوات النظام، بينما منذ أشهر لم يسجل المقاتلون أي تقدم يذكر على جبهة جوبر). إذا كان ثمة رسالة سياسية هنا، فلمن هي موجهة وما مضمونها؟

على مستوى البيان الذي أصدره “جيش الاسلام”، سنكون أمام بيان هزيل تماماً من أي مضمون، فمن أول كلمة وحتى آخر حرف فيه، لن نقع على أي إشارة “للشعب” السوري، أو لنظام الأسد، أو لأي شيء يتعلق بالثورة السورية. بيان يخاطب من كتبه من خلاله “أمة” المليار، ولا نعلم إذا كان السوريون من ضمنها.

يشير بعض المحللين إلى أن هذا التشكيل، والبيان “رقم 1” الذي صدر قبل أيام والذي تعلن فيه بعض التشكيلات العسكرية عدم اعترافها بالائتلاف الوطني المعارض ولا بمؤتمر جنيف2، أنه موجه ضد المعارضة وإشارة إلى تهميش قوى الداخل. وهو أمر قد يبدو صحيحاً للوهلة الأولى، بيد أنه يوجد تفاصيل اضافية ينبغي الانتباه إليها.

قبل يومين، تم التداول على “فايسبوك” ببيان  لـ”جبهة النصرة”، يثير مضمونه، في حال  ثبتت صحته، الكثير من الأسئلة. فمن خلال البيان، تبارك الجبهة تشكيل “جيش الاسلام”، وتعلن انها لا تعدو كونها “ضيفاً” في الشام!، وأنها أتت لنصرة المجاهدين في الشام، وسترحل ما إن تنجز مهمتها!، وأنها لم تأتِ لتبني دولة في الشام، فالشام هي لمجاهديها!

وفي ختام البيان تطلب الجبهة الغفران وأن يدعو لها أهل الشام بالخير إلخ، ما يشير إلى أن  نتائج تشكيل “جيش الاسلام” كأنها تجد انعكاسا لها عند جبهة النصرة، لا عند الائتلاف الوطني السوري، الذي استمر في عمله السياسي على خير ما يرام. وهو أمر يبرر مجموعة من الأسئلة بينها ما اذا كانت رسالة “جيش الاسلام” موجهة للمقاتلين “الغرباء”؟ وألا ترتبط هذه المتغيرات السياسية بما جرى ويجري من اشتباكات بين الجيش الحر ودولة الاسلام في العراق والشام “داعش” في الشمال السوري؟

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى