صفحات الناسوليد بركسية

“فكرة”: راديو معارض للطفل السوري/ وليد بركسية

 

 

“نحن خلقنا حتى نعيش مو لنموت أو نتوجع”.. و”نحن أطفال الشام شوفوا شو صار فينا”.. أغنيات حزينة تتكرر كلماتها باستمرار كرسالة بكائية عبر أثير راديو “فكرة” الموجه للأطفال السوريين. وفيما يقدم نفسه كوسيلة إعلام هادفة، تأتي الإذاعة كخطوة متقدمة في مجال الإعلام السوري المتخصص، بعد إطلاق مجموعة صغيرة من المجلات الموجهة للأطفال في أماكن متفرقة من البلاد وخارجها.

في الأول من تموز/يوليو الماضي، وبجهود مجموعة من الإعلاميين السوريين في الداخل والخارج، انطلق البث التجريبي عبر الإنترنت لراديو “فكرة” كأول إذاعة متخصصة تخاطب الأطفال بعد الثورة. أسس الراديو مديره الحالي أحمد العبدل، وأتت فكرته أساساً من الواقع المأساوي للطفل السوري اليوم في ظل الحرب، إضافة لأهمية التخصص الذي بات ضرورة لإشباع حياة السوريين على اختلافهم. ويبث الراديو عبر موقع “تيون إن” العالمي عبر الإنترنت فقط، بمعدل 6 ساعات يعاد تكرارها أربع مرات يومياً لتغطي مساحة الـ24 ساعة. وسينهي الراديو توقيع اتفاقيات لبث برامجه عبر إذاعات زميلة قبل انطلاق البث الرسمي للراديو مطلع العام المقبل، “حيث يبدو من المبكر جداً الحديث عن بث خاص، في ظل الوضع المادي الحالي والعمل القائم على التطوع”، كما يقول العبدل لـ”المدن”.

التخصص في إعلام الأطفال، يأتي على خلفية أن “الطفل هو الضحية السورية الأضعف في مجتمعنا السوري الفتي حيث تكثر الولادات رغم الحرب، ومع ندرة المؤسسات المهتمة بشؤون الأطفال قررنا إطلاق أول راديو سوري يهتم بأولادنا وآمالهم وأحلامهم وعالمهم”، مضيفاً إن الراديو يتيح للنشء الإستمتاع بمضمون هادف وممتع باستخدام تقنيات العصر التى تتواكب مع متطلبات الجيل الجديد، وذلك من خلال برامج إذاعية متنوعة ذات مضمون تعليمي وتثقيفي وتربوي وترفيهي، يقوم بإعدادها وتقديمها إذاعيون سوريون متخصصون، وبعضها يقدمها الأطفال فى أشكال إذاعية مختلفة تتضمن الموسيقى والغناء وباستخدام أدوات العمل الإعلامي المتعارف عليها”.

لكن المستمع للراديو يشعر دائماً بنقص ما في المضمون، كالصورة مثلاً، ربما لأن المشاريع الإعلامية الموجهة للأطفال عموماً تكون بصرية سواء في التلفزيون أو عبر الإعلام المطبوع. هذا النقص لم يتم استدراكه بما يكفي في الراديو حتى الآن، وربما يجب العمل عليه أكثر من خلال استخدام أعمق وأكثف للمؤثرات الصوتية (وربما البصرية كالكليبات مثلا، والمفترض انها متاحة عبر الانترنت)، خصوصاً أن الكثير من أغاني الراديو تذكر بأغنيات قناة “سبيس تون” الشهيرة للأطفال، ما يضع “فكرة” في مجال مقارنة خاسرة مع قناة تلفزيونية ترفيهية ذات قدرات مالية هائلة.

يقع مكتب الراديو في “إحدى مناطق ريف دمشق المحررة” بجهود إعلاميين وناشطين وفنيين من أبناء ريف دمشق وبعض المحافظات الأخرى، وجميعهم معارضون للنظام حصراً. “فهذا مبدأ لا نقاش فيه” على حد تعبير العبدل، ويضم المكتب خمسة متطوعين إضافة “لجهود زملاء في القاهرة وتركيا” بينما تدير الفترات الحرة عبر الأثير “زميلة في الجزائر”.

يقول القيمون على الإذاعة بأنها لا تتبع لأي جهة سياسية أو اقتصادية أو دينية، وأنها مجرد جهد شخصي تطوعي من قبل أفراد يؤمنون بجدوى العمل الإعلامي الموجه للأطفال في هذه المرحلة من تاريخ البلاد المليء بالعنف والحرب. ولا يغلق العبدل الباب أمام الجهات الداعمة للإعلام البديل بل يرحب بها بشرط “عدم فرض توجهات أياً كان نوعها” على فريق الإذاعة، مضيفاً: “نحن نؤمن بالعمل الحر المستقل كبنية أساسية لأي مؤسسة اعلامية، وهذا ما خرجت الثورة من أجله”.

يعاني الراديو صعوبة في تحديد هوية جمهوره والإلتصاق بها في برامجه وفقراته المختلفة. أحياناً يخاطب الأطفال بقصد الترفيه والتعليم والدعم النفسي، وفي أحيان أخرى يقدم ما يشبه الرسائل الموجهة على ألسنة الأطفال أنفسهم، للعالم، كأسلوب لطرح قضايا الأطفال في ظل الصراع الدامي الذي تعيشه البلاد. ويعلق العبدل على هذه النقطة بأن “فكرة” يتوجه للأطفال تحديداً وإلى ذوي الأطفال أيضاً، “نطرح قضايا الأطفال بطريقة إعلامية عبر إذاعيين متخصصين، لكننا نواجه صعوبات في بث محتوى يناسب هذه الفئات كونه نادراً”.

تحمل برامج الإذاعة أحياناً كمّاً كبيراً من التقريرية والمباشرة والجمود، بدلاً من اللجوء إلى الدراما والخيال وخلق شخصيات جديدة خاصة بالراديو نفسه. شخصيات تكون بطلة لحكايات متنوعة توصل أفكار الراديو من دون المباشرة في الطرح والملل في التقديم. أما استخدام الأطفال في التقديم والغناء، فهو أمر دقيق يجب التعامل معه بحذر كيلا ينقلب من ناحية إيجابية تفيد التواصل مع الأطفال بلغتهم وصوتهم (كما هو الآن) نحو استغلال الأطفال بدعائية فجة لتقديم رسائل سياسية أو نوستالجية حول الواقع اليومي للبلاد.

أبرز برامج الراديو: “شو بدك فينا”، “نحنا صغار” و”أحلام الطفولة”، وتهدف إلى تقديم جرعة من الترفيه إضافة إلى المعلومات العامة والدعم النفسي المهم في مثل هذا الوقت في سوريا للتغلب على الآثار النفسية السلبية المتراكمة طوال السنوات الماضية، وهو ما تقوم به أغنيات الإذاعة بكفاءة إلى حد ما.

أرقام المستمعين حتى اللحظة ما زالت قليلة نسبياً ولا ترضي أصحاب المشروع رغم ردود الأفعال الطيبة من الجمهور عموماً. ولعل السبب يكمن في قدرة الفئة المستهدفة بالبث في الوصول إلى الانترنت، أو بسبب النزوح، وغيرها من الأسباب التي قد تصل إلى المنافسة الشديدة مع وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزة في حالة القادرين على ولوج الانترنت أو الحصول على تغذية بالكهرباء لمشاهدة التلفزيون. “يصل عدد المستمعين لبث الانترنت، إلى 15 مستمعاً في اللحظة الواحدة”، وعليه فإن الراديو يقوم بمزيد من الجهود لترسيخ فكرته لدى الجمهور طوال فترة بثه التجريبي، وتبقى الفكرة بحد ذاتها مثيرة للاهتمام مع “الإخلاص” الذي يتحدث عنه فريق العمل بهدف “رسم الضحكة” على وجوه أطفال سوريا.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى