صفحات الناس

فلسطينيّو سورية.. الصراع المسلّح يُهدّد وجودهم/ عدنان علي

 

أعوام الحرب الأربعة في سورية باتت تشكل تهديداً وجودياً للفلسطيين، بما هو أبعد من كل مظاهر القتل وتدمير الممتلكات والتهجير، التي تعرضوا لها شأنهم شأن المواطنين السوريين.

أكثر من 60 % من اللاجئين الفلسطينيين في سورية باتوا خارجها، بحسب آخر أرقام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”. ولم يبق في أكبر التجمعات الفلسطينية، وهو مخيم اليرموك في دمشق، سوى 20 ألف شخص يعانون الحصار والبرد والجوع، من أصل حوالي مليون شخص كانوا يعيشون في المخيم قبل الثورة، نحو 250 ألفاً منهم من الفلسطينيين. بينما كان العدد الإجمالي للفلسطينيين في سورية يزيد على نصف مليون شخص.

بداية الأزمة

خلال الأشهر الأولى للحراك الشعبي في سورية، بقيت التجمعات الفلسطينية بمنأى عنه. لكن مع التحول إلى العمل العسكري اعتباراً من أواخر العام 2011، استقبلت المخيمات الفلسطينية النازحين السوريين الهاربين من مناطق الصراع المسلح في محيط دمشق، ودرعا واللاذقية وحلب وحمص. ورغم ذلك فقد قتل خلال العام الأول من عمر الثورة السورية نحو مائة فلسطيني، واعتقل المئات. لكنّ النسبة الأكبر منهم بقيت داخل بيوتها وتجمعاتها، باستثناء قسم من سكان مخيم درعا الذين تأثروا بالأحداث بشكل مبكر.

ومع اشتداد المعارك العسكرية، اعتباراً من منتصف عام 2012 وصلت إلى المخيمات والتجمعات الفلسطينية. وكان مخيم اليرموك قد خضع لفترة من الوقت لسيطرة فصيل الجبهة الشعبية – القيادة العامة الموالي للنظام السوري، فحصلت مواجهات في ما بينهم وبين الجيش السوري الحر الذي سيطر على مناطق متاخمة للمخيم كالحجر الأسود والتضامن. وهاجم الحر المخيم وطرد عناصر القيادة العامة، وبقي فيه. وهو ما حوّل مخيم اليرموك إلى نقطة صراع مشتعلة.

ونتيجة الاشتباكات المستمرة والقصف المدفعي والجوي، على المخيم وجواره، نزح معظم السكان إلى مناطق مختلفة في ريف دمشق. والكثير منهم نزح خارج سورية. ويقدّر وجود 60 ألف فلسطيني من سورية في لبنان. كما وصلت أعداد أقل إلى الأردن ومصر وتركيا ومناطق أخرى بما فيها قطاع غزة. فيما تمكن بضعة آلاف من الوصول إلى أوروبا، بخاصة عبر البحر، مع ما رافق ذلك من غرق العشرات منهم.

داخل المخيمات

في سورية 15 مخيماً للاجئين الفلسطينيين. تعترف الأمم المتحدة بعشرة منها، ليس من بينها أكبر هذه المخيمات وهو مخيم اليرموك، وهو أقرب الى مدينة يقطنها مليون شخص غالبيتهم من السوريين ونحو الربع فقط من الفلسطينيين. وهو يتبع إدارياً محافظة دمشق.

يخضع المخيم لحصار محكم منذ أكثر من 500 يوم. وتحاصره قوات النظام والميليشيات التابعة لها من الشرق والغرب والشمال. وتحاصر منطقة الحجر الاسود المتصلة معه في الجنوب. وقد قتل أو اعتقل عشرات الأشخاص ممن حاولوا التسلل خارج المخيم. كما يتواصل انقطاع الكهرباء عن المخيم منذ أكثر من 600 يوم على التوالي. بينما جرى قطع مياه الشرب منذ حوالي ثلاثة أشهر.

ومع شح الطعام والمياه ونقص الأدوية وتواصل القصف، توفي نحو 157 شخصاً من الجوع حتى الآن وفق إحصائيات مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية. فيما انتشرت الأوبئة والأمراض المتصلة بسوء التغذية وقلة النظافة. ومع حلول فصل الشتاء، تضاف معاناة جديدة إلى معاناة سكان المخيم وهي تأمين وقود التدفئة غير المتوافر منذ فترة طويلة، ما يضطر الأهالي للعودة إلى وسائل التدفئة القديمة إن وجدت، مثل الحطب وروث الحيوانات.

كذلك يشهد المخيم انقطاعاً في وسائل الإتصال بسبب انقطاع الكهرباء. كما تعطلت وسائل المواصلات في ظل عدم توفر الوقود. ويلجأ الأهالي إلى وسائل بدائية للتعويض عن فقدان هذه الخدمات قدر الإمكان، مثل شحن الهواتف بالاعتماد على بطاريات السيارات، أو تصنيع وقود من مواد بلاستيكية بعد إذابتها بالنار وتكريرها. كما ينسحب الوضع نفسه على منطقة الحجر الأسود المجاورة، التي يقطنها خليط من الفلسطينيين والنازحين من منطقة الجولان السوري المحتل. وقد توفي نحو 50 شخصاً هناك من الجوع، بحسب محمد العبدو وهو أحد سكان المنطقة.

يأكلون الحشائش

يقول العبدو لـ”العربي الجديد” إنّ “السكان في الحجر الأسود، الذين بقي منهم نحو 20 ألفاً من أصل نحو نصف مليون قبل الأزمة، لم تصلهم أي مساعدات غذائية إطلاقاً. ويعيشون على ما يجدونه من حشائش الأرض. وقد قتل كثير منهم برصاص القناصين وهم يبحثون عن تلك الحشائش على الأطراف الجنوبية للمدينة، وبعضهم من النساء والأطفال”.

ويوضح أنّه بمبادرة من المجلس المحلي في الحجر الأسود، الذي حل مكان البلدية التي كانت تتبع للنظام، أقيم مطبخ أهلي يوزع وجبة يومية على بعض المحتاجين، ما يسهم في سد الرمق. لكن هذا المطبخ لا يكفي لإطعام الجميع، ولا تصله أموال بشكل منتظم، بخاصة مع الغلاء الكبير في أسعار المواد الغذائية التي يجري تهريبها للمنطقة بأسعار خيالية. ويتابع أنّ ثمن كيلو الرز وصل إلى 10 آلاف ليرة (50 دولاراً أميركياً).

ولا يختلف حال باقي المخيمات عما هو في اليرموك والحجر الأسود. ففي مخيم الحسينية قرب دمشق والذي كان يقطنه نحو 10 آلاف شخص، يواصل جيش النظام منع الأهالي من العودة إلى منازلهم منذ أكثر من 400 يوم على التوالي، برغم سيطرته على المخيم. وكذلك الأمر في مخيم السبينة (جنوب دمشق). أما مخيم درعا، فقد تهدم 75 % من منازله، ونزح معظم السكان الى القرى المجاورة. ويعاني المخيم من انقطاع المياه عنه منذ حوالي 230 يوماً، مع غياب تام للخدمات الأساسية.

وفي مخيم النيرب في حلب، نزح معظم الأهالي مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي منذ أكثر من عام، برغم سيطرة قوات النظام عليه. وكذلك الأمر في مخيم حندرات المجاور، فقد نزح جميع سكانه وتحول اليوم الى ساحة قتال بين قوات النظام والمعارضة. وصل عدد القتلى في صفوف فلسطينيي سورية منذ 18 مارس/ آذار 2011، إلى حوالي 2540 شخصاً. معظمهم قضى برصاص النظام. فيما قتل 269 شخصاً في السجون تحت التعذيب، إلى جانب تهجير معظمهم من مخيماتهم وتجمعاتهم. وهو ما يهدد الوجود الفلسطيني برمته في سورية.

إسطنبول

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى