رشا عمرانصفحات الثقافة

فليرمني بحجر/ رشا عمران

 

 

في سنوات ما قبل الثورة، لم يكن لدى قسم من الكتاب السوريين في سورية، منابر مفتوحة لكتاباتهم ومقالاتهم غير الصحف الرسمية الثلاث، وتلك الخاصة التي تم السماح بها قبل سنوات قريبة من 2011، ولم تكن المنابر الصحفية العربية، اللبنانية تحديدا، متاحة إلا لمجموعة من الكتاب والمبدعين المصنّفين معارضين للنظام، وكان غالبيتهم يعيشون في سورية، وتنجز أعمالهم الإبداعية وتروّج في سورية، وتقدم لها كل التسهيلات لمشاريعها الثقافية والأدبية والإبداعية من الجميع في داخل سورية وخارجها، بوصفها النخبة المعارضة التي يجب استيعابها،  بينما كان كثر، وكاتبة هذه السطور منهم، متهمين بأنهم مثقفو السلطة، لمجرد أنهم يكتبون في المتاح لهم داخل سورية، أو يعملون موظفين، في مؤسسات الدولة الثقافية، وبالكاد كان لهم أن يحظوا باهتمام رؤساء الأقسام الثقافية في الصحف العربية، فيتكرم أحدهم بنشر مقال شهري له هنا أو هناك، وظلت هذه (التهمة) تلاحق هؤلاء حتى بعد الثورة.

ذات يوم، تولت مجموعة من “الثوريين” القيام بحملة ضدي، لأن رابطة الكتاب السوريين التي تأسست في 2012 انتخبتني نائبة لرئيسها، بذريعة أنني كنت موظفة في اتحاد الكتاب العرب، موظفة عادية ولست عضواً بالاتحاد. يومها، اعتبر مطلقو الحملة انتخابي خيانة للثورة، لأنني كنت موظفة في مؤسسة تابعة للنظام! الاتهامات نفسها، بوجه معاكس، أطلقتها مواقع ثقافية مؤيدة للنظام وضد الثورة، على كل من أعلن موقفاً واضحاً مؤيدا للثورة: مرتزق ويقبض المال ثمناً لمواقفه. وإذا كان كاتبا فالتهمة ثابتة، وإن كان كاتباً وله مقال أسبوعي في أية صحيفة ممولة من دول الخليج، لاسيما قطر والسعودية، فهو شريك في المؤامرة، وخائن لوطنه، ويبيعه بحفنة من “البترودولار”.

بدأت هذه اللهجة الاتهامية تنتشر، حالياً، على لسان أصدقاء كثيرين، يواجهونك بها صراحة، يقول لك أحدهم مثلا: أعرف مواقفك جيداً، ولكن كتابتك مقالاً أسبوعياً في الجريدة الفلانية الممولة من دول النفط نقطة سوداء في تاريخك. تجيبه: هل قرأت في مقالاتي في الجريدة الفلانية الممولة من الدولة النفطية ما يدل على عكس موقفي؟ وما هو المهم؟ أين أكتب أم ماذا أكتب؟ لا يجيبك طبعاً. وفي أحسن الأحوال، يهز برأسه مستهجناً ويختفي، والأدهى حين يكون هو نفسه ممن يكتبون في صحف ممولة من دول نفط أخرى!

قبل شهور، سألني صديق قادم إلى القاهرة من سورية: كيف تعيشين؟ قلت له: أكتب في صحيفة خليجية مقالا أسبوعياً، ثم أكملت مازحة: أنا أقبض بـ”البترودولار”. قال: كل سورية تعرف هذا. لم يكن مازحا، كان يحمل، في جوابه، اتهاما أعرفه جيداً. لدى صديقي هذا دار نشر ويشارك في كل معارض الكتب في الخليج العربي، إنه مثلي، لديه دخل من “البترودولار”، لكنه باتهامي يحاول الظهور بمظهر الوطني المتطهر! قبل أسابيع أيضا، أرسل لي صديق عربي يقيم ويعمل في دولة عربية غير بلده، ويكتب مقالات دائمة في صحيفة ممولة من إيران، رسالة يعاتبني فيها على كتابتي في صحيفة يعتبرها معادية لبلده. قلت له: يا صديقي، أنت تعمل في مؤسسة ثقافية رسمية في الدولة الفلانية وسياسة هذه الدولة تجاه سورية معروفة، كما أنك تكتب في جريدة ممولة من دولةٍ، تساهم بشكل مباشر في قتل السوريين. هل يحق لي، كسورية، محاسبتك على هذا؟ صديق آخر يعمل في إحدى منظمات المجتمع المدني الممولة من منظمة أميركية، يستنكر علي أيضا كتابتي في الصحافة الخليجية.

أيها السادة المتطهرون جميعكم: أعطوني اسم وسيلة إعلامية أو منبر ثقافي أو صحفي مستقل بالكامل، أعطوني اسم منظمة مدنية مستقلة، أعطوني اسم مؤسسة أو دائرة رسمية أو مؤسسة ثقافية في دولة ما قرارها حر ومستقل، أعطوني اسم نظام عربي واحد ممن تؤيدون يملك سيادته على بلاده وقراره، أعطوني شيئاً من كل ما سبق، ثم ارجموني بما شئتم من أحجار تطهركم.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى