صفحات الحوار

فنجان قهوة مع الروائية روزا ياسين حسن

 

بشغفها بالكتابة عن أصوات من لا أصوات لهم، تنقل لنا ضيفتنا في فنجان قهوة إحساسها بأهمية عملها وتتحدث عن منفاها الجديد

* امتاز عملك الروائي بالاهتمام بالتدوين والتوثيق، حتى وُصفت أنك تحسنين الإنصات الى أصوات الآخرين، مع اقتراب صدور روايتك الجديدة “الذين مسّهم السحر”، أصوات من تنقل لنا روزا هنا، وهناك؟

لطالما شُغفت بكتابة أصوات من لا أصوات لهم، وبتدوين حكايات أولئك المهمّشين المغيّبين، والذين لا يحتلّون مساحة في الإعلام السياسي العام. باختصار لطالما شُغفت بالكتابة عن كائنات العتمة، وهذا ما عملت عليه في معظم رواياتي. في هذه الرواية الأخيرة أكملت الطريق ذاته، لكن بتغييرات فرضتها خصوصية النص والتقنيات السردية المستخدمة. كانت محاولة لتدوين حكايات المنسيين في بلدي كي لا يبتلعها النسيان. المنسيون هم أسّ الرواية التي لا أبطال فيها.

* طاولت رواياتك آليات الحذف أو المنع كما في رواية “ابنوس” و”حراس الهوا”، كيف تقودين نصك القادم للتملص من عيون الرقابة؟

المهم أن لا يكون هناك رقابة في عقل المبدع، وحينها لا تهمّ كل الرقابات الأخرى. والحقيقة أني كغيري من الكاتبات والكتاب العرب لطالما اصطدمت بكثير من الرقابات، سواء أكانت رقابات سياسية أم اجتماعية دينية أو حتى ثقافية. والرقابة موجودة في كل مكان، تتغيّر أشكالها فحسب، طالما هناك سلطة، هناك تابوهات ورقابات. ولكني لم أحاول أن أتحايل على النص كي أنجو من الرقابة، لا في بلدي تحايلت ولا في المهجر، فالنص الجيد باعتقادي يخترق الرقابات الخارجية مهما طال الزمن، لكن الرقابة الداخلية في داخل المبدع، وأقصد تمظهراتها كافة، كفيلة بسحق النص الإبداعي وتخريب سماته الأساسية: الشك والسؤال والحرية.

* أنت مقيمة منذ سنتين في ألمانيا، كيف أثرت هذه الإقامة على تجربتك الروائية، وخصوصاً أنك أصبحت تتحدثين اللغة الألمانية؟

لم أُتقن اللغة الألمانية بعد، اللغة الجديدة تحتاج إلى وقت وجهد وتفرغ لا أملكه. أما المهجر فهو يؤثر بالتأكيد على تجاربنا الروائية، يغيرها كما يغيرنا، لكن مازال الوقت مبكراً كي ألتقط حقيقة هذا التغيير وتفاصيله، أو أن أفهم كنه ذلك التبدّل، فأنا لم أتجاوز السنوات الثلاث في غربتي. لكن أعتقد أن الكتابة من الخارج تشبه نوعاً ما النظر من خارج الدائرة، تلتقطين المشهد بشكل أوسع لكن تنقص التفاصيل. البعد وسّع من زاوية المشهد، وجعلني أرى ما لم أكن أراه حين كنت وسطه! جعلني أتعرّف على ثقافات أخرى من داخلها، وهذا يثري الكتابة بالتأكيد. لكن جعلني أقتنع كذلك أننّا كنا مأسورين بأفكار مكرّسة ورثناها بجمودها دون تفكيك، وقد أثّرت سلباً على تطورنا وحضورنا وعلى المشهد العام.

* في خضم المأساة السورية التي استمرت سنوات، أين يقف المثقف والمبدع، وكيف يرسم الحد بين الاندفاع العاطفي والمحافظة على مستوى الإبداع ذاته؟

يشغلني هذا السؤال دوماً، ولا أعتقد أن من السهولة وضع حدّ واضح، خصوصاً في زمن الجنون هذا. ما حصل ويحصل في سورية هزّة كبرى، تشبه الهزّات الكبرى التي حصلت في العالم عبر التاريخ من ثورات وحروب وكوارث. لن تعود سورية كما كانت، ولن يعود السوريون كما كانوا. سيتبدل كل شيء، والكتابة هي أحد تجليات هذا التبدّل العميق. حين ننظر إلى التاريخ سنرى أن معظم “الانقلابات الإبداعية” جاءت بعد الهزات الكبيرة. وما عاشه السويون في الفترة السابقة كان مكثفاً بشدة في زمن قصير، والكتّاب أسرى انفعالاتهم ما زالوا. صحيح أن الانفعال آنٍ والثقافة والإبداع تراكميان، لكن ما يُكتب وكتب سيكون في اعتقادي شهادة ضرورية، حتى لو ابتعد عن كنه الأدب، وسيكون أساساً جيداً للأدب الذي سيأتي لاحقاً، والذي سيكون مختلفاً تماماً. هي فترة للتفريغ والتعبير والتأسيس والتوثيق، ولا بد أن يخرج منها تجارب جيدة.

العربي الجديد

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى