صفحات الثقافةصفحات سوريةوهيب أيوب

فنّانون ومثقفون سوريّون -عضاريط-

 


وهيب أيوب

“وأنّ ذا الأسود المشقوق مشفرهُ ** تُطيعه ذي العضاريطِ الرعّاديدُ”

المتنبي

درجت أنظمة الاستبداد منذ زمنٍ بعيد على تجنيد شريحة هامّة في المجتمع لتكون في صفّها وإلى جانبها، خاصّة في الأزمات التي تتعرّض لها، وحين تقف وجهاً لوجه أمام شعبها الذي قرّر إسقاطها بعد أن طفح فيه الكيل من ظلمها واستبدادها وفسادها المستشري في المجتمع على كلّ صعيد. وتدرك أنظمة الاستبداد مدى تأثير هؤلاء على جمهور العامّة من الناس، كونهم يتمتعون بشعبيّة كاسحة بينهم، فيأتون بهم في تلك الأوقات الحرِجة ليروّجوا لهم ويعدّدوا مناقبهم الحميدة وإنجازاتهم العظيمة، وليقوموا بإقناع الناس بمزايا النظام والرئيس. وهو دورٌ مدفوع الأجر بطريقة أو أُخرى، بالترغيب تارة، وبالترهيب للمتردّدين أو الرافضين. وقد يكون الأجر أحياناً تافهاً لا يستحق، كإظهارهم على شاشات التلفزيون وإجراء المقابلات معهم، وهذا يُشبع رغبات بعض الجائعين للظهور والشهرة. وهؤلاء غالباً يقدمون تصريحات وشهادات تتناقض تماماً مع ما يقدّمونه من دراما على الشاشات، لكن ما يهمّ النظام في الأمر أن يأتوا بأشخاصهم لتقديم الطاعة والولاء للنظام الحاكم. وبهذا يظهر أنّ كل ما يُقدّم من دراما وكوميديا ساخرة من السلطة، يُقصد فيها أنظمة بعيدة عن البلد وليس نظام البلد الذي يعيشون فيه، أو أن التسلّط والفساد آت من مجموعة تحيط بالرئيس دون علمٍ منه، وأنّه يحاول جاهِداً إصلاحهم. وهنا تكمن اللعبة الإعلاميّة الخطيرة لدورهم النفاقي، الذي يروّج ويدعم بقاء النظام برأسه، وهو أصل الاستبداد والفساد، وهو الذي يرأس تلك العصابة ويغذّيها حتى تبقى على الولاء له. فكلّهم واحد لا يتجزّأ.

ومسألة أهل الثقافة والفن كجوقة احتياطيّة لأنظمة الاستبداد معروفة تاريخيّاً، ونذكر كيف كان صلاح نصر مدير المخابرات المصرية أثناء حكم عبد الناصر، كيف كان يجنّد الفنانات والرقاصات للعمل لصالح مخابراته، من خلال إسقاطهم أو إغرائهم بالشهرة والمال، وهذا كان حاصلا في سوريا أيضاً وما زال. ورأينا كيف أنّ معظم الفنانين المصريين هبّوا للدفاع عن مبارك ونظامه، وقد هالني الكاتب الناقد جابر عصفور كيف ينتهز الموقف فيقبل بتعيينه كوزير للثقافة في لعبة تبديل الحكومة أثناء الثورة على النظام، لكنه شعر بالخذلان باستمرار الثورة، فاستقال من الوزارة بحجة أسباب صحيّة، لكنه يعلم أنّه دخلها لأسباب وصولية وانتهازيّة، وما كانت تدهور صحّته سوى تدهور النظام ورئيسه مبارك، فأُسقِط في يده.

من هنا، نرى أنّه حينما يضيق الخناق على النظام بعد أن شقّ الشارع عصا الطاعة عليه وطفح كيله، يقوم بالاستنجاد بأولئك “العضاريط” الجاهزين للخدمة، الذين اعتادوا على الأكل من طبق السلطان والضرب بسيفه.

أوليس من الغريب أن يقوم النظام في سوريا بإرسال مجموعة فنّانين للتوسّط مع المعتصمين والمحتجّين في اللاذقية، بدل الوسطاء السياسيين من أهل النظام والحكم…؟ هذا يؤشّر على أمرٍ واحد، أن السلطة فهمت عدم ثقة الناس فيها، فآثرت بإرسال بعض عضاريطها أمثال باسم ياخور ونضال سيجري وغيرهم من أبطال “ضيعة ضايعة” وهم يقدمون الآن خدماتهم للمستبدين غير مبالين بأن البلد ضائع بأكمله على يدِ من يخدمون…!

وتسمع وتشاهد في كل يوم على التلفزيون السوري عضروطاً أو اثنين من أولئك الذين تمّ شراؤهم ليدلوا بدلوهم وليقفوا مع الاستبداد ضد حريّة أبناء وطنهم، فأي لوثة هم فيها هؤلاء العضاريط…؟

ولا بدّ هنا من تقديم التحية الوطنية الخالصة لبعض المثقفين والفنانين السوريين، الذين آثروا الوقوف مع الحق إلى جانب شعبهم والشهداء الذين سقطوا بأيدي عصابات النظام. فالحاضر والتاريخ لن ينسى هؤلاء الأنقياء، ولن يغفر لأولئك العضاريط.

قلتُ دائماً، إنّ أكثر ما تعانيه مجتمعاتنا هو خذلاناها من هؤلاء “النخبة” المنتفعين الجبناء، والذي استطاع النظام الاستمرار عبرهم وبواسطتهم، لما يملكونه من إمكانيات وقدرات على التنظير والخداع. فهؤلاء شريحة مهمّة للغاية في أي مجتمعٍ في العالم، وهم القادرون بوعيهم وإخلاصهم لشعبهم أن يقصّروا في عمر الديكتاتوريين المستبدين، وأن لعبهم للدور المعاكس يأتي بنتائج عكسية، ولو إلى حين.

النظام في سوريا لا يكتفي بعضاريطه المحليين، فيستقدم بعضهم من سفلة السياسيين والمثقفين اللبنانيين، أمثال الأخوين ناصر وغالب قنديل، وأمثالهم من تلك الحثالات، ليساهموا في جوقة العضاريط، فلا يثير فيكَ إلاّ التقيؤ والاشمئزاز من هكذا خسّة ونذالة وبيع للضمائر على شاشة الكذِب والنفاق.

إن خيانة المثقف لدوره الحقيقي في مجتمعه وبلده والعالم، يشكّل طعنة غادرة، وجحوداً ونكراناً وتآمراً على الشعب وحريّته، وهي أساساً طعنة في ذواتهم وضمائرهم وكينونتهم، وتخليّهم حتى عن الحريّة لأنفسهم، التي ارتضوا ببيعها للنظام والحاكم بسعرٍ بخس.

“فما نامت أعين الجبناء”…..

*-أغفروا لي حزني وخمري وغضبي ..

سيقول البعضُ بذيئاً …. لا بأس …

أروني موقفاً أكثر بذاءةً مِما نحن فيه..؟!

•مظفّر النوّاب

•الجولان المحتل / مجدل شمس

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى