صفحات الثقافة

فنّ في غمار الثورة السورية

أيقظت الثورات العربية حسّاً إبداعياً وتعبيراً فنّياً يواكب قضايا التحرّر ومواجهة القمع والاستبداد. وقد اتّخذ هذا التعبير من فضاء الانترنت موقع حضورٍ له، فانتشرت الأعمال الفنية، من الموسيقى والأغاني الى الأفلام والفيديو كليب، فالكارياتور والرسم والفن التشكيلي عامة. على أن ما بدأ في تونس مع الكاريكاتور والغرافيتي خاصة، ثم استمرّ في مصر وتصاعد موسيقياً وتصويرياً، اتّخذ في سوريا أبعاداً غير مسبوقة في جمالياتها وسعة خيالها وجوانب السخرية فيها – نادية عيساوي وزياد ماجد. 


شكّل طول أمد الثورة السورية، معطوفاً على المعاناة فيها والشجاعة والمثابرة والتزام عدد كبير من الفنّانين بدعمها فرصة لتطوير أعمال بديعة اتّخذت من مواقع إلكترونية وصفحات فايسبوك ويوتيوب مجالات لها.
وفي هذا ربما ما يُشير الى مقدار من التسامي أو التعالي على الجراح والحزن والمعاناة.
النص التالي الذي نُشر بالفرنسية على موقع ميديا بارت (يوم الاثنين في 19 ديسمبر) لا يدّعي الإحاطة بكل ما ظهر وبرز فنياً منذ انطلاق الثورة السورية، لكنه محاولة لإظهار كمّ رائع من الأعمال وتوجيه التحيّة الى أصحابها. ويعتذر الكاتبان إن سها عنهما أي عمل، وهما على ثقة أن الموضوع يستحق دراسة معمّقة ومزيداً من المتابعة الدقيقة. كما يشيران الى أن سينمائيَّين سوريَّين، أسامة محمد وهالة العبد الله، كتبا أو تناولا موضوع الكاميرا والتصوير في هذه الثورة المستمرة، وتطرّقا الى دور اليوتيوب في بث الصُور وجعل الأفلام “مُلكاً” لأصحابها و”كتّابها – شخصيّاتها”.
أفلام
ظهرت عدّة أفلام قصيرة في الأشهر الماضية، وسيظهر عدد إضافي من الأفلام والأعمال التوثيقية في المستقبل القريب.
هنا بعض النماذج لما جرى وضعه “أون-لاين” في الفترة المنصرمة.
– أفلام أبو نضارة: قدّم فريق شركة الانتاج السورية هذه أكثر من أربعين عملاً حتى الآن على صلة بالثورة السورية أو الواقع اليومي في سوريا. وقد أتت الأفلام هذه على الدوام كرسائل قصيرة، عميقة التعبير تتّخذ غالباً من أناس “عاديين” أبطالاً يروون تجاربهم الإنسانية ويومياتهم (يمكن زيارة صفحتهم هنا ومشاهدة الأفلام). الفيلم الذي اخترناه هو “النهاية”، حيث تُسدل الستارة على المشهد الأخير، مشهد حافظ الأسد في لوحة جدارية “كورية” الطابع، قبل أن نرى “الجينيريك” الختامي مع أسماء أبطال العرض: طليعة شهداء الثورة السورية الذين سقطوا بُعيد انطلاقها في درعا في مارس الفائت – 3 دقائق.
– أفلام المهرجان الأول للسينما السورية المستقلة: ويضمّ عدداً من الأعمال القصيرة من وحي الثورة التي يمكن للمشاهدين متابعتها والتصويت على ما يفضّلونه من بينها يومياً من خلال صفحة فايسبوك (النقر هنا). الفكرة جميلة ومفهومها تشاركي وهي تحوّل المُشاهد الى حكم.
– فيلم وعر (على اسم حيّ في حمص): وهو وثائقي صوّره وأنتجه “مجهولون” في مدينة حمص، عاصمة الثورة السورية.
يشهد الفيلم على ضراوة القمع في المدينة مقابل التظاهر اليومي والتعبئة الشعبية للثورة، كما يُقدّم بالصورة والصوت عبد الباسط الساروت (الذي أصيب إصابة طفيفة مؤخّراً) أحد “القادة الميدانيين” للتظاهرات، وهو حارس مرمى منتخب سوريا للشباب وفريق الكرامة ومغنّ بصوت شجي مؤثر.


– فيلم أزادي: وثائقي فاز بجائزة الدب الفضي في مهرجان روتردام، ويُصوّر مظاهرات في مناطق كردية في سوريا، كما في العاصمة دمشق، ويتابع المشاركة الكردية في الثورة.
رسم ونحت
إضافة الى أعمال علي فرزات (يمكن النقر هنا لزيارة موقعه) الذي فاز مؤخراً بجائزة ساخاروف للبرلمان الأوروبي، والذي تعرّض لاعتداء وحشي من مخابرات النظام، وأعمال غيره من الرسّامين الكاريكاتوريين السوريين، هناك صفحات عدّة تحوي أعمالاً إبداعية يقدّمها فنّانون يومياً من باب مواكبتهم ودعمهم للثورة.
وقد أُنشئت صفحة فايسبوك لتضمّ أعمالهم، وهي صفحة “الفن والحرية”.
هنا أحد الأعمال، ليوسف عبدلكي: الفراشة والسكين
صفحة فايسبوكية أخرى، صفحة “فن الثورة السورية”، تحوي العديد من الأعمال الفنية التصويرية أو تلك المرتبطة بالشعارات السياسية وبروح السخرية أو برسائل مصوّرة لدعم الثورة.
هنا أحد الأعمال “التصويرية المتحرّكة” التي عُرضت على الصفحة لتحويل كل أيام رمضان الى أيام جمعة تظاهراً واعتصاماً…
“رسوم متحرّكة”
كُتبت قصة الثورة السورية وانطلاقتها في عدة أفلام رسوم.
– ويمكن في هذا الباب ذكر فيلم الثورة كما يرويها “أبو عبدو الحكواتي”، في استعادة للرواة الشعبيين في المقاهي. والفيلم هو من 4 دقائق و39 ثانية وفيه رسوم تحّرك يدوياً وتعتمد مبدأ الظلال الصينية.
– يمكن كذلك ذكر فيلم الدعوة الى الإضراب ضد النظام، وفيه ما يشبه الدليل أو عرض الأهداف والآثار المحتملة (دقيقة و20 ثانية).


أما قصة الربيع، من أعمال “الكرسي المقلوبة”، ففكرتها مبتكرة وتقوم على مجسّمات مرسومة تعتدي رِجل آدمية –
عليها مع موسيقى تصاعديّة مذهلة




الملصقات
اختصّت صفحة فايسبوك هي صفحة “الشعب السوري عارف طريقه” بتصميم ونشر ملصقات سياسية فنية مواكبة للثورة منذ انطلاقها. واختارت على الدوام قضايا مرتبطة بالأحداث أو دافعة للفعل الثوري وللشعارات المرافقة له.  بعض ملصقاتها الجميلة تشبه ملصقات الثورة الفلسطينية في بداياتها
هنا واحد من الملصقات المنشورة حديثاً.
الأعمال الموسيقية – الغنائية
عدة أغانٍ سورية انتشرت خلال الأشهر الماضية.
أولاها ألّفها وغنّاها سميح شقير، وهو موسيقي ومغنّي يساري معروف سورياً وعربياً وله الكثير من الأعمال المرتبطة بالقضية الفلسطينية وبقضايا الحرية والعدالة. “يا حيف” عنوان الأغنية التي ظهرت في عزّ “أحداث درعا” متّخذة موقفاً ضد النظام والقتل. ومن يومها، صارت العبارة، “يا حيف”، دائمة التردد على ألسنة المواطنين تعليقاً على سلوك النظام أو على تهرّب المتردّدين من أخذ موقف من الجرائم اليومية.
الدبّ السوري، فرقة قدّمت عدّة أعمال تجمع السخرية واللعب على الكلمات والارتجال. عملُها “يُملّ” هو من أكثر الأعمال تجسيداً لهذه القدرة على استخدام السخرية وسيلة لكسر حواجز الخوف وللثورة على الاستبداد واسترجاع البلاد من أنياب الأسد، على ما تقول الكلمات



فرقة “القاظان السوري” هي نموذج آخر، وبمذاق موسيقي مختلف، من الغناء الساخر من الرئيس وحزبه “المكلّس” كالمياه الكلسية “التي كادت تفجّر القاظانات”. والكليب المصوّر المرافق يُظهر المفارقة بين حركة الناس ومظاهراتهم، وتصفيق “مجلس الشعب” الرتيب وسلامات الرئيس له على نحو كاريكاتوري


أما فرقة “جين”، فقد أصدرت فيديو كليب عنوانه “يا ولدي” اعادت فيه تلحين قصيدة الشاعر التونسي آدم فتحي التي غنّاها الشيخ إمام، وأهدتها إليه. فكرة الكليب كما تنفيذها جميلان فعلاً، حيث الولد يصارع الوحوش ويهدم الأسوار، وقلبه كما شرايينه تنبض حياة وشجاعة.
الراب له نصيبه أيضاً، من خلال سوريين مقيمين في فرنسا ويؤدّون بالعربية والفرنسية غناءهم للثورة. “إعلان هام” هو باكورة أعمالهم المواكبة للثورة. وقد انتشر بواسطة اليوتيوب والفايسبوك.
أغان كثيرة يمكن سماعها أيضاً، بينها عمل فرقة “أبطال موسكو الأقوياء” المسمّى “كرمال الأمة الأسدية”، ويمكن النقر هنا لسماع أغنيتهم وهي مكتوبة بلسان حال “شبّيحة” النظام.
كما يمكن سماع أعمال وصفي المعصراني الذي استعاد أغاني من الفولكلور وألّف أخرى من باب التحية للثورة وأبطالها وشهدائها وهي جميعها موجودة على صفحته (عبر هذا الرابط) على الفايسبوك.
أخيراً وليس آخراً، تجدر الإشارة الى العمل الرائع الذي تقوم به “خرابيش”، وهي شركة إنتاج فنية مركزها عمّان في الأردن (يمكن زيارة موقعها عبر النقر هنا). فقد وزّعت على الانترنت مؤخّراً فيلماً-تحيةً الى ابراهيم القاشوش وصوته الذي ظلّ بعد اغتياله  يُقلق راحة الطغاة، خاصة بعد حملات الثوار السوريين الذين وضعوا مسجّلات تبثّ أغانيه في بعض زوايا الشوارع في دمشق وحتى في بعض الإدارات الحكومية.
ويُذكر أن كليب “خرابيش” الأول “ربيع الشعوب العربية” كان مميّزاً في تأكيده على مواجهة الثورة المضادة والانتصار عليها.
على سبيل الخلاصة
يعبّر تفجّر الإبداع في سوريا التي أدماها القتل والقمع عن رفض الكثير من الفنّانين للعنف والنسيان وإصرارهم على المشاركة في الثورة انتصاراً لأبناء وبنات شعبهم. وفي ما يتخطّى الجماليات الفنّية، تحوّل عملهم الى فعل مقاومة يومي للطغيان. ولعلّ ما تعرّض له القاشوش وفرزات والعديد من السينمائيين الموقوفين، وما يتهدّد الساروت، يؤكّد قوّة تأثير عملهم، وحقد الطغاة عليهم لخوفهم الدائم، كما قال محمود درويش ذات يوم، من الأغنيات، ومن الفنّ والنُبل صُنوي الحرّية.

http://ziadmajed.blogspot.com/2011/12/blog-post_21.html

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى