صفحات الناس

فوضى الأسماء والأرقام/ ابراهيم حاج عبدي

 

 

لم تستطع التكنولوجيا الهائلة وسهولة التواصل مع مصادر الخبر من ضبط المحتوى الإعلامي، فالخبر ذاته يختلف من فضائية إلى أخرى من حيث الأرقام وأسماء الأماكن و «الأبطال». والمقصود هنا بالاختلاف، هو التفاصيل الصغيرة المتعلّقة بكيفية لفظ أو كتابة اسم مكان أو شخصية أو أرقام الضحايا.

وإذا كان هناك اختلاف متعمّد يستند إلى سياسة هذه الفضائية أو تلك، إذ يرتفع عدد الضحايا أو يهبط بما يتناسب مع توجّه سياسي معين، وتتزاحم المصطلحات والنعوت من «شهيد» هنا الى «قتيل» هناك، ومن «مسلّح إرهابي» هنا إلى «ثائر ومجاهد» هنالك، فإن ثمة اختلافاً آخر لا علاقة له بالأجندات السياسية، وإنما هو نوع من الاستسهال الذي يغرق فضاء البثّ في فوضى عارمة.

حادثة الطفل السوري الذي وُجد غريقاً على شواطئ تركيا، على سبيل المثل، تناولته فضائيات العالم قاطبة، ومنها العربية التي شاءت أن تلفظ الاسم حيناً «عيلان»، وحينا آخر «آيلان»، وفي مرة ثالثة، وهي الصحيحة، «آلان». الأمر ذاته تكرر مع عالم الآثار السوري خالد الأسعد، إذ حوّر بعض الفضائيات كنية القتيل إلى «الأسد»، في خطأ سببته ترجمة الاسم، في ما يبدو، من مصدر أجنبي.

وفي أسماء البلدات والمواقع والقرى، غير المعروفة على نطاق واسع، تتكرر هذه الأخطاء إذ يتحوّل حي «الشعار» مثلاً الى «الشاعر»، ويلفظ اسم المطار نفسه مرة «أبو الظـــهور» وفي مرة ثانية «أبو الضهور»، وكذلك تتنـــوع طـــريقة لفـــظ مطار «حميــميم» في اللاذقية الــسورية، بأكثر من إيقاع، بينما ثمة من يرتأي إضافة التاء المربوطة الى اسم حقل نفطي، فيقال مرة «السدرة» وفي شاشة أخرى يلفظ «السدر».

على هذا النحو، تتداخل الكلمات والمفردات، وتختلط الحروف، وعلى المشاهد المهتم، عندئذ، أن يعود إلى القاموس كي يعثر على اللفظ الصحيح. لكنّ الأمر لا يتوقف هنا فحسب، ففي الحديث عن ضحايا انفجار معين سنجد أرقاماً مختلفة، وتكاد كل فضائية أن تعلن عن رقمها الخاص، فيضيع الرقم الحقيقي للضحايا وسط هذا البحث السريع والمحموم عن المعلومة التي تأتي من مصادر مختلفة لا تنتظر التأكد مما وصل إليها بقدر ما تسعى إلى تحقيق سبق صحافي.

لا أحد، بالطبع، يستطيع أن يضبط هذه الفوضى المتفاقمة، غير أن الاستعانة بمستشارين والاعتماد على مصادر موثوقة قد يخففان من وطأة هذه «الرطانة اللغوية» التي تربك المشهد المضطرب أصلاً، فحين تقول فضائية أن عدد القتلى عشرون ثم يرتفع إلى ثلاثين أو يهبط إلى عشرة في فضائية أخرى، فإن ذلك يمثل «استهانة» يمكن تجاوزها بقليل من التدقيق. وإلى أن تخلو الفضائيات من هذه الأخبار المأسوية، وهي أمنية بعيدة المنال، فإن عليها أن تتوخى الحذر في نقل الحقائق التي مثّل تغييبها عاملاً في تفجير المنطقة على هذا النحو الدامي.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى