صفحات الناس

فيزا.. يا أهل الخير.. فيزا…/ غسان صابور

    مع تفاقم الأحداث في سوريا. وانتشار القتل والموت وضياع الأمان كليا في العديد من المدن والقرى السورية. واضطرار المواطنين السوريين إلى الهجرة. تتصاعد الحاجة لطلبات الفيزا إلى العديد من الدول الأوروبية التي ما زالت تمنحها بالقطارة من قنصلياتها في العاصمة اللبنانية بيروت, نظرا لإغلاق غالب هذه السفارات من العام الماضي وأكثر في العاصمة السورية دمشق… وتفاقمت الحاجة إلى هذه الفيزا أكثر من 300% عن السنين الماضية. وغالبها يقابل بالرفض. حتى بعد دفع الرسوم العالية جدا… ولهذا السبب كثرت الوساطات والسمسرات في هذه الفترة القلقة, التي تظهر فيها عصابات ومافيات السمسرات, والتي تصل أحيانا إلى مبالغ باهظة خيالية, للحصول على فيزا أوروبية, لمدة شهر أو ثلاثة أشهر…والبلاد المطلوبة هي فرنسا, بلجيكا, إيطاليا, المانيا وإسبانيا.. بالإضافة إلى السويد والدانمارك هذين البلدين اللذين يسهلان طلبات اللجوء الإنساني أو السياسي أكثر من بقية الدول الأوروبية…

    ظهرت أيضا قوافل النقل البحري التهريبي من تركيا أو من جزيرة قبرص أو مالطة… مافيات غالبها تركية, ترمي الهاربين على الشواطئ الإيطالية وخاصة قرب شــاطئ مدينةLampedusa التي يرتمي على شواطئها أكثر من ألف هارب يوميا من المدن الأسيوية والإفريقية : سوريون, ليبيون, أفغان هاربون من مــآسـي الثورات والقتال. والعديد من هؤلاء الهاربين بلا أوراق ولا فيزا, يموتون غرقا عبر رحلات المغامرة والموت هذه… تنتشلهم مؤسسات أممية وغيرها, ضاقت وانتفخت من أعدادهم المأساوية, تحجزهم أشهرا وأشهرا, قبل إيجاد حلول إنسانية صعبة لهم.. نظرا للضائقة المالية التي تجتازها أوروبا, وما تكلفه هذه الهجرات, رغم المليارات التي يصرفها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة, نظرا لعدم وجود حلول اجتماعية وسياسية لهؤلاء اللاجئين… ترى غالبهم باق في معسكرات تجمع, بانتظار حلول إنسانية.. لا تأتي فورا. أصبحت مشكلة إنسانية تتفاقم وتكبر… تنتفخ منها مافيات عالمية, تحمل غالبا تسميات إنسانية…….

    نقلت وسائل الإعلام الأوروبية, من يومين, والتي تتابع جحافل هذه الهجرات الغير شرعية, أن باخرة تهريب لاجئين فقدت أكثر من نصف ركابها على بعد عدة أميال من شواطئ Lampedusa الإيطالية… وبينهم عدد كبير من السوريين… ووسائل الإعلام تنقل باستمرار صور هذه المــآســي الإنسانية…وأنا لم أسمع أبدا عن وجود سوريين بقوافل اللاجئين البحريين, خلال خمسين سنة من وجودي في أوروبا, إلا بهاتين السنتين الأخيرتين, حيث فاقت أعدادهم كل مجالات التصور… حتى في لوائح المفقودين في البحر…

    إذ أن ســوريـا بعد كانت بلدا واسعا معطاء كريما, يستقبل اللاجئين من جميع البلاد المجاورة… أصبح سكانه لاجئين هاربين فقراء, طالبي لجوء وأمان وغذاء في كافة أقطار المعمورة… بعدما كنا معززين مكرمين محترمين, اينما سافرنا طلبا للعلم والاختصاص أو العمل وطلب الرزق والأوكسيجين النقي أحيانا.. صار ينظر إلينا كأننا كلنا إرهابيون مخربون… في جميع السفارات الغربية.. وحتى في سفارات أولاد عمنا العربان النفطيين المنتفخين. يعامل السوري كآخــر البشر. بتأفف وامتعاض. كأننا مصنفين من حثالات البشر.

    لهذا السبب كلما شاهدت وسمعت تراكم المــآســي على مهاجري بلدي في وسائل الإعلام, كيف يستقبلون في المطارات والمرافئ ومعسكرات الـحـجـر, وعلى أبواب السفارات الأوروبية والأمريكية والكندية والأسترالية.. والــعــربــيــة.. أتذكر قول الفيلسوف والمواطن السوري الكبير أنطون ســعــادة في ثلاثينات القرن الماضي عندما قـال :

    إذا لم تكونوا أحرارا من أمة حرة.. فحريات الأمـم عــار عليكم!!!……

    ***********

    هل تبقى لنا وطن حــر في المشرق؟؟؟.. هل تبقى وطن حــر في العالم العربي؟؟؟… هل تبقى لنا وطــن نــحــن إليه.. نلجأ إليه ويـحـمـيـنـا من الموت والخوف والضياع وفقدان الكرامة؟؟؟!!!…

    هذا السؤال لم أطرحه على نفسي بأي يوم من الأيام, حتى عندما غادرت بلد مولدي, بحثا عن آفـاق و آمـال وحريات جديدة.. وأوكسيجين نقي جديد… كنت أحمل وطني وذكرياتي الحلوة والمرة, أينما رحلت… ثم حرقت كل بواخر العودة. وتابعت طريقي, دوما إلى الأمام, حتى على دروب الصعوبات والعتمة. كنت أحمل دوما صور اللاذقية ودمشق في مخيلتي حين أتعب من بعض الصعوبات والاعتراضات….

    أما اليوم, ورغم بعدي عن كل هذا, أرى ما يصيب أبناء بلدي المهاجرين والمهجرين هربا وقسرا.. هربا من الموت وجهنم الحروب وقنص الأخ لأخيه, ومــأسي المعيشة اليومية, في سوريا المتفجرة الملغومة المنهوبة, المجتاحة من جحافل ذئاب جائعة, أتت من أصقاع جائعة غارقة بهلوسات لم تعرفها سوريا وشعبها, بأصعب تواريخها القديمة…

    وآلاف البشر من الأبرياء من هذا البلد المنكوب.. تائهون.. تائهون على أبواب الدول الغريبة… يبحثون… يــشــحــدون فــيــزا.. يا اهل الخير فيزا!!!……….

    بــــالانــــتظــــار…….

    للقارئات والقراء الأحبة كل مودتي وصداقتي واحترامي.. وأصدق تحية مهذبة.. حــزيــنــة.

    غـسـان صــابــور ــ لـيـون فــرنــســا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى