صفحات سوريةمحمد منصور

فيما انهمك المحللون الاعلاميون باجابة اسئلة المذيعين: اين اختفت الحكومة السورية من على الشاشات؟

 


محمد منصور

منذ ظهر الرئيس السوري بشار الأسد أثناء ترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء في السابع عشر من نيسان (إبريل) الماضي بعد تشكيل الحكومة الجديدة.

لم يظهر أي وزير أو رجل دولة أو مسؤول ليتوجه إلى الشعب السوري في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد، باستثناء المؤتمر الصحافي اليتيم لوزير الخارجية وليد المعلم في الثامن عشر من شهر إبريل المنصرم، الذي كان بطبيعة الحال موجهاً لسفراء الدول العربية والأجنبية لتوضيح رغبة السلطات السورية في القضاء بالقوة على هذه الاحتجاجات التي لا تريد لأحد أن يتعامل معها إلا بوصفها: حركات سلفية مسلحة ومتمردة!

بالأمس أعلنت الأمم المتحدة أن لجنة تقصي الحقائق التي وافق مجلس حقوق الإنسان على إرسالها للتحقيق فيما يجري في سورية من انتهاكات لم تتمكن من دخول درعا… وقد سألت قناة ‘الجزيرة’ المحلل السياسي طالب إبراهيم صاحب الأكذوبة الشهيرة حول المتظاهرين الذين يطالبون بالإفراج عن معتقلين في تهم الاتجار بالمخدرات وجرائم اغتصاب أطفال… وصاحب السؤال الاستنكاري: (ما هذه الحرية يا سيدي) سألته عن سبب عدم السماح للجنة تقصي الحقائق بدخول مدينة درعا، فأجاب أنه ليس مسؤولا في الدولة، وليست لديه معلومات دقيقة، لكن قد تكون هناك أسباب (تقنية) لذلك.. ولا ندري إن كانت هذه الأسباب التقنية تشمل موافقة إسرائيل على فتح معبر رفح أمام اللجنة.. أو سماح الأردن أو تركيا باستخدام أجوائهما للعبور جوياً… لكن ما يعنينا حقاً هو غياب وجهة النظر الرسمية في إيضاح أسباب المنع أو السماح، بدل إطلاق ثلة من المحللين السياسيين والوجوه الإعلامية الجديدة التي ظهرت فجأة لتشغل مساحة البث التلفزيوني ‘المغرض’ في شرح وجهة نظر رسمية غائبة، والقول بأن لا معلومات دقيقة لديهم يقدمونها لمن يسأل ويستفسر ويريد أن يفهم ما يجري!

هكذا اختفت فجأة الحكومة السورية من على شاشات المحطات الوطنية والعملية، الحريصة على أمن الوطن والمتربصة بمواقف الوطن… وافتقدنا لتصريحات بثينة شعبان مستشارة الرئيس الإعلامية، ولإطلالة الوزراء الجدد الذين لم نكحل أعيننا بمرآهم وسماع أصواتهم بعد، لتبقى صور دبابات الجيش في درعا وحمص وبانياس ودوما والمعضمية… هي الصور التلفزيونية الوحيدة التي تنقل وجهة النظر الرسمية في معالجة الأزمة.

الجيش السوري الوطني الذي شارك في كل معارك العرب القومية، وبذل الشهداء منذ حرب 1948 في فلسطين، وصولا إلى مهمة قوات الردع في لبنان، وانتهاء بما يسمى (تحرير الكويت) بغض النظر عمن يفهم مشاركته تلك بأنها كانت مباركة واضحة وصريحة للتدخل الأجنبي العسكري الأمريكي البريطاني على أرض عربية… الجيش السوري الوطني الذي يستنزف ميزانية سورية منذ عقود، والذي يدفع له السوريون من قوتهم اليومي ضريبة (مجهود حربي)، خرج من ثكناته، لا ليحرس الحدود، بل ليحاصر المدن، ولتتهادى دباباته في شوارع البلاد، فنرى صورها تهشم سيارات المواطنين في شوارع درعا، وتدخل باب عمرو في حمص فجراً، وتحاصر بانياس كي تمنع الخروج والدخول إليها، وتسهل عمل أجهزة الأمن في التمشيط واعتقال عشرات الناشطين والمحتجين!

لا نكتب هذه الكلمات لنشكك بوطنية الجيش السوري الذي يضم مئات الآلاف من الضباط والجنود الذين يلتحقون به لأداء خدمة العلم في عُرفٍ يسميه السوريون (الواجب الوطني) بل لنتألم على هذا الدور الذي تدفع إليه فرق الجيش وألويته، حيث يرى الكثير من أفراده أنفسهم أمام جموع المتظاهرين العزل، مطالبين بأن يطلقوا النار على مجموعات مسلحة لم يجدوا لها أثرا إلا في روايات إعلامية يؤكدها أمثال طالب إبراهيم وخالد العبود وعصام التكروري، ويدعونا الدكتور فايز الصايغ لتصديق اعترافاتها التلفزيونية الذي يعرف كمدير سابق لهيئة الإذاعة والتلفزيون كيف تفبرك وتصور، من دون أن يهتم أحد بدراسة تناقضاتها التي لا تستقيم مع عقل، ولا يصدقها منطق، وخصوصاً في ظل غياب أي مراقبين حياديين يمكن أن يؤكدوا أن تلك الاعترافات لم تنزع تحت تهديد التعذيب واقتلاع الأظافر واستخدام التيار الكهربائي لدواع أمنية.

الجيش السوري هو جيش لكل سورية صفقنا لبطولاته في حرب تشرين، وبكينا شهداءه أثناء الاجتياح السوري للبنان… وحزنّا لصمته أمام اعتداء الطيارات الإسرائيلية المعادية على موقع عين الصاحب شمال دمشق عام 2003، ثم قصف موقع الكبر في دير الزور بطائرات (إف 15) الإسرائيلية عام 2007، وأملنا أن نراه على حدودنا الجنوبية يخوض معركة تحرير الجولان كي لا يأتي أي عميل أو صائد في الماء العكر ليعيّرنا بأن (الصمود والتصدي) أصبح مجرد شعا… هل سنسر حين نراه يحاصر المدن؟ أم هل سنصدق كلام الفنان دريد لحام حين يقول لنا في لقاء تلفزيوني ان مهمة هذا الجيش ليست محاربة إسرائيل؟ من سيحارب إذن والكيان الصهيوني يحتل أرضنا؟ وهل أوكلت مهمة محاربة إسرائيل لحزب الله، وسورية حليفة للمقاومة وراعية لها؟ هل الجيش السوري أقل وطنية من حزب الله مثلاً… كي نصفق لذاك حين يسعى لتحرير كامل تراب الجنوب اللبناني، ثم نأتي لنعفي جيشنا الوطني من المهمة ذاتها على ترابنا الوطني؟

أسئلة مريرة لا نجد إجابة عليها، سوى مزيد من الاعتزاز بكل ضابط ومجند ومقاتل في صفوف أفراد هذا الجيش، ومزيد من الإيمان بأن دوره في حماية سورية والسوريين، لا يمكن أن يمر من خلال الغوص في مستنقع قمع الاحتجاجات وحصار المدن، بل بإفساح المزيد من المجال أمام حل سياسي وسلمي، تقوده سلطات تعترف بأنها تتعامل مع شعب يولد من جديد، شعب كسر حاجز الخوف، وخرج من مملكة الصمت والسكوت، كي يصرخ بدمائه لا بحناجره فقط بمطالب مشروعة ومحقة، تستلزم حواراً وطنياً مشروعاً بين طرفين لا طرف واحد… بين وجهتي نظر لا وجهة نظر واحدة هي الخصم والحكم… بين قوى ونخب وحراك اجتماعي يريد اعترافاً بكيانه، من سلطة لم تكن ترى في الوطن سوى كيان النظام وأجهزته الأمنية القادرة على فرض أي سياسة أو قانون أو إصلاح أو نكوص عن إصلاح، من دون الرجوع إلى الشعب الذي تتحكم به ولا تحكم باسمه!

الفنانون ‘الخونة’ يتألمون لحصار درعا!

كتبت في هذه الزاوية الأسبوع الماضي، واصفاً البيان الذي كتبته كاتبة السيناريو ريما فليحان، ووقعه عدد من الإعلاميين والفنانين السوريين للمطالبة بوقف الحصار الغذائي لأطفال درعا، بأنه (بيان خجول) وقد كنت أعتبر أن هذا البيان هو أضعف الإيمان في مثل هذه الظروف، قبل أن أكتشف أن لا مكان للأيمان بأبسط معايير الإنسانية لدى كثير من الفنانين السوريين الآخرين!

فقد تعرض الفنانون الذين وقعوا على البيان أمثال: (منى واصف، كنده علوش، يارا صبري، عزة البحرة، ثائر موسى، قاسم ملحو، رشا شربتجي) وسواهم ممن نحترم ونجل موقفهم، تعرضوا إلى حملة شعواء من زملائهم الفنانين، فقال المخرج هشام شربتجي على قناة (الدنيا) الموصوفة… بأنه لا ينفي عن هذا البيان صفة الخيانة… وأبلى زهير عبد الكريم وسوزان الصالح وسعد مينه بلاء مخزياً في النيل من زملائهم واتهامهم بالفشل المهني، وأصدر منتجو الدراما بمعية لجنة صناعة السينما والتلفزيون وعرابها كاتب التقارير الأمنية عماد الرفاعي، بياناً يدعون فيه لمقاطعة من طالبوا بفك الحصار.. وأجبر العديد من الفنانين على الظهور على شاشة الفضائية السورية ليقولوا إنهم فُهموا خطأ، وأن المحطات الفضائية استغلت هذا البيان بما يخدم أجنداتها، فيما دعت صفحة على الفيسبوك لتجريد الفنانة الكبيرة منى واصف من وسام الاستحقاق الذي قلدها إياه الرئيس الأسد العام الماضي، معتبرين أنها يجب أن تقلد (وسام الخيانة) ناهيك عما لاقته الفنانة كنده علوش من شتائم مقذعة على موقع التواصل الاجتماعي وتهديدات بذيئة تحاول المس بشخصها… أما المواقع الإلكترونية السورية فقد سخرت من البيان وأطلقت عليه (بيان الحليب) في تسفيه وقح لقضية البيان ونداءاته الإنسانية التي وجهها الموقعون للحكومة السورية وليس لجهة خارجية قد يتهمون باستعدائها ضد الوطن!

ليس اتهام الآخرين بالعمالة والخيانة وجهة نظر… وليست الشتائم البذيئة حرية تعبير… وليس التهديد والترهيب حالة حوار… الفنانون الذين شتموا زملاءهم ليس في تاريخهم الفني والشخصي ما يجعلهم يملكون صكوك البراءة والتخوين، إن لم نقل العكس… وأجهزة الإعلام التي فتحت بثها بالساعات للنيل منهم، قال الكثير من السوريين رأيهم الصريح فيها وبمدى مصداقيتها وحجم احترامهم لها.. وهذه المعركة غير المتكافئة بين كلمة الحق وسلطان الباطل المتخفي تحت ستار تخوين الآخرين، سيقول التاريخ كلمته فيها، فمن هم الأبطال ومن هم الأبواق؟ ومن هم الشجعان ومن هم أنصار ثقافة الخوف؟ ومن هم الشرفاء الذين حرك الظلم والحصار مشاعرهم ومن هم المرتزقة الذين باعوا واشتروا ليحصدوا الرضا الأمني على حساب دم الشهداء وأنين الأطفال الجوعى؟ أسئلة سيجيب عنها التاريخ الذي سينصف الجميع، مهما علا الصراخ والزعيق، ومهما لمع بريق الدمع في عيني المخرج هشام شربتجي وهو يقول للكاميرا: إننا أقل من أن نستحق أن يحكمنا هذا الدكتور الطيب!

ناقد فني من سورية

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى