صفحات الناس

في استراتيجية البغدادي الجديدة في الرقة/ طارق شام

بعد انسحابه من معظم مناطق سوريا وتركزه في محافظة الرقة شمال شرق سوريا، وبعد طرده كافة التشكيلات المقاتلة الأخرى من المدينة قبل نحو 3 أشهر، لتصبح الرقة مع جزء من ريف حلب الشرقي معقله القوي ونقطة تمركزه الأساسية، تنظيم ’دولة العراق والشام‘ (داعش) يقوم الآن بمراجعة عميقة للمرحلة الماضية ويشرع بخطوات نحو تغييرات يشهدها التنظيم.

تنظيم ’الدولة‘ بدأ بتغيير استراتيجيته الماضية، التي تتجسد في شعاره «باقية وتتمدد»، البقاء من خلال زرع عدة نقاط له غير متصلة في المناطق المحرّرة، ومن ثم التمدد لوصل هذه المناطق ببعضها البعض. لكن فشل هذه الاستراتيجية دفعه لوضع خطة لضمان البقاء والتمدّد فكانت كلمة «التمكين» هي الحل الذي يضمن الوصول إلى الحالة النهائية وهي التمدد، فأصبح الشعار وفقاً لأوليات التنظيم «باقية، تتمكن، تتمدد». هذه الاستراتيجية الجديدة التي بدأها التنظيم في معقله الرئيس (مدينة الرقة) تضمّنت تغييرات كبيرة، وفق مصدر مقرّب من التنظيم رفض الكشف عن هويته. هذه التغيرات تسير وفق ثلاثة اتجاهات:

بدء مرحلة المهاجرين

اعتمد التنظيم في بدايات تشكيله على عناصر محلية وسلّمهم مناصب مهمة، لكن يبدو أنّ مهمتهم قد انتهت بعد إيجاد حاضنة شعبية تكون نقطة ارتكاز للتنظيم بعد السيطرة العسكرية المطلقة على المدينة. بدأت هذه التغييرات بإقالة القاضي الشرعي ’أبو علي الشرعي‘ (فواز محمد الحسن)، وهو من أبناء ناحية الكرامة في ريف الرقة الشرقي، سُجن عدة سنوات بصيدنايا خلال تسعينات القرن الماضي ثم خرج بعدها ليعمل في المملكة العربية السعودية ثم ليعود إلى سوريا عاملاً عادياً، ولم يعرف له أي نشاط عسكري أو مدني خلال الثورة قبل أن يبرز بعد إعلان تنظيم داعش وانشقاقه عن ’جبهة النصرة‘، وذلك بعد أن تحرّرت المدينة من سيطرة نظام الأسد على يد ’النصرة‘ و’الجيش الحر‘ وكتائب إسلامية أخرى، وإضافة لغموضه يعرف أبو علي بدمويته الشديدة، ويشتهر ابنه بحمله سيفاً لأبيه يقوم به بتنفيذ أحكام الإعدام، كما يعرف أبو علي بتعصّبه الشديد لعشيرته.

التنظيم عيّن مكان أبو علي الشرعي شخصاً آخر يدعى ’أبو علي الأنباري‘، وقد ورد اسم الأخير في ويكيليكس دولة البغدادي وفي موقع وزارة الداخلية العراقية كأحد كبار قادة التنظيم وكمقرّب جداً من البغدادي، خاصة بعد مقتل القيادي الآخر في التنظيم العقيد حجي بكر (سمير عبد محمد الخليفاوي، ضابط بعثي سابق يعتبر العقل المدبّر لداعش) وذلك في مدينة الأتارب شمال حلب، أثناء الاشتباكات الأخيرة مع فصائل ’الجيش الحر‘ و’الجبهة الإسلاميّة‘.

التغييرات أيضاً شملت ’أبو حيدر‘ أمير المدينة، واستبدل به آخر لم يتسنّ التأكد من هويته. كذلك تمّ إبعاد المسؤول الأمني ’أبو عبد الرحمن الأمني‘ (علي السهو، من أبناء مدينة الرقة) وتحويله إلى قائد عسكري للكتيبة المرابطة على تخوم الفرقة 17 شمال مدينة الرقة.

يلاحظ الاعتماد على الجنسية التونسية، بالإضافة الى العراقية، ويعزى ذلك ربما الى عدم انشقاقهم وولائهم الشديد للتنظيم.

الاستيطان والصهر في المجتمع

عمد تنظيم دولة البغدادي إلى استقدام عائلات المهاجرين من جميع أنحاء العالم؛ من إفريقيا وجنوب شرق أسيا والشيشان ومصر بشكل خاص، وإسكانهم في البيوت التي صادرها التنظيم من باقي التشكيلات العسكرية التي طردها من المدينة بعد اشتباكات عنيفة في شهر يناير الماضي. أصدر التنظيم العديد من القرارات بمصادرة بيوت وأملاك من قاتلهم على مبدأ الغنيمة وأخذ بتوزيعها على عناصره. كذلك لم يسلم الناشطون المدنيون من قرارات المصادرة، فقد صادر التنظيم بيوت الكثير من الإعلاميين والناشطين المحليين. بل إنّ التنظيم شرع مؤخراً بمصادرة كل من يملك بيتاً ثانياً خالياً، تحت حجة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ‒ وهي سياسة اتبعها النبي بعد دخوله المدينة المنورة حيث آخى بين كل مهاجر من مكة وأنصاري من يثرب، لكن بموافقة الأنصار).

يقدر عدد العائلات التي جلبها التنظيم بـ500 عائلة، والعدد في ازدياد مضطرد، ويسعى التنظيم الى عقد مصاهرة بين عناصره وأبناء العشائر المقيمة في المنطقة وخلق روابط لمقاتليه بالمكان. أساطيل من السيارات الحكومية والمصادرة وزّعها التنظيم على أنصاره. الموارد المالية الضخمة الناجمة عن الضرائب التي يجبيها التنظيم عن خدمات لا يقوم بتأمينها أصلاً (يقوم بتأمينها المجلس المحلي التابع للائتلاف «الكافر المرتدّ» في عرف التنظيم، وبالتعاون مع بعض الجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية، والنظام في بعض الأحيان!)، وكذلك موارد النفط وبيع القمح الذي استولى عليه من مخازن الحبوب، كل ذلك يؤمّن للتنظيم تمويلاً ضخماً يمكّنه من صرف مبالغ ضخمة على عناصره الذين باتوا يطلبون الشوكولا السويسرية الفاخرة عن طريق إدخالها من تركيا، وصاروا يخرجون في رحلات الصيد والتنزّه… الصهر في المجتمع غدا أولوية قصوى للتنظيم.

جيش الأنصار

شكلت داعش ما سمته «جيش الأنصار»، حيث يسعى هذا «الجيش»، المكوّن من أبناء العشائر في منطقة تل أبيض المحاذية للحدود التركية، لمقاتلة ’حزب العمال الكردستاني‘ (PKK) و’الجيش الحر‘، ويهدف إلى استيعاب أبناء العشائر في تنظيم يكون تحت سيطرة داعش ومع امتيازات محدودة لكن دون أن يدخل في جسمها التنظيمي الأم، منعاً لتكرار تجربة الصحوات في العراق.

ماذا بعد؟

الخطوة التالية ستكون التمدّد من جديد لإقامة خلافة البغدادي، مما ينذر بعودة الاشتباكات من جديد في المناطق التي سبق وأن تحررت منها. فهل ستشهد المرحلة القادمة عودة الاشتعال الى الشمال السوري المشتعل أصلاً؟

موقع الجمهورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى