خورشيد دليصفحات سورية

في الخلاف التركي – الألماني/ خورشيد دلي

 

 

منذ الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا صيف العام الماضي، تبدو العلاقات التركية – الألمانية والأوروبية عموما، وكأنها أمام سلسلة من التراكمات الكفيلة بتوتير هذه العلاقات، إذ سرعان ما تأخذ الأمور طريقها إلى الإعلام، في تصريحات نارية وأخرى مضادة، قبل أن تتحول إلى إجراءات تقضم من الثقة على حساب العلاقات التاريخية بين الجانبين. السؤال الأساسي هنا: هل ما يجري الآن مجرد أزمة طارئة، بفعل عوامل محددة أم أنها أزمة حقيقية، لها جذور وأسباب وعوامل، قد تدفع هذه العلاقات إلى مرحلة جديدة، خلافا لما كانت عليها طوال العقود الماضية؟

في الواقع، الثابت أن العلاقات التركية – الألمانية حيوية، لأسباب سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية، فالبلدان عضوان في الحلف الأطلسي، والعلاقات العسكرية بينهما قوية، وهناك قرابة ثلاثة ملايين ونصف المليون تركي في ألمانيا، كما أن الأخيرة هي الشريك التجاري الأول لتركيا، حيث وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى أكثر من 35 مليار دولار. وعليه، فإن حجم المصالح بينهما كبير جدا، وتبدو كفيلة بتجاوز أي أزمة طارئة، تحصل لهذا السبب أو ذاك. لكن المتحول في هذه العلاقة أن حجم التوتر يزداد بين الجانبين، وعوامل الصدام

“التصعيد الجاري يبدو عكس مصالح البلدين وطبيعة العلاقة التاريخية بينهما” تتصاعد، والخلافات تتسع على أرضية قضايا داخلية متداخلة، فتركيا تتهم ألمانيا بدعم حزب العمال الكردستاني المصنف تركيا وأوروبيا وأميركيا في قائمة الإرهاب، وبمحاولة النيل من تركيا عبر إقرار البرلمان الألماني ما يعرف بالإبادة الأرمنية، ومنح اللجوء السياسي لعناصر عديدة متورطة في محاولة الانقلاب، وابتزاز تركيا بورقة اللاجئين، وممارسة إجراءات إقصائية ضد المسلمين ومؤسساتهم في ألمانيا، وهو ما يشجع باقي الدول الأوروبية على اتخاذ إجراءات مماثلة. وعلى وقع هذه المعطيات وغيرها، جاءت قضية إلغاء ألمانيا فعاليات شعبية، وزيارات كانت مقرّرة لمسؤولين أتراك إلى ألمانيا في إطار الحملة المؤيدة للاستفتاء على الانتقال إلى النظام الرئاسي، لتصب الزيت على نار الخلافات، وتدفع العلاقات بينهما إلى قضايا حساسة جدا، ولا سيما عندما ذهب الرئيس رجب طيب أردوغان إلى استحضار الماضي النازي لألمانيا.

في المقابل، توجه الأخيرة اتهامات كثيرة لممارسات حكومة حزب العدالة والتنمية، بدءا من اعتقال عديد من نواب حزب الشعوب الديمقراطية وقادته، مرورا بالتضييق على الحريات الإعلامية والصحافية، ولا سيما بعد اعتقال الصحافي الألماني من أصل تركي، دانيز يوجال، واتهام تركيا بالتجسس داخل الأراضي الألمانية، وصولا إلى القول إن أردوغان يريد من عملية الاستفتاء نقل تركيا إلى دولة حكم الرجل الواحد، وبما يتناقض مع المعايير الأوروبية للحكم. ولعل ما يضاف إلى جملة الخلافات السابقة بروز دور استحقاقات الداخل (استفتاء في تركيا وانتخابات في ألمانيا) ومحاولة كل طرفٍ اللعب على دور العوامل العاطفية والشعبية

“أصوات الخارج مصيرية للحزب، إذا ما علمنا أن هناك قرابة مليوني ناخب تركي في ألمانيا وحدها” والاجتماعية والحضارية (الدينية) للفوز بهذه الاستحقاقات. وهنا، تبدو لهذه القضية أهمية خاصة لحزب العدالة والتنمية التركي، ففي ظل الاستطلاعات التي تعطي نسبا متقاربة، لجهة تأييد أو رفض الانتقال إلى النظام الرئاسي في الداخل التركي، تبدو أصوات الخارج مصيرية للحزب، إذا ما علمنا أن هناك قرابة مليوني ناخب تركي في ألمانيا وحدها، يصوّت نصفهم في العادة لحزب العدالة والتنمية، ولعل مثل هذا الأمر يدفع أردوغان إلى رفع الصوت عاليا في وجه ألمانيا، بحثا عن فوزٍ يتطلع إليه في الاستفتاء. في المقابل، لألمانيا المقبلة على الانتخابات حسابات مختلفة ومتناقضة مع ما يتطلع إليه أردوغان، فمن جهةٍ، باتت ألمانيا تنظر بقلق إلى ولاء هؤلاء الأتراك إلى تركيا وحكومة حزب العدالة والتنمية أكثر من ولاءٍ إلى دولتهم الجديدة. ومن جهةٍ ثانية، بات هذا الموضوع يدخل في إطار البحث عن الشعبوية، في السباق إلى معركة الانتخابات، خصوصا وأن المعارضة اليسارية واليمينية تزاود على المستشارة أنجيلا ميركل وحزبها بهذا الخصوص، كما أن المثال الأميركي، المتمثل بصعود دونالد ترامب، حاضر بقوة في الأذهان.

مع التأكيد على أن التصعيد الجاري يبدو عكس مصالح البلدين، وطبيعة العلاقة التاريخية القوية بينهما، إلا أن الحساسية بينهما وصلت إلى مستوى غير مسبوق، ليبقى السؤال، هل التصعيد الجاري مرتبط بالاستحقاقات الداخلية، وسينتهي مع الانتهاء منها، أم أن حجم الخلافات وتداعيات مرحلة ما بعد صعود ترامب والتقارب التركي – الروسي وغير ذلك من القضايا كفيلة بنقل العلاقات التركية – الألمانية والأوروبية إلى مرحلة مغايرة؟

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى