صفحات العالم

في الطريق إلى دمشق/ فاروق يوسف

 

لا تزال الطريق الأقصر إلى دمشق طويلة. فما من أحد في إمكانه أن يضمن الوصول إلى عاصمة الأمويين.

الأطراف الدولية الراعية للأزمة السورية اختارت في أوقات سابقة جنيف، ومن ثم فيينا لتكون محطة الانطلاق من هناك.

الآن حط قطار الحوار السوري – السوري في محطة أستانة في انتظار انطلاقه إلى مكان مجهول جديد. بالتأكيد لن تكون دمشق هي ذلك المكان. لا لأن السوريين لا يرغبون في ذلك بعد أن فقدوا الثقة، بعضهم بالبعض الآخر، بل لأن الحوار ليس سوريا خالصا.

ما نتج عن حرب الست سنوات لم يبق للسوريين حقا في قول شيء ما. الآن صار القول والفعل لأطراف، تظهر كما لو أنها ضامنة للحوار، غير أنها في حقيقتها المسؤولة عن رسم خططه وتوجهاته ومسارات حركته.

وهنا بالضبط يبدو استبعاد إيران من أستانة منطقيا، ذلك لأنه يليق بحجم دورها في الأزمة السورية الذي هو انعكاس لموقعها في المنطقة. وهو موقع تم تهويله، استنادا إلى دعاية إيرانية، تم تبنيها من قبل الغرب بعد أن وقع التراضي بين الولايات المتحدة وإيران في ما يتعلق بمصير العراق.

لا إيران ولا ميليشياتها يمكن النظر إليهما طرفين مؤثرين في أي تسوية، يُراد للسوريين أن يوقعوا عليها. وهنا يجدر الانتباه جيدا إلى ما ينطوي عليه مفهوم التوقيع من معان، أقلها يشير إلى تواضع الدور الذي سيلعبه السوريون في إقرار مفردات تلك التسوية.

قد لا يعترف السوريون بأن بلادهم تُحتضر. ليس النظام وحده في مأزق مصيري. لقد احتوى المأزق الجميع. فمعارضو النظام الحقيقيون وهم اليوم أكثر خوفا من أي وقت مضى على مستقبل سوريا يعيشون حالة ضياع غير مسبوقة. لقد انقلبت الأمور، بطريقة لا يمكن من خلالها التفريق بين ما هو نافع وما هو مضر، بين ما هو إيجابي وما هو سلبي، بين ما هو وطني وما هو معاد لبقاء سوريا وطنا للجميع.

المعارضون الأصيلون باتوا فئة مهمشة ومعزولة، لا يلتفت إليهم أحد. لا داخل سوريا، حيث الجماعات المسلحة تبحث عن حلول لمأزقها بعد أن كادت منابع التمويل أن تجف، ولا خارجها حيث رفعت جمعية أصدقاء الشعب السوري الخيرية يدها عن المشروع برمته.

وكما أتوقع فإن أولئك المعارضين اليوم ارتدُّوا إلى مرحلة ما قبل الحرب، يوم كانت مطالب التغيير لا تزال ناعمة. وهو ما لن يتمكنوا من إعلانه لأسباب كثيرة منها أن النظام والفصائل المسلحة التي تقاتله قد وجدا في الحرب مناسبة لإقرار منطق الجريمة باعتباره حلا واقعيا، لا يمكن سوى التماهي معه، لقد حلت الجريمة محل الرغبة البريئة في إطلاق حوار سياسي، ينقذ سوريا من جمودها العقائدي.

غير أن سوريا العسكر هي غير سوريا التظاهرات السلمية. لقد نُسفت كل الطرق التي تقود إلى دمشق. ما لا تتوقعه المعارضة وهي مطمئنة، لن يتوقعه النظام وهو الذي انجر بيسر إلى ارتكاب الجريمة.

ألا يحق لنا القول والحالة هذه إن النظام ومعارضته السياسية قد خرجا من الحرب من غير أي أثر لمشروع سياسي، يعينهما على الحوار؟

لا أحد من السوريين يملك اليوم سلطة أن يقرر شكل ومضمون التسوية التي يجري الإعداد لها لتكون مادة لحوار سوري – سوري. هناك أمنيات، عبرت عنها المعارضة مستفهمة من خلال رغبتها في العودة إلى جنيف، ولكن جنيف صارت بعيدة. وما من رغبة لدى الراعي الروسي باسترضاء المعارضة بجنيف ثالثة. لقد ولى ذلك الزمن.

أليس معقولا أن يذهب الجميع إلى دمشق؟ إنه سؤال صادم للكثيرين. ولكن بعيدا عن الضجيج الإعلامي المراهق، فإن دمشق هي حق السوريين كلهم. إنها عاصمة سوريا التي ناضل السوريون من أجل استعادتها وطنا للجميع.

مَن يفكر في أن دمشق هي حصة النظام وحده فإنه يخون الحقيقة.

كاتب عراقي

العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى