صفحات الناس

في اللاذقية .. 10مسلحين لكل حي و حراسة مشددة لتمثال حافظ الأسد!/ غيلان العيساوي

أورينت نت

شاء النظام لتشويه الثورة رمزياً في مدينة اللاذقية إلى وضع الحراس المُسلحين أمام المدارس، والبنوك والمُستشفيات والأفران وإلى كُل ما يمت بالدولة والمجتمع بصلة، لتصوير الثورة على أنها خطر اجتماعي عام، وإظهار المُجتمع الذي خرج لاسترداد حقوقه بمظهر المُخرب الفوضوي، سيما أن مدينة اللاذقية لم تشهد اعتداءاً واحداً على مدرسة أو مستشفى أو أي مركز تابع للدولة، أو كنسية أو أي اجتماع ديني للمسيحيين، ما لم نستثنِ الصور العائدة للعائلة الحاكمة وبعض التماثيل الصغيرة لهم، فقد شهدت آلاف العمليات التخريبية ضد كل رموز آل الأسد والبعث، وكان الثوار في الأيام الأولى شديدي الدقة في عدم تخريب أي مركز يتبع للدولة أي لهم بصفتهم أبناء هذا المجتمع والدولة بمعناها التجريدي.

يضحك أبناء المدينة على حُراس الليل، فأغلبهم نائمون، حتى حارس البنك..! وقد أصبح سلاح الحُراس مألوفاً بل السلاح بحد ذاته، فلا يخلو شارع من شوارع المدينة من عشرة مسلحين في حالة الذروة النهارية داخل المدينة وفي أسواقها التجارية، وتحولت أبواب المدارس والشركات إلى شبه مقاهي، حيث يرتادُ أصدقاء الحراس لشرب المتة ولعب طاولة الزهر، بحسب تقرير لتلفزيون ” أورينت “.

موقعٌ وحيد باللاذقية يمتازُ حراسه باليقظة الدائمة والمستمرة، والتناوب المُنتظم لحراسه، ولا تكاد ترى خلال اليوم جندي لأكثر من أربعة ساعات على حراسة الموقع، إنه “تمثال الأسد الأب” في أقدم أحياء المدينة (الشيخ ضاهر) ، ردحة التمثال واسعة، لا يقترب منها أبناء المدينة رغم أنها مفتوحة لتفصل بين شارعين مروريين، حُراس التمثال كثر، وقد لا يوجد في العالم الحديث والقديم تمثالاً يُحمى بهذا التنظيم، المُفارقة أن حماية التمثال لا تُلقى على وزارة الداخلية أي الشرطة وقوى الأمن الداخلي، بل على قوة (عسكرية-أمنية)، تتبع للحرس الجمهوري في دمشق!.

حمايةُ الحجر والفولاذ الذي يُشكل هامةَ الأسد يُحرس من قبل الكتائب الأمنية التابعة للحرس الجمهوري إذاً، وشُيد بقرب التمثال أبنية حجرية وخشبية لينعمَ حُراس التمثال ببعض الراحة في ظل البرد أو في الوقت الذي تشتد فيه حرارة الشمس، ورغم وأد الثورة في قلب مدينة اللاذقية إلا أن الحراس لا يفارقون التمثال، خوفاً من أي محاولة لإسقاطه، ويلتزمُ حراس التمثال خلافاً لبقية الحراس المنتشرون في كل مكان بعدم ممارسة النشاطات الترفيهية بقربه، فلا (متة) ولا لعب ورق أو طاولة زهر، فهالة لتقديس المرتجاة للأسد الأب، لا تتلاءم مع سخافة الحياة ونشاطاتها التقليدية…!، ويحجبُ الناس أعينهم عن التمثال بردة فعل ذكية ومقاومة لهذه الصنمية، بل أصبح تغييب التمثال شأنا يومياً لا شعورياً، فالتمثال الهامد في قلب المدينة لا يُستخدم حتى للتدليل على المواقع في المدينة، ويتعرضُ لإهمالٍ منظم من قِبل غالبية سكان مدينة اللاذقية، خاصة أن أول جريمة قام بها الأمن السوري كانت بقرب هذا التمثال، حيث تم قنص مواطنين سوريين من أبناء المدينة كانوا يحاولون هدمه.

المفارقة الأشد، أن كتائب الأمن التي تحرسُ التمثال ذاتها قد تكون أشرفت في ذات يوم على حماية الأسد الابن كطوقٍ ثالث أو رابع أو لِما لا كطوقٍ ثاني مقرب من طوقهِ الأول، إلا أنها اليوم تحرسُ الأسد الأب بوصفه حجراً وفولاذ، هل يختلف الاثنان الأب الحجري المَيت والابن الحي في حجريته وموته ؟ غالباً لا، فلماذا يستوي حرس الأب الميت بحرس الابن وهل أحجارُ العائلة تساوي مقدار حياة الابن الرئيس.

المدينة لم تعد تستغرب كل هذا الحرس وتُطور ردة فعلها يوماً بعد يوم تجاه تمثال محمي من الحرس الجمهوري شخصياً، فالمحلات التجارية تحجب التمثال عنها بمعروضاتها المُعلقة، والمارون يرمون أكثر أوساخهم اليومية على مقربة منه، ويرمون أيضاً في البهو المائي الذي يقابل التمثال العشرات من أكياس القمامة، والعبوات البلاستيكية، وتُكثر في مدينة اللاذقية العصافير والطيور المهاجرة، التي تُرى دوماً على رأس التمثال الهامد بوصفهِ شجرة أو أقل من عمودٍ حديدي حتى.

لا يُقدس التمثال إلا حراسه، وهم الأكثر مللاً وتعباً، فعظمة التمثال مُتعبة، وإهمال الناس لكل وجودهم يُشكل كابوساً يومياً لهم، لا يسأل أحد عن التمثال هذه الأيام، ولا رغبة لأبناء مدينة اللاذقية قاطبة بنزعه، لا يوجد حراسة مشددة إلا بمحيط تمثال حافظ الأسد في مدينة اللاذقية في الجانب الأقرب لقلب المدينة، أما في ضواحيها فالأسد يبدو وحيداً بلا حراسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى