صفحات الناس

في اليوم العالمي للطفل: أطفال سوريا: أحلام بحجم راحة اليد/ ريما شري

 

 

أجمل الأشجار والطيور التي رأيتها في حياتي هي تلك التي كنت أراها خارج منزلي في سوريا. ولكن الأشجار حتماً إحترقت الآن، وما من أحد هناك ليطعم الطيور، لا بد أنها ماتت. (طفل سوري لاجيء- شمال العراق)

البرد هنا لا ينتهي أبدا، حتى عندما تكون الشمس ساطعة، البرد لا يتوقف. (طفلة سورية لاجئة في البقاع اللبناني – اليونيسف)

قال لي احدهم أن القذيفة هدمت منزل أحد اصدقائي، كنت خائفاً عليه من الموت، فلو مات، لن يعد باستطاعتي أن العب معه. لم يعد لي أصدقاء العب معهم، ولكنه لم يمت. (طفل سوري نازح في سوريا – اليونيسف)

تمنياتي للعام الجديد: خبز طازج، وبطيخ وشاورما (طفلة سورية نازحة – مركز مسارات)

المطر يخترق سقف خيمتنا. تتسرب قطراته إلى الداخل وتوقظنا في منتصف الليل. نرتجف من البلل. والبرد يصبح شديداً ، نريد، فقط، حلاً لهذه المشكلة. (طفلة سورية لاجئة في أحد مخيمات لبنان – منظمة انقذوا الأطفال)

عندما وصلنا إلى المخيم لم يكن لدينا ألعاب، ولكن عندما وصلنا إلى الحضانة، حصلنا على ألعاب وهدايا، فرحنا بها كثيراً (طفلة سورية في مخيم الزعتري – الأردن – مواقع التواصل الاجتماعي)

القذيفة كادت أن تقتلنا جميعاً. كانت قريبة جداً من منزلنا. والدي ذهب بنا إلى مكان بعيد.. إلى هنا. اتمنى أن أعود إلى سورية. (طفل سوري لاجئ – شمال العراق – اليونيسف)

غنوا معنا لطفولتنا يا أطفال العالم، بساعدتكم وسعادتنا نبني مجد العالم (طفلة سورية لاجئة – مخيمات تركيا، وكالة رويترز).

هذه عينة من مقابلات مختلفة أجريت مع أطفال سوريين في سوريا وبعض الدول المضيفة لهم. توثق هذه العينة معاناة الأطفال، مطالبهم، امنياتهم، حقوقهم وأحلامهم، بعيدا عن أي شيء آخر. لا حديث هنا عن طفل يلقنه المراسل ماذا يقول من خلف الكاميرا، أو يخنق طفولته بأسئلة ملغومة لا يفهمها، ولا تخص عالمه، ولا تقدم الإجابات عنها حلولاً لمشاكله. لا تتضمن هذه العينة لقطة مقربة لوجه طفل يبكي وصوت مراسل في الخلفية يقصف اللحظة بسؤال: أخبرنا ماذا فعل بك بشار الأسد؟ هل قصف بيتك؟ هل شرد عائلتك؟ ثم يستطرد وكأنه سجل الإجابة المطلوبة بهزة رأس: شو بتقلوا لبشار؟ وفي المقابل، ليس في هذه العينة أطفال تربط معاناتها بالمخطط الإسرائيلي الأمريكي والفتن الطائفية وهي لم تبلغ من العمر ما يكفي كي تفهم ما تعنيه هذه الكلمات التي تنطقها بسرعة سردها للحروف الأبجدية. باختصار، ليس في هذه العينة أي إستغلال للطفولة أو حديث في السياسة ولذلك تم اختيار معظمها، وبإمعان، من منظمات وجمعيات تعنى بحقوق الطفل لا من وسائل إعلام محسوبة على جهة سياسية معينة، وذلك بهدف تسليط الضوء على محنة الأطفال السوريين في وقت يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للطفل الذي يتوافق مع تاريخ توقيع 191 دولة على الاتفاقية الأولية لحقوق الطفل عام 1989. الأطفال يعكسون هنا، وإن عن غير قصد، انتهاكات لأبسط حقوقهم كحرمانهم من طعام يشتهونه أو لعبة يتمنونها، أو معاناتهم من البرد والجوع، أو عن حقوقهم في التعليم والطبابة والعيش بسلام. هنا، أيضاً رصد لأحلامهم التي لم تغير فيها الحرب أي شيء.

الشتاء فصل الرعب

يجلس زيد معدية ابن الخمسة أعوام محدقا بسعادة بالغة في حذائه الشتوي الجديد الذي حصل عليه ضمن حقيبة الشتاء التي توزعها اليونيسيف على جميع الأطفال دون سن السادسة عشرة على حدود شمال شرق الأردن مع سوريا. ويقول إبراهيم (10 سنوات) الذي يعيش مع أسرته في ملجأ في حلب بعد أن هجّروا من منزلهم: «نحن فعلا بحاجة للمساعدة لتدفئة أنفسنا هذا الشتاء. أنا أعرف أن أمي لا تستطيع أن توفر لنا ملابس الشتاء؛ وضعنا كان سيئا للغاية العام الماضي، ولكننا هذا العام ببساطة لا نملك أي مال».

وكما إبراهيم وزيد، يُعِدُّ ملايين الأطفال المتأثرين بالصراع في سوريا أنفسهم لوصول الشتاء بدرجات حرارته المتجمدة. فمع تجاوز عدد المهجرين من ديارهم 6.4 مليون شخص – منهم 3 ملايين طفل – يعيش الكثير منهم داخل أماكن إيواء مؤقتة توفر لهم حماية ضئيلة من البرد، وقدرا محدودا من التدفئة والمياه الساخنة للاستحمام. وفي كثير من الأحيان، تكون هذه الأماكن عبارة عن مبان غير مكتملة ومفتوحة من دون أبواب أو شبابيك، وتنقصها الجدران الخارجية، وتكتفي الأسر بصفائح البوليثين في تغطية الحفر ودرء رياح الشتاء الباردة. كما قد ينحشر حوالي 8 أشخاص في غرفة واحدة أو غرفتين. ويعاني الأطفال السوريون النازحون من الطقس البارد، بسبب نقص في خدمات المياه والصرف الصحي. ويعيش حالياً حوالي مليون طفل سوري لاجئ دون سن الخامسة في لبنان والأردن والعراق وتركيا وشمال أفريقيا في مخيمات اللاجئين وتجمعات الخيام والمجتمعات المضيفة. ويواجه الأطفال السوريون في لبنان بشكل خاص وضعاً صعباً، حيث تلجأ آلاف العائلات إلى مخيمات ذات أرضيات غير محصنة ضد الفيضانات مما يزيد من خطر التعرض للأمراض التي تنقلها المياه في حال غمرت مياه الأمطار الخيام والمراحيض. ويذكر أن 37,000 طفل لاجئ ولد منذ بدء الصراع.

حلم العودة إلى المدرسة

حرمت الحرب السورية ملايين الأطفال من التعليم، وهدمت، أو تصدعت، خلالها 3400 مدرسة. وقالت اليونيسيف إن قرابة مليون طفل توقفوا عن الدراسة وإن مليون طفل آخرين مُهددين بالتوقف عن الدراسة بسبب الوضع الأمني. وأضطر مئات الأطفال للعمل لمساعدة أسرهم مع استمرار الحرب. ومن هؤلاء، عمر (16 سنة)، الذي يبيع الملابس في سوق الحميدية. وقال عمر إنه يتمنى أن يعودوا كما كانوا، وأعرب عن حلمه بالعودة للمدرسة ليصبح مهندسا في المستقبل. طفل آخر يُدعى، أحمد، عمره 12 سنة لا يزال يجاهد لمواصلة تعليمه لكنه يعمل في توصيل الشاي والقهوة بعد دوام المدرسة ليؤمن لقمة العيش. من جهة أخرى، قالت ممثلة اليونيسيف، هناء سنجر، في سوريا، إن «ما يزيد على أربعة ملايين وخمسمئة ألف طفل يذهبون إلى المدارس رغم كل التحديات وكل الأخبار عن استهداف المدارس. ثمة أمر إيجابي يحدث هنا. الناس لم ينكسروا، الأطفال لم ينكسروا، بل انتصروا. بذهابهم إلى المدارس يتطلعون إلى مستقبل أفضل. لا أعتقد، مع هذه الروح، يمكن أن يُهزم الشعب السوري».

أزمة جوع وماء وطبابة

لقد تم تدمير 60 في المئة من المراكز الصحية داخل سوريا، وانهارت ثلث محطات معالجة الماء، بينما انخفضت معدلات التطعيم الذي أدى إلى ظهور الأمراض الفتاكة من جديد بما في ذلك شلل الأطفال. وقال جاستن فورسيث، المدير التنفيذي لمنظمة إنقاذ الطفولة «إن وضع الأطفال وأسرهم داخل سوريا لا يمكن تصوره. تحدث لنا الأطباء عن أطفال مرضى لا يستطيعون الحصول على العلاج بسبب انهيار الخدمات الصحية. وقد دمر النزاع البنى التحتية التي يعتمد عليها الأطفال للحصول على الرعاية الصحية». وقال أنطونيو غوتيريس، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين «إن السوريين اليوم يمثلون أكبر عدد من السكان النازحين قسرا في العالم وعدد الأطفال المشردين من سوريا أكثر من أي بلد آخر». وأضاف: «انهم يحتاجون ويستحقون أن تقدم لهم الحماية والعلاج والتعليم». وقالت المنظمة الخيرية البريطانية (أنقذوا الأطفال) في تقرير أن هناك أطفالا فقدوا حياتهم نتيجة لعقهم الرطوبة من الأعشاب وأوراق الشجر في محاولة يائسة لدرء العطش في أجواء من الحرارة الحارقة. وعلى صعيد آخر، توقف برنامج التطعيم ضد الحصبة في شمال سوريا بسبب خلافات على الجهة التي يجب أن تديره.

وتكافح المنظمات الدولية والسورية للسيطرة على المرض شديد العدوى- والذي يسبب الوفاة أحيانا- بعد 18 شهرا من ظهوره على الرغم من توفر مئات آلاف من جرعات التطعيم في جنوب شرق تركيا مخصصة لمخيمات اللاجئين في الجهة المقابلة للحدود والمعرضة بشكل كبير لانتشار مثل هذه الأمراض. هذا بالإضافة إلى أن أزمة جوع باتت تهدد اللاجئين السوريين في كافة الدول، إذ أعلن برنامج الأغذية العالمي أن مساعداته ستتوقف حتى داخل الأراضي السورية مع نهاية كانون الأول/ديسمبر نتيجة انعدام التمويل، ما ينذر بكارثة إنسانية تتمثل بجوع المشردين داخل سوريا وخارجها.

ويذكر أن المبالغ التي تعهد بها المجتمع الدولي لم يصل منها إلا نحو 50٪. وقد طلبت «اليونيسيف» على شكل نداء عاجل مبلغ 94 مليون دولار لتغطية تكاليف المساعدات الإنسانية المخصصة أساسا للأطفال إلى نهاية هذا العام. وقال المتحدث إن «اليونيسيف» قد تضطر لوقف مساعداتها لنحو خمسة ملايين طفل إذا لم يصل المزيد من التمويل الدولي لعمليات الإغاثة العاجلة.

أطفال يرسمون المأساة بالألوان

يحيط الأطفال السوريين العنف من كل حدب وصوب – وهم، غالباً، لا يحصلون على ما يحتاجون إليه من إرشاد نفسي للتغلب على ما يتعرضون له من صدمات. وفي معرض رسومات لأطفال سوريين لاجئين في لبنان في مقر السفارة الفرنسية في بيروت بدا هذا واضحاً، حيث وقف محمد العدلان (8 أعوام) النازح من حماة إلى لبنان، قرب لوحته ولم يتردد في الحديث بنبرة قوية تعكس معاناته الداخلية، فقال «رسمت طائرة تقصف منزلا، فيما يحاول رب الأسرة ان يحمي أولاده من القصف والقتل».

مشاهد الحرب كانت حاضرة أيضا في لوحة الطفل ايهم بيك (12 عاماً)، فالدبابات والطائرات والدماء كلها موجودة باشكالها وألوانها المختلفة، وهو يلخص ما جاء في رسمه قائلا: «هناك دبابة وفي الجهة الأخرى طائرة تدمران منزلا، وهناك شخص يضرب رجلا غطته دماؤه». ولا ينتظر بيك سؤاله عن سبب اقدامه على رسمة مماثلة، اذ يقول مستطردا رسمت هذه اللوحة لأظهر للعالم حقيقة ما يحصل في سوريا.

وتعمل المنظمات الإنسانية المحلية والدولية وعلى رأسها منظمة الامم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» على معالجة الآلاف من الأطفال السوريين من خلال مساعدتهم على استعادة الشعور بالأمان ومنحهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم وخلق طرق بناءة للتأقلم مع النزاع. وفي حوار خاص مع «القدس العربي» كشف مختصون عن أبعاد جديدة لمأساة الأطفال السوريين سواء داخل الوطن أو المنافي، وشددوا على حاجة ماسة إلى إعادة النظر في التعامل مع مأساتهم، بدءا من الاهتمام بالدعم المباشر للمنظمات المحلية العاملة على الأرض ومرورا بفتح مدارس ومراكز للعب ومراكز تأهيل نفسي وجسدي للأطفال من ضحايا الانتهاكات مثل العنف الجنسي والتعذيب أو الصدمات النفسية والعصبية الناتجة عن مشاهدة أهوال الحرب أو فقدان الأب أو الأم أو كليهما تحت القصف. وقالت الدكتورة ماسا الكردي الطبيبة والمعالجة النفـــسية وأحد مؤسسي جمعية سورية تعنى بعلاج الأمراض النفسية للسوريين لـ»القدس العربي»: عند زيارتي لمخيم الزعتري ضمن فريق طبي نفسي وثقنا العديد من المشكلات الصحية عند الأطفال بسبب الحرب والخوف أو فقدان العائلة أو التعرض للاغتصاب. وتتراوح بين الكآبة والذعر ومشاكل ما بعد الصدمة. ووجدنا أيضا ان الأطفال كانوا الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية وتأثرا بصور القصف والقتل والتهجير.

أحلام يبعثرها الخوف

لا تشبه أحلام الأطفال السوريين سواها لدى أطفال العالم. وبرغم الحرب الدائرة في بلدهم، ما زال معظمهم محتفظا بأحلامه. هناك من يحلم أن يعود ليلعب كرة القدم مع أصدقائه في ملعب الحي، كما كان يفعل في كل نهاية عطلة الأسبوع. وهناك من تحلم أن تعود لتمشط شعر دمية ”الباربي” كما كانت تفعل في غرفتها الصغيرة، وهناك من تحلم بقطف الأزهار من حديقة بيتها. وهناك آخرون يحلمون في مواصلة تعليمهم كي يصبحوا، كما حلموا، مهندسين وأطباء وأساتذة ورياضيين وفنانين. الحرب لا توقف الأحلام، كما يقول أحد الأطفال، الحرب تقتل البشر فقط.

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى