صفحات المستقبل

في انتظار الغارة؟

 

مازن السيّد

 كلّ المجريات السياسية والميدانية المتبلورة منذ خرج الروس والأميركيين علينا بمؤتمرهم الدولي الموعود، تشير إلى أن هذا الاستحقاق المتوقع في “النصف الأول من حزيران/يونيو” المقبل يأتي في خانة تحديد نافذة زمنية يقوم من خلالها الطرفان برسم خطوط مقدراتهما الإقليمية وحدود مساوماتهما المتبادلة.

ففيما كان من الواضح أن تشديد واشنطن على “الحل السياسي” لم يتناقض مع انخراط ميداني متصاعد، عبر الجهد الاستخباراتي أو الوسيط الاسرائيلي في المرحلة الأخيرة، أصبح ظاهراً اليوم أن روسيا هي أيضاً تضيف لمساتها الميدانية الأخيرة على كيفية إمساكها بالملف السوري، عبر تسليم منظومة صواريخ أرض-بحر من نوع “ياخونت” محدّث إلى سوريا، إضافة إلى تصريحات روسية تشير إلى تزويد النظام السوري بمنظومة “اس-300” الصاروخية المتقدمة.

صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، نقلت عن مصادر استخباراتية مسؤولة المعلومات عن شحنة الصواريخ الروسية “القاتلة للسفن”، فيما يتفق المحللون على أنّ هذا السلاح معدّ بشكل أساسي نحو مواجهة احتمال فرض منطقة حظر جوي، في الشمال السوري مثلاً، يحتاج إلى مشاركة من قوات بحرية، إضافة إلى منع وصول أي مساعدات عبر البحر للمعارضة في الداخل.

وتأتي هذه المعلومات غداة لقاء رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بالرئيس الأميركي باراك اوباما في واشنطن، حيث كان من الواضح أن الأول يدفع باتجاه انخراط عسكري أميركي مباشر، أو عبر ال”ناتو” في اتجاه فرض منطقة حظر جوي، فيما شدد اوباما على رفضه التدخل الأحادي في ظلّ مواصلة الحلف “الأطلسي” نفيه نية العمل العسكري في سوريا.

اردوغان الذي بدأ يلمس التهديد الفعليّ لحكمه واقتصاد بلاده وأمنها، من قبل الاشتعال السوري وامتداده إلى داخل الحدود التركي، لم يعد يملك العنصر الزمني الذي بدا مراهناً عليه خلال المرحلة السابقة منذ اندلاع الثورة السورية. لكن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الروسي الكسي بوشكوف أكّد أن “إرسال منظومة اس-300 إلى سوريا يشكل رسالة…بأننا نرفض التدخل الخارجي في سوريا”، مضيفاً “أن سوريا تطلب من روسيا تزويدها بإمكانية دفاعية ضد الغارات الجوية”.

 ويعي الاميركيون مصلحتهم في حماية حليفهم الإقليمي البارز، خصم روسيا التاريخي، لكنهم يظهرون اهتماماً استراتيجياً ميدانياً وسياسياً أكبر في الجنوب السوري وحدوده المفتوحة على الورقتين الإسرائيلية والأردنية، كما على “معركة دمشق” التي تبدو كحبلٍ يعمل الأميركيون وحلفاؤهم على شدّه وإرخائه بما يخدم جموداً “بناءاً” لهم، و”مدمراً” لسوريا وثورتها.

ومن هذا الباب، ستأتي المقاربة الأميركية لموضوع الصواريخ الروسية الجديدة: أمن اسرائيل. فالخطاب الأميركي-الاسرائيلي الحالي لا يركّز على النظام السوري كخطرٍ على شعبه و”الأمن الإقليمي”، بل يحيل هذا الخطر إلى “حزب الله”، كي يتمكن بذلك من تغطية خطوات أمنية وعسكرية تنفذها اسرائيل بالدرجة الأولى دون “التورط المباشر” في الميدان السوري.

هذا ما عبّر عنه المسؤول الرفيع المستوى في وزارة الدفاع الاسرائيلية الجنرال أموس جيلعاد عندما قال إن “الأسد يسيطر تماماً على الأنظمة العسكرية السورية، ويتصرف بشكل مسؤول ازاء اسرائيل”، مضيفاً أن “اسرائيل لا تسعى إلى إسقاط نظام الأسد”، وأن الغارات الاسرائيلية الأخيرة هدفها “واجب الدفاع عن اسرائيل”. أضف إلى ذلك ما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أميركيين “توقعوا” غارات اسرائيلية داخل سوريا “لمنع وصول الصواريخ المتقدمة إلى حزب الله”.

هكذا تظهر روسيا ومعها من معها من حلفاء النظام السوري إقليمياً ودولياً أنها تدفع باتجاه جعل التدخل العسكري الخارجي، عبر منطقة حظر جوي كسيناريو مرجّح، مستحيلاً بفعل التوازن العسكري الصاروخي المعزّز بتواجد 11 سفينة حربية روسية أمام السواحل السورية. في الوقت نفسه، لا يبدو ذلك مناقضاً للتوجه الأميركي-الاسرائيلي الذي لا يزال في موقع ال”ميكرو-تدخل” الدقيق لتحقيق مكاسب محدّدة دون الانخراط…عبر متلازمة الغارات الاسرائيلية المتكررة.

الدولة العبرية ربما تنتظر “الفصائل الفلسطينية والسورية” التي سيطلق النظام السوري يدها في الجولان، لتردّ على بعض قذائف لا تزعزع أي نسبة من أمنها، بخطة “المنطقة العازلة” داخل سوريا. لكن هذا، لن يأتي على الأرجح إلا بعد “المؤتمر الموعود”، عندما يجد الأسد وحلفاؤه أن مزيداً من الاحتلال الاسرائيلي هو الحلّ الأنسب لمأزقهم الوجودي.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى