صفحات الرأي

في انتظار «المنتظر»: من أحمدي نجاد إلى نصر الله/ بشير عيسى

 

 

في كتابه «الخميني: الحل الإسلامي والبديل»، دعا مؤسس حركة الجهاد فتحي الشقاقي، الى الاقتداء بالنموذج الإيراني الثوري، لاحتوائه «تجربة فكرية وسياسية في غاية العلمية، وفي اطار الاطروحات الشيعية العصرية، التي اقتربت من أهل السنة»! كما رأى أن هذه الثورة قدمت نموذجاً حضارياً جديداً للبشرية، حيث «أعلنت عن وفاة العلمانية وكافة البدائل التي أحضرها الآخر نيابة عن الإسلام»، وهذه البدائل برأيه «الليبرالية والاشتراكية» التي حاولت التشكيك في الايديولوجيا الإسلامية، وقدرتها على الاستمرار وحفظ الأمة.

فما يجمع حركة الجهاد والثورة الإيرانية، هو بحسب تعبير الحركة، الإسلام والهدف الواحد والقرآن الواحد، إضافة إلى معاداة الغرب والصهيونية. وذلك كنتيجة خلصت إليها، بعد صراع فقهي مع التيارات السنية وعلى رأسها «الإخوان المسلمون»، مؤكدةً على إسلامية الشيعة الإمامية، وأن قولهم بالإمامة أو العصمة أو المهدي، لا توجب كفراً ولا فسوقاً ولا خروجاً عن الإسلام، مستندة بذلك على فتوى الإمام محمد شلتوت، وغيرها من عشرات الشهادات، لفقهاء إسلاميين، تجيز التعبد على المذهب الجعفري.

بهذا التأسيس الايديولوجي، جاء التحالف السياسي- العضوي مع إيران، ناهيك عن حاجة قيادة الأخيرة، للمشروعية الرمزية والدينية للقدس والأقصى، كبوابة تسهل الدخول الى المنطقة، ما استدعى حينها من حركة حماس اتهام جماعة الجهاد بالتشيّع. وهي تهمة لم تكن حماس بمنأى عنها من غريمتها فتح، بعدما لحقت بركب الجهاد. إلا أن الأزمة السورية، كشفت براغماتية «حماس»، وثبات الجهاد في تحالفها مع ما تسميه محور المقاومة. وهنا لا يعود مستغرباً طلب المرشد خامنئي من الأمين العام للحركة رمضان شلح نقل المعركة إلى الضفة الغربية، بغية تخفيف الضغط عن غزة. الأمر الذي شجع القيادي خالد البطش، على الطلب من الجمهورية الإسلامية، إرسال الأموال لإعادة إعمار القطاع، كونها شريكة في النصر الإلهي الذي حققته عملية البنيان المرصوص. فالحركة باتت تدرك مؤخراً حاجة إيران الماسة لها، وذلك على خلفية انحياز «حماس» لإخوان قطر وتركيا!

والسؤال هنا: هل أتى تمسّك الحركة بالنموذج الثوري الإيراني عن إدراك لماهية هذا النموذج؟ أم أن الضرورة حتمت على الحركة التحول الى ذراع عسكري، حاله حال «حزب الله»، المؤمن بولاية الفقيه، وأن هذا الفقيه مناط به التحضير والاستعداد لقدوم المهدي المنتظر؟. فشعار تصدير الثورة ينطوي على حقيقة تهيئة المناخ في العالم الإسلامي والعالمي، لقدوم الإمام الغائب – المنتظر.

قد يبدو كلامنا مجافياً للمنطق، ولكن كيف نصنف خطاب الرئيس السابق أحمدي نجاد، على منبر الأمم المتحدة يوم 26/9/2012 حيث شدد وكرر أن «رجلاً عادلاً وناشراً للعدل، وهو المهدي عليه السلام، ومعه المسيح، سيأتي… وأن ظهور هذا المنجي والمنقذ إلى جانب المسيح عليه السلام، لن يكون من طريق الحرب والقوة، بل من طريق الصحوة والفكر، ونشر المحبة بين قلوب البشر»، ناهياً خطابه بدعوة قادة العالم: تعالوا معاً كي نهيئ ونحضّر لظهوره، من خلال الوحدة والتكاتف، وأن نستلهم الدروس والعبر من ظهوره: يعيش الربيع، يحيا الربيع.

وللتذكير، فإن أول قول ظهر بولاية الفقيه، كان للملا أحمد الزاقي عام 1830، وحجته «أنه في غياب الإمام المعصوم، فإن المجتهد يحل محله بوصفه خليفته»، بما يعنيه ذلك من سلطة كاملة. وهنا يصح ما قاله بدايةً الشقاقي حول العداء للعلمانية والليبرالية والاشتراكية، إضافة للغرب والصهيونية، إلخ…

فهل بعد هذا، يمكن وصف الثورة الإيرانية بأنها ثورة محبة وخير للشعوب، وهي التي انتهت بقتل ونفي واعتقال كل من خالفها التوجه؟ أليس احتكار المعرفة والحقيقة وربطها بالولي الفقيه هو الوجه الآخر للتكفير؟ وهذه مسألة في غاية الخطورة، كونها تعود بنا الى الطور الطفولي من تاريخ الحضارة البشرية!

إن ليّ عنق النصوص المقدسة، واستنطاقها بما يخدم ما يخالونه، تنبئ بالغيب، من خلال ما يسمونه دلائل وعلامات وإشارات يحاولون عبرها هندسة الواقع، بما يتماشى مع قراءاتهم وتأويلاتهم. وهذه هي الطامة الكبرى، لما تمثله هذه النصوص من قوة سيطرة وحشد، بينما يبقى هاجس تفرّق الرعية وخروجها عن سياقها المفترض الشغل الشاغل لراعيها! وقد أخذت الأمور بالتفلّت، بدءاً بمواقع التواصل، وصولاً للإعلام المرئي. فمحطة «القائم» (وتعني المهدي) نقلت أن أهالي من البصرة تعرفوا الى «اليماني»، ويدعى أحمد الحسن وأخذوا بمبايعته! وثمة روايات تتحدث عن ان اليماني سيخرج من اليمن، في إشارة الى الحوثي، بينما رايات «الخرساني» ستأتي من إيران.

بهذا التخبط والاندفاع واعتبار أن «السفياني» الذي سيخرج من بلاد الشام، وستتم محاربته حول الحرم المكي، هو زعيم تنظيم داعش، كان لا بد من إعادة ضبط الإيقاع، مخافة خروج الأمور عن السيطرة. وبهذا السياق جاءت كلمة السيد نصر الله، في ذكرى عاشوراء الأخيرة، قائلاً: «المهدي لا خلاف عليه، وانه من نسل النبي، وكذلك السفياني فيه إجماع عليه، وأما التفاصيل، فتختلف الروايات ما بين ضعيفة أو تحتاج لتدقيق، وخروج اليماني والخرساني أو الرايات فهذه قد وردت، وكذلك الصيحة من السماء، والخسف في البيداء بجيش السفياني، ولكن يبقى في هذا الباب الكثير من الادعاءات المهدوية، وكثير من المدعين، لم يحققوا شيئاً»، محذراً في الوقت عينه: «ليس المطلوب أن يخرج المسيح كيما يخذله النصارى، وليس المطلوب خروج المهدي وخذلانه، كما خذلوا جده الحسين، المفروض وجود ممهدين ومصلحين».

ومع هذا الواقع المتردي الذي نعيش، يحلو لأمتنا البقاء في متحف ذاكرتها، رافضةً دفن أبطالها الراحلين.

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى