عمر سعد الشيباني
هذا الخطاب الرابع لوريث السلطة بشار بن حافظ الأسد (الوحش سابقاً، وكنية الوحش هذه لها حكاية، أن والده سليمان عندما أتى إلى قرداحة، كان عنيفاً يصارع أهل القرية الفلاحين الفقراء، ولم يكن له أصل في المنطقة كما يقول باتريك سيل ، فلقبّه مختار الضيعة بالوحش لتوحشه، وعندما سقط رأس حافظ في قرداحة من خالدة الذكر نعيسة وترعرع الطفل في القرية ودخل الكلية الحربية، نصحوه بتغير الاسم إلى الأسد فرضي الرجل وأصبح أسداً، لكن كما ترون معي فالكنية مازالت في الفصيلة نفسها فالاسد وحش في الاصل، ولذلك نقول لمن خدع سليمان وابنه بأنهم كانوا متآمرين امبرياليين). ونرجع هنا إلى الخطاب الذي استغرق 90 دقيقة، وهو يشبه المثل القائل سكت دهراً ونطق كفراً. تراه يصمت ويختفي لثلاثة أو اربعة اشهر لاتصريح ولا حتى كلمة واحدة وكأنه يغيب في سرداب ثم يأتون به بعد أن يكتبون له الخطاب ليلقيه على مجموعة من رجال الأمن والشبيحة في مدرج الجامعة (وجامعة دمشق هنا غير الجامعة العربية رغم الاثنتين مشهورتين بالخطابات الكاذبة). والمؤامرة التي لاينتبه البعض لها هي برأي كبيرة على هذا الطبيب. أولها من الشخص الذي يكتب له الخطابات، إذ أنه يكثر من الغينات والراءات ( وخذ على تحوير لغوي، فالراء تتحول إلى لام والغين إلى ثاء). مؤامرة كما قلت متواشجة الاطراف. وهنا أريد أن اطرح عليكم سؤال له وزن : من أين سيتحمّل هذا المعُتّر كل هذه المؤامرات؟! واحدة من الشعب وأخرى من كاتب الخطابات وثالثة من الامبريالية ورابعة من سعد الحريري وخامسة من حمد بن جاسم . إلا يكفي مؤامرات. ولهذا السبب كان يخرج عن نص الخطاب ويقوم بارتجال كلمات ليس فيها غينات وراءات.
لن نناقش الخطاب لأنه لم يأتي بجديد، وياليته ماتكلم وماخطب. تشعره عندما يتكلم ، كأنه يهذي أو مصاب بحالة مرضية من نوع افلونزا الخنازير. حالة بصراحة لا أعرف تشخيصها، أتركها للدكتور (نادر ياغي) كي يشخّصها. ومقارنة هذا الخطاب بما قبله وبخطاب عام 2000، ترى أن كاتب الخطابات لايتعب نفسه ابداً، قص ولصق. وعلى سيرة الخطابات، يروي لي صديق مصري نكتة، فيقول أعطوا حسني مبارك خطاب مكتوب بخط واضح، وهذا قبل خلعه، أي في أيام العز، وخطب الرجل في مجلس الشورى فأطال. ولما انتهى، اقترب من كاتب الخطاب وقال له: أنا زعلان منك حبتين. فسأل كاتب الخطاب: لماذا كفى الله الشر؟ فقال الريس: تطوّل الخطاب ذي كده ليه؟ فقال الكاتب: ياسيدي، أصله أنا أعطيتك أربع نسخ من باب الاحتياط.
وهنا، إذا اعترض الرئيس منشار الاسد على الكاتب في تكثير الغينات والراءات، ماذا سيجيب؟ ارتاح لحرفيّ الراء والغين. ولذلك احذر كاتب الخطابات، لاتستغرب من الحكم عليك بالموت شنقاً عندما يكتشف الاسد المؤامرة الدنيئة التي تحيكها مع الشعب ضده. وأخيراً، في هذا لخطاب (التاريخي)، نرى أنه ذكر كلمة “عروبة” 40 مرة لأنه فاقد لأصالتها. وذكر كلمة السر في التعامل مع الشعب ألا وهي “إصلاحات” 35 مرة. وهناك كلمة سر أخرى وضعها أبوه هي “طوارئ” 12 مرة. وهنا نأتي إلى حركة وسلوك يقوم به عبيد السلطان دون تفكير ألا وهو التصفيق، فقد صفقوا 17 مرة فقط، مقارنة في المرة الأولى في مجلس الشعب التي كانت 44 مرة، والخطاب الماضي 20 مرة. هناك تراجع في التصفيق. ولانعرف أن السبب هو إنخفاض وتدهور شعبية القدوة الممانع بين عبيده المطيعين أم هو أمر آخر. أنا شخصياً أظن أن هناك أمر آخر، وهو أن هؤلاء الذين يستمعون ويصفقون قد تضاءل عددهم بسبب المؤمرة الكبيرة التي تحيكيها الامبريالية والرجعية العربية يد بيد مع الشعب السوري الثائر. وربما سبب التضاؤل هو أنهم جندوا انفسهم جميعاً لمطاردة المتظاهرين وقتلهم والباقي قد حضر وهو متعب من شدة العمل المتواصل طوال الليل والنهار في قتل وسحل وضرب عملاء الامبريالية من المتظاهرين السلميين. ولشدة الحاجة الماسة لفرق الشبّيّحة في الشارع السوري، لاتستغربوا أن تروا أسماء الأخرس وهي تحمل عصا كهربائية (أرسلتها لهم إيران) تطارد المتظاهرين في دمشق (لأنها لاتجيد حتى الان استعمال السلاح الناري- نواعم- مثل أبيها).
والطريف بالموضوع أن المجلس الوطني اجتمع وعذب نفسه وشجب الخطاب ورفضه. وكأنهم يتوقعون من منشار الاسد شيء آخر. إلا تعرفون المثل القائل: فاقد الشيء لايعطيه.
هناك مسألة أخيرة أريد أن أطرحها على المتفلسفين في التاريخ وجرائم الحروب مثل محمد حسنين هيكل. فبينما يخطب هذا القائد الهُمٌام، يسلم رجال أمنه طفلة عمرها اربعة اشهر من مدينة حمص واسمها (عفاف محمود سراقب) إلى جدها وآثار التعذيب بادية على جسدها جثة هامدة. كانت قد اعتقلت مع أمها وابيها منذ اسبوعين. الأم والأب مازال يأخذون قسطهم من التعذيب. هل فعل المغول هذا بأعدائهم؟ هل أقدم أندل مخاليق البشر على فعل كهذا؟
