صفحات الرأي

في سؤال من نحن؟/ماجد كيالي

 

 

“نكون أو لا نكون”، هذه جملة عودتنا عليها الخطابات السياسية، في العقود الماضية، مع أنها تنطوي على مشكلات عديدة، أولها، أنها تغفل الحاضر، بكل مشكلاته، وتذهب مباشرة إلى المستقبل. وثانيها، أنها تعتقد أن مشكلات العالم العربي تنبع من المشكلات والتحديات الخارجية. وثالثها، وربما اهمها، أنها تتعاطى بصيغة الـ”نحن”، أي بلغة جمعية، باعتبار أن مجتمعاتنا بمثابة كتلة واحدة، صلبة وناجزة ونهائية، وهو ما ثبت عدم صحته، بدليل احوالنا اليوم.

ولعل هذه النظرة الواحدية، التنميطيّة والتعسّفية والقاصرة، هي التي تفسّر تعاطي البعض مع مشكلة اليمن باعتبارها تكمن في وجود الحوثيين، وفي أمكنة أخرى ربما في وجود الأمازيغ، او الكرد، او النوبيين، أو الاقباط، او الشيعة، مثلاً، كأن هؤلاء هبطوا من السماء، أو غرباء أتوا من خلف الحدود، وليسوا من نسيج هذه المجتمعات وجزءاً من ثقافتها وحضارتها.

الواقع أن هذا النمط من التفكير الساذج والقاصر يؤدي الى اضعاف مجتمعات المنطقة وتفكيكها، ويدفع بعض مكوناتها لإيجاد بدائل للدفاع عن ذاتها من خارج الحدود.

وعدا عن أن مشكلة اية جماعة بشرية تكمن في السلطة، ونمط الحكم وتوزيع الموارد، أي انها مشكلة عامة، فإن مشكلة الجماعات المذكورة، اثنية او دينية، لا تكمن في وجودها، بقدر ما تكمن، أولاً، في تبنيها سياسات استئصالية، كردة فعل على ما تعتقده ثأراً للمظلومية التي وقعت عليها في زمن سابق. وثانيا، في قبولها الانضواء في التوظيفات السياسية لدول إقليمية، ما يموضعها خارج إطار أي مشروع وطني في مجتمعها. وثالثا، في انتهاجها العنف بدل انتهاج الوسائل السلمية والديموقراطية، وهو ما تفعله جماعة الحوثي في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق و”حزب الله” في لبنان والجماعات الإسلامية المسلحة والمتطرفة في سوريا.

هكذا اكتشفنا في السنوات الماضية، وبسبب الايديولوجيات السلطوية، ملكية وجمهورية، قومية ودينية، أن مجتمعاتنا مفكّكة، وهوياتنا ملتبسة، وأن اجماعاتنا، وادراكاتنا لذاتنا، متوهّمة، أكثر مما نعتقد. فقد عرفنا، بشكل متأخّر، وبثمن باهظ، أننا لسنا مجرد عرب، أو مسلمين، إذ هؤلاء يتوزعون كسنّة وشيعة ودروز وعلويين واسماعيليين وسلفيين وصوفيين وجهاديين. وثمة عرب مسيحيون، أرثوذوكس وكاثوليك وبروتستانت. فوق ذلك ثمة الكرد والنوبيون والأقباط والأمازيغ والتركمان والشركس. وإلى جانب الهويات القومية والاثنية ثمة هويات، او انتماءات وعصبيات ايديولوجية، لا تقلّ في أهميتها عن سابقتيها.

على ذلك لا مناص للخروج من التفكّكات الاجتماعية والاحترابات الأهلية، إلا بالتحول الى دولة مواطنين، ديموقراطية دستورية، وقبول واقع الاختلاف والتنوع والتعددية في مجتمعاتنا، واعتبارها عامل قوة وحيوية وغنى. هذا ما أفادت به التجربة الأوروبية، مثلاً، ويبقى لنا اختيار كيفية تعلم هذا الدرس، بالطريقة الصعبة او بالطريقة السهلة.

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى