صفحات سورية

في ظلّ أزمة الثقة المتفاقمة… إلى أين يتّجه النظام السوري؟

 


فايق عمر

استمرار عمليات القتل العشوائي والاعتقال العشوائي في سوريا، بعيد إلغاء النظام السوري قانون الطوارىء، ومحكمة أمن الدولة العليا، وإصداره قانون تنظيم التظاهر، يُفسّر الأسباب الكامنة وراء انعدام ثقة المواطن السوري به، واستمراره في الاحتجاج والتظاهر، حتّى وصل به الأمر للمطالبة بإسقاطه، بعد أن كانت الحرّية هي سقف مطالبه.

النظام السوري كانت أمامه فرصة ثمينة لإعادة ثقة الشعب المزعزعة به، وخلق حالة من التلاحم والوئام الوطني، المفقود منذ عقود، جرّاء السياسات الخاطئة أو المقصودة للزمرة الحاكمة، بين عموم شرائح وفئات المجتمع السوري. خاصة وأنه كان سعيد الحظ جداً لأنه لم يكن أول نظام يقع في مرمى رياح التغيير العاصفة بالنظم الاستبدادية في المنطقة، وكان بإمكانه أن يتّعظ ويأخذ العبر من تجارب أسلافه.

لم يتخل النظام عن كبريائه، وأبى النزول إلى مستوى مطالب الشعب، رافضاً منحه أبسط حقوقه وهي “الحرية”. بقي على المنوال “الدقّة” القديمة، ووقع في أخطاء الآخرين، مستغبياً الشعب، ولاجئاً إلى أساليب بالية ومهترئة، كانت تفعل فعلها فقط في زمن ثقافة الجبن والخوف. أخطأ النظام في الاعتقاد أن هذا الزمان هو ذاك الزمان، وأن الشعب السوري هو نفسه، شعب ما قبل زمن الثورات العربية، سهلٌ خداعه، واللعب معه، وإبقاؤه متقوقعاً في قمقمه خانعاً ذليلاً .

النظام السوري يتخبّط الآن خبط عشواء، وينزلق إلى المنزلق الخطير. واستباحته للدم السوري، وإراقته وسفكه بهذه الشراسة، وهذا النهم الفظيع، معطياتٌ على عزمه واستعداده لخوض معركة طويلة الأمد مع المواطنين العزل، دون مبالاة، أو حساب للعاقبة التي ستناله من جراء عمل وحشي كهذا. رأس النظام لن ينفعه حينها التبرؤ وإلقاء مسؤولية هدر الدم السوري على بعض من أركانه، كجهاز الأمن العامل بإمرة شقيقه وصهره. ادعاءات بعض من أعوانه الآن بأنه رجل ثقة وإصلاح، ومزاعم آخرين من هؤلاء أن عناصر الاستخبارات مفلوتةٌ من عقالها ولا سيطرة له عليها، كلّ هذا أيضاً لن يشفع له، أمام محكمة الشعب حين يمثل أمامها. من يحكم مملكة أمنية، وليس له عليها سلطان، لا مبرّر لبقائه على رأسها، إلا أن يكون متورطاً في جرائمها من رأسه حتى أخمص قدميه.

طلّتان للأسد، الأولى الضاحكة الخانقة والثانية الشاحبة العليلة، وخطوات خجولة للتهدئة وامتصاص الغضب، ولكن دون أيّ جدوى. الأزمة هي إذاً أزمة ثقة بين النظام والشعب، ومن غير الممكن والمعقول أن تُحلّ بمستوى التغيير الذي حصل في الحكومة، المتغيّرة جزئياً في الشكل والباقية على المضمون كما هو، ولن تحلّ بما أقرّ من مراسيم، تلبية لبعض المطالب ما هي في الأساس إلا سقفها الأدنى. وما زاد الطين بلّة، وأقصى الثقة كلياً في النظام، هو حمّام الدم الذي أعقب ما سميّت من بعض المقرّبين من النظام، والعازفين على أوتاره، والمعتاشين على وجوده، بالخطوات الأولى في مسيرة الإصلاح.

مع انتفاء احتمالات عودة الثقة المعدومة، بسبب الهمجية والشراسة اللتين سجّلتا عنواناً لمرحلة البداية في مسيرة الإصلاح المزعومة، تنحصر وتضيق خيارات النظام السوري. الاعتقاد السائد الآن، هو استحالة تهدئة روع وغضب السوريين، الذين فقدوا وقدّموا أغلى ما لديهم، حتّى ولو لبّى النظام مطالبهم، وفي حدودها القصوى. تجارب الأنظمة الشقيقة الثلاث، تونس ومصر واليمن، لربما هي ما يدفع بهذا الاعتقاد ويقوّيه. فهذه الأنظمة، اليمني لا يزال سائراً إلى مصير الأولَين، لم يُسعفها كلّ تنازلاتها وتوسّلاتها بالبقاء حتى نهاية الولاية التي كانت تحكم فيها. بالطبع دون أن ننسى الرابع، الليبي، الذي أعلن، ومنذ شرارة الثورة الأولى، مطاردته لشعبه “زنقة زنقة”، وكانت النتيجة أنه هو الذي انحصر في “زنقة” ضيقة، مخفياً عن الأنظار، تعجز حتّى أمريكا أن تجد له مستقبِلاً في بلاد الله الواسعة!

على أيّة حال، خيارات النظام السوري باتت معدودة جداً، وأحلاها مرّ وعلقم. والسؤال الذي يبقى مطروحاً برسم الإجابة هو: ماذا به فاعل؟ هل سيترك الشعب السوري بحاله ويستعجل في الرحيل؟ أم سيبقى متشبثاً بالكرسي، غير آخذٍ العبر والمواعظ من أسلافه، ويسفك في سبيله المزيد المزيد من الدم السوري؟

كاتب كردي سوري

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى