صفحات العالم

في مديح القتل


إيلي فواز

يخطئ من يظن ان المسألة السورية يمكن مقاربتها من منظار سياسي. فبعد مرور اكثر من ستة شهور على انتفاضة سلمية لا تكل ولا تمل في مواجهة الة قتل منهجية تنقض بوحشية على الناس العزل بكل الوسائل المتاحة، يمكننا التأكيد على ان الازمة السورية هي قبل اي شيء آخر ازمة انسانية.

فالتساؤل الوحيد الممكن في هذه المرحلة من قبل المتابعين للملف السوري، لا  يمكن ان يدور حول مصير الاقليات مثلا، او ان يتناول الاصلاحات والخطوات البعثية التي ممكن ان تعيد الهدوء الى هذا البلد، انما حول كيفية ايقاف زمرة المجرمين الذين يحصدون الابرياء ويعرضون بلادهم الى خطر الحرب المذهبية، والمنطقة الى خضات هي بغنى عنها.

طبعا سيطل علينا من يبشرنا ان المسيحيين في سوريا “سيدفعون اثمانا لا يتصورها عقل اذا سقط نظام الاسد”، وهو الذي امعن في اضعاف مسيحيي لبنان وتهجيرهم ايام عهد الوصاية السورية، وسيقول لنا ادعياء التغيير والاصلاح ان ما يحصل هو مؤامرة كونية تستهدف قدرات الجنرال في تثبيت دور وفعالية الموارنة في الشرق، اما الهة التحرير الذين يدعون مناصرة الشعوب المقهورة، فهم لن يتراجعوا عن اتهام االغرب بالعمل للنيل من المقاومين والقضية الفلسطينية، ولكن هل تساءل احد منهم كيف يمكن ان يستمر نظام يقصف شعبه من البر والبحر والجو؟ واي اصلاح مع من يرسل جيشه يغزو احياء آهلة، ويامره بان يدمرها على رأس قاطنيها، واي مفاوضات ممكنة مع من ينتهك حرمات الجوامع ويغلق ابواب بيوت الله امام المصلين؟

لم يعد مقبولا بعد اليوم استماتة بعض السياسيين اللبنانيين في الدفاع عن نظام الاسد وفي تبرير افعاله بحق شعبه، تارة تحت شعار حرصهم على مصير المسيحيين وتارة اخرى تحت شعار محاربة الامبريالية، حتى لا يعتبروا شركاء في الجريمة.

فالجميع يعلم ان المرحلة دقيقة وخطرة، وان الانتقال من ضفة الديكتاتورية الى ضفة الديمقراطية لن يتم بالسرعة المرجوة، وكثر يتوقعون للمنطقة مرحلة من عدم الاستقرار، وساحة لصراعات قوى ستجد في سوريا امكانية تحويلها الى افغانستان ثانية او حتى عراق اخرى. ولكن وبعكس ما يفوه منظرو الممانعة والاصلاح كلما طال امد الديكتاتور كلما اصبح مصير المنطقة اكثر خطورة.

وكيف لا والديكتاتوريات دمرت المجتمعات المدنية بكاملها وافقدتها مبادرتها وحاصرتها ومنعت العمل السياسي عنها، ثم حولت الاقتصاد القومي شركة خاصة لخدمة الديكتاتور، وامعنت في الفساد وقتلت الفكر المختلف لصالح فكر الحزب الحاكم، وشجعت الاحكام العرفية على حساب حكم القانون، وقمعت المعارضة وسجنت او قتلت المعارضين وكل ذالك على مدى عقود من الزمن..

ان مستقبل سوريا هو رهن ارادة السوريين الذين سيكون عليهم دفع فاتورتين، الاولى ثمن تحملهم الديكتاتورية على مدى اربعين عاما، والثانية ثمن اسقاطها. وبين هذه وتلك قد يكون بعض من فوضى وتوتر، قد يبدو امر تجاوزها ممكنا اذا ما اخذنا في عين الاعتبار مسار الثورة السلمي والحضاري خاصة من جهة تاكيد المتظاهرين على قيم العيش المشترك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى