صفحات الرأينارت عبد الكريم

في مشكلة التدوين/ نارت عبدالكريم

 

 

إذا ما أردنا الانطلاق من النقطة التي انتهى إليها جاك دريدا حين أشارَ الى وجود أرشيفات حية ومحظورة تخصُّ البشريَّةَ كلَّها، واجهتنا مشكلة التدوين، أي تدوين تلك الأرشيفات بلغة عصرنا، وقبل ذلك مشكلة تقنية بحتة، هي بمعنى آخر: ما هي الطريقة التي تمكّننا من الوصول إلى تلك الأرشيفات، والتعرف الى محتوياتها؟

يُشير غاستون باشلار، في شاعرية أحلام اليقظة، الى الخطأ الذي يقع فيه عالِم النفس الذي يصف ما يرصد، والذي يقيس مستويات، ويُصنف نماذج، ويرى ولادة الخيال عند الأطفال، من دون أنْ يفحص، في الحقيقة، كيفية موته عند عموم الناس. هذا الخيال الذي عدَّهُ كارل غوستاف يونغ أداةً للمعرفة «لا شيء أبعد عن الحسيّ والواقعيّ من الخيالات والأوهام، ومع ذلك لا شيء أَكْثر فاعلية منها في ما يخصّ دائرة النفس بل في دائرة السيكو- فيزياء».

وتقول إحدى فرضيات الخيال العلمي، إنَّهُ بمقدورنا رؤية ما حدث في الماضي البعيد إذا ما استطعنا اختراع مكوكٍ فضائي أسرع من الضوء. ولأنَّ ذلك لم يتحقّق بعد، فليس من خيار بين أيدينا إلاَّ الاعتماد على مَلَكة التَخيّلُ وتطويرها. وحيث أنَّ تلك الأرشيفات تعود الى زمن الإنسان البدائي، الى مرحلة طفولة البشرية، أي ما قبل اختراع الكتابة وقبل أنَّ يكتشف أجدادنا النار ويستخدموا الأسلحة البيضاء، فالحديث هنا يدور عن إنسان الكهوف والغابات. هذا «الإنسان الأعزل» وجدَ نفسه وجهاً لوجه في مواجهة الحيوانات الكاسرة والمتوحشة، ولكي ينتصر عليها، تَبنَّى وحشيتها فارتدى قناعاً نفسيّاً وجسديّاً على هيئة وحشٍ كاسر، وترسختْ لديه، مع مرور الوقت، دفاعات نفسية وتخيلات وأوهام تُناسب تلك المرحلة.

لكنَّ الفظاعات التي نشاهدها يومياً، في عصرنا الراهن، على شاشات التلفزة، سواء في سورية أو في العراق، وتلك التي حدثتْ في القرن العشرين إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومجازر التطهير العرقي في يوغوسلافيا ورواندا وسواهما، تُعيدنُا، مجبرين، الى نقطة البداية، أي الى سؤال «القِناع». ماذا فعل الرجل بقناعهِ، هل رماه بعيداً أمْ قام بالدخول في جوفه؟

* كاتب سوري

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى