صفحات الثقافة

في معنى كلمة ‘طز’


جورج كدر

ماذ تعني طزّ في الجامعة العربية؟ ما تعني طزّ في أمريكا؟ سؤال محيِّرٌ، دفعني للبحث فيما تعنيه كلمة طزّ، خاصة أن هذه الكلمة ‘الشعبوية’ إلى حدّ كبير، استخدمت ‘سياسيا’ على لسان مندوب سورية في الجامعة العربية، أي في داخل البيت العربي الكبير عندما اتخذ قرار بتعليق عضوية سورية في الجامعة، وثانيا تسعفنا فيه الذاكرة التي تحتفظ بمشاهد تركها القذافي في ذاكرتنا، وتحديدا عندما كان يوقف بث محطاته، الرسمية لتصبح الشاشة ‘خضراء بلون كتابه الأخضر، ثم تخرج عبارة بالأصفر أو البرتقالي، تقول: ‘طزّ في أمريكا’ ثم تبدأ العبارة تتنطوط على الشاشة ذات اليمين وذات الشمال.

لذلك كان الخوض في حقل هذه الكلمة الشعبية شائكا لدرجة كبيرة. ولا تتوقعوا أن العملية بسيطة، فتفكيك لغز هذه الكلمة اقتضى مني جهدا كبيرا. فهو بحث لغوي جاد،

اتبعت فيه منهجا بحثيا إليكم خطواته:

بحثت طويلا في ‘معاجم العرب’ عن أصل الكلمة، ويبدو أنها كلمة قديمة جدا، نظرا

لجذرها الثنائي. ‘الطاء’ و’الزاي’. فتوجهت بالسؤال للأستاذ غوغل، وسخرت إمكانيات الترجمة الهائلة فيه في خدمة هذا البحث ..

وليفيدني الباحث الكبير والعالم الفهّامة ‘غوغل’ بعلمه: كان علي أن أجري عملية قلب لـ’طز’ إلى الحرف اللاتيني لسببين: الأول كي يساعدني غوغل الذي لا يفهم إلا لغة الذي ابتكره، والثاني لأن لها جذورا في اللغة التركية التي استخدمت منذ عهد أتاتورك الحرف اللاتيني، فتصبح الكلمة’ Toz’ و ‘توز’ هذه في:

اللغة العربية: طز في التركية: هي ‘المسحوق’، وقيل ‘الملح’ وفي الأذرية (الأذربيجانية وتستخدم أيضا في عدة مناطق من إيران): ‘الغبار’.

وفي الاسبانية: ‘سعال’ المفارقة أن معنى ‘توز’ في اللغة العربية يؤدي إلى غير المعنى المراد منها:’يقول صاحب اللسان ابن منظور، وصاحب القاموس الفيروزآبادي’: التوز: الخُلق، والتوز: هو الأصل. والأتوز: الإنسان الكريم.

قد يتبادر إلى الذهن أن هناك علاقة عضوية بين كلمةToz وTez ، لكن سيخيب ظن المعتقد، لماذا؟ لأن كلمة Tez في الأذرية تعني ‘سريع’ ، وفي التركية الأطروحة وفي الاسبانية تعني البشرة.

أمثلة توضيحية:

في التركية عندما يقول شخص مثلا عم حضر لـ ‘Tez ‘ الدكتوراة، أي لأطروحة الدكتوراة.

في الاسبانية عندما تقول لفتاة جميلة بصيغة المتعجب والمنبهر والمستفهم بآن

معا: ‘شو هل Tez الحلوة!!!’ فهذا يعني أنك تقول لها:’ما هذه البشرة الجميلة؟؟

المكتشفات الأثرية

لكن في عامية بلاد الشام لـ tez و toz معان مختلفة حتما مما يدل على أن لها أصلا في اللغات السورية القديمة، ولم يصل العلم حتى اليوم إلى معرفة معناها، إذ لم تخبرنا المكتشفات عن رُقم ومخطوطات قديمة عن معاني هذه الكلمة على حد علمنا.

طز في الأخبار و في المرويات ‘الغوغلية’ لا يتناطح عنزان في أن ‘غوغل’ سيكون ‘هيرودت القرن 21’ وهيرودوت لمن لا يعرفه هو المؤرخ اليوناني الشهير الملقب بأبي التاريخ، في المرويات الغوغلية نقرأ مرويات عن فيس بوك ثنا ياهو ثنا هوتميل ثنا جيميل عن غوغل أنه قال:

عندما كان للأتراك السيطرة وحكم بلاد العرب، كان عسكرهم على مراكز ونقاط

التفتيش، يسألون العربي عندما يمر، عما إذا كانت الأكياس التي يحملها، هي أكياس

ملح، وعندما يتأكد العسكري التركي من ذلك، يشير بيده في إيماءة بيده تدل على

السماح للعربي بالدخول وهو يقول لزميله: ‘طز طز طز’ فيرد المواطن العربي ‘طز’ اي إن ما يحمله هو فقط ملح فيسمح له بالمرور دون تفتيش!

تعقيب لا بد منه:

(وربما يكون الأصل في الحركة التي اتخذها مندوب سورية في الجامعة العربية وهو ينطق كلمة ‘طز’ وهي الحركة الشهيرة التي ترافق نطق هذه الكلمة، أساسه الأنثربولوجي هو حركة العسكري التركي للسماح بدخول ‘مسحوق الملح، الطز’).

وفي رواية أخرى عن فلان، عن غوغل ثنا الكاتب أميل حبيبي أنه قال: أثناء الحرب العالمية الأولى، كان الجباة الأتراك يداهمون البيوت في فلسطين، بحثا عن

المؤونة لفرض الضرائب عليها، وهم يفرضون الضريبة على أكياس القمح والشعير والسمسم والفول والحمص. ولكن أقل ضريبة كانت على الملح، ومن أجل التهرب من الضريبة كان الفلسطينيون يدعون أن أكياسهم مليئة بالملح وحده، وهكذا يدخل الجابي فيدور الحوار التالي مع صاحب الدار:

ماذا في هذا الكيس؟

ملح!

فيصرخ الجابي بمرافقه: سجل طز!

لكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف أصبح للطز علاقة بالملح، في المخيال الشعبي

والأمثال الشعبية؟

في التراث الشعبي السوري، عندما يخرج من بيتك شخص لا تحب معاشرته، فإن النساء تقوم برش الملح على عتبة البيت، كي لا يعود هذا الشخص…وكأن صاحبه يقول له ‘اي حلّ عن Teze’ ومن معانيها أيضا بشرة الوجه وأطروحة الدكتوراة.

وفي الأمثال الشعبية، هناك مثل يقول:’ملحه على ركبته’، وهو يقال للشخص سريع الغضب وسيىء الخلق…’ يعني طز- Toz بهيك شخص’.

بالمحصلة، فإن لغة الـ’ALToz-tyza'(والطزطيزية هي عربة صغيرة من ثلاثة دواليب كان يستخدمها الفقراء تتميز بضجيجها الهائل)، لا تنفع في ‘السياسة، لأنها تدل على توتر الديبلوماسي وضوجانه. وبديهي أن أهم صفات الديبلوماسي محافظته على رصانته وهدوئه.

يقول المثل السوري الشعبي: ‘ شو جاب الطز للمرحبا’.

والله من وراء القصد، ولا حول ولا قوة إلا بالله…

كتب هذه الرسالة، العبد الفقير جورج كدر الحمصي، في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر لعام ألفين وأحد عشر ميلادية..وانتهى من كتابتها بذات

التاريخ..

*كاتب وإعلامي سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى