صفحات الناسغالية شاهين

قاسيون دمشق.. شرفة على قسوة تاريخها/ غالية شاهين

 

 

حمل الجبل على مرّ التاريخ أسماء عديدة، مثل جبل الصالحين وجبل دير مران، لكن اسم قاسيون بقي ثابتاً، وهو المستعمل حالياً.

تكثر الروايات حول أصل التسمية. فيقول البعض إنها تأتي من كلمة “قسوة”، وذلك يعود إلى طبيعته القاسية، فقد قسا ولم ينبت الشجر على قمّته.

تتعمشق بيوت دمشق على قاسيون، وكأنّها تبحث عن الدفء في صدره. فقد امتدت أحياء كثيرة لتطاول السفح أحياناً، كحيّ ركن الدين والمهاجرين والشيخ محي الدين وأبو رمانة وغيرها.

أحاط الدمشقيون جبل قاسيون بكثير من الأساطير، لوجود عدة مقامات ومغارات مقدسة منتشرة على سفحه وجوانبه. وقد اعتادوا تمضية ليالٍ صيفية كاملة على قمته، حيث يوجد الكثير من المطاعم والمقاهي والمصاطب المخصصة للجلوس قبالة دمشق. ونظرا لكثافة الزوار في ليالي الصيف، قد يضطر الكثيرون لافتراش التراب أو الرصيف لعدم توفّر الأمكنة في المقاهي والمطاعم.

من هناك، تستطيع أن تستنشق أنفاس دمشق الرطبة، وأن ترى معظم الأحياء الدمشقية بصورة بانورامية قلّ مثيلها، فكأنك قادر على احتضان دمشق بين ذراعيك. وتكون تلك الصورة في أجمل حلّة ليلاً، حيث تشاهد دمشق كبقعة متلألئة بشتى أنواع الفوانيس والأضواء، وتستطيع أن تميّز حاراتها الضيقة ومعالمها الرئيسية.

تميّز قاسيون أيضاً بأنه ملتقى العشاق وحافظ أسرارهم. فكثيراً ما تشاهد الثنائيات الجميلة تتوسّد الأرض مع زوادة بسيطة تتضمّن القهوة والشاي والبزورات والنرجيلة. وكثيراً ما كنت تصادف مجموعات من الشبان والشابات يتحلقون حول عازف عود، يغنون ويرقصون.

اليوم، حرم السوريون من الصعود إلى قاسيون. وقد استبدلت المقاهي والمطاعم بدشم وقطع عسكرية. ولم يعد ممكناً تجاوز الحواجز الكثيرة الموضوعة على طول الطريق إليه.

ما عاد قاسيون مُلكا للدمشقيين، وفقد العشاق ملجأهم. حتى الأحياء الدمشقية المتاخمة لسفحه باتت مخنوقة بالحواجز والأسلحة. لكنها ما زالت تلتصق بصدر قاسيونها علّه يحميها مما تربع على سفحه هذه الأيام.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى