صفحات سوريةفايز ساره

قانون الأحزاب في السياسة السورية


فايز سارة

أقرت الحكومة السورية مؤخرا قانون الأحزاب السياسية في البلاد، وهو خطوة تمهد لصدور القانون لاحقا بعد أن يصدق مجلس الشعب السوري على قرار الحكومة، ليصبح قانونا نافذا يمكن تنظيم الأحزاب السياسية ونشاطها على أساسه.

وأهمية هذه الخطوة أنها تكسر النمطية السياسية، التي اختطها حزب البعث منذ استيلائه على السلطة في عام 1963، عندما استأثر بالحكم وحيدا، ثم أفسح حيزا هامشيا لأحزاب شكلية، قبلت أن يكون البعث «حزبا قائدا للدولة والمجتمع» حسب نص المادة الثامنة من الدستور، التي كرست هامشية الأحزاب المتحالفة مع البعث، فيما كان الواقع يحظر ويجرم عمل أي حزب أو جماعة سياسية أخرى، تنشط في سوريا.

وإذا كان قانون الأحزاب قد كسر تلك النمطية السياسية في سوريا على قسوتها وشدتها، فإنه في الوقت نفسه لا يمثل تقدما كبيرا على صعيد التحولات المطلوبة في سوريا بالنظر لما آلت إليه الحالة السورية بعد أربعة أشهر من حراك شعبي واسع، ورسم ملامح مختلفة للتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في البلاد، بحيث لم يعد صدور قانون للأحزاب السياسية فيه سوى تفصيل صغير في إطار لوحة عامة، مثله مثل قانون انتخابات برلمانية مرتقب، وقانون للإعلام مثله، وعشرات من قوانين سائدة، صار تغييرها مطلوبا، أو قوانين جديدة صار من المطلوب صدورها.

إن صدور قانون الأحزاب الجديد، والقوانين الأخرى المطلوبة، يفترض أن يتم وسط بيئة سياسية، ترسم ملامح وأسس الدولة، التي بات السوريون في السلطة والمعارضة والحراك الشعبي يتحدثون عنها، وهي الدولة الديمقراطية المدنية، والتي باتت حسب التصريحات والتأكيدات موضع توافق الأكثرية السورية، وعلى اعتبار أن الدستور – أي دستور كان – بمثابة مولد لكل القوانين، فإن البداية تكون منه في رسم ملامح الدولة الجديدة، بمعنى أن المطلوب إصدار دستور جديد لسوريا، وهو مطلب جرى التركيز عليه في النقاشات والحوارات، وفي الكلام الرسمي في الفترة الأخيرة، لأن صدور أي قوانين تقدم باعتبارها «خطوات إصلاحية» سوف يصطدم بمحتويات دستور، إذا لم يتم استبداله أو تعديله فإنه سيؤدي بصورة طبيعية إلى تعطيل القانون أو القوانين الجديدة مهما كانت.

إن ملامح التصادم بين محتويات الدستور وقانون الأحزاب الجديد كثيرة ومتعددة، لكن الأهم فيها يتمثل فيما أشير إليه بصدد موقع حزب البعث في قيادة الدولة والمجتمع، وهذا يجعل أي كلام عن أحزاب أخرى غير ذي معنى، إذ هي في مرتبة التابع للحزب الحاكم الذي يتولى طبقا لمحتويات الدستور الحالي ترشيح رئيس الجمهورية، كما أن محتوى الدستور فيما يتعلق بطبيعة النظام السوري، من حيث هو «نظام اشتراكي»، يمنع قيام أحزاب غير «اشتراكية»، بل إن القانون السوري يحيل المواطنين والأحزاب إلى المحاكمة بتهمة «مناهضة النظام الاشتراكي»، وهي تهمة قد تؤدي في الظروف المشددة إلى الإعدام. وباستثناء فكرة التصادم بين محتويات الدستور وقانون الأحزاب، فإن في محتويات القانون الجديد ما يجعله متصادما مع روح التحولات المطلوبة في سوريا، ومنها تخفيف قبضة السلطة التنفيذية، حيث يضع القانون الأحزاب تحت هيمنة الحكومة من الناحيتين الإجرائية والقانونية، إذ يعطي وزارة الداخلية حق ترخيص الأحزاب، وذلك من خلال تولي وزير الداخلية رئاسة لجنة الأحزاب، وهي لجنة يعينها رئيس الجمهورية. وتم إخضاع تشكيل الأحزاب إلى نسق من المبادئ ثبت في نحو خمسين سنة من حكم البعث أنها خضعت لاعتبارات سياسية، وجرى تعويمها لترتيب إدانات لكل من عارض النظام من الأحزاب والشخصيات، وهي اعتبارات لم يتم احترامها من قبل النظام وحزبه الحاكم وفي مقدمتها «الالتزام بأحكام الدستور ومبادئ الديمقراطية وسيادة القانون واحترام الحريات والحقوق الأساسية..».

والأمر في جوانب أخرى لا يقل عما سبق في علاقته بالمبادئ المتصلة بـ«الحفاظ على وحدة الوطن وترسيخ الوحدة الوطنية للمجتمع»، وهذه مبادئ عامة، يمكن استخدامها بطرق ملتبسة، وثمة جانب آخر في مبادئ قيام الأحزاب وهو «عدم قيام الحزب على أساس ديني أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني، أو على أساس التمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللون»، و«ألا يكون الحزب فرعا أو تابعا لحزب أو تنظيم سياسي غير سوري»، وهذا الجانب من المبادئ يمثل تعارضا في الأهم من جوانبه بين محتويات القانون ووقائع وجود حزب البعث الحاكم الذي لا شك أنه لن يقوم بتسوية أوضاعه مع محتويات القانون، لأنه لن يتخلى عن هويته العروبية «القومية» ولا عن تنظيمه القومي في البلدان العربية الأخرى، وفوق ذلك، لم يقل القانون شيئا عن سيطرة البعث المطلقة ودوره في المجتمع والدولة وفي اختيار رئيس الجمهورية.

القضية الأساسية في سوريا اليوم هي إعادة بناء البنية السياسية للبلاد، وهو أمر يتطلب دستورا جديدا، وبالاستناد إليه تتم صياغة قوانين جديدة تنظم مختلف جوانب الحياة في السياسة والاقتصاد والمجتمع أولا، ومع ذلك، فإن محتوى قانون الأحزاب الجديد فيه خروقات لطموحات السوريين التي يعبرون عنها اليوم، وهو في بعض جوانبه، يكرس بعضا من ملامح السياسة التي سادت في السابق وأدت إلى الأزمة الحالية.

* معارض سوري

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى