صفحات سورية

قانون الثورات

    عبد الكريم أبا زيد

كتب أحد المحللين السياسيين في إحدى الصحف السورية: “إن برنار هنري ليفي هو صانع الثورات العربية، كان صلة الوصل بين الثوار والقيادات الأوروبية والأميركية والإسرائيلية، وهو الذي نظّم مؤتمرات المعارضة، وهو الذي زرع الفوضى في الوطن العربي الهادئ لتحقيق أمن إسرائيل”.

هذا يعني أنه هو الذي حرّض الشعب التونسي والشعب المصري والشعب الليبي والشعب اليمني، وكذلك الشعب السوري، على الثورة ضد حكامهم! إنك أيها اليهودي الفرنسي برنار هنري ليفي على كل شيء قدير!

ليس هذا هو الرأي الوحيد الطريف، بل هناك رأي آخر أشد منه طرافة حول منع حدوث الثورات. فبعدما اشتعلت في سوريا التي كانت انطلقت شرارتها من مدينة درعا، قال بعض “بعيدي النظر” لو أن النظام عاقب قادة الأجهزة الأمنية الذين اعتقلوا وعذّبوا بعض تلامذة المدارس الذين كتبوا على جدران مدارسهم، بعد انتصار الثورتين التونسية والمصرية: “يا سوريا جاء دورك”، لما نشبت الثورة وامتدت إلى جميع أنحاء سوريا، ولبقي الناس قابلين بالحكم الديكتاتوري جاثماً على صدورهم ربما أربعين سنة أخرى!

أودّ أن أذكّر بأن قانوناً صدر أثناء حوادث حماة قبل أكثر من ثلاثين عاماً ينص على إعفاء رجال الأمن من كل مسؤولية في حال وفاة أحد المواطنين تحت التعذيب! قانون صريح وواضح ولا يحتمل التأويل! على رغم ذلك يطالب هؤلاء الجاهلون النظام بخرق القوانين التي يصدرها!

لقد كان رجال الأمن “رحماء” بتلامذة المدارس! فلم يستخدموا ما خوّلهم القانون فعله، وهذا، والله، من شيم الكرام! العفو عند المقدرة! لقد اكتفوا فقط بشلع أظفارهم وجلدهم جلداً ناعماً ليل نهار!

هناك أمر مهم لم يخطر على بال هؤلاء. إن رجال الأمن إذا تيقنوا أنهم سيتعرضون للعقاب لتعذيبهم مواطنين، فمعنى ذلك أنهم سيتوقفون عن التعذيب، تالياً سيتمرد المواطنون على النظام الوطني التقدمي الذي يقف صخرة منيعة أمام الإمبريالية والصهيونية والرجعية، ويؤدي ذلك إلى انهيار النظام! ثم هل لرجال الأمن عندنا مهمة غير تعذيب المواطنين؟! إن شعبنا السوري لم يرهم يعملون طوال نصف قرن غير ذلك! أتذكر هنا ما كتبه حنا مينة في إحدى رواياته أنه عندما كان صغيراً كان يظن أن عمل الإقطاعي هو جلد الفلاحين لأنه لم يره يفعل غير ذلك!

للثورة أيها السيد المحلل السياسي قوانين تحكمها ولا تتعلق بنشاط شخص خطر على باله أن “يزرع الفوضى في الوطن العربي الهادئ لتحقيق أمن إسرائيل”! فإعدام القيصر شقيق لينين لم يكن سبب ثورة أكتوبر الاشتراكية! يعجبني في هذا المقام تعريف لينين للثورة في كتابه “الدولة والثورة”: “تحدث الثورة عندما لا يقبل من هو تحت حكم من هو فوق، وعندما لا يستطيع من هو فوق حُكْمَ من هو تحت”، ومن هذا التعريف ننطلق لنناقش من يدعون للحوار بين الجلاد والضحية.

يقولون دعونا نتحاور ونتوقف عن سفك الدماء ونعود إلى حال الاستقرار والأمان التي كنا “نتمتع” بها طوال أكثر من أربعة عقود! يريدون منا أن نعود إلى استقرار الظلم والاستبداد وليس استفزاز الحرية والكرامة والديموقراطية وتداول السلطة! هل سمعتم أن ثورة عبر التاريخ دخلت في حوار مع من ثارت عليهم؟ هل دخل سبارتاكوس في حوار مع أسياده؟ هل دخل القرامطة في حوار مع مضطهديهم؟ هل دخل ثوار فرنسا في حوار مع لويس السادس عشر؟

الثورة أيها السادة لها قانون واحد: إما تنتصر وإما تنهزم!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى