حسين جموصفحات سورية

قد نكون “كلنا سوريين” /حسين جمو

“لقّنوا الخونة الأكراد درساً بأنْ ليس لدينا أكراد، كلنا سوريون بس، ومن لا يريد ان يكون سورياً، فلينقلع من سوريا”.

ليست هذه عبارة سرّية في اجتماع عقد في غرف مغلقة، بل كلام يتم تداوله في تعليقات بأسماء صريحة على “الفيسبوك” و”تويتر” بهذا المضمون. الجديد الذي يتبلور في الخطاب الشعبوي هذا، والذي يؤثر على ما يسمى بالنخبة السياسية ويقيّدها أيضاً، هو بروز مقولة “كلنا سوريون” كنسخة مستحدثة – مبدئياً – من المساواة الوطنية الفاشية، والتي تحل محل مبدأ المساواة البعثية في حل مشكلة التنوع والتمايز القومي والثقافي المخزنة في تعبير “كلنا عرب”. لم تكن كلمة المسؤول في وزارة الاعلام السورية، أحمد الحاج علي، عام 2004 خلال انتفاضة القامشلي، زلة لسان عندما أراد نفي التمييز ضد الأكراد، فقال حينها، وكررها، أن الأكراد هم “عرب سوريون”. التعبيران لهما المضمون ذاته: إلغاء بشر موجودين. وليس صدفة أنه في الحالتين، يستهدف الإلغاء غير العرب.

المعنى الأوّلي لـ”كلنا سوريون” يحمل في طيّاته تحولاً نظرياً عن مقولات العروبة التقليدية، فالمساواة الظاهرة التي تتضمنها تعتبر تقدمية، من حيث أنها رؤية حديثة لحالة سياسية اجتماعية اقتصادية في طور التشكل على أسس من الحوامل الإضافية، بحيث تقترب الهوية السورية نظرياً من حالات تشبهها، كما الهوية الباكستانية على سبيل المثال. كلا الدولتين حديثتان سياسياً، والانقسام القبلي في باكستان في أربعة أقاليم كبرى يقابله في سوريا انقسام طائفي وقومي لكل مساحته الجغرافية ضمن سوريا. وتمكنت باكستان خلال عقود من التحديث المتعثر تحويل الانقسام إلى تنوع رغم عدم خلو مسيرة التنوع من توترات داخلية تنفجر بين حين وآخر على شكل حملات عسكرية للجيش الذي يقوده البنجابيون، ضد البشتون في إقليم بختونخوا، أو الاغتيالات الهائلة التي تشهدها كراتشي. لكن ليس من بين الأسباب هو سعي المركز البنجابي، وبدرجة أقل السندي، فرض مقولة “كلنا باكستانيون”، بل بسبب عدم تكيف البشتون مع المؤسسات بسهولة.

ما يلوح في أفق “كلنا سوريون” أمر مختلف، إذ أنها تنطوي على إنكار الهويات لصالح هوية افتراضية يُراد منها أن تكون مبتدأ التعريف السياسي والثقافي للقوميات، فـ”كلنا سوريون” بالصيغ الحالية المتداولة تعني أن الكردية كهوية قومية هي في تضاد معها، وحتى السريانية- الآشورية التي هي أصل التسمية. المطلوب، إذاً، نفي وتدمير ما يعيق تشكل الهوية السورية النقية، الخالية من شوائب كانت تتحدى في السابق عروبة البعثيْن وجمال عبد الناصر.

“الهوية السورية” ليست معطى ذو بعد واحد كما يتم التبشير به على نحو خجول حتى الآن، لكن بحدّة وقسوة، إذ يمكن فتح الطريق لعدة أشكال ومضامين لهذه الهوية. في الحالة الأولى، فإنها هوية إنكارية لغيرها، لا تسمح بنمو تعبيرات سياسية قومية لا تكون في حالتها الأصلية سوريّة. لكن، لا توجد في الأساس هوية سورية هي أصل، فهي مفهوم ما زال افتراضياً، ولا أساس ثقافي له باعتبارها اسماً من دون مدلول تجسدها كتلة بشرية لها وزنها، فالعرب ليسوا سوريين ولا الأكراد سوريين مثلما أن العلويين ليسوا سنّة، إلا إذا كانت الهوية السورية هي نتيجة وليست أصلاً، بحيث تصبح في هذه الحالة دائرة جامعة لكل الهويات التي تعيش على الجغرافية السورية.. دائرة عليا للهويات القومية والطائفية التي ترتضي بأن تكون إحدى تشكيلات هذه الصيغة المتقدمة. هذا ينطبق حتى على العرب أيضاً، فالعربي لا يمكن أن يكون سورياً قبل أن يكون عربياً، وداخل العربية هناك هويات فرعية طائفية صلبة مثل العلوية والاسماعيلية والمسيحية.

بهذا المعنى تكون “السورية” هي آخر سلسلة من التعريفات الذاتية للهوية، وهي بذلك تكتسب معنىً من هذا التلاقي، إنما ليست قائمة بذاتها وليست تاريخية إلا بما تمنحها إياها الروافد الحية من معنى وقيمة.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى