صفحات الناس

قذائف «عمياء» تقضّ مضاجع السوريين «الآمنين»!

دمشق – يحيى الأوس

بضعة أمتار لا أكثر هي المسافة التي فصلت بين المدرسة والمكان الذي سقطت فيه القذيفة في مدينة جرمانا، إحدى ضواحي دمشق. وحدها الإرادة الإلهية حالت دون وقوع مجزرة مروعة في آخر أيام الدوام لطلاب المرحلة الإعدادية (المتوسطة). فالطلاب كانوا في فترة الاستراحة خارج قاعات التدريس عندما دوّى صوت القذيفة خلف سور المدرسة، ناشراً حالاً من الذعر الشديد والفوضى في أوساط الطلاب، بعضهم وقع على الأرض وكاد يقضي تحت نعال زملائه المذعورين، وآخرون انفجروا ببكاء هستيري ريثما تمكنوا من الوصول إلى قاعات التدريس والاحتماء فيها خشية وقوع قذائف أخرى كما درجت العادة من قبل.

أهالي الطلاب هرعوا إلى المدرسة أفواجاً عقب انتشار خبر أن القذيفة سقطت في باحة المدرسة وليس خلف سورها. أمهات يكفكفن دموعهن ويبتهلن إلى الله ألا يكون أبناؤهن بين القتلى، وآباء يركضون في الطرقات المؤدية إلى المدرسة للوصول إلى أولادهم.

لم تسقط القذيفة بين طلاب المدرسة في ذلك اليوم، واكتفت ببعض الكسور في أطراف بعض الطلاب نتيجة التدافع. لكنها لم تعد خالية الوفاض، إذ قضت على تسعة مواطنين كانوا ينجزون بعض الأعمال في المجمع الحكومي الذي أصابته خلف المدرسة.

يقول رشيد، وهو عامل في الكشك الذي أصابته القذيفة على باب المجمع الحكومي ونجا بأعجوبة: «كنت أتجادل مع شخص حول مبلغ 100 ليرة سورية فُرضت أخيراً لإتمام المعاملات العقارية، وكان يعترض على دفعها بشدة. وعندما خرج أصيب بشظية وقتل على الفور. أسال نفسي: كم باتت حياة الإنسان في سورية رخيصة؟ فكل واحد منا معرّض في أي لحظة لأن يكون الضحية الجديدة».

تدفع جرمانا ثمن حيادها بطريقة مختلفة. فهي تعيش كابوساً يومياً اسمه القذائف. فلا يكاد يمضي يوم من دون ان يسجل في المدينة سقوط عدد من القذائف، كان أكثرها خطورة هذه القذيفة، لأنها كادت تدك أسوار مدرسة للأطفال. لكن ما يصُوَّر على أنه كابوس في هذه المدينة، التي لا تزال هادئة نسبياً في معادلة الصراع الداخلي في سورية، تعيشه مناطق أخرى في شكل يومي، كالمعضمية والحجر الأسود والمليحة ومناطق في قلب العاصمة دمشق أيضاً كحي برزة الذي يتعرض لغارات شديدة وقذائف لا تميز بين مدرسة للأطفال ومعمل للذخيرة بين طفل بريء ومقاتل محترف. ففي شهر آذار (مارس) الماضي، سقط أكثر من 12 طالباً في كلية الهندسة المعمارية جراء سقوط قذيفة على كليتهم، ما دفع آلاف الطلبة إلى التوقف عن ارتياد الجامعات والمعاهد. كما قضت طالبة في منطقة البرامكة في دمشق بشظية قذيفة في الفترة ذاتها تقريباً. ويمكن الحديث عن مئات الأطفال الذين سقطوا جراء الأعمال الحربية المنتشرة في البلاد.

يقول أبو تيسير، الذي يسكن في منطقة برزة: «انتظرنا بفارغ الصبر انقضاء العام الدراسي كي نتمكن من الإبقاء على أطفالنا في البيوت، لكننا لا نستطيع اليوم ضبطهم تماماً. وغالباً ما يفلتون من رقابتنا، فتجدهم في زقاق الحي، وهذا خطير في منطقة مثل برزة يتوالى سقوط القذائف عليها من جهات مختلفة».

يتابع: «قُتلتْ ابنة شقيقتي، واسمها زينب (11 سنة)، بقذيفة هاون بينما كانت في الطريق إلى منزلها عائدة من المدرسة في شهر شباط (فبراير) الماضي. كما قتل وشُوّه عشرات الأطفال في المنطقة، بفعل القذائف، فضلاً عن عشرات العائلات التي فقدت أطفال لها بفعل القذائف».

تعد قذائف الهاون من أخطر الأسلحة التي تتهدد المدنيين، كونها تضرب قلب المناطق المأهولة من دون أي إمكان لتوقعها أو التنبؤ بها، وتالياً، عدم القدرة على اتخاذ إجراءات كفيلة بمنع وصولها إلى هذه المناطق، أو على الأقل التخفيف من أضرارها. وباعتبار الأطفال هم الفئة الأقل خبرة في حماية أنفسهم، فإن القذائف تمثل تهديداً مباشراً لحياة الأطفال الذين غالباً ما يكونون موجودين في أماكن مفتوحة، كشرفات المنازل او أماكن اللعب المفتوحة.

وعلى رغم أن القذائف ليست وحدها التي تقتل أطفال سورية اليوم، فإن القصف الجوي والسيارات المفخخة والقناصات تتواطأ كلها للقتل. لكن القذائف هي أكثر وسائل القتل انتشاراً، كونها تنتشر على نطاق واسع وتكون في متناول أيدي جميع المتقاتلين، وكذلك لأنها تأتي خبط عشواء ولا تتورع عن ضرب أكثر المناطق استقراراً.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى